إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 24 يونيو 2015

4701 البداية والنهاية ( ابن كثير ) ترجمة باب جيرون المشهور بدمشق


4701

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 ترجمة باب جيرون المشهور بدمشق

الذي كان هلاكه وذهابه وكسره في هذه السنة، وهو باب سر في جامع دمشق لم ير باب أوسع ولا أعلى منه، فيما يعرف من الأبنية في الدنيا، وله علمان من نحاس أصفر بمسامير نحاس أصفر أيضاً بارزة، من عجائب الدنيا، ومحاسن دمشق ومعالمها، وقد تم بناؤها‏.‏

وقد ذكرته العرب في أشعارها والناس وهو منسوب إلى ملك يقال له جيرون بن سعد بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وهو الذي بناه، وكان بناؤه له قبل الخليل عليه السلام، بل قبل ثمود وهود أيضاً، على ما ذكره الحافظ ابن عساكر في تاريخه وغيره‏.‏

وكان فوقه حصن عظيم، وقصر منيف، ويقال بل هو منسوب إلى اسم المارد الذي بناه لسليمان عليه السلام، وكان اسم ذلك المارد جيرون، والأول أظهر وأشهر، فعلى الأول‏:‏ يكون لهذا الباب من المدد المتطاولة ما يقارب خمسة آلاف سنة‏.‏

ثم كان انجعاف هذا الباب لا من تلقاء نفسه بل بالأيدي العادية عليه، بسبب ما ناله من شوط حريق اتصل إليه حريق وقع من جانبه في صبيحة ليلة الاثنين السادس عشر من صفر، سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة فتبادر ديوان الجامعية ففرقوا شمله وقضعوا ثمله، وعروا جلده النحاس عن بدنه الذي هو من خشب الصنوبر، الذي كأن الصانع قد فرغ منه يومئذ‏.‏

وقد شاهدت الفؤوس تعمل فيه ولا تكاد تحيل فيه إلا بمشقة، فسبحان الذي خلق الذين بنوه أولاً، ثم قدر أهل هذا الزمان على أن هدموه بعد هذه المدد المتطاولة، والأمم المتداولة، ولكن لكل أجل كتاب، ولا إله إلا رب العباد‏.‏

بيان تقدم مدة هذا الباب وزيادتها على مدة أربعة آلاف سنة بل يقارب الخمسة

ذكر الحافظ ابن عساكر في أول تاريخه‏:‏ باب بناء دمشق بسنده عن القاضي يحيى بن حمزة التبلهي الحاكم بها في الزمن المتقدم، وقد كان هذا القاضي من تلاميذ ابن عمر والأوزاعي، قال‏:‏ لما فتح عبد الله بن علي دمشق بعد حصارها - يعني وانتزعها من أيدي بني أمية وسلبهم ملكهم - هدموا سور دمشق فوجدوا حجراً مكتوباً عليه باليونانية‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/279‏)‏

فجاء راهب فقرأه لهم، فإذا هو مكتوب عليه‏:‏ ويك أرم الجبابرة من رأمك بسوء قصمه الله، إذا وهي منك جيرون الغربي من باب البريد وتلك من خمسة أعين ينقض سورك على يديه، بعد أربعة آلاف سنة تعيشين رغداً، فإذا وهى منك جيرون الشرقي أؤمل لك ممن يعوض لك‏.‏

قال‏:‏ فوجدنا الخمسة أعين عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، عين بن عين بن عين بن عين بن عين، فهذا يقتضي أنه كان بسورها سنيناً إلى حين إخرابه على يد عبد الله بن علي أربعة آلاف سنة، وقد كان إخرابه له في سنة ثنتين وثلاثين ومائة كما ذكرنا في التاريخ الكبير، فعلى هذا يكون لهذا الباب إلى يوم خرب من هذه السنة - أعني سنة ثنتين وثلاثين ومائة - أربعة آلاف وستمائة وإحدى وعشرين سنة، والله أعلم‏.‏

وقد ذكر ابن عساكر عن بعضهم أن نوحاً عليه السلام هو الذي أسس دمشق بعد حران وذلك بعد مضي الطوفان، وقيل‏:‏ بناها دمسغس غلام ذي القرنين عن إشارته، وقيل‏:‏ عاد الملقب بدمشيق وهو غلام الخليل، وقيل‏:‏ غير ذلك من الأقوال، وأظهرها‏:‏ أنها من بناء اليونان، لأن محاريب معابدها كانت موجهة إلى القطب الشمالي‏.‏

ثم كان بعدهم النصارى فصلوا فيها إلى الشرق، ثم كان فيها بعدهم أجمعين أمة المسلمين فصلوا إلى الكعبة المشرفة‏.‏

وذكر ابن عساكر وغيره‏:‏ أن أبوابها كانت سبعة كل منها يتخذ عنده عيد لهيكل من الهياكل السبعة، فباب القمر‏:‏ باب السلامة، وكانوا يسمونه باب الفراديس الصغير، ولعطارد‏:‏ باب الفراديس الكبير، وللزهرة‏:‏ باب توما، وللشمس‏:‏ الباب الشرقي، وللمريخ‏:‏ باب الجابية، وللمشتري‏:‏ باب الجابية الصغير، ولزحل‏:‏ باب كيسان‏.‏

وفي أوائل شهر رجب الفرد اشتهر أن نائب حلب بيبغا أروش اتفق مع نائب طرابلس بكلمش، ونائب حلب أمير أحمد بن مشد الشريخانة على الخروج عن طاعة السلطان حتى يمسك شيخون وطاز، وهما عضدا الدولة بالديار المصرية، وبعثوا إلى نائب دمشق وهو الأمير سيف الدين أرغون الكاملي فأبى عليهم ذلك‏.‏

وكاتب إلى الديار المصرية بما وقع من الأمر، وانزعج الناس لذلك، وخافوا من غائلة هذا الأمر وبالله المتسعان‏.‏

ولما كان يوم الاثنين ثامن الشهر جمع نائب السلطنة الأمراء عنده بالقصر الأبلق واستحلفهم بيعة أخرى لنائب السلطنة الملك الصالح، فحلفوا واتفقوا على السمع والطاعة والاستمرار على ذلك‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/280‏)‏

وفي ليلة الأربعاء سابع عشر رجب جاءت الجبلية الذين جمعوهم من البقاع لأجل حفظ ثنية العقاب من قدوم العساكر الحلبية، ومن معهم من أهل طرابلس وحماه، وكان هؤلاء الجبلية قريباً من أربعة آلاف، فحصل بسببهم ضرر كثير على أهل برزة وما جاورهم من الثمار وغيرها‏.‏

وفي يوم السبت العشرين منه ركب نائب السلطنة سيف الدين أرغون ومعه الجيوش الدمشقية قاصدين ناحية الكسوة ليلاً يقاتلون المسلمين ولم يبق في البلد من الجند أحد، وأصبح الناس وليس لهم نائب ولا عسكر، وخلت الديار منهم، ونائب الغيبة الأمير سيف الدين الجي بغا العادلي‏.‏

وانتقل الناس من البساتين ومن طرف العقيبة وغيرها إلى المدينة، وأكثر الأمراء نقلت حواصلهم وأهاليهم إلى القلعة المنصورة، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

ولما اقترب دخول الأمير بيبغا بمن معه انزعج الناس وانتقل أهل القرى الذين في طريقه، وسرى ذلك إلى أطراف الصالحية والبساتين وحواضر البلد، وغلقت أبواب البلد إلى ما يلي القلعة، كباب النصر، وباب الفرج، وكذا باب الفراديس‏.‏

وخلت أكثر المحال من أهاليهم، ونقلوا حوائجهم وحواصلهم وأنعامهم إلى البلد على الدواب والحمالين، وبلغهم أن أطراف الجيش انتهبوا ما في القرايا في طريقهم من الشعير والتبن وبعض الأنعام للأكل‏.‏

وربما وقع فساد غير هذا من بعض الجهلة، فخاف الناس كثيراً وتشوشت خواطرهم انتهى‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق