إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 25 يونيو 2015

4772 والاخيرة البداية والنهاية ( ابن كثير ) مقتل يلبغا الأمير الكبير


4772 والاخيرة

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 مقتل يلبغا الأمير الكبير

جاء الخبر بقتله إلينا بدمشق في ليلة الاثنين السابع عشر من ربيع الآخر مع أسيرين جاءا على البريد من الديار المصرية، فأخبرا بمقتله في يوم الأربعاء ثاني عشر هذا الشهر‏:‏ تمالأ عليه مماليكه حتى قتلوه يومئذ، وتغيرت الدولة ومسك من أمراء الألوف والطبلخانات جماعة كثيرة، واختبطت الأمور جداً، وجرت أحوال صعبة، وقام بأعباء القضية الأمير سيف الدين طيتمر النظامي وقوي جانب السلطان ورشد، وفرح أكثر الأمراء بمصر بما وقع‏.‏

وقدم نائب السلطنة إلى دمشق من بيروت فأمر بدق البشائر، وزينت البلد ففعل ذلك، وأطلقت الفرنج الذين كانوا بالقلعة المنصورة فلم يهن ذلك على الناس‏.‏

وهذا آخر ما وجد من التاريخ والحمد لله وحده، وصلواته على نبينا محمد وآله‏.‏

تم نقل الكتاب بكل مضامينه اللهم انفعنا بما علمتنا وزدنا هدى يارب العالمين



( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


4771 البداية والنهاية ( ابن كثير ) سفر نائب السلطنة إلى الديار المصرية


4771

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 سفر نائب السلطنة إلى الديار المصرية

لما كانت ليلة الحادي والعشرين قدم طشتمر دويدار يلبغا على البريد، فنزل بدار السعادة، ثم ركب هو ونائب السلطنة بعد العشاء الأخيرة في المشاعل، والحجبة بين أيديهما والخلائق يدعون لنائبهم، واستمروا كذلك ذاهبين إلى الديار المصرية فأكرمه يلبغا وأنعم عليه وسأله أن يكون ببلاد حلب، فأجابه إلى ذلك وعاد فنزل بدار سنجر الإسماعيلي، وارتحل منها إلى حلب‏.‏

وقد اجتمعت به هنالك وتأسف الناس عليه، وناب في الغيبة الأمير سيف الدين زبالة، إلى أن قدم النائب المعز السيفي قشتمر عبد الغني على ما سيأتي‏.‏

وتوفي القاضي شمس الدين بن منصور الحنفي الذي كان نائب الحكم رحمه الله يوم السبت السادس والعشرين من المحرم، ودفن بالباب الصغير، وقد قارب الثمانين‏.‏

وفي هذا اليوم أو الذي بعده توفي القاضي شهاب الدين أحمد ابن الوزوازة ناظر الأوقاف بالصالحية‏.‏

وفي صبيحة يوم الجمعة ثالث صفر نودي في البلد أن لا يتخلف أحد من أجناد الحلقة عن السفر إلى بيروت، فاجتمع الناس لذلك فبادر الناس والجيش ملبسين إلى سطح المزة، وخرج ملك الأمراء أمير على كان نائب الشام من داره داخل باب الجابية في جماعته ملبسين في هيئة حسن وتجمل هائل‏.‏

وولده الأمير ناصر الدين محمد وطلبه معه، وقد جاء نائب الغيبة والحجبة إلى بين يديه إلى وطاقه وشاوروه في الأمر، فقال‏:‏ ليس لي ها هنا أمر، ولكن إذا حضر الحرب والقتال فلي هناك أمر، وخرج خلق من الناس متبرعين، وخطب قاضي القضاة تاج الدين الشافعي بالناس يوم الجمعة على العادة، وحرض الناس على الجهاد، وقد ألبس جماعة من غلمانه اللأمة والخوذ وهو على عزم المسير مع الناس إلى بيروت ولله الحمد والمنة‏.‏

ولما كان من آخر النهار رجع الناس إلى منازلهم وقد ورد الخبر بأن المراكب التي رُؤيت في البحر إنما هي مراكب تجار لا مراكب قتال، فطابت قلوب الناس، ولكن ظهر منهم استعداد عظيم ولله الحمد‏.‏

وفي ليلة الأحد خامس صفر قدم بالأمير سيف الدين شرشي الذي كان إلى آخر وقت نائب حلب محتاطاً عليه بعد العشاء الآخرة إلى دار السعادة بدمشق، فسير معزولاً عن حلب إلى طرابلس بطالاً، وبعث في سرجين صحبة الأمير علاء الدين بن صبح‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/367‏)‏

وبلغنا وفاة الشيخ جمال الدين بن نابتة حامل لواء شعراء زمانه بديار مصر بمرستان الملك المنصور قلاوون، وذلك يوم الثلاثاء سابع صفر من هذه السنة رحمه الله تعالى‏.‏

وفي ليلة ثامنه هرب أهل حبس السد من سجنهم وخرج أكثرهم فأرسل الولاة صبيحة يومئذ في أثرهم فمسك كثير ممن هرب فضربوهم أشد الضرب، وردوهم إلى شر المنقلب‏.‏

وفي يوم الأربعاء خامس عشره نودي بالبلدان أن لا يعامل الفرنج بالبنادقة والحبوبة والكيتلان واجتمعت في آخر هذا اليوم بالأمير زين الدين زبالة نائب الغيبة النازل بدار الذهب فأخبرني أن البريدي أخبره أن صاحب قبرص رأى في النجوم أن قبرص مأخوذة، فجهز مركبين من الأسرى الذي عنده من المسلمين إلى يلبغا‏.‏

ونادى في بلاده أن من كتم مسلماً صغيراً أو كبيراً قتل، وكان من عزمه أن لا لا يبقى أحداً من الأسارى إلا أرسله‏.‏

وفي آخر نهار الأربعاء خامس عشره قدم من الديار المصرية قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي المالكي الذي كان قاضي المالكية فعزل في أواخر رمضان من العام الماضي، فحج ثم قصد الديار المصرية فدخلها لعله يستغيث فلم يصادفه قبول، فادّعى عليه بعض الحجاب وحصل له ما يسوءه، ثم خرج إلى الشام فجاء فنزل في التربة الكاملية شمالي الجامع‏.‏

ثم انتقل إلى منزل ابنته متمرضاً والطلابات والدعاوى والمصالحات عنه كثيرة جداً، فأحسن الله عاقبته‏.‏

وفي يوم الأحد بعد العصر دخل الأمير سيف الدين طيبغا الطويل من القدس الشريف إلى دمشق فنزل بالقصر الأبلق، ورحل بعد يومين أو ثلاثة إلى نيابة حماه حرسها الله بتقليد من الديار المصرية، وجاءت الأخبار بتولية الأمير سيف الدين منكلي بغا نيابة حلب عوضاً عن نيابة دمشق وأنه حصل له من التشريف والتكريم والتشاريف بديار مصر شيء كثير ومال جزيل وخيول وأقمشة وتحف يشق حصرها‏.‏

وأنه قد استقر بدمشق الأمير سيف الدين اقشتمر عبد الغني، الذي كان حاجب الحجاب بمصر، وعوض عنه في الحجوبية الأمير علاء الدين طبغا أستاذ دار يلبغا وخلع على الثلاثة في يوم واحد‏.‏

وفي يوم الأحد حادي عشر ربيع الأول اشتهر في البلد قضية الفرنج أيضاً بمدينة الإسكندرية وقدم بريدي من الديار المصرية بذلك، واحتيط على من كان بدمشق من الفرنج وسجنوا بالقلعة وأخذت حواصلهم، وأخبرني قاضي القضاة تاج الدين الشافعي يومئذ أن أصل ذلك أن سبعة مراكب من التجار من البنادقة من الفرنج قدموا إلى الإسكندرية فباعوا بها واشتروا‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/368‏)‏

وبلغ الخبر إلى الأمير الكبير يلبغا أن مركباً من هذه السبعة إلى صاحب قبرص، فأرسل إلى الفرنج يقول لهم‏:‏ أن يسلموا هذه المركب فامتنعوا من ذلك وبادروا إلى مراكبهم، فأرسل في آثارهم ستة وشواني مشحونة بالمقاتلة، فالتقوا هم والفرنج في البحر فقتل من الفريقين خلق ولكن من الفرنج أكثر وهربوا فارين بما معهم من البضائع‏.‏

فجاء الأمير علي الذي كان نائب دمشق أيضاً في جيش مبارك ومعه ولده ومماليكه في تجمل هائل، فرجع الأمير علي واستمر نائب السلطة حتى وقف على بيروت ونظر في أمرها، وعاد سريعاً‏.‏

وقد بلغني أن الفرنج جاؤوا طرابلس غزاة وأخذوا مركباً للمسلمين من المينا وحرقوه، والناس ينظرون ولا يستطيعون دفعهم ولا منعهم؛ وأن الفرنج كروا راجعين، وقد أسروا ثلاثة من المسلمين، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏ انتهى والله أعلم‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

4770 البداية والنهاية ( ابن كثير ) درس التفسير بالجامع الأموي


4770

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 درس التفسير بالجامع الأموي

وفي صبيحة يوم الأربعاء الثامن والعشرين من شوال سنة سبع وستين وسبعمائة، حضر الشيخ العلامة الشيخ عماد الدين بن كثير درس التفسير الذي أنشأه ملك الأمراء نائب السلطنة الأمير سيف الدين منكلي بغا رحمه الله تعالى من أوقاف الجامع الذي جددها في حال نظره عليه أثابه الله‏.‏

وجعل من الطلبة من سائر المذاهب خمسة عشر طالباً لكل طالب في الشهر عشرة دراهم، وللمعيد عشرون، ولكاتب الغيبة عشرون، وللمدرّس ثمانون، وتصدق حين دعوته لحضور الدرس، فحضر واجتمع القضاة والأعيان، وأخذ في أول تفسير الفاتحة، وكان يوماً مشهوداً ولله الحمد والمنة، وبه التوفيق والعفة انتهى‏.‏‏.‏‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/366‏)‏

قضاة الحنابلة الشيخ شرف الدين أحمد بن الحسن بن قاضي الجبل المقدسي، وناظر الدواوين سعد الدين بن التاج إسحاق؛ وكاتب السر فتح الدين بن الشهيد، وهو شيخ الشيوخ أيضاً، وناظر الجيوش الشامية برهان الدين بن الحلي، ووكيل بيت المال القاضي ولي الدين بن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء‏.‏انتهى‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4769 البداية والنهاية ( ابن كثير )


4769

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 وفاة قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن حاتم الشافعي

وفي العشر الأول من شهر شعبان قدم كتاب من الديار المصرية بوفاة قاضي القضاة بدر الدين محمد ابن جماعة بمكة شرفها الله، في العاشر من جمادى الآخرة ودفن في الحادي عشر في باب المعلي وذكروا أنه توفي وهو يقرأ القرآن‏.‏

وأخبرني صاحب الشيخ محيي الدين الرحبي حفظه الله تعالى أنه كان يقول كثيراً‏:‏ أشتهي أن أموت وأنا معزول، وأن تكون وفاتي بأحد الحرمين، فأعطاه الله ما تمناه‏:‏ عزل نفسه في السنة الماضية، وهاجر إلى مكة، ثم قدم المدينة لزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

ثم عاد إلى مكة وكانت وفاته بها في الوقت المذكور فرحمه الله وبل بالرحمة ثراه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/364‏)‏

وقد كان مولده في سنة أربع وتسعين، فتوفي عن ثلاث وسبعين سنة، وقد نال العز عزاً في الدنيا ورفعة هائلة، ومناصب وتداريس كبار، ثم عزل نفسه وتفرغ للعبادة والمجاورة بالحرمين الشريفين، فيقال له ما قلته في بعض المراثي‏:‏

فكأنك قد أُعلمت بالموت حتى * تزودت له من خيار الزاد

وحضر عندي في يوم الثلاثاء تاسع شوال البترك بشارة الملقب بميخائيل، وأخبرني أن المطارنة بالشام بايعوه على أن جعلوه بتركاً بدمشق عوضاً عن البترك بإنطاكية، فذكرت له أن هذا أمر مبتدع في دنيهم، فإنه لا تكون البتاركة إلا أربعة بالإسكندرية وبالقدس وبإنطاكية وبرومية، فنقل بترك رومية إلى استنبول وهي القسطنطينية‏.‏

وقد أنكر عليهم كثير منهم إذ ذاك، فهذا الذي ابتدعوه في هذا الوقت أعظم من ذلك‏.‏

لكن اعتذر بأنه في الحقيقة هو عن إنطاكية، وإنما أذن له في المقام بالشام الشريف لأجل أنه أمره نائب السلطنة أن يكتب عنه وعن أهل ملتهم إلى صاحب قبرص، يذكر له ما حل بهم من الخزي والنكال والجناية بسبب عدوان صاحب قبرص على مدينة الإسكندرية‏.‏

وأحضر لي الكتب إليه وإلى ملك استنبول وقرأها عليّ من لفظه لعنه الله ولعن المكتوب إليهم أيضاً‏.‏

وقد تكلمت معه في دينهم ونصوص ما يعتقده كل من الطوائف الثلاثة، وهم الملكية واليعقوبية ومنهم الإفرنج والقبط والنسطورية، فإذا هو يفهم بعض الشيء، ولكن حاصله أنه حمار من أكفر الكفار لعنه الله‏.‏

وفي هذا الشهر بلغنا استعادة السلطان أويس ابن الشيخ حسن ملك العراق وخراسان لبغداد من يد الطواشي مرجان الذي كان نائبه عليهما، وامتنع من طاعة أويس، فجاء إليه في جحافل كثيرة فهرب مرجان ودخل أويس إلى بغداد دخولاً هائلاً، وكان يوماً مشهوداً‏.‏

وفي يوم السبت السابع والعشرين من شعبان قدم الأمير سيف الدين بيدمر من الديار المصرية على البريد أمير مائة مقدم ألف، وعلى نيابة يلبغا في جميع دواوينه بدمشق وغيرها، وعلى إمارة البحر وعمل المراكب، فلما قدم أمر بجمع جميع النشارين والنجارين والحدادين وتجهزيهم لبيروت لقطع الأخشاب، فسيروا يوم الأربعاء ثاني رمضان وهو عازم على اللحاق بهم إلى هنالك وبالله المستعان‏.‏

ثم أتبعوا بآخرين من نجارين وحدادين وعتالين وغير ذلك، وجعلوا كل من وجدوه من ركاب الحمير ينزلونه ويركبوا إلى ناحية البقاع، وسخروا لهم من الصناع وغيرهم، وجرت خطبة عظيمة وتباكى عوائلهم وأطفالهم، ولم يسلفوا شيئاً من أجورهم، وكان من اللائق أن يسلفوه حتى يتركوه إلى أولادهم‏.‏

وخطب برهان الدين المقدسي الحنفي بجامع يلبغا عن تقي الدين ابن قاضي القضاة شرف الدين الكفري، بمرسوم شريف ومرسوم نائب صفد استدمر أخي يلبغا، وشق ذلك عليه وعلى جده وجماعتهم، وذلك يوم الجمعة الرابع من رمضان، هذا وحضر عنده خلق كثير‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/365‏)‏

وفي يوم الخميس الرابع والعشرين منه قرئ تقليد قاضي القضاة شرف الدين بن قاضي الجبل لقضاء الحنابلة، عوضاً عن قاضي القضاة جمال الدين المرداوي، عزل هو والمالكي معه أيضاً، بسبب أمور تقدم نسبتها لهما وقرئ التقليد بمحراب الحنابلة، وحضر عنده الشافعي والحنفي‏.‏

وكان المالكي معتكفاً بالقاعة من المنارة الغربية، فلم يخرج إليهم لأنه معزول أيضاً برأي قاضي حماه، وقد وقعت شرور وتخبيط بالصالحية وغيرها‏.‏

وفي صبيحة يوم الأربعاء الثلاثين من شهر رمضان خلع على قاضي القضاة سري الدين إسماعيل المالكي، قدم من حماه على قضاء المالكية، عوضاً عن قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي، عزل عن المنصب، وقرئ تقليده بمقصورة المالكية من الجامع، وحضر عنده القضاة والأعيان‏.‏

وفي صبيحة يوم الأربعاء سابع شوال قدم الأمير حيار بن مهنا إلى دمشق سامعاً مطيعاً، بعد أن جرت بينه وبين الجيوش حروب متطاولة، كل ذلك ليطأ البساط، فأبى خوفاً من المسك والحبس أو القتل، فبعد ذلك كله قدم هذا اليوم قاصداً الديار المصرية ليصطلح مع الأمير الكبير يلبغا، فتلقاه الحجبة والمهمندارية والخلق‏.‏

وخرج الناس للفرجة، فنزل القصر الأبلق، وقدم معه نائب حماه عمرشاه فنزل معه، وخرج معه ثاني يوم إلى الديار المصرية‏.‏

وأقرأني القاضي ولي الدين عبد الله وكيل بيت المال كتاب والده قاضي القضاة بهاء الدين بن أبي البقاء قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية، أن الأمير الكبير جدد درساً بجامع ابن طولون فيه سبعة مدرسين للحنفية، وجعل لك فقيه منهم في الشهر أربعين درهماً، وأردب قمح، وذكر فيه أن جماعة من غير الحنفية انتقلوا إلى مذهب أبي حنيفة لينزلوا في هذا الدرس‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4768 البداية والنهاية ( ابن كثير ) مما يتعلق بأمر بغداد



4768


البداية والنهاية ( ابن كثير )

 مما يتعلق بأمر بغداد

أخبرني الشيخ عبد الرحمن البغدادي أحد رؤساء بغداد وأصحاب التجارات، والشيخ شهاب الدين العطار - السمسار في الشرب بغدادي أيضاً - أن بغداد بعد أن استعادها أويس ملك العراق وخراسان من يد الطواشي مرجان، واستحضره فأكرمه وأطلق له، فاتفقا أن أصل الفتنة من الأمير أحمد أخو الوزير، فأحضره السلطان إلى بين يديه وضربه بسكين في كرشه فشقه‏.‏

وأمر بعض الأمراء فقتله، فانتصر أهل السنة لذلك نصرة عظيمة، وأخذ خشبته أهل باب الأزج فأحرقوه وسكنت الأمور وتشفوا بمقتل الشيخ جمال الدين الأنباري الذي قتله الوزير الرافضي فأهلكه الله بعده سريعاً انتهى‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4767 البداية والنهاية ( ابن كثير ) الوقعة بين الأمراء بالديار المصرية



4767


البداية والنهاية ( ابن كثير )

 الوقعة بين الأمراء بالديار المصرية

وفي العشر الأخير من جمادى الآخرة ورد الخبر بأن الأمير الكبير يلبغا الخاصكي خرج عليه جماعة من الأمراء مع الأمير سيف الدين طيبغا الطويل، فبرز إليهم إلى قبة القصر فالتقوا معه هنالك، فقتل جماعة وجرح آخرين، وانفصل الحال على مسك طيبغا الطويل وهو جريح، ومسك أرغون السعردي الدويدار، وخلق من أمراء الألوف والطبلخانات‏.‏

وجرت خبطة عظيمة استمر فيها الأمير الكبير يلبغا على عزه وتأييده ونصره ولله الحمد والمنة‏.‏

وفي ثاني رجب يوم السبت توجه الأمير سيف الدين بيدمر الذي كان نائب دمشق إلى الديار المصرية بطلب الأمير يلبغا ليؤكد أمره في دخول البحر لقتال الفرنج وفتح قبرص إن شاء الله، انتهى والله تعالى أعلم‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4766 البداية والنهاية ( ابن كثير ) عودة قاضي القضاة السبكي إلى دمشق


4766

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 عودة قاضي القضاة السبكي إلى دمشق

في يوم الأربعاء التاسع والعشرين من جمادى الأولى قدم من ناحية الكسوة وقد تلقاه جماعة من الأعيان إلى الصمين وما فوقها، فلما وصل إلى الكسوة كثر الناس جداً وقاربها قاضي قضاة الحنفية الشيخ جمال الدين بن السراج، فلما أشرف من عقبة شحورا تلقاه خلائق لا يحصون كثرة وأشعلت الشموع حتى مع النساء، والناس في سرور عظيم‏.‏

فلما كان قريباً من الجسورة تلقته الخلائق الخليفيين مع الجوامع، والمؤذنون يكبرون، والناس في سرور عظيم، ولما قرب باب النصر وقع مطر عظيم والناس معه لا تسعهم الطرقات، يدعون له ويفرحون بقدومه، فدخل دار السعادة وسلم على نائب السلطنة، ثم دخل الجامع بعد العصر ومعه شموع كثيرة، والرؤساء أكثر من العامة‏.‏

ولما كان يوم الجمعة ثاني شهر جمادى الآخرة ركب قاضي القضاة السبكي إلى دار السعادة وقد استدعى نائب السلطنة بالقاضيين المالكي والحنبلي، فأصلح بينهم، وخرج من عنده ثلاثتهم يتماشون إلى الجامع، فدخلوا دار الخطابة فاجتمعوا هناك، وضيفهما الشافعي‏.‏

ثم حضرا خطبته الحافلة البليغة الفصيحة، ثم خرجوا ثلاثتهم من جوا إلى دار المالكي، فاجتمعوا هنالك وضيفهم المالكي هنالك ما تيسر‏.‏والله الموفق للصواب‏.‏

وفي أوائل هذا الشهر وردت المراسيم الشريفة السلطانية من الديار المصرية بأن يجعل للأمير من إقطاعه النصف خاصاً له، وفي النصف الآخر يكون لأجناده، فحصل بهذا رفق عظيم بالجند، وعدل كثير ولله الحمد، وأن يتجهز الأجناد ويحرصوا على السبق والرمي بالنشاب، وأن يكونوا مستعدين متى استنفروا نفروا‏.‏

فاستعدوا لذلك وتأهبوا لقتال الفرنج كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ‏}‏ الآية ‏[‏الأنفال‏:‏60‏]‏‏.‏

وثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على المنبر‏:‏ ‏(‏‏(‏ألا إن القوة الرمي‏)‏‏)‏‏.‏

وفي الحديث الآخر‏:‏ ‏(‏‏(‏ارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلي‏)‏‏)‏‏.‏

وفي يوم الاثنين بعد الظهر عقد مجلس بدار السعادة للكشف على قاضي القضاة جمال الدين المرداوي الحنبلي بمقتضى مرسوم شريف ورد من الديار المصرية بذلك، وذلك بسبب ما يعتمده كثير من شهود مجلسه من بيع أوقاف لم يستوف فيها شرائط المذهب، وإثبات إعسارات أيضاً كذلك وغير ذلك انتهى‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/363‏)‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

4765 البداية والنهاية ( ابن كثير ) عقد مجلس بسبب قاضي القضاة تاج الدين السبكي


4765

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 عقد مجلس بسبب قاضي القضاة تاج الدين السبكي

ولما كان يوم الاثنين الرابع والعشرين من ربيع الأول عقد مجلس حافل بدار السعادة بسبب ما رمى به قاضي القضاة تاج الدين الشافعي ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي، وكنت ممن طلب إليه فحضرته فيمن حضر‏.‏

وقد اجتمع فيه القضاة الثلاثة، وخلق من المذاهب الأربعة، وآخرون من غيرهم، بحضرة نائب الشام سيف الدين منكلي بغا، وكان قد سافر هو إلى الديار المصرية إلى الأبواب الشريفة، واستنجز كتاباً إلى نائب السلطنة لجمع هذا المجلس ليسأل عنه الناس‏.‏

وكان قد كتب فيه محضران متعاكسان أحدهما له والآخر عليه، وفي الذي عليه خط القاضيين المالكي والحنبلي، وجماعة آخرين، وفيه عظائم وأشياء منكرة جداً ينبو السمع عن استماعه‏.‏

وفي الآخر خطوط جماعات من المذاهب بالثناء عليه، وفيه خطي بأني ما رأيت فيه إلا خيراً‏.‏

ولما اجتمعوا أمر نائب السلطنة بأن يمتاز هؤلاء عن هؤلاء في المجالس، فصارت كل طائفة وحدها، وتحاذوا فيما بينهم، وتأصل عنه نائبه القاضي شمس الدين الغزي، والنائب الآخر بدر الدين بن وهبة وغيرهما، وصرح قاضي القضاة جمال الدين الحنبلي بأنه قد ثبت عنده ما كتب به خطه فيه، وأجابه بعض الحاضرين منهم بدائم النفوذ‏.‏

فبادر القاضي الغزي فقال للحنبلي‏:‏ أنت قد ثبتت عداوتك لقاضي القضاة تاج الدين، فكثر القول وارتفعت الأصوات وكثر الجدال والمقال، وتكلم قاضي القضاة جمال الدين المالكي أيضاً بنحو ما قال الحنبلي، فأجيب بمثل ذلك أيضاً‏.‏

وطال المجلس فانفصلوا على مثل ذلك، ولما بلغت الباب أمر نائب السلطنة برجوعي إليه، فإذا بقية الناس من الطرفين والقضاة الثلاثة جلوس، فأشار نائب السلطنة بالصلح بينهم وبين قاضي القضاة تاج الدين - يعني وأن يرجع القاضيان عما قالا - فأشار الشيخ شرف الدين ابن قاضي الجبل وأشرت أنا أيضاً بذلك فلان المالكي وامتنع الحنبلي، فقمنا والأمر باقٍ على ما تقدم‏.‏

ثم اجتمعنا يوم الجمعة بعد العصر عند نائب السلطنة عن طلبه فتراضوا كيف يكون جواب الكتابات مع مطالعة نائب السلطنة، ففعل ذلك وسار البريد بذلك إلى الديار المصرية، ثم اجتمعنا أيضاً يوم الجمعة بعد الصلاة التاسع عشر من ربيع الآخر بدار السعادة‏.‏

وحضر القضاة الثلاثة وجماعة آخرون، واجتهد نائب السلطنة على الصلح بين القضاة وقاضي الشافعية وهو بمصر، فحصل خلف وكلام طويل، ثم كان الأمر أن سكنت أنفس جماعة منهم إلى ذلك على ما سنذكره في الشهر الآتي‏.‏

وفي مستهل ربيع الآخر كانت وفاة المعلم داود الذي كان مباشراً لنظارة الجيش، وأضيف إليه نظر الدواوين إلى آخر وقت‏.‏

فاجتمع له هاتان الوظيفتان ولم يجتمعا لأحد قبله كما في علمي، وكان من أخبر الناس بنظر الجيش وأعلمهم بأسماء رجاله، ومواضع الإقطاعات، وقد كان والده نائباً لنظار الجيوش، وكان يهودياً قرائياً، فأسلم ولده هذا قبل وفاة نفسه بسنوات عشر أو نحوها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/361‏)‏

وقد كان ظاهره جيداً والله أعلم بسره وسريرته، وقد تمرض قبل وفاته بشهر أو نحوه، حتى كانت وفاته في هذا اليوم فصلّي عليه بالجامع الأموي تجاه النسر بعد العصر، ثم حمل إلى تربة له أعدها في بستانه بحوش، وله من العمر قريب الخمسين‏.‏

وفي أوائل هذا الشهر ورد المرسوم الشريف السلطاني بالرد على نساء النصارى ما كان أخذ منهن مع الجباية التي كان تقدم أخذها منهن، وإن كان الجميع ظلماً، ولكن الأخذ من النساء أفحش وأبلغ في الظلم، والله أعلم‏.‏

وفي يوم الاثنين الخامس عشر منه أمر نائب السلطنة أعزه الله بكبس بساتين أهل الذمة فوجد فيها من الخمر المعتصر من الخوابي والحباب فأريقت عن آخرها ولله الحمد والمنة، بحيث جرت في الأزقة والطرقات، وفاض نهر توزا من ذلك، وأمر بمصادرة أهل الذمة الذين وجد عندهم ذلك بمال جزيل، وهم تحت الجباية‏.‏

وبعد أيام نودي في البلد بأن نساء أهل الذمة لا تدخل الحمامات مع المسلمات، بل تدخل حمامات تختص بهن، ومن دخل من أهل الذمة الرجال مع الرجال المسلمين يكون في رقاب الكفار علامات يعرفون بها من أجراس وخواتيم ونحو ذلك‏.‏

وأمر نساء أهل الذمة بأن تلبس المرأة خفيها مخالفين في اللون، بأن يكون أحدهما أبيض والآخر أصفر أو نحو ذلك‏.‏

ولما كان يوم الجمعة التاسع عشر من الشهر - أعني ربيع الآخر - طلب القضاة الثلاثة وجماعة من المفتيين‏:‏ فمن ناحية الشافعي نائباه، وهما القاضي شمس الدين الغزي والقاضي بدر الدين بن وهبة، والشيخ جمال الدين ابن قاضي الزبداني، والمصنف الشيخ عماد الدين بن كثير، والشيخ بدر الدين حسن الزرعي، والشيخ تقي الدين الفارقي‏.‏

ومن الجانب الآخر قاضيا القضاة جمال الدين المالكي والحنبلي، والشيخ شرف الدين ابن قاضي الجبل الحنبلي، والشيخ جمال الدين ابن الشريشي، والشيخ عز الدين بن حمزة بن شيخ السلامية الحنبلي، وعماد الدين الحنائي‏.‏

فاجتمعت مع نائب السلطنة بالقاعة التي في صدر إيوان دار السعادة، وجلس نائب السلطنة في صدر المكان، وجلسنا حوله، فكان أول ما قال‏:‏ كنا نحن الترك وغيرنا إذا اختلفنا واختصمنا نجيء بالعلماء فيصلحون بيننا، فصرنا نحن إذا اختلفت العلماء واختصموا فيمن يصلح بينهم‏؟‏

وشرع في تأنيب من شنع على الشافعي بما تقدم ذكره من تلك الأقوال والأفاعيل التي كتبت في تلك الأوراق وغيرها، وأن هذا يشفّي الأعداء بنا، وأشار بالصلح بين القضاة بعضهم من بضع فصمم بعضهم وامتنع، وجرت مناقشات من بعض الحاضرين فيما بينهم، ثم حصل بحث في مسائل ثم قال نائب السلطنة أخيراً‏:‏ أما سمعتم قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 95‏]‏‏.‏

فلانت القلوب عند ذلك وأمر كاتب السر أن يكتب مضمون ذلك في مطالعة إلى الديار المصرية، ثم خرجنا على ذلك انتهى والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/362‏)‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4764 البداية والنهاية ( ابن كثير ) استيلاء الفرنج لعنهم الله على الإسكندرية


4764

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 استيلاء الفرنج لعنهم الله على الإسكندرية

وفي العشر الأخير من شهر الله المحرم احتيط على الفرنج بمدينة دمشق وأودعوا في الحبوس في القلعة المنصورة، واشتهر أن سبب ذلك أن مدينة الإسكندرية محاصرة بعدة شواين، وذكر أن صاحب قبرص معهم، وأن الجيش المصري صمدوا إلى حراسة مدينة الإسكندرية حرسها الله تعالى وصانها وحماها‏.‏

وسيأتي تفصيل أمرها في الشهر الأتي، فإنه وضح لنا فيه، ومكث القوم بعد الإسكندرية بأيام فيما بلغنا، بعد ذلك حاصرها أمير من التتار يقال له مامية، واستعان بطائفة من الفرنج ففتحوها قسراً، وقتلوا من أهلها خلقاً وغنموا شيئاً كثيراً واستقرت عليها يد مامية ملكاً عليها‏.‏

وفي يوم الجمعة سلخ هذا الشهر توفي الشيخ برهان الدين إبراهيم بن الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية ببستانه بالمزة، ونقل إلى عند والده بمقابر باب الصغير، فصلّي عليه بعد صلاة العصر بجامع جراح، وحضر جنازته القضاة والأعيان وخلق من التجار والعامة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/358‏)‏

وكانت جنازته حافلة، وقد بلغ من العمر ثمانياً وأربعين سنة، وكان بارعاً فاضلاً في النحو والفقه وفنون أخر على طريقة والده رحمهما الله تعالى، وكان مدرّساً بالصدرية والتدمرية، وله تصدير بالجامع، وخطابة بجامع ابن صلحان، وترك مالاً جزيلاً يقارب المائة ألف درهم انتهى‏.‏

ثم دخل شهر صفر وأوله الجمعة، أخبرني بعض علماء السير أنه اجتمع في هذا اليوم - يوم الجمعة مستهل هذا الشهر - الكواكب السبعة سوى المريخ في برجا العقرب، ولم يتفق مثل هذا من سنين متطاولة، فأما المريخ فإنه كان قد سبق إلى برج القوس فيه ووردت الأخبار بما وقع من الأمر الفظيع بمدينة الإسكندرية من الفرنج لعنهم الله‏.‏

وذلك أنهم وصلوا إليها في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شهر الله المحرم، فلم يجدوا بها نائباً ولا جيشاً، ولا حافظاً للبحر ولا ناصراً، فدخلوها يوم الجمعة بكرة النهار بعد ما حرقوا أبواباً كبيرة منها، وعاثوا في أهلها فساداً، يقتلون الرجال ويأخذون الأموال ويأسرون النساء والأطفال، فالحكم لله العلي الكبير المتعال‏.‏

وأقاموا بها يوم الجمعة والسبت والأحد والاثنين والثلاثاء، فلما كان صبيحة يوم الأربعاء قدم الشاليش المصري، فأقلعت الفرنج لعنهم الله عنها، وقد أسروا خلقاً كثيراً يقاومون الأربعة آلاف، وأخذوا من الأموال ذهباً وحريراً وبهاراً وغير ذلك ما لا يحد ولا يوصف‏.‏

وقدم السلطان والأمير الكبير يلبغا ظهر يومئذ، وقد تفارط الحال وتحولت الغنائم كلها إلى الشوائن بالبحر، فسمع للأسارى من للعويل والبكاء والشكوى والجأر إلى الله والاستغاثة به وبالمسلمين، ما قطع الأكباد وذرفت له العيون وأصم الأسماع، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

ولما بلغت الأخبار إلى أهل دمشق شق عليهم ذلك جداً، وذكر ذلك الخطيب يوم الجمعة على المنبر فتباكى الناس كثيراً، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وجاء المرسوم الشريف من الديار المصرية إلى نائب السلطنة بمسك النصارى من الشام جملة واحدة، وأن يأخذ منهم ربع أموالهم لعمارة ما خرب من الإسكندرية، ولعمارة مراكب تغزو الفرنج، فأهانوا النصارى وطلبوا من بيوتهم بعنف وخافوا أن يقتلوا، ولم يفهموا ما يراد بهم، فهربوا كل مهرب، ولم تكن هذه الحركة شرعية، ولا يجوز اعتمادها شرعاً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/359‏)‏

وقد طلبت يوم السبت السادس عشر من صفر إلى الميدان الأخضر للاجتماع بنائب السلطنة، وكان اجتمعنا بعد العصر يومئذ بعد الفراغ من لعب الكرة، فرأيت منه أنساً كثيراً، ورأيته كامل الرأي والفهم، حسن العبارة كريم المجالسة، فذكرت له أن هذا لا يجوز اعتماده في النصارى‏.‏

فقال‏:‏ إن بعض فقهاء مصر أفتى للأمير الكبير بذلك‏.‏

فقلت له‏:‏ هذا مما لا يسوغ شرعاً، ولا يجوز لأحد أن يفتي بهذا، ومتى كانوا باقين على الذمة يؤدون إلينا الجزية ملتزمين بالذلة والصغار، وأحكام الملة قائمة، لا يجوز أن يؤخذ منهم الدرهم الواحد - الفرد - فوق ما يبذلونه من الجزية، ومثل هذا لا يخفى على الأمير‏.‏

فقال‏:‏ كيف أصنع وقد ورد المرسوم بذلك ولا يمكنني أن أخالفه‏؟‏

وذكرت له أشياء كثيرة مما ينبغي اعتماده في حق أهل قبرص من الإرهاب ووعيد العقاب، وأنه يجوز ذلك وإن لم يفعل ما يتوعدهم به، كما قال سليمان بن داود عليهما السلام‏:‏ ائتوني بالسكين أشقه نصفين كما هو الحديث مبسوط في الصحيحين، فجعل يعجبه هذا جداً‏.‏

وذكر أن هذا كان في قلبه وأني كاشفته بهذا، وأنه كتب به مطالعة إلى الديار المصرية، وسيأتي جوابها بعد عشرة أيام، فتجيء حتى تقف على الجواب، وظهر منه إحسان وقبول وإكرام زائد رحمه الله‏.‏

ثم اجتمعت به في دار السعادة في أوائل شهر ربيع الأول فبشرني أنه قد رسم بعمل الشواني والمراكب لغزو الفرنج ولله الحمد والمنة‏.‏

ثم في صبيحة يوم الأحد طلب النصارى الذين اجتمعوا في كنيستهم إلى بين يديه وهم قريب من أربعمائة فحلفهم كم أموالهم وألزمهم بأداء الربع من أموالهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وقد أمروا إلى الولاة بإحضار من في معالمتهم، ووالي البر قد خرج إلى القرايا بسبب لك، وجردت أمراء إلى النواحي لاستخلاص الأموال من النصارى في القدس وغير ذلك‏.‏

وفي أول شهر ربيع الأول كان سفر قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي إلى القاهرة‏.‏

وفي يوم الأربعاء خامس ربيع الأول اجتمعت بنائب السلطنة بدار السعادة وسألته عن جواب المطالعة، فذكر لي أنه جاء المرسوم الشريف السلطاني بعمل الشواني والمراكب لغزو قبرص، وقتال الفرنج ولله الحمد والمنة‏.‏

وأمر نائب السلطنة بتجهيز القطاعين والنشارين من دمشق إلى الغابة التي بالقرب من بيروت، وأن يشرع في عمل الشواني في آخر يوم من هذا الشهر، وهو يوم الجمعة، وفتحت دار القرآن التي وقفها الشريف التعاداني إلى جانب حمام الكلس، شمالي المدرسة البادرائية، وعمل فيها وظيفة حديث وحضر واقفها يومية قاضي القضاة تاج الدين السبكي انتهى والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/360‏)‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4763 البداية والنهاية ( ابن كثير ) ثم دخلت سنة سبع وستين وسبعمائة



4763


البداية والنهاية ( ابن كثير )

 ثم دخلت سنة سبع وستين وسبعمائة

استهلت وسلطان البلاد المصرية والشامية والحرمين الشريفين وما يتبع ذلك من الأقاليم الملك الأشرف بن الحسين بن الملك الناصر محمد بن قلاوون، وعمره عشر سنين فما فوقها، وأتابك العساكر ومدبر ممالكه الأمير سيف الدين يلبغا الخاصكي، وقاضي قضاة الشافعية بمصر بهاء الدين أبو البقاء السبكي، وبقية القضاة هم المذكورون في السنة الماضية، ونائب دمشق الأمير سيف الدين منكلي بغا‏.‏

وقضاة دمشق هم المذكورون في التي قبلها سوى الحنفي فإنه الشيخ جمال الدين بن السراج شيخ الحنفية، والخطابة بيد قاضي القضاة تاج الدين الشافعي، وكاتب السر وشيخ الشيوخ القاضي فتح الدين بن الشهيد، ووكيل بيت المال الشيخ جمال الدين بن الرهاوي‏.‏

ودخل المحمل السلطاني يوم الجمعة بعد العصر قريب الغروب، ولم يشعر بذلك أكثر أهل البلد، وذلك لغيبة النائب في السرحة مما يلي ناحية الفرات، ليكون كالرد للتجريدة التي تعينت لتخريب الكبيسات التي هي إقطاع خيار بن مهنا من زمن السلطان أويس ملك العراق انتهى‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

4762 البداية والنهاية ( ابن كثير ) طرح مكس القطن المغزول البلدي والمجلوب


4762

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 طرح مكس القطن المغزول البلدي والمجلوب

وفي أواخر هذا الشهر جاء المرسوم الشريف بطرح مكس القطن المغزول البلدي والجلب أيضاً، ونودي بذلك في البلد، فكثرت الدعوات لمن أمر بذلك، وفرح المسلمون بذلك فرحاً شديداً ولله الحمد والمنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/357‏)‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


4761 البداية والنهاية ( ابن كثير ) ولاية قاضي القضاة بهاء الدين السبكي قضاء مصر بعد عزل عز الدين بن جماعة نفسه


4761

البداية والنهاية ( ابن كثير )

ولاية قاضي القضاة بهاء الدين السبكي قضاء مصر بعد عزل عز الدين بن جماعة نفسه

ورد الخبر مع البريد من الديار المصرية بأن قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز ابن قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة عزل نفسه عن القضاء يوم الاثنين السادس عشر من هذا الشهر، وصمم على ذلك، فبعث الأمير الكبير يلبغا إليه الأمراء يسترضونه فلم يقبل، فركب إليه بنفسه ومع القضاة والأعيان فتلطفوا به فلم يقبل وصمم على الانعزال‏.‏

فقال له الأمير الكبير‏:‏ فعين لنا من يصلح بعدك‏.‏

قال‏:‏ ولا أقول لكم شيئاً غير أنه لا يتولى رجل واحد، ثم ولوا من شئتم، فأخبرني قاضي القضاة تاج الدين السبكي أنه قال‏:‏ لا تولوا ابن عقيل، فعين الأمير الكبير قاضي القضاة بهاء الدين أبا البقاء فقيل‏:‏ إنه أظهر الامتناع، ثم قبل ولبس الخلعة وباشر يوم الاثنين الثالث والعشرين من جمادى الآخرة قاضي القضاة الشيخ بهاء الدين بن قاضي القضاة تقي الدين السبكي قضاء العساكر الذي كان بيد أبي البقاء‏.‏

وفي يوم الاثنين سابع رجب توفي الشيخ علي المراوحي خادم الشيخ أسد المرواحي البغدادي‏.‏

وكان فيه مروءة كثيرة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدخل على النواب ويرسل إلى الولاة فتقبل رسالته، وله قبول عند الناس، وفيه بر وصدقة وإحسان إلى المحاويج، وبيده مال جيد يتجر له فيه تعلل مدة طويلة ثم كانت وفاته في هذا اليوم فصلّي عليه الظهر بالجامع، ثم حمل إلى سفح قاسيون رحمه الله‏.‏

وفي صبيحة يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شعبان قدم الأمير سيف الدين بيدمر الذي كان نائب الشام فنزل بداره عند مئذنة فيروز، وذهب الناس للسلام عليه بعد ما سلم على نائب السلطنة بدار السعادة، وقد رسم له بطبلخانتين وتقدمة ألف وولاية الولاة من غزة إلى أقصى بلاد الشام، وأكرمه ملك الأمراء إكراماً زائداً، وفرحت العامة بذلك فرحاً شديداً بعوده إلى الولاية‏.‏

وختمت البخاريات بالجامع الأموي وغيره في عدة أماكن من ذلك ستة مواعيد تقرأ على الشيخ عماد الدين ابن كثير في اليوم، أولها بمسجد ابن هشام بكرة قبل طلوع الشمس، ثم تحت النسر، ثم بالمدرسة النورية، وبعد الظهر بجامع تنكز، ثم بالمدرسة العزية، ثم بالكوشك لأم الزوجة الست أسماء بنت الوزير ابن السلعوس، إلى أذان العصر‏.‏

ثم من بعد العصر بدار ملك الأمراء أمير علي بمحلة القضاعين إلى قريب الغروب، ويقرأ ‏(‏صحيح مسلم‏)‏ بمحراب الحنابلة داخل باب الزيارة بعد قبة النسر وقبل النورية، والله المسئول وهو المعين الميسر المسهل‏.‏

وقد قرئ في هذه الهيئة في عدة أماكن أخر من دور الأمراء وغيرهم، ولم يعهد مثل هذا في السنين الماضية، فلله الحمد والمنة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/356‏)‏

وفي يوم الثلاثاء عاشر شوال توفي الشيخ نور الدين علي من أبي الهيجاء الكركي الشوبكي، ثم الدمشقي الشافعي، كان معنا في المقري والكتاب، وختمت أنا وهو في سنة إحدى عشرة، ونشأ في صيانة وعفاف، وقرأ على الشيخ بدر الدين بن سيحان للسبع، ولم يكمل عليه ختمة‏.‏

واشتغل في ‏(‏المنهاج‏)‏ للنووي فقرأ كثيراً منه أو أكثر، وكان ينقل منه ويستحضر، وكان خفيف الروح تحبه الناس لذلك ويرغبون في عشرته لذلك رحمه الله، وكان يستحضر المتشابه في القرآن استحضاراً حسناً متقناً كثير التلاوة له، حسن الصلاة يقوم الليل، وقرأ على ‏(‏صحيح البخاري‏)‏ بمشهد ابن هشام عدة سنين، ومهر فيه‏.‏

وكان صوته جهورياً فصيح العبارة، ثم وليّ مشيخة الحلبية بالجامع وقرأ في عدة كراسي بالحائط الشمالي، وكان مقبولاً عند الخاصة والعامة، وكان يداوم على قيام العشر الأخير في محراب الصحابة مع عدة قراء يبتون فيه ويحيون الليل‏.‏

ولما كان في هذه السنة أحيا ليلة العيد وحده بالمحراب المذكور ثم مرض خمسة أيام، ثم مات بعد الظهر يوم الثلاثاء عاشر شوال بدرب العميد صلّي عليه العصر بالجامع الأموي، ودفن بمقابر الباب الصغير عنده والده في تربة لهم، وكانت جنازته حافلة وتأسف الناس عليه، رحمه الله وبل بالرحمة ثراه‏.‏

وقد قارب خمساً وستين سنة، وترك بنتا سباعية اسمها عائشة، وقد أقرأها شيئاً من القرآن إلى تبارك، وحفظها الأربعين النووية جبرها ربها ورحم أباها آمين‏.‏

وخرج المحمل الشامي والحجيج يوم الخميس ثاني عشرة، وأميرهم الأمير علاء الدين علي بن علم الدين الهلالي، أحد أمراء الطبلخانات‏.‏

وتوفي الشيخ عبد الله الملطي يوم السبت رابع عشرة، وكان مشهوراً بالمجاورة بالكلاسة في الجامع الأموي، له أشياء كثيرة من الطراريح والآلات الفقرية، ويلبس على طريقة الحريرية وشكله مزعج، ومن الناس من كان يعتقد فيه الصلاح، وكنت ممن يكرهه طبعاً وشرعاً أيضاً‏.‏

وفي يوم الخميس الخامس والعشرين من ذي القعدة قدم البريد من ناحية المشرق ومعهم قماقم ماء من عين هناك من خاصيته إنه يتبعه طير يسمى السمرمر أصفر الريش قريب من شكل الخطاف من شأنه إذا قدم الجراد إلى البلد الذي هو فيه أنه يفنيه ويأكله أكلاً سريعاً، فلا يلبث الجراد إلا قليلاً حتى يرحل أو يؤكل على ما ذكر، ولم أشاهد ذلك‏.‏

وفي المنتصف من ذي الحجة كمل بناء القيسارية التي كانت معملاً بالقرب من دار الحجارة، قبلي سوق الدهشة الذي للرجال، وفتحت وأكريت دهشة لقماش النساء، وذلك كله بمرسوم ملك الأمراء ناظر الجامع المعمور رحمه الله‏.‏

وأخبرني الصدر عز الدين الصيرفي المشارف بالجامع أنه غرم عليها من مال الجامع قريب ثلاثين ألف درهم انتهى‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4760 البداية والنهاية ( ابن كثير ) استنابه ولي الدين ابن أبي البقاء السبكي


4760

البداية والنهاية ( ابن كثير )

استنابه ولي الدين ابن أبي البقاء السبكي

وفي آخر هذا اليوم - أعني يوم الخميس ثامن عشره - حكم أقضى القضاة ولي الدين بن قاضي القضاة بهاء الدين بن أبي البقاء بالمدرسة العادلية الكبيرة نيابة عن قاضي القضاة تاج الدين مع استنابة أقضى القضاة شمس الدين العزي‏.‏

وأقضى القضاة بدر الدين بن وهيبة، وأما قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح فهو نائب أيضاً، ولكنه بتوقيع شريف أنه يحكم مستقلاً مع قاضي القضاة تاج الدين‏.‏

وفي يوم الاثنين الثاني والعشرين منه استحضر نائب السلطنة الأمير ناصر الدين بن العاوي متولي البلد ونقم عليه أشياء، وأمر بضربه فضرب بين يديه على أكتافه ضرباً ليس بمبرح، ثم عزله واستدعى بالأمير علم الدين سليمان أحد الأمراء العشراوات ابن الأمير صفي الدين بن أبي القاسم البصراوي، أحد أمراء الطبلخانات‏.‏

كان قد ولي شد الدواوين ونظر القدس والخليل وغير ذلك من الولايات الكبار، وهو ابن الشيخ فخر الدين عثمان بن الشيخ صفي الدين أبي القاسم التميمي الحنفي‏.‏

وبأيديهم تدريس الأمينية التي ببصرى والحكيمية أزيد من مائة سنة، فولاه البلد على تكره منه، فألزمه بها وخلع عليه، وقد كان وليها قبل ذلك فأحسن السيرة وشكر سعيه لديانته وأمانته وعفته، وفرح الناس ولله الحمد‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/355‏)‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4759 البداية والنهاية ( ابن كثير ) قتل الرافض الخبيث


4759

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 قتل الرافض الخبيث

وفي يوم الخميس سابع عشره أول النهار وجد رجل بالجامع الأموي اسمه محمود بن إبراهيم الشيرازي، وهو يسب الشيخين ويصرح بلعنتهما، فرفع إلى القاضي المالكي قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي فاستتابه عن ذلك وأحضر الضراب فأول ضربة قال‏:‏ لا إله إلا الله علي ولي الله‏.‏

ولما ضرب الثانية لعن أبا بكر وعمر، فالتهمه العامة فأوسعوه ضرباً مبرحاً بحيث كاد يهلك، فجعل القاضي يستكفهم عنه فلم يستطع ذلك، فجعل الرافضي يسب ويعلن الصحابة، وقال‏:‏ كانوا على الضلال، فعند ذلك حمل إلى نائب السلطنة وشهد عليه قوله‏:‏ بأنهم كانوا على الضلالة، فعند ذلك حكم عليه القاضي بإراقة دمه، فأخذ إلى ظهر البلد فضربت عنقه وأحرقته العامة قبحه الله‏.‏

وكان ممن يقرأ بمدرسة أبي عمر، ثم ظهر عليه الرفض فسجنه الحنبلي أربعين يوماً، فلم ينفع ذلك، وما زال يصرح في كل موطن يأمر فيه بالسب حتى كان يومه هذا أظهر مذهبه في الجامع، وكان سبب قتله قبحه الله كما قبح من كان قبله، وقتل بقتله في سنة خمس وخسمين‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

4758 البداية والنهاية ( ابن كثير ) ثم دخلت سنة ست وستين وسبعمائة



4758


البداية والنهاية ( ابن كثير )

 ثم دخلت سنة ست وستين وسبعمائة

استهلت هذه السنة والسلطان الملك الأشرف ناصر الدين شعبان، والدولة بمصر والشام هم هم، ودخل المحمل السلطاني صبيحة يوم الاثنين الرابع والعشرين منه، وذكروا أنهم نالهم في الرجعة شدة شديدة من الغلاء وموت الجمال وهرب الجمالين، وقدم مع الركب ممن خرج من الديار المصرية قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح، وقد سبقه التقليد بقضاء القضاة مع خالد تاج الدين يحكم فيما يحكم فيه مستقلاً معه ومنفرداً بعده‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/353‏)‏

وفي شهر الله المحرم رسم نائب السلطنة بتخريب قريتين من وادي التيم وهم مشغرا وتلبتاثا، وسبب ذلك أنهما عاصيان وأهلهما مفسدان في الأرض، والبلدان والأرض حصينان لا يصل إليهما إلا بكلفة كثيرة لا يرتقي إليهما إلا فارس فارس‏.‏

فخربتا وعمر بدلهما في أسفل الوادي، بحث يصل إليهما حكم الحاكم والطلب بسهولة، فأخبرني الملك صلاح الدين ابن الكامل أن بلدة تلبتاثا عمل فيها ألف فارس، ونقل نقضها إلى أسفل الوادي خمسمائة حمار عدة أيام‏.‏

وفي يوم الجمعة سادس صفر بعد الصلاة صلّي على قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن قاضي القضاة شرف الدين أحمد بن أقضى القضاة ابن الحسين المزي الحنفي، وكانت وفاته ليلة الجمعة المذكورة بعد مرض قريب من شهر، وقد جاوز الأربعين بثلاث من السنين‏.‏

وليّ قضاء قضاة الحنفية، وخطب بجامع يلبغا، وأحضر مشيخة النفيسية، ودرّس بأماكن من مدارس الحنفية، وهو أول من خطب بالجامع المستجد داخل باب كيسان بحضرة نائب السلطنة‏.‏

وفي صفر كانت وفاة الشيخ جمال الدين عمر بن القاضي عبد الحي بن إدريس الحنبلي محتسب بغداد، وقاضي الحنابلة بها، فتعصبت عليه الروافض حتى ضرب بين يدي الوزارة ضرباً مبرحاً، كانت سبب موته سريعاً رحمه الله‏.‏

وكان من القائمين بالحق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، من أكبر المنكرين على الروافض وغيرهم من أهل البدع رحمه الله، وبل بالرحمة ثراه‏.‏

وفي يوم الأربعاء تاسع صفر حضر مشيخة النفيسية الشيخ شمس الديب بن سند، وحضر عنده قاضي القضاة تاج الدين وجماعة من الأعيان، وأورد حديث عبادة بن الصامت ‏(‏‏(‏لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب‏)‏‏)‏ أسنده عن قاضي القضاة المشار إليه‏.‏

وجاء البريد من الديار المصرية بطلب قاضي القضاة تاج الدين إلى هناك، فسير أهله قبله على الجمال، وخرجوا يوم الجمعة حادي عشر ربيع الأول جماعة من أهل بيتهم لزيارة أهاليهم هناك، فأقام هو بعدهم إلى أن قدم نائب السلطنة من الرحبة وركب على البريد‏.‏

وفي يوم الاثنين خامس عشر جمادى الآخرة رجع قاضي القضاة تاج الدين السبكي من الديار المصرية على البريد وتلقاه الناس إلى أثناء الطريق، واحتفلوا للسلام عليه وتهنئته بالسلامة انتهى‏.‏والله أعلم‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/354‏)‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4757 البداية والنهاية ( ابن كثير ) تجديد خطبة ثانية داخل سور دمشق منذ فتوح الشام


4757

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 تجديد خطبة ثانية داخل سور دمشق منذ فتوح الشام

اتفق ذلك في يوم الجمعة الثالث، ثم تبين أنه الرابع والعشرين من ذي القعدة من هذه السنة بالجامع الذي جدد بناءه نائب الشام سيف الدين منكلي بغا، بدرب البلاغة قبلي مسجد درب الحجر، داخل باب كيسان المجدد فتحه في هذا الحين كما تقدم، وهو معروف عند العامة بمسجد الشاذوري، وإنما هو في تاريخ ابن عساكر مسجد الشهرزوري‏.‏

وكان المسجد رث الهيئة قد تقادم عهده مدة دهر، وهجر فلا يدخله أحد من الناس إلا قليل، فوسعه من قبليه وسقفه جديداً، وجعل له صرحة شمالية مبلطة، ورواقات على هيئة الجوامع، والداخل بأبوابه على العادة، وداخل ذلك رواق كبير له جناحان شرقي وغربي، بأعمدة وقناطر‏.‏

وقد كان قديماً كنيسة فأخذت منهم قبل الخمسمائة، وعملت مسجداً، فلم يزل كذلك إلى هذا الحين، فلما كمل كما ذكرنا وسيق إليه الماء من القنوات، ووضع فيه منبر مستعمل كذلك‏.‏

فيومئذ ركب نائب السلطنة ودخل البلد من باب كيسان وانعطف على حارة اليهود حتى انتهى إلى الجامع المذكور، وقد استكف الناس عنده من قضاة وأعيان وخاصة وعامة، وقد عين لخطابته الشيخ صدر الدين بن منصور الحنفي، مدرّس الناجية وإمام الحنفية بالجامع الأموي‏.‏

فلما أذن الأذان الأول تعذر عليه الخروج من بيت الخطابة، قيل لمرض عرض له، وقيل لغير ذلك من حصر أو نحوه، فخطب الناس يومئذ قاضي القضاة جمال الدين الحنفي الكفري، خدمة لنائب السلطنة‏.‏

واستهل شهر ذي الحجة وقد رفع الله الوباء عن دمشق وله الحمد والمنة‏.‏

وأهل البلد يموتون على العادة ولا يمرض أحد بتلك العلة، ولكن المرض المعتاد، انتهى‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4756 البداية والنهاية ( ابن كثير ) فتح باب كيسان بعد غلقه نحواً من مائتي سنة


4756

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 فتح باب كيسان بعد غلقه نحواً من مائتي سنة

وفي يوم الأربعاء السادس والعشرين من شعبان اجتمع نائب السلطنة والقضاة عند باب كيسان، وشرع الصناع في فتحه عن مرسوم السلطان الوارد من الديار المصرية، وأمر نائب السلطنة وإذن القضاة في ذلك، واستهل رمضان وهم في العمل فيه‏.‏

وفي العشر الأخير من شعبان توفي الشريف شمس الدين محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني المحدّث المحصّل، المؤلف لأشياء مهمة، وفي الحديث قرأ وسمع وجمع وكتب أسماء رجال ‏(‏بمسند الإمام أحمد‏)‏، واختصر كتاباً في أسماء الرجال مفيداً، وولّي مشيخة الحديث التي وقفها في داره بهاء الدين القاسم بن عساكر، داخل باب توما، وختمت البخاريات في آخر شهر رمضان‏.‏

ووقع بين الشيخ عماد الدين بن السراج قارئ البخاري عند محراب الصحابة، وبين الشيخ بدر الدين بن الشيخ جمال الدين الشريشي، وتهاترا على رؤوس الأشهاد بسبب لفظة يبتز بمعنى يدخر، وفي نسخة يتير، فحكى ابن السراج عن الحافظ المزي أن الصواب يبتز من قول العرب عزبز، وصدق في ذلك، فكأن منازعه خطأ ابن المزي‏.‏

فانتصر الآخر للحافظ المزي، فقاد منه بالقول ثم قام والده الشيخ جمال الدين المشار إليه فكشف رأسه على طريقة الصوفية، فكأن ابن السراج لم يلتفت إليه، وتدافعوا إلى القاضي الشافعي فانتصر للحافظ المزي، وجرت أمور، ثم اصلطحوا غير مرة وعزم أولئك على كتب محضر على ابن السراج، ثم انطفأت تلك الشرور‏.‏

وكثر الموت في أثناء شهر رمضان وقاربت العدة المائة، وربما جاوزت المائة، وربما كانت أقل منها وهو الغالب، ومات جماعة من الأصحاب والمعارف، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وكثر الجراد في البساتين وعظم الخطب بسببه، وأتلف شيئاً كثيراً من الغلات والثمار والخضراوات، وغلت الأسعار وقلت الثمار، وارتفعت قيم الأشياء فبيع الدبس بما فوق المائتين القنطار، والرز بأزيد من ذلك وتكامل فتح باب كيسان وسموه الباب القبلي، ووضع الجسر منه إلى الطريق السالكة، وعرضه أزيد من عشرة أذرع بالنجاري لأجل عمل الباسورة جنبتيه، ودخلت المارة عليه من المشاة والركبان‏.‏

وجاء في غاية الحسن، وسلك الناس في حارات اليهود، وانكشف دخلهم وأمن الناس من دخنهم وغشهم ومكرهم وخبثهم، وانفرج الناس بهذا الباب المبارك‏.‏

واستهل شوال والجراد قد أتلف شيئاً كثيراً من البلاد ورعى الخضروات والأشجار، وأوسع أهل الشام في الفساد، وغلت الأسعار، واستمر الفناء وكثر الضجيج والبكاء، وفقدنا كثيراً من الأصحاب والأصدقاء، فلان مات‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/352‏)‏

وقد تناقص الفناء في هذه المدة وقلّ الوقع وتناقص للخمسين‏.‏

وفي شهر ذي القعدة تقاصر الفناء ولله الحمد، ونزل العدد إلى العشرين فما حولها، وفي رابعه دخل بالفيل والزرافة إلى مدينة دمشق من القاهرة، فأنزل في الميدان الأخضر قريباً من القصر الأبلق، وذهب الناس للنظر إليهما على العادة‏.‏

وفي يوم الجمعة تاسعه صلّي على الشيخ جمال الدين عبد الصمد بن خليل البغدادي، المعروف بابن الخضري، محدث بغداد وواعظها، كان من أهل السنة والجماعة رحمه الله انتهى‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

4755 البداية والنهاية ( ابن كثير ) ثم دخلت سنة خمس وستين وسبعمائة


4755

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 ثم دخلت سنة خمس وستين وسبعمائة

استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والشامية والحرمين وما يتبع ذلك الملك الأشرف ناصر الدين شعبان بن سيدي حسين بن السلطان الملك الناصر محمد بن المنصور و قلاوون الصالحي‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/348‏)‏

وهو في عمر عشر سنين، ومدبر الممالك بين يديه الأمير الكبير نظام الملك سيف الدين يلبغا الخاصكي، وقضاة مصر هم المذكورون في السنة التي قبلها، ووزيرها فخر الدين بن قزوينة، ونائب دمشق الأمير سيف الدين منكلي بغا الشمسي، وهو مشكور السيرة‏.‏

وقضاتها هم المذكورون في السنة التي قبلها، وناظر الدواوين بها الصاحب سعد الدين ماجد، وناظر الجيش علم الدين داود، وكاتب السر القاضي فتح الدين بن الشهيد، ووكيل بيت المال القاضي جمال الدين بن الرهاوي‏.‏

استهلت هذه السنة وداء الفناء موجود في الناس، إلا أنه خف وقلّ ولله الحمد‏.‏

وفي يوم السبت توجه قاضي القضاة - وكان بهاء الدين أبو البقاء السبكي - إلى الديار المصرية مطلوباً من جهة الأمير يلبغا وفي الكتاب إجابته له إلى مسائل، وتوجه بعده قاضي القضاة تاج الدين الحاكم بدمشق وخطيبها يوم الاثنين الرابع عشر من المحرم، على خيل البريد‏.‏

وتوجه بعدهما الشيخ شرف الدين ابن قاضي الجبل الحنبلي، مطلوباً إلى الديار المصرية، وكذلك توجه الشيخ زين الدين المنفلوطي مطلوباً‏.‏

وتوفي في العشر الأوسط من المحرم صاحبنا الشيخ شمس الدين العطار الشافعي، كان لديه فضيلة واشتغال، وله فهم وعلق بخطه فوائد جيدة، وكان إماماً بالسجن من مشهد علي بن الحسين بجامع دمشق، ومصدراً بالجامع، وفقيهاً بالمدارس، وله مدرسة الحديث الوادعية، وجاوز الخمسين بسنوات، ولم يتزوج قط‏.‏

وقدم الركب الشامي إلى دمشق في اليوم الرابع والعشرين من المحرم، وهم شاكرون مثنون في كل خير بهذه السنة أمناً ورخصاً ولله الحمد‏.‏

وفي يوم الأحد حادي عشر صفر درّس بالمدرسة الفتحية صاحبنا الشيخ عماد الدين إسماعيل بن خليفة الشافعي، وحضر عنده جماعة من الأعيان والفضلاء، وأخذ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 36‏]‏‏.‏

وفي يوم الخميس خامس عشره نودي في البلد على أهل الذمة بإلزامهم بالصغار وتصغير العمائم، وأن لا يستخدموا في شيء من الأعمال، وأن لا يركبوا الخيل ولا البغال، ويركبون الحمير بالأكف بالعرض، وأن يكون في رقابهم ورقاب نسائهم في الحمامات أجراس، وأن يكون أحد النعلين أسود مخالفاً للون الأخرى، ففرح بذلك المسلمون ودعوا للآمر بذلك‏.‏

وفي يوم الأحد ثالث ربيع الأول قدم قاضي القضاة تاج الدين من الديار المصرية مستمراً على القضاة والخطابة، فتلقاه الناس وهنئوه بالعود والسلام‏.‏

وفي يوم الخميس سابعه لبس القاضي الصاحب البهنسي الخلعة لنظر الدواوين بدمشق، وهنأه الناس، وباشر بصرامة واستعمل في غالب الجهات من أبناء السبيل‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/349‏)‏

وفي يوم الاثنين حادي عشره ركب قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح على خيل البريد إلى الديار المصرية لتولية قضاء قضاة الشافعية بدمشق، عن رضا من خاله قاضي القضاة تاج الدين، ونزوله عن ذلك‏.‏

وفي يوم الخميس خامس ربيع الأول احترقت الباسورة التي ظاهر باب الفرج على الجسر، ونال حجارة الباب شيء من حريقها فاتسعت، وقد حضر طفيها نائب السلطنة والحاجب الكبير، ونائب القلعة وغيرهم‏.‏

وفي صبيحة هذا اليوم زاد النهر زيادة عظيمة سبب كثرة الأمطار وذلك في أوائل كانون الثاني، وركب الماء سوق الخيل بكماله، ووصل إلى ظاهر باب الفراديس، وتلك النواحي، وكسر جسر الخشب الذي عند جامع يلبغا، وجاء فصدم به جسر الزلابية فكسره أيضاً‏.‏

وفي يوم الخميس ثاني عشره صرف حاجب الحجاب قماري عن المباشرة بدار السعادة، وأخذت القضاة من يده وانصرف إلى داره في أقل من الناس، واستبشر بذلك كثير من الناس، لكثرة ما كان يفتات على الأحكام الشرعية‏.‏

وفي أواخره اشتهر موت القاضي تاج الدين المناوي بديار مصر وولاية قاضي القضاة بهاء الدين بن أبي البقاء السبكي مكانه بقضاء العساكر بها، ووكالة السلطان أيضاً، ورتب له مع ذلك كفايته‏.‏

وتولى في هذه الأيام الشيخ سراج الدين البلقيني إفتاء دار العدل مع الشيخ بهاء الدين أحمد بن قاضي القضاة السبكي بالشام، وقد وليّ هو أيضاً القضاء بالشام كما تقدم، ثم عاد إلى مصر موفراً مكرماً وعاد أخوه تاج الدين إلى الشام، وكذلك ولوا مع البلقيني إفتاء دار العدل الحنفي شيخاً يقال له الشيخ شمس الدين بن الصائغ، وهو مفتي حنفي أيضاً‏.‏

وفي يوم الاثنين سابع ربيع الأول توفي الشيخ نور الدين محمد بن الشيخ أبي بكر قوام بروايتهم بسفح جبل قاسيون، وغدا الناس إلى جنازته‏.‏

وقد كان من العلماء الفضلاء الفقهاء بمذهب الشافعي، درّس بالناصرية البرانية مدة سنين بعد أبيه، وبالرباط الدويداري داخل باب الفرج، وكان يحضر المدارس، ونزل عندنا بالمدرسة النجيبية، وكان يحب السنة ويفهمها جيداً رحمه الله‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14 /350‏)‏

وفي مستهل جمادى الأولى وليّ قاضي القضاة تاج الدين الشافعي مشيخة دار الحديث بالمدرسة التي فتحت بدرب القبلي، وكانت داراً لوافقها جمال الدين عبد الله بن محمد بن عيسى التدمري، الذي كان أستاذاً للأمير طاز‏.‏

وجعل فيها درس للحنابلة، وجعل المدرس لهم الشيخ برهان الدين إبراهيم بن قيم الجوزية، وحضر الدرس وحضر عنده بعض الحنابلة بالدرس، ثم جرت أمور يطول بسطها‏.‏

واستحضر نائب السلطنة شهود الحنابلة بالدرس واستفرد كلاً منهم يسأله كيف شهد في أصل الكتاب - المحضر- الذي أثبتوا عليهم، فاضطروا في الشهادات فضبط ذلك عليهم، وفيه مخالفة كبيرة لما شهدوا به في أصل المحضر، وشنع عليهم كثير من الناس، ثم ظهرت ديون كثيرة لبيت طاز على جمال الدين التدمري الواقف، وطلب من القاضي المالكي أن يحكم بإبطال ما حكم به الحنبلي، فتوقف في ذلك‏.‏

وفي يوم الاثنين الحادي والعشرين منه، قرئ كتاب السلطان بصرف الوكلاء من أبواب القضاة الأربعة فصرفوا‏.‏

وفي شهر جمادى الآخرة توفي الشيخ شمس الدين شيخ الحنابلة بالصالحية ويعرف بالبيري يوم الخميس ثامنه، صلّي عليه بالجامع المظفري بعد العصر ودفن بالسفح، وقد قارب الثمانين‏.‏

وفي الرابع عشر منه عقد بدار السعادة مجلس حافل اجتمع فيه القضاة الأربعة وجماعة من المفتيين، وطلبت فحضرت معهم بسبب المدرسة التدمرية وقرابة الواقف ودعواهم أنه وقف عليهم الثلث، فوقف الحنبلي في أمرهم ودافعهم عن ذلك أشد الدفاع‏.‏

وفي العشر الأول من رجب وجد جراد كثير منتشر، ثم تزايد وتراكم وتضاعف وتفاقم الأمر بسببه، وسد الأرض كثرة وعاث يميناً وشمالاً، وأفسد شيئاً كثيراً من الكروم والمقاني والزروعات النفيسة، وأتلف للناس شيئاً كثيراً، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وفي يوم الاثنين ثالث شعبان توجه القضاة ووكيل بيت المال إلى باب كيسان فوقفوا عليه وعلى هيئته ومن نية نائب السلطنة فتحه ليتفرج الناس به‏.‏

وعدم للناس غلات كثيرة وأشياء من أنواع الزروع بسبب كثرة الجراد، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/351‏)‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4754 البداية والنهاية ( ابن كثير ) دخول نائب السلطنة منكلي بغا


4754

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 دخول نائب السلطنة منكلي بغا

في يوم الخميس السابع والعشرين من ذي القعدة دخل نائب السلطنة منكلي بغا من حلب إلى دمشق نائباً عليها في تجمل هائل، ولكنه مستمرض في بدنه بسبب ما كان ناله من التعب في مصابرة الأعراب، فنزل دار السعادة على العادة‏.‏

وفي يوم الاثنين مستهل ذي الحجة خلع على قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي للخطابة بجامع دمشق، واستمر على ما كان عليه يخطب بنفسه كل جمعة وفي يوم الثلاثاء ثانيه قدم القاضي فتح الدين بن الشهيد ولبس الخلعة وراح الناس لتهنئته‏.‏

وفي يوم الخميس حضر القاضي فتح الدين بن الشهيد كاتب السر مشيخة السميساطية، وحضر عنده القضاة والأعيان بعد الظهر، وخلع عليه لذلك أيضاً، وحضر فيها من الغد على العادة، وخلع في هذا اليوم على وكيل بيت المال الشيخ جمال الدين بن الرهاوي وعلى الشيخ شهاب الدين الزهري بفتيا دار العدل، انتهى‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

4753 البداية والنهاية ( ابن كثير ) وفاة الخطيب جمال الدين محمود بن جمله ومباشرة تاج الدين بعده



4753


البداية والنهاية ( ابن كثير )

 وفاة الخطيب جمال الدين محمود بن جمله ومباشرة تاج الدين بعده


كانت وفاته يوم الاثنين بعد الظهر قريباً من العصر، فصلى بالناس بالمحراب صلاة العصر قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي عوضاً عنه، وصلّى بالناس الصبح أيضاً، وقرأ بآخر المائدة من قوله‏:‏ ‏{‏يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 109‏]‏‏.‏

ثم لما طلعت الشمس وزال وقت الكراهة صلى على الخطيب جمال الدين عند باب الخطابة، وكان الجمع في الجامع كثيراً، وخرج بجنازته من باب البريد، وخرج معه طائفة من العوام وغيرهم، وقد حضر جنازته بالصالحية على ما ذكر جم غفير وخلق كثير‏.‏

ونال قاضي القضاة الشافعي من بعض الجهلة إساءة أدب، فأخذ منهم جماعة وأدبوا، وحضر هو بنفسه صلاة الظهر يومئذ، وكذا باشر الظهر والعصر في بقية الأيام، يأتي للجامع في محفل من الفقهاء والأعيان وغيرهم، ذهاباً وإياباً، وخطب عنه يوم الجمعة الشيخ جمال الدين بن قاضي القضاة، ومنع تاج الدين من المباشرة، حتى يأتي التشريف‏.‏

وفي يوم الاثنين بعد العصر صلّي على الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الله البعلبكي، المعروف بابن النقيب، ودفن بالصوفية وقد قارب السبعين وجاوزها، وكان بارعاً في القراءات والنحو والتصريف والعربية، وله يد في الفقه وغير ذلك، وولّي مكانه مشيخة الإقراء بأم الصالح شمس الدين محمد بن اللبان، وبالتربة الأشرفية الشيخ أمين الدين عبد الوهاب بن السلار، وقدم نائب السلطنة من ناحية الرحبة وتدمر وفي صحبته الجيش الذين كانوا معه بسبب محاربته إلى أولاد مهنا وذويهم من الأعراب في يوم الأربعاء سادس شوال‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/336‏)‏

وفي ليلة الأحد عاشره توفي الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك، وكيل بيت المال، وموقع الدست، وصلّي عليه صبيحة الأحد بالجامع، ودفن بالصوفية، وقد كتب الكثير من التاريخ واللغة والأدب، وله الأشعار الفائقة، والفنون المتنوعة، وجمع وصنف وألّف، وكتب ما يقارب مئين من المجلدات‏.‏

وفي يوم السبت عاشره جمع القضاة والأعيان بدار السعادة وكتبوا خطوطهم بالرضى بخطابة قاضي القضاة تاج الدين السبكي بالجامع الأموي، وكاتب نائب السلطنة في ذلك‏.‏

وفي يوم الأحد حادي عشره استقر عزل نائب السلطنة سيف الدين قشتمر عن نيابة دمشق وأمر بالمسير إلى نيابة صفد فأنزل أهله بدار طيبغا حجي من الشرق الأعلى، وبرز هو إلى سطح المزة ذاهباً إلى ناحية صفد‏.‏

وخرج المحمل صحبة الحجيج وهم جم غفير وخلق كثير يوم الخميس رابع عشر شوال‏.‏

وفي يوم الخميس الحادي والعشرين من شوال توفي القاضي أمين الدين أبو حيان ابن أخي قاضي القضاة تاج الدين المسلاتي المالكي، وزوج ابنته ونائبه في الحكم مطلقاً وفي القضاة والتدريس في غيبته فعاجلته المنية‏.‏

ومن غريب ما وقع في أواخر هذا الشهر أنه اشتهر بين النساء وكثير من العوام أن رجلاً رأى مناماً فيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم عند شجرة توتة عند مسجد ضرار خارج باب شرقي‏.‏

فتبادر النساء إلى تخليق تلك التوتة، وأخذوا أوراقها للاستشفاء من الوباء، ولكن لم يظهر صدق ذلك المنام، ولا يصح عمن يرويه‏.‏

وفي يوم الجمعة سابع شهر ذي القعدة خطب بجامع دمشق قاضي القضاة تاج الدين السبكي خطبة بليغة فصيحة أداها أداء حسناً، وقد كان يحس من طائفة من العوام أن يشوشوا فلم يتكلم أحد منهم بل ضجوا عند الموعظة وغيرها، وأعجبهم الخطيب وخطبته وأداؤه وتبليغه ومهابته، واستمر يخطب هو بنفسه‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/347‏)‏

وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره توفي الصاحب تقي الدين سليمان بن مراجل ناظر الجامع الأموي وغيره، وقد باشر نظر الجامع في أيام تنكز، وعمر الجانب الغربي من الحائط القبلي، وكمل رخامه كله، وفتق محراباً للحنفية في الحائط القبلي، ومحراباً للحنابلة فيه أيضاً في غربيه‏.‏

وأثر أشياء كثيرة فيه، وكانت له همة وينسب إلى أمانة وصرامة ومباشرة مشكورة مشهورة، ودفن بتربة أنشأها تجاه داره بالقبيبات رحمه الله، وقد جاوز الثمانين‏.‏

وفي يوم الأربعاء تاسع عشره توفي الشيخ بهاء الدين عبد الوهاب الأخميمي المصري، إمام مسجد درب الحجر، وصلّي عليه بعد العصر بالجامع الأموي‏.‏

ودفن بقصر ابن الحلاج عند الطيوريين بزاوية لبعض الفقراء الخزنة هناك، وقد كان له يد في أصول الفقه، وصنف في الكلام كتاباً مشتملاً على أشياء مقبولة وغير مقبولة، انتهى‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4752 البداية والنهاية ( ابن كثير ) سلطنة الملك الأشرف ناصر الدين


4752

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 سلطنة الملك الأشرف ناصر الدين

شعبان بن حسين بن الملك النصر محمد بن قلاوون في يوم الثلاثاء خامس عشر شعبان

لما كان عشية السبت تاسع عشر شعبان من هذه السنة - أعني سنة أربع وستين وسبعمائة - قدم أمير من الديار المصرية فنزل بالقصر الأبلق، وأخبر بزوال مملكة الملك المنصور بن المظفر حاجي بن الملك الناصر محمد بن قلاوون، ومسك واعتقل‏.‏

وبويع للملك الأشرف شعبان بن حسين الناصر بن المنصور قلاوون، وله من العمر قريب العشرين، فدقت البشائر بالقلعة المنصورة، وأصبح الناس يوم الأحد في الزينة‏.‏

وأخبرني قاضي القضاة تاج الدين والصاحب سعد الدين ماجد ناظر الدواوين، أنه لما كان يوم الثلاثاء الخامس عشر من شعبان عزل الملك المنصور وأودع منزله وأجلس الملك الأشرف ناصر الدين شعبان على سرير الملك، وبويع لذلك‏.‏

وقد وقع رعد في هذا اليوم ومطر كثير، وجرت المزاريب، فصار غدراناً في الطرقات، وذلك في خامس حزيران، فتعجب الناس من ذلك، هذا وقد وقع وباء في مصر في أول شعبان، فتزايد وجمهوره في اليهود، وقد وصلوا إلى الخمسين في كل يوم وبالله المستعان‏.‏

وفي يوم الاثنين سابعه اشتهر الخبر عن الجيش بأن الأعراب اعترضوا التجريدة القاصدين إلى الرحبة وواقفوهم وقتلوا منهم ونهبوا وجرحوا، وقد سار البريد خلف النائب والأمراء ليقدموا إلى البلد لأجل البيعة للسلطان الجديد‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/345‏)‏

جعله الله مباركاً على المسلمين، ثم قدم جماعة من الأمراء المنهزمين من الأعراب في أسوأ حال وذلة، ثم جاء البريد من الديار المصرية بردهم إلى العسكر الذي مع نائب السلطنة على تدمر، متوعدين بأنواع العقوبات، وقطع الإقطاعات‏.‏

وفي شهر رمضان تفاقم الحال بسبب الطاعون فإنا لله وإنا إليه راجعون، وجمهوره في اليهود لعله قد فقد منهم من مستهل شعبان إلى مستهل رمضان نحو الألف نسمة خبيثة، كما أخبرني بذلك القاضي صلاح الدين الصفدي وكيل بيت المال، ثم كثر ذلك فيهم في شهر رمضان جداً، وعدة العدة من المسلمين والذمة بالثمانين‏.‏

وفي يوم السبت حادي عشره صلينا بعد الظهر على الشيخ المعمر الصدر بدر الدين محمد بن الرقاق المعروف بابن الجوجي، وعلى الشيخ صلاح الدين محمد بن شاكر الليثي، تفرد في صناعته وجمع تاريخاً مفيداً نحواً من عشر مجلدات، وكان يحفظ ويذاكر ويفيد رحمه الله وسامحه، انتهى‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4751 البداية والنهاية ( ابن كثير ) غريبة من الغرائب وعجيبة من العجائب


4751

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 غريبة من الغرائب وعجيبة من العجائب

وقد كثرت المياه في هذا الشهر وزادت الأنهار زيادة كثيرة جداً، بحيث إنه فاض الماء في سوق الخيل من نهر بردى حتى عم جميع العرصة المعروفة بموقف الموكب، بحيث إنه أجريت فيه المراكب بالكلك، وركبت فيه المارة من جانب إلى جانب، واستمر ذلك جمعاً متعددة، وامتنع نائب السلطنة والجيش من الوقوف هناك، وربما وقف نائب السلطنة بعض الأيام تحت الطارمة تجاه باب الإسطبل السلطاني، وهذا أمر لم يعهد مثله ولا رأيته قط في مدة عمري، وقد سقطت بسبب ذلك بنايات ودور كثيرة، وتعطلت طواحين كثيرة غمرها الماء‏.‏

وفي ليلة الثلاثاء العشرين من جمادى الأولى توفي الصدر شمس الدين عبد الرحمن بن الشيخ عز الدين بن منجى التنوخي بعد العشاء الآخرة، وصلّي عليه بجامع دمشق بعد صلاة الظهر، ودفن بالسفح‏.‏

وفي صبيحة هذا اليوم توفي الشيخ ناصر الدين محمد بن أحمد القونوي الحنفي، خطيب جامع يلبغا، وصلّي عليه عقيب صلاة الظهر أيضاً، ودفن بالصوفية، وقد باشر عوضه الخطابة والإمامة قاضي القضاة كمال الدين الكفري الحنفي‏.‏

وفي عصر هذا اليوم توفي القاضي علاء الدين بن القاضي شرف الدين بن القاضي شمس الدين بن الشهاب محمود الحلبي، أحد موقعي الدست بدمشق، وصلّي عليه يوم الأربعاء ودفن بالسفح‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/343‏)‏

وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين منه خطب قاضي القضاة جمال الدين الكفري الحنفي بجامع يلبغا عوضاً عن الشيخ ناصر الدين بن القونوي رحمه الله تعالى، وحضر عنده نائب السلطنة الأمير سيف الدين قشتمر، وصلى معه قاضي القضاة تاج الدين الشافعي بالشباك الغربي القبلي منه، وحضر خلق من الأمراء والأعيان، وكان يوماً مشهوداً، وخطب ابن نباتة بأداء حسن وفصاحة بليغة، هذا مع علم أن كل مركب صعب‏.‏

وفي يوم السبت خامس عشر جمادى الآخرة توجه الشيخ شرف الدين القاضي الحنبلي إلى الديار المصرية بطلب الأمير سيف الدين يلبغا في كتاب كتبه إليه يستدعيه ويستحثه في القدوم عليه‏.‏

وفي يوم الثلاثاء ثاني شهر رجب سقط اثنان سكارى من سطحٍ بحارة اليهود، أحدهما مسلم والآخر يهودي، فمات المسلم من ساعته وانقلعت عين اليهودي وانكسرت يده لعنه الله، وحمل إلى نائب السلطنة فلم يحر جواباً‏.‏

ورجع الشيخ شرف الدين بن قاضي الجبل بعد ما قارب غزة لما بلغه من الوباء بالديار المصرية فعاد إلى القدس الشريف، ثم رجع إلى وطنه فأصاب السنة، وقد وردت كتب كثيرة تخبر بشدة الوباء والطاعون بمصر، وأنه يضبط من أهلها في النهار نحو الألف، وأنه مات جماعة ممن يعرفون كولدي قاضي القضاة تاج الدين المناوي، وكاتب الحكم ابن الفرات، وأهل بيته أجمعين، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وجاء الخبر في أواخر شهر رجب بموت جماعة بمصر منهم أبو حاتم ابن الشيخ بهاء الدين السبكي المصري بمصر، وهو شاب لم يستكمل العشرين، وقد درّس بعدة جهات بمصر وخطب، ففقده والده وتأسف الناس عليه وعزوا فيه عمه قاضي القضاة تاج الدين السبكي قاضي الشافعية بدمشق، وجاء الخبر بموت قاضي القضاة شهاب الدين أحمد الرباجي المالكي، كان بحلب وليها مرتين ثم عزل فقصد مصر واستوطنها مدة ليتمكن من السعي في العودة فأدركته منيته في هذه السنة من الفناء وولدان له معه أيضاً‏.‏

وفي يوم السبت سادس شعبان توجه نائب السلطنة في صحبة جمهور الأمراء إلى ناحية تدمر لأجل الأعراب من أصحاب خيار بن مهنا، ومن التف عليه منهم، وقد دمر بعضهم بلد تدمر وحرقوا كثيراً من أشجارها، ورعوها وانتهبوا شيئاً كثيراً، وخرجوا من الطاعة، وذلك بسبب قطع إقطاعاتهم وتملك أملاكهم والحيلولة عليهم‏.‏

فركب نائب السلطنة بمن معه كما ذكرنا، لطردهم عن تلك الناحية، وفي صحبتهم الأمير حمزة بن الخياط، أحد أمراء الطبلخانات، وقد كان حاجباً لخيار قبل ذلك، فرجع عنه وألب عليه عند الأمير الكبير يلبغا الخاصكي، ووعده إن هو أمره وكبره أن يظفره بخيار وأن يأتيه برأسه، ففعل معه ذلك، فقدم إلى دمشق ومعه مرسوم بركوب الجيش معه إلى خيار وأصحابه‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/344‏)‏

فساروا كما ذكرنا، فوصلوا إلى تدمر، وهربت الأعراب من بين يدي نائب الشام يميناً وشمالاً، ولم يواجهوه هيبة له، ولكنهم يتحرفون على حمزة بن الخياط، ثم بلغنا أنهم بيتوا الجيش فقتلوا منه طائفة وجرحوا آخرين وأسروا آخرين، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4750 البداية والنهاية ( ابن كثير ) بشارة عظيمة بوضع الشطر من مكس الغنم


4750

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 بشارة عظيمة بوضع الشطر من مكس الغنم

مع ولاية سعد الدين ماجد بن التاج إسحاق من الديار المصرية على نظر الدواوين قبله، ففرح الناس بولاية هذا وقدومه، وبعزل الأول وانصرافه عن البلد فرحاً شديداً، ومع مرسوم شريف بوضع نصف مكس الغنم، وكان عبرته أربعة دراهم ونصف، فصار إلى درهمين وربع درهم‏.‏

وقد نودي بذلك في البلد يوم الاثنين العشرين من شهر ربيع الآخر، ففرح الناس بذلك فرحاً شديداً، ولله الحمد والمنة‏.‏

وتضاعفت أدعيتهم لمن كان السبب في ذلك، وذلك أنه يكثر الجلب برخص اللحم على الناس، ويأخذ الديوان نظيراً ما كان يأخذ قبل ذلك، وقدر الله تعالى قدوم وفود وقفول بتجائر متعددة، وأخذ منها الديوان السلطاني في الزكاة والوكالة، وقدم مراكب كثيرة فأخذ منها في العشر أضعاف ما أطلق من المكس، ولله الحمد والمنة‏.‏

ثم قرئ على الناس في يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة قبل العصر‏.‏

وفي يوم الاثنين العشرين منه ضرب الفقيه شمس الدين بن الصفدي بدار السعادة بسبب خانقاه الطواويس، فإنه جاء في جماعة منهم يتظلمون من كاتب السر الذي هو شيخ الشيوخ‏.‏

وقد تكلم معهم فيما يتعلق بشرط الواقف مما فيه مشقة عليهم، فتكلم الصفدي المذكور بكلام فيه غلظ، فبطح ليضرب فشفع فيه، ثم تكلم فشفع فيه، ثم بطح الثالثة فضرب ثم أمر به إلى السجن، ثم أخرج بعد ليلتين أو ثلاثة‏.‏

وفي صبيحة يوم الأحد السادس والعشرين منه درّس قاضي القضاة الشافعي بمدارسه، وحضر درس الناصرية الجوانية بمقتضى شرط الواقف الذي أثبته أخوه بعد موت القاضي ناصر الدين كاتب السر، وحضر عنده جماعة من الأعيان وبعض القضاة، وأخذ في سورة الفتح، قرئ عليه من تفسير والده في قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً‏}‏ ‏[‏سورة الفتح‏:‏ 1‏]‏‏.‏

وفي مستهل جمادى الأولى يوم الجمعة بعد صلاة الفجر مع الإمام الكبير صلّي على القاضي قطب الدين محمد بن الحسن الحاكم بحمص، جاء إلى دمشق لتلقي أخي زوجته قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي، فتمرض من مدة ثم كانت وفاته بدمشق، فصلّي عليه بالجامع كما ذكرنا، وخارج باب الفرج، ثم صعدوا به إلى سفح جبل قاسيون، وقد جاوز الثمانين بسنتين، وقد حدث وروى شيئاً يسيراً رحمه الله‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/342‏)‏

وفي يوم الأحد ثالثه قدم قاضيا الحنفية والحنابلة بحلب والخطيب بها والشيخ شهاب الدين الأذرعي، والشيخ زين الدين الباريني وآخرون معهم‏.‏

فنزلوا بالمدرسة الإقبالية وهم وقاضي قضاتهم الشافعي، وهو كمال الدين المصري مطلوبون إلى الديار المصرية، فتحرر ما ذكروه عن قاضيهم وما نقموه عليه من السيرة السيئة فيما يذكرون في المواقف الشريفة بمصر، وتوجهوا إلى الديار المصرية يوم السبت عاشره‏.‏

وفي يوم الخميس قدم الأمير زين الدين زبالة نائب القلعة من الديار المصرية على البريد في تجمل عظيم هائل، وتلقاه الناس بالشموع في أثناء الطريق، ونزل بدار الذهب، وراح الناس للسلام عليه وتهنئته بالعود إلى نيابة القلعة، على عادته، وهذه ثالث مرة وليها لأنه مشكور السيرة فيها، وله فيها سعي محمود في أوقات متعددة‏.‏

وفي يوم الخميس الحادي والعشرين صلّى نائب السلطنة والقاضيان الشافعي والحنفي وكاتب السر وجماعة من الأمراء والأعيان بالمقصورة، وقرئ كتاب السلطان على السدة بوضع مكس الغنم إلى كل رأس بدرهمين، فتضاعفت الأدعية لولي الأمر، ولمن كان السبب في ذلك‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


4749 البداية والنهاية ( ابن كثير ) ثم دخلت سنة أربع وستين وسبعمائة



4749


البداية والنهاية ( ابن كثير )

 ثم دخلت سنة أربع وستين وسبعمائة

استهلت هذه السنة وسلطان الإسلام بالديار المصرية والشامية والحجازية وما يتبعهما من الأقاليم والرساتيق الملك المنصور صلاح الدين محمد بن الملك المنصور المظفري حاجي بن الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون الصالحي، ومدير الممالك بين يديه، وأتابك العساكر سيف الدين يلبغا، وقضاة مصر هم المذكورون في التي قبلها‏.‏

غير أن ابن جماعة قاضي الشافعية وموفق الدين قاضي الحنابلة في الحجاز الشريف، ونائب دمشق الأمير سيف الدين قشتمر المنصوري، وقاضي قضاة الشافعية الشيخ بهاء الدين بن قاضي القضاة تقي الدين السبكي، وأخوه قاضي القضاة تاج الدين مقيم بمصر، وقاضي قضاة الحنفية الشيخ جمال الدين ابن قاضي القضاة شرف الدين الكفري‏.‏

آثره والده بالمنصب وأقام على تدريس الركنية يتعبد ويتلو ويجمع على العبادة، وقاضي قضاة المالكية جمال الدين المسلاتي، وقاضي قضاة الحنابلة الشيخ جمال الدين المرداوي محمود بن جملة، ومحتسب البلد الشيخ عماد الدين الشيرجي، وكاتب السر جمال الدين عبد الله بن الأثير‏.‏

قدم من الديار المصرية عوضاً عن ناصر الدين بن يعقوب، وكان قدومه يوم سلخ السنة الماضية، وناظر الدواوين بدر الدين حسن بن النابلسي، وناظر الخزانة القاضي تقي الدين بن مراجل‏.‏

ودخل المحمل السلطاني يوم الجمعة الثاني والعشرين من المحرم بعد العصر خوفاً من المطر، وكان وقع مطر شديد قبل أيام، فتلف منه غلات كثيرة بحوران وغيرها، ومشاطيخ وغير ذلك فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وفي ليلة الأربعاء السابع والعشرين منه بعد عشاء الآخرة قبل دقة القلعة دخل فارس من ناحية باب الفرج إلى ناحية باب القلعة الجوانية، ومن ناحية الباب المذكور سلسلة، ومن ناحية باب النصر أخرى جددتا لئلا يمر راكب على باب القلعة المنصورة، فساق هذا الفارس المذكور على السلسلة الواحدة فقطعها‏.‏

ثم مر على الأخرى فقطعها وخرج من باب النصر ولم يعرف لأنه ملثم‏.‏

وفي حادي عشر صفر وقبله بيوم قدم البريد من الديار المصرية بطلب الأمير سيف الدين زبالة أحد أمراء الألوف إلى الديار المصرية مكرماً، وقد كان عزل عن نيابة القلعة بسبب ما تقدم، وجاء البريد أيضاً ومعه التواقيع التي كانت بأيدي ناس كثير، زيادات على الجامع، ردت إليهم وأقروا على ما بأيديهم من ذلك‏.‏

وكان ناظر الجامع الصاحب تقي الدين بن مراجل قد سعى برفع ما زيد بعد التذكرة التي كانت في أيام صرغتمش، فلم يف ذلك، وتوجه الشيخ بهاء الدين بن السبكي قاضي قضاة الشام الشافعي من دمشق إلى الديار المصرية يوم الأحد سادس عشر صفر من هذه السنة، وخرج القضاة والأعيان لتوديعه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/340‏)‏

وقد كان أخبرنا عند توديعه بان أخاه قاضي القضاة تاج الدين قد لبس خلعة القضاء بالديار المصرية، وهو متوجه إلى الشام عند وصوله إلى ديار مصر، وذكر لنا أن أخاه كاره للشام‏.‏

وأنشدني القاضي صلاح الدين الصفدي ليلة الجمعة رابع عشره لنفسه فيما عكس عن المتنبي في يديه من قصيدته وهو قوله‏:‏

إذا اعتاد الفتى خوضَ المنايا * فأيسرُ ما يمر به الوصولُ

وقال‏:‏

دخول دمشق يكسبنا نحولاً * كأن لها دخولاً في البرايا

إذا اعتاد الغريب الخوض فيها * فأيسر ما يمر به المنايـا

وهذا شعر قوي، وعكس جلي، لفظاً ومعنىً‏.‏

وفي ليلة الجمعة الحادي والعشرين من صفر عملت خيمة حافلة بالمارستان الدقاقي جوار الجامع، سبب تكامل تجديده قريب السقف مبنياً باللبن، حتى قناطره الأربع بالحجارة البلق، وجعل في أعاليه قمريات كبار مضيئة، وفتق في قبلته إيواناً حسناً زاد في أعماقه أضعاف ما كان، وبيضه جميعه بالجص الحسن المليح‏.‏

وجددت فيه خزائن ومصالح، وفرش ولحف جدد، وأشياء حسنة، فأثابه الله وأحسن جزاءه آمين، وحضر الخيمة جماعات من الناس من الخواص والعوام، ولما كانت الجمعة الأخرى دخله نائب السلطنة بعد الصلاة فأعجبه ما شاهده من العمارات، وأخبره بما كانت عليه حاله قبل هذه العمارة، فاستجاد ذلك من صنيع الناظر‏.‏

وفي أول ربيع الآخر قدم قاضي القضاة تاج الدين السبكي من الديار المصرية على قضاء الشام عوداً على بدء يوم الثلاثاء رابع عشره فبدأ بالسلام على نائب السلطنة بدار السعادة‏.‏

ثم ذهب إلى دار الأمير علي بالقصاعين فسلم عليه، ثم جاء إلى العادلية قبل الزوال، ثم جاءه الناس من الخاص والعام يسلمون عليه ويهنونه بالعود، وهو يتودد ويترحب بهم‏.‏

ثم لما كان صبح يوم الخميس سادس عشره لبس الخلعة بدار السعادة ثم جاء في أبهة هائلة لابسها إلى العادلية فقرئ تقليده بها بحضرة القضاة والأعيان وهنأه الناس والشعراء والمداح‏.‏

وأخبر قاضي القضاة تاج الدين بموت حسين بن الملك الناصر، ولم يكن بقي من بنيه لصلبه سواه، ففرح بذلك كثير من الأمراء وكبار الدولة، لما كان فيه من حدة وارتكاب أمور منكرة‏.‏

وأخبر بموت القاضي فخر الدين سليمان بن القاضي عماد الدين بن الشيرجي، وقد كان اتفق له من الأمر أنه قلد حسبة دمشق عوضاً عن أبيه، نزل له عنها باختياره لكبره وضعفه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/341‏)‏

وخلع عليه بالديار المصرية، ولم يبق إلا أن يركب على البريد فتمرض يوماً وثانياً وتوفي إلى رحمة الله تعالى، فتألم والده بسبب ذلك تألماً عظيماً، وعزاه الناس فيه ووجدته صابراً محتسباً باكياً مسترجعاً موجعاً انتهى‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4748 البداية والنهاية ( ابن كثير ) دخول نائب السلطنة سيف الدين تشتمر


4748

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 دخول نائب السلطنة سيف الدين تشتمر

وذلك في أوائل رمضان يوم السبت ضحى والحجبة بين يديه والجيش بكماله، فتقدم إلى سوق الخيل فأركب فيه ثم جاء ونزل عند باب السر، وقبّل العتبة ثم مشى إلى دار السعادة والناس بين يديه‏.‏

وكان أول شيء حكم فيه أن أمر بصلب الذي كان قتل بالأمس والي الصالحية، وهو ذاهب إلى صلاة الجمعة، ثم هرب فتبعه الناس فقتل منهم آخر وجرح آخرين ثم تكاثروا عليه فمسك، ولما صلب طافوا به على حمل إلى الصالحية فمات هناك بعد أيام، وقاسى أمراً شديداً من العقوبات، وقد ظهر بعد ذلك على أنه قتل خلقاً كثيراً من الناس قبحه الله‏.‏

قدوم قاضي القضاة بهاء الدين أحمد بن تقي الدين عوضاً عن أخيه قاضي القضاة تاج الدين بن عبد الوهاب

قدم يوم الثلاثاء قبل العصر فبدأ بملك الأمراء فسلم عليه، ثم مشى إلى دار الحديث فصلّى هناك ثم مشى إلى المدرسة الركنية فنزل بها عن ابن أخيه قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح، قاضي العساكر، وذهب الناس للسلام عليه وهو يكره من يلقبه بقاضي القضاة، وعليه تواضع وتقشف، ويظهر عليه تأسف على مفارقة بلده ووطنه وولده وأهله، والله المسؤول المأمول أن يحسن العاقبة‏.‏

وخرج المحمل السلطاني يوم الخميس ثامن عشر شوال، وأمير الحاج الملك صلاح الدين بن الملك الكامل بن السعيد العادل الكبير، وقاضيه الشيخ بهاء الدين بن سبع مدرّس الأمينية ببعلبك وفي هذا الشهر وقع الحكم بما يخص المجاهدين من وقف المدرسة التقوية إليهم، وأذن القضاة الأربعة إليهم بحضرة ملك الأمراء في ذلك‏.‏

وفي ليلة الأحد ثالث شهر ذي القعدة توفي القاضي ناصر الدين محمد بن يعقوب كاتب السر، وشيخ الشيوخ ومدرّس الناصرية الجوانية والشامية الجوانية بدمشق، ومدرّس الأسدية بحلب‏.‏

وقد باشر كتابة السر بحلب أيضاً، وقضاء العساكر وأفتى بزمان ولاية الشيخ كمال الدين الزملكاني قضاء حلب، أذن له هنالك في حدود سنة سبع وعشرين وسبعمائة، ومولده سنة سبع وسبعمائة، وقد قرأ ‏(‏التنبيه‏)‏ و‏(‏مختصر ابن الحاجب‏)‏ في الأصول، وفي العربية، وكان عنده نباهة وممارسة للعلم، وفيه جودة طباع وإحسان بحسب ما يقدر عليه، وليس يتوسم منه سوء‏.‏

وفيه ديانة وعفة حلف لي في وقت بالأيمان المغلظة أنه لم يمكن قط منه فاحشة اللواط ولا خطر له ذلك، ولم يزن ولم يشرب مسكراً ولا أكل حشيشة، فرحمه الله وأكرم مثواه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/339‏)‏

صلّي عليه بعد الظهر يومئذ وخرج بالجنازة من باب النصر فخرج نائب السلطنة من دار السعادة فحضر الصلاة عليه هنالك، ودفن بمقبرة لهم بالصوفية وتأسفوا عيه وترحموا، وتزاحم جماعة من الفقهاء بطلب مدارسه انتهى‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4747 البداية والنهاية ( ابن كثير ) أعجوبة أخرى غريبة


4747

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 أعجوبة أخرى غريبة

لما كان يوم الثلاثاء العشرين من شعبان دعيت إلى بستان الشيخ العلامة كمال الدين بن الشريشي شيخ الشافعية وحضر جماعة الأعيان منهم الشيخ العلامة شمس الدين بن الموصلي الشافعي، والشيخ الإمام العلامة صلاح الدين الصفدي، وكيل بيت المال‏.‏

والشيخ الإمام العلامة شمس الدين الموصلي الشافعي، والشيخ الإمام العلامة مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازي من ذرية الشيخ أبي إسحق الفيروزابادي، من أئمة اللغويين، والخطيب الإمام العلامة صدر الدين بن العز الحنفي أحد البلغاء الفضلاء، والشيخ الإمام العلامة نور الدين علي بن الصارم أحد القراء المحدثين البلغاء‏.‏

وأحضروا نيفاً وأربعين مجلداً من كتاب ‏(‏المنتهى‏)‏ في اللغة للتميمي البرمكي، وقف الناصرية وحضر ولد الشيخ كمال الدين بن الشريشي، وهو العلامة بدر الدين محمد، واجتمعنا كلنا عليه، وأخذ كل منا مجلداً بيده من تلك المجلدات، ثم أخذنا نسأله عن بيوت الشعر المستشهد عليها بها، فينشر كلاً منها ويتكلم عليه بكلام مبين مفيد، فجزم الحاضرون والسامعون أنه يحفظ جميع شواهد اللغة ولا يشذ عنه منها إلا القليل الشاذ، وهذا من أعجب العجائب، وأبلغ الأعراب‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/338‏)‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4746 البداية والنهاية ( ابن كثير ) عزل الأمير علي عن نيابة دمشق



4746


البداية والنهاية ( ابن كثير )

 عزل الأمير علي عن نيابة دمشق

في يوم الأحد حادي عشر شعبان ورد البريد من الديار المصرية وعلى يديه مرسوم شريف بعزل الأمير علي عن نيابة دمشق، فأحضر الأمراء إلى دار السعادة وقرئ المرسوم الشريف عليهم بحضوره، وخلع عليه خلعة وردت مع البريد، ورسم له بقرية دومة وأخرى في بلاد طرابلس على سبيل الراتب، وأن يكون في أي البلاد شاء من دمشق أو القدس أو الحجاز‏.‏

فانتقل من يومه من دار السعادة وبباقي أصحابه ومماليكه، واستقر نزوله في دار الخليلي بالقصاعين التي جددها وزاد فيها دويداره يلبغا، وهي دار هائلة، وراح الناس للتأسف عليه والحزن له انتهى‏.‏

طلب قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن السبكي الشافعي إلى الديار المصرية

ورد البريد بطلبه من آخر نهار الأحد بعد العصر الحادي عشر من شعبان سنة ثلاث وستين وسبعمائة، فأرسل إليه حاجب الحجاب قماري وهو نائب الغيبة أن يسافر من يومه، فاستنظرهم إلى الغد فأمهل‏.‏

وقد ورد الخبر بولاية أخيه الشيخ بهاء الدين بن السبكي بقضاء الشام عوضاً عن أخيه تاج الدين، وأرسل يستنيب ابن أختهما قاضي القضاة تاج الدين في التأهب والسير‏.‏

وجاء الناس إليه ليودعوه ويستوحشون له، وركب من بستانه بعد العصر يوم الاثنين ثاني عشر شعبان، متوجهاً على البريد إلى الديار المصرية، وبين يديه قضاة القضاة والأعيان، حتى قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء السبكي، حتى ردهم قريباً من الجسورة ومنهم من جاوزها والله المسؤول في حسن الخاتمة في الدنيا والآخرة، انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4745 البداية والنهاية ( ابن كثير ) أعجوبة من العجائب



4745


البداية والنهاية ( ابن كثير )

 أعجوبة من العجائب

وحضر شاب عجمي من بلاد تبريز وخراسان يزعم أنه يحفظ ‏(‏البخاري‏)‏ و‏(‏مسلماً‏)‏ و‏(‏جامع المسانيد‏)‏ و‏(‏الكشاف‏)‏ للزمخشري وغير ذلك من محاضيرها، في فنون أخر‏.‏

فلما كان يوم الأربعاء سلخ شهر رجب قرأ في الجامع الأموي بالحائط الشمالي منه، عند باب الكلاسة من أول ‏(‏صحيح البخاري‏)‏ إلى أثناء كتاب العلم منه، من حفظه وأنا أقابل عليه من نسخة بيدي، فأدى جيداً، غير أنه يصحف بعضاً الكلمات لعجم فيه، وربما لحن أيضاً في بعض الأحيان‏.‏

واجتمع خلق كثير من العامة والخاصة وجماعة من المحدثين، فأعجب ذلك جماعة كثيرين، وقال آخرون منهم إن سرد بقية الكتاب على هذا المنوال لعظيم جداً‏.‏

فاجتمعنا في اليوم الثاني وهو مستهل شعبان في المكان المذكور، وحضر قاضي القضاة الشافعي وجماعة من الفضلاء، واجتمع العامة محدقين فقرأ على العادة غير أنه لم يطول كأول يوم، وسقط عليه بعض الأحاديث، وصحف ولحن في بعض الألفاظ‏.‏

ثم جاء القاضيان الحنفي والمالكي فقرأ بحضرتهما أيضاً بعض الشيء، هذا والعامة محتفون به متعجبون من أمره، ومنهم من يتقرب بتقبيل يديه، وفرح بكتابتي له بالسماع على الإجازة، وقال‏:‏ أنا ما خرجت من بلادي إلا إلى القصد إليك، وأن تجيزني، وذكرك في بلادنا مشهور، ثم رجع إلى مصر ليلة الجمعة وقد كارمه القضاة والأعيان بشيء من الدراهم يقارب الألف‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/337‏)‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

4744 البداية والنهاية ( ابن كثير ) خلافة المتوكل على الله



4744


البداية والنهاية ( ابن كثير )

 خلافة المتوكل على الله

ثم بويع بعده ولده المتوكل على الله أبو عبد الله محمد بن المعتضد أبي بكر أبي الفتح بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد رحم لله أسلافه‏.‏

وفي جمادى الأولى توجه الرسول من الديار المصرية ومعه صناجق خليفية وسلطانية وتقاليد وخلع وتحف لصاحبي الموصل وسنجار من جهة صاحب مصر ليخطب له فيهما‏.‏

وولىّ قاضي القضاة تاج الدين الشافعي السبكي الحاكم بدمشق لقاضيهما من جهته تقليدين، حسب ما أخبرني بذلك، وأرسلا مع ما أرسل به السلطان إلى البلدين، وهذا أمر غريب لم يقع مثله فيما تقدم فيما أعلم والله أعلم‏.‏

وفي جمادى الآخرة خرج نائب السلطنة إلى مرج الفسولة ومعه حجبته ونقباء النقباء، وكاتب السر وذووه، ومن عزمهم الإقامة مدة، فقدم من الديار المصرية أمير على البريد فأسرعوا الأوبة فدخلوا في صبيحة الأحد الحادي والعشرين منه، وأصبح نائب السلطنة فحضر الموكب على العادة وخلع على الأمير سيف الدين يلبغا الصالحي‏.‏

وجاء النص من الديار المصرية بخلعة دوادار عوضاً عن سيف الدين كحلن، وخلع في هذا اليوم على الصدر شمس الدين بن مرقي بتوقيع الدست، وجهات أخر، قدم بها من الديار المصرية، فانتشر الخبر في هذا اليوم بإجلاس قاضي القضاة شمس الدين الكفري الحنفي، فوق قاضي القضاة المالكية، لكن لم يحضر في هذا اليوم، وذلك بعد ما قد أمر بإجلاس المالكي فوقه‏.‏

وفي ثاني رجب توفي القاضي الإمام العالم شمس الدين محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي، نائب مشيخة قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن محمد المقدسي الحنبلي، وزوج ابنته، وله منها سبعة أولاد ذكور وإناث، وكان بارعاً فاضلاً متفنناً في علوم كثيرة، ولا سيما علم الفروع‏.‏

كان غاية في نقل مذهب الإمام أحمد، وجمع مصنفات كثيرة منها كتاب ‏(‏المقنع‏)‏ نحواً من ثلاثين مجلداً كما أخبرني بذلك عنه قاضي القضاة جمال الدين، وعلق على محفوظة أحكام الشيخ مجد الدين بن تيمية مجلدين، وله غير ذلك من الفوائد والتعليقات رحمه الله‏.‏

توفي عن نحو خمسين سنة، وصلّي عليه بعد الظهر من يوم الخميس ثاني الشهر بالجامع المظفري، ودفن بمقبرة الشيخ الموفق، وكانت له جنازة حافلة حضرها القضاة كلهم، وخلق من الأعيان رحمه الله وأكرم مثواه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/336‏)‏

وفي صبيحة يوم السبت رابع رجب ضرب نائب السلطنة جماعة من أهل قبر عاتكة أساءوا الأدب على النائب ومماليكه، بسبب جامع للخطبة جدد بناحيتهم، فأراد بعض الفقراء أن يأخذ ذلك الجامع ويجعله زاوية للرقاصين، فحكم القاضي الحنبلي بجعله جامعاً قد نصب فيه منبر‏.‏

وقد قدم شيخ الفقراء على يديه مرسوم شريف بتسليمه إليه، فأنفت أنفس أهله تلك الناحية من عوده زاوية بعد ما كان جامعاً، وأعظموا ذلك، فتكلم بعضهم بكلام سيئ، فاستحضر نائب السلطنة طائفة منهم وضربهم بالمقارع بين يديه‏.‏

ونودي عليهم في البلد، فأراد بعض العامة إنكاراً لذلك، وحدد ميعاد حديث يقرأ بعد المغرب تحت قبة النسر على الكرسي الذي يقرأ عليه المصحف، رتبه أحد أولاد القاضي عماد الدين بن الشيرازي‏.‏

وحدث فيه الشيخ عماد الدين بن السراج، واجتمع عنده خلق كثير وجم غفير، وقرأ في السيرة النبوية من خطي، وذلك في العشر الأول من هذا الشهر‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

4743 البداية والنهاية ( ابن كثير ) موت الخليفة المعتضد بالله


4743

البداية والنهاية ( ابن كثير )

موت الخليفة المعتضد بالله

كان ذلك في العشر الأوسط من جمادى الأولى بالقاهرة، وصلّي عليه يوم الخميس، أخبرني بذلك قاضي القضاة تاج الدين الشافعي، عن كتاب أخيه الشيخ بهاء الدين رحمهما الله‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/335‏)‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

4742 البداية والنهاية ( ابن كثير ) منام غريب جداً


4742

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 منام غريب جداً


ورأيت - يعني المصنف - في ليلة الاثنين الثاني والعشرين من المحرم سنة ثلاث وستين وسبعمائة الشيخ محي الدين النووي رحمه الله فقلت له‏:‏ يا سيدي الشيخ لم لا أدخلت في شرحك المهذب شيئاً من مصنفات ابن حزم ‏؟‏

فقال ما معناه‏:‏ إنه لا يحبه‏.‏

فقلت له‏:‏ أنت معذور فيه فإنه جمع بين طرفي النقيضين في أصوله وفروعه، أما هو في الفروع فظاهري جامد يابس، وفي الأصول تول مائع قرمطة القرامطة وهرس الهرائسة، ورفعت بها صوتي حتى سمعت وأنا نائم، ثم أشرت له إلى أرض خضرا ء تشبه النخيل بل هي أردأ شكلاً منه، لا ينتفع بها في استغلال ولا رعي‏.‏

فقلت له‏:‏ هذه أرض ابن حزم التي زرعها‏.‏

قال‏:‏ أنظر هل ترى فيها شجراً مثمراً أو شيئا ينتفع به‏.‏

فقلت‏:‏ إنما تصلح للجلوس عليها في ضوء القمر‏.‏

فهذا حاصل ما رأيته، ووقع في خلدي أن ابن حزم كان حاضرنا عندما أشرت للشيخ محي الدين إلى الأرض المنسوبة لابن حزم، وهو ساكت لا يتكلم‏.‏

وفي يوم الخميس الثالث والعشرين من صفر خلع على القاضي عماد الدين بن الشيرجي بعود الحسبة إليه بسبب ضعف علاء الدين الأنصاري عن القيام بها لشغله بالمرض المدنف، وهنأه الناس على العادة‏.‏

وفي يوم السادس والعشرين من صفر توفي الشيخ علاء الدين الأنصاري المذكور بالمدرسة الأمينية، وصلّي عليه الظهر بالجامع الأموي، ودفن بمقابر باب الصغير خلف محراب جامع جراح، في تربة هنالك، وقد جاوز الأربعين سنة، ودرّس في الأمينية وفي الحسبة مرتين وترك أولاداً صغاراً وأموالاً جزيلة سامحه الله ورحمه، ووليّ المدرسة بعده قاضي القضاة تاج الدين بن السبكي بمرسوم كريم شريف‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/333‏)‏

وفي العشر الأخير من صفر بلغنا وفاة قاضي قضاة المالكية الأخنائي بمصر وتولية أخيه برهان الدين إبراهيم ابن قاضي القضاة علم الدين الأخنائي الشافعي أبوه قاضياً مكان أخيه، وقد كان على الحسبة بمصر مشكور السيرة فيها، وأضيف إليه نظر الخزانة كما كان أخوه‏.‏

وفي صبيحة يوم الأحد رابع شهر ربيع الأول كان ابتداء حضور قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن قاضي القضاة تقي الدين بن الحسن بن عبد الكافي السبكي الشافعي تدريس الأمينية عوضاً عن الشيخ علاء الدين المحتسب، بحكم وفاته رحمه الله كما ذكرنا‏.‏

وحضر عنده خلق من العلماء والأمراء والفقهاء والعامة، وكان درساً حافلاً، أخذ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 54‏]‏ الآية وما بعدها‏.‏

فاستنبط أشياء حسنة، وذكر ضرباً من العلوم بعبارة طلقة جارية معسولة، أخذ، ذلك من غير تلعثم ولا تلجلج ولا تكلف فأجاد وأفاد، وشكره الخاصة والعامة من الحاضرين وغيرهم حتى قال بعض الأكابر‏:‏ إنه لم يسمع درساً مثله‏.‏

وفي يوم الاثنين الخامس والعشرين منه توفي الصدر برهان الدين بن لؤلؤ الحوضي، في داره بالقصاعين ولم يمرض إلا يوماً واحداً، وصلّي عليه من الغد بجامع دمشق بعد صلاة الظهر، وخرجوا به من باب النصر، فخرج نائب السلطنة الأمير علي فصلّى عليه إماماً خارج باب النصر‏.‏

ثم ذهبوا به فدفنوه بمقابرهم بباب الصغير، فدفن عند أبيه رحمه الله، كان رحمه الله فيه مروءة وقيام مع الناس، وله وجاهة عند الدولة وقبول عند نواب السلطنة وغيرهم، ويحب العلماء وأهل الخير، ويواظب على سماع مواعيد الحديث والخير، وكان له مال وثروة ومعروف، قارب الثمانين رحمه الله‏.‏

وجاء البريد من الديار المصرية فأخبر بموت الشيخ شمس الدين محمد بن النقاش المصري بها، وكان واعظاً باهراً، وفصيحاً ماهراً، ونحوياً شاعراً، له يد طولى في فنون متعددة، وقدرة على نسج الكلام، ودخول على الدولة وتحصيل الأموال، وهو من أبناء الأربعين رحمه الله‏.‏

وأخبر البريد بولاية قاضي القضاة شرف الدين المالكي البغدادي، الذي كان قاضياً بالشام للمالكية، ثم عزل بنظر الخزانة بمصر، فإنه رتب له معلوم وافر يكفيه ويفضل عنه، ففرح بذلك من يحبه‏.‏

وفي يوم الأحد السابع عشر من ربيع الآخر توفي الرئيس أمين الدين محمد بن الصدر جمال الدين أحمد بن الرئيس شرف الدين محمد بن القلانسي، أحد من بقي من رؤساء البلد وكبرائها‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/334‏)‏

وقد كان باشر مباشرات كبار كأبيه وعمه علاء الدين، ولكن فاق هذا على أسلافه فإنه باشر وكالة المال مدة، وولي قضاء العساكر أيضاً، ثم ولي كتابة السر مع مشيخة الشيوخ وتدريس الناصرية والشامية الجوانية، وكان قد درّس في العصرونية من قبل سنة ست وثلاثين‏.‏

ثم لما قدم السلطان في السنة الماضية عزل عن مناصبه الكبار، وصودر بمبلغ كثير يقارب مائتي ألف، فباع كثيراً من أملاكه وما بقي بيده من وظائفه شيء، وبقي خاملاً مدة إلى يومه هذا، فتوفي بغتة، وكان قد تشوش قليلاً لم يشعر به أحد، وصلّي عليه العصر بجامع دمشق، وخرجوا به من باب الناطفانيين إلى تربتهم التي بسفح قاسيون رحمه الله‏.‏

وفي صبيحة يوم الاثنين ثامن عشره، خلع على القاضي جمال الدين بن قاضي القضاة شرف الدين الكفري الحنفي‏.‏

وجعل مع أبيه شريكاً في القضاء ولقب في التوقيع الوارد صحبة البريد من جهة السلطان قاضي القضاة فلبس الخلعة بدار السعادة وجاء ومعه قاضي القضاة تاج الدين السبكي إلى النورية فقعد في المسجد ووضعت الربعة فقرئت وقرئ القرآن ولم يكن درساً، وجاءت الناس للتهنئة بما حصل من الولاية له مع أبيه‏.‏

وفي صبيحة يوم الثلاثاء توفي الشيخ الصالح العابد الناسك الجامع فتح الدين بن الشيخ زين الدين الفارقي، إمام دار الحديث الأشرفية، وخازن الأثر بها، ومؤذن في الجامع‏.‏

وقد أتت عليه تسعون سنة في خير وصيانة وتلاوة وصلاة كثيرة وانجماع عن الناس، صلّي عليه صبيحة يومئذ، وخرج به من باب النصر إلى نحو الصالحية رحمه الله‏.‏

وفي صبيحة يوم الاثنين عاشر جمادى الأولى ورد البريد وهو قرابغا دوادار نائب الشام الصغير ومعه تقليد بقضاء قضاة الحنفية للشيخ جمال الدين يوسف بن قاضي القضاة شرف الدين الكفري، بمقتضى نزول أبيه له عن ذلك، ولبس الخلعة بدار السعادة وأجلس تحت المالكي‏.‏

ثم جاؤوا إلى المقصورة من الجامع وقرئ تقليده هنالك، قرأه شمس الدين بن السبكي نائب الحسبة، واستناب اثنين من أصحابهم وهما شمس الدين بن منصور، وبدر الدين بن الخراش، ثم جاء معه إلى النورية فدرّس بها ولم يحضره والده بشيء من ذلك انتهى والله أعلم‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4741 البداية والنهاية ( ابن كثير ) ثم دخلت سنة ثلاث وستين وسبعمائة


4741

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 ثم دخلت سنة ثلاث وستين وسبعمائة

استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والشامية والحرمين الشريفين وما والاهما من الممالك الإسلامية السلطان الملك المنصور صلاح الدين محمد بن الملك المظفر أمير حاج بن الملك المنصور قلاوون، وهو شاب دون العشرين، ومدبر الممالك بين يديه الأمير يلبغا، ونائب الديار المصرية طشتمر، وقضاتها هم المذكورون في التي قبلها‏.‏

والوزير سيف الدين قزوينه، وهو مريض مدنف ونائب الشام بدمشق الأمير علاء الدين المارداني، وقضاته هم المذكورون في التي قبلها، وكذلك الخطيب، ووكيل بيت المال، والمحتسب علاء الدين الأنصاري، عاد إليها في السنة المنفصلة، وحاجب الحجاب قماري، والذي يليه السليماني وآخر من مصر أيضاً‏.‏

وكاتب السر القاضي ناصر الدين محمد بن يعقوب الحلبي، وناظر الجامع القاضي تقي الدين بن مراجل وأخبرني قاضي القضاة تاج الدين الشافعي أنه جدد في أول هذه السنة قاضي حنفي بمدينة صفد المحروسة مع الشافعي، فصار في كل من حماة وطرابلس وصفد قاضيان شافعي وحنفي‏.‏

وفي ثاني المحرم قدم نائب السلطنة بعد غيبة نحو من خمسة عشر يوماً، وقد أوطأ بلاد فرير بالرعب، وأخذ من مقدميهم طائفة فأودعهم الحبس، وكان قد اشتهر أنه قصد العشيرات المواسين ببلاد عجلون، فسألته عن ذلك حين سلمت عليه فأخبرني أنه لم يتعد ناحية فرير، وأن العشيرات قد اصطلحوا واتفقوا، وأن التجريدة عندهم هناك‏.‏

قال‏:‏ وقد كبس الأعراب من حرم الترك فهزمهم الترك وقتلوا منهم خلقاً كثيراً، ثم ظهر للعرب كمين فلجأ الترك إلى وادي صرح فحصروهم هنالك، ثم ولت الأعراب فراراً ولم يقتل من الترك أحد، وإنما جرح منهم أمير واحد فقط، وقتل من الأعراب فوق الخمسين نفساً‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/332‏)‏

وقدم الحجاج يوم الأحد الثاني والعشرين من المحرم، ودخل المحمل السلطاني ليلة الاثنين بعد العشاء، ولم يحتفل لدخوله كما جرت به العادة، وذلك لشدة ما نال الركب في الرجعة من بريز إلى هنا من البرد الشديد، بحيث إنه قد قيل إنه مات منهم بسبب ذلك نحو المائة، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

ولكن أخبروا برخص كثير وآمن، وبموت نفسة أخي عجلان صاحب مكة، وقد استبشر بموته أهل تلك البلاد لبغية على أخيه عجلان العادل فيهم انتهى والله أعلم‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

4740 البداية والنهاية ( ابن كثير ) خروج السلطان من دمشق قاصداً مصر


4740

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 خروج السلطان من دمشق قاصداً مصر

ولما كان يوم الجمعة عاشر شهر شوال خرج طلب يلبغا الخاصكي صبيحته في تجمل عظيم لم ير الناس في هذه المدد مثله، من نجائب وجنائب ومماليك وعظمة هائلة، وكانت عامة الأطلاب قد تقدمت قبله بيوم، وحضر السلطان إلى الجامع الأموي قبل أذان الظهر، فصلى في مشهد عثمان و ومن معه من أمراء المصريين، ونائب الشام‏.‏

‏(‏يتبع‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏

‏(‏تابع‏.‏‏.‏‏.‏ 1‏)‏‏:‏ استهلت هذه السنة المباركة وسلطان الإسلام بالديار المصرية والشامية‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏

وخرج من فوره من باب النصر ذهباً نحو الكسوة والناس في الطرقات والأسطحة على العادة، وكانت الزينة قد بقي أكثرها في الصاغة والخواصين وباب البريد إلى هذا اليوم، فاستمرت نحو العشرة أيام‏.‏

وفي يوم السبت حادي عشر شوال خلع على الشيخ علاء الدين الأنصاري بإعادة الحسبة إليه وعزل عماد الدين بن السيرجي، وخرج المحمل يوم الخميس سادس عشر شوال على العادة، والأمير مصطفى البيري‏.‏

وتوفي يوم الخميس ويوم الجمعة أربعة أمراء بدمشق، وهم طشتمر وفر وطيبغا الفيل، ونوروز أحد مقدمي الألوف، وتمر المهمندار، وقد كان مقدم ألف، وحاجب الحجاب وعمل نيابة غزة في وقت، ثم تعصب عليه المصريون فعزلوه عن الإمرة‏.‏

وكان مريضاً فاستمر مريضاً إلى أن توفي يوم الجمعة، ودفن يوم السبت بتربته التي أنشأها بالصوفية، لكنه لم يدفن فيها بل على بابها كأنه مودع أو ندم على بنائها فوق قبور المسلمين رحمه الله‏.‏

وتوفي الأمير ناصر الدين بن لاقوش يوم الاثنين العشرين من شوال ودفن بالقبيبات، وقد ناب ببعلبك وبحمص، ثم قطع خبره هو وأخوه كحلن ونفوا عن البلد إلى بلدان شتى‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/330‏)‏

ثم رضي عنهم الأمير يلبغا وأعاد عليهم أخباراً بطبلخانات، فلما لبث ناصر الدين إلا يسيراً حتى توفي إلى رحمة الله تعالى، وقد أثر آثاراً حسنة كثيرة منها عند عقبة الرمانة خان مليح نافع، وله ببعلبك جامع وحمام وخان وغير ذلك، وله من العمر ست وخمسون سنة‏.‏

وفي يوم الأحد السادس والعشرين منه درّس القاضي نور الدين محمد بن قاضي القضاة بهاء الدين بن أبي البقاء الشافعي بالمدرسة الأتابكية، نزل له عنها والده بتوقيع سلطاني، وحضر عنده القضاة والأعيان، وأخذ في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 197‏]‏‏.‏

وفي هذا اليوم درّس القاضي نجم الدين أحمد بن عثمان النابلسي الشافعي المعروف بابن الجابي بالمدرسة العصرونية استنزل له عنها القاضي أمين الدين بن القلانسي في مصادراته‏.‏

وفي صبيحة يوم الاثنين التاسع والعشرين من شوال درّس القاضي ولي الدين عبد الله بن القاضي بهاء الدين أبي البقاء بالمدرستين الرواحية ثم القيمرية، نزل له عنهما والده المذكور بتوقيع سلطاني، وحضر عنده فيهما القضاة والأعيان‏.‏

وفي صبيحة يوم الخميس سلخ شوال شهر الشيخ أسد ابن الشيخ الكردي على جمل وطيف به في حواضر البلد ونودي عليه‏:‏ هذا جزاء من يخامر على السلطان ويفسد ثواب السلطان‏.‏

ثم أنزل عن الجمل وحمل على حمار وطيف به في البلد ونودي عليه بذلك، ثم ألزم السجن وطلب منه مال جزيل وقد كان المذكور من أعوان بيدمر المتقدم ذكره وأنصاره، وكان هو المتسلم للقلعة في أيامه‏.‏

وفي صبيحة يوم الاثنين حادي عشر ذي القعدة خلع على قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح بقضاء العسكر الذي كان متوفراً عن علاء الدين بن شمرنوخ، وهنأه الناس بذلك وركب البغلة بالزناري مضافاً إلى ما بيده من نيابة الحكم والتدريس‏.‏

وفي يوم الاثنين ثامن عشره أعيد تدريس الركنية بالصالحية إلى قاضي القضاة شرف الدين الكفري الحنفي، استرجعها بمرسوم شريف سلطاني، من يد القاضي عماد الدين بن العز، وخلع على الكفري، وذهب الناس إليه للتهنئة بالمدرسة المذكورة‏.‏

وفي شهر ذي الحجة أشتهر وقوع فتن بين الفلاحين بناحية عجلون، وأنهم اقتتلوا فقتل من الفريقين اليمني والقيسي طائفة، وأن عين حيتا التي هي شرقي عجلون دمرت وخربت، وقطع أشجارها ودمرت بالكلية‏.‏

وفي صبيحة يوم السبت الثاني والعشرين من ذي الحجة لم تفتح أبواب دمشق إلى ما بعد طلوع الشمس، فأنكر الناس ذلك، وكان سببه الاحتياط على أمير يقال له كسبغا، كان يريد الهرب إلى بلاد الشرق، فاحتيط عليه حتى أمسكوه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/331‏)‏

وفي ليلة الأربعاء السادس والعشرين من ذي الحجة قدم الأمير سيف الدين طاز من القدس فنزل بالقصر الأبلق، وقد عمي من الكحل حين كان مسجوناً بالإسكندرية، فأطلق كما ذكرنا، ونزل ببيت المقدس مدة‏.‏

ثم جاءه تقليد بأنه يكون ظرخاناً ينزل حيث شاء من بلاد السلطان، غير أنه لا يدخل ديار مصر، فجاء فنزل بالقصر الأبلق، وجاء الناس إليه على طبقاتهم - نائب السلطنة فمن دونه - يسلمون عليه وهو لا يبصر شيئاً، وهو على عزم أن يشتري أو يستكري له داراً بدمشق يسكنها‏.‏

انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ