إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 24 يونيو 2015

4690 البداية والنهاية ( ابن كثير ) ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وسبعمائة


4690

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وسبعمائة

استهلت هذه السنة وسلطان البلاد المصرية والشامية والحرمين وغير ذلك الملك المظفر أمير حاجي بن الملك الناصر محمد بن قلاوون، ونائبه بالديار المصرية الأمير سيف الدين أرقطية، وقضاة مصر هم الذين كانوا في الماضية بأعيانهم، ونائبه بالشام المحروسة سيف الدين يلبغا الناصري، وقضاة الشام هم المذكورون في التي قبلها بأعيانهم، غير أن القاضي عماد الدين الحنفي نزل لولده قاضي القضاة نجم الدين، فباشر في حياة أبيه، وحاجب الحجاب فخر الدين إياس‏.‏

واستهلت هذه السنة ونائب السلطنة في همة عالية في عمارة الجامع الذي قد شرع في بنائه غربي سوق الخيل، بالمكان الذي كان يعرف بالتل المستقين‏.‏

وفي ثالث المحرم توفي قاضي القضاة شرف الدين محمد بن أبي بكر الهمداني المالكي، وصلّي عليه بالجامع، ودفن بتربته بميدان الحصا، وتأسف الناس عليه لرياسته وديانته وأخلاقه وإحسانه إلى كثير من الناس رحمه الله‏.‏ ‏(‏ج /ص‏:‏ 14/ 256‏)‏

وفي يوم الأحد الرابع والعشرين من المحرم وصل تقليد قضاء المالكية للقاضي جمال الدين المسلاتي الذي كان نائباً للقاضي شرف الدين قبله، وخلع عليه من آخر النهار‏.‏

وفي شهر ربيع الأول أخذوا لبناء الجامع المجدد بسوق الخيل، أعمدة كثيرة من البلد، فظاهر البلد يعلقون ما فوقه من البناء ثم يأخذونه ويقيمون بدله دعامة، وأخذوا من درب الصيقل وأخذوا العمود الذي كان بسوق العلبيين الذي في تلك الدخلة على رأسه مثل الكرة فيها حديد‏.‏

وقد ذكر الحافظ ابن عساكر‏:‏ أنه كان فيه طلسم لعسر بول الحيوان إذا داروا بالدابة ينحل أراقيها‏.‏

فلما كان يوم الأحد السابع والعشرين من ربيع الأول من هذه السنة قلعوه، من موضعه بعد ما كان له في هذا الموضع نحواً من أربعة آلاف سنة والله أعلم‏.‏

وقد رأيته في هذا اليوم وهو ممدود في سوق العلبيين على الأخشاب ليجروه إلى الجامع المذكور من السوق الكبير، ويخرجوا به من باب الجابية الكبير، فلا إله إلا الله‏.‏

وفي أواخر شهر ربيع الأخر ارتفع بناء الجامع الذي أنشأه النائب وجفت العين التي كانت تحت جداره حين أسسوه ولله الحمد‏.‏

وفي سلخ ربيع الآخر وردت الأخبار من الديار المصرية بمسك جماعة من أعيان الأمراء كالحجازي وآقسنقر الناصري، ومن لف لفهما، فتحرك الجند بالشام ووقعت خبطة، ثم استهل شهر جمادى الأولى والجند في حركة شديدة، ونائب السلطنة يستدعي الأمراء إلى دار السعادة بسبب ما وقع بالديار المصرية، وتعاهد هؤلاء على أن لا يؤذي أحد، وأن يكونوا يداً واحدة‏.‏

وفي هذا اليوم تحول ملك الأمراء من دار السعادة إلى القصر الأبلق واحترز لنفسه، وكذلك حاشيته‏.‏

وفي يوم الأربعاء الرابع عشر منه قدم أمير من الديار المصرية على البريد ومعه كتاب من السلطان فيه التصريح بعزل ملك الأمراء يلبغا نائب الشام، فقرئ عليه بحضرة الأمراء بالقصر الأبلق، فتغمم لذلك وساءه‏.‏

وفيه طلبه إلى الديار المصرية على البريد ليوليّ نيابة الديار المصرية، والظاهر أن ذلك خديعة له، فأظهر الامتناع، وأنه لا يذهب إلى الديار المصرية أبداً، وقال‏:‏ إن كان السلطان قد استكثر عليّ ولاية دمشق فيوليني أي البلاد شاء، فأنا راضٍ بها‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/257‏)‏

ورد الجواب بذلك، ولما أصبح من الغد وهو يوم الخميس وهو خامس عشره، ركب فخيم قريباً من الجسورة في الموضع الذي خيم فيه عام أول‏.‏

وفي الشهر أيضاً كما تقدم، فبات ليلة الجمعة وأمر الأمراء بنصب الخيام هنالك على عادتهم عام أول‏.‏

فلما كان يوم الجمعة سادس عشره بعد الصلاة ما شعر الناس إلا والأمراء، قد اجتمعوا تحت القلعة وأحضروا من القلعة سنجقين سلطانيين أصفرين، وضربوا الطبول حربياً، فاجتمعوا كلهم تحت السنجق السلطاني، ولم يتأخر منهم سوى النائب وذويه كابنيه وإخوته وحاشيته، والأمير سيف الدين قلاوون أحد مقدمي الألوف وخبره أكبر أخبار الأمراء بعد النيابة‏.‏

فبعث إليه الأمراء أن هلم إلى السمع والطاعة للسلطان، فامتنع من ذلك وتكررت الرسل بينهم وبينه فلم يقبل، فساروا إليه في الطبلخانات والبوقات ملبسين لأمة الحرب‏.‏

فلما انتهوا إليه وجدوه قد ركب خيوله ملبساً واستعد للهرب، فلما واجههم هرب هو ومن معه وفروا فرار رجل واحد، وساق الجند وراءه فلم يكتنفوا له غباراً، وأقبل العامة وتركمان القبيبات، فانتهبوا ما بقي في معسكره من الشعير والأغنام والخيام، حتى جعلوا يقطعون الخيام والأطناب قطعاً قطعاً، فعدم له ولأصحابه من الأمتعة ما يساوي ألف ألف درهم، وانتدب لطلبه والمسير وراءه الحاجب الكبير الذي قدم من الديار المصرية قريباً شهاب الدين بن صبح، أحد مقدمي الألوف فسار على طريق الأشرفية ثم عدل إلى ناحية القريتين‏.‏

ولما كان يوم الأحد، قدم الأمير فخر الدين إياس نائب صفد فيها فتلقاه الأمراء والمقدمون، ثم جاء فنزل القصر وركب من آخر النهار في الجحافل، ولم يترك أحداً من الجند بدمشق إلا ركب معه وساق وراء يلبغا فانبرا نحو البرية‏.‏

فجعلت الأعراب يعترضونه من كل جانب، وما زالوا يكفونه حتى سار نحو حماه، فخرج نائبها وقد ضعف أمره جداً، هو وكل ومن معه من كثرة السوق ومصاولة الأعداء من كل جانب، فأُلقيَ بيده وأخذ سيفه وسيوف من معه واعتقلوا بحماه، وبعث بالسيوف إلى الديار المصرية‏.‏

وجاء الخبر إلى دمشق صبيحة يوم الأربعاء رابع عشر هذا الشهر، فضربت البشائر بالقلعة وعلى باب الميادين على العادة، وأحدقت العساكر بحماه من كل جانب ينتظرون ما رسم به السلطان من شأنه، وقام إياس بجيش دمشق على حمص، وكذلك جيش طرابلس، ثم دخلت العساكر راجعة إلى دمشق يوم الخميس التاسع والعشرين من الشهر‏.‏

وقدم يلبغا وهو مقيد على كديش هو وأبوه وحوله الأمراء الموكلون به ومن معه من الجنود، فدخلوا به بعد عشاء الآخرة فاجتازوا به فم السبعة بعد ما غلقت الأسواق، وطفئت السرج، وغلقت الطاقات، ثم مروا على الشيخ رسلان والباب الشرقي على باب الصغير، ثم من عند مسجد الديان على المصلّى، واستمروا ذاهبين نحو الديار المصرية‏.‏

وتواترت البريدية من السلطان بما رسم به في أمره وأصحابه الذين خرجوا معه من الاحتياط على حواصلهم وأموالهم وأملاكهم وغير ذلك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/258‏)‏

وقدم البريد من الديار المصرية يوم الأربعاء ثالث جمادى الآخرة، فأخبر بقتل يلبغا فيما بين قاقون وغبرة، وأخذت رؤوسهما إلى السلطان وكذلك قتل بغبرة الأمراء الثلاثة الذين خرجوا من مصر وحاكم الوزير ابن سرد ابن البغدادي، والدوادار طغيتمر وبيدمر البدري، أحد المقدمين، كان قد نقم عليه السلطان ممالأة يلبغا، فأخرجهم من مصر مسلوبين جميع أموالهم وسيرهم إلى الشام‏.‏

فلما كانوا بغزة لحقهم البريد بقتلهم حيث وجدهم، وكذلك رسم بقتل يلبغا حيث التقاه من الطريق، فلما انفصل البريد من غزة التقى يلبغا في طريق وادي فحمة فخنقه ثم احتز رأسه وذهب به إلى السلطان‏.‏

وقدم أميران من الديار المصرية بالحوطة على حوصال يلبغا وطواشي من بيت المملكة، فتسلم مصاغاً وجواهر نفيسة جداً، ورسم ببيع أملاكه وما كان وقفه على الجامع الذي كان قد شرع بعمارته بسوق الخيل، وكان قد اشتهر أنه وقف عليه القيسارية التي كان أنشأها ظاهر باب الفرج، والحمامين المتجاورين ظاهر باب الجابية غربي خان السلطان العتيق، وخصصا في قرايا أخرى كان قد استشهد على نفسه بذلك قبل ذلك فالله أعلم‏.‏

ثم طلب بقية أصحابه من حماه فحملوا إلى الديار المصرية وعدم خبرهم، فلا يدري على أي صفة هلكوا‏.‏

وفي صبيحة يوم الثلاثاء الثامن عشر من جمادى الآخرة من هذه السنة دخل الأمير سيف الدين أرغون شاه دمشق المحروسة نائباً عليها، وكان قدومه من حلب، انفصل عنها وتوجه إليها الأمير فخر الدين إياس الحاجب، فدخلها أرغون شاه في أبهة وعليه خلعة وعمامة بطرفين، وهو قريب الشكل

من تنكز رحمه الله فنزل دار السعادة وحكم بها، وفيه صرامة وشهامة‏.‏

وفي يوم الخميس الثالث والعشرين منه صلّي على الأمير قراسنقر بالجامع الأموي وظاهر باب النصر، وحضر القضاة والأعيان والأمراء، ودفن بتربته بميدان الحصا بالقرب من جامع الكريمي‏.‏

وعملت ليلة النصف على العادة من إشعال القناديل ولم يشعل الناس لما هم فيه من الغلاء وتأخر المطر وقلة الغلة، كل رطل إلا وقية بدرهم، وهو متغير، وسائر الأشياء غالية‏.‏ والزيت كل رطل بأربعة ونصف، ومثله الشيرج والصابون والأرز والعنبريس كل رطل بثلاثة، وسائر الأطعمات على هذا النحو، وليس شيء قريب الحال سوى اللحم بدرهمين وربع، ونحو ذلك‏.‏

وغالب أهل حوران يردون من الأماكن البعيدة ويجلبون القمح للمؤنة والبدار من دمشق، وبيع عندهم القمح المغربل كل مد بأربعة دراهم، وهم في جهد شديد، والله هو المأمول المسئول‏.‏

وإذا سافر أحد يشق عليه تحصيل الماء لنفسه ولفرسه ودابته، لأن المياه التي في الدرب كلها نفذت، وأما القدس فأشد حالاً وأبلغ في ذلك‏.‏

ولما كان العشر الأخير من شعبان من هذه السنة منّ الله سبحانه وتعالى وله الحمد والمنة على عباده بإرسال الغيث المتدارك الذي أحيى العباد والبلاد، وتراجع الناس إلى أوطانهم لوجود الماء في الأودية والغدران، وامتلأت بركة زرع بعد أن لم يكن فيها قطرة‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/259‏)‏

وجاءت بذلك البشائر إلى نائب السلطنة، وذكر أن الماء عم البلاد كلها، وأن الثلج على جبل بني هلال كثير، وأما الجبال التي حول دمشق فعليها ثلوج كثيرة جداً، واطمأنت القلوب وحصل فرج شديد ولله الحمد والمنة، وذلك في آخر يوم بقي من تشرين الثاني‏.‏

وفي يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من رمضان توفي الشيخ عز الدين محمد الحنبلي بالصالحية، وهو خطيب الجامع المظفري، وكان من الصالحين المشهورين رحمه الله، وكان كثيراً ما يلقن الأموات بعد دفنهم، فلقنه الله حجته وثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق