إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 30 نوفمبر 2015

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الجزء الأول – الفصول 1-40 الفهرس الجزء الاول مقدمة


( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
     
الجزء الأول – الفصول 1-40


 الفهرس الجزء الاول

مقدمة

الفصل الأول تحديد لفظة العرب

الفصل الثاني الجاهلية و مصادر التاريخ الجاهلي

الفصل الثالث إهمال التأريخ الجاهلي و إعادة تدوينه

الفصل الرابع جزيرة العرب

الفصل الخامس طبيعة جزيرة العرب وثرواتها وسكانها

الفصَلُ السادس صلات الحرب بالساميين

الفصل السابع طبيعة العقلية العربية

الفصل الثامن طبقات العرب

الفصل التاسع العرب العاربة والعرب المستعربة

الفصل العاشر أثر التوراة

الفصل الحادي عشر أنساب العرب

الفصل الثاني عشر طبقات القبائل

الفصل الثالث عشر تأريخ الجزيرة القديم

الفصل الرابع عشر العرب في الهلال الخصيب

الفصل الخامس عشر صلة العرب بالكلدانيين و الفرس

الفصل السَّادس عَشِر العرب والعبرانيون

الفصل السابع عشر العرب و اليونان

الفصل الثامن عشر العرب و الرومان

الفصل التاسع عشر الدولة المعينية

الفصل العشرون مملكة حضرموت

الفصل الثاني و العشرون مملكتا ديدان و لحيان

الفصل الثالث و العشرون السبئيون

الفَصْل الرَابع والعِشُرون ملوك سبأ

الفَصْل الخَامِس وَالعِشُرون همدان

الفَصْل ا لسَّادِس وَُالعشرُون أسر وقبائل

الفَصْل ا لسَابع وَالعِشُرون ملوك سبأ وذو ريدان

الفَصْل اَلثَامِن وَالعِشرُون سبأ وذو ريدان

الفَصْل التَاسِعَ وَالعِشرُون ممالك وإمارات صغيرة

الفَصْلُ الثًّلاَثون الحميريون

الفصل الحادي و الثلاثون سبأ و ذو ريدان و حضرموت و يمنت

الفصل الثاني والثلاثون إمارات عربية شمالية

الفصل الثالث و الثلاثون ساسانيون و بيزنطيون

الفصل الرابع والثلاثون مملكة النبط

الفصل الخامس والثلاثون مملكة تدمر

الفَصْل السّادِسُ والثَلاثون الصفويون

الفَصْلُ السَّابعُ والثلاثون مملكة الحيرة

الفَصْلُ الثَامِنُ والثَلاثون عمرو بن هند

الفَصْلُ التاَسِعُ واَلثَلاثون مملكة كنده.

الفصل الاربعون مملكة الغساسنة



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي مقدمة الكتاب


( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
    
مقدمة الكتاب


هذا كتاب في تاريخ العرب قبل الإسلام، وهو في الواقع كتاب جديد، يختلف عن كتابي السابق الذي ظهرت منه ثمانية أجزاء. يختلف عنه في إنشائه، وفي تبويبه وترتيبه، وفي كثير من مادته أيضاً، فقد ضمّنته مادة جديدة،خلا منها الكتاب السابق، تهيأت لي من قراءاتي لكتابات جاهلية عُثر عليها بعد نشر ما نشرت منه، ومن صور كتابات أو ترجماتها أو نصوصها لم تكن قد نشرت من قبل، ومن مراجعاتي لموارد نادرة لم يسبق للحظ إن سعد بالظفر بها أو الوقوف عليها، ومن كتب ظهرت حديثاً بعد نشر هذه الأجزاء، فرأيت إضافتها كلها إلى معارفي السابقة التي جسدتها في ذلك الكتاب.

وقد رأى أستاذي العالم الفاضل السيد محمد بهجت الأثري تسميته: "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، لما فيه من تفصيل لم يرد في الكتاب السابق، فوجدت في اقتراحه رأياً صائباً.ينطبق كل الانطباق على ما جاء فيه، فسميته بما سماه به، مقسماً إليه شكري الجزيل على هذا التوجيه الجميل.

وكتاباي هذان، هما عمل فرد عليه جمع المادة بنفسه، والسهر في تحريرها وتحبيرها،وعليه الإنفاق من ماله الخاص على شراء موارد غير متيسرة في بلاده، أو ليس في استطاعته مراجعتها بسبب القيود المفروضة على إعارة الكتب،أو لاعتبارات أخرى، ثم عليه البحث عن ناشر يوافق على نشر الكتاب، ثم عليه تصحيح المسودات بنفسه بعد نجاحه في الحصول على ناشر، إلى غير فلك من أمور تسلبه راحته وتستبد به وتضنيه. ولولا الولع الذي يتحكم في المؤلفين في هذه البلاد، لما أقدم إنسان على تأليف كتاب.

وإن عملاً تم بهذا الأسلوب وبهذه الطريقة، لا يمكن إن يرضي المؤلف أو يسعده، لأنه عمل يعتقد إنه مها انفق فيه من جهد وطاقة واجتهاد، فلن يكون عل الشكل الذي يتوخاه أو يريده، والصورة التي رسمها في فكره وتصورها له. ولولا طمع المؤلف في كرم القراء بتبرعهم في تقويم عوجه وإصلاح أغلاطه و إرشاده إلى خير السبل المؤدية إلى التقويم والإصلاح، و لولا اعتقاده إن في التردد أو الإحجام سلبية لا تنفع، بل إن فيها ضرراً، وان كتابا يؤلَّف و ينشر عد ما يجمع من عيوب ونقائص خير من لا شيء، أقول:لولا هذه الاعتبارات لما تجرأت، فأخرجت كتاباً وعددتني مؤلفاً من المؤلفين.

وأنا إذ أقول هذا القول و أثبته، لا أريد إن أكون مرائيا لابساً ثوب التواضع لأتظاهر به على شاكلة كثير من المرائين. و إنما أقول ذلك حقا وصدقا، فأنا رجل اعتقد إن الإنسان مهما حاول إن يتعلم،فأنه يبقى إلى خاتمة حياته جاهلاً، كل ما يصل إليه من العلم هو نقطة من بحر لا ساحل له. ثم إني ما زلت أشعر أني طالب علم، كلما ضننت انتهيت من موضوع، و فرحت بانتهائي منه، أُدرك بعد قليل إن هنالك علما كثيراُ فاتني، و موارد جمة لم أتمكن من الظفر بها، فأتذكر الحكمة القديمة "العجلة من الشيطان".

و قد رأيت في هذا الكتاب شأني في الكتاب السابق، ألا أنصِّب نفسي حاكماً تكون وظيفته إصدار أحكام قاطعة، و إبداء آراء في حوادث تاريخية مضى زمن طويل عليها، بل أكتفي بوصف الحادث و تحليله كما يبدو لي. و قد لا تعجب طريقتي هذه كثيرا من القراء، و عذري أني لا أكتب لإرضاء الناس، و لا أدوّن لشراء العواطف، و إنما أكتب ما أعتقده و أراه بحسب علمي و تحقيقي، و الرأي عندي إن التاريخ تحليل و وصف لما وقع و يقع، و على المؤرخ إن يجهد نفسه كل الإجهاد للإحاطة به، بالتفتيش عد كل ما ورد عنه، و مناقشة تمحيصٍ و نقد عميقين، ثم تدوين ما يتوصل إليه بجده و اجتهاده تدويناً صادقا على نحو ما ظهر و ما شعر به، متجنباً إبداء الأحكام و الآراء الشخصية القاطعة على قدر الاستطاعة.

لقد قلت في مقدمة الجزء الأول من كتابي السابق: "و الكتاب بحث، أردت جهد طاقتي إن يكون تفصيليا، و قد يعاب عليّ ذلك، و عذري في هذا التفصيل أنني أريد تمهيد الجادة لمن يأتي بعدي فيرغب في التأليف في هذا الموضوع، وأنني أكتب للمتتبِّعين والمتخصصين، ومن حق هؤلاء المطالبة بالمزيد . وقد فعلت في هذا الكتاب ما فعلته في الأجزاء الثمانية من الكتاب السابق من تقصّي كل ما يرد عن موضوع من الموضوعات في الكتابات وفي الموارد الأخرى ، وتسجيله وتدوينه ، ليقدم للقارئ أشمل بحث وأجمع مادة في موضوع يطلبه ، لأن غايتي من هذا الكتاب أن يكون "موسوعة" في الجاهلية والجاهليين ، لا أدع شيئاً عنها أو عنهم إلا ذكرته في محله ، ليكون تحت متناول يد القارئ . فكتابي هذا وذاك هما للمتخصصين وللباحثين الذين يطمعون في الوقوف على حياة الجاهلية بصورة تفصيلية ، ولم يكتب للذين يريدون الإلمام بأشياء مجملة عن تلك الحياة.

والكتاب لذلك سيخرج في أجزاء ، لا أستطيع تحديد عددها ألان ، ولكني أقول بكل تأكيد إنها ستزيد على العشرة ، وأنها ستتناول كل نواحي الحياة عند ا لجاهليين: من سياسية ، و اجتماعية ، ودينية ، وعلمية ، وأدبية ، وفنية ، و تشريعية .

لقد أشار عليّ بعض الأصدقاء أن أدخل في العرب كل الساميّين ، وأن أتحدث عنهم في كتابي هذا كما أتحدث عن العرب ، لأن وطن الساميين الأول هو جزيرة العرب ، ومنه هاجروا إلى الأماكن المعروفة التي استقروا فيها ، فهم في ذلك مثل القبائل العربية التي تركت بلاد العرب ، واستقرت في العراق وفي بادية الشام وبلاد الشام ، لا يختلفون عنهم في شيء . ثم قالوا: فإذا كنتَ قد تحدثت عن تلك القبائل المهاجرة على أنها قبائل عربية، فلمَ تسكت عن أولئك السامين ، ولم تجعلهم من العرب? و جوابي أن القبائل العربية المهاجرة هي قبائل معروفة الأصل وقد نصت الكتابات والموارد الأخرى على عروبتها. ، ونسبت نفسها إلى جزيرة العرب، ولهجاتها لهجات عربية ، لا ريب في ذلك ولا نزاع ، و ثقافتها عربية . أما الشعوب السامية ، فليس بين العلماء، كما سترى، اتفاق على وطنها الأول، وليس بينها شعب واحد نسب نفسه إلى العرب ، وليس في الموارد التاريخية الواصلة إلينا مورد واحد يشير إلى أنها عربية؛ ولهجاتها وان اشتركت كلها في أمور، فإنها تختلف أيضاً في أمور كثيرة، هي أكثر من مواطن الاشتراك والالتقاء. ففرقٌ كبير إذن بين هذه الشعوب وبين القبائل العربية من حيث العروبة. ثم إن العروبة في نظري ليس بها حاجة إلى ضم هذه الشعوب اليها، لاثبات إنها ذات أصل تؤول اليه، فقد أعطى الله تلك الشعوب تاريخاً ثم محاه عنهم، وأعطى العرب تاريخاً أينع في القديم واستمر حتى لليوم،ثم إن لهم من الحضارة الإسلامية ما يغنيهم عن التفتيش عن مجد غيرهم وعن تركاتهم، لإضافتها إليهم. فليس في العرب مركب نقص حتى نضيف إليهم من لم يثبت انهم منهم، لمجرد أنهم كانوا أصحاب حضارة وثقافة، وأن جماعة من العلماء ترى أنهم كانوا من جزيرة العرب. والرأي عندي أن العرب لو نبشوا تربة اليمن و بقية الترب لما احتاجوا إلى دعوة من يدعو إلى هذا الترقيع. فأنا من أجل هذا لا أستطيع أن أضم أحدا من هؤلاء إلى الأسرة العربية بالمعنى الاصطلاحي المعروف المفهوم، من لفظة العرب عندنا ، إلا إذا توافرت الأدلة ، وثبت بالنص أنهم من العرب حقاً، وأنهم كانوا في جزيرة العرب حقاً.

نعم، لقد قلت إن مصطلح الشعوب العربية هو أصدق اصطلاح يمكن إطلاقه على تلك الشعوب ، وإن الزمان قد حان لاستبدال .مصطلح "عربي" و "عريية" ب "سامي" و "سامية" ، وقلت أشياء أخرى شرحتها في الجزء الثاني من الكتاب السابق في تعليل ترجيح هذه التسمية. ولكنى لم أقصد ولن أقصد أن تلك الشعوب هي قبائل عربية مثل الشعوب والقبائل العربية المعروفة. فالسامية وحدة ثقافية، اصطلح عليها اصطلاحاً، و العروبة وحدة ثقافية وجنسية وروابط دموية وتأريخية، و بين المفهومين فرق كبير.

إن مما يثير الأسف والله في النفوس ان نرى الغربيين يعنون بتأريخ الجاهلية و يجدّون في البحث عنه والكشف عن حلقاته وتركاته في باطن الأرض، ونشره بلغاتهم، ولا نرى حكوماتنا العربية ولا سيما حكومات جزيرة العرب، إلا منصرفة عنه، لا تعنى بالآثار العناية اللازمة لها، ولا تسأل الخبراء رسمياً وباسمها البحث عن العاديات والتنقيب في الخرائب الجاهلية لاستخراج ما فيها من كنوز،وجمعها في دار للمحافظة عليها ولاطلاع الناس عليها . وقد يكون عذر هذه الحكومات إن الناس هناك ينظرون إلى التماثيل نظرتهم إلى الأصنام والأوثان، والى استخراج الآثار والتنقيب عن العاديات نظرتهم إلى بعث الوثنية و إحياء معالم الشرك، وهي من أجل هذا تخشى الرأي العام، وإني على كل حال أرجو إن تزول هذه الأحوال في المستقبل القريب، وأن يدرك عرب الجزيرة أهمية الآثار في الكشف عن تاريخ هذه الأمة العربية القديم.

كذلك أرجو إن تنتبه حكومات جزيرة العرب لأهمية موضوع التخصص بتأريخ العرب القديم، وان تكلف شبانها دراسة علم الآثار ودراسة لهجات العرب قبل الإسلام والأقلام العربية الجاهلية، ليقوموا هم أنفسهم بالبحث والتنقيب في مواطن العاديات المنبثة في مواطن كثيرة من الجزيرة.

ورجاء آخر أتمنى على جامعة الدول العربية والدول العربية إن يحققوه، وهو إرسال بعثات من المتخصصين بالآثار وباللهجات والأقلام العربية القديمة إلى مواطن الآثار في اليمن وفي بقية العربية الجنوبية والمواضع الأخرى من جزيرة العرب للتنقيب عن الآثار، والكشف عن تأريخ الجزيرة المطمور تحت الأتربة والرمال، ونشره نشرا علمياً، بدلاً من إن يكون اعتمادنا في ذلك على الغربيين. أفلا يكون من العار علينا إن نكون عالة عليهم في كل أمر، حتى في الكشف عن تاًريخنا القديم! وأضيف إلى هذا الرجاء رجاء آخر هو إن تقوم أيضاً بتدوين معجم في اللهجات العربية الجاهلية، تستخرجه من الكتابات التي عثر عليها، وبتأليف كتب في نحوها وصرفها، وترجمة الكتب، الأمهات التي وضعها المؤلفون الأجانب في تاريخ الجاهلية، ترجمة دقيقة تنأى عن المسخ الذي وقع في ترجمة بعض تلك المؤلفات فأشاع الغلظ ونشر التخريف.

لقد راجعت بعض المستشرقين الباحثين في تاريخ العرب القديم، وسالت بعض من ساح في جزيرة العرب في هذه الأيام، وبعض الشركات العاملة فيها، في آخر ما توصلوا إليه من بحوث، وعثروا عليه من عاديات، فوجدت منهم كل معونة، وأرسلوا وما برحوا يرسلون أجوبتهم إليّ بكل ترحاب ولطف، وكتبت إلى بعض حكومات جزيرة العرب والى بعض المسؤولين من أصحاب المكانة فيها والنفوذ مرارا، أسألها وأسألهم عن العاديات وعن الآثار التي عثر عليها حديثاً في بلادهم، فلم أسمع من الاثنين جوابا، وإني إذ أكتب هذه الملاحظة المرّة المؤسفة، إنما أرمي بها إلى التنبيه ولفت أنظار أولي الأمر أصحاب الحكم والسلطان. فمن واجب المسؤول إجابة الرسائل، ولا سيما إن القضية قضية تخص البلاد المذكورة بالذات والعرب عموماً، وقبيح إن ينبري الغريب، فيساعد طالب بحث عن تأريخ أمته واخوته، ويستنكف المسؤولون من أبناء هذه الأمة عن تنفيذ طلب لا يكلفهم شيئا، وهو خطير يتعلق بتأريخ هذه الأمة قبل الإسلام و إذاعته أولاً، وهو واجب من واجباتهم التي نصبوا من أجلها ثانياً.

لقد تمكن الباحثون في التاًريخ الجاهلي، من سياح وعلماء، من الارتقاء بتاريخ الجاهلية بمئات من السنين قبل الميلاد ، وذلك على وجه صحيح لا مجال للشك فيه، خ أن بحوثهم هذه لم تنزل سوى أمتار في باطن الآثار وفي أماكن محدودة معينة. وسوف يرتفع مدى هذا التأريخ إلى مئات أخرى، وربما يتجاوز الألفي سنة أو أكثر قبل الميلاد إذا أتيحت الفرص للعلماء في الحفر في مواضع، الآثار حفرا علمياً بالمعنى الحديث المفهوم من "الحفر" . وأنا لا أستبعد بلوغ هذا التاريخ الجاهلي في يوم من الأيام التأريخ الذي وصل إليه العلماء في مصر وفي العراق، أو في أماكن أخرى عرفت بقدم تاريخها، بل لا أستبعد أيضا أن يتقدم هذا التأريخ تأريخ بعض الأماكن المذكورة .

وبعد هذا ، لا بد لي هنا من الاعتراف بفضل رجل، له على هذا الكتاب وعلى الكتاب الأول يد ومنة، وله كذلك عد مؤلفهما فضل سابق، يسبق زمن تأليف كتابيه بأمد طويل ، هو فضل الإرشاد والتوجيه والتعليم. وأريد به الاستاذ العلامة الفاضل السيد محمد بهجت الأثري ، العضو العامل في مجمع اللغة العربية بالقاهرة وعضو المجمع العلمي العربي بدمشق، وعضو المجلس الأعلى الاستشاري للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. فقد كان لي ولأمثالي من الدارسين والباحثين ولا يزال مرشدا وموجهاً ومشوقاً لدراسة التراث العربي والتراث الإسلامي والتأليف في ذلك، مذ كنت تلميذه في الإعدادية المركزية ببغداد أتلقى عنه في جملة من كانوا يتلقون سنه الأدب العربي، فكان يشوقنا بأسلوبه الجذاب ، وبتأثيره القوي المعروف، إلى التوسع في دراسة الأدب العربي وتاريخ الأمة العربية، وهو ما برح يحثني على الإسراع في إتمام هذا الكتاب و إخراجه للناس، قارئاً مسوداته، ومبدياً آراءه و إرشاداته وملاحظاته المهمة ،التي أفادتني ،والحق أقول، كثيراً. وهما فضلان لن ينساهما تلميذ يقدّر الفضل لأستاذ كريم يفني نفسه في تربية الأجيال ونشر الأدب والعلم.

وبعد، فهذا الكتاب هو جمعي وترتبي، فأنا المسؤول عنه وحدي، وليس لأحد محاسبة غيري عله، اجتهدت ألا اضمنه إلا الحق والصواب من العلم على قدر طاقتي واجتهادي، فإن أكن قد وفقت فيما قصدت اليه وأردته، فذلك حسبي و كفى، لا أريد عليه حمداً ولا شكرا، لأني قمت بواجب، وعملت عن شوق ورغبة وولع قديم بهذا الموضوع يرجع إلى أيام دراستي الأولى، فليس لي فضل ولا منة، وإن كان فيه حسناٌ فهو للعلماء الذين اعتمدت عليهم وأخذت منهم، وليس لي فيه غير الجمع والتأليف. وإن أخفقت فيه فذلك مبلغ علمي واجتهادي، أديته بعد تعب،لا أملك أكبر منه، وبغيتي حسن التوجيه والإرشاد وتقويم الأود، وتصحيح الأغلاظ، فالنقد العلمي الحق إنشاء وبناء، والمدح والإطراء في نظري ابعاد لطالي العلم من أمثالي عن العمل والتقدم،وسبب يؤدي إلى الخيلاء والضلال، وفوق كل ذي علم عليم.

جواد علي




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

755 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


755

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة


وذكر المسعودي، أن جميع من ملك من ملوك غسان بالشام أحد عشرملكاً. ولم يذكرهم في قائمته كلهم.

أما ملوك "الغساسنة "، على ما جاء في "كتاب المحبر"، فانهم على هذا النحو: "ثعلبة"، فابنه " الحارث"، فابنه "جبلة"، فابنه "الحارث " وهو المعروف ب "ابن مارية ذاتِّ القرطين"، و "النعمان بن الحارث"، و "المنذر" ابنه، و "المنذر بن الحارث"، و "جبلة بن الحارث"، و "أبو شمر بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن عمرو بن جفنة"، و "الحارث" الأعرج بن أبي شمر بن عمرو بن الحارث بن عوف بن عمرو بن عدي بن عمرو بن الحسحاس" وهو "حارثة بن بكر بن عوف بن عمرو بن عديَ بن عمرو بن مازن بن الزتد" وليس بجفني، ولكن أمه جفنية، فلم يزل الملك فيهم حتى كان آخرهم "جبلة بن ألأجهم بن جبلة "، وهو الذي اتصل ملكه بخلافة عمربن الخطاب.

وجاء ترتيب ملوك الغساسنة في التعليقات النى طبعها "هرشفلد" مع ديوان "حسان" على هذا النحو: "كان أول من ملك من غسان: الحارث بن عمرو ابن عدي بن حجر بن الحارث، ثم عمرو بن الحارث، ثم الحارث بن عمرو، وهو أبو شمر الأكبر ثم الحارث بن الحارث بن أبي شمر، فالحارث الأصغر بن الحارث الأوسط وهو الأعرج، فالنعمان بن الحارث، فجبلة بن الأجهم، وهو الذي أدرك الإسلام.

قائمة حمزة

وأشهر قائمة ذكرها الأخباريون لملوك غسان، القائمة التي ذكرها حمزة الأصبهاني وتتألف من:

 ا - جفنة بن عمرو المعروف بمزيقياء.

2 - عمرو بن جفنة.

3 - ثعلبة بن عمرو.

4 - الحارث بن ثعلبة.

5 - جبلة بن الحارث.

6 - الحارث بن جبلة.

7 - المنذر بن الحارث.

8 - النعمان بن الحارث.

9 - المنذر بن الحارث.

10- جبلة بن الحارث.

11- الأيهم بن الحارث.

12 - عمرو ين الحارث.

13 - جفنة بن المنذر الاكبر.

14 - النعمانْ بن المنذر الأكبر.

15 - النعمان بن عمرو.

16 - جبلة بن النعمان.

17 - النعمان بن الأيهم.

18 - الحارث بن الأيهم.

19 - النعمان بن الحارث.

20 - المنذر بن النعمان.

21 - عمرو بن النعمان.

22 - حجر بن النعمان.

23 - الحارث بن حجر.

24 - جبلة بن الحارث.

25 - الحارث بن جبلة "ابن أبي شمر".

26 - النعمان بن الحارث "أبو كرب".

27 - الأيهم بن جبلة بن الحارث.

28 - المنذر بن جبلة.

29 - شراحيل بن جبلة.

30 - عمرو بن جبلة.

31 - جبلة بن الحارث.

32 - جبلة بن الأيهم.

وقد نقل ابن خلدون من جملة كتب ألف منها الفصل الذي كتبه عن تأريخ آل غسان، وكذلك الفصل الذي دونه عن تأريخ الحيرة. أما الموارد التي نقل منها فصل آل غسان، فتواريخ ابن سعيد والمسعودي وابن الكلبي والجرجاني. وأما الموارد التي نقل منها ابن خلدون مادة فصله عن تأريخ الحيرة، فتواريخ السهيلي وأبي عبيد والطبري وابن اسحاق والمسعودي وابن سعيد والجرجاني والبيهقي. وأكثر اعتماده في النقل على الطبري.

وقد اكتفى ابن خلدون بالنبذ التي أخذها من هذه الموارد ولمُ يبدِ رأيه فيها ولم يرتبها ترتيباً زمنياً مع ذكر أهم الأعمال التي قام بها كل ملك من أولئك الملوك كما فعل حمزة مثلاً، فأورد أسماء ملوك الغساسنة، كما ذكرتها الموارد التي أخذ منها، أو نقلها في شئ من الاختصار، فنقل قائمة المسعودي، والمسعودي نفسه لا يتقيد بالترتيب والتدقيق، ونقل قائمة الجرجاني وتبدأ بثعلبة بن عمرو شقيق جذع بن عمرو قاتل ملك سليح. وتنتقل بالملك بن ثعلبة إلى ابنه الحارث ابن ثعلبة، وهو ابن مارية عند بعضهم، يليه ابنه المنذر، ثم ابنه النعمان، ثم أبي شمر بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جبلة على رواية بعض النسابين أو أبي بشر بن عوف بن الحارث بن عوف بن عمرو بن عدي بن عمرو بن مازن، ثم الحارث الأعرج، ثم ابن أبي شمر، ثم عمرو ابن الحارث الأعرج، ثم المنذر بن الحارث الأعرج، ثم الأيهم بن جبلة بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة، ثم ابنه جبلة.

وقد ناقش نولدكه في كتابه عن آل غسان هذه القوائم التي نقلها ابن خلدون كما ناقش غيرها من القوائم التي وجدها في التواريخ المخطوطة أو ألمطبوعة الني تمكن من الحصول عليها،وأظهر ما فيها من خلل ونقص في نهاية ذلك البحث

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

754 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة قوائم ملوك الغساسنة


754

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة

قوائم ملوك الغساسنة


ولا بد لي، وقد انتهيت من الكلام على الغساسنة، من الاشارة إلى ضعف مادة الأخباريين عنهم، وقلة معرفتهم بهم، فاًنت إذا درست هذا الذي رووه عنهم، وحللته تحليلاعلميا لا تخرج منه الا بنتائج تأريخية محدودة ضيقة تريك انهم لم يكونوا يعرفون من أمرهم الا القليل، وانهم لم يحفظوا من أسماء أفراد الأسرة الحاكمة غير أسماء قليلة، وما عداها فتكرار واعاسة لهذه الأسماء القليلة، او اْوهام. وأنت إذا راجعت التواريخ مثل تأريخ الطبري لا تكاد تجد فيها شيئاً يذكر عن هذه الأسرة. وقد تفوق كتب الأدب كتب التأريخ في هذا الباب، ويعود الفضل في ذلك إلى الشعر، فلعدد من شعراء الجاهلية أشعار في مدح آل جفنة أو ذمهم، ولهم معهم ذكريات حفظت بفضل هذا الشعر الذي يرويه الرواة ويروون المناسبات التي قيل فيها. فلولاه ضاع أيضاً هذا القليل الذي عرفناه من اخبار الغساسنة.

وحتى القوائم، وهي جافة في الغالب، لا تستند أيضاً إلى علم بالرغم من هذا الترتيب الذي يحاول أصحابه اظهاره لنا بمظهر الواقع والحق. ولن تكسب سنوات الحكم المذكورة مع كل ملك ثقتنا بها. ولا اعتمادنا عليها. وقد اعتمد أكثر من رتبّ أسماء أمراء الغساسنة على رواية "ابن الكلبى"، غير انهم كما يظهر من مدوّناتهم لم يرووها عنه رواية تامة، بل تصرفوا فيها، فزاحوا عليها أو نقصوا منها وحرّفوا فيها بعض التحريف. وأخذ آخرون من موارد أخرى، واستعان بعض آخر مما رواه "ابن الكلبي" وبما رراه غيره وأضافوا إليه مما عرفوا من أسماء المذكورين في الشعر، وهم من سادات قبيلة "غسان" ولم يكونوا كلهم ملوكاً، فجاءت النتيجة قوائم متعددة بتعدد مشارب أصحابها وهي على العموم شاهد عدل على ضعف الأخبارين في المحاكمات وفي منطق التاًريخ.

وقد درس "نولدكه" معظم القوائم التي رواها الأخباريون لأمراء الغساسنة، ونقدها وغربلها، وقارن الحاصل بما وجده في الموارد السريانية والبيزنطية، واستخلص من تلك الدراسة هذه القائمة: أبو شمر جبلة. حكم حوالي سنة500م تقريبأ.

الحارث بن جبلة. استمر حكمه من حوالي سنة 529حتى سنة 569م. أبوكرب المنذر بن الحارث. حكم من سنة 569حتى سنة 582م.

النعمان بن المنذر. وكان حكمه من سنة 582حتى.سنة 583م.

الحارث الأصغر بن الحارث الأكبر.

الحارث الأعرج بن الحارث الأصغر.

أبو حجر النعمان. بين سنة 583وسنة 614 م.

عمرو.

حجر بن النعمان.

???? جبلة بن الأيهم. حوالي سنة635 م.

ورتب "ابن قتيبة الدينوري"، أسماء ملوك الغساسنة على هذا النحو: الحارث بن عمرو بن محرقه، وهو "الحارث الأكبر"،ويكنى ب "أبا شمر". الحارث بن أبي شكر، وهو "الحارث اللأعرج بن الحارث الأكبر". وأمه "ماريه ذات القرطين".

الحارث بن الحارث بن الحارث. وهو الحارث الأصغر بن الحارث الأعرج ابن الحارث الاكبر.

وكان له أخوة، منهم: النعمان بن الحارث. وهو والد ثلاثة بنين: حجر ابن النعمان، وبه كانُ يكنى، والنعمان بن النعمان، وعمرو بن النعمان.

ومن ولد الحارث الأعرج أيضا عمرو بن الحارث، وكان يقال له: أبو شمر الأصغر. ومن ولده المنذر بن المنذر والأيهم بن الحارث. وهو أبو "جبلة ابن الأيهم"، وجبلة آخر ملوك غسان.

فاًما المسعودي، فيرى أن عدة من ملكوا من آل غسان أحد عشر ملكاً، ذكر منهنم: ا - الحارث بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن ماس "مازن "، وهو غسان بن الأزد بن الغوث.

2 - الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو بن عامر بن حارثة. وأمه مارية ذات القرطين بنت أرقم بن ثعلبة بن جفنة بن عمر.

3 - النعمان بن الحارث بن ثعلبلأ بن جيلة بن جفنة بن عمرو.

4 - المنذر أبو شمر بن الحارث بن جبلة بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو.

5 - عوف بن أبي شمر.

6 - الحارث بن أبي شمر. وكان ملكه حين بعث رسول الله.

7 - جبلة بن الايهم.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

753 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة أمراء غساسنة.


753

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة

أمراء غساسنة.


وذكر الأخباريون أمراً جفنياً دعوه "جفنة بن النعمان الجفني"، قالوا إنه غزا الحرة في أثناء ذهاب النعمان بن المنذر الذي قتله كسرى إلى البحرين،فأصاب في الحرة ما أحب. وذكروا أنه هو الذي عناهُ عدي بن زيد العبادي في قصيدة مطلعها: سما صقر" فأشعل جانبيها  والهاك المروّح والعزيب

وذكر "ابو حنيفة الدينوري"اسم رجل من غسان، دعاه "خالد بن جبلة الغساني". قال عنه: "قالوا: وإن خالد بن جبَلة الغساني غزا النعمان بن المنذر، وهو المنذر الأخر، وكانا منذرين، ونعُمانين، فالمنذر الأول هو الذي قام بأمر بهرام جور، والمنذر الثاني الذي كان في زمان كسرى أنو شروان، وكان عمّال كسرى على تخوم أرض العرب، فقتل من أصحاب المنذر مقتلة عظيمة، واستاق إبل المنذر وخيله، فكتب المنذر إلى كسرى أنو شروان يخبره بما ارتكبه منه خالد بن جبلة. وقد ذكره في موضع آخر، فْي أثناء كلآمه على ذهاب "كسرى" إلى قيصر، إذ قال: "وسار كسرى حتى" انتهى إلى اليرموك فخرج إليه خالد بن جبلة الغساني فقراه، ووجه معه خيلاً حتى بلغ قيصر.

وقد مدح حسان بن ثابت الأنصاري أمرين من أمراء غسان، هما: عمرو وحجر. وقد ذكر أنها ملكا من "جبل الثلج حتى جانبي "أيلة" وانهما غزوا أرض فارس. ويرى "نولدكه" احتمال كون حجر هذا هو أحد أبناء النعمان الذي كُنيّ بأبي حجر.

 

وقد ذهب بعض الأخباريين الى أن عمراً المذكور في هذه الأبيات هو عمرو بن عدي ين حجر بن الحارث. وأما حجر، فهو حجر بن النعمان بن الحارث بن أبي شمر. والذي يتبين من هذه القصيدة أن الملكين المذكورين حكما في زمن واحد، وغزوا مشتركين أرض فارس، ويقتضي ذلك أن يكونا قريبين، كأن يكونا أباً أو ابناً، أو أخوين أو أن كل واحد منهما كان يحكم فرعاً من فروع غسان، وذلك بعد تصدع أمر غسان وانقسامهم إلى جملة. "مشيخات".

ويرى "ابن الأثير" أن: أبا جبيلة عبيد بن مالك بن سالم، وهو ملك من ملوك غسان على رواية بعض الأخباريين، لم يكن من ال غسان، وانما كان من "بني غضب بن جشم بن الخزرج"،ذهب إلى غسان فصار عظيماً عند ملكهم، مطاعاً بينهم، واليه ذهب "مالك بن العجلان الخزرجي" مستجيراَ به من يهود يثرب، فاًنجده وسار معه حتى أوقع في اليهود، ثم رجع عائداً إلى غسان. ولعل "أبا جبيلة الغساني"، الذي ذهب إليه الشاعر الجاهلي "الرمق بن زيد ابن غنم"، هو هذا الملكٌ الذي نتحدث عنه.

ويتبين من شعر للاعشى ميمون بن قيس أنه زار الغساسنة، وصحب ملوكهم في ديار الشام، واتصل بهم، وقد خاطب احدهم بقوله: "اليك ابن جفنة" غير أنه لم يذكر اسمه.

ووصل الينا اسم أمير من غسان، هو "الشيظم بن الحارث الغساني"، قتل رجلا من قومه، وكان المقتول ذا أسرة، فخافهم فلحق بالعراق أو بالحيرة متنكراً، وكان من أهل بيت الملك، ومكث أمدأَ متنكراً، حتى وافق غِرة من القوم،فركب فرساً جواداً من خيل المنذر وخرج من الحيرة يتعسف الأرض، حتى نزل بحي، من "بهراء" فأخبرهم بشأنه، فأعطوه زادآ ورمحأَ وسيفأَ وخرج حتى أتى الشام فصادف الملك متبدياً، فأتى قبته، وقص قصته،فبعث إلى أولياء المقتول فأرضاهم عن صاحبهم.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

752 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


752

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة


وورد "قصر حارب". وقد نسبه "حمزة" إلى النعمان بن عمرو بن المنذر ويذ كَر أهل الأخبار "السويداء" في جملة الأماكن التابعة للغساسنة. وقد رجع "حمزة" بناءها إن "النعمان بن عمرو بن المنذر". وتقع في "حوران". والرصافة من المواضع المهمة عند الغساسنة، ففيها مشهد القديس "سرجيوس" وهو من القديسين الجليلين عند الغساسنة، وكانوا يتبركون بزيارة قبره،ويتقربون إليه بالهدايا والنذور. وكان لآل جفنة مساكن فيها، وقد قاموا باصلاح ما كان يتهدم منها. فقام "النعمان بن الحارث بن الأيهم" باصلاح وترميم صهاريج المدينة. وكان "النعمان بن جبلة" فيمن أقام بها.

أما حدود مملكة الغساسنة، فلم تكن على وجه العموم ثابتة، بل كانت تتبدل وتتغير بحسب تبدل سلطة الملوك، وتغيرها، وهي عادة نجدها لدى جميع الممالك والامارات التي تكونت في البادية او على اطراف البوادي، حيث تكون معلرضة لغزو القبائل، ولنفوذ القبائل الفتية القوية التي تطمع في ملك الامارات التي تجد فيها شيئا من الوهن والضعف، وفي رؤسائها دعة او حزما ً. ولهذا نجد ملك الغساسنة يتوسع ويتقلص بحسب الظروف فيصل الى مقربة من دمشق، والى فلسطين الثانية و "الكورة العربية" و "فلسطين الثالثة" و"فينيقية لبنان". والى ولايات سورية الشمالية في بعض الاحيان. وفي مساحات شاسعة من البادية الى المدى الذي يصل اليه سلاحهم. ثم نجده تارة اخرى اقل من ذلك بكثير، لضعف الامير المالك ولطمع القبائل فيه ولأختلافه مع السلطات. ويظهر من شعر حسان ابن ثابت ان ملك الغساسنة كان يمتد من حوران الى خليج العقبة.

وتعد منطقة الجولان من من اشهر مناطق الغساسنة , وقد ورد ذكرها في الشعر العربي، وفيها قبر بعض الامراء الغسانيين. وهي من الارضين التابعة لولاية فلسطين الثانية في التقسيم الاداري عند الروم، وبها كان في الغالب مقر آل غسان. وقد اشتهرت الجابية بأنها مقر المولك، ولذلك عرفت بجابية الملوك، كما عرفت ايضا بجابية بجابية الجولان.



وقد ذهب بعض المستشرقين إلى أن قصر المشتى الذي نقلت بعض أحجار جدرانه المحفورة بالصور الجميلة إلى متحف برلين، هو من القصور الني أنشأًها الغساسنة، وكذلك بعض الآثار الأخرى الواقعة في البادية.

وفي "البرج" عثر على كتابة يونانية جاء فيها: "البطريق الشريف والأمير المنذر". ويدل ذلك على أنه من آثار "المنذر" 0 أما بقية المواضع، وهي عديدة منتشرة في أماكن واسعة، فللعلماء في أصلها نظريات وآراء.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

751 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


751

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة

ويظهر من نظم هذه القصيدة، ومن أسلوبها ونفسها ومن تذكر "حسان" لآل جفنة بعد أن كبر وتقدمت به السن، إن هذا الشعر هو من الشعر ألمتأخر،ولا أستبعد أن يكون قد نظمه بعد زوال ملك "الغساسنة"، وقد أنشده أمام أحد الغساسنة المتأخرين، ولم يكن ملكاً بالمعنى المفهوم من الملك.

وقد رثى حسان بن ثابت رجلاً من غسان قتله كسرى، ولم يذكر اسمه، ولا الأسباب التي حملت كسرى على قتله، ولا الأحوال التي قتل فيها. ويظهر من سياق الشعر الذي رثي به ذلك القتيل أن هذا القتيل قد وقع بعد أفول نجم آل غسان وادبار الدنيا عنهم. ولعلهّ كان قد قتله بعد احتلال الفرس لبلاد الشام. فكان هذا الغساني من المعارضين للفرس المناوئين لهم، ولذلك قتلوه في فترة احتلالهم لها.

وقد اشار "أبو الفرج الأصبهاني" إلى أمير غساني سمّاه: "يزيد بن عمرو الغساني"، ذكر أنه قتل الحارث بن ظالم. ولا نعرف من أمر هذا الأمر شيئاً يذكر. وهناك روايات أخرى تنسب قتل الحارث إلى "النعمان الغساني"، على حين تنسبه روايات ثالثة إلى آل لخم ويرجح نولدكه الرأي الأخير.

وقد ورد في شعر لحسان بن ثابت هجاء ل"سلامة بن روح بن زنباع الجذامي"، وكان يلي العشور للروم، ولا بد أن يكون ذلك في أيام الغساسنة المتأخرين. وفد شبهه ب "سمية في لوح باب"، أي كأنه صورة مصورة، أو صنماً معلقاً على لوح باب.

ومن الأماكن التي وردت في شعر "حسان ين ثابت" على أنها من مواضع للغساسنة " الجواء" و "عذراء"، وهما موضعان بالشام بأكتاف دمشق. والى "عذراء" هذه يضاف "مرج عذراء"، وكانت في هذه المواضع منازل بني نجنة، لذلك ذكرها "حسان" في شعره. وذكر كذلك "بطن جلق" و "البلقاء"، و "المحبس" و "السند" و "بصرى" و "جبل الثلج".


أما ما يفهم من شعر، حسان وغير حسان من شمول ملك الغساسنة مدينة"دمشق" أو تجاورْها ومن وصوله مواضع قريبة منها أو ملتصقة بها، فيجب أن نحمله محمل المجاز أو محمل مبالغات الشعراء في التفاخر والتباهي والمدح. فإذا استثنينا هذا الشعر لا نجد أي مورد تأريخي يقول باستيلاء الغساسنة على "دمشق" أو على مواضع متصلة بها. وكل ما نعرفه من الموارد التأريخية أن سلطانهم كان على أطراف بلاد الشام، أي على المواضع التي رأى الروم إن من الأصلح لهم تركها إلى أمراء غسان، لصعوبة ضبطها من الوجهة العسكرية بالنسبة اليهم. ولعل ما يذكره أولئك الشعراء هو تعبير عن قصور وأملاك اشتراها ملوك الغساسنة وأمراؤهم في "دمشق" وفي مواضع حضريهّ أخرى لقضاء بعض الوقت فيها كما يفعل الأمراء في الزمن الحاضر من شراء بيوت وقصور في لبنان وفي اوروبة يقيمون فيها بعض الوقت للتسلية والراحة. فزارهم فيها أولئك الشعراء، ووصفوها وصفاً شاعرياً، صور الشام وما حولها كأنها ملك من أملاك الغساسنة.

لقد كان "آل جفنة" كلهم على النصرانية عند ظهور الإسلام، وكانوا أصحاب دين وعقيدة، يدافعون عن مذهبهم كما رأينا. وكانت لهم بيع وكنائس بنوها لهم ولرعيتهم. وقد أشير إلى رجل عرف ب "أرطبان المرني"، قيل انه كان "شماسا،" في "بيعة غسان"، مما يدل على انها كانت بيعة خاصة بآل غسان.

وقد نسب بعض اهل الأخبار أماكن أخرى إلى الغساسنة، وذلك بالاضافة إلى الأماكن التي سبق إن تحدثت عنها. ومن هذه الأماكن: صفين. وقد زعموا إن منزل "جبلة بن النعمان" كان به، وقد كان في الوقت نفسه صاحب عين أباغ.

ومن الأماكن المنسوبة الى الغساسنة موضع "حارب". وقد ورد اسمه في شعر ينسب إلى النابغة حيث يقول: لئن كان للقبرين قبر بجلـق  وقبربصيداء التي عند حارب

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

750 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


750

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة


وقد وفد " حسان بن ثابت" على "عمرو بن الحارث"، فاعتاص الوصول إليه، فلما طال انتظاره، قال للحاجب: "إن أذنت لي عليه، وإلاّ هجوت اليمن كلها، ثم انقلبت عليكم". فأذن له ودخل عليه، فوجد عنده "النابغة" وهو جالس عن يمينه، و "علقمه بن عبدة" وهو جالس عن يساره، فقال له "عمرو": "يا ابن الفريعة قد عرفت عيصك ونسبك في غسان فارجع، فاني باعث اليك بحلة سنية َولا احتاج إلى الشعر، فإني أخاف عليك هذين السَّبُعين: النابغة وعلقمة، أن يفضحاك، وفضيحتك فضيحتي" ثم تلا عليه شعراٌ مما قاله الشاعران في مدحه. فأبى إلا إن يقول شعراً فيه، وطلب من الشاعرين أن يسمحا له بالقول، فقال في قصيدته التي تبدأ بقوله: أ سألت رسم الدار أم لم تسأل  بين الجوابي فالبضيع فحومل

وقد أورد في هذه القصيدة أسماء مواضع، منها: "الجوابي"، أي "جابية الجولان"، و "البضيع" أو "البصيع"، وهو جيل قصير أسود على تل بأرض البلسة فيما بين "سيل" و "ذات الصنمين" و "حومل" و "مرج الصفرين"، وهو موضع بغوطة دمشق، و "جاسم"، وهي قرية بينها وبين دمشق ثمانية فراسخ على يمين الطريق إلى طبرية. وكل هذه الأماكن الي ذكرها هي منازل كانت لال جفنة، الا انها خربت، وتركها أهلها حتى صارت دوارس تعاقبها الرياح.

ثم تطرق إلى ذكر من كان يناديهم ب "جلق "، وهو موضع قيل انه بقرب دمشق، وقيل انه "دمشق": كيف كانوا كرماء أجواداً يجودون على من يفد عليهم، لا فرق عندهم بين غني وفقير، يمشون في الحلل القشيبة المضاعف نسجها، ويجيرون من يستجير بقبر أبيهم "ابن مارية الكريم المفضل"،فلا يخاف من عدو ولا يخشى من اعتداء يقع عليه. كلابهم لا تهر، لأنها ألفِت الضيوف وأنست بهم من كثرة تدفقهم عليهم، يسقون ماءً بارداً من "البريص"، ومن "بردا"، وهما نهران بدمشق، ممزوجاً بالرحيق. ثم تذكر "قصر دومة" أي دومة الجندل، وكيف شرب الخمر في حانوتها من ساق متنطّف أي مُقرَّط وضع القرط في أذنه، والمنطقة في وسطه.

وجلق كما ذكرت موضع من مواضع الغساسنة، ويشير أن سلطان البيزنطيين لم يكن كبيراً عليه. وقد اشتهر ببساتينه وبكثرة أشجار الزيتون به، وبوفرة مياهه وقد تغنى به الشعراء في الإسلام، فورد ذكره في شعر أبي نواس. وكان الغساسنة يدفنون فيه موتاهم. ولهم ضريح ضم رفات ملوكهم. ومع شهرة المكان فقد اختلف الناس في تثبيت موضعه وتعيينه. والرأي الغالب انه ليس من أطراف دمشق كما ذهب، إلى ذلك بعض أهل الأخبار.

وقد ترك الروم ساقتهم ب "ثنية جلق"، وعليها صاحب الساقة، وذلك ليراقب المسلمين حينما تقدموا لطردهم من بلاد الشام. ولم يرد للغساسنة أي ذكر في الدفاع عن هذا المكانْ.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

749 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


749

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة


يذكر شراحها أنه نظمها في رثاء ألحارث الجفني"، وقالوا إن الحارث الجفني المذكور هو الحارث بن أبي شمر الغساني. وقد ذكروا أنه دافع فيها عن هزيمة أدركت الحارث في إحدىَ حروبه، فعاد ومن معه بغير أسلاب ولا أسرى بل يظهر من أبياتها أن العدوّ أوقع به فقتل من جمعه، وقد اعتذر الحارث بأن من معه لم يكونوا من "جذم غسان" وإنما كانوا من "مأشبة الناس" اي جماعة أوشاب الناس وأوباشهم أي الأخلاط التي تجتمع من كل أوب. ومثل هؤلاء لا تكرثهم الهزيمة، ولا يبالون بذلك، إذ لا أحساب لهم ولا شرف، فلا عجب إن أصيب بخيبة في هذه المعركة ومعه مثل هؤلاء الناس. ويظهر من القصيدة المذكورة، أن الحارث ين أبي شمر، كان قد توفي قبل "جبلة بن الأيهم ". وذلك لرثاء حسان له ولاجماع أهل الأخبار على إن جبلة عاش أمداً بعد ظهور الإسلام، وأنه مات في بلاد الروم بعيداَ عن بلاد الشام وعن أرض آبائه وأجداده. وبدليل ما ورد في تأريخ الطبري من أن الرسول ارسل شجاعاً بن وهب إلى رجل من غسان اسمه "المنذر بن الحارث بن أبي شمر الغساني". يدعوه إلى الإسلام. وهذا الرجل هو أحد أبناء الحارث المذكور. وذكر الأخباريون رجلا آخر من غسان، دعوه "عديا"، وقالوا إنه ابن اخت الحارث بن أبي شمر الغساني، وإنه اغار على بنى أسد، فلقيته "بنو سعد ابن ثعلبة بن دودان" بالفرات، ورئيسهم "ربيعه بن حذار الأسير"،فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقتلت بنو سعد عدياً. وقد سمي "محمد بن حبيب" هذا اليوم الذي وقع فيه القتال "يوم الفرات".

وأشار الواقدي إلى ملك غساني اسمه "شرحبيل بن عمرو الغساني". وذكر أنه قتل رسولَ رسولِ اللّه الى ملك بصرى في مؤتةْ. ويشك "نولدكه"في نسبة هذا الأمير إلى الغسانيين، وحجته في ذلك أن الواقدي ذكره في موضع اخر مع أخويه "سدوس" و "بر"، ونسبه في هذا الموضع الى الأزد. ثم انه لم يكن من عادة الغساسنة على رأيه ذكر لقب الغساني بعد الاسم.

وأشير في كتب الأدب إلى اسم ملك من ملوك "غسان" قالوا له "قرص"، لم يذكروا عنه شيئاً ذكروه في حديثهم عن. "عدي" قالوا: انه ابن "أخي قرص الغساني"، وكان "عدي" هذا قد غزا "بني أسد" فقتلوه،وأوردوا في ذلك شعراً نسبوه إلى الغساني: لعمرك ما خشيت على عدي  رماح بني مقيدة الحمـار

ولكني خشيت علـى عـديّ  رماح الجن أو ايّاك حـار

ولم يرد اسم هذا الملك في القوائم التي وضعها المؤرخون أمثال اليعقوبي والطبري والمسعودي وابن خلدون وامثالهم لملوك غسان. وعدي المذكور في خبر "قرص"، هو "عدي" المتقدم ولا شك.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

748 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


748

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة


وذكر أن حسان بن ثابت كان يفد على جبلة بن الأيهم سنة، ويقيم سنة في أهله. فقال: "لو وفدت على الحارث أبي شمر الغساني فإنّ له قرابة ورحماً بصاحبي، وهو أبذل الناس للمعروف، وقد يئس مني ان أفد عليه لما يعرف من انقطاعي إلى جبلة. فخرج في السنة التي كان يقيم فيها بالمدينة، حتى قدم على الحارث، وقد هيأ له مديحاً. فقال له حاجبه وكان له ناصحاً: "إن الملك قد سرُّ بقدومك عليه، وهو لا يدعك حتى تذكر جبلة. فإياك أن تقع فيه، فانما يريد أن يختبرك، وإن رآك قد وقعت فيه زهد فيك، وإن رآك تذكر محاسنه ثقل عليه، فلا تبتدئ بذكره، وإن سألك عنه، فلا تطنب في الثناء عليه ولا تعيبه، امسح ذكره مسحاً وجاوزه إلى غيره. ثم نصحه بنصائح أخرى تنم عن سلوك الحارث، وقد أفادته كثيراً. فلما دخل عليه، حسنت منزلته عنده وصار يدعوه،ثم حباه وأعطاه خمسمئة دينار وكسيّ و ألطافاً وعاد إلى أهله. ولو صح هذا الخبر، فانه يدل على إن أمر الغساسنة في هذا ألوقت لم يكن واحداً، وان حكمهم كان قد تبدد وتشتت. وان جبله بن جبلة كان يحكم على جماعة من غسان، والحارث بن أبي شمر كان يحكم في الوقت نفسه على جماعة أخرى، وكل منهما كان يحليّ نفسه بحلية الملك، ومن يدري فلعل أشخاصاً آخرين. كانوا ينازعونهما الحكم أيضاً، ويحلّون أنفسم بلقب "ملك"، اللقب الحبيب الذي لم يكن يرتفع في الواقع عن درجة سيد قبيلة أو "شيخ" عشيرة في اصطلاحنا في الوقت الحاضر.

وقد ذكر أهل الأخبار اسم رجل قالوا انه كان قائداً من قواد "الحارث بن ابي شمر"، ودعوه ب "النعمان بن وائل بن الجلاح الحلي"، وذكروا انه أغار على بني فزارة وبني ذبيان، فاستباحهم، وسبي سبياً من غطفان. وأخذ "عقرب" بنت النابغة الذبياني. فلما سألها، فانتسبت إلى أبيها، من عليها ثم أطلق له سبي غطفان. فلما سمع بذلك النابغة، مدحهه بقصيدة. وسبق أن تحدثت عن النعمان بن الجلاح الكلبي" في أثناء كلامي على الملك "النعمان بن الحارث" حين أغار قوم النابغة على أعراب "النعمان بن الحارث" بوادي أقر،وكان النابغة قد نهى قومه وحذرهم من التحرش بهم فخالفوا رأيه،فأوقع بهم "ابن الجلاح" خسائر فادحة.

وفي ديوان حسان قصيدة، مطلعها: إني حلفت يمينـاً غـير كـاذبة  لو كان للحارث الجفني أصحاب

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

747 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة ملوك الغساسنة


747

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة

ملوك الغساسنة


وعدة ملوك الغساسنة على رواية حمزة اثنان وثلاثون ملكاً، ملكوا ستمائة وست عشرة سنة. أما "المسعودي"، فجعل عددهم أحد عشر ملكاً.

وقد رَتب المسعودي اسماء الملوك على هذا النحو: "الحارث بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس."، ثم "الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو" ثم "النعمان بن الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن جفنة"، ثم "المنذر أبو شمر بن جبلة بن ثعلبة"، ثم "عوف بن أبي شمر"، ثم "الحارث بن أبي شمر"، وكان ملكه حين بعث رسول الله، ثم جبلة بن الأيهم. والأسماء المذكورة هي أقل من الرقم المذكور كما نرى بكثير، إذ هي سبعة فقط، على حين يجب أن تكون بحسبروايته أحد عشر اسم.

وفي الذي ذكره حمزة عن مدة حكم الغساسنة، مبالغة فلو أخذنا بالعدد الذي ذكره لمجموع ملوكهم، وهو ست عشرة وستمائة سنة، لوجب علينا القول بأن ابتداء حكمهم كان حوالي الميلاد. وهو قول لم يقله أحد، ولا يؤيده أي سند أو دليل. والذي نعرفه أن مدة حكهم هي دون المدة المذكورة بكثير، كما أن في الترتيب الذي ذكره حمزة لملوكهم تكراراَ وزيادات. وهو يخالف ما نراه عند المؤرخين الآخرين الذين تعرضوا لآل غسان.

وتختلف قائمة "ابن قتيبة الدينوري" بأسماء ملوك غسان اختلافاً كبيراً عن قائمة "حمزة" وعن قائمة "المسعودي". وقد ذكرت فيما مضى أنه جعل "الحارث بن عمرو" المعروف بمحرق أول ملك من ملوك غسان، ثم جعل من بعده الحارث الأعرج،ثم الحارث الأصغر، ثم النعمان،وهو شقيق الحارث الأصغر. وقد ذكر أنه كان للنعمان بن الحارث ثلاثة بنين هم: حجر بن النعمان وبه كان يكنى، والنعمان بن النعمان، وعمرو بن النعمان. وقال إن فيهم يقول حسان ابن ثابت: من يغر الدهر أو يأمـنـه  من قتيل بعد عمرو وحجر

ملكا من جبل الثلـج إلـى  جانبي أيلة من عبد وحـر

وقال "ابن قتيبة الدينوري": ومن ولد الحارث الأعرج أيضاً عمرو بن الحارث،الذي كان النابغة صار إليه حين فارق النعمان بن المنذر،وفيه يقول النابغة: علي لعمرو نعمةٌ بعد نعمة  لوالده ليست بذات العقارب

قال: وكان يقال لعمرو أبو شمر الأصغر، ومن ولده المنذر بن الحارث، والأيهم بن الحارث، وهو والد جبلة بن الأيهم آخر ملوك غسان.

 

وقد ذكر في كتب السيرَ والتواريخ اسم أمير غساني، هو الحارث بن أبي شمر الغساني، وهو الذي أرسل الرسول إليه شجاع بن وهب ليطلب إليه الدخول في الإسلام، وكان ملكه على ما يذكره الأخباريون في الشام، وكان له قصر منيف وحجّاب. وذكر الطبري أنه كان "صاحب دمشق". وقد أدخله "محمد بن حبيب" في جملة "العرجان الأشراف. وقد عرف ب "الحارث الأصغر" في شعر لحسان بن ثابتْ.

وأرى إن الحارث بن أبي شمر هدْا هو "الحارث" معاصر "جبلة بن الأيهم" الذي أشار حسان إليه.

وقد كان "حسان بن ثابت " زار الحارث بن أبى شمر الغساني، وكان النعمان بن المنذر اللخمي يساميه، فقال له وهو عنده: يا ابن الفريعة، لقد نبئت أنك تفضل النعمان عليّ فقال: وكيف أفضله عليك ثم أخذ يشرح تفضيله له على النعمان حتى سرّ الحارث، ثم عاد حسان فنظم ما قاله نثراً فيه في أبيات زادت من سروره، وحصل، على جوائزه وعطاياه.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

746 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


746

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة

وتزعم بعض الروايات أنه زار المدينة في خلافة "عمر". وقد عدّ يوم مجيئه اليها من الأيام المشهورة، اذ جاء اليها في موكب حافل كبير فيه خيول كثيرة لم تر المدينة مثلها من قبل، وخرج الناس إلى الطرق لرؤية موكبه. وفرح عمر بمجيئه، وعدّ ذلك توفيقاً من اللّه للاسلام، وأكرمه غاية الاَكرام. وبعد أن قابل الخليفة، استأذن منه بالذهاب إلى الحج، فوقع له عندئذ حادث الإزار مع الأعرابي، ففرّ إلى بلاد الروم، ويقال: انه توفي بالقسطنطينية سنة عشرين من الهجرةْ. وذكر أنه لما قدم المدينة كان في خمسمئة فارس من عك وجفنة. فلما دنا من المدينة ألبسهم ثياب الوشي المنسوج بالذهب والفضة، ولبس تاجه وفيه قرط مارية وهي جدته، فلم يبق يومئذ بالمدينة أحد الا خرج ينظر إليه.

وقد ذكر "البلاذري" أن "جبلة بن الأيهم" حكم بعد "الحارث بن أبي شمر". وروى أنه لما قدم "عمر" الشام سنة "17" للهجرة، حدث أن لطم "جبلة" رجلاّ من مزينة على عينه، فأمره عمر بالاقتصاص منه، فقال: او عينه مثل عيني ! والله لا أقيم ببلد عليّ به سلطان. فدخل بلاد الروم مرتداً. وروى رواية أخرى خلاصتها أن جبلة أتى عمر على نصرانية، فعرض عمر عليه الإسلام، ولكنه لم بتفق مع عمر. فلما قال له عمر: ما عندي لك الا واحدة من ثلاث: إما الإسلام، وإما أداء الجزية، وإما الذهاب إلى حيث شئت. فدخل بلاد الروم في ثلاثين ألفاً فلما بلغ ذلك عمر ندم.

وتذكر رواية أن "جبلة بن الأيهم" عاش في القسطنطينية حتى مات سنهّ عشرين من الهجرة.

فنحن أمام روايتين بشأن مكان ردة جبلة، وتجاه رواية عن إسلامه. رواية تجعل ارتداده في مكة، ورواية تجعل ارتداده بدمشق، ورواية تذكر أنه لم يدخل مطلقاً في الإسلام. ويظهر أن رواية دمشق هي أقرب إلى المنطق، اذ لا يعقل فرار جبلة من مكة إلى بلاد الروم بمثل هذه السهولة التي تخيلها أهل الأخبار، وبينه وبين بلاد الروم مسافات شاسعة ما كان في امكانه قطعها قط والنجاة من تعقب المسلمين له، لو كان موضع هربه هو مكة. أما دمشق، فانها قريبة من حدود الروم، ولدى جبلة فيها وسائل كبيرة تساعده على الهرب.

والرأي عندي أن جبلة، لم يدخل ابداً في الإسلام، وانما بقي مع الروم. وغادر بلاد الشام معهم، وكان يحارب المسلمين إلى جانبهم، وانتقل بأتباعه ممن بقوا على دينهم إلى بلاد الروم فأقآموا بها، وقد مات هناك ودفن في تلك البلاد. وما هذا الذي روي عن اسلامه وعن زيارته ليثرب ولمكة إلا من قصص القصاص وضعوه فيما بعد.

 

إنّ ما يذكره أهل الأخبار من ملك "جبلة"، لا يخلو من مبالغة. وما يقال عن ملكه وعن استقبال "هرقل" له، ذلك الاستقبال العظيم، لا- يخلو من مبالغة أيضاً. نعم من الجائز أن الروم قبلوه لاجئاً، ورحبوا به وساعدوه على أمل استخدامه لمهاجمة المسلمين، واسترداد بلاد الشام منهم. غير أننا لا نستطيع أن نوافق على ما ورد في روايات. أهل الأخبار من ذلك الوصف الذي ذكروه من احتفال الروم في القسطنطينية. ومن المعيشة التي كان يعيشها في عاصمتهم إلى حين وفاته. بل لقد شك بعض المستشرقين مثل "نولدكه" حتى في موضوع تملكه وتولية الحكم له على عرب الشام.

ونجد في خبر فتح دومة الجندل، رجلاً من غسان كان قد تزعم قومه وجاء في "طواف من غسان وتنوخ" لنجدة أهل "دومة الجندل". وقد دعاه "الطبري"، "ابن الأيهم". ولم يشر إلى اسمه.

ونجد في "العقد الفريد" وصفاً لمجلس "جبلة" ولمسكنه في القسطنطينية لا يخلو من مبالغة، وقد كتب وصفه إلى الرسول ذكر أن الخليفة عمر كان قد أرسله إلى "هرقل" ليدعوه إلى الإسلام. ويذكر الرسول الموفد أن "هرقل"" هو الذي أشار عليه بزيارة قصر "جبلة" فلما ذهب إليه، وجد على بابه من القهارمة والحجاب وكثرة الجمع مثل الذي على باب "هرقل"، ثم وصف مجلسه وأرائكه المرصعة بالجواهر، وغناء الجواري.في مجلسه بغناء حسان بن ثابت مما يجعله في ثراء الملوك الحاكمين لا الملوك الفارين.

واسم الرسول المذكور هو "جثامة بن مساحق الكناني". ويذكر بعض أهل الأخبار أن الخليفة معاوية أرسل "عبد الله بن مسعود الفزاري" إلى ملك الروم فوجد عنده "جبلة بن الأيهم "،فوصف مجلسه وما كان عليه من فاخر الملبس والمأكل والمسكن، وهو كلام فيه مبالغات وغلوّ في الكلام، على نمط ما رأيناه في وصف "جثامة". وهو يتفق معه في الخبر. والظاهر أن الرواة قد أخطأوا في هذا الخبر، فنسبوه مرة إلى رسول عمر،ونسبوه مرة أخرى إلى رسول معاوية.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

745 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


745

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة


وقد ورد اسم "جبلة بن الأيهم" في أخبار الفتوحات الاسلامية لبلاد الشام، إذ ذكر في "فتوح البلدان" للبلاذري: أن "هرقل" لما سمع بتجمع المسلمين ومقدمهم "يوم اليرموك"، بعث على مقدمته "جبلة بن الأيهم الغساني" في مستعربة الشام من لخم وجذام وغيرهم لمقاتلة المسلمين، غير أن "جبلة" انحاز في القتّال إلى الأنصار قائلاً: "أنتم إخوتنا وبنو أبينا، وأظهر الإسلام ".

أما الطبري فقد ذكر: أن خالداً لما صار إلى "مرج الصفر"، لقي عليه غسان، وعليهم "الحارث بن الأيهم". ولم يشر إلى جبلة. فيظهر أن وهماً في الاسم قد وقع للرواة، فصار "جبلة" عند بعض، وصار "الحارث" عند بعض آخر، ولعل مرده إلى سهو وقع من النساخ.

ولحسان بن ثابت شعر في مدح "جبلة بن الأيهم"، وفي ذكر ملكه وملك "آل جفنة "، يظهر منه شدة تعلقه بهم على بعده عنهم وزوال ملكهم وابتعاده عنهم بالاسلام. وقد أورد المسعودي بعض الأشعار التي مدح حسان بها "جبلة ابن الأيهم" منها: أشهرنها فإن ملكك بالـشـا  م إلى الروم فخر كل يماني

وقْد ورد في رواية من روايات أهل الأخبار أن حسان بن ثابت زار "جبلة ابن الأيهم"، وعنده "النابغة" و "علقمة بن عبدة" فانشده شعراً، فأعطاه ثلاثمئة دينار وعشرة أقمصة لها جيب واحد، في كل عام مثلها. وتذكر رواية أخرى إن الشخص الذي زاره "حسان" هو "عمرو بن الحارث الأعرج"، وأنه مدحه فأعطاه اًلف دينار مرجوحة، وهي التي في كل دينار عشرة دنانيرّ.

وذُكر إن "جبلة بن الأيهم" لما سمع، وهو ببلاد الروم، أن حساناً قد صار مضرور البصر كبير السن، أرسل إليه خمسمائة دينار وخمسة أثواب ديباج، فلما سلمها الرسول الذي حمل الهدية إليه، نظم شعراً في مدحه أوله: إن ابن جفنة من بقية معشر  لم يغذهم آباؤهم بالـلـؤم

لم ينسني بالشام إذ هو رُّبها  كلاّ ولا متنصراً بالـروم

وأخذ يراجع ذكريات تلك الأيام الخالية التي قضاها معه ومع بقية آل غسان.

 

وقد اتفقت روايات أهل الأخبار في موضوع دخول جبلة في الإسلام، ثم في ارتداده، إلا رواية واحدة ذهبت إلى انه لم يسلم. وقد ذهب أكثرهم في سبب ردته إلى إن أعرابياً من فزارة وطىء فضل إزار جبلة وهو يسحبه في الأرض بمكة، فلطمه جبلة، فنابذه الأعرابي إلى عمر، فحكم عمر له بالقصاص، فعد" جبلة القصاص اهانة له وهو ملك، ففرّ إلى بلاد الروم وارتد بها، وبقي بها مرتداً حتى وافته منيته. ولكن رواية "ابن قتيبة"، تختلف عن رواية أكثر أهل الأخبار في موضوع المكان الذي كان السبب في ارتداده عن الإسلام،اذ جعلته مدينة "دمشق"، قالت: "وكان سبب تنصره انه مرّ في سوق دمشق، فأوطأ رجلاً فرسه، فوثب الرجل فلطمه، فأخذه الغسانيون فأدخلوه على أبي عبيدة بن الجراح، فقالوا: هذا لطم سيدنا. فقال أبو عبيدة بن الجراح: البينة إن هذا لطمك. قال: وما تصنع بالبينة ? قال: إن كان لطمك لطمته بلطمتك. قال: ولا يقتل? قال: لا. قال: ولا تقطع يده. قال: لا. انما أمر اللهُ بالقصاص، فهي لطمة بلطمة. فخرج جبله ولحق بأرض الروم وتنصر".

ونجد خبر "ابن قتيبة" المذكور مدوناً في كتاب "الطبقات" لابن سعد، حيث جاء: "وكتب رسول اللّه، صلى الله عليه وسلم، إلى جبلة بن الأيهم ملك غسان يدعوه إلى الإسلام، فأسلم وكتب باسلامه إلى رسول اللّه، صلى الله عليه وسلم، واهدى له هدية ولم يزل مسلماً حتى كان في زمان عمر بن الخطاب، فبينما هو في سوق دمشق اذ وطىء رجلاً من مزينة، فوثب المزني فلطمه، فأخذ وانطلق به إلى أبي عبيدة بن الجراح، فقالوا: هذا لطم جبيلة،قال: فليلطمه، قالوا: وما يقتل ? قال: لا، قالوا: فما تقطع يده ? قال: انما أمر اللهُ، تبارك وتعالى بالقود. قال جبلة: أو ترون اني جاعل وجهي ندّأَ لوجه جدي جاء من عمق ! بئس الدين هذا ! ثم ارتد نصرانياً ! وترحل بقومه حتى دخل أرض الروم، فبلغ ذلك عمر، فشق عليه، وقال لحسان بن ثابت: أبا الوليد، أما علمت أن صديقك جبلة بن الأيهم ارتد نصرانياً ? قال: وحق له، فقام اليه عمر بالدرة فضربه بها".

وذكر بعض أهل السيَر والأخبار، أن الرسول كتب إلى جبلة بن الأيهم آخر ملوك غسان، كتاباً دعاه فيه إلى الإسلام. فلما وصل الكتاب أسلم، وْكتب إلى الرسول يعلمه باسلامه. وُ ذكر أن "شجاع بن وهب" انما بعثه رسول الله إلى جبلة، فأسلم، وأرسل إلى رسول الله هدية. وكان ينزل بالجولان.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

744 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


744

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة


وكان في جملة ما قاله النابغة عن بني حُن بن حرام، وهم من عذرة، انهم كانوا قد منعوا "وادي القرى" عن عدوهم ومن أهله وحموه منهم، وهو كثير النخل، فتمنّعوا بثمره، وطردوا "بلَيّاً"، وهم من "بني القين" وهم أصحابه من هذا الوادي، واستولوا على نخيلهم، ونفوهم إلى غير بلادهم، وهم الذين ضربوا أنف الفزارى، وهْم الذين منعوها من قضاعة كلها ومن "مُضرَ الحمراء"، وقتلوا الطائي بالحجر عنوة، ويريد به "أبا جابر الجلاس ابن وهب بن قيس بن عبيد، وكان ممن اجتمع عليه جديلة طيء. ومثل هؤلاء قوم لا يغلبون.

ويظهر من شعر للنابغة إن "النعمان" كان قد غزا تميماً وقيس وائل، وانه أوجعهم، وقد غزاهم في الربيع.

وللنابغة أشعار أخرى في مدح "النعمان" هذا، منها أبيات استهلها بقوله: والله والله لنعم الـفـتـى إذ  أعرجُ، لا النكسُ ولا الخامل

وقد أدرك النابغة أجل "النعمان بن الحارث بن أبي شمر"، اذ مات مقتولاً فرثاه بقصيدة، يظهر منها انه كان يكنى ب "أبي حجر"، وانه قبر في موضع يقع بين "بصرى" و "جاسم".

وقد غزا "النعمان" العراق، ولا يستبعد "نولدكه" أن يكون هو الذي قصده المؤرخ "ثيوفلكتوس" حين تحدث عن غزوٍ قام به عرب الروم على العراق في زمن الصلح أي حوالي سنة "600 م".

وقد مدح النابغةُ "النعمان بن الحارث الأصغر" في القصيدة التي تبدأ بقوله: إن يرجع النعمان نفرح ونبتهج  ويأت معداً ملكها وربيعـهـا

ويرجع إلى غسان ملك وسؤدد  وتلك التي لو اننا نستطيعهـا

ورثى "النابغة" النعمان في قصيدة جاء فيها إن شيبان وذهلاَ وقيس بني ثعلبة وتميماًُ سُرّوا بوفاته، لأنهم أمنوا بذلك على أنفسهم من غاراته ومن غزوه لهم. ويظهر من شعر النابغة فيه انه كان محارباً يغزو القبائل، ولذلك هابته. وقد بكاه بقوله: بكى حارث الجولان من فقد ربه  وجوران منه خاشع متـفـائل

 

وذكر "ابن قتيبة" إن النابغة لما صار إلى غسان، انقطع إلى "عمرو بن الحارث الأصغر بن الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر بن أبي شمر الغساني" والى أخيه "النعمان بن الحارث"، فأقام النابغة فيهم فامتدحهم، فغمّ ذلك النعمان بن المنذر ملك الحيرة، وبلغه إن الذي قُذف به عنده باطل، فبعث إليه من يسأله أن يعود، فاعتذر النابغة في شعر، وقدم عليه مع زياّد بن سيّار ومنظور بن سيار الفزاريين، وقبل عذره ورحب به.

ثم ملك بعده - على رأي حمزة - الأيهم بن جبلة بن الحارث بن أبي شمر، وهو على حد تعبيره صاحب "تدمر" و "قصر بركة" و "ذات أنمار" وغير ذلك.

ثم ملك بعد الأيهم بن جبلة شقبقه المنذر بن جبلة، وكان ملكه على رواية حمزة ثلاث عشرة سنة.

ثم صار الملك إلى شقيقه "شراحيل بن جبلة" على رواية حمزة. وكان ملكه خمساً وعشرين سنة وثلاثة أشهر.

ثم انتقل الحكم إلى "عمرو بن جبلة" بعد وفاة "شراحيل" وهو على رأي حمزة شقيقه، وقد حكم عشر سنين وشهرين.

ثم حوّل حمزة الحكم إلى "جبلة بن الحارث"، بعد وفاة "عمرو بن جبلة"، وهو على رأيه ابن أخيه. وجعل حكمه أربع سنين.

ثم صيِّر حمزة الملك إلى "جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث بن مارية"، وهو على رأيه آخر ملوك غسان. وكان ملكه ثلاث سنين. وهو الذي كان أسلم ثم تنصر، ولجأ إلى الروم. وقد سرد المسعودي نسبه على هذه الصورة: "جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث بن حجر بن النعمان بن الحارث بن الأيهم ابن الحارث بن جبلة بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة"، وسرده على هذه الصورة: "جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن مازن" في مكان آخر.

وذكره "ابن عبد ربه" على هذه الصورة: "جبلة بن الأيهم بن أبي شمر الغساني". وذكر "الذهبي" أن الأصل هو "الأهيم"، لا "الأيهم"، وكناه ب "أبي المنذر"، وقال إنه كان ينزل "الجولان".

وقد وُصِف بأنه كان طويلاً، طوله اثني عشر شبراً، وكان إذا ركب مسحت قدمه الأرض.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

743 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


743

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة


ثم صار الحكم من بعده - على رأي حمزة- إلى عمرو بن النعمان. وهو شقيقه ولم يحدث شيئاً في أيامه، ثم هلك، وكان ملكه ثلاثاً وثلاثين سنة وأربعة أشهر. ثم انتقل الحكم إلى حجر بن النعمان، وهو شقيق عمرو، وجعل حمزة ملكه اثنتي عشرة سنة. ثم صيرّ الملك إلى ابنه من بعده، وهو الحارث بن حجر. وجعل ملكه ستاً وعشرين سنة.

وصَيرّ حمزة الملك إلى جبلة بن الحارث " بعد وفاة والده "الحارث بن حجر". وجعل مدة حكمه سبع عشرة سنة وشهراً واحداً.

ثم صيرّ حمزة الحكم إلى "الحارث بن جبلة"، وهو على رأيه ابن الملك المتوفى "جبلة بن الحارث". وذكر حمزة أنه يسمى أيضاً ب "الحارث بن أبي شمر"، وهو الذي أوقع ببني كنانة، وكان يسكن الجابية. وكان ملكه إحدى وعشرين سنهْ وخمسة أشهر. ويجب إن يكون هذا الحارث هو "الحارث اين أبي شمر الغساني"، الذي ذكر أن الرسول وجه كتاباً إليه، حمله إليه: شجاع بن وهب كما سياًتي فيما بعد.

وذكر حمزة أن الذي حكم بعد "الحارث بن جبلة"، هو ابنه "النعمان بن الحارث"، وكنيته "أبو كرب"، ولقبه "قطام"، وهو الذي بنى ما أشرف على "الغور الأقصى". وكان ملكه سبعاً وثلاثين سنة وثلاثة أشهرِ.

وقد اخطأ حمزة في إضافة لقب "قطام" الى النعمان بن الحارث، ولا نعرف إن أحداً اضاف هذا اللقب إليه.

 

ونجد للنابغة الذبياني أشعاراً في مدح "النعمان" المذكور،وكان يزوره ويتوسط لديه في فك أسرى قومه الذين كانوا يقعون في أسر الغساسنة، وذلك بسبب غاراتهم المتوالية على بني غسان وأعرابهم. وكان قومه "بنو ذبيان" وحلفاؤهم "بنو أسد" إلى جانب عرب الحيرة، وكانوا ينقمون على الغساسنة ويغيرون دوماً على أرضهم، فيتدخل النابغة لدى الغساسنة للصفح عن قومه، ويتوسل اليهم في فك أسرهم. ولما أغار قومه على وادي "ذي اقر"، نهاهم النابغة عن هذه الغارة، وحذرهم من عواقبها، وهوّلهم بكثرة ما لدى "النعمان بن الحارث"، من جموع وحشود، غير انهم لم يهتموا بنصح النابغة، ولم يحفلوا بتخويفه لهم، بل عدّوا نصيحته هذه لهم من امارات الخوف والجبن، فتصدت لهم أعراب "النعمان" بقيادة "النعمان ين الجلاح الكلبي"، وأوقعت بهم خسائر فادحة، ويذكر بعض الرواة أن "ابن الجلاح" سبى ستين أسيراً وأهداهم إلى قيصر الروم. ولم يتطرقوا لبيان الأسباب التي أدت بالغساسنة إلى اهداء هؤلاء الأسرى إلى الروم. وأعتقد إن اقحام "قيصر الروم" في هذا الاهداء، هو من مبالغات الرواة، وقد عودونا أمثال هذه المبالغات. إلاّ أن يكون أولئك الأعراب قد غزوا حدود الروم، فأوجعوا أهلها، فقدم "ابن الجلاح" الذي تعقبهم، من وقع في أسره إلى حاكم من حكّام الروم لتأديبهم.

وقد طلب "النابغة" في شعره في وصف هذه الغارة من "حصن بن حذيفة" سيد "ذبيان" ومن "ابن سياّر" فك من وقع أسيراً من النساء دفعاً للخزي والعار من وقوعهن "أسيرات في أيدي العضاريط من الأتباع والأجراء.

ونجد النابغة يحذر "النعمان" من غزو "بني حُن بن حرام"، وينصحه بعدم التورط في قتالهم، لأنهم أناس محاربون صعاب. فلما أبى إلا قتالهم، بعث النابغة إلى قومه يخبرهم بغزو النعمان لهم، ويأمرهم أن يمدوا بني حُن، ففعلوا. فلما غزاهم النعمان، هزم بنو حُن وبنو ذبيان جمعه، وحازوا ما معهم من الغنائم، فقال النابغة في ذلك شعراً منه: لقد قلت للنعمان يوم لقـيتـه  يريد بني حُنٍ ببرقة صـادر

تجنب بني حُنّ فان لقاءهـم  كريه، وإن لم تلق إلا بصابر

فهو يعاتب بذلك النعمان، ويذكره بعدم اهتمامه بنصحه له، وتخويفه اياه من عاقبة هذه الغارة.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

742 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


742

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة

ويقول أهل الأخبار إن من قديم الشعر الذي قاله النابغة في مدح عمرو بن الحارث، قصيدته البائيهّ التي يقول في جملة ما يقول فيها: عليّ لعمرو نعمةٌ بعد نعمة  لوالده ليست بذات عقارب

وقد أوغل فيها في مدح الغساسنة وفي ذكر ملوكهم، وهي من عيون شعره. وقد قال هذا الشعر حينما اختلف مع النعمان بن المنذر في موضوع الشعر الذي وصف به زوجة النعمان "المتجردة"، وصفاً استغْله أعداؤه، فوشوا به إلى النعمان، فهرب منه، وانحاز إلى خصومه آل غسان. ولجأ إلى زعيمهم في تلك الأيام، وهو "عمرو بن الحارث".

وللنابغة أشعار أخرى في مدح "عمرو بن الحارث بن أبي شمر الغساني"، في جملتها أبيات يعتذر النابغة فيها إليه من وشاية أثارت حنق عمرو عليه، فنظمها في استرضائه، وقد ذكر فيها انه اكرمه وحباه بمئة من الابل، وانه يريش قوماً ويبري اخرين، وانه يجزي الناس على أفعالهم.

ونجد في قصيدة للنابغة مطلعها: أهاجك من أسماء رسم المنازل  بروضته نعمى فذات الأجاول

خبر غزو قام به "عمرو بن الحارث" لبني مرة، وقد أوجعهم فيها على ما يظهر من هذه القصيدة.

هؤلاء الستة الذين ذكرهم حمزة بعد الحارث بن جبلة، هم أبناؤه إذن، وقد حكموا على زعمه بالتعاقب دون فترة. ثم نقل الحكم من عمرو الى رجل دعاه جفنة الأصغر، وهو على رأيه ابن المنذر بن الحارث. ولم يذكر أي منذر قصد. وذكر أنه كان سياّرة جَوّاباً. ثم هلك، وكان ملكه ثلاثين سنة.

وحكم بعد جفنة الأصغر على رواية حمزة النعمان الأصغر بن المنذر الأكبر. حكم سنة واحدة، ولم ينسب اليه بناء ما.


ثم انتقل الحكم على زعم حمزة إلى النعمان بن عمرو بن المنذر ولم يكن أبوه عمرو على رأي حمزة ملكأَ، وانما كان غازيأَ يغزو بها بالجيوش، وكان ملكه سبعاً وعشرين سنة، ونسب إليه بناء "السويدا" و "قصر حارب".

وذكر حمزة إن "عمرو" المذكور، أي والد النعمان على زعمه، هو الذي مدحه النابغه بقوله: على لعمرو نعمة بعد نعمة  لوالده ليست بذات عقارب

وذكر انه، أي النابغة "ذكر أباه المنذر بقوله": وقصر بصيداء التي عند حارب

وقد أخطأ حمزة في ذهابه إلى أن الشخص الممدوح هو "النعمان بن عمرو"، فان رواة هذا الشعر يذكرون إن الملك الممدوح الذي قصده النابغة بمديحه، هو "عمر بن الحارث بن أبي شمر" المتقدم ذكره، وهو شقيق "النعمان بن الحارث ابن أبي شمر" الذي مدحه النابغة كذلك، وكانت له صلات حسنة وثيقة به.

وجعل حمزة بعد النعمان ابنه جبلة وزعم إن منزله ب "صفين"، وانه صاحب "عين أباغ"، وقاتل المنذر بن ماء السماء، وكان ملكه ست عشرة سنة.

ثم ملك - بعد جبلة - النعمان بن الأيهم بن الحارث بن مارية، وكان ملكه إحدى وعشرين سنة لم يحدث خلالها على حد قول حمزة شيء، فتولى من بعده النعمان بن الحارث، وهو الذي أصلح صهاريج الرصافة، وكان بعض ملوك لخم خربها، وكان ملكه ثماني عشرة سنة.

ويرى "الويس موسل" إن النعمان هذا كان قد حارب الفرس من حوالي سنة "4 0 6" حتى سنة "16 6 م"، وانه قد احتمى مراراً بأسوار الرصافة. وبهذه المناسبات على ما يظهر قام بترميم صهاريج المدينة لخزن الماء.

وذكر حمزة اسم "المنذر بن النعمان" بعد النعمان بن الحارث، وهو ابنه. قال: ولم يحدث شي في أيامه، ثم هلك وكان ملكه تسع عشرة سنة.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

741 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


741

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة

وقد خمد اسم رؤساء غسان في الموارد اليونانية والسريانية منذ قبض على النعمان، فَعُدنا لا نجد في تلك الموارد شيئاً يذكر عنهم. وفي سكوت هذه الموارد عن ايراد أخبارهم، دليل على زوال شوكتهم وهيبتهم وعدم اهتمام الروم بأمرهم، حيث ضعف امرهم بمسبب تفرق كلمتهم وتنازعهم بينهم. أما الموارد الاسلامية، فإنها بقيت تذكر أسماء رجال منهم زعمت انهم ملكوا وحكموا، بل زعمت أن بعضهم حكموا دمشق، وبقيت تذكر أسماءهم إلى ايام الفتح الاسلامي. ومن هذه الموارد تأريخ حمزة الاصفهاني،الذي استمر يذكر أسماء من ملك من آل غسان حتى انتهى بآخرهم وهو جبلة بن الأيهم. وفي هذه الأسماء تكرار وزيادات، لذلك زاد عدد من ذكرهم من ملوك غسان على عدد ما ورد عند سواه من المؤرخين.

وأنا لا استطيع أن اوافق حمزة على العدد المذكور، واخالفه في مدد حكمهم وفي ترتيبهم على النحو المدوّن في تأريخه. فالذين ذكرهم على أنهم ملوك لم يكن مجال حكمهم كبيراً واسعاً،وهم لم يكونوا في الواقع إلا سادات بيوت أو سادات عشائر منشقة، تمسكت باللقب القديم الموروث: لقب ملك. وقد كان بعضهم يعاصر بعضاً، ويدعي الرئاسة لنفسه، وذلك بسبب تخاصمهم، ولهذا كثرت أسماؤهم في قائمة حمزة. وقد انحسر مدّ حكمهم وانكمش فاقتصر على البوادي، ولا يتعارض ذلك بالطبع مع ورود أخبار بسكناهم في قصورهم عند أطراف المدن ومشارف القرى، فإن سادات القبائل في هذا اليوم أيضاً يحكمون القبائل ِويعيشون في قصور في المدن، وهم لا يحكمون المدن بالطبع.

والذي يظهر من روايات أخرى من روايات أهل الأخبار من غير حمزة إن أبين رجل من غسان ظهر بعد النعمان، هو "الحارث" المعروف ب "الأصغر" ثم "عمرو بن الحارث"، وهو الذي مدحه "النابغة"، ثم "النعمان بن الحارث" وهو شقيق "عمرو"، وقد مات مقتولاً كما يظهر ذلك من شعر للنابغة الذبياني، ثم "شرحبيل بن عمرو الغساني"، و "جبلة بن.الأيهم".

ولما كنا قد سرنا على قائمة حمزة في ترتيب الملوك، فاننا نجاريه في ترتيبه لهم فنذكر أسماء من حكم الغساسنة بعد النعمان على وفق هذه القائمة، فنقول: حكم بعد النعمان على رواية حمزة وآخرين "المنذر بن الحارث" أي شقيق المنذر والنعمان، وجعل حمزة مدة حكمه ثلاث عشرة سنة، ولقّبه بلقب "الأصغر" وكناه ب "أبي شمر".

وتولى بعده على رواية حمزة أخوه جبلة، وجعل منزله ب "حارب" ونسب إليه بناء "قصر حارب" و "محارب" و "صنيعة"، وكانت مدة حكمه على رأيه أربعاً وثلاثين سنة.

وحكم بعد جبلة على رواية حمزة أخوه الأيهم. وقد حكم على رأيه ثلاث سنين ونسب إليه بناء "دير ضخم" و "دير النبوة" و "دير سعف".

ثم انتقل الحكم على رواية حمزة أيضاً إلى عمرو، وهو أيضاً على رأيه اْحد أبناء الحارث بن جبلة. وقد حكم ستاً وعشرين سنة وشهرين، وذكر انه نزل السدير، وبنى قصر "الفضا" "قصر الفضة" و "صفاة العجلات" و "قصر منار".

وعمرو هذا هو الذي مدحه النابغة الذبياني، وقد كان متكبرأَ دميماً قبيح السيرة أنشأ في دمشق وضواحيها - على حد قول أهل الأخبار - عدة قصور شامخات، منها: قصر الفضة، وقصر "صفات العجلات"، وقصر منار. وقد صوّر في بعض هذه القصور مجالسه وجلساءه ورؤساء دولته، وأشكال صورته. ثم اتعظ وتغير على أثر شعر قاله له عمرو بن الصعق العدواني، وكان قد أسر الأمير أخته، وحسنت سيرته ومات بعد أن حكم ستاً وعشرين سنة.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

740 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


740

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة


لقد تصدّع بناء الغساسنة وتفكك، وانقسم الأمراء على أنفسهم،وذلك حوالي سنة "583" أو "584م" على تقدير نولدكه. ويشير ميخائيل السوري وابن العبري إلى انهم انقسموا بعد القبض على النعمان إلى خمسة عشرة فرقة تركت بعضها ديارها فهاجرت إلى العراق وتشتت الباقون، ولم يبق لهم شأن يذكر. ولم يشر الكتبة السريان أو البيزنطيون ولم يشر الأخباريون إلى هذا الحادث، ويظهر انهم لم يعرفوه. وقد ذكر حمزة إن الذي حكم بعد المنذر هو شقيقه النعمان. وقد جعل مدة حكمه خمس عشرة سنة وستة أشهر.

وزاد في رَبْك وضع الغساسنة وفي انقسامهم على أنفسهم، غزو الفرس لبلاد الشام سنة "613 - 4 1 6 م"، فقد اكتسح الفرس كل بلاد الشام، وصار عرب بلاد الشام أمام حكام جدد، لم يألفوا حكمهم من قبل، ولكن ألفوهم دائماً في جانب عرب الحيرة أعداء الغساسنة ومنافسيهم.

وقد تمكن الغساسنة من رؤية وجوه البيزنطيين مرة أخرى وذلك في حوالي سنة "629 م"، فقد تَمكن البينرنطيون من طرد الفرس من الأرضين التي استولوا عليها ومن إجلائهم نهائياً عنها، وإعادة فرض حكمهم عليها، غير أن الأقدار أبت إن تبقيهم هذه المرة مدة طويلة في بلاد الشام، فأكرهتهم على فتح أبوابها للاسلام، فتساقطت مدنها في أيدي المسلمين تساقط ورق الشجر في أيام الخريف. وصارت دمشق درة بلاد الشام من أهم حواضر الإسلام. أما ملك الغساسنة، فقد ولى، ولم يبق للغسانين حكم في هذه البلاد منذ هذا الزمن.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

739 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


739

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة


وقد لقب حمزة المنذر بلقب الأكبر، وجعل مدة حكمه ثلاث سنين، ونسب إليه بناء "حربا"، وموضع "زرقا" على مقربة من الغدير. وقد أخطأ "حمزة" في مدة حكم المنذر، إذ هي تزيد على تلك المدة، فقد حكم على رأي الباحثين من سنة "569" حتى سنة "582" للميلاد.

أثار عمل الروم هذا ثائرة أبناء المنذر، فتركوا ديارهم، وتحصنوا بالبادية، وأخذوا يهاجمون منها حدود الروم ملحقين بها أذى شديداً، فاضطر القيصر على أثره أن يوعز إلى القائد "ماكنوس" بتجهيز حملة من أبناء المنذر ألحق بها أحد إخوة المنذر. وكان قد أعدّ ليتولى مقام أخيه، غير انه توفي بعد أيام. ولما كان من الصعب على الروم مهاجمة أبناء المنذر في البادية، عمد القائد إلى المكيدة فأرسل إلى النعمان كبير أبناء المنذر انه يريد مقابلته للاتفاق معه على وضع شروط للصلح. وقد ظن الأمير أن القائد صادق فيما دعا إليه فذهب لمقابلته، فقبض الروم عليه، وأرسلوه مخفوراً إلى العاصمة حيث حجروا فيها عليه.

وكان موضع "حوارين" في جملة المواضع التي هاجمها النعمان بعد ارتحال "ماكنوس" عنها، وقد استولت عساكره عليها، وقتلوا بعض أهلها، وأسروا قسماً من الباقين،ثم عادوا بغنائم كثيرة إلى البادية للاحتماء بها من هجمات الرومْ.

وذكر ابن للعبري إن النعمان لما بلغته رسالة القائد ماكنوس لم يذهب إليه، وإنما أرسل إليه بعض الشبان وأمره أن يتظاهر له بأنه هو النعمان. فلما وصل الشاب إلى القائد، سأله: أأنت النعمان ? فقال له: نعم، جئتك بحسب أمرك، فقال القائد لمن معه: أقبضوا على عدوّ الملك، وقيدوه بالحديد. ولما تبين للقائد أنه لم يكن النعمان، همَ بقتله، ثم أمر باخراجه، فعاد إلى أهله. وتوفي ماكنوس بعد ذلك بأمد قصير.

ويدعي ابن العبري أن النعمان ذهب بعد ذلك إلى "موريقيوس"" M auricius" واعتذر إليه،وبين له أنه إنما حارب مع الفرس ليتمكن بذلك من انقاذ والده من الأسر. ولما طلب منه "موريقيوس" أن يدخل في المذهب الخلقيدوني، أجابه إن جميع القبائل العربية "طياية" هي على المذهب الحنيف "الأرثدوكس" "Orthodox"، وانه إذا بدل مذهبه لا يأمن على نفسه من القتل. ولما قفل راجعاً، قبض عليه ونفي.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

738 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


738

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة


وقد ذكر إن المنذر بنى صهاريج لايصال الماء إلى الرصافة مدينة القديس "سرجيوس" ذي المكانة العظيمة عند عرب الشام. وظهر من كتابة عثر عليها في أنقاض كنيسة في الرصافة إن المنذر بنى أو جدّد بناء تلك الكنيسة. وأما بناؤها فهو على الطراز البيزنطي.

ولم تمنع قدسية مدينة الرصافة الأعراب، ولا سيما أعراب العراق من التحرش بها، فغزتها مراراً، وأخذت قبيلهَ تغلب صورة القديس بعد عودتها من غزو المدينة، وهدّم أهل الحيرة صهاريج المدينة مراراً، ولحمايتها من الهجمات أحاطها القيصر "يوسطنيانوس" بسور قوي، بدلاً من سورها القديم.

وذكر إن المنذر لما كان في القسطنطينية طلب من البيزنطيين مساعدته في بناء قصر يكون أعظم قصر غساني بُني حتى أيامه، وذلك بأن يرسلوا إليه أحسن المعمارين والبنائين الحاذقين. فلبى الييزنطيون طلبه فأمدوه بما يحتاج إليه من معمارين ومن مواد بناء. ومن أبنيته الخربة المعروفة اليوم بناء يعرف باسم "البرج". وقد عثر على اسمه مدوناً على حجارة من ذلك البناءْ. ولما حاول الروم غزو حدود الفرس في سنة "585م"، وجدوا الجسر المنصوب على نهر الفرات مهدّماً، فاضطروا إلى التراجع وترك الغزو. وكان المنذر معهم في هذه الحملة، فذهبوا إلى إن المنذر كان على اتفاق سري مع الفرس، وانه هو الذي اوعز بهدم الجسر، ليكتب للحملة الاخفاق، وقرروا القبض عليه والايقاع به، انتقاماً منه.للخيبة التي منوا بها. ولما عاد المنذر فغزا أرض الحيرة بنفسه فيما بعد ملحقاً بالمدينة أذى كثيراً، جاعلاً اياها طعمة للنيران، اتفذ الروم هذه الغزوة دليلا" على تحدي المنذر لهم، ورغبته في الخروج على طاعتهم،فقرروا الانتقام منه بقتله،فأصدروا إلى حاكم بلاد الشام "ماكنوس" Magnus" صديق المنذر أمراً سرياً بالعمل على قتله. وصادف إن الروم كانوا قد انتهوا من بناء كنيسة في "حوارين"، وقد عزم "ماكنوس" على تدشينها، فكتب يدعو صديقه إلى الاحتفال بذلك. فلما كان على مقرية منه، قبض عليه وأرسله مخفوراً إلى العاصمة حيث أجبر على الاقامة فيها مع احدى نسائْه وبعض أولاده وبناته، وذلك في أيام القيصر طباريوس وفي ابتداء السنة "582" للميلاد. ولما انتقل العرش إلى موريقيوس، وكان يكرهه ويعاديه، أمر بنفيهما إلى صقلية وبقطع المعولْة التي كان الروم يدفعونها إلى الغساسنة في كل عام.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

737 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


737

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة


لقد حدث سوء تفاهم بين القيصر "يسطينوس". "Justinus" وبين المنذر تطوّر حتى صار قطيعة. ولما أحس المنذر بأن القصر قد دبرَّ له مؤامرة، وأنه أمر عامله البطريق "مرقيانوس" "Marcianus" بأن يحتال عليه ليقتله، تمرّد على الروم، وغادر أرضهم إلى البادية. فانتهز عرب الحيرة هذه الفرصة المؤاتية فأمعنوا في غزو بلاد الشام، وايقاع الرعب في نفوس سكان القرى المجاورة لهذه الحدود مما حمل الروم على مراسلة المنذر والتودد إليه لاسترضائه، حتى إذا ما تلطف الجو أرسلوا إليه البطريق "يوسطنيانوس" ليجتمع به في مدينة الرصافة عند قبر القديس "سرجيوس" لاقناعه بترك موقفه والموافقة على العودة إلى محله. وعند القبر المقدس عقد الصلح بينهما في صيف سنة "578م". فعاد المنذر إلى أرضه، ليقوم بالدفاع عن حدود الشام.

وقد أشار ابن العبري إلى هذا الحادث، فذكر أن العرب "طياية" كانوا منقسمين إلى جماعتين: جماعة المنذر بن الحارث "منذر برحيرت" Mundar bar Herath، وكان نصرانياً وكذلك كان جنوده وجماعة قابوس، فهاجم قابوس وجنوده العرب النصارى، وقصد بذلك الغساسنة، واستاق ما وجده أمامه منْ ماشية، ثم قفل إلى بلاده. فلما رأى المنذر ما حدث، جمع جيشاً هجم به على قابوس، فتغلب عليه، ورجع بغنائم عديدة وعدد كبير من الابل. وعاد قابوس فهاجم المنذر، غير أنهُ مني بهزيمة ثانية اضطرته إلى طلب النجدة من الفرس. فأخبر القيصر بسطينوس بذلك،، وطلب منه امداده بالمال لبؤلف به جيشاً يقف أمام الفرس، فاستاء القيصر منه، وقرر التخلص منه بقتله، لظنه أنه كان السبب في غزو الفرس ل "Rhomaye" وكتب إلى عامله مرقيانوس وكان معسكراً يومئذ في منطقة "نصيبين" "Nisibis" أن يتربص بالمنذر فيقبض عليه، ويقطع رأسه. وقد أخطأ كاتب الرسالة،فأرسل الرسالة الخاصة بالبطريق مرقيانوس إلى المنذر،وأرسل الرسالة الخاصة بالمنذر إلى البطريق. فلما قرأ المنذر الكتاب وعرف بما أراد القيصر أن يفعله به،غضب غضباً شديداً،وتصالح مع قابوس،وصارا يهاجمان بلاد الشام.فظن يسطينوس إن مرقيانوس قد خانه،وانه أخبر المنذر بالمؤامرة، فأمر بالقبض عليه، وحبسه ولما صار "طبياريوس" "Tiberius" قيصراً، ذهب المنذر إلى القسطنطينية، فلامه القيصر على ما صنع، ولكنه قدره واحترمه كثيراً حينما أراه رسالة يسطينوس التي أراد توجيهها إلى عامله لاغتيال المنذر، وأنعم عليه بهدايا كثيرة، وألطاف سنيةّ، ثم عاد مكرماً إلى مركزه السابق.

لقد قام المنذر بالزيارة المذكورة للقسطنطينية في اليوم الثامن من شباط سنة580 م مصطحباً معه ابنين فن أبنائه. فلما بلغها، استقبل بكل احترام وتبجبل، وأنعم القيصر " طيباريوس" "Tiberius" عليه بلقب "Rex" وبالتاج وهو لقب كان له شأن كبير في امبراطورية الروم. ويرى نولدكه إن الروم لم يمنحوا عمالهم العرب على بلاد الشام من قبل الا "الاكليل"، ودرجته دون درجة "التاج". وقد أغدق القيصر عليه بالهدايا. الثمينة النفيسة ومن بينها مصوغات من ذهب وفضة، مما لم ينعم. على أي ملك عربي من قبل. كما أنعم على ولديه بدرجات عسكرية.

وكان المنذر مثل والده من القائلين بمذهب "الطبيعة الواحدة" والمدافعين عنه، ولذلك انتهز فرصة وجوده في القسطنطينية، فسعى في اقناع رجال القصر بالتسامح مع رجال مذهبه والصفح عنهم. ويظهر انه عقد هناك مجمعاً في اليوم الثاني من شهر آذار سنة "585م" لمعاضدة هذا المذهب والدفاع عنه،كما اتصل بالبطاركة للتوفيق بين رجال الكنيستين، غير انه خابت مساعيه بالرغم من اظهار البطاركة رغبتهم في ذلك وعدم ممانعتهم فيه.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

736 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


736

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة

وعثر في احدى الكتابات في حرّان على اسم أمير يدعى "شرجيل بن ظالم" يرى نولدكه انه أمير كندي، لأن هذين الاسمين من الأسماء الشائعة في كنده ويرجع تأريخ هذه الكتابة المدونة باليونانية والعربية إلى حوالي سنة "568م". وقد دُوّنت عند تدشين هذا العامل بناءً اقامه للقديس يوحنا المعمدان، فيكون "شراحيل" شرحيل اذن من المعاصرين للحارث بن جبلة. ويستنتج نولدكه من ذلك إن عدداً من المشايخ ظلوا يتمتعون بسلطانهم حتى بعد تألق نجم آل غسان. ويرى إن ذلك مما يوافق سياسة الروم الذين لم يكن من مصلحتهم ظهور أمير واحد قوي وإنما كان من مصلحتهم وجود جملة امراء متنافسين، ليتمكنوا بذلك من السيطرة عليهم جميعاً بضرب بعضهم ببعض.

وقد دعي الأمير المذكور ب "Asaraelus" ودعي أبوه به "Talemus" وكان يحكم "اللجاة"، فيظهر من ذلك إن إمارات كانت تنافس، امارة الغساسنة في هذا العهد.

وقد توفي الحارث في سنة "569م" او "570م" على رأي نولدكه، استنتج ذلك من ورود اسمه في الوثائق الكنسية التي يعود تأريخها إلى سنتي "568 و 569"، والى ربيع سنة "570م" حيث حل اسم ابنه المنذر في محله، فاستدل من هذا التغيير على أنه توفي في هذا الزمن.

وقد حكم "المنذر" من سنة "569 - 0 57م" حتى سنة "1 58م"، على تقدير بعض الباحثين.

وقد عرف المنذر ب "Alamoundaros" "Alamundaros" عند اليونان والسريان وقد استهل حكمه بالحرب مع ملك الحيرة قابوس. والظاهر إن عرب الحيرة كانوا هم البادئين بها، فانتصر عليهم في يوم 20 أيار "مايس" من سنة 570م.

ثم انتصر عليهم في معركة أخرى فيما بعد. ويرى نولدكه إن المعركة الأولى هي عين أباغ.

والمنذر هو أبو كرب الذي ذكر اسمه في نص سرياني عثر عليه في احدى ضواحي تدمر، وهو نص ديني ورد فيه اسم الأسقفين يعقوب وثيودور، وهما: يعقوب البرادعي وصاحبه.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

735 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


735

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة

وذكر أيضاً إن "الحارث بن أبي شمر الغساني، وهو الحارث الأكبر، لما بلغه ما خلَّف امرؤ القيس عند السموأل، بعث إليه رجلاً من اهل بيته يقال له "الحارث بن مالك" وأمره إن يأخذ منه سلاح امرئ القيس وودائعه فلما انتهى إلى حصن السموأل أغلقه دونه، وكان للسموأل ابن خارج الحصن يتصيد فأخذه الحارث، وقال للسموأل: إن انت دفعت إليّ السلاح وإلا قتلته، فأبى إن يدقع إليه ذلك. وقال له: اقتل أسيرك، فإني لا ادفع اليك شيئاً، فقتله، وضربت العرب المثل بالسموأل في الوفاء".

وذكر الأخباريون أن الحارث الأعرج - وهو في روايتهم هذه الحارث بن أبي شمر الغساني - غزا قبيلة تغلب، وكان السبب الذي حمله على هذا الغزو مروره بجماعات منها لم تهتم به كما كان يجب إن يكون. وقد نصحه الشاعر "عمرو بن كلثوم"-على حدّ قولهم- بعدم غزوهم، واعتذر عنهم إليه. ولكنه لم يأخذ بنصيحته، فلما تقابل معهم، انهزم مع قومه من غسان، وقُتل منهم عدد كثير كان في جملتهم أحد إخوة الحارث.

ويظن بعض الباحثين إن الحارث هو الذي أمر ببناء كنيسة الرصافة الكبرى لا الملك يوسنيانوس، ذلك. لأن المؤرخ "بروكوبيوس" لم يشر في أثناء كلامه على هذا القيصر الى أي أثر له في هذه المدينة،على حين أشار إلى تسوير الحارث لها والى احترامه العظيم للقديس "سرجيوس" المدفون بها، وهو قديس له منزلة كبرى في نفوس نصارى عرب الشام.

وينسب إلى الحارث اصلاح ذات البين فيما بين قبائل طيء، وكانت متخاصمة متحارية، فلما هلك عادت إلى حربها،ووقع بينها يوم اليحاميم حيث دارت الدائرة فيه على جديلة من طيء، ويعرف أيضاً بقارات حوق.

ومن الأمراء العرب الذين عاصروا الحارث بن جبلة، أمير اسمه "أبو كرب ابن جبلة"، لعله شقيق الحارث. وقد ورد اسمه في نص "أبرهة"، حيث كان "أبو كرب" قد أرسل إليه رسولاً لتهنئته بترميمه سد مأرب. والأمير "قيس" "Kaisus" وكان عاملاً على "فلسطين الثالثة" في حوالي سنة 530م. والأسود، ويظهر انه كان قد تحارب مع الحارث.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

734 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


734

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة

ونسب المؤرخ السرياني "ميخائيل الكبير" إلى الحارث محاورة جرت بينه وبين البطريق "افرام" "526 - 545م" في السريانية أو اليونانية في طبيعة المسيح وفي مذهبه القائل بوجود طبيعة واحدة فيه. وهو مذهب "يعقوب البرادعي" المتوفي سنة "578م". وقد"صيغت الحكاية بأسلوب يفهم منه انه تغلّب بأدب ولطف على خصمه البطريق.

ولمعارضة مذهب اليعاقبة أتباع يعقوب البرادعي لمذهب الكنيسة الرسمي للانبراطورية عدّ الروم هذا المذهب من المذاهب المنشقة المعارضة فقاوموه وناضلوا أصحابه ولا سيما في أيام القيصر يوسطنيانوس، باعتباره مذهباً من المذاهب المناهضة لسياسة الملوك والدولة، كمعارضة الأحزاب السياسية في الزمن الحاضر، الا إن الحارث سعى جهد امكانه في تخفيف حدة غضب الحكومة على رجال هذا المذهب، ومن التقريب ما أمكن بين آراء رجال الكنيستين. ولجهود الحارث ومسعاه في حماية هذا المذهب، فضل كبير ولاشك في بقائه، وفي انتشاره بين السريان وعرب الشام.

وقد زار الحارث القسطنطينية في تشرين الثاني من سنة "563م"، فاستقبل استقبالاً حافلاً. وأثر أثراً عميقاً في نفوس أهل العاصمة وفي رجال القصر والحاشية، ويقال إن رجال البلاط كانوا يخوفون القيصر "يوسطينوس" "Justinius" بعد خرفه بالحارث، فكان يهدأ ويسكت روعه حين سماعه اسمه. والظاهر إن الغاية التي من أجلها ذهب الحارث إلى القسطنطينية هي مفاوضة رجال الحكم فيمن سيخلفه على عرشه بعد وفاته من أولاده، وفي السياسة التي يجب سلوكها تجاه عمرو ملك الحيرة.

والى هذا الحارث قصد امرؤ القيس الكندي الشاعر، ليوصله إلى القيصر يشكو له ظلامته، ويطلب منه مساعدته في استرجاع حقه واخذه بالثأر حسب رواية الأخباريين. واليه تنسب أيضاً قصة مطالبة السموأل بن عاديا باعادة دروع امرئ القيس التي أودعها لديه في القصة الشهيرة التي يحكيها الأخباريون في معرض كلامهم على امرئ القيس وقصة السموأل والوفاء. وهناك جماعة من الأخباريين ترى إن الحارث الذي طالب بتسليم دروع امرئ القيس إليه، هو شخص آخر اسمه الحارث بن ظالم. ولكنها لم تذكر الصلة التي كانت بين الحارث بن ظالم وامرئ القيس، وحملته على المطالبة بتلك الدروع.

وقد ذكر "الجمحى" أن "الحارث بن أبي شمر الغساني" هو الذي طلب إلى "السموأل بن عادياء" أن يدفع إليه سلاح "امرىء القيس" الذي استودعه عنده، فأبى السموأل أن يسلمه إليه. وقد ذكر "أبو زبيد الطائي" أنه زاره ونعته بأنه "الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الشام". وقد كان "أبو زبيد" هذا "من زوّار الملوك، ولملوك العجم خاصة. وكان عالماً بسيرها ".

وقد تعرّض "ابن قتيبة" لموضوع "امرى القيس"، فقال: "وكان امرؤ القيس في زمان أنو شروان ملك العجم، لأني وجدت الباعث في طلب سلاحه الحارث بن أبي شمر الغسّاني، وهو الحارث الأكبر، والحارث هو قاتل المنذر بن امرئ القيس الذي نصبه أنو شروان بالحيرة. ووجدت بين أول ولاية أنو شروان وبين مولد النبي، صلى الله عليه وسلم، أربعين سنة".

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

733 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


733

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة

ويتبين من رواية المؤرخين بروكوبيوس وملالا إن الحارث بن جبلة كان قد اشترك في المعركة التي نشبتّ بين الفرس والروم في 19 نيسان سنة "531م"، وانتهت باندحار الروم، وكان قائدهم "بليزاريوس". وذكر إن الفرس أسروا رجلاً اسمه "عمرو" "Amros"، وكان حائزاً على درجة "قائد" "Dux". وقد أثار تصرف الحارث في الحرب التي نشبت في سنة "541م" بين الفرس والروم، شك الروم في إخلاصه لهم، والحذر منه، اذ ما كان يعبر هذا الأمير نهر دجلة مع القائد بليزاريوس حتى بدا له فرجع إلى مواضعه بعد أن سلك طريقاً آخر غير الطريق الذي اتبعه معظم الجيش دون أن يقوم بعمل يذكر في هذه الحرب. وهذا مما حمل الروم على الشك في صداقته لهم، وجعلهم في يحذرون منه ويراقبون حركاته، خوفاَ من انقلابه عليهم وإلحاقه الأذى بهم واتفاقه سراً مع الفرس.

وقد عاد النزاع فتجدد بين الحارث والمنذر حوالي سنة "544م"، وانتهى بسقوط ملك الحيرة قتيلاً في معركة حدثت في سنة "554م"، على مقربة من "قنسرين" بالقرب من الحيار. وهذه المعركة هي معركَة يوم حليمة على رأي نولدكه. ويظهر أن المنذر كان قد هاجم بلاد الشام، وتوغل فيها حتى وصل إلى حدود قنسرين، فصرع هناك. حدث ذلك في السنة السابعة والعشرين من حكم "يوسطنيانوس" "Justinianus "على رواية ابن العبري.

وقد كان سبب اختلاف الحارث مع المنذر، تنازعهما على ارض يطلق الروم عليها اسم "Strata" جنوب تدمر، تمر بها الطرق البرية الموصلة إلى بلاد الشام وهي من الطرق العسكرية المهمة ومرعى مهم للاعراب، يرعى فيها أعراب العراق وأعراب بلاد الشام. وقد ألف "جستنيان" لجنة تحكيم، لم تتمكن من فض النزاع. وقد اتهم الفرس أعداءهم الروم بأنهم يريدون الاتصال سراً بالمنذر ورشوته لتحريضه على القيام على الفرس.

وقد ذكر ابن العبري في أثناء كلامه على هذه الحرب أن "برحيرت"، "Bar-Herath" أي "ابن الحارث" سقط قتيلاً في الحرب. وكان قد ذكر قبل كلمات إن المنذر بن النعمان، لما هاجم منطقة "Rhomaye" وتوغل فيها، نازله "الحارث بن جبلة" "Herath bar Gebala" بهجوم مقابل، فهزمه وقتله في قنسرين. ثم ذكر إن ابن الحارث سقط قتيلاً في هذا الموضع. ويعرف هذا الولد باسم جبلة.

ونجد في شعر "حسان بن ثابت" إشارة الى "زمين حليمة" أي زمن حليمة. كما نجد في الأمثال "ما يوم حليمة بسر"، دلالة على شهرة ذلك اليوم.

و كان الحارث من أنصار "المنوفستيين" "'Monophysites"، أي القائلين بوجود طبيعة واحدة في المسيح، ويقال انه سعى لدى الانبراطورة "ثيودورة" في تعيين "يعقوب البرادعي" ورفيقه "ثيودورس"، أسقفين للمقاطعات السورية العربية. فنجح في مسعاه هذا في سنة "542 - 543م"، وبذلك وطد هذا المذهب في بلاده.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

732 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


732

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة

ويلاحظ أن بعض كتبة اليونان أطلقوا أيضاً لقب ملك على الأمراء العرب، مثل "ماوية"، فقد لقبت ب "ملكة". ولم يستعملوا كلمة "فيلارخوس" "Phylarkos" "Phylarque" "Phylarcos" التي تعني العامل أو سيد قبيلة. وأما الكتبة السريان، فقد لقبوا رؤساء القبائل العربية بلقب "ملك" في بعض الأحيان على نحو ما نجده في الشعر العربي. ولكن نولدكه يرى أن هذا الاستعمال لا يمكن أن يكون سنداً لاثبات أن الروم أطلقوا لقب ملك على الحارث أو على خلفائه رسمياً، لأن الوثائق الرسمية لم تطلق هذا اللقب عليهم.

والذي صح اطلاقه من الألقاب على أمراء الغساسنة " وثبت وجوده في الوثائق الرسمية، هو لقب "بطريق" "Patricius"، ولقب "عامل" أو سيد قبيلة "فيلارخوس" "Phylarchus" "Phylarkos" "Phylarcos" مقروناً بنعت من النعوت التابعة له، أو مجرداً منه، كالذي جاء عن المنذر الذي حكم بعد الحارث بن جبلة البطريق الفائق المديح، ورئيس القبيلة "فلارخوس المنذر"، و "المنذر البطريق الفائق المديح"، وما ورد عن الحارث "الحارث البطريق ورئيس القبيلة".

ولقب "البطريق" من ألقاب الشرف الفخمة عند الروم، ولذلك فلم يكن يمنح إلا لعدد قليل من الخاصة، ولصاحبه امتيازات ومنزلة في الدولة حتى ان بعض الملوك كانوا يحبذون الحصول على هذا اللقب من القيصر. وقد منح القيصر "يسطنيانوس" "Justinianus" "الحارث" هذا اللقب، وكذلك لقب "فيلارخ" فكان بذلك أول رجل من الغساسنة يمنح هذين اللقبين اللذين انتقلا منه إلى أبنائه فيما بعد.

ويلاحظ إن نص أبرهة الذي ذكر في جملة ما ذكره إن الحارث بن جبلة أرسل رسولاً عنه إلى مدينة مأرب ليهنئه بترميمه سد مأرب، لم يدوّن كلمة "ملك" مع اسم الحارث، ولكن ذكر "ورسل حرثم بن جبلت"، أي: "ورسول الحارث بن جبلة". فلم يلقبه بلقب "ملك"، ويدل عدم اطلاق أبرهة لقب ملك على الحارث على انه اتبع الأصول الدبلوماسية المقررة عند البيزنطيين وان لقب ملك لم يكن لقباً رسمياً له مقرراً دولياً. وقد كان وصول رسول الحارث أو رسله في سنة "542م".

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

731 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


731

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة


وقد تحدث الطبري عن الحرب التي وقعت بين المنذر بن النعمان ملك الحيرة، والحارث بن جبلة، الا انه وهم في اسمه فصيّره "خالد بن جبلة".وقال عن الحرب: "وقع بين رجل من العرب كان ملكّه يخطيانوس على عرب الشام، يقال له خالد بن جبلة، وبين رجل من لخم، كان ملّكه كسرى على ما بين عمان والبحرين واليمامة إلى الطائف وسائر الحجاز ومن فيها من العرب، يقال له المنذر بن النعمان نائرة، فأغار خالد بن جبلة على حيز المنذر، فقتل من أصحابه مقتلة عظيمة، وغنم أموالاً من أمواله، فشكا المنذر إلى كسرى، وسأله الكتاب إلى ملك الروم في انصافه من خالد، فكتب كسرى إلى يخطيانوس، الا انه لم يحفل بكتاباته فغزا كسرى بلاده، وتوغل فيها واضطر يخطيانوس" عندئذ إلى عقد صلح معه، والى ارضائه.

ويرى "نولدكه" أيضاً إن هذا الحارث هو الحارث الذي ذكر عنه المؤرخ ملالا انه أخمد ثورة السامربين الذين ثاروا في فلسطين في سنة "529".

وقد ورد في تأريخ "بروكوبيوس" "Procopius" إن المنذر ملك العرب "سركينوى" "Sarakynou" الذين كانوا في مملكة الفرس، لما أكثر من الغارات على حدود انبراطورية الروم، وعجز قواد الروم من أرباب لقب " Duxi" "Duce" "Dux" وسادات القباب من أرباب لقب "فيلارخ" "Phylarchus" المحالفين للروم عن صدّه والوقوف أمامه، رأى القيصر"يسطانوس""Justinianus" ان يمنح الحارث بن جبلة الذي كان يحكم عرب العربية "Arabia" لقب "ملك" ليقف بوجه "المنذر" "Alamoundaros". وقد ذكر إن هذا اللقب لم يمنح لأحد من قبل.ولكن المنذر لم يرعو مع ذلك عن غزو الحدود الشرقية لبلاد الشام والعبث بها مدة طويلة من الزمن. وقد ذهب "نولدكه" إلى أن هذه الحوادث كانت في سنة "529م".

وقد بلغ المنذر في هجومه على بلاد الشام أسوار "انطاكية"، ولكنه تراجع بسرعة حينما سمع بمجيء قوات كبيرة من قوات الروم، تراجع بسرعة أعجزت الروم عن اللحاق به. ويشك نولدكه في رواية بروكوبيوس بشأن منح الحارث لقب ملك، ذلك لأن لقب ملك كان خاصاً بقياصرة الروم، فلا يمنح لغيرهم.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

730 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


730

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة

وذكر البطليوسي إن الحارث كان يسكن البلقاء، وبها بنى "الحفير" ومصنعة بين "دعجان" وقصر أبير ومعان. و كان حكمه على رأيه عشرين سنة. وهو دون العدد الذي يقدره الباحثون لحكمه، حيث قدّر بأربعين سنة. إذ حكم على تقديرهم من حوالي السنة "9 2 5" حتى السنة "569" للميلاد.

ويشك بعض الباحثين في صحة نسبة الأبنية المذكورة إلى الحارث، اذ يرون أنها من عمل شخص آخر. غير أنهم يرون احتمال، بنائه للقصر الأبيض في "الرحبة". ولقصر الطوبة.

وجعل "ابن دريد" للحارث بن جبلة من الولد: النعمان والمنذر والمنيذر وجبلة وأبا شمر، ذكر انهم ملوك كلهم.

وذكر الأخباريون ان الحارث بن مارية الغسانى، كان قد اجتبى أخوين من بني نهد اسمهما حزن وسهل، وهما ابنا رزاح، فحسدهما زهير بن جناب الكلبي وسعى بهما لدى الحارث، وأظهر له انهما عين للمنذر ذىَ القرنين عليه حتى قتلهما. ثم تبين له فيما بعد بطلان قول زهير، فطرده من عنده. واسترضى الحارث والد القتيلين رزاح.، وأبقاه عنده، فلم يطق زهير على ذلك صبراً، حتى تخلّص منه بمكيدة انتهت بقتل الحارث له وبرجوع زهير إلى ما كان عليه. وهي قصة من هذه القصص التي يرويها الأخباريون تشير إلى معاصرة زهير للحارث وللمنذر الأكبر ذي القرنين، أي المنذر بن ماء السماء.

وقد ذكر ملالا إن الحارث بن جبلة حاربت "المنداروس" Alamundarus " "Alamoundros" أمير عرب الفرس، وانتصر عليه في شهر نيسان من سنة "528م"، وذكر معه اسم أميرين، هما: "جنوفاس" "Jnophas"، و "نعمان" "Naaman". و يرى "نو لدكه" ان "جنوفاس" هو "جفنة" وهو اسم أحد الأمراء الجفنيين، سمي باسم جفنة مؤسس تلك الأسرة. وأما نعمان فهو أيضاً اسم أمير من أولئك الأمراء الجفنيين.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

729 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


729

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة

وقد وهم "ابن قتيبة" في "الحارث بن أبي شمر" إذ صيرّه الملك الثاني، وجبلة هو أول من يمكن أن نطمئن إلى وجوده من ملوك الغساسنة كل الاطمئنان وهو "جبلس" "Jabalac" عند ثيوفانس. وقد ذكر عنه أنه غزا فلسطين حوالي سنة 550 للميلاد. ولا نعرف من أمر هذا الرجل شيئاً يستحق الذكر. وقد نسب حمزة والبطليوسي إليه بناء القناطر وأدرج والقسطل. وقالا إنه حكم عشر سنين. وذكره "ابن دريد" على هذا النحو: "ومنهم جبلة بن الحارث الملك. وهو ابن مارية التي يقال لها قرطا مارية".

وجاء بعد "جبلة" ابنه "الحارث بن جبلة"، الذي يمكن عدّه اًول ملك نعرف من أمره شيئاً واضحاً يذكر من ملوك آل جفنة. وهو في نظر "نولدكه" "اريتاس" "Aretas" "Arethas" الذي ذكره المؤرخ السرياني "ملالا" "Malalas". وقد ذكر انه كان عاملاً للروم. ويظن أن حكمه كان من حوالي سنة "529" حتى سنة "569" للميلاد تقريباً. وأرى إن حكمه كان قبل سنة "529" للميلاد بقليل، اذ ذكر أنه حارب "المنذر" "Alammundarus" في حوالي السنة "528" للميلاد. ومعنى ذلك أنه ولي الحكم في هذه السنة، أو قبلها بقليل.

وقد عرف الحارث هذا عند أهل الأخبار ب "الحارث الأعرج" وب "الحارث الأكبر".

وذكر حمزة والبطليوسي وآخرون أن والدة الحارث هي "مارية ذات القرطين، بنت عمرو بن جفنة". وذكر المسعودي ومحمد بن حبيَب أنها "مارية بنت الأرقم بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة". واستدرك "محمد بن حبيب" على ذلك بقوله: "ويقال: بل هي مارية بنت ظالم بن وهب بن الحارث بن معاوية ابن ثور، من كندة". وهي أخت هند الهنود امرأة حجر الكندي، وقد ضرب المثل بحسنها، فقيل: "خذوه ولو بقرطي مارية ". وقالو: وكان في قرطيها مئتا دينار.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

728 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


728

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة

وأما "ابن قتيبة" "الذي جعل "الحارث بن عمرو بن محرّق" أول ملوك آل غسان، فقد وضع "الحارث بن أبي شمر" من بعده. وقال: انه الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر، وأمه مارية ذات القرطين. وكان خير ملوكهم، وأيمنهم طائراً، وأبعدهم مغاراً. وكان غزا "خيبر"، فسبى من أهلها، ثم اعتقهم بعد ما قدم الشام. وكان سار إليه المنذر بن ماء السماء في مئة الف، فوجه اليهم مئة رجل، فيهم لبيد الشاعر وهو غلام، وأظهر انه انما بعث بهم لمصالحته، فأحاطوا برواقه فقتلوه، وقتلوا من معه في الرواق، وركبوا خيلهم فنجا بعضهم وقتل بعض وحملت خيل الغسانيين على عسكر المنذر فهزموهم، وكانت له بنت يقال لها "حليمة" كانت تطيب اولئك الفتيان يومئذ وتلبسهم الأكفان والدروع وفيها جرى المثل: "ما يوم حليمة بسر ". وكان فيمن أسر يومئذ أسارى من بني أسد، فأتاه النابغة، فسأله اطلاقهم، فأطلقهم، وأتاه علقمة ابن عبدة في اسارى من بني تميم، فأطلقهم اكراماً لشأنه. وفي جملة من أطلق حريتهم شأس بن عبدة شقيق علقمة.

وروى "ابن قتيبة" أيضاً إن "علقمة بن عبدة" قال في "الحارث بن أبي شمر هذه الأبيات: إلى الحارث الوهاب أعلمتُ ناقتي  بكلكلها، والقصُـريَنَ وجـبـيبُ

وفي كل حيّ قد خبَطت بنـعـمة  فحقّ لشأس كل من نداكُ ذنـوب

فقال الحارث: نعم وأذنبة.

وزعم "ابن قتيبة" إن الذي ولي الملك بعد "الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر"، هو ابنه "الحارث بن الحارث بن الحارث" ويسميه بالحارث الأصغر ابن الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر. وكان له أخوة، منهم: النعمان بن الحارث، يقول، وهو الذي قال فيه النابغة: هذا غـلام حـسـن وجـهـه  مستقبل الخير سريع الـتـمـام

للحرث الأكبر والحارث الأصغر  والحرث الأعرج خـير الأنـام

وله يقول النابغة أيضاً، وكان خرج غازياً: إن يرجع النعمان نفرح ونبتهج  ويأتي معداً ملكها وربيعـهـا

ويرجع الى غسان ملك وسؤود  وتلك المنى لو أننا نستطيعهـا

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ