إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 3 فبراير 2016

1720 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الرابع عشر بعد المئة الحرف حرف الجلد


1720

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
 
الفصل الرابع عشر بعد المئة

الحرف

حرف الجلد

والدباغة حرفة مهمة اشتهرت بها أماكن متعددة من جزيرة العرب، ولا سيما بعض القرى والمدن مثل الطائف وجرش مواضع متعددة في اليمن وفي العربية الجنوبية. وهي صناعة تقوم على أساس اصلاح الجلد وإبعاد الصوف والشعر عنه، للاستفادة منه في أغراض نافعة. وقد استخدم الدباغون موادَّ مساعدة تعين على نتف الصوف والشعر من الجلد بسهولة، وبدون أذى له أو للجلد، مثل مادة الجير أو مواد أخرى، كما استخدموا مواد تساعد على حفظ الجلد ومنعه من التلف لدبغه، مثل العفص وغيره من مواد نباتية دابغة. وقد أنف كثير من الناس من هذه الصناعة وتجنبوها، لما ينشأ عنها من روائح كريهة ولاستعمال الدباغين بها مواد تعدّ نجسة في نظر بعض الأديان. كلما منعوا إقامة المدابغ في الأماكن المأهولة المعمورة، وحرصوا على عزلها وحصرها في الاماكن البعيدة عن أحياء السكنى ولا سيما سكنى الطبقات المتنفذة الغنية.

ويقوم الدباغون ببيع ما يدبغونه من التجار. وقد يحمل إلى أسواق بعيدة لاستخدام، في أغراض عديدة، كتحويله إلى قرب يخزن فيها الماء أو يحمل أو أوعية تحفظ فبها الخمور والسمن والسويق والطيب أو أحذية و سيور وغير ذلك من الحاجات. وقد يحوّ له الدباغون أنفسهم إلى هذه الاشياء المذكورة. كما تخصص أناس بحرف تحويل الجلود إلى مواد نافعة يستعملها الإنسان في حياته اليومية، كالمواد المتقدمة والدلاء وأمثال ذلك من أدوات.

والقرب في ذلك الوقت مهمة برداً في حياة الإنسان.فقد كانت مخازن متحركة يخزن فيها أشياء كثيرة ضرورية. فكانت أوعية لحمل الماء في الحضر وفي السفر كما كانت الأوعية الرئيسية لحفظ الخمور والانبذة والزيوت والدهون والشحوم والدبس والمواد الغذائية الأخرى.يحتاج إليها ألاعرابي في حله وفي ترحاله والحضري في مستقره وفي سفره.كان المصريون واليونان والعبرانيون يحفظون الخمور والانبذة في أوعية القرب.وقد أشار الى ذلك بعض الكتبة القدماء. ويعالج اهاب القرب معالجه خاصة ليعطي الشراب نكهة طيبة، ولئلا يتأثر الشراب من رائحة الجلد.

وذكر علماء اللغة أن "القربة" الوطب من اللبن، وقيل هي المخروزة من جانب واحد.

وأما "الجرِاب" فوعاء من اهاب الشاء لا يروعى فيها إلا يابس.فهو وعاء من الجلد إذن خصص لحفظ الاشياء الجافة كالدقيق وما أشبه لحفظه. كما يقال لوعاء الزاد ، المزود.

وتدخل المصارين، وهي أمعاء الحيوانات المذبوحة، في جملة الاعمال التي يقوم بها الدباغون، اذ يتعهدونها بالرعاية والعناية والاصلاح، فينظفونها مما بها من أوساخ وبصلحونها ويعالجونها، ثم يبيعونها من التجار أو يحوّلونها إلى مواد نافعة مفيدة، مثل اتخاذها أوتاراً لآلات موسيقية أو للاقواس لرمي السهام، أي لأغراض حربية. وكلما كانت العناية شديدة بمعالجة هذه الأمعاء، كانت الأوتار ذات قابلية كبيرة على الشد والتوتر، وبذلك يكون مجال رمي السهام بالأقواس كبيراً، وفائدة القوس في القتال عظيمة. وقد كان القواسون أي الرماة بالقوس، قوة ذات أهمية في مصير حرب ما في ذلك العهد.

وتدخل الجلود في أغراض حربية كذلك. فقد استخدمت لحماية الجسم من ضربات إلسيوف ومن تساقط السهام عليه، كما استخدمت في صنع الدروع والخوذ الواقية للرأس، وفي حماية الدبابات والمنجنيقات بتغليفها بجلود ثخينة مقاومة، وتعالج بمواد خاصة أمام تساقط النار أو الماء الحار أو الزيوت ألساخنة عليها، وقد تعمل ستائر منها يحتمي الجنود المشغلون لها تحتها من المواد المقذوفة عليهم. وهناك استعمالات أخرى للجلود أدت للجيوش خدمات كبرى في الحروب، فالقرب، مادة ضرورية في الحرب، لأنها أوعية ومخازن للماء، والماء مادة ضرورية للانتصار في الحروب. و الراوية وهي المزادة من ثلاثة جلود، هي مادة ضرورية في الحرب وفي غير الحرب لما تحمله من ماء، وصنعت الدرق من الجلود، وهي الحجفة تتخذ من جلود ليس فيها خشب ولها عقب. ويراد بالجحفة التروس من جلود خاصة، وقيل من جلود الابل مقورة بلا خشب ولا عقب. وقد كانت معروفة عند الاحباش خاصة. ويراد بالتروس كل الاسلحة التي يتوقى المحارب بها. والتراسة صنعة التروس، واما الصانع، فهو التراس.

وتفرغ اناس لاحتراف انواع خاصة من اعمال الجلود، فصرف بعضهم نفسه الى صناعة القرب والدلاء وادوات السقي، وتخصص قوم بعمل السروج ونحوها من الادوات التس تستعمل في الحيوان مثل اللجام و "الرسن"، كما تخصص اخرون بصنع الأحذية. وذكر بعض العلماء أن بعض هذه الأدوات المصنوعة مثل "الرسن". هي من الألفاظ المعربة وان "الرسن" لفظْة فارسية الأصل، وقد عربت في الجاهلية. وتصنع "القباب"، من الأدم خاصة. وقد تكون كبيرة، ولكنها ذات أحجام مختلفة.

ومن الأدوات المصنوعة من الجلد "الجلبان"، وهي شبه جراب من الأسم، يوضع فيه السيف مغموداً، ويطرح فيه الراكب سوطه وأداته، ويعلقه بآخر الرحل وواسطته. والغرز وهو ركاب الرحل الذي تركب به الابل، ويصنع من الجلد. فإذا كان من خشب أو حديد فهو ركاب. والسقاء وهو ظرف الماء إذا كان من جلده،ويكون في الغالب من جلد رقيق. والركوة دلو صغير يشرب فيه، ويسطحب في الأسفار. والكنانة وهي الجعبة التي يكون فيها النشاب، والقفاز ويعمل لليدين وقد يحشى بالقطن وتكون له أزرار يزرّ بها على الساعدين من البرد.وقد كان يستعمله النساء. وأما "الأرندج" و "اليرندج" فذكر الجواليقي أنها لفظة معربة، وأن أصلها "رندة"، وهي كلمة فارسية، ويراد بها الجلد الأسود المدبوغ بالعفص حتى يسود. وقد وردت لفظة "أرندج" في شعر منسوب إلى الأعشى.

وتصنع الهمايين من الجلود أيضاً. وقد اشتهرت همايين عجر. واللفظة من الألفاظ المعربة عن الفارسية. ويراد بالهميان الكيسُ تجعل فيه النفقة ويشد على الوسط.

وتحلى الجاهليون بحلي مصنوعة من الجلد أيضاً. ومن هذه الحلي الجمانة: وهي سفينة من أدم ينسج، وفيها خرز من كل لون، تتوشحه المرأة.

ويصنع الخوان من الجلد في بعض الأحيان، ويراد به ما يؤكل عليه الطعام، وهو من الألفاظ المعربة. وأما الصفن، فخريطة الراعي، يكون فيها طعامه وزاده وما يحتاج اليه. وقيل: هو مثل الركوة.

و "العياب"، هي أوعية من الأدم، ويقال للواحد منها "عيبة"، يوضع فيها المتاع والثياب، وتطلق أيضاً على الزبيل الذي ينقل فيه الزرع المحصود إلى الجرين. و "الشن" الوعاء المعمول من أدم، فإذا يبس فهو شن. وفي المثل: "وافق شن طبقه". يضرب لكل اثنين أو اًمرين جمعتهما حالة واحدة اتصف بها كل منهما، وهناك قصص عن أصل هذا المثلْ.

واستعمل النصارى واليهود "الزنار"، يشدونه في وسطهم على القميص أو الثوب أو المسوح الذي يلبسونه، ويتدلى أحد طرفيه إلى قريب من القدمين. ويصنع من الجلد أو الحرير أو القطن أو الوبر أو شعر الماعز. وقد يشد على الوسط عدة مرات. وقد يوضع فيه محل لحفظ منديل فيه، أو محبرة وحبر إذا كان صاحبه من الرهبان أو الكتاب، وقد يوضع خنجر أو سلاح حاد فيه. وهو يشبه في فائدته الحزام فيَ الوقت الحاضر. واذا اشتغل الفلاح أو الأعرابي أو غيرهما بعمل ما رفع الطرف الأسفل من قميصه إلى الزنار أو الحزام، ليسهل عيه العمل، وقد يضع في عبه أي القسم الواقع فوق الزناد من جهة الصدر أشياء عديدة يحملها معه مثل خبزه وطعامه أو نقوده أو أشياء أخرى يحتاج إليها فيَ ترحاله.

وقد كان الجاهليون يستفيدون من جلود السمك أيضًاً، يصنعون منها أشياء متعددة. فالسفن مثلاً وهو جلد الأطوم، وهي سمكة في البحر ذات جلد خشن يستخرج منه السياط والسهام، ويكون على قوائم السيوف.

واستخدم الجاهليون كذلك فراء مختلف الحيوانات في الأيام الباردة، ومن أنواع الفراء نوع يدعى "سبنجونة"، وهي من جلود الثعالب، وهي من الألفاظ المعربة، ونوع اخر يدعى "الفنك"، وقد ذكر بعض علماء اللغة أن الفنك دابة يفترى جلدها، وذكر أيضاً إن الفنك جلد يلبس.

ومن أنواع الفراء "المساتق" وواحدتها "المسُتُقة". وقد ورد ذكرها في كتب الحديث، جيث قيل إن الرسول كان يلبس "مستقة"، كما ذكر أن عمر كام يصلي وعليه "مستقة". وذكر الجواليقي انها لفظة معربة عن الفارسية، وانها ! مشته". بالفارسية. وقيل: انها فراء طوال الأكمام، وذكر انها جبة واسعةْ.

ويقوم صانع ألأحذية بصنع الأحذية، مثل النعال والخف "والقفش، أو "الكفش" ويراد به الخف أو الخف القصير، واللفظة من الألفاظ المعربة عن الفارسية. ومن أنواع النعال، النعال السبتية التي لا شعر لها، وتصنع من جلود البقر المدبوغة بالقرظ. و "السبت" كل جلد مدبوغ أو المدبوغ بالقرظ، ومنه تصنع النعال السبتية.

ويقال للخف "الموزج" أيضاً، وقد ذكر الاسم في كتب الحديث وكذلك "الموق". وذكر أن "الموق الخف الغليط يلبس فوق الخف". وقد ذكر الجواليقي أن أصل الموزج فارسي هو "موزه" "موزجان" وأدخل الموق أيضاً في باب المعربات. والجمع "أمواق"، ويظهَر من بيت شعر ل "النمر بن ثولب"، أن العباديين، وهم نصارى الحيرة كانوا يمشون بالأسواق. وهناك نوع أخر من أنواع الخفاف، يقال لها "القسوبية" و "القساب"، و "النعل" هو لباس الرجل المستعمل عند الجاهليين وعند الساميين. وهو "نعلم" أي "نعل" في العبرانية. ولا يزال النعل مستعملاً حتى اليوم. يستعمل في البيت وفي خارجه، وهو يحمي باطن القدمين من حر الأرض في الصيف ومن الحجارة والمواد المؤذية التي تكون على وجه الأرض. وقد يستعمل نعلاً من خشب،يستعمله أهل القرى وأهل المدن في البيوت. والعرب تمدح برقة النعال وتجعلها من لباس الملوك، وتقدم النعال على سائر أنواع الأحذية.

ومن أنواع النعال،: "النعال السبتي". وهي المصنوعة من الجلد المدبوغ بالقرظ. وخص بعضهم جلود البقر، مدبوغة كانت أم غير مدبوغة. وقيل نعال سبتية: لا شعر عليها. وذكر انها نعال أهل النعمة والسعة.

وعرفت "حضرموت" بنعالها، فقيل "نعل حضرمي" و "الحضرمي". وعرفت بأنها النعال المخصرة التي تفيق من جانبيها، كأنها ناقصة الخصرينْ. وقد تفنن في تزيين وزخرفة الجلود. فذهّبوها ورسموا عليها صوراً، وضغطوا عليها بالات لابراز بعض الصور عليها. ومن الجلود المذهبة: "المذاهب"، وهي جلود كانت تذهب، تجعل فيها خطوط مذهبة، فيرى بعضها في أثر بعض، فكأنها متتابعة. وقيل سيورتموّه بالذهب.

والجلود التي يستعملها الاسكافي هي: جلود البقر والجمال والغنم والماعز وقد تستعمل جلود الثعابين والسمك إذا كانت كبيرة سميكة، وذلك بعد إصلاحها ودبغها. ويستعمل الإسكافي والنحات الإزميل. وقد ذكر علماء اللغة إن الازميل حديدة تجعل في طرف رمح الصيد لصيد البقز: بقر الوحش. والمطرقة. وهي من الألفاظ المعربة وأصلها "زميلي" "Zmili" في اليونانية.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق