إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 29 نوفمبر 2015

674 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفَصْلُ التاَسِعُ واَلثَلاثون مملكة كنده.


674

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
    
الفَصْلُ التاَسِعُ واَلثَلاثون

مملكة كنده.

والشيء الوحيد الذي يمكن، استخلاصه من هذه الروايات المدونة عن تعيين الحارث ملكاً، انه تولى الحكم على كنده بعد وفاة أبيه، وانه وسع ملكه بعد ذلك وقد يكون بمساعدة "تبع"، فصار ملكاً على كنده ويكر وعلى قبائل اخرى وانه تمكن بشخصيته من رفع شأن قبيلته. ويرى "أوليندر" انه حكم حوالي سنة "495" للميلاد.

وليس من السهل تعيين اسم "التبع" الذي عين الحارث ملكاً كما جاء ذلك في الروايات اليمانية بالاستناد إلى نصوص المسند، وليس من السهل ايضاً تصور بلوغ نفوذ "ملوك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت واعرابها في الجبال وفي تهامة" المواضع الني ذكرها اخباريو اليمن. وقد رأينا أثار الوهن بادية على تلك المملكة، بحيث لم تتمكن من مقاومة غزو الحبشة لها. وليس من السهل ايضاً تصور مجيء "بكر" والقبائل الأخرى مختارة طائعة إلى الحارث تلتمس منه إن يتفضل عليها بان يكون ملكاً عليها، وقد رأيناها كما يقول الأخباريون أنفسهم تنتقض على البيت المالك من كنده وتثور عليه، وتقتل امراءها منهم، حال علمها بضعف ذلك البيت، وبوفاة الرجل الذي جمع تلك القبائل بقوته، ووحدها بشخصيته. والأقرب إلى المنطق هو أن هذه القبائل لم تعترف برئاسة الحارث عليها، وبتاجه عليها إلا لما رأته فيه من القوة، وإلا بعد استعمال القوة والعنف مع عدد من القبائل، فرضيت به ملكاً ما دام قوياً.والأمر بيديه، وهو منطق السياسة في الصحراء. وبهذا التفسير نستطيع فهم تكون ممالك أو امارات بسرعة عجيبة، تظهر فجأة قوية تحتضن جملة قبائل، ثم تسير بسرعة فتهدد حدودها الدول الكبرى وتهاجمها كالفيضان، فإذا أصيبت بهذه الدول تمزقت أوصالها وتجزأت كما تتجزأ الفقاعة وتذوب. هكذا حياة الممالك في البوادي، ممالك تولد، وأخرى تموت. ويذكر الأخباريون أن الحارث الكندي جمع إلى ملكه ملك الحيرة وآل لخم، وذلك في زمن قباذ. ورووا في ذلك جملة روايات عن كيفية تولي الحارث ملك الحيرة، وطرده لملكها الشرعي وتولى الحكم دونه. فرووا أن الزمن لم يكن مؤاتياً ل"قباذ" يوم أوتي الحكم. كانت الأحوال مضطربة، والفتن رافعة رأسها في مواضع متعددة، والنفوذ في المملكة بيد الموابذة، ولموبذان موبذ الكلمة العليا، إذ هو الرئيس الروحي الأعلى في المملكة، كما كان للاغنياء وللاقطاعيين الشأن الأول في سياسة الدولة. فلم يعجب قباذ الوضع، لأنه "ملك الملوك" "شاهنشاه" ومن حق "ملك الملوك" الا ينازع في الملك، ففكر في طريقة لتقليص ظل الموابذة والمتنفذين في المملكة من كبار الأغنياء والملاكين، ورأى أن خير ما يفعله في هذا الباب، هو نشر تعاليم مزدك بين الناس. فإذا انتشرت كانت كفيلة بالقضاء على الأغنياء وعلى رجال الدين المتنفذين. وكان مزدك وأصحابه يقولون إن الناس تظالموا في الأموال والأرزاق، فاغتصبها بعضهم من بعض، وان الأغنياء قد اغتصبوا رزق الفقراء " وانهم يأخذون للفقراء من الأغنياء، ويردون من المكثرين على المقلين، وانه من كان عنده فضل من الأموال والنساء والأمتعة، فليس هو بأولى به من غيره. فافترص السفلة ذلك، واغتنموه، وكانفوا مزدك وأصحابه وشايعوهم فابتلي الناس بهم، وقوى أمرهم حتى كانوا يدخلون على الرجل في داره، فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله، لا يستطيع الامتناع منهم". هكذا وصف الطبري وغيره من الأخباريين دعوة مزدك. فهي على هذا الوصف دعوة اشتراكية جاءت مقوضة لرجال الدين والاقطاعيين ومتنفذة الأغنياء.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق