إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 24 يونيو 2015

4676 البداية والنهاية ( ابن كثير ) ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وسبعمائة


4676

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وسبعمائة

استهلت يوم الأربعاء وسلطان المسلمين الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون، وقضاته بمصر هم المذكورون في التي قبلها، وليس في دمشق نائب سلطنة، وإنما الذي يسد الأمور الأمير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر، الذي جاء بالقبض على الأمير سيف الدين تنكز، ثم جاء المرسوم بالرجوع إلى صفد فركب من آخر النهار وتوجه إلى بلده، وحواصل الأمير تنكز تحت الحوطة كما هي‏.‏

وفي صبيحة يوم السبت رابع المحرم من السنة المذكورة قدم من الديار المصرية خمسة أمراء الأمير سيف الدين بشتك الناصري ومعه برصبغا الحاجب، وطاشار الدويدار وبنعرا وبطا‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/220‏)‏

فنزل بشتاك بالقصر الأبلق والميادين، وليس معه من مماليكه إلا القليل، وإنما جاء لتجديد البيعة إلى السلطان لما توهموا من ممالأة بعض الأمراء لنائب الشام المنفصل، وللحوطة على حواصل الأمير سيف الدين تنكز المنفصل عن نيابة الشام وتجهيزها للديار المصرية‏.‏

وفي صبيحة يوم الاثنين سادسه دخل الأمير علاء الدين الطنبغا إلى دمشق نائباً، وتلقاه الناس وبشتك والأمراء المصريون، ونزلوا إلى عتبته فقبلوا العتبة الشريفة، ورجعوا معه إلى دار السعادة، وقرئ تقليده‏.‏

وفي يوم الاثنين ثالث عشرة مسك من الأمراء المقدمين أميران كبيران الجي بغا العادلي، وطنبغا الحجي، ورفعا إلى القلعة المنصورة واحتيط على حواصلهما‏.‏

وفي يوم الثلاثاء تحملوا بيت ملك الأمراء سيف الدين تنكز وأهله وأولاده إلى الديار المصرية‏.‏

وفي يوم الأربعاء خامس عشرة ركب نائب السلطنة الأمير علاء الدين طنبغا ومعه الأمير سيف الدين بشتك الناصري، الحاجة رقطية، وسيف الدين قطلوبغا الفخري وجماعة من الأمراء المقدمين واجتمعوا بسوق الخيل واستدعوا بمملوكي الأمير سيف الدين تنكز وهما جغاي وطغاي‏.‏

فأمر بتوسيطهما فوسطا وعلقا على الخشب ونودي عليهما‏:‏ هذا جزاء من تجاسر على السلطان الناصر‏.‏

وفي يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من هذا الشهر كانت وفاة الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام بقلعة إسكندرية، قيل مخنوقاً وقيل مسموماً وهو الأصح، وقيل غير ذلك، وتأسف الناس عليه كثيراً، وطال حزنهم عليه، وفي كل وقت يتذكرون ما كان منه من الهيبة والصيانة والغيرة على حريم المسلمين ومحارم الإسلام، ومن إقامته على ذوي الحاجات وغيرهم، ويشتد تأسفهم عليه رحمه الله‏.‏

وقد أخبر القاضي أمين الدين بن القلانسي رحمه الله شيخنا الحافظ العلامة عماد الدين بن كثير رحمه الله أن الأمير سيف الدين تنكز مسك يوم الثلاثاء، ودخل مصر يوم الثلاثاء، ودخل الإسكندرية يوم الثلاثاء، وتوفي يوم الثلاثاء وصلّي عليه بالإسكندرية، ودفن بمقبرتها في الثالث والعشرين من المحرم بالقرب من قبر القباري وكانت له جنازة جيدة‏.‏

وفي يوم الخميس سابع شهر صفر قدم الأمير سيف الدين طشتمر الذي مسك تنكز إلى دمشق فنزل بوطأة برزة بجيشه ومن معه، ثم توجه إلى حلب المحروسة نائباً بها عوضاً عن الطنبغا المنفصل عنها‏.‏

‏(‏ج/ص‏:‏ 14/221‏)‏

وفي صبيحة يوم الخميس ثالث عشر ربيع الأول نودي في البلد بجنازة الشيخ الصالح العابد الناسك القدوة الشيخ محمد بن تمام توفي بالصالحية، فذهب الناس إلى جنازته إلى الجامع المظفري، واجتمع الناس على صلاة الظهر فضاق الجامع المذكور عن أن يسعهم، وصلّى الناس في الطرقات وأرجاء الصالحية‏.‏

وكان الجمع كثيراً جداً لم يشهد الناس جنازة بعد جنازة الشيخ تقي الدين بن تيمية مثلها، لكثرة من حضرها من الناس رجالاً ونساء، وفيهم القضاة والأعيان والأمراء وجمهور الناس يقاربون عشرين ألفاً‏.‏

وانتظر الناس نائب السلطنة فاشتغل بكتاب ورد عليه من الديار المصرية، فصلّى عليه الشيخ بعد صلاة الظهر بالجامع المظفري، ودفن عند أخيه في تربة بين تربة الموفق وبين تربة الشيخ أبي عمر رحمهم الله وإيانا‏.‏

وفي أول شهر جمادى الأولى توفيت الشيخة العابدة الصالحة العالمة قارئة القرآن أم فاطمة عائشة بنت إبراهيم بن صديق زوجة شيخنا الحافظ جمال الدين المزي عشية يوم الثلاثاء مستهل هذا الشهر وصلّي عليها بالجامع صبيحة يوم الأربعاء ودفنت بمقابر الصوفية غربي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهم الله‏.‏

كانت عديمة النظير في نساء زمانها لكثرة عبادتها وتلاوتها وإقرائها القرآن العظيم بفصاحة وبلاغة وأداء صحيح، يعجز كثير من الرجال عن تجويده، وختمت نساء كثيراً، وقرأ عليها من النساء خلق وانتفعن بها وبصلاحها ودينها وزهدها في الدنيا، وتقللها منها، مع طول العمر بلغت ثمانين سنة أنفقتها في طاعة الله صلاة وتلاوة‏.‏

وكان الشيخ محسناً إليها مطيعاً، لا يكاد يخالفها لحبه لها طبعاً وشرعاً فرحمها الله وقدس روحها، ونور مضجعها بالرحمة آمين‏.‏

وفي يوم الأربعاء الحادي والعشرين منه درّس بمدرسة الشيخ أبي عمر بسفح قاسيون الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي، في التدريس البكتمري عوضاً عن القاضي برهان الدين الزرعي، وحضر عنده المقادسة وكبار الحنابلة، ولم يتمكن أهل المدينة من الحضور لكثرة المطر والوحل يومئذ‏.‏

وتكامل عمارة المنارة الشرقية في الجامع الأموي في العشر الأخير من رمضان، واستحسن الناس بناءها وإتقانها، وذكر بعضهم أنه لم يبن في الإسلام منارة مثلها ولله الحمد‏.‏

ووقع لكثير من الناس في غالب ظنونهم أنها المنارة البيضاء الشرقية التي ذكرت في حديث النواس بن سمعان في نزول عيسى ابن مريم على المنارة البيضاء في شرقي دمشق، فلعل لفظ الحديث انقلب على بعض الرواة، وإنما كان على المنارة الشرقية بدمشق، وهذه المنارة مشهورة بالشرقية بمقابلتها أختها الغربية، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

وفي يوم الثلاثاء سلخ شهر شوال عقد مجلس في دار العدل بدار السعادة وحضرته يومئذ واجتمع القضاة والأعيان على العادة وأحضر يومئذ عثمان الدكاكي قبحه الله تعالى، وادّعي عليه بعظائم من القول لم يؤثر مثلها عن الحلاج ولا عن ابن أبي الغدافر السلقماني، وقامت عليه البيّنة بدعوى الإلهية لعنه الله، وأشياء أخر من التنقيص بالأنبياء ومخالطته أرباب الريب من الباجريقية وغيرهم من الاتحادية عليهم لعائن الله‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/222‏)‏

ووقع منه في المجلس من إساءة الأدب على القاضي الحنبلي وتضمن ذلك تكفيره من المالكية أيضاً، فادّعى أن له دوافع وقوادح في بعض الشهود، فرد إلى السجن مقيداً مغلولاً مقبوحاً، أمكن الله منه بقوته وتأييده‏.‏

ثم لما كان يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من ذي القعدة أحضر عثمان الدكاكي المذكور إلى دار السعادة وأقيم إلى بين يدي الأمراء والقضاة وسئل عن القوادح في الشهود فعجز فلم يقدر، وعجز عن ذلك فتوجه عليه الحكم، فسئل القاضي المالكي الحكم عليه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم حكم بإراقة دمه وإن تاب، فأخذ المذكور فضربت رقبته بدمشق بسوق الخيل، ونودي عليه‏:‏ هذا جزاء من يكون على مذهب الاتحادية‏.‏

وكان يوماً مشهوداً بدار السعادة، حضر خلق من الأعيان والمشايخ، وحضر شيخنا جمال الدين المزي الحافظ، وشيخنا الحافظ شمس الدين الذهبي، وتكلما وحرضا في القضية جداً، وشهدا بزندقة المذكور بالاستفاضة، وكذا الشيخ زين الدين أخو الشيخ تقي الدين بن تيمية، وخرجا القضاة الثلاثة المالكي والحنفي والحنبلي، وهم نفذوا حكمه في المجلس فحضورا قتل المذكور وكنت مباشراً لجميع ذلك من أوله إلى آخره‏.‏

وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين من ذي القعدة أفرج عن الأميرين العقيلين بالقلعة وهما طنبغا حجا والجي بغا، وكذلك أفرج عن خزاندارية تنكز الذين تأخروا بالقلعة، وفرح الناس بذلك‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق