إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 24 يونيو 2015

4698 البداية والنهاية ( ابن كثير ) ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة


4698

البداية والنهاية ( ابن كثير )

 ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة

استهلت هذه السنة وسلطان البلاد الشامية والديار المصرية والحرمين الشريفين و ما يلحق بذلك من الأقاليم والبلدان، الملك الناصر حسن بن السلطان، الملك محمد بن السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي، ونائبه بالديار المصرية الأمير سيف الدين يلبغا الملقب بحارس الطير، وهو عوضاً عن الأمير سيف الدين يلبغا أروش الذي راح إلى بلاد الحجاز، ومعه جماعة من الأمراء بقصد الحج الشريف، فعزله السلطان في غيبته وأمسك على شيخون واعتقله، وأخذ منجك الوزير، وهو أستاذ دار ومقدم ألف، مصطفى أمواله، واعتاض عنه وولى مكانه في الوزارة القاضي علم الدين بن زينور، واسترجع إلى وظيفة الدويدارية الأمير سيف الدين طسبغا الناصري، وكان أميراً بالشام، مقيماً منذ عزل إلى أن أعيد في أواخر السنة كما تقدم‏.‏

وأما كاتب السر بمصر وقضاتها فهم المذكورون في التي قبلها‏.‏

واستهلت هذه السنة ونائب صفد قد حصن القلعة وأعد فيها عدتها وما ينبغي لها من الأطعمات والذخائر والعدد والرجال، وقد نابذ المملكة وحارب، وقد قصدته العساكر من كل جانب من الديار المصرية ودمشق وطرابلس وغيرها، والأخبار قد ضمنت عن يلبغا ومن معه ببلاد الحجاز ما يكون من أمره، ونائب دمشق في احتراز وخوف من أن يأتي إلى بلاد الشام فيدهمها بمن معه، والقلوب وجلة من ذلك، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/274‏)‏

وفيها ورد الخبر أن صاحب اليمن حج في هذه السنة فوقع بينه وبين صاحب مكة عجلان بسبب أنه أراد أن يولي عليها أخاه بعيثة، فاشتكى عجلان ذلك إلى أمراء المصريين وكبيرهم إذ ذاك الأمير سيف الدين بزلار ومعهم طائفة كثيرة، وقد أمسكوا أخاهم يلبغا وقيدوه، فقوي رأسه عليهم واستخف بهم، فصبروا حتى قضى الحج وفرغ الناس من المناسك‏.‏

فلما كان يوم النفر الأول يوم الخميس تواقفوا هم وهو فقتل من الفريقين خلقُ كثير، والأكثر من اليمنيين، وكانت الوقعة قريبة من وادي محسر، وبقي الحجيج خائفين أن تكون الدائرة على الأتراك فتنهب الأعراب أموالهم وربما قتلوهم، ففرج الله ونصر الأتراك على أهل اليمن ولجأ الملك المجاهد إلى جبل، فلم يعصمه من الأتراك بل أسروه ذليلاً حقيراً، وأخذوه مقيداً أسيراً وجاءت عوام الناس إلى اليمنيين فنهبوا شيئاً كثيراً، ولم يتركوا لهم جليلاً ولا حقيراً، ولا قليلاً ولا كثيراً‏.‏

واحتاط الأمراء على حواصل الملك وأمواله وأمتعته وأثقاله، وساروا بخيله وجماله، وأدلوا على صنديد من رحله ورجاله، واستحضروا معهم طفيلاً الذي كان حاصر المدينة النبوية في العام الماضي وقيدوه أيضاً، وجعلوا الغل في عنقه، واستاقوه كما يستاق الأسير في وثاقه مصحوباً بهمه وحتفه، وانشمروا عن تلك البلاد إلى ديارهم راجعين، وقد فعلوا فعلة تذكر بعدهم إلى حين‏.‏

ودخل الركب الشامي إلى دمشق يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من المحرم، على العادة المستمرة، والقاعدة المستقرة‏.‏

وفي هذا اليوم قدمت البريدية من تلقاء مدينة صفد مخبرة بأن الأمير شهاب الدين أحمد بن مشد الشرنجاتاه، الذي كان قد تمرد بها وطغى وبغى حتى استحوز عليها وقطع سببها وقتل الفرسان والرجالة، وملأها أطعمة وأسلحة، ومماليكه ورجاله، فعندما تحقق مسك يلبغا أروش خضعت تلك النفوس، وخمدت ناره وسكن شراره وحار بثاره، ووضح قراره، وأناب إلى التوبة والإقلاع، ورغب إلى السلامة والخلاص، وخشع ولات حين مناص‏.‏

وأرسل سيفه إلى السلطان، ثم توجه بنفسه على البريد إلى حضرة الملك الناصر، والله المسؤول أن يحسن عليه وأن يقبل بقلبه إليه‏.‏

وفي يوم الأحد خامس صفر قدم من الديار المصرية الأمير سيف الدين أرغون الكاملي معاداً إلى نيابة حلب، وفي صحبته الأمير سيف الدين طشبغا الدوادار بالديار المصرية، وهو زوج ابنة نائب الشام، فتلقاه نائب الشام وأعيان الأمراء، ونزل طشبغا الدوادار عند زوجته بدار منجى في محلة مسجد القصب التي كانت تعرف‏:‏ بدار حنين بن حندر، وقد جددت في السنة الماضية، وتوجها في الليلة الثانية من قدومها إلى حلب‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/275‏)‏

وفي يوم الأربعاء رابع عشر ربيع الأول اجتمع القضاة الثلاثة وطلبوا الحنبلي ليتكلموا معه فيما يتعلق بدار المعتمد التي بجوار مدرسة الشيخ أبي عمر، التي حكم بنقض وقفها وهدم بابها وإضافتها إلى دار القرآن المذكورة، وجاء مرسوم السلطان يوفق ذلك، وكان القاضي الشافعي قد أراد منعه من ذلك، فلما جاء مرسوم السلطان اجتمعوا لذلك، فلم يحضر القاضي الحنبلي، قال‏:‏ حتى يجيء نائب السلطنة‏.‏

ولما كان يوم الخميس خامس عشر ربيع الأول حضر القاضي حسين - ولد قاضي القضاة تقي الدين السبكي - عن أبيه مشيخة دار الحديث الأشرفية وقرئ عليه شيء كان قد خرجه له بعض المحدثين، وشاع في البلد أنه نزل له عنها، وتكلموا في ذلك كلاماً كثيراً، وانتشر القول في ذلك، وذكر بعضهم أنه نزل له عن الغزالية والعادلية، واستخلفه في ذلك، فالله أعلم‏.‏

وفي سحر ليلة الخميس خامس شهر جمادى الآخرة وقع حريق عظيم بالجوانيين في السوق الكبير، واحترقت دكاكين الفواخرة والمناجليين، وفرجة الغرابيل، وإلى درب القلى، ثم إلى قريب درب العميد، وصارت تلك الناحية دكاً بلقعاً، فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وجاء نائب السلطنة بعد الأذان إلى هناك ورسم بطفي النار، وجاء المتولي والقاضي الشافعي والحجاب، وشرع الناس في طفي النار، ولو تركوها لأحرقت شيئاً كثيراً، ولم يفقد فيما بلغنا أحد من الناس، ولكن هلك للناس شيءٌ كثير من المتاع والأثاث والأملاك وغير ذلك، واحترق للجامع من الرباع في هذا الحريق ما يساوي مائة ألف درهم‏.‏انتهى‏.‏والله أعلم‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق