1702
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل ألعاشر بعد المئة
الاتاوة والمكس والاعشار
ضرائب الزراعة
وعلى أصحاب الأرض والمزارعين دفع نصيب الحكومة من الحاصل. وقد عينت الحكومات موظفين لجباية حصتها، عرفوا ب "حزرو" في نصوص المسند. وواحدهم "حزر" "الحازر" والخارص في لغة القران الكريم. ويذكر علماء اللغة إن "الحزرة" من المال خياره. وفي الحديث إن الرسول بعث مصدقاً، فقال له: لا تأخذ من حزرات أنفس الناس شيئاً، خذ الشارف والبكر يعني في الصدقة.
والخرص الحزر والحدس والتخمين. هذا هو الأصل في معناه. ومنه خرص التمر والنخل،لأن الخرص انما هو تقدير بطن لا احاطة. وفاعل ذلك "الخارص". وما يقدر هو خرص الأرض، وخرص النخل. وكان هؤلاء الخراص يذهبون في المواسم إلى البساتين والمزارع لخرصها. وفي الحديث كان النبي يبعث الخراص على نخيل خيبر عند ادراك ثمرها فيحزرونه رطباً كذا وتمراً كذا.
ولا نستطيع أن ناتي بتأريخ ثابت معين عن مبدأ فرض الضرائب الزراعية والضرائب الأخرى في العربية الجنوبية، ولا في أي مكان آخر من جزيرة العرب، لعدم ورود نصوص جاهلية عن ذلك. ويظهر إن ما نسميه بالضرائب، كان في بادىء أمره صدقة يدفعها المتمكن عن نفسه وعن أمواله، قربة للالهة وزكاة لنفسه ولأهله ولأمواله، لترضى عنه الالهة، ولتن عليه بالصحة والعافية. ومن هذا القبيل النذور، التي كان يكثر منها الإنسان في السابق فكانت تكوّن مورداً حسناً من موارد الحكومة وألمعبد. فلما ظهر الملوك، وصارت الحكومة حكومتهم، فرضوا ضرائب إلزامية لتكون وارداً يمون الملوك وحكومتهم بما يحتاجون اليه من مال ونفقات.
والضرائب عالية في الغالب، بالنسبة إلى المزارعين المالكين لأرضين صغيرة وللمزارعين الذين يشتغلون باًجور، أو يستغلون الأرض بعقود فعلى هؤلاء دفع عوائد أخرى إلى سادتهم أصحاب الملك،والى رجال الدين الذين يطالبون المزارعين بدفع زكاة زرعهم لهم قسراً، فلا يبقى لدى هؤلاء من غلتهم إلا النزر اليسير الذي لا يكاد يكفيهم. فعاش الفلاح في ضنك من العيش. وهذا مما أثر على الوضع العام للدولة بالطبع.
أما كبار الملاكين وسادات القبائل والأشراف،فلم يكونوا يدفعون إلى حكومتهم إلا جزءاً صغيراً من دخلهم الذي يحصلون عليه من الزرع. فقد كانوا يتحايلون عليها في تقدير غلاتهم، كما كانوا يحملون المزارعين والمستأجرين لأملاكهم وأفراد قبيلتهم العبء الأكبر في دفع الضرائب. فقد كانوا هم الذين يقومون بجمع،الغلّة وتوزيعها وافراز حصة الحكومة وحصة المعبد والحقوق الأخرى المترتبة على المزارع. فكانوا يتناولون حصصهم كاملة وزيادة، ويحملون مزارعيهم ومن يشتغل في خدمتهم دفع حصة الحكومة والمعبد، فلا يقع عنهم من باقي الحصة إلا الشيء القليل. يقع ذلك والحكومة عارفة به، ولكنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً، لنفوذ كبار الملاكين وسادات القبائل وسلطانهم على أتباعهم الموروث من العادة والعرف. ولضمان تحصيل حصص الحكومة من الزرع، كان جباة الضرائب يأتون المزارع، فيأخذون ما قدروه وخرصوه من خيار الزرع ويتركون الباقي للفلاح. وقد يثبتون حصة الحكومة عند حلول أوان التقدير ويعينونها، فإذا حان وقت جمع الحاصل، جاءوا فأخذوا غلة ما عينوه. ويقولون لهذا الشي تأخذه الحكومة من الغلة "رزم". يأخذونه وهو بعد على الأرض، قبل نقله إلى موضع التجميع و التخزين.
والمزارع الصغير مغبون في كل شيء،وكذلك الفلاح. كان على المزارعين والفلاحين أن يبدأوا عملهما بالاستدانة من وكلائهم الذين يتوكلون عنهم في تصريف حاصلهم أو من رب الأرض، فيحملونهم ربا الدين ويتحكمون عندئذ في أمورهم، ويحصلون منهم على ربح يؤثر عليهم، حتى إذا انتهى الموسم، أو حال الحول وجد هؤلاء أنفسهم وقد أثقلتهم ديونهم، وتكاثرت عليهم التزاماتهم، وقد صاروا تابعين لأصحاب الأرض، لا يستطيعون ترك أرضهم إلا بعد ترضيتهم وتسوية ديونهم.
وكما يفعل بعض الناس في الزمن الحاضر من التهرب من دفع الضرائب بمختلف الطرق، كذلك تهرب الناس في الجاهلية من دفع الضرائب إلى الحكومات،بالرغم من العقوبات الصارمة التي فرضت علي المتهربين والمخالفين. وفي ضمن ذلك الاستيلاء على الحاصل الزراعي كله، وتهديم المذاخر التي قد يخفى فيها الحاصل وتهديم أملاك صاحبه. ونجد في أحد النصوص إن من يخفي حاصله ولا يدفع ما عليه ويخفيه في القن جمع قنة "قنت"، أي المخازن ويتستر عليه، فإنه يصادر عليه ويؤخذ منه، بل يستولي على كل ما يعثر عليه في المزرعة ويتلف، ويعاقب بالقتل أيضا.
أما بالنسبة إلى الضرائب الزراعية عند أهل العربية الغربية أو أهل المواضع الأخرى من جزيرة العرب، فلا نملك نصوصاً جاهلية عن هذا الموضوع. ولكنا نجد في القرآن الكريم وفي كتب التفسير اشارة إليها. ورد فيه: )وقالوا هذه أنعام وحرث حِجرٌ لا يطعمها إلآ من نشاء بزعمهم، وأنعام حرمت ظهورها، وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها، افتراءً عليه. سيجزيهم بما كانوا يفترون. وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا، وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء. سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم(. وورد: )وهو الذي أنشأ جنّات معروشات وغير معروشات، والنخل والزرع مختلفاً أكله والزيتون والرمان متشابهاً وغير متشابه. كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده، ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين(. وورد، )وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً، فقالوا: هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا، فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون(. ففي الايات المذكورة أن أهل الجاهلية، كانوا جعلوا لله ولشركائه من ثمراتهم وما لهم نصيباً، فاذا كان يوم حصاد الزرع أو قطف الثمر، أخرجوا من كل عشرة واحداً، فهي العشور. عشور كل شيئ من نخل أو عنب أو حبّ أو فواكه أو قصب. وأما أموالهم، فقد جعلوا بحيرة وسائبة ووصيلة وحامياً، وأنعاماً لا يذكرون اسم الله عليها.
ونجد في كتب رسول الله الى الملوك وسادات القبائل اشارة الى "العشر"، أي إلى هذا الحق الذي كانوا قد فرضوه على أنفسهم، ففي كتابه الى "عبد يغوث بن وعلة الحارثي": "إن له ما أسلم عليه من أرضها وأشيائْها، يعني نخلها، ما أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وأعطىُ خمس المغانم في الغزو،ولا عشر ولا حشر". وفي كتابه لقيس بن الحصين ذي الغصة، أمانة لبني أبيه بني الحارث ولبني نهد.: "إن لهم ذمة الله وذمة رسوله،لا يحشرون ولا يعشرون" وفي كتابه لبني جُعيل: "لهم مثل الذي لهم، وعليهم مثل الذي عليهم، وانهم لا يحشرون ولا يعشرون". وفي كتابه إلى "العلاء بن الحضرمي": "وابعث معها ما اجتمع عندك من الصدقة والعشور". وفي كتابه "لبادية الأسياف ونازلة الأجواف مما حاذت صحار: ليس عليهم في النخل خراص ولا مكيال مطبق حتى يوضع في الفداء وعليهم في كل عشرة أوساق وسق"، أي العشر.
ونجد في كتاب رسول الله لعمرو بن معبد الجهني وبني الحرقة من جهينة وبني الجرمز: "وما كان من الدين مدونة لأحد من المسلمين قضى عليه برأس المال وبطل الربا في الرهن. وأن الصدقة في الثمار العشر". فجعل الصدقة بمعنى العشر، أي زكاة الثمار. وتجد العلماء يجعلون الصدقة زكاة، والزكاة صدقة، يفترق الإسم ويتفق المسمى ، ونجدهم يفرقون بينهما في بعض الأحيان، اذ تكون الصدقة تطوعاً، بينما الزكاة حكماً مفروضا، له حدود معلومة على نحو ماحددته كتب الفقه والأحكام.
وقد كان هذا شأن أهل الحجاز، ولا سيما أهل يثرب يؤدون عشر حاصل زرعهم، يوم حصاده وعند الصرام، وبقوا على حالهم هذه حتى فرضت الصدقة المعلومة، أيَ الزكاة، فسن العشر ونصف العشر، وترك عشر الجاهلية، على نحو ما نجده في كتب الفقه والأحكام. وفي الحديث: فما سقت الأنهار والغيم العشور، وفيما سقى بالسانية والغروب والدلاء نصف العشر.
وقد أشير إلى "العشر" في كَتاب "عمر" إلى "زياد بن حدير"، حيث جاء: "إن أقاموا ستة أشهر فخذ منهم العشر، وان أقاموا سنة، فخذ منهم نصف العشر". وفي كتاب آخر بعث اليه أيضاً هذا نصه: "لا تعشرهم في السنة الا مرة".
وعرف من كان يجمع "الصدقة" في الإسلام ب "المصدق". وهو آخذ الصدقات، أي الحقوق من الإبل والغنم يقبضها ويجمعها، والمتصدق معطيها. وقد جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله، فقالوا: إن ناساً من المُصدّقين يأتوننا فيظلموننا، فقال رسول الله: ارضوا مصدقيكم ، وقد حث الرسول على إرضاء المصدق.
و "الساعي" مثل المصدق، ممن يستعمل على ألصدقات ويتولى استخراجها من أربابها. وفي حديث وائل بن حجر، إن وائلاً يستسعي ويترفل على الأقيال، أي يستعمل على الصدقات، وقد أهمل استعمال لفطة "الساعي" في هذا المعنى فيما بعد، واستعملت في أمور أخرى، مثل سعاة البريد. وقيل لمن يتولى أمر الصدقات ويشرف على سعاتها "عامل الصدقة"، و "عمال الصدقّات". ونجد في كتب اللغهْ لفظة "السمرج"، في معنى له صلة بالضرائب، يذكر علماء اللغة انها لفظة فارسية معربة، تّعني استخراج الخراج في ثلاث مرات، أو اسم يوم ينقد فيه الخراج، ويوم جباية الخراج. أو هو يوم للعجم يستخرجون فيه الخراج في ثلاث مرات. وذكر بعض علماء اللغة إن "الشمرج" اسم ً يوم جباية الخراج للعجم، وقد عربه "رؤبة"، بأن جعل "الشين" هذا ونستطيع حصر الضرائب التي كان يدفعها أهل الجاهلية في ثلاثة أصناف: ضرائب الأرض أي ما يؤخذ عن غلة الأرض، وضرائب الرؤوس أي ما يقال الجزية في الإسلام، وضرائب التجارة والأرباح. وقد كانت تقدم إلى الحكومة أو سادة القبائل، على شكل نقود، أو سبائك ذهب أو مصوغات. حيث تحفظ في خزائنهم وفي خزائن المعابد في حالة الضرائب التي تدفع إلى المعبد.
وكانت الجباية بأنواعها من المآكل والمطاعم بالنسبة لبعض من يتولون أمرها، ياكلون ما يتمكنون من أكله، ويسلمون الباقي إلى من عينهم عليها، ونجد في الموارد الاسلامية اشارات إلى الرشوة والمرتشين واكلي الصدقات والى "المصانعة" أي الرشوة، يقال صانع الوالي أو الأمير إذا رشاه.
ال
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق