إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 4 فبراير 2016

1763 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثالث والثلاثون بعد المئة النسيء


1763

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
       
الفصل الثالث والثلاثون بعد المئة

النسيء

عرف علماء العربية النسيء بقولهم: "والنسيء المذكور في قول الله تعالى: )انما النسيء زيادة في الكفر(. شهر كانت تؤخره العرب في الجاهلية، فنهى الله عز وجل عنه في كتابه العزيز حيث قال: )انما النسيء زيادة في الكفر(، الآية، و ذلك انهم كانوا إذا صدروا عن منى بقوم رجلٌ من كنانة، فيقول: أنا الذي لا يرد لي قضاء، فيقولون: أنسئنا شهراً، أي أخر عنا حرمة المحرم واجعلها في صفر فيحل لهم المحرم". وعرف النسيء بأنه تأخير بعض الأشهر الحرم إلى شهر آخر. و ذلك من "نسأ". والنسء تأخير الوقت. وجعله بعضهم بمعنى "الكبس"، المعروف. وقد ذهب العلماء إلى أن النسيء كل زيادة حدثت في شيء، فالشيء الحادث فيه تلك الزيادة بسبب ما حدث فيه نسيء. فالنسيء تأخير حرمة المحرم إلى صفر، وجعل المحرم شهراً حلالاً، يجوز لهم القتال فيه، لأنهم كانوا يكرهون أن تتوالى عليهم ثلاثة أشهر حرم، لا يغيرون فيها ولا يغزون، ومعاشهم على الغارات والغزو. ففعلوا النسيء، لإحلال ذمتهم من حرمة محرم، ولتجويز القتال فيه، فكانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر فيحرمونه ويستحلون المحرم فيمكثون بذلك زماناً، ثم يزول التحريم إلى المحرم، ولا يفعلون ذلك إلا في ذي الحجة. وقد عرف بعض العلماء النسيء بأنه تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر. و "العرب تقول: نسا الله في أجلك، وأنسأ الله أجلك، أي أخر الله أجلك".

فهم كانوا يستحلون ترك الحج في الوقت الذي هو واجب فيه، ويوجبونه في الوقت الذي لا يجب فيه،وجوّزوا ذلك عليهم حتى ضلوا باتباعهم هذا التجويز. بأن جعلوا الشهر الحرام حلالاً، إذا احتاجوا إلى القتال فيه، وجعلوا الشهر الحلال حراماً، ويقولون شهراً بشهر، وإذا لم يحتاجوا إلى ذلك لم يفعلوه. فكانوا "يحجون في كثير من السنين، بل أكثرها في غير ذي الحجة"، ومن هنا تلاعبوا بالأشهر وأخرجوها حقيقتها، بأن جعلوا الشهر الحرام حلالاً والشهر الحلال حراماً، فخالفوا بذلك ما اتفق عليه من تحريم اشهر بعينها هي من الأشهر الحل، ومن تحليل أشهر هي الاشهر الحرم.

واذا أخذنا مما جاء على لسان بعض الشعراء عن النسيء، مثل قولهم: ألسنا الناسئين على مـعـدّ  شهور الحل نجعلها حراما

وقول أحدهم: وكنا الناسئين علـى مـعـدّ  شهورهم الحرام إلى الحليل

وقول الآخر: نسئوا الشهور بها وكانوا أهلها  من قبلكم والعز لم يتـحـول

واعتبرناه صحيحاً، نستنتج منه آن النسيء كان خاصاً بحج "مكة"، وبالقبائل التي عرفت بقبائل "معد". وقد عرفنا قبائل وعشائرها وفي جملتها قريش.

واذا اخذنا النسيء بهذا المعنى، صار معناه مجرد تبديل شهر بشهر، وتأخير حرمة شهر إلى الشهر الذي يليه. وليس هذا بزيادة، أي زيادة أيام أو شهر على شهور السنة، وهي الأيام التي تتخلف فيها السنة القمرية عن السنة الشمسية، لتتساوى بها، فتثبت الأشهر في مواضعها من الفصول، وهو ما يعر عنه يالكبس فليس هذا النسيء كبساً اذاً.

وقد تعرض "البيروني" لموضوع النسيء عند العرب، فقال: "وكانوا في الجاهلية يستعملونها على نحو ما يستعمله أهل الإسلام. وكان يدور حجهم في الأزمنة الأربعة. ثم أرادوا إن يحجوا في وقت ادراك سلعهم من الادم و الجلود والثمار وغير ذلك، وأن يثبت ذلك على حالة واحدة، وفي أطيب الأزمنة وأخصبها. فتعلموا الكبس من اليهود المجاورين لهم. و ذلك قبل الهجرة بقريب من مئتي سنة. فأخذوا يعملون بها ما يشاكل فعل اليهود من إلحاق فضل ما بين سنتهم وسنة الشمس شهراً بشهورها اذا تم... ويسمون هذا من فعلهم النسيء، لأنهم كانوا ينسأون أول السنة في كل سنتين أو ثلاث شهراً، على حسب ما يستحقه التقدم".

وتعرض "ابن الأجدابي" لموضوع "الكبس" والسنة "الكبيسة" عند العبرانيين واليونانيين كذلك، فقال: "وقد كانت العرب في الجاهلية تفعل مثل هذا، وتزيد في كل ثالثة من سنيها شهراً، على نحو ما ذكرناه عن العبرانيين واليونانيين. وكانوا يسمون ذلك النسيء. كانت سنة النسيء ثلاثة عشر شهراً قمريه. وكانت شهورهم حينئذ غير دائرة في الأزمنة، كان لكل شهر منها زمن لا يعلوه. فهذا كان فعل الجاهلية حين أحدثوا النسيء، وعملوا به. فلما جاء الله تعالى بالإسلام بطل ذلك، وحرم العمل به. فقال: إنما النسيء زيادة في الكفر. وقال عزّ وجلّ: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله. فسنة العرب اليوم اثنا عشر شهراً قمرية دائرة في الأزمنة الأربعة".

والنسيء الذي ذكره "البيروني" و "ابن الأجدابي"، هو كبس صحيح، وليس مجرد تقديم شهر وتأخير آخر على نحو ما رأيت. غايته تثبيت الأزمنة، وجعل الحج في موسم ثابت معين، فلا يكون في شتاء مرة، وفي صيف مرة أخرى، وفي ربيع مرة، وفي خريف مرة أخرى، يجعل السنة سنة قمرية شمسية على نحو فعل يهود بسنتهم، وهو بهذا المعنى في رواية "المسعودي". فقد قال: "وقد كانت العرب في الجاهلية تكبس في كل ثلاث سنين شهراً وتسميه النسيء وهو التأخير، وقد ذم الله تبارك وتعالى فعلهم بقوله: )إنما النسيء زيادة في الكفر(.

وكان النسيء الأول للمحرم، فسمي صفر به. وشهر ربيع الأول باسم صفر  

ثم والوا بين أسماء الشهور. وكان النسيء الثاني لصفر، فسمي الذي كان يتلوه بصفر أيضاً. وكذلك حتى دار النسيء في الشهور الاثني عشر،وعاد إلى المحرم فأعادوا بها فعلهم الأول. وكانوا يعدون أدوار النسيء، ويحدّون بها الأزمنة، فيقولون: قد دارت السنون من زمان كذا إلى زمان كذا دورة. فإن ظهر لهم مع تقدم شهر عن فصله من الفصول الأربعة لما يجتمع من كسور سنة الشمس وبقية فضل ما بينها وبين سنة القمر الذي الحقوه بها، كبسوه كبسا ثانياً،وكان يبين لهم ذلك بطلوع منازل القمر وسقوطها حتى هاجر النبي عليه السلام، وكانت نوبة النسيء كما ذكرت بلغت شعبان، فسمي محرماً، وشهر رمضان صفراً، فانتظر النبى، صلى الله عليه وسلم، حينئذ حجة الوداع، وخطب بالناس، وقال فيها: "ألا، وإِن الزمان قد استدار كهيأته يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله، منها أربعة حرم، ثلاثة متوالية: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب الذي يدعى شهر مضر الذي جاء بين جمادى الآخرة وشعبان، والشهر تسعة وعشرون وثلاثون". ومنذ ذلك الحين ترك النسيء. "وعنى بذلك إن الشهور عادت إلى مواضعها، وزال عنها فعل العرب بها. ولذلك سميت حجة الوداع الحج الأقوم. ثم حرم ذلك، وأهمل أصلاً". وقد ذكر "المسعودي" إن عدة الشهور عند العرب وسائر العجم اثنا عشر شهراً. وتقسيم السنة إلى اثني عشر شهراً، هو تقسيم قديم يعود إلى ما قبل الميلاد.

وذُكر أن نسيء العرب كان على ضربين: أحدهما تأخير شهر المحرم إلى صفر لحاجتهم إلى شن الغارات وطلب الثارات، والأخر تأخير الحج عن وقته تحرّياً منهم للسنة الشمسية، فكانوا يؤخرونه في كل عام أحد عشر يوماً، حتى يدور الدور فيه الى ثلاث وثلاثين سنة، فيعود إلى وقته. وهذا الرأي يلخص ما أورده أهل الأخبار في النسيء. ويتلخص في شيئين: النسيء تأخير الشهور، و ذلك بإحلال شهر في مكان شهر آخر، للاستفادة من ذلك في التحليل والتحريم، والنسيء بمعنى الكبس، وهو إضافة الفرق الذي يقع بين السنة الشمسية والسنة القمرية إلى الشهور القمرية لتلافي النقص الكائن بين السنتين، ولتكون الشهور القمرية بذلك ثابتة لا تتغير، تكون في مواسمها المعينة، فلا يقع حادث في شهر من شهورها في الشتاء، ثم يتحول بمرور السنين، فيقع بعد امد في الصيف أو في الربيع، كما يقع ذلك في الشهور القمرية الصرفة المستعملة في الإسلام.

وتسمى الطريقة الثانية، وهي إضافة فرق الأيام بين السنتين الشمسية والقمرية إلى السنة القمرية "الكبس" في اصطلاح العلماء. وقد كانت شهور اليهود، وهي شهور قمرية، تساوي "354" يوماً وست ساعات، فهي لذلك أنقص بأحد عشر يوماً عن السنة الرومانية، فادخلوا، شهر ثالث عشر في كل ثلاث سنوات، سموه "فيادار" أو "أذار الثاني"، وبهذه الطريقة جعلوا السنة القمرية مساوية للسنة الشمسية. وقد ذكر "المسعودي"، أن أيام السنة "ثلثمائة وأربعة وخمسون يوماً، تنقص عن السرياني أحد عشر يوماً وربع يوم، فتفرق في كل ثلاث وثلاثين سنة، فتنسلخ تلك السنة العربية ولا يكون فيها نيروز، وقد كانت العرب في الجاهلية تكبس في كل ثلاث سنين شهراً، وتسميه النسيء وهو التأخير". وذكر "القلقشندي"، أنهم كانوا يؤخرون في كل عام أحد عشر يوماً، حتى يسور السور إلى ثلاث وثلاثين سنة، فيعود إلى وقته،فلما كانت سنة حجة الوداع، وهي تسع من الهجرة، عاد الحج إلى وقته اتفاقاً في ذي الحجة كما وضع أولاء، فأقام رسول الله،صلى الله عليه وسلم، فيه الحج، ثم قال في خطبته التي خطبها يومئذ: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، يمعنى أن الحج قد عاد في في الحجة". وذكروا إن المشركين كانوا "يحجون في كل شهر عامن، فحجّوا في ذي الحجة عامين، ثم حجوا في المحرم عامين، ثج حجوا في صفر عامين، وكذلك في الشهور كلها حتى وافقت حجة أبي بكر الي حجها قبل حجة الوعاع ذا القعدة من السنة التاسعة، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم، في العام المقيل حجة الوداع فوافقت ذا الحجه، فذلك قوله في خطبته: إن الزمان قد استدار... الحديث. أراد بذلك أن أشهر الحج رجعت إلى مواضعها، وعاد الحج إلى ذي الحجة وبطل النسيء.

وورد في خبر يرجع سنده إلى "إياس بن معاوية"، أن المشركين كانوا "يحسبون السنة اثني عشر شهرأ وخمسة عشر يوماً، فكان الحج يكون في رمضان وفي ذي القعدة، وفي كل شهر من السنة بحكم استدارة الشهر بزيادة الخمسة عشر يوماً، فحج أبو بكر سنة تسع في ذي القعدة بحكم الاستدارة، ولم يحج النبي، صلى الله عليه وسلم، فلما كان في العام المقبل وافق الحج ذا الحجة في العشر، ووافق ذلك الآهلة". وقد ورد في الحديث: "الشهر هكذا وهكذا، يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين"، كما ورد: "شهران لا ينقصان شهراً عيد رمضان وذو الحجة". فإذا أخذنا بذلك، كان الفرق بين أيام السنة القمرية وأيام السنة الشمسية، هو ما يجب اضافته على السنة القمرية لتكون سنة شمسية، ذات أشهر ثابتة.

واذا صحت رواية بعض الأخباريين عن إضافة الجاهليين أحد عشر يوماً، إلى السنة القمرية، ليضمنوا بذلك ثبات الأشهر، وعدم تغير أوقاتها. فإن ذلك يكون كبساً صحيحاً بالمعنى المفهوم من الكبس، مؤديا للغاية المتوخاة منه. وعندئذ تكون سنة أولئك الجاهليين المستعملين للكبس سنة قمرية شمسية. وانا لا أستبعد شيوعها عند أهل المدينة، بسبب اختلاطهم باليهود، ولا أستبعد كذلك اتفاقهم مع يهود يثرب في استعمال السنة المستعملة عند اليهود نفسها، وابتدائهم بالشهر الذي كان يبدأ به أولئك اليهود.

ويؤيد هذه الرواية ما ذكره أهل الأخبار كلهم من إن الغاية التي حملت العاملين بالنسيء على استعمالهم له "انهم كانوا يحبون إن يكون يومَ صدرَهم عن الحج في وقت واحد بن السنة" فكانوا ينسئونه. والنسيء التأخير، فيؤخرونه في كل سنة أحد عشر يوماً، فإذا وقع في عدة ايام من ذي الحجة، جعلوه في العام المقبل لزيادة أحد عشر يوماً من ذي الحجة، ثم على تلك الأيام يفعلون كذلك في أيام السنة كلها. وكانوا يحرمون الشهرين اللذين يقع فيهما الحج، والشهر الذي بعدهما، ليواطئوا في النسيء بذلك عدة ما حرم الله. وكانوا يحرمون رجباً كيف وقع الأمر. فيكون في السنة اربعة أشهر حرم".

أما التفسير الأول للنسيء، وهو تفسيره بمعنى تحليل شهر محرم، وتحريم شهر حلال، وتأخر شهر وتقدم شهر، فإنه لا يحقق ما ذكر من رغبة الناس يومئذ في حجهم في وقت ثابت لا يتغير ولا يتبدل، لأن الحج يتغير فيه، فيكون أحياناً في الصيف، وأحياناً في الشتاء، وأحياناً في الربيع، واحيانا في الخريف. وهذا لا يتفق مع زعم أهل الأخبار في السبب الذي دعا إلى الأخذ بالنسيء.

والنسيء بهذا التفسر، لا يفيد إلا من ناحية التحايل والتلاعب في ايجاد حيل مشروعة في تجويز القتال في بعض الأشهر الحرم، و ذلك كان تكون قبيلة قوية تريد القتال في شهر محرم، لاستعدادها له فيه فتعمد إلى هذا الحل، والتحايل على العرف بالتوسل إلى "القلمس" لتغيير الشهور، فيصير الشهر الحرام حلالاً، وبذلك يتاح لها القتال فيه.

وإني أرى في هذا التفسير تكلفاً ظاهراً، وهو يعارض مع ما ذكر من الغابة من النسيء. واذا جاز إحداثه في سنة ما للغايات المذكورة، فلا يعقل احداثه في كل سنة بانتظام. وإلا لم يبق له معنى ما ولا فائدة ترجى عندئذ منه.

وقد جاء معنى النسيء في الآية: "إنما النسيء زيادة في الكفر، يضل به الذين كفروا، يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً. ليواطئوا عدة ما حرم الله، فيحلوا ما حرم الله. زين لهم سوء اعمالهم، والله لا يهدي القوم الكافرين". فقال بعض علماء التفسير: كانوا يجعلون السنه ثلاثة عشر شهراً، فيجعلون المحرم صفراً، فيستحلون فيه الحرمات، فأنزل اللّه إنما النسيء زيادة في الكفر. "وكان المشركون يسمون الأشهر: ذو الحجة، والمحرم، وصفر، وربيع، وربيع، و جمادى، وجمادى، ورجب، و شعبان، ورمضان، وشوال، و ذو القعدة، و ذو الحجة، يحجون فيه مرة ثم يسكتون عن المحرم فلا يذكرونه، ثم يعودون فيسمون صفر صفر. ثم يسمون رجب جمادى الآخر، ثم يسمون شعبان رمضان، ثم يسمون رمضان شوالاً، ثم يسمون ذا القعدة شوالاً، ثم يسمون ذا الحجة ذا القعدة،ثم يسمون المحرم ذا الحجة، فيحجون فيه، واسمه عندهم ذو الحجة. ثم عادوا بمثل هذه القصة، فكانوا يحجون في كل شهر عامين، حتى وافق حجة أبي بكر، رضي الله عنه، الأخر من العامين في ذي العقدة، ثم حج النبي، صلى الله عليه وسلم حجته التي حج، فوافق ذا الحجة، فذلك حين يقول النبي، صلى الله عليه وسلم، في خطبته إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض". فالنسيء هو المحرم، وكان يحرم المحرم عاماً، ويجرم صفر عاماً، وزيد صفراً في آخر الأشهر الحرم، وكانوا يؤخرون الشهور حتى يجعلوا صفر المحرم، فيحلوا ما حرم الله. وكانت هوازن، وغطفان، وبنو سليم، يعظمونه، وهم الذين كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية. وهكذا كانوا يجعلون سنة المحرم صفراً، فيغزون فيه، فيغنمون فيه ويصيبون ويحرمونه سنة. وذكر أنهم كانوا يسكتون عن المحرم ولا يذكرونه، ثم يعودون فيسمون صفراً.

وقد تحدث "الطبرسي" عن النسيء فقال: " قال مجاهد: كان المشركون يحجون في كل شهر عامين، فحجوا في ذي الحجة عامين، ثم حجوا في المحرم عامين، ثم حجوا في صفر عامين، وكذلك في الشهور حتى وافقت الحجة التي قبل حجة الوداع في ذي القعدة، ثم حج النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، في العام القابل حجة الوداع، فوافقت في ذي الحجة، فذلك حين قال النبى، صلى الله عليه وسلم، وذكر في خطبته ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض. السنة اثنا عشر. شهراً. منها أربعة حرم. ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، و المحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان. أراد عليه السلام الأشهر الحرم رجعت إلى مواضعها وعاد الحح إلى ذي الحجة وبطل النسيء".

وهذا الفعل الذي هو النسيء، هو الذي جعل العلماء يقولون: إن الصفر النسيء الذي كانوا يفعلونه. في الجاهلية، وهو تأخيرهم المحرم إلى صفر في تحريمه ويجعلون صفراٌ هو الشهر الحرام. فهم يدخلون شهراً جديداً على السنة بعد فتى الحجة، يكون مقامه بين هذا الشهر وبين شهر صفر الأول، الذي هو المحرم من. الأشهر الحرم. وبذلك يكونون قد فصلوا بين الأشهر الحرم الثلاثة، بأن جعلوا شهراً حلالاً جديداً بين الشهرين المحرمين: ذو القعدة وذو الحجة، وبين الشهر الثالث المتصل بهما، وهو المحرم، ففصل عن الشهرين، وصار وحيداً. فعلوا ذلك ليحافظوا على وقت الحج، بجعله ثابتاً. ولما كان ذلك معناه تغيير حرمة الأشهر الحرم الثلاثة بجعل الشهر الحلال شهراً حراماً، والشهر الحرام حلالا، حرم النسيء في الإسلام. فابتعدت السنة بذلك عن السنة الشمسية،وصار الحج يدور باختلاف المواسم، لأن السنة صارت سنة قمرية. وبذلك تغير وقت الحج عما كان عليه في الجاهلية،فلم يعد ثابتاً على نحو ما كان عليه عند الجاهليين.

وفراراً من امم النسيء، الذي هو زيادة في الكفر، كانوا في صدر الإسلام يسقطون عند رأس كل ثلاث وثلاثين سنة عربية، سنة ويسمونها: سنة الازدلاق لأن كل ثلاث وثلاثين سنة عربية تساوي اثنتين وثلاثين سنة شمسية تقريباً.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق