إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 25 يونيو 2015

4749 البداية والنهاية ( ابن كثير ) ثم دخلت سنة أربع وستين وسبعمائة



4749


البداية والنهاية ( ابن كثير )

 ثم دخلت سنة أربع وستين وسبعمائة

استهلت هذه السنة وسلطان الإسلام بالديار المصرية والشامية والحجازية وما يتبعهما من الأقاليم والرساتيق الملك المنصور صلاح الدين محمد بن الملك المنصور المظفري حاجي بن الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون الصالحي، ومدير الممالك بين يديه، وأتابك العساكر سيف الدين يلبغا، وقضاة مصر هم المذكورون في التي قبلها‏.‏

غير أن ابن جماعة قاضي الشافعية وموفق الدين قاضي الحنابلة في الحجاز الشريف، ونائب دمشق الأمير سيف الدين قشتمر المنصوري، وقاضي قضاة الشافعية الشيخ بهاء الدين بن قاضي القضاة تقي الدين السبكي، وأخوه قاضي القضاة تاج الدين مقيم بمصر، وقاضي قضاة الحنفية الشيخ جمال الدين ابن قاضي القضاة شرف الدين الكفري‏.‏

آثره والده بالمنصب وأقام على تدريس الركنية يتعبد ويتلو ويجمع على العبادة، وقاضي قضاة المالكية جمال الدين المسلاتي، وقاضي قضاة الحنابلة الشيخ جمال الدين المرداوي محمود بن جملة، ومحتسب البلد الشيخ عماد الدين الشيرجي، وكاتب السر جمال الدين عبد الله بن الأثير‏.‏

قدم من الديار المصرية عوضاً عن ناصر الدين بن يعقوب، وكان قدومه يوم سلخ السنة الماضية، وناظر الدواوين بدر الدين حسن بن النابلسي، وناظر الخزانة القاضي تقي الدين بن مراجل‏.‏

ودخل المحمل السلطاني يوم الجمعة الثاني والعشرين من المحرم بعد العصر خوفاً من المطر، وكان وقع مطر شديد قبل أيام، فتلف منه غلات كثيرة بحوران وغيرها، ومشاطيخ وغير ذلك فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

وفي ليلة الأربعاء السابع والعشرين منه بعد عشاء الآخرة قبل دقة القلعة دخل فارس من ناحية باب الفرج إلى ناحية باب القلعة الجوانية، ومن ناحية الباب المذكور سلسلة، ومن ناحية باب النصر أخرى جددتا لئلا يمر راكب على باب القلعة المنصورة، فساق هذا الفارس المذكور على السلسلة الواحدة فقطعها‏.‏

ثم مر على الأخرى فقطعها وخرج من باب النصر ولم يعرف لأنه ملثم‏.‏

وفي حادي عشر صفر وقبله بيوم قدم البريد من الديار المصرية بطلب الأمير سيف الدين زبالة أحد أمراء الألوف إلى الديار المصرية مكرماً، وقد كان عزل عن نيابة القلعة بسبب ما تقدم، وجاء البريد أيضاً ومعه التواقيع التي كانت بأيدي ناس كثير، زيادات على الجامع، ردت إليهم وأقروا على ما بأيديهم من ذلك‏.‏

وكان ناظر الجامع الصاحب تقي الدين بن مراجل قد سعى برفع ما زيد بعد التذكرة التي كانت في أيام صرغتمش، فلم يف ذلك، وتوجه الشيخ بهاء الدين بن السبكي قاضي قضاة الشام الشافعي من دمشق إلى الديار المصرية يوم الأحد سادس عشر صفر من هذه السنة، وخرج القضاة والأعيان لتوديعه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/340‏)‏

وقد كان أخبرنا عند توديعه بان أخاه قاضي القضاة تاج الدين قد لبس خلعة القضاء بالديار المصرية، وهو متوجه إلى الشام عند وصوله إلى ديار مصر، وذكر لنا أن أخاه كاره للشام‏.‏

وأنشدني القاضي صلاح الدين الصفدي ليلة الجمعة رابع عشره لنفسه فيما عكس عن المتنبي في يديه من قصيدته وهو قوله‏:‏

إذا اعتاد الفتى خوضَ المنايا * فأيسرُ ما يمر به الوصولُ

وقال‏:‏

دخول دمشق يكسبنا نحولاً * كأن لها دخولاً في البرايا

إذا اعتاد الغريب الخوض فيها * فأيسر ما يمر به المنايـا

وهذا شعر قوي، وعكس جلي، لفظاً ومعنىً‏.‏

وفي ليلة الجمعة الحادي والعشرين من صفر عملت خيمة حافلة بالمارستان الدقاقي جوار الجامع، سبب تكامل تجديده قريب السقف مبنياً باللبن، حتى قناطره الأربع بالحجارة البلق، وجعل في أعاليه قمريات كبار مضيئة، وفتق في قبلته إيواناً حسناً زاد في أعماقه أضعاف ما كان، وبيضه جميعه بالجص الحسن المليح‏.‏

وجددت فيه خزائن ومصالح، وفرش ولحف جدد، وأشياء حسنة، فأثابه الله وأحسن جزاءه آمين، وحضر الخيمة جماعات من الناس من الخواص والعوام، ولما كانت الجمعة الأخرى دخله نائب السلطنة بعد الصلاة فأعجبه ما شاهده من العمارات، وأخبره بما كانت عليه حاله قبل هذه العمارة، فاستجاد ذلك من صنيع الناظر‏.‏

وفي أول ربيع الآخر قدم قاضي القضاة تاج الدين السبكي من الديار المصرية على قضاء الشام عوداً على بدء يوم الثلاثاء رابع عشره فبدأ بالسلام على نائب السلطنة بدار السعادة‏.‏

ثم ذهب إلى دار الأمير علي بالقصاعين فسلم عليه، ثم جاء إلى العادلية قبل الزوال، ثم جاءه الناس من الخاص والعام يسلمون عليه ويهنونه بالعود، وهو يتودد ويترحب بهم‏.‏

ثم لما كان صبح يوم الخميس سادس عشره لبس الخلعة بدار السعادة ثم جاء في أبهة هائلة لابسها إلى العادلية فقرئ تقليده بها بحضرة القضاة والأعيان وهنأه الناس والشعراء والمداح‏.‏

وأخبر قاضي القضاة تاج الدين بموت حسين بن الملك الناصر، ولم يكن بقي من بنيه لصلبه سواه، ففرح بذلك كثير من الأمراء وكبار الدولة، لما كان فيه من حدة وارتكاب أمور منكرة‏.‏

وأخبر بموت القاضي فخر الدين سليمان بن القاضي عماد الدين بن الشيرجي، وقد كان اتفق له من الأمر أنه قلد حسبة دمشق عوضاً عن أبيه، نزل له عنها باختياره لكبره وضعفه‏.‏ ‏(‏ج/ص‏:‏ 14/341‏)‏

وخلع عليه بالديار المصرية، ولم يبق إلا أن يركب على البريد فتمرض يوماً وثانياً وتوفي إلى رحمة الله تعالى، فتألم والده بسبب ذلك تألماً عظيماً، وعزاه الناس فيه ووجدته صابراً محتسباً باكياً مسترجعاً موجعاً انتهى‏.‏




 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق