إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 30 نوفمبر 2015

746 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الاربعون مملكة الغساسنة


746

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
   
الفصل الاربعون

مملكة الغساسنة

وتزعم بعض الروايات أنه زار المدينة في خلافة "عمر". وقد عدّ يوم مجيئه اليها من الأيام المشهورة، اذ جاء اليها في موكب حافل كبير فيه خيول كثيرة لم تر المدينة مثلها من قبل، وخرج الناس إلى الطرق لرؤية موكبه. وفرح عمر بمجيئه، وعدّ ذلك توفيقاً من اللّه للاسلام، وأكرمه غاية الاَكرام. وبعد أن قابل الخليفة، استأذن منه بالذهاب إلى الحج، فوقع له عندئذ حادث الإزار مع الأعرابي، ففرّ إلى بلاد الروم، ويقال: انه توفي بالقسطنطينية سنة عشرين من الهجرةْ. وذكر أنه لما قدم المدينة كان في خمسمئة فارس من عك وجفنة. فلما دنا من المدينة ألبسهم ثياب الوشي المنسوج بالذهب والفضة، ولبس تاجه وفيه قرط مارية وهي جدته، فلم يبق يومئذ بالمدينة أحد الا خرج ينظر إليه.

وقد ذكر "البلاذري" أن "جبلة بن الأيهم" حكم بعد "الحارث بن أبي شمر". وروى أنه لما قدم "عمر" الشام سنة "17" للهجرة، حدث أن لطم "جبلة" رجلاّ من مزينة على عينه، فأمره عمر بالاقتصاص منه، فقال: او عينه مثل عيني ! والله لا أقيم ببلد عليّ به سلطان. فدخل بلاد الروم مرتداً. وروى رواية أخرى خلاصتها أن جبلة أتى عمر على نصرانية، فعرض عمر عليه الإسلام، ولكنه لم بتفق مع عمر. فلما قال له عمر: ما عندي لك الا واحدة من ثلاث: إما الإسلام، وإما أداء الجزية، وإما الذهاب إلى حيث شئت. فدخل بلاد الروم في ثلاثين ألفاً فلما بلغ ذلك عمر ندم.

وتذكر رواية أن "جبلة بن الأيهم" عاش في القسطنطينية حتى مات سنهّ عشرين من الهجرة.

فنحن أمام روايتين بشأن مكان ردة جبلة، وتجاه رواية عن إسلامه. رواية تجعل ارتداده في مكة، ورواية تجعل ارتداده بدمشق، ورواية تذكر أنه لم يدخل مطلقاً في الإسلام. ويظهر أن رواية دمشق هي أقرب إلى المنطق، اذ لا يعقل فرار جبلة من مكة إلى بلاد الروم بمثل هذه السهولة التي تخيلها أهل الأخبار، وبينه وبين بلاد الروم مسافات شاسعة ما كان في امكانه قطعها قط والنجاة من تعقب المسلمين له، لو كان موضع هربه هو مكة. أما دمشق، فانها قريبة من حدود الروم، ولدى جبلة فيها وسائل كبيرة تساعده على الهرب.

والرأي عندي أن جبلة، لم يدخل ابداً في الإسلام، وانما بقي مع الروم. وغادر بلاد الشام معهم، وكان يحارب المسلمين إلى جانبهم، وانتقل بأتباعه ممن بقوا على دينهم إلى بلاد الروم فأقآموا بها، وقد مات هناك ودفن في تلك البلاد. وما هذا الذي روي عن اسلامه وعن زيارته ليثرب ولمكة إلا من قصص القصاص وضعوه فيما بعد.

 

إنّ ما يذكره أهل الأخبار من ملك "جبلة"، لا يخلو من مبالغة. وما يقال عن ملكه وعن استقبال "هرقل" له، ذلك الاستقبال العظيم، لا- يخلو من مبالغة أيضاً. نعم من الجائز أن الروم قبلوه لاجئاً، ورحبوا به وساعدوه على أمل استخدامه لمهاجمة المسلمين، واسترداد بلاد الشام منهم. غير أننا لا نستطيع أن نوافق على ما ورد في روايات. أهل الأخبار من ذلك الوصف الذي ذكروه من احتفال الروم في القسطنطينية. ومن المعيشة التي كان يعيشها في عاصمتهم إلى حين وفاته. بل لقد شك بعض المستشرقين مثل "نولدكه" حتى في موضوع تملكه وتولية الحكم له على عرب الشام.

ونجد في خبر فتح دومة الجندل، رجلاً من غسان كان قد تزعم قومه وجاء في "طواف من غسان وتنوخ" لنجدة أهل "دومة الجندل". وقد دعاه "الطبري"، "ابن الأيهم". ولم يشر إلى اسمه.

ونجد في "العقد الفريد" وصفاً لمجلس "جبلة" ولمسكنه في القسطنطينية لا يخلو من مبالغة، وقد كتب وصفه إلى الرسول ذكر أن الخليفة عمر كان قد أرسله إلى "هرقل" ليدعوه إلى الإسلام. ويذكر الرسول الموفد أن "هرقل"" هو الذي أشار عليه بزيارة قصر "جبلة" فلما ذهب إليه، وجد على بابه من القهارمة والحجاب وكثرة الجمع مثل الذي على باب "هرقل"، ثم وصف مجلسه وأرائكه المرصعة بالجواهر، وغناء الجواري.في مجلسه بغناء حسان بن ثابت مما يجعله في ثراء الملوك الحاكمين لا الملوك الفارين.

واسم الرسول المذكور هو "جثامة بن مساحق الكناني". ويذكر بعض أهل الأخبار أن الخليفة معاوية أرسل "عبد الله بن مسعود الفزاري" إلى ملك الروم فوجد عنده "جبلة بن الأيهم "،فوصف مجلسه وما كان عليه من فاخر الملبس والمأكل والمسكن، وهو كلام فيه مبالغات وغلوّ في الكلام، على نمط ما رأيناه في وصف "جثامة". وهو يتفق معه في الخبر. والظاهر أن الرواة قد أخطأوا في هذا الخبر، فنسبوه مرة إلى رسول عمر،ونسبوه مرة أخرى إلى رسول معاوية.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق