إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 24 يونيو 2015

4702 البداية والنهاية ( ابن كثير ) دخول بيبغا أروش إلى دمشق


4702

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 دخول بيبغا أروش إلى دمشق

ولما كان يوم الأربعاء الرابع والعشرين من رجب دخل الأمير سيف الدين بيبغا أروش نائب حلب إلى دمشق المحروسة بمن معه من العساكر الحلبية وغيرهم وفي صحبته نائب طرابلس الأمير سيف الدين بكلمش، ونائب حماه الأمير شهاب الدين أحمد، ونائب صفد الأمير علاء الدين طيبغا، ملقب برتاق‏.‏

وكان قد توجه قبله، قيل‏:‏ بيوم، ومعه نواب قلاع كثيرة من بلاد حلب وغيرها، في عدد كثير من الأتراك والتركمان، فوقف في سوق الخيل مكان نواب السلطان تحت القلعة، واستعرض الجيوش الذين وفدوا معه هنالك، فدخلوا في تجمل كثير، ملبسين، وكان عدة من كان معه من أمراء الطبلخانات قريباً من ستين أميراً أو يزيدون أو ينقصون، على ما استفاض عن غير واحد ممن شاهد ذلك‏.‏

ثم سار قريباً من الزوال للمخيم الذي ضرب له قبل مسجد القدم عند قبة يلبغا، عند الجدول الذي هنالك، وكان يوماً مشهوداً هائلاً، لما عاين الناس من كثرة الجيوش والعدد، وعذر كثير من الناس صاحب دمشق في ذهابه بمن معه لئلا يقابل هؤلاء‏.‏

فنسأل الله أن يجمع قلوبهم على ما فيه صلاح المسلمين‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/281‏)‏

وقد أرسل إلى نائب القلعة وهو الأمير سيف الدين إباجي يطلب منه حواصل أرغون التي عنده، فامتنع عليه أيضاً، وقد حصن القلعة وسترها وأرصد فيها الرجال والرماة والعدد، وهيأنها بعض المجانيق ليبعد بها فوق الأبرجة، وأمر أهل البلد أن لا يفتحوا الدكاكين ويغلقوا الأسواق، وجعل يغلق أبواب البلد إلا باباً أو بابين منها‏.‏

واشتد حنق العسكر عليه، وهموا بأشياء كثيرة من الشر، ثم يرعوون عن الناس والله المسلم، غير أن إقبال العسكر وأطرافه قد عاثوا فيما جاوروه من القرايا والبساتين والكروم والزروع فيأخذون ما يأكلون وتأكل دوابهم، وأكثر من ذلك فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

ونهبت قرايا كثيرة وفجروا بنساء وبنات، وعظم الخطب، وأما التجار ومن يذكر بكثرة مال فأكثرهم مختفٍ لا يظهر لما يخشى من المصادرة، نسأل الله أن يحسن عاقبتهم‏.‏

واستهل شهر شعبان وأهل البلد من خوف شديد، وأهل القرايا والحواضر في نقلة أثاثهم وأبقارهم ودوابهم وأبنائهم ونسائهم، وأكثر أبواب البلد مغلقة سوى بابي الفراديس والجابية، وفي كل يوم نسمع بأمور كثيرة من النهب للقرايا والحواضر، حتى انتقل كثير من أهل الصالحية أو أكثرهم، وكذلك من أهل العقبية وسائر حواضر البلد، فنزلوا عند معارفهم وأصحابهم، ومنهم من نزل على قارعة الطريق بنسائهم وأولادهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏

وقال كثير من المشايخ الذين أدركوا زمن قازان‏:‏ إن هذا الوقت كان أصعب من ذلك لما ترك الناس من ورائهم من الغلات والثمار التي هي عمدة قوتهم في سنتهم‏.‏

وأما أهل البلد ففي قلق شديد أيضاً لما يبلغهم عنهم من الفجور بالنساء، ويجعلون يدعون عقيب الصلوات عليهم يصرحون بأسمائهم ويعنون بأسماء أمرائهم وأتباعهم ونائب القلعة الأمير سيف الدين إباجي في كل وقت يسكن جأش الناس ويقوي عزمهم ويبشرهم بخروج العساكر المنصورة من الديار المصرية صحبة السلطان إلى بلاد غزة حيث الجيش الدمشقي، ليجيئوا كلهم في خدمته وبين يديه‏.‏

وتدق البشائر فيفرح الناس ثم تسكن الأخبار وتبطل الروايات فتقلق ويخرجون في كل يوم وساعة في تجمل عظيم ووعد وهيآت حسنة‏.‏

ثم جاء السلطان أيده الله تعالى وقد ترجل الأمراء بين يديه من حين بسط له عند مسجد الدبان إلى داخل القلعة المنصورة، وهو لابس قباء أحمر له قيمته على فرس أصيلة مؤدبة معلمة المشي على القوس لا تحيد عنه، وهو حسن الصورة مقبول الطلعة، عليه بهاء المملكة والرياسة، والخز فوق رأسه يحمله بعض الأمراء الأكابر‏.‏

وكلما عاينه من عاينه من الناس يبتلهون بالدعاء بأصوات عالية، والنساء بالزغرطة، وفرح الناس فرحاً شديداً، وكان يوماً مشهوداً، وأمراً حميداً، جعله الله مباركاً على المسلمين‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/282‏)‏

فنزل بالقلعة المنصورة، وقد قدم معه الخليفة المعتضد أبو الفتح بن أبي بكر المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد، وكان راكباً إلى جانبه من ناحية اليسار، ونزل بالمدرسة الدماغية في أواخر هذا اليوم سائر الأمراء مع نائب الشام، ومقدمهم طاز وشيخون في طلب بيبغا ومن معه من البغاة المفسدين‏.‏

وفي يوم الجمعة ثانيه حضر السلطان أيده الله إلى الجامع الأموي وصلّى فيه الجمعة بالمشهد الذي يصلّي فيه نواب السلطان أيده الله، فكثر الدعاء والمحبة له ذاهباً وآيباً تقبل الله منه، وكذلك فعل الجمعة الأخرى وهي تاسع الشهر‏.‏

وفي يوم السبت عاشره اجتمعنا يقول الشيخ عماد الدين بن كثير المصنف رحمه الله، بالخليفة المعتضد بالله أبي الفتح بن أبي بكر بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد‏.‏

وسلمنا عليه وهو نازل بالمدرسة الدماغية، داخل باب الفرج وقرأت عنده جزءاً فيه ما رواه أحمد بن حنبل عن محمد بن إدريس الشافعي في مسنده، وذلك عن الشيخ عز الدين بن الضيا الحموي بسماعه من ابن البخاري، وزينب بنت مكي عن أحمد بن الحصين عن ابن المذهب عن أبي بكر بن مالك عن عبد الله بن أحمد عن أبيه فذكرهما، والمقصود أنه شاب حسن الشكل مليح الكلام متواضع جيد الفهم حلو العبارة رحم الله سلفه‏.‏

وفي رابع عشره قدم البريد من بلاد حلب بسيوف الأمراء الممسوكين من أصحاب بيبغا‏.‏

وفي يوم الخميس خامس عشره نزل السلطان الملك الصالح من الطارمة إلى القصر الأبلق في أبهة المملكة، ولم يحضر يوم الجمعة إلى الصلاة، بل اقتصر على الصلاة بالقصر المذكور‏.‏

وفي يوم الجمعة باكر النهار دخل الأمير سيف الدين شيخون وطار بمن معهما من العساكر من بلاد حلب، وقد فات تدارك بيبغا وأصحابه لدخولهم بلاد زلغادر التركماني بمن بقي معهم، وهم القليل، وقد أسر جماعة من الأمراء الذين كانوا معه، وهم في القيود والسلاسل صحبة الأميرين المذكورين، فدخلا على السلطان وهو بالقصر الأبلق فسلما عليه وقبّلا الأرض وهنآه بالعيد‏.‏

ونزل طاز بدار أيتمش بالشرق الشمالي، ونزل شيخون بدار إياس الحاجب بالقرب من الظاهرية البرانية، ونزل بقية الجيش في أرجاء البلد‏.‏

وأما الأمير سيف الدين أرغون فأقام بحلب نائباً عن سؤاله إلى ما ذكر، وخوطب في تقليده بألقاب هائلة، ولبس خلعة سنية، وعظم تعظيماً زائداً، ليكون هناك إلباً على بيبغا وأصحابه لشدة ما بينهما من العداوة‏.‏

ثم صلّى السلطان بمن معه من المصريين ومن انضاف إليهم من الشاميين صلاة عيد الفطر بالميدان الأخضر، وخطب بهم القاضي تاج الدين المناوي المصري، قاضي العسكر المصري بمرسوم السلطان وذويه، وخلع عليه‏.‏انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/ 283‏)‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق