إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 4 فبراير 2016

1783 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الئالث والاربعون بعد المئة الخطابة


1783


( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
    
الفصل الئالث والاربعون بعد المئة

الخطابة

والخطابة وجه آخر من أوجه النشاط الفكري عند الجاهليين. وقد كان للخطيب عندهم، كما يقول أهل الأخبار، مقام كيير للسانه وفصاحته وبيانه وقدرته في الدفاع عن قومه والذب عنهم والتكلم باسمهم، فهو في هذه الأمور مثل الشاعر، لسان القبيلة ووجهها. وقد ذكر اهل الأخبار أسماء جماعة من الخطباء، اشتهروا بقوة بيانهم وبسحر كلامهم، وأوردوا نماذج من خطبهم. ومنهم من اشتهر بنظم الشعر، وعدّ من الفحول، مثل عمرو بن كلثوم.

قال "الجاحظ": "وكان الشاعر أرفع قدراً من الخطيب، وهم إليه أحوج لرده مآثرهم عليهم وتذكرهم بايامهم، فلما كثر الشعراء وكثر الشعر صار الخطيب أعظم قدراً من الشاعر". وذكروا إن الشعراء كانوا في ارفع منزلة عند العرب،وما زال الأمر كذلك حتى أفضى الشعر إلى قوم اتخذوه أداة للتكسب وسعوا به في كل مكان، فوضعوه أمام الملوك والسوقة، سلعة في مقابل ثمن، واستجداءّ لأكف الناس، فانف منه الأشراف وتجنبه السادة، ونبهت الخطابة. وصار للخطيب شان كبير، ارتفع على شأن الشاعر. ولخص "الجاحظ" ذلك بقوله: "كان الشاعر في الجاهلية يقدم على الخطيب، لفرط حاجتهم إلى الشعر الذي يقيد عليهم مآثرهم ويفخم شأنهم، ويهول على عدوهم ومن غزاهم، ويهيبَ من فرسانهم ويخوف من كثرة عددهم، ويهابهم شاعر غيرهم فيراقب شاعرهم. فلما كثر الشعر والشعراء، واتخذوا الشعر مكسبة ورحلوا إلى السوقة، وتسرعوا إلى أعراض الناس، صار الخطيب عندهم فوق الشاعر".

وكانوا يحبون في الخطيب أن يكون جهير الصوت، ويذمون الضئيل الصوت وأن يكون مؤثراً شديد التاًثر في نفوس سامعيه حتى يسحرهم وياخذ باًلبابهم. وكانوا يجعلون مثل هؤلاء الخطباء ألسنتهم الناطقة إذا تفاخروا أو حضروا المجالس أو تفاوضوا في أمر، أو أرادوا تأجيج نيران الحروب، أو عقد صلح، أو البت في أي أمر جلل. ولذلك صارت الخطابة من امارات المنزلة والمكانة، فصارت في ساداتهم وأشرافهم الذين يتكلمون باسمهم في المحافل والمجامع العظام.

وقد ذكر "الجاحظ"، أن حمل العصا المخصرة دليل على التأهب للخطبة.والتهيؤ للاطناب والإطالة، و ذلك شيء خاص فيّ خطباء العرب، ومقصور عليهم، ومنسوب اليهم. حتى انهم ليذهبون في حوائجهم والمخاصر بأيدهم، إلفاً لها، وتوقعاً لبعض ما يوجب حملها: والإشارة بها". ولا يخطب أحدهم الا وعنده عصاً أو مخصرة.، جرى على ذلك عرفهم حتى في الإسلام. "قال عبد الملك ابن مروان: لو ألقيت الخيزرانة من يدي لذهب شطر كلامي"، وأراد معاوية سحبان وائل على الكلام، فلم ينطق حتى أتوه بمخصرة. وكانوا يعتمدون على الأرض بالقسي، ويشيرون بالعصا والقنا، ومنهم من يأخذ المخصرة في خطب السلم، والقسي في الخطب عند الخطوب والحروب. وذكر أن من عوائدهم أن يكون الخطيب على زيّ مخصوص في العمامة واللباس. وان يخطب الخطيب وعلى رأسه عمامة، علامة المكانة والمنزلة عند الجاهليين. وذكر أيضاً أن من عوائدهم ألا يخطب الخطيب وهو قائد إلا في خطبة النكاح. كما ذكر أن منهم من كان و يخطب وهو على راحلته. وذكر "الجاحظ" أن الشعوبية طعنت على "أخذ العرب في خطبها المخرة والقناة والقضيب، والاتكاء والاعاد على القوس، والخد" من الأرض، والإشارة بالقضيب". وذكر أن من المستحسن في الخطيب أن يكون جهوري الصوت، قليل التلفت، نظيف البزة، وأن يخطب قائماًعلى نشز من الأرض، أو على راحلته، وأن يحتجز عمامته، ويكمل هذه الخصال شرف الأصل وصدق اللهجة.

وقد كان بين الخطباء من كان يقول الشعر بالإضافة إلى علو شانه بالنثر. غير إن العادة، إن الشعراء لم يبلغوا في الخطابة مبلغ الخطباء، وأن الخطباء دون الشعراء في الشعر. "ومن يجمع الشعر والخطابة قليل". ومن الشعراء الخطباء: "عمرو بن كلثوم" التغلبي، و "زهير بن جناب"، و "لبيد"، و "عامر ابن الظرب العدواني".

وذكر "الجاحط" إن العرب استعملت الموزون، والمقفى، والمنثور في مساجلة الخصرم، والرجز، في الأعمال التي تحتاج إلى تنشيط وبعث همة، وعند مجاثاة الخصم، وساعة المشاولة، وفي نفس المجادلة والمحاورة، واستعملت الأسجاع عند المنافرة والمفاخرة، واستعملت المنثور في الأغراض الأخرىّ، وقال أيضاً: "وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال، وكاًنه إلهام، وليمست هناك معاناة ولا مكابدة ولا إجالة فكرة ولا استعانة، وانما هو أن يصرف وهمه إلى جملة المذهب، والى العمود الذي إليه يقصد، فتأتيه المعاني أرسالاّ،وتنثال عليه الألفاظ انثيالاً، ثم لا يقيده على نفسه، ولا يدرسه أحد من ولده. وكانوا اميين لا يكتون، ومطبوعين لا يتكلفون، وكان الكلام الجيد عندهم أظهر وأكثر، وهم عليه أقدر، وله أقهر، وكل واحد في نفسه أنطق، ومكانه من البيان أرفع، وخطباؤهم للكلام أوجد، والكلامّ عليهم أسهل، وهو عليهم أيسر من أن يفتقروا إلى تحفظ، ويحتاجوا إلى تدارس، وليس هم كمن حفظ علم غيره، واحتذى على كلام من كان قبله، فلم يخطوا إلا ما علق بقلوبهم، والتحم بصدورهم، واتصل بعقولهم، من غير تكلف ولا قصد، ولا تحفظ ولاطلب "ويظهر إن من الخطباء من استعمل السجع في خطبه، ولا سيما في المفاخرات والمنافرات وأمور التحكيم، وهو في الغالب. ومنهم من كان يستعمل الكلام المرسل و ذلك في الأمور الأخرى، ولغلبة السجع على الخطب، قال بعض علماء اللغة: "الخطبة عند العرب: الكلام المتثور المسجع ونحوه.

وقسم "الجاحظ" الخطب على ضربين، فقال: "اعلم إن جميع خطب العرب من أهل المدر والوبر والبدو والحضر على ضربين، منها الطوال، ومنها القصار،ولكل ذلك مكان يليق به، وموضع يحسن فيه. ومن الطوال ما يكون مستوياً في الجودة، ومتشاكلأ في استواء الصنعة، ومنها ذات الفقر الحسان والنتف الجياد. وليس فيها بعد ذلك شيء يستحق الحفظ، وإنما حفظًه التخليد في بطون الصحف. ووجدنا عدد القصار أكثر، ورواة العلم إلى حفظها أسرع" وقد اقتضى النظام الاجتماعي والسياسي في الجاهلية أن يقيم العرب للخطابة وزناً خاصاً في المفاوضات التي تكون في داخل القبيلة للنظر في أمورها وفي شؤونها الخاصة بها في أيام السلم وفي أوقات الغزو والغارات، في حالتي الهجوم والدفاع. وأقاموا لها وزناً خاصاً بالمناسبة للمفاوضات التي جرت بين القبائل، أو بين القبائل والملوك. ثم في الفاخرات وفي المنافرات. فكل هذه الأمور وأشباهها استدعت ظهور أناس بلغاء اعتمدوا على حسن تصرفهم في تنظيم الكلم وفي تنسيق الجمل وفي التلاعب بالألفاظ للتأثير على القلوب والأخذ بمجامع الألباب. فرب كلمة كانت تقيم قبيلة وتقعدها لتلاعب الخطيب بقلبها بسحر بيانه وفي كيفية اختيار ألفاظه واستخدامه مواضع الإثارة التي يعرف أنها ستثير النار الدفينة في أفئدة سامعيه.

ولهذا كانوا لا يختارون لمن يتكلم باسم قومه إلاّ من عرف بسحر لسانه وقوة بيانه،ليتمكن بما وهب من مرونة وتفنن في كلامه من التغلب على خصمه وافحامه، ولما مات "أبو دليجة" "فضالة بن كلدة" رثاه "أوس بن حجر" بكلمة مؤثرة تعبر عن مبلغ شعوره وشعور قومه للفاجعة الأليمة التي جعلت قوم الخطيب فى لبس وبلبال، لعدم وجود من سيحل محله في الدفاع عنهم، اذ حفلوا لدى الملوك، فيقول: ابا دليجة من يكفي العـشـيرة إذ  أمسوا من الخطب في لبس وبلبال

أم من يكون خطيب القومِ إذحفلوا  لدى الملوك ذوي أيد وافـضـال

وندخل في الخطباء جماعة عرفت بإلقاء المواعظ والنصائح في أمور الدين والأخلاق والسلوك وفي التفكير، وهم قوم تأثروا بالمؤثرات الثقافية التي كانت في أيامهم بجب وجود اليهود والنصارى بينهم،وبسبب اتصالهم بالرهبان والمبشرين في داخل جزيرة العرب وفي خارجها، فأخذوا يحثون قومهم على التعقل والتامل والتفكر في أمور دينهم ودنياهم، وترك ما هم عليه من عبادة الأصنام والتقرب إلى الأوثان، وهي حجارة صلبة، أو من خشب أو معدن لا يسمع ولا يجيب. وينسب اليهم، انهم كانوا على دين ابراهيم،على ألسنة العربية الأولى دين الفطرة دين التوحيد. وينسب اليهم أيضاً، انهم كانوا يقرأون ويكتيون، لا بالعربية وحدها، بل بالعبرانية والسريانية أيضاً، وانهم كانوا يتدارسون التوراة والانجيل وكتب الأنبياء، إلى غير ذلك من دعاوى قد تكون وضعت عليهم. وهم قوم سبق أن تحدثت عنهم، وقلت عنهم انهم الأحناف.

.واذا درسنا الأغراض التي توخاها أهل الجاهلية من الخطابة، نجدها تكاد تتجمع في الأمور الاتية: التحريض، على القتال،وإصلاح ذات الببن، ولمّ شعث، لكثرة ما كان يقع بينهم من تافر وتشاحن، ثم السفارات إلى القبائل أو الملوك، لأغراض مختلفة، مثل التهنثة والتعزية، أو طلب حاجة، وحلء معضل، أو انهاء خصومة، ثم الجلوس لحل الديات وانهاء نيران الثأر، ثم التفاخر والتنافر والتباهي بالأحساب والأنساب والمآثر والجاه والمال، ثم في الوفادات حيث تقتضي المناسبة إلقاء الخطب، أو في الحث على التعقل والتفكر وتغير رأي فاسد، كما في خطب قس بن ساعدة الإيادي وفي خطب الأحناف، ثم في المناسبات الأخرى مئل تعداد مناقب ميت، أو خطب الإملاك وما إلى ذلك، ومن اشهر الطخب المنسوبة إلى الجاهليين، الخطب التي زعم إن "أكثم بن صيفي"، و "حاجب بن زرارة"، وما من "تميم"، و "الحارث بن ظالم"، و "قيس بن مسعود"، وهما من "بكر"، و "خالد بن جفر"، و "علقمة بن علاثة"، و "عامر بن الطفيل" من "بني عامر"، قالوها في مجلس كسرى، يوم أرسلهم "النعمان بن المنذر" إليه، ليريه درجة فصاحة العرب ومبلغ بيانهم وعقلهم، مما اثار إعجاب "كسرى" بهم، حتى عجز عن تفضيل أحدهم على الآخر، مما جعله يقر ويعترف بذكاء العرب وبقوة بيانهم وبقوة عقلهم، فقدرهم لذلك حق قدرهم وأكرمهم. وهي خطب مصنوعة موضوعة، قد تكون من وضع جماعة أرادت بها الرد على الشعوبين الذين كانوا ينتقصون من قدر العرب، ومن لسان العرب، ومن دعوى الإعجاز في لغتهم، فصنعت هذا المجلس، وعملت تلك المحاورة والخطب في الرد عليهم،وهي تتناول صميم ذلك الجدل.

وأكثر ما نسب إلى زيد وأمثاله من الأحناف مختلق، وضع عليهم فيما بعد. وأكثر ما ورد عنهم في شرح حياتهم هو من هذا النوع الذي يحتاج إلى إثبات. وقد ذكر أهل الأخبار أسماء نفر من الجاهليين قالوا عنهم إنهم كانوا من خطباء الجاهلية المشهورين المعروفين، وقد أدخلوا بعضهم في المعمرين. والمعُمرَّ في عرفهم من بلغ عشرين ومئة سنة" فصاعدأ، وإلاّ، لم يعدوه من المعمرين. وعلى رأس من ذكروا دويد بن زيد بن نهد بن ليث بن أسود بن أسلم الحميري"، فهو إذن من حمير. وقد ذكر أنه عاش أربع مئة سنة وستاً وخمسين سنة، ونسبوا إليه وصية أوصى بها بنيه. ولكنهم لم يذكروا متى عاش، وفي أي زمان مات، وكيف أوصى بنيه بهذه اللهجة الحجازية، لهجة القرآن الكرم، وهو من حمير، وحمير لها لسانها وكتابتها -وذكر أهل! الأخبار اسم "سر بن جناب بن هبل" في ضمن المشهورين في قو ة البيلن والفصاحة والمنطق عند الجاهليين، ويذكرون أنه كان على عهد "كليب ابن وائل"، وانه كان لسداد رأيه كاهناً، ولم تجتمع قضاعة إلا عليه وعلى "رزاح بن ربيعة"، وقالوا إنه: "كان سيد قومه وشريفهم، وخطيبهم، وشاعرهم، وأوفدهم إلى الملوك، وطبيبهم، وحازي قومه، وفارس قومه، وله البيت فيهم والعدد منهم". وقد ذكروا له وصية أوصى بها بنيه، وأبيات شعر، زعموا أنه نظعها.

وذكروا أيضاً "مرثد الخر بن ينكف بن نوف بن معديكرب بن مضحى"، زعموا أنه كان قيلا حدباً على عشيرته،محباً لصلاحهم. وكان من أفصح الفصحاء وأخطب الخطباء، وزعموا أيضاً انه أصلح بين القيلين: "سبيع بن الحرث" و ميثم، بن مثوب بن ذي رعين"، وأوردوا ما دار بينهم من نقاش وحوار ضبطوه وسجلوه، حتى لكأن كاتب ضبط كان حاضراً بينهم كلفَ تسجيل محضر ذلك الحديث.

وعد "الحارث بن كعب الذحجي" من هذه الطبقة البليغة التي اشتهرت بسحر البيان. وقد زعم أهل الأخبار"أنه كان على دين "شعيب" النبيّ، وهو دين لم يكن قد دخل فيه غيره وغير "أسد بن خزيمة" و "تميم بن مرّ". وقد ذكروا له وصيةّ لأبنائه، أوصاهم بها حين شعر بدنو أجله، بعد أن عاش على زعمهم ستين ومئة سنة.

ولم يذكر أهل الأخبار شيئاً عن هذا الدين، دين شعيب. وليس في الوصية المنسوبة إليه ما يميزه عن غيره من الخطباء، مثل قس بن ساعدة الايادي أو غيره من المتالهين الرافضبن لعبادة الأوثان.

وعدّ علمء الأخبار كعب بن لؤي في جملة الخطباء القدماء، وذكروا انه كان يخطب على العرب عامة، ويحض كنانة على البر وكان رجلا طيباً خيراً، فلما مات، أكبروا موته، فلم تزل كنانة تؤرخ بموت كعب بن لؤي إلى عام الفيل.

وكان ابن عمار عمرو بن عمار الطائي خطيب مذحج كلها، وكان شاعراً كذلك، فبلغ النعمان حسن حديثه، فاستدعاه، وحمله على منادمته. وكان النعمان أحمر العينين والجلد والشعر، وكان شديد العربدة، قتالا للندماء، فنهاه ابو قردودة الطائي عن منادمته، ولكنه لم ينته، فلما قتله النعمان، رثاه ابو قرلودة، وهجا النعمان.

وعدّوا "عبد المطلب" في جملة خطباء قريش، الذين كانوا يخطبون في الملمات وفي الأمور العظيمة، وكان وافد أهل مكه على ملوك اليمن، فإذا مات ملك منهم، أو تولى ملك منهم العرش، ذهب إلى اليمن معزياً ومهنئاً. فهو خطيب القوم اذن.

ومن خطباء "غطفان" في الجاهلية: "خويلد بن عمرو"، و "العُشَراء بن جابر" من "بني فزارة"، وخويلد خطيب يوم الفجار.

وأما بقية من ذكر أهل الأخبار من خطباء الجاهلية، فهم: "أبوالطمحان القيني"، واسمه حنظلة بن الشرقي من "بني كنانة بن القين"، و "ذو الاصبع العدواني" وهو من حكام العرب كذللث، و "أوس بن حارثة"، و "أكيم ابن صيفي التميمي"، وهو من حكام العرب أيضاً. وقد ذكر إن "يزيد بن المهلب" كان يسلك طريقته في خطبه ووصاياه، و "عمرو بن كلثوم"، وهو من الخطباء الشعراء البارزين في الفنين. وقد ذكروا له خطبة نصح ووصية ذكروا انه أوس بها بنيه، في الأدب والسلوك، و "نعيم بن ثعلبة الكناني"، وكان ناسثاً، ينسىء الشهور، وقيل: انه أول من نساًها. وكان يخطب في الموسم، و "أبو سيّارة العدواني"، واسمه "عميلة بن خالد الأعزل" و "الحارث بن ذبيان بن لجأ بن منهب اليماني وفي الملمات والأوقات العصيبة وفي الوفدات على الملوكُ نحتار خيرة الخطباء المتكلمين المعروفين بأصالة الرأي وبسرعة البديهة والجواب، ليبيضوا الأوجه، ويؤدوا المهمة على أحسن وجه. ولما قدم النعمان بن المنذر الحيرة، بعد زيارته لكسرى،وتفاخره عنده بقومه العرب،وفي نفسه ما فيهامماسمع من كسرى من تنقص العرب وتهجين امرهم، بعث إلى أكثم بن صيفي وحاجب بن زرارة التميميبن، والى الحارث بن عباد "الحارث بن ظالم"، وقيس بن مسعود البكريين، والى خالد بن جعفر وعلقمة بن علاثة، وعامر بن الطفيل العامريين، والى عمرو بن الشريد السلمي، وعمرو بن معديكرب الزبيدي، والحارث بن ظالم المريّ، وهم خيرة من عرفهم في أيامه بالأصالة في الرأي وبقوة البيان، وطلب منهم الذهاب إلى كسرى والتكلم معه، ليعرف عقل العرب وصفاء ذهنها. فذهبوا وتكلموا، فاًعجب بهم، وقدرهم حق تقدير.

وذكرعن حاجب بن زرارة: أنه وفد على كسرى لما منع تيمماً من ريف العراق، فاستأذن عليه، وتحدث معه، فأرضاه، واذن عندئذ لتميم أن يدخلوا الريف. وقد وفد ابنه عُطارد على كسرى أيضاً بعد وفاة والده.

وأدرك "الربيع بن ضبيع الفزاري" الإسلام كذلك، ويذكر أهل الأخبارانه أدرك أيام عبد الملك بن مروان. وإذا كان هذا صحيحاً، فيجب أن يكون قد عاش معظم ايامه في الإسلام. أما في الجاهلية، فقد كان طفلاً، أو شاباً، وإن ذكر أهل الأخبار أنه كان من المعمرين.

ومن الخطباء عطارد بن حاجب بن زرارة، وقد خطب أمام الرسول، ومن خطباء غطفان في الجاهلية: خويلد بن عمرو، والعشراء بن جاير بن عقبل. وكان الأسود بن كعب، المعروف بالكذاب العنسي، الذي ادعى النبوة من الخطباء كذلك.

وذكر أهل الأخبار اسم: "قيس بن عامر بن الظرب"، و "غيلان بن سلمة الثقفي" في جملة حكام العرب. وذكروا انه كان قد خصص يوماً له يحكم فيه بين الناس، ويوماً ينشد فيه شعره. وذكووا من حكام قريش عبد المطلب، وهاشم بن عبد مناف، وأبا طالب والعاص بن وائل.

وعدّوا "قيس بن زهير العبسي" من خطباء الجاهلية المعروفين، وقدذكروا عنه انه جاور "النمر بن قاسط" بعد "يوم الهباء ة" وتزوج منهم. ثم رحل عنهم إلى "غمار"، فتنصر بها، وعف عن المأ كل، حتى أكل الحنظل إلى إن مات. وله امثلة مذكورة في كتب الأمثال. وقيل فيه: "أدهى من قيس بن زهر"، ومن أقواله: "أربعة لا يطاقون: عبد ملك، ونذل شبع، وأمة ورثت، وقبيحهَ تزوجت"، وله امثال عديدة. وذكر انه طرد إبلاَ لبني زياد، وباعها من عبدالله بن جدعان، وقال في ذلك شعراً.

وأما "سحبان بن زفر بن اياس" المعروف ب "سحبان بن وائل الباهلي"، فإنه خطيب ضرب به المثل في الفصاحة فيقال: "اخطب من سحبان وائل"، و "أفضح من سحبان وائل"، و "أنطق من سحبان"، و "أبلغ من سحبان"، لمن يريدون مدحه واعطاءه صفة البيان. وذكر أنه عاش في الجاهلية وعاش في الإسلام حتى أدرك أيام معاوية، وقد عرف بخطبته "الشوهاء"، قيل لهاذلك لحسنها. و ذلك انه خطب بها عند معاوية فلم ينشد شاعر ولم يخطب خطيب. "وكان إذا خطب لم يعد حرفاً ولم يتلعثم، ولم يتوقف، ولم يتفكر بل كان يسيل سيلا" وقد ورد انه توفي سنة "54".

ذكر انه دخل على معاوية وعنده خطباء القبائل، فلما رأوه خرجوا، لعلمهم. بقصورهم عنه، فقال: لقد علم الحي اليمانيون انني  إذا قلت أما بعد اني خطيبها

فقال له معاوية: أخطب، فطلب عصا، فلما أحضرت له خطب جملة ساعات، فقال له معاوية: أنتَ أخطب العرب، قال: أو العرب وحدها، بل أخطبُ الجن والانسْ، وقد اشتهرت إياد وتميم بالخطابة وبشدة عارضة خطبائها وبقوة بيانهم، وقد ذكر إن معاوية ذكر تميماً، فقال: "لقد اوتيت تميم الحكمة، مع رقة حواشي الكلم". وهناك قبائل أخرى أخرجت خطباء مشهورين، نسبت اليهم خطب بليغة. وقد يكون من الأعمال المفيدة النافعة، وضع دراسة خاصة بعدد الخطباء الذين نبغوا في القبائل، وبدراسة خطبهم، وبمساكن أولئك الخطباء ومهاجر قبائلهم، فإن دراسة علمية مثل هذه تعيننا كثيراً على الوقوف على تطور هذه اللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، والقبائل التي تكلمت بها سليقة وطبعاً.

وذكر "الجاحظ" أن شاًن "عبد القيس" عجب، "و ذلك أنهم بعد محاربة إياد تفرقوا فرقتين: ففرقة وقعت في عمان وشق عمان، وهم خطباء العرب، وفرقة وقعت إلى البحرين، وهم من أشعر قبيل في العرب، ولم يكونوا كذلك حين كانوا في سرة البادية وفي معدن الفصاحة. وهذا عجب"،. وذكر "الجاحظ" أن "معاوية" كان يعجب من فصاحة "عبد القيس"، ولما اجتمع ب "صحار ابن العباس" "صحار بن العياش"، المعروف ب "صحار العبدي"، عجب من بلاغته وفصاحته، فقال له، ما هذه البلاغة فيكم ? قال: ضيء بختلج في صدورنا، فنقذفه كما يقذف البحر بزبده. قال: فما البلاغة ? قال: أن تقول فلا تبطىء، وتصيب فلا تخطىء. وورد في "كتاب الحيوان"، للجاحظ،أنه قال له: "ما الإيجاز ? قاله: أن تجيب فلا تبطىء، وتقول فلا تخلىء".

وله كلام فيما يجب أن يقال عند تذكر الاحسان،. وكان نسابة، وله مع "دغفل" النسابة محاورات. وقد ذكر "ابن النديم"، أن له من الكتب: "كتاب الأمثال"، وقد أشاد "الجاحظ" بعلمه في الأنساب، وذكره فيمن ذكر ممن ألف في كتب النسب، من أمثال "ابن الكلبي"، و "الشرقي بن القطامي"، و "أبي اليقظان"، و "أبي عبيدة"، و "دغفل بن حنظلة" النسابة، و"ابن لسان الحمرة"، و "ابن النطاح اللخمي.

وكان لبني عبد الفيس، اتصال بمكة قبل الإسلام، لهم معها تجارة. يرسلون إليها التمر والملاحف والثياب والتجارة المستوردة من الهند. وقد أشير اليها في خبر إسلام "الأشج": "أشج" عبد القيس، واسمه "المنذر بن عائذ بن الحارث بن المنذر بن النعمان" العبدي. فقد أرسل ابن أخته "عمرو بن عبد القيس.

إلى مكة عام الهجرة، ومعه تجارة من تمر وملاحف، فلقيه النبي، وهداه إلى الإسلام، وكان مثل قومه نصرانياً، فاًسلم، وتعلم سورة الحمد واقرأ باسم ربك، فلما باع تجارته وعاد، أخبر خاله "الأشج" بإسلامه، فأسلم وكتم إسلامه حيناً، فلما كان عام الفتح، خرج مع وفد من أهل "هجر" وعبد القيس، وصل المدينة، وقابل الرسول، وأعلنوا إسلامهم، فقسموا بلادهم، وحوّ لوا "الببعة"مسجداً.

وممن اشتهر من "بتي عبد القيس" بالخطابة والفصاحة: "صعصعة بن صوحان" العبدي، وأخواه: "سيحان" و "زيد". وقد شهد "صفين" مع "علي"، وكانت له مواقف مع معاوية، وقد مات في خلافته. "وقال الشعبي كنت أتعلم منه الخطب"، وله شعر.

وذكر في أثناء تحدث أهل الأخبلر عن "الردة" وادعاء "لقيط بن مالك" الأزدي النبوة، إن "الحارث بن راشد"، و "صيحان بن صوحان" العبدي جاء ا على رأس مدد من "بني ناجية." و "عبد القيس"، لمساعدة "عكرمة"  

و "عرفجة"، و "جبير"، و "عبيد"، فاستعلاهم، فلما وصل المدد انهزم "لقيط"، وقتل ممن كان معه عشرة آلاف. ولعل "صيحان" هذا هو اخ "صعصعة بن صوحا ن ومن منازل "عبد القيس" "دارين" و". الزارة"، وكان بها رهبان وببع، ويظهر إن النصرانية كانت متفشية بين "عبد القيس"، وردت إليها من العراق. وكان "بنو عبد القيس" من العرب المتحضرين بالنسبة إلى أعراب البوادي، ولهم اتصال بالعالم الخارجي، وقد قام المبشرون بنشر الكتابة بينهم، ولا بد وأن تكون كتابتهم بالفلم العربي الشمالي، الذي كان يكتب به النصارى العرب. ونجد في قرى البحرين أناساً من مختلف الأجناس، بسبب اتصالها بالبحر ومجيء الأقوام إليها من الهند وايران والعراق، فظهرت فيهأ ثقافة، امتصت غذائها من مختلف الثقافات.

وهناك من اشتهر بالخطابة وكان قريب عهد من الإسلام، أو أدركه وأسلم،.منهم: " قيس بن ساعدة الإيادي"، وقد رآه الرسول، وسمعه يتكلم، وهو راكب على جمل أورق، ويذكر أن الرسول قال: "يرحم الله قساً، إني لأرجو يوم القيامة أن يبعث أمة واحده". وقد عد"ه بعض الباحثين من النصارى، ولكن معظم أهل الأخبار يرى أنه كان على الحنيفية، أي على التوحيد، لا هو من يهود، ولا هو من النصارى.

وقد ذكر أهل الأخبار أنه " كان من حكماء العرب وأعقل من سمع به منهم وهو أول من كتب من فلان إلى فلان، وأول من أقر بالبعث من غيرعلم، وأول من قال: أما بعد، وأول من قال: البينة على من ادعى واليمين على من أنكر". وأنه اول من خطب على شرف، وأول من اتكأ عند خطبته على سيف أو عصا. وكان أحكم حكماء العرب، وابلغ وأعقل من سمع به من إياد. وبه ضرب المثل في الخطابة والبلاغة روي أن الرسول سمع كلام "قس ابن ساعدة" الإيادي ورواه، ذكر "الجاحظ" أن رسول اللًه "هو الذي روى كلام "قس بن ساعدة" وموقفه على جمله بعُكاظ وموعظته، وهو الذي رواه لقريش والعرب، وهو الذي عجب من حسنه وأظهر من تصويبه".

وذكر في موضع آخر من كتابه "البيان والتبيين" أن الرسول قال: "رأيته بسوق عكاظ على جمل أحمر وهو يقول،: أيهآ الناس اجتمعوا واسمعوا وعوُا من عاش مات، ومن مات فات" وكل ما هو آت آت.

وهو القائل في هذه: آيات محكمات، مطر" ونبات، وآباء وأمهات، وذاهب وآت، ضوء وظلام، وبر وأئام، ولباس ومركب، وبطعم ومشرب، ونجوم تمور، وبحور لا تغور، وسقف مرفوع، ومهاد موضوع، وليل داج، وسماء ذات أبراج. ما لي أرى الناس يموتون ولا يرجعون، أرضوا فأقاموا، أم حبسوا، فناموا.

وهو القائل: يا معشر إياد، أين ثمود وعاد، وأين الآباء والأجداد. أين المعروف الذي لا يشكر، والظلم الذي لم يذكر، أقسم قس قسماً بالله، إن لله ديناً هو أرضى له من دنيكم هذا.

وأنشسوا له: في الذاهـبـين الأولـين  من القرون لنا بصـائر.

لمــا رأيت مـــوارداً  للموت ليس لها بصـائر

ورأيت قومي نـحـوهـا  يمضي الأصاغر والأكابر

لا يرجع المـاضـي ولا  يبقى من الباقين غـابـر

أيقـنـت أنـى لا مـحـا  لة حيث صار القوم صائر

وقد اشتهر قس بخطبته التي خطبها بسوق عكاظ، وبأبيات من الشعر رويت عن "أبي بكر الصديق". وبفصاحته وبلاغته ضرب المثل، فقيل: "أبلغ من قس". وقد استشهد ببعض شعر "قس" في كتب الشواهد. وذكر انه أول من قال: أما بعد في العرب.

وفي رواية من روايات أهل الأخبار:،إن أول من قال: "أما بعد"، هو كعب بن لؤي. بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. زعيم قريش، وأحد خطبائها المشهورين.

وذكر بعض أهل الأخبار: أنه قيل لقس بن ساعدة: ما أفضل المعرفة قال: معرفة الرجل نفسه، قيل له: فما أفضل العلم ? قال: وقوف المرء عند علمه قيل له: فما أفضلُ المروءة ? قال: استبقاء الرجل ماء وجه وقد وردت في الخطبة المنسوبة إلى قس بن ساعدة الإيادي هذه الجملة: "إن في السماء لخبراً". ويلاحظ إن العبرانين كانوا يراقبون السماء لأخذ الأخبار عما سيقع لهم من احداث منها. وقد تخصص بذلك نفر منهم، عرفوا ب "خبرى شمايم"، اي المخبرون عما يقع في السماء، و "قيري شمايم"، أي قراء السماء. وكان العرب يراقبون السماء كذلك، استطلاعاً للاخبار، وفي الجملة المنسوبة إلى "قس" تعبير عن ارتقابه وقوع امر مهم.

و "قس" من المعمرين، زعم بعض أهل الأخبار أنه عمر سبعمائة سنة، وزعم بعض آخر أنه عاش ثلمائة وثمانين سنة، وقال المرزباني: ذكر كثير من أهل العلم انه عاش ستمائة سنة". وقال بعضهم انه أدرك نبيتنا، وسمعه، وجعله بعضهم في الصحابة، وأماته بعضهم قبل البعثة. وقال قوم إنه أول من آمن بالبعث من أصل الجاهلية. وفي الذي يرويه أهل الأخبار عن خطبة قس ورواية النبي لها. تصادم في الروايات.. وقد ذكر ذلك العلماء، واني أرى أن القصة موضوعة، وهي من هذا النوع الذي وضع للتبشير بقرب ظهور دين جديد.

وقد اشير إلى قس في أبيات نسبت إلى الحطيئة والأعشى ولبيد. وقد ضرب الحطيئة به المثل في البيان، وبقوة تأئره في نفوس السامعين. اما الأعشى فقد وصفه بالحلم، واما لبيد فقد قال فيه: وأخلفن قساً ليتني ولعلـنـي  واعيا على لقمان حكم التدبر

ويقولون: وانما قال ذلك لبيد، لقول قس: هل الغيب معطى الأمن عند نزوله  بحال مسيء في الأمور ومحسن

وماقد تولى فهـو لإشـك فـائت  فهل ينفعتي ليتني ولعـلـنـي ?

ونسبوا إليه أبياتاً من الشعر.

وورد إن "الجارود بن عبدالله" من "بني عبد القيس"، وكان سيداً في قومه لما قدم علي رسول الله، وأسلم مع قومه، قال له الرسول: "يا جارود هل في جماعة وفد عبد القيس من يعرف لنا قساً ? قالوا: كانا نعرفه يا رسول الله وأنا من بين يدي القوم كنت أقفو أثره. كان من أسباط العرب فصيحاً، عمرسبعمائة سنة، أدرك من الحواريين سمعان، فهو أول من تأله من العرب، كاًني أنظر إليه يقسم بالرب الذي هو له ليبلغن الكتاب أجله وليوفين كل عامل عمله، ثم أنشأ يقول: هاج للقلب من جواه ادكار  وليال خلا لهـنّ نـهـارُ

في أبيات آخرها: والذي قدذكرتُ دلّ على الله  نفوساً لها هدى واعتبـار

فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: على رسلك يا جارود، فلست أنساه بسوق عكاط على جمل أورق، وهو يتكلم بكلام ما أظن اني أحفظه. فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، فإني أحفظه: كنت حاضراً ذلك اليوم بسوق عكاظ فقال في خطبته: يا أيها الناس اسمعوا وعوا، فإفا وعيتم فانمنعوا، انه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، إلى أخر ما أورده من الوعظ".

و "الجارود"، هو "بشر بن عمرو بن حفش بن النعمان"، وقيل هو "أبو المُعلى"، "الحارث بن زيد بن حارثة بن معاوية بن ثعلبة"،وقيل: "الجارود بن المعلى"، ويقال ابن عمرو بن المعلى، وقيل الجارود بن العلاء" وقيل الجارود بن عمرو بن حنش، وقيل اسمه بشر بن حنش، إلى غير ذلك من أقوال تدل على اضطراب أهل الأخبار في معرفته، وكان نصرانياً، وكان شاعراً، وأوردوا له شعراً يعلن إِيمانه بالرسول، وبأنه حنيف حيث كان من الأرض. قيل إنه قتل بفارس في أيام عمر سنة "21"، وقيل بقي إلى خلافة عمان.

وذكر "الجاحظ" أن من خطباء العرب: "الصباح بن شفي" الحميري، زعم أنه كان من أخطب العرب، وقيس بن شماس، وثابت بن قيس بن شماس، خطيب النبي، فقد أوكله الرسول بالرد على خطاب من كان يخطب أمامه من الوفود، فهو الناطق باسمه بالنثر، كما كان "حسان" الناطق باسم الرسول شعرأَ. وذكر أن من خطباء العرب "الأسود العني"، و "طليحة ابن خويلد" الأسدي، تنبأ في خلافة أبي بكر في بني أسد بن خزيمة، وعاضده "عيينة بن حصن" الفزاري، فوجه "أبو بكر" إليه خالد بن الوليد،فهزمه، وأسر "عيينة " سنة "11" للهجرة، وقد اسلم "طليحة"، واستشهد بنهاوند سنة "11" من الهجرة. وذكر "الجاحظ": "مسيلمة" بعد "طليحة"، فقال: "وكان مسيلمة الكذاب، بعيداً عن ذلك كله"، أي انه نفى الخطابة عنه.

ومن الخطباء النابهين اصحاب الرأي والبيان، خطيب عاش في الجاهلية والإسلام وقد أسلم وحسن إسلامه، هو: سهيل بن عمرو الأعلم، أحد بني حسل بن معيص. يقال انه كان مؤثراً جداً، أخاذاً يأخذ بعقول الناس، حتى ذكر إن عمر قال للنبي، صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، انزع ثنيتيه السفليين حتى يدلع لسانه، فلا يقوم عليك خطيباً أبداً. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم:  

لا أمثل، فيمثل الله بي، وإن كنت نبياً. دعه يا عمر، فعسى أن يقوم مقاماً تحمده. فلما هاج أهل مكة عند الذي بلغهم من وفاة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قام خطيباً، فقال: "أيها الناس، إن يكن محمد قد مات، فالله حي لم يمت، وقد علمتم أني أكثركم قتباً في بر، وجاريةَ في بحر، فاقروا أميركم وأنا ضامن، إِن لم يتم الأمر، أن أردها عليكم" فسكن الناس.

وهو الذي قال يوم خرج آذن عمر، وبالباب عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، وفلان، وفلان، فقال اذان:. أين بلال ? أين صهيب ? أين سلمان? أين عمار ? فتمعرت وجوه القوم، فقال سهيل لمَ تتمعر وجوهكم ?ُ دعوُا ودعينا، فاسرعوا وأبطأنا، ولئن حسدتموهم على باب عمر، لما أعد الله لهم في الجنة أكثر. وفي هذا الجواب دلالة على عقل فاهم للواجب مدرك لمهمات رئيس الدولة، ولما يجب أن تقوم الحكومة عليه، لا يبالي بالعنعنات القديمة وبالعرف القبيلي الجاهلي.

وروي "أنه لما ماج أهل مكة عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وارتد من ارتد من العرب، قام سهيل بن عمرو خطيباً. فقال: والله اني لأعلم أن هنا السين سيمتد امتداد الشمس في طلوعها إلى غروبها، فلا يغرنكم هذا من أنفسكم - يعتي أبا سفيان -، فإنه ليعلم من هذا الأمر ما أعلم، ولكنه قد جثم على صدره حسد بني هاشم. وأتى في خطبته يمثل ما جاء به أبو بكر الصديق رضي الله عنه بالمدينة".وقد كان مخلصاً في عقيدته مطيعاً لأمر الحاكم، ذكر أنه حضر" الناس باب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفيهم سهيل بن عمرو وأبو سفيان إن حرب، وأولئك الشيوخ من قريش، فخرج آذنه. فجعل يأذن لأهل بدر، لصهيب وبلال وأهل بدر وكان يحبهم. وكان قد أوصى بهم. فقال أبو سفيان: ما رأيت كاليوم قط ا انه ليؤذن لهؤلاء العبيد ونحن جلوس، لا يلتفت الينا فقال سهيل بن عمرو، وقال الحسن: ويا له من رجل، ما كان أعقله، أيها القوم إني والله قد أرى الذي في وجوهكم، فإت كنتم غضاباً، فاغضبوا على أنفسكم، دُ عي القوم ودعيتم، فأسرعوا وأبطأتم. أما والله قد سبقوكم به من الفضل أشد عليكم فوتاً من باكم هذا الذي تتنافسون فيه. ثم قال: أيها القوم إن هؤلاء القوم قدسبقوكم بما ترون، ولا سبيل لكم والله إلى ماسبقوكم إليه، فانظروا هذا الجهاد فالزموه عسى الله عز وحل أن يرزقكم شهادة، ثم نفض ثوبه وقام ولحق بالشام". فالرجل مؤمن، صاحب مبداً، يرى الفضل لأصحابه بأعمالهم، لا بالرئاسة والنسب والجاه، كما كان يريد أبو سفيان وقومه. وقد نعت ب "خطيب قريش" لفصاحته.وقوة بيانه، ولهذا اختارته قريش ليكون لسانها حن فاوضت الرسول على الصلح في الحديبية. وقد تكلم فاًطال الكلام وتراجع مع الرسول حتى وافق على تدوين كتاب الصلح. وكان هو لسان قريش يوم وضع الرسول يده على عضادتي باب الكعبة، فقال: "ماتقولون" ? فقال سهيل: نقول خبراً ونظن خيرأَ، أخ كريم وابن اخ كريم، وقد قدرت".

وتعد "ابنة الخس هند الإيادية"، وهي بنت "الخس بن حابس"، رجل من إياد، من النساء المعروفات بالفصاحة. وقد رووا عنها الأمثال. وذكر إن والدها هو "خس بن حابس بن قريط" الإيادي. وقال بعض أهل الأخبار إن ابنة الخس من "العماليق". والإيادية هي "جمعة بنت حابس" الإيادي، وكلتاهما من الفصاح. وذكر بعض آخر، إن الصواب إن ابنة الخس المشهورة بالفصاحة واحدة، وهي من "بني إياد". واختلف في اسمها، فقيل هند وقيل جمعة. ومن قال انها بنت حابس، فقد نسبها إلى جدها.

وممن ضرب به المثل في الفصاحه "سحبان بن زفر بن إياس" الوائلي، وائل باهلة. خطيب مفصح يضرب به المثل في البيان، أدرك الجاهلية وأسلم، ومات سنة "54" شهرته في الإسلام، كشهرة "قس" في الجاهلية. واشتهر "هيذان بن شيخ" "هيدان بن سنح"، بكونه خطيب "عبس"، وذكر أن النبي قال للنابغة الجعدي: لا يفضض الله فاك، وقال لهيذان: رب خطيب من عبس.

والخطابة عند الجاهليين حقيقة لا يستطيع أحد أن يجادل في وجودها، ودليل ذلك خطب الوفود التي وفدت على الرسول، وهي لا تختلف في أسلوب صياغتها وطريقة إلقائها عن اسلوب الجاهليين في الصياغة وفي طرق الإلقاء. ثم إن خطب الرسول في الوفود وفي الناس وأجوبته للخطباء، هي دليل أيضاً على وجود الخطابة بهذا الاسلوب وبهذه الطريقة عند الجاهليين. بل في أن الخطابة كان لها شأن في الحياة العربية في الجاهلية وفي الإسلام. ففي المناسبات مثل عقد زواج، لا بد للخاطب من خطبة يخطبها أمام العروس والحاضرين، يذكر فيها مناقب موكا " ومناقب الأسرة التي رغب العروس في مصاهرتها ولعلها هي التي حملت الناس على نعت هذه المناسبة ب "الخطبة" و "بخطبة العروس"، حتى قيل: "جاء يخطبُِ فلانة لفلان"، وان فرق العلماء بين "الخُطبة" التي هي الموعظة والكلام، وبين "الخِطبة" التي هي طلب المرأة، بالحركة، فذكروا أن الأولى هي بضم الخاء والثانية بكسرها.

ونجد في كتب الأدب والأخبار نصوص خطب نسبت إلى خطباء جاهليين، يخرج المرء من قراءتها ومن قراءة ما ذكره أهل الأخبار عنها، بأنها نصوص دقيقة تمئل الأصل تمام التمثيل، أو كانها نسخ استنسخت عن نسخ أصلية كتبها اخطباء باًنفسهم، أودونها كتاب شهود كانوا حضوراً وقت القاء الخطب. ونحن وإِن تعوسنا على اعتبار هذه الخطب، وكأنها خطب أصيلة لا شك عندنا في أصالتها ولا شبهة. لكننا لا نستطيع اقناع أنفسنا ولا غيرنا بصحة رأينا هذا.واذا كنا قد قبلنا ما قيل لنا عن الشعر الجاهلي، فإننا لانتمكن من قبول مايذهب إليه الأدباء المقلدون من أن الخطب المنسوبة إلى خطباء الجاهلية، هي نصوص دقيقة صحيحة، أو إن أكثرها صحيح لاشك لأحد في صحته، و ذلك لاْسباب: منها ما ذكره أهل الأخبار أنفسهم من قولهم "وكان الخطيبُ من العرب إذا لرتجل خطبة ثم أعادها زاد فيها ونقص"، ثم ما نجده من اختلاف في رواية خطبة "قس بن ساعدة"، ومنهم أناس حضروا خطابه، فكيف نصدق صحة نصوص خطب لأناس جاهليين تبلغ عدة صفحات وكيف يصدق انسان بصحة ما ينسب إلى الجاهلييٍن من خطب وأقوال، وهو يعلم إن خطبة "حجة الوداع"، قد اختلف الرواة في رواية نصها اختلافاً كييراً، واذا كانوا قد اختلفوا في ضبط نص خطبة تعد من أهم خطب الرسول، لما جهاء فيها من بيان واحكام، وكلام الرسول أفضل كلام المسلم، فهل يعقل اخذ موضوع صحة نصوص خطب الجاهليين، على انه كلام صحيح بالنص ولطرف والمعنى ! واذا كان المسلمون قد جوزوا رواية حديث رسول الله بالمعنى، لصعوبة الرواية بالحرف والكلم والنص، فهل يعقل ضبط الناس لخطب للجاهليين، ضبطاً تاماً كاملاً بالحرف والمعنى،مع إن كلام أهل الجاهلية لا يقاس بكلام الرسول في نظر المسلمين من دون شك.

والأمر بالنسبة للشعر الجاهلي من حيث الصنعة والافتعال أهون أمراً في نظري من موضوع الخطب الجاهلية، فالشعر كلام موزون مقفى وهو عير طويل، يمكن حفظه بسهولة، ويمكن خزنه في الذهن أمداً طويلاً، أما النثر، فليس من السهل حفظه حرفياً؛ واذا حفظ، فلا يمكن للذاكرة مهما كانت قوية أن تحافظ على صفائه إلى أجل طويل، لا سيما إذا كانت الخطب طويلة، لا تعاد قراءتها إلا في المناسبات. وللسبب المذكور ولخوف المسلمين من التقول على الرسول بما لم يقله من حروف وألفاظ وجمل، جوءزوا رواية حديثه بالمعنى، لصعوبة حفظ النص، فهل تعد خطب الجاهليين أكثر أهمية من حديث الرسول، حتى نقول انها نصوص مضبوطة صحيحة، لاغبار على صحتها، ولا شك من نصها !  

وطابع الخطب، السجع وقصر الجمل والإكثار من لحكم والأمثال، والتفصيل والإزدواج. ويرد غالب السجع في كلام الكهان لذلك وسم بهم، فقيل "سجع الكهان". والسجع في كلام العرب أن يأتلف أواخر الكلم على نسق كما تاًتلف القوافي، وأن يكون في الكلام فواصل كفواصل الشعر من غير وزن. وذكر ان الرسول قال لأحدهم وكان يتكلم سجعاً: أسجع كسجع الكهان ! وفي روايهّ إياكم وسجع الكهان، وفي الحديث أنه نهى عن السجع في الدعاء. وإنما كره السجع في الكلام لمشاكلته كلام الكهنة. قال "الجاحظ": "وكان الذي كرّه الأسجاع بعينها وإِن كانت دون الشعر في التكلف والصنعة، ان كهان العرب الذين كان أكثر الجاهلية يتحاكمون اليهم، وكانوا يدعون الكهانة وأن مع كل واحد منهم رئيأَ من للجنً، مثل حازي جُهينة، ومثل شق وسطيح، وعزى سلمة وأشباههم، كانوا يتكهتون ويحكمون بالأسجاع كقوله: والأرض والسماء، والعقاب الصقعاء، واقعة ببقعاء، لقد نفر المجدُ بني العشراء، للمجد والسناء". "فوقع النهي في ذلك الدهر لقرب عهدهم بالجاهلية، ولبمًيتها فيهم وفي صدور كثير منهم، فلما زالت العِلة زال التحريم"، وقد كانت الخطباء تتكلم عند ا الخلفاء الراشدين، فيكون في ذلك الخطب أسجاع كثيرة، فلاينهونهم. واتبع الخطباء في الإسلام وبعض الكتاب اسلوب السجع في خطبهم وفي كتبهم، ولا زال السجع محبوباً عند كثير من الناس، ولهذا فهم يكتبون به.وأغلب الخطباء هم سادات قبائل واشراف من أهل القرى ومن أصحاب المكانة والجاه والكهنة والحكام. ومنازلههم تحتم عليهم الخطابة في المناسبات، لأنهم ألسنة قومهم، فللكلام أثر في نفوس العرب، يثير الحرب ويهدىء الأعصاب ويعقد السلم، ويفض المشكل، فصار من ثم للخطيب أثر كبير في الجاهلية. وكانت القبائل تفتخر بكثرة ما عندها من خطباء. وذكز "الجاحظ" إن رجلاً من حمير قام في مجلس لمعاوية اجتمع فيه الخطباء، فقال: إنا لا نطيق أفواه الكمال، عليهم المقال، وعلينا الفعال. ومعناه: إنا لا نستطيع الكلام كما يفعل غيرنا، ولذلك فأنا لا أريد أن اتسابق معهم، ثم اننا معشر عمل لاقول و "الكمال، بمعنى الجمال، جمع جمل، نطق بها بالكاف على لغة أهل اليمن القدبمة، لأن لسان حمير ينطق الجيم كافاً مفخمة.

ويلاحظ إن اكثر الذي ذكره أهل الأخبار من كلام الخطباء، هو وصايا.رْعم أهل الأخبار أن أولئك الخطباء أوصوا بها أبناءهم، و ذلك حين تقدمت بهم السن، وحين شعروا بدنو أجلهم. وهي يمثل خلاصة تجارب الموصى ومجمل ما حصل عليه من اختبارات في هذه الحياة. وهي على الجملة حكم، وآراء في الدنيا، ومواعظ، لا تخطر إلا على بال رجل سئم من الحياة ويئس منها، أو من زاهد متصوف متدين يؤمن بإله وبحساب وكتاب، وجد إن الحياة مدبرة، وانها زائلة فانية، لا تدوم لأحد، لذلك يريد أن يوصي أبناءه بما وجده فيها وخبره ورآه.

ولم يهمل أهل الأخبار ذكر أهل العي والبلادة، وهم على قلتهم وضآلة عددهم مجتمع خاص قائم بذاته، فأشاروا إلى نوادرهم وبعض قصصهم، وجعلوا رأسهم وحامل لوائهم في الجاهلية شخصاً ضربوا به المثل في العيّ، دعوه "باقلا" وجعلوه من قيس بن ثعلبة. وقالوا: إن من حماقته وعيه انه اشترى عنزاً من الظباء باًحد عشر درهماً، فقيل: بكم اشتريتها ? فأطلق كفيه ومد اصابعه واخر ج لسانه، أي يعده بلسانه واصابعه، فنفرت العنز، فعُير بذلك وفيه يقول الشاعر: يلومون في حمقه باقلا  كاًن الحماقة لم تخلق

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق