إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 4 فبراير 2016

1751 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل التاسع والعشرون بعد المئة الطب والبيطرة


1751

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
        
الفصل التاسع والعشرون بعد المئة

الطب والبيطرة

والطب من العلوم المطلوبة في كل زمان ومكان، لما له من صلة بحياة الإنسان.

ولعلماء اللغة آراء في معنى "الطب" وقد ذكروا أن من المجاز: الطب بمعنى السحر، قال ابن الأسلت: ألا من مبلغ حسان عنـي  أطب كان داؤك أم جنون

فوجدوا أن بين الطب والسحر صلة. وهو تعبير عن مداواة الأمراض في السابق بالسحر، فقد كان الساحر طبيباً، يداوي المرض ويشفي المريض بسحره، وكذلك كان الكهان يداوون المرضى، ولا زال الناس يعتقدون بأثر السحر في مداواة المرض، فيراجعون من يدعي العلم بالسحر لنيل الشفاء.

وكان الطب، في ذلك الزمان، شرف، فللطبيب مكانة كبيرة عند الجاهليين.

قال "المرتضى" في حديثه عن زهير بن جناب: "كان سيد قومه، وشريفهم، وخطيبهم، وشاعرهم، ووافدهم إلى الملوك، وطبيبهم. والطب في ذلك الزمان شرف، وحازي قومه، والحُزاة الكهان". فهو قد جمع خلالاً كبيرة وفي جملتها الطب والكهانة. وقد كان الكهان يداوون المرض، فكان كهنة مصر يعالجون المرض ويطببونهم، لاعتقادهم إن الأمراض هي من الالهة، تصيب الإنسان فلا تشفيه منها إلا التوسلات إليها باشفائه، وحيث إن المقربين إليها هم الكهنة، لذلك لجأ المرض اليهم لاشفائهم. ونجد في النصوص العربية الجنوبية توسلات كثيرة وتضرعات إلى الآلهة، لأن تمنّ على المتوسلين اليها بالصحة والعافية، وبالشفاء من الأمراض التي نزلت بهم، وأن تحميهم من الأوبئة التي تفشت بين الناس، فاخذت يميتهم.

ولا بد وأن يكون السحرة والحزاة والكهنة في الجاهلية، هم الذين مارسوا الطب، وعالجوا المرضى، بالسحر وبالأدعية، أو بالأدوية التي أخذوها عمن سبقهم ومن تجاربهم الخاصة. ونحن نأسف لأن نقول إن النصوص الجاهلية لم تعطنا حتى الان نصوصاً طبية، أو نصوصاً فيها وصفات أدوية الشفاء من الأمراض.

والطب، هو من فروع العلم المحظوظة بالنسبة إلى فروع العلم الأخرى عند الجاهليين. فقد أشير إليه، وأشير إلى اسم نفر من الأطباء، هم: الحارث بن كَلَدة الثقفي، والنَّضَر بن الحارث، و "ابن أبي رمثة التميمي" و "ضماد" وكلهم ممن عاصر الرسول وأدرك زمانه، وبفضل هذه المعاصرة، ذكرت أسماؤهم في كتب الحديث والسير والأخبار، ولولاها لكان شأنهم شأن غيرهم ممن لم يصل اسمهم الي أحد، فصاروا نسياً منسياً.

وذكر إن رجلاً جاء إلى النبى، فرأى بين كتفيه خاتم النبوة. فقال: إن أذنت لي عالجتها فإني طبيب. فقال له النبي، طبيبها الذي خلقها، معناه العالم بها خالقها الذي خلقها لا أنت.

أما الحارث بن كلدة الثقفي، فإنه من ثقيف ومن أهل الطائف، ذكر أنه سافر إلى البلاد، وتعلم الطب بناحية فارس على رجل من أهل جُنْدَ يسابور، وغيرها.

وتمرن هناك، وطب بأرض فارس، وعالج وحصل له بذلك مال، وعرف الداء والدواء. وكلن صاحب حسّ مرهف، وموسيقياً يضرب بالعود. تعلم ذلك بفارس واليمن.

قيل إن سعد بن أبي وقاصّ مرض بمكة، فعاده رسول الله، فقال له: أدْعُ الحارث، فإنه يتطبب. فعاده الحارث وداواه فشفاه. ونسبوا له كلاماً مع كسرى أنو شروان. وقبل: إنه هو القائل: "الطب: الأزم، والبطنة بيت الدواء، والحِميَةُ رأس الدواء، وعوّدوا كل بدن ما اعتاد"، وأشياء أخرى تنسب إلى فلاسفة متقدمين، ولحكماء من العرب غير الحارث.

وقيل إن من حكمه: "خير الدواء الأزم، وشرّ الدواء إدخال الطعام على الطعام". وقيل إنه وصى ولده بقوله: "يا بني عوّد نفسك الأثرة ومجاهدة الشهوة، ولا تنهش نهش السباع، ولا تخضم خضم البراذين، ولا تدمن الأكل إدمان النعاج، ولا تلقم لقم الجمال. إن الله جعلك إنساناً فلا تجعل نفسك بهيمة، واحذر سرعة الكظة وسرف البطنة، فقد قال بعض الحكماء: إذا كنت بطيناً فعد نفسك مع الزمنى". ومن حكمه قوله: "لا تنكحوا من النساء إلا الشابة، ولا تأكلوا من الحيوان إلا الفتى، ولا من الفاكهة إلا النضيج".

وقد نسبوا إلى الحارث كتاباً. هو كتاب المحاورة في الطب بينه وبين كسرى أنو شروان، ولم يشيروا إلى مضمونه ومحتوياته وحجمه. والظاهر أنه هذه المحاورة التي دبجوها في ترجمته، ونسبوها إليه، وزعموا أن كسرى أمر بتدوين ما نطق به.

وقد ذكر أن الحارث بن كلدة كان شاعراً ذا حكمة في شعره، وقد أورد الاحدي له أبياتاً في أثناء ترجمته له.. وذكره "أبو العلاء المعري" في "رسالة الغفران"، ونسب له قوله: فما عسل ببارد ماء مزنٍ  على ظمأ، لشاربه يشُاب

بأشهى من لقيكم الـينـا  فكيف لنا به ومتى الإياب

و ذكر الأخباريون، إن "الحارث" هذا، كان قد داوى الملك "أبا جبر" الكندي، وكان ملكاً شديد البأس، فخرج إلى كسرى يستجيشه على قومه فأعطاه جيشاً من الأساورة، فلما بلغوا "كاظمة" سمّوه، ثم تركوه وعادوا، فسار "أبو جبر" إلى "الطائف"، ليداويه "الحارث بن كلدة" ويشفيه، فداواه فبرئ وارتحل يريد اليمن فنكس ومات. فرثته عمته "كبشة".

وقد عاصر رسول الله، وفي بعض الروايات أنه أسلم ومات مسلماً في خلافة "عمر"، وأنه أكل مع "أبي بكر" وانه شهد إن "ابا بكر" مات مسموماً وأنه خرج مع النساء حينما حاصر المسلمون الطائف سنة تسع للهجرة. وأنه عاش إلى أيام معاوية في رواية. وان "آل نافع" و "آل أبي بكرة" كانوا يزعمون أنهم من نسله.

وأما النضر بن الحارث بن كلدة الثقفي فهو ابن خالة الرسول. وكان النضر قد سافر البلاد أيضاً كأبيه، واجتمع بالأفاضل والعلماء بمكة وغيرها، وعاشر الأخبار والكهنة، واشتغل وحصل من العلوم القديمة، واطلع على علوم الفلسفة وأجزاء الحكمة، وتعلم من ابيه ما كان يعلمه من الطب وغيره وكان يؤاتي أبا سفيان في عداوة النبي، ويحسده، ويكثر الأذى له، ويتكلم فيه باشياء كثيرة، ويحط من قدره عند أهل مكة. فلما كانت وقعة بدر، كان على رأس المشركين، فوقع أسيراً، ولما كان الرسول بالصفراء أو الأثيَل، أمر بقتله، فقتل.

وقد نسب بعض أهل الأخبار "النضر بن الحارث" على هذه الصورة: "النضر ين الحارث بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار"، وقالوا إنه من أشراف قريش وأسيادها، وكلن من مطعمي "بني عبد الدار"، ونصوا أنه "كان من كفّار قريش شديد العداوة لرسول الله"، وانه كان ابن خالة الرسول، ولهذا فلا يمكن أن يكون هذا النضر ابناً للحارث بن كلدة الثقفي، الذي هو "الحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج" على رواية من ضبط نسبه من أهل الأخبار. ثم إن "الحارث بن كلدة الثقفي"، لم يخلف إلا ابنة يقال لها أزدة، على ما ذكره "أبو عبيدة"، لشك فلا يمكن أن يكون "النضر بن الحارث" ابناً له، كما ذهب إلى ذلك "ابن أبي أصبيعة" وغيره، لا سيما وان "ابن أبي أصبيعة" نفسه قد جعله في عداد المشركين من قريش الذين آذوا الرسول، وذكر انه ابن خالة النبي، وأنه آذاه وساهم مع المشركين في معركة بدر فأسر. وأن أخته "قتيلة" قد رثته بشعر دوّنه، كما دوّنه غيره. وما دوّنه عنه، دوّنه غيره من ترجمة "النضر بن الحارث بن كلدة بن عبد مناف بن عبدار" القرشي، وتجده مذكوراً مع شعر الرثاء في كتاب "نسب قريش" للزبيري. وهو من العلماء بنسب قريش ومن المتقدمين على "ابن أبي أصبيعة".

وفي رواية يرجع سندها إلى "الكلبي" و "مقاتل"، أن في حق "النضر ابن الحارث"، نزلت الآية )ومن الناس من يشتري لهو الحديث(. فقد قيل: "إنه كان يخرج تاجراً إلى فارس، فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها ويحدث بها قريشاً، ويقول لهم: إن محمداً، عليه السلام، يحدثكم بحديث عاد وثمود، وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن". وقد نزلت في حقه ثماني آيات، يفهم من تفسير علماء التفسير لها، أنه كان ذكياً لبقاً و "شيطاناً" من شياطين قريش، له علم بالشعر وبأخبار الأمم، يراجع أحبار اليهود وعلماء النصرانية، ليزيد بذلك علماً على علمه، وكان يعتقد لذكائه وعلمه أنه أحق بالدعوة من النبي، وحسده وصار يعاكسه في كل مكان.

ووصف بأنه صاحب أحاديث ونظر في كتب الفرس. كان يحدّث، ثم يقول: أينا أحسن حديثاً: أنا أم محمد ? ويقول: إنما يأتكم محمد بأساطير الأولين. وقيل: إنه كان يقول إنما يعينه على ما يأتي به في كتابه هذا جبر، غلام الأسود بن المطلب، وعدّاس غلام شيبة بن ربيعة، ويقال: غلام عتبة ابن ربيعة، وغيرهما. فأنزل الله: )ولقد نعلم أنهم يقولون إِنما يعلمه بشر. لسانُ الذي يُلْحدِون إليه أعجميّ وهذا لسان عربي مبين(. وكذلك )قال الذين كفروا إن هذا الا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون. فقد جاؤوا ظلماً وزوراً. وقالوا: أساطير الأولين، اكتتبها، فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً(، وروي أنه كان يحدث قومه أحاديث ملوك الفرس وأحاديث رستم واسفنديار. وعلى هذا، فلم يكن النضر، في عداد الأطباء، وإنما كان في عداد الواقفين على أساطير الفرس ولغتهم، ولا تستبعد مع ذلك عنه مزاولة الطب، لأن المثقفين في ذلك الوقت، كانوا يعالجون ويدرسون مختلف العلوم والمعرفة.

وأما ابن أبي رمثة التميمي، فكان طبيباً على عهد الرسول مُزاولاً لأعمال اليد وصناعة الجراح. ولم يذكروا عنه شيئاً غير هذا المذكور. وذكر من الأطباء طبيب يقال له ابن حِدْيم، من تيم الرباب، قيل: انه حاز على شهرة واسعة بين الجاهليين، وانه ذكر في شعر لأوس بن حجر، هو: فهل لكم فيها إلىّ، فـإنـنـي  طبيب بما أعيا النطاسي حذيما

وزعم انه كان أطب العرب، وانه كان أطب من الحارث بن كلدة، حتى ضرب بطبّه المثل، فقيل: أطبّ من حِذِْيم. وذكر انه كان بارعاً في الكي، فقيل: أطبّ في الكي من ابن حِذيم. وقيل هو انه كان من "تيم الرباب" وكان متطبباً عالماً، وهو أقدم من الحارث بن كلدة. وقد جعله بعضهم "ابن حذام" "ابن حمام" الشاعر المذكور في شعر "امرىء القيس"، وهو خطأ ورد من باب التصحيف.

ويظهر من كتب الحديث والأخبار والتراجم، إن هناك نفراً آخرين مارسوا التطبيب في أيام النبي. فقد اشير إلى نفر من قبيلة أنمار زاولوا الطب في أيام الرسول. وذكر إن النبي بعث إلى ابيّ بن كعب طبيباً، فقطع له عرقاً، وكواه عليه.

وأشير إلى اسم طبيب آخر، عرف ب "ضماد بن ثعلبة الأزدي"، ذكر أنه كان يداوي، وانه جاء إلى رسول الله. وانه كان صديقاً للنبي في الجاهلية، وكان من ازد شنوءة. وكان رجلاً يتطبب ويرقي ويطلب العلم، ويداوي من الريح. وقد أسلم. وكان محترماً مقدراً. ذكر أن بعثاً بعثه رسول الله أو ابو بكر، مرّ ببلاد ضماد، فلما جاوزوا تلك الأرض. وقف أميرهم، فقال: أعزم على كل رجل أصاب شيئاً من أهل هذه الأرض إلا رّده، لمكانة هذا الرجل ولشرفه ولصداقته للرسول. "وروي انه قدم مكة معتمراً، فسمع كمار قريش يقولون: محمد مجنون، فقال: لو أتيت هذا الرجل فداويته. فجاءه فقال له: يا محمد إني أداوي من الريح فإن شئت داويتك لعل الله ينفعك، فتشهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وحمد الله وتكلم بكلمات فأعجب ذلك ضماداً، فقال: أعِدها عليّ، فأعادها عليه فقال: لم أسمع مثل هذا الكلام قط، لقد سمعت الكهنَة والسحرة والشعراء فما سمعت مثل هذا قط".

ولا يستبعد تعلم هؤلاء الأطباء في جنديسابور مركز الطب والعلوم في الانبراطوربة الساسانية، أو في أماكن من بلاد الشام، فقد كان الطبيب الحاذق محتاجاً في هذا اليوم إلى تعلم هذا العلم في أماكن متعددة للاستفادة من تجارب الأطباء. وقد كان السفر متصلاً غير منقطع، فلا يستبعد قدوم الأطباء وطلاب الطب من جزيرة العرب إلى هذه الأماكن للتعلم فيها.

واشتغلت النساء بالمعالجة والتطبيب أيضاً. فقد قامت "رفيدة" تداوي جرحى المسلمين يوم ذهابهم إلى "بني قريظة". وكانت امرأة تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين. وكانت لها خيمة في المسجد، مسجد الرسول بيثرب تداوي بها الجرحى. ولما جرح "سعد بن معاذ" يوم الخندق، قال رسول الله: "اجعلوه في خيمة رفيدة التي في المسجد حتى اعوده من قريب"، وكان الرسول يزوره في خيمتها في الصباح وفي المساء.

واشتهرت "زينب"، وهي من "بني أود" بالطب. كانت تطبب وتعالج العين والجراح.

والوجع المرض المؤلم، والعرب تسمي كل مرض وجعاً، ويعبر عنه بالسقام كذلك. وذكر أن "الوعك" الحمىّ أو ألمها وأذاها ومغثها في البدن، وذكر إن الوعك لا يكون إلا من الحمىّ دون سائر الأمراض.

وقد عالج الأطباء الجروح بوضع الخرق بعضها فوق بعض على الجرح، أي بتضميده بها، ويقال لذلك "الغميل". وكانوا إذا ارادوا تعريق المريض، غملوه، اي غطوه بالثياب ليعرق، فيشفى من البرد والزكام. والضماد العصابة أو الخرقة تشد فوق الجرح أو الرأس، أو اي موضع من الجسم يشتكي من وجود ألم به، فكانوا يضمدون الرأس للصداع، كما كانوا يضمدون العين، بوضع الدواء في العين، أو على الخرقة ثم تضميد العين بها، ورد إن "طلحة" ضمد عينه بالصبر، كذلك كانوا يضعون الأدهان على الضماد، لتضميد الجروح، أو الأورام أو موضع الألم.

ويذكر علماء اللغة أن "النطاسي"، العالم الشديد النظر في الأمور، فهي بمعنى الحاذق. ويقال: طبيب نطّيس ونطاسي، وورد: نطس الاطباء. وهي أكثر ما ترد مع الاطباء، للدلالة على الحذق والفهم في هذه الصناعة. وذكر علماء اللغة إن اللفظة من المعربات، عربت من أصل "نسطاس"، وهي من لغة الروم. والنُطس الاطباء الحذاق، والعالم بالطب بالرومية.

ولعدم وصول كتب أو صحف أو أحجار لها علاقة بالطب عند الجاهليين، اضطررنا إلى أخذ معارفنا في الطب من الموارد الاسلامية، مثل كتب التفسير والحديث والادب، ففيها إشارات إلى بعض الامراض، وفي بعضها اشارات إلى معالجة بعض منها. هذا، وتفيدنا الموارد الاعجمية في هذا الباب كثيراً، لورود أمراض فيها وطرق معالجة، كانت معروفة وشائعة في الشرق الأوسط قبل الإسلام. ونجد في المعجمات الخاصة بالعهدين القديم والجديد وفي تواريخ الطب القديم معلومات ذات أهمية كبيرة بالنسبة الينا، لأنها تعيننا على تكوين رأي في الطب عند الجاهليين.

والمذكورون، هم أطباء نشأوا في المدن، وأقاموا في الحضر، وتعلموا من أطباء محترفين. أما الأعراب، فقد كان لهم أطباء، ولكن طبهم، هو طب العرف والعادة. طبّ موروث، يداوي بالوصفات التي داوى بها الآباء والأجداد، دون تغيير وتبديل وجدل ونقاش. ولهذا، فهو طب بدائي تقليدى موروث، يعتمد في مداواته على قدرة القبيلة، وعلى ما يجده الطبيب حوله من نبات وأعشاب وحيوان ونار فيداوى بها. وما زال الأعراب على طبّهم هذا، يداوون به على نحو ما داوى أجدادهم وأجداد أجدادهم في الإسلام وقبل الإسلام.

وليس لطب البادية اتصال بالطب الخارجي، إلا ما كان من طب القبائل القاطنة على مقربة من الحواضر، أو القبائل التي كان لها اتصال مباشر منتظم أو غير منتظم بالعالم الخارجي. فقد تسرب إلى علم "العوارف" فيها نفح من الطب الغريب، عالج به "عوارف" القبيلة، واستمروا على المعالجة به، حتى صار سنّة لهم وطباً قبلياً. ومن أهم صفات الطب القبلي، انه طب لا يثق إلا بنفسه، ولا يرى الشفاء إلا من أطبائه وبأدويته المتعارفة عنده، والمريض الأعرابي لا يعمل إلا بطب أصحاب الخبرة من الشيبة والعجائز الذين عرفوا بممارستهم معالجة المرض. وللسن عندهم قيمة في نجاح المعالجة والحصول على الشفاء، فالسن تجربة وعلم، ولذلك فللمسن المعالج الذي يرجع إليه عند الشكاية من الألم والمرض، تأثير كبيرعلى المريض من الناحية النفسية، لاعتقاده بان السنين تزيد في خبرة الإنسان وتضيف إلى علمه القديم علماً جديداً. لذلك يثق المرضى به، مع إن طب الأعراب، لا يعرف البحث والمطالعة لزيادة العلم، ولا يركن إلى التجديد بالحصول على معارف طبية جديدة، بدراسة أثر أعشاب البادية بصورة مستمرة في شفاء المرضى واستخلاص النتائج من مراقبة تأثير الدواء على حالة المريض.

وقد عرف طب البادية ب "طب الأعراب" وبطب البادية، وعرف دواء الأعراب بدواء أهل البادية. وهو دواء نابت من محيطهم يستند على المعالجة بالأعشاب وبالرماد وبالألبان وبأبوال الإبل وبالخرز. ومن أدويتهم "النهاء" دواء يكون بالبادية يتعالجون به ويشربونه. ويظهر انه من حجر يقول له "النهاء"، وهو حجر ابيض أرخى من الرخام، يكون بالبادية، ويجاء به من البحر. وضرب من الخرز.

و "العقار" و "العقاقير" الأدوية. وقيل ما يتداوى به من النبات أو اصولها والشجر. و "العُقار" في الآرامية ما يتساوى به من النبات، أي حواء. وطب مثل هذا، لا يمكن أن يأتي بنتائج ايجابية في معالجة الأمراض الصعبة العسيرة، وفي حالات مرضية مهمة جداً في نظر بعض الناس، ولا سيما مشايخ القبائل، كالعقم وتقوية الشهوة الجنسية، ولهذا كانوا يلجأون إلى أطباء الحضر. وقد أدرك الرهبان والمبشرون أثر هذه الحالات المرضية، ولا سيما الأمراض النفسية منها في نفوس أولئك الرؤساء، وجلهم ممن درس الطب وقرا الكتب المؤلفة فيه ومارسه عملياً، فذهبوا بأنفسهم إلى القبائل للتبشير، وعالجوا الرؤساء معالجة نفسانية في الغالب، وأثروا فيهم، ونجحوا في مثل هذه الحالات في كسب عطفهم عليهم وتأييدهم لهم، وفي الدخول في جوارهم، للقيام بالتبشير. ونجد في النتف الباقية عن حياة المبشرين الذين بشروا بين العرب قصصاً من هذا النوع روي في معالجة بعض الرؤساء، يذكر أنهم نجحوا في معالجتهم وأن نجاحهم هذا هو كرامة ومعاجز قد تمت بفضل الله ومنةّ المسيح.

ويكون الشفاء عند العرب في ثلاثة: شربة عسل وشرطة عجم وكيّة نار.

واذا عجز الطبيب من اشفاء مريضه بما عنده من وسائل لجأ إلى "الكيّ"، ولذلك جاء: "آخر الدواء الكي". وكان أهل الجاهلية يرون انه يحسم الداء بطبعه فيبادرون إليه قبل حصول الاضطرار إليه ويعالجون به أكثر الأمراض. وروى في الحديث قوله: "الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، وشرطة محجم، وكيّة نار، وأنهى أمتى ثمن الكيّ".

والعسل من الأدوية والوصفات التي أمر بها الأطباء في معالجة بعض الأمراض، ولا سيما أمراض المعدة، عولج به وحده، وعولج به ممزوجاً بمواد أخرى، لتكوين عجائن ولصقات منه. واستعملت العجائن المكونة من الدقيق والتمر والسمن في معالجة أمراض الجلد وآلام المفاصل، والنزلات. كذلك استعملت لصقات كونت من مواد أخرى في معالجة مثل هذه الأمراض. والمناخ هي من طرق المعالجة أيضاً، ومنها مناقيع الخل والزيوت.

وقد ورد في رواية: إن الرسول أرسل عكّة عسل إلى لبيد الشاعر الشهير حين علم بمرضه، فشرب منها، وبرئ، وفي هذا الخبر دلالة على تداويهم بالعسل.

وقد أقام أهل مكة والحجاز وزناً كبيراً للمداواة بالعسل. ونجد في كتب الحديث وفي كتب الأدب والأخبار اشارات إلى هذه المساواة. وقد استعملوا العسل في مداواة "المبطون" الذي يشتكي بطنه من الاسهال المفرط، ومن سوء الهضم، لاخراج الفضول المجتمعة في المعدة وفي الأمعاء.

وفي جملة معالجات الأطباء ووصفاتهم للمرض، استعمال الحجامة، أي استخراج مقدار من الدم بكأس يسحب هواؤها بالمص، فيخرج الدم من الشروط التي عملت في ظهر الرقبة. وقد استخدموها في معالجة الرأس والشقيقة والصداع. والفصد. واستعمال ديدان خاصة لامتصاص الدم. والشقيقة صداع يصيب شقي الرأس، وان أصاب الصداع قنة الرأس أحدث داء البيضة. وأما الصداع فهو عام.

والفصد، هو شق العرق لإخراج مقدار من الدم للمعالجة من بعض الأمراض.

وقد عرف عند العرب كما عرف عند غيرهم. وقد داووا الصبيان ب "الفصيدة". يمر يعجن ويشُاب، أي يخلط بدم. والظاهر أن هذا الدم، هو من دم الفصد. وقد كان الجاهليون يأكلون دم الحيوان، يجففونه بعد خلطه مع مادة أخرى، أو وضعه في أمعاء ليجف فيؤكل، أو مع الشعر ثم يأكلونه، ومنهم من كان يشرب الدم، للقوة. و "وفي حديث عكرمة: كان طعام أهل الجاهلية العلهز. قال ابن الأثير: هو طعام من الدم والوبر"، وذلك أن يخلط الدم بالوبر، أو الصوف ينفش ويشرب بالدماء ويشوى ويؤكل. وقد نسب أكله إلى الفقراء وإلى أيام المجاعة، وزعم أنهم كانوا يخلطون فيه القردان، أو دم الحلم. ونسب أكله إلى القحطانيين، وذلك في شعر هجاء، هو: وان قرى قحطان قرف وعلهز  فأقبح بهذا ويح نفسك من فعل

وهو من الشعر المنبعث عن عاطفة العصبية ولا شك.

وكان الفصد عند العرب من جملة وسائل القتل التي تستعمل في قتل الملوك والأشراف. تمييزاً لهم عن السوقة وسواد الناس الذين يقتلون بحدّ السيف، فقد كان الشريف إذا سقط في أيدي عدوّه ووجد نفسه أنه مقتول لا محالة، أوصى بإسقائه الخمر، حتى يسكر، فيخف بذلك ألمه ثم يفصد عرق اليد فيعرج منه الدم حتى يموت ميتة الأشراف.

واستعمل الكيّ في معالجة أمراض المفاصل، مثل الرثَيَة "الروماتزم"، و قد برع في ذلك الأعراب بصورة خاصة. وهو معالجة أخذ بها أطباء أهل الوبر أيضاً، وطريقتهم هي كي الجزء المريض بحديدة محماة، أو بحجر محمى، وقد استعمل الكي أيضاً في معالجة الجروح والقروح ووجع الرأس، وفي العربية مثل قديم، له علاقة به، هو: آخر الدواء الكي، فالكي اذن معالجة يلجا إليها حينما يعيا الدواء عن الشفاء. واستعمل في معالجة الاستسقاء، بالكي على البطن. وينسب أهل الأخبار المثل المذكور إلى "لقمان بن عاد"، وفي نسبتهم هذه المعالجة إليه دلالة على قدمها عند العرب. وهي معالجة لا زال الأعراب يستعملونها في مداواة أمراض عديدة عندهم، لا سيما في معالجة امراض الروماتزم. وقد ورد أن "خباب بن الأرت" اكتوى في بطنه سبع كيّات.

و "الرِثية" وجع المفاصل واليدين والرجلين، وقيل وجع الركبتين والمفاصل، أو ورم وظلاع في القوائم، أو هو كل ما منعك من الالتفات أو الانبعاث من كبر أو وجع.

وقد استعملوا "الكي" للشوكة. والشوكة حمرة تظهر في الوجه وغيره من الجسد. وقد كوى "أسعد بن زرارة" من الشوكة. وقيل الشوكة داء كالطاعون، وكانوا يسكنون الشوكة بالرقي كذلك.

والبصل والثوم والكمون والكرفس والخردل هي من النباتات التي عولج بها، فاستعمل البصل لمعالجة النزلات الصدرية وبعض أنواع الحميات وللقضاء على الديدان في داخل الجسم. واستعمل الثوم لمعالجة أمراض المعدة والديدان أيضاً، وفي معالجة أمراض القلب. واستعمل الكمون في معالجة النزلات الصدرية كذلك. وهو من الأدوية المعروفة عند غير العرب أيضاً، فقد كان العبرانيون يستطبون به، وكانوا يحصلون عليه بواسطة الفينيقيين والعرب. واحسنه هو الكمون المستورد من "سيلان". وعالجوا به في الادرار، وفي مطاردة الريح في المعدة وللهضم.

وعولج بالسنا وبالشبرم وبالزبيب، ويرون إن الزبيب يُذهب النّصب، ويشد العصب، ويطفىء الغضب، ويصفي اللون، وبالسفرجل ويرون أنه يشد القلب، ويطيب النفس وينسب بطخاء الصدر. وعالجوا بالتين، استعملوه لمعالجة الإمساك والكبد والطحال، وعالجوا بالرمان.

و "الحُلبةُ" من النبات الذي عولج به في أمراض كثيرة، فعولج به امراض الصدر مثل الربو والسعال والبلغم، وعولج به الكبد والمثانة والبواسير وآلام الظهر. وذكر أن "الحلبة" طعام أهل اليمن عامة، وبالغوا في فوائدها حتى رووا أن حديثاً ورد فيها: "لو يعلم الناس ما في الحلبة لاشتروها ولو بوزنها ذهباً".

وتطيب بالسعوط والنشوق. وقد استعملوا لذلك جملة مواد، منها: دهن الخردل، ودهن البان، والقسط الهندي والبحري، وبالعود الهندي والكافور. وقد استخدم العود الهندي في معالجة ذات الجنب. ويرى بعض الباحثين أن النشوق من أصل آرامي هو "نسكو Nosko" من Nsk بمعنى أسال في شيء، أي سواء يسكب في الأنف. واستخدم "السُنبل"، وهو نبات طيب الرائحة في التساوي كذلك، ويعرف ب "سنبل" في السريانية أيضاً.

وذكر أن "السعوط" اسم الدواء يصعب في الأنف. وذلك بأن يوضع الدواء في إناء يجعل فيه السعوط ويصب منه في الأنف ويقال للاناء المسِعط والسعيط والمسُعط. ويستعمل السعوط من مختلف الدهون. وقد استعمل في مداواة "العذرة"، وهو وجع يأخذ الطفل في حلقه، يهيج من الدم أو في "الخرم" الذي هو بين الأنف والحلق، وهو سقوط اللهاة. وقيل قرحة تخرج بين الأنف والحلق تعرض للصبيان غالباً عند طلوع العذرة وهي خمس كواكب تحت الشعرى. أي العبور وتطلع وسط الحر.

و "القسط" عود يجاء به من الهند، فعرف لذلك بالقسط الهندي، وعود يؤتى به من اليمن، ويعرف بالقسط البحري. وعود عرف ب "قسط اظفار" وقسط عرف ب "القسط المر" وهو كثير ببلاد الشام. ويقال للقسط "الكست" و "كشط". وذكر إن الرسول أشار إلى "القسط" فقال: "عليكم بهذا العود الهندي، فإن فيه سبعة أشفية: يستعط به من العذرة ويلدّ به من ذات الجنب. وقد استعمل القسط بخوراً ودواء. وهو من نبات أصله من الهند، يقال له "قسطس"، وهو معروف عند غير العرب أيضاً ويداوى به.

وعالجوا ب "العيد"، شجر جبلي ضمدوا بلحائه الجرح الطري فيلتئم. وب "السنى"، نبت يتداوى به. وقد جاء ذكره في الحديث. وقد خلطوه بالحناء لتقوية اللون وتسويده. وداووا ب "السعتر" "الصعتر"، وبالقرطم، في معالجة أمراض عديدة.

وقد كانت النساء تعالج الصبيان من العذرة بالغمز، وذلك إن المرأة كانت تأخذ خرقة فتفتلها فتلات شديداً وتدخلها في حلق الصبي وتعصر عليه، فينفجر منه دم أسود وربما أقرحته.

وعرف "الدرياق" "الترياق" في التطبيب به، استعمل لدفع السم من الأدوية والمعاجين، والعرب تسمي الخمر "ترياقاً" و "درياقاً" لأنها تذهب بالهم. و "الترياق"، فارسيّ معرب. ويقال درياق. بالدال أيضاً، "وفي الحديث إن في عجوة العالية ترياقاً. الترياق ما يستعمل لدفع السمُ " من الأدوية والمعاجين".

والبلسم، من المواد المهمة في المعالجات الطبية، وقد اشتهر كثيراً في الطب القديم، ليس عند العرب فقط، ولكن عند أكثر الأمم الأخرى. اشتهر في معالجة الجروح خاصة، اذ هو مادة صمغية تضمد بها الجراحات. ووطنه بلاد الحبشة، واشتهر من أنواعه الجيدة "بلسم جلعاد" عند العبرانيين، وهو ذو رائحة عطرة. وقد مدحه الأطباء وأثنوا عليه في معالجة الأمراض والجروح.

وذكر علماء اللغة أن "البلسم"، هو "البلسام" وهو البرسام، والموم. و البلسم: القطران. و "البلسم" هو "بلسمون"، و "بلسان" Valsamor. وقد استعمل لحاء "العقد" لتضميد الجرح الطري، فيلتحم لخاصية فيه. وعالجوا ب "البان"، وهو شجر معروف، ذكر في شعر "امرىء القيس"، ولحى ثمره دهن، وحبه نافع للبرش، والنمش، والكلف، والحصف، والبهق، والسعفة، والجرب، وتقشر الجلد، واستعمل في الإسلام لمداواة أمراض عديدة.

و "السفوف" كل دواء يؤخذ غير معجون، مثل سفوف حب الرمان وغيره. وترد اللفظة في الارامية بالمعنى نفسه، وهي من المعربات عنها.

واستعملت للزيوت في معالجة عدد من الأمراض والجروح، فاستعملت في معالجة البطنة مثلاً. وقد تخلط بغيرها،كالخمر أو الخل أو الملح، وقد تغلى ثم توضع على الجرح لقطع النزيف منه ولتعقيمه. والمعالجة بالزيوت، قديمة معروفة عند المصريين والعبرانين واليونان وغيرهم، تشير إليها في كثير من الموارد القديمة وعولج "الباسور" بدهنه بزيت الزيتون.

وعالجوا باسنعمال "الحبة السوداء"0 استعملوها قليلا، وأكلا ولطوخاً، كما سحقوها وخلطوها بالزيت لاستعمالها قطرات في معالجهً أمراض الأنف، وقد كانوا يبالغون في منافعها، فاستعملوها في معالجه امراض كثيرة باطنية وخارجية وذكروا ان الرسول قال: "إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء، إلا السأم"، والسام الموت.

وعولج باْلألبان، ولا سيما ألبان الإبل. وهم يفضلون لبن الإبل على سائر الألبان. وقد عولج به مختلف الأمراض، ومن ذلك "السقم".

وعالجوا بأبوال الإبل أيضاً. وورد في شعر "لبيد بن ربيعة العامري" أنهم عالجوا ببول الإبل، وكانوا يغلونها أحياناً ليشربها المريض.

وعولج ب "التلبينة"، حساء من نخالة ولبن وعسل، وقيل حساء يتخذ من ماء النخالة فيه لبن. وذكر أنها تجم فؤاد المريض وتذهب ببعض الحزن وتنظف المعدة. وعالجوا بلحساء لغسل البطن وتنظيفها من سوء الهضمْ.

وعولج بإهراق الماء على المريض، وذلك في أمراض، الحمى، وفي الأمراض التي يشعر المريض بأن في جسمه حرارة والتهاباً، فيجلس على كرسي ويصب الماء عليه، حتى يخفف من شدة حرارة المربض. كما عولجت الحمى بنصح المريض بالاكثار من شرب ألماء البارد وغسل الأطراف.

وللمحافظة على الأسنان ولظهورها بيضاء نظيفة، استعملوا السِواك وبعض الأعواد لاستخراج الفضلات التي تتخل الأسنان، وما زال الحجاج يستوردون المساويك من مكة. وقد اشتهرت مكَة منذ الجاهلية بالسواك، يستخرج من اغصان أشجار تنبت هناك، لأغصانها رائحة طيبة، وتساعد على تبييض الأسنان. ومن المواد التي عملت منها المساويك: البشام، والضرو، والعثم، والأراك، والعُرجون، و الجر يد، و الإسحل.

وقد حث الإسلام على تنظيف ألأسنان بالمسواك. ورد في الحديث: "السواك مطهرة للفم" أي يطهر الفم. وأشير إلى المسواك في الشعر، إذ ورد: وكأن طعم الزنجبـيل ولـذة  صهباء ساك بها المسحر فاها

وهو للشاعر "عدي بن الرقاع"، وورد في شعر آخر: إذا أخذت مسواكها ميحت بـه  رضاباً كطعم الزنجببل المعسل

واستعمل الإثمد والكحل في معالجة الرمد، كما استعملوا قطرات من أدوية استحضروها مثل ماء الكمأة في معالجة أمراض العين. وذكر إن الإثمد يحد البصر، ويقوي النظر.

والكحل، من جملة مواد تطبيب العيون، ومن جملة وسائل الزينة كذلك. يستعمله الرجال والنساء. وقد كان معروفاً عند الشعوب الأخرى، يصنع من حرق اللبان أو قشور اللوز،ومن السخام المتبقي من حرق بعض الدهون والزيوتْ. وقد عرفت مكة لصنع الكحل قبل الإسلام، ولا تزال مشهورة به. وقد كان الناس يحملون المكاحل في جيوبهم ويحتفظون بها في بيوتهم، يعملونها من القرون أو المعادن، ويبالغ الأغنياء منهم في زخرفتها وفي تزيينها للتبجح بها عند اخراجها أمام الناس.

ونصحوا بتنقيط نقط من باء بارد في العين عند النهوض من النوم، لجلائها وأزالة الغشاوة عنها، كما نصحوا بوضع القدمين و اليدين في ماء بارد أو حار، وذلك لمعالجة العين، ولمعالجة القدمين واليدين أيضعاً. وقد عرف العبرانيون هذه المعالجة كذلك.

وكانوا يعالجون الماء الأسود الذي يحدث في العين بالنقب، أي القدح. وقد ورد فى حديث "ابي بكر"، أنه اشتكى عينه فكره أن ينقبها. و "الناقب" و "الناقبة" داء يعرض للانسان من طول الضجعة، وقيل هي القرحة التي تخرج بالجنب. وعالجوا الماء الأبيض باستعمال الأشياء الرفيعة الحادة مثل السكين أو العاقول، لرفع الغشاء الرقيق وسحبه عن للعين، بعد اكتمال نزول الماء بها.

ولقطع نزيف الدم المنبعث من الجروح، استعملوا الرماد، والزيوت المغلية تسكب على الجرح، لقطع نزيف الدم. أما النزيف النازل من الأنف، وهو الرعاف، فقد استخدموا الماء البارد لقطعه. وقد عرفوا كذلك ربط الجروح بشدة حتى يقف الدم فينقطع، واستعملوا الضماد والمناديل لمنع الدم من الخروج، ومن ذلك قولهم: ضمد الجرح، أي شده. واستعملوا حرق الحصير والمواد القابلة للاشتعال لاستعمال رمادها لقطع النزيف، أو وضع الملح على الجرح لايقاف نزيف الدم منه. ولمعرفة عمق الجروح ومقدار غورها، استعملوا آلة يسمونها المِسبار، والسبِّار، فتيل يجعل في الجرح. ويعبرون عن مداواة الجرح بقولهم أسَا الجُرحَ، أي داواه وشفاه.

وقد عولج الإمساك بالحقن، أي حقن المريض، وباستعمال المسهلات لتليين المعدة.

والباسور من الأمراض المعروفة عند الجاهليين، وقد أشير إليه في كتب الحديث. "وفي حديث عمران بن حصين، وكان مبسوراً، أي به بواسير". واللفظة معربة. والبواسير جمع "باسور". والناسور علة تحدث في حوالى المقعدة، وعلة تحدث في المآقي، وفيَ اللثة.

وعولجت الأورام التي تصيب الجلد بالمناقيع واللصقات، ولا سيما اللصقات الحارة، كي تعجل في اخراج الصديد من العضو المتورم. واستعملت هذه اللصقات من سحق بعض الحبوب ذات المادة الدهنية، مثل حب الكتان أو حب البخور، وبعد سحقها توضع على النار ثم تفرغ في قماش لتوضع فوق الورم لازالته، وتحويله إلى صديد. واستعملت من مواد أخرى مثل التمر مع الزبد وأمثالها، وكلها على أساس إن الدفء الذي يكون فيها يسبب زوال الورم وتحوُّل الدم الفاسد إلى صديد يخرج أو يجف.

واستعمل "الزقوم" في معالجة الجروح. وهو مرّ شديد المرارة، وأشير إلى "شجرة الزقوم" و "شجر من زقوم" في القرآن الكريم، ولما نزلت الآية لم تعرف قريش معنى الكلمة، "فقال أبو جهل: إن هذا الشجر ما ينبت في بلادنا، فمن منكم يعرف الزقوم ? فقال رجل قدم عليهم من أفريقية: الزقوم بلغة افريقية: الزبد بالتمر. فقال أبو جهل: يا جارية هاتي لنا زبداً وتمراً نزدقمه، فجعلوا يأكلون منه ويقولون: أفبهذا يخوفنا محمد في الآخرة!".

والزقوم نبات بالبادية منه زهر ياسميني الشكل. وقيل شجرة غبراء صغيرة الورق مدورتها لا شوك لها ذفرة مرة لها كعابر في سوقها كثيرة ولها وريد ضعيف جداً يجرسه النحل ونورتها بيضاء ورأس ورقها قبيح جداً. وفي أريحا شجرة يقال لها الزقوم لها ثمر كالتمر حلو عفص، ولنواه دهن عظيم المنافع في تحليل الرياح الباردة وأمراض البلغم وأوجاع المفاصل والنقرس وعرق النسا، وذكر أن أصلها من الهند، جاءت به بنو أميّة من أرض الهند وزرعته بأريحا.

وعولجت كسور العظام بالجبائر، وبالدلك، ووضع المناقيع فوق العضو المصاب عظمه بالكسر، والجبيرة: العيدان التي تجبر بها العظام، وذلك بعد جبر المجبر لها.

ومن المصطلحات الطبية المتعارفة عند الجاهليين: "البطنة"، وهي التخمة.

وتعالج بالحمية وبالمنتقعات والحقن. وقد عرف الجاهليون أثر المعدة في الصحة العامة، فعُدّت بيت الداء، والحمية رأس كل دواء.

والأمراض التي تعرض لها الجاهليون عديدة، منها: العمى، والعَوَر، والتهاب العيون، والرمد، ومنها: ما يصيب الجلد، مثل البرص والوضح، والبهق، والحكة، والدمامل، و البثور، والجرب، والقرح، ومنها امراض داخلية، مثل أوجاع المعدة والكبد واليَرَقان والصداع والشقيقة، وذات الجنب وأوجاع المفاصل والعظام، والفالج، والسل، و الحمى، وأمراض أجهزة البول والحمى والبُرّداء. وأمراض القلب والرعشة والجنون والأمراض العصبية الأخرى وغير ذلك من أمراض لا تزال معروفة.

ومن الأمراض المعروفة عند الجاهليين البرص، وهو مرض يصيب الجلد، وهو غير الجذام ويطلقون عليه "الوضح" كذلك، لبياض يظهر في ظاهر البدن ومنه قيل لجذيمة الأبرش جذيمة الوضاح. وقد كان معروفاً في الشرق الأدنى، وأشير إليه في التوراة، وهو نوع من "البسورياس" Psoriasis أو "اللبرا" Lepra, Leprosy. ويظهر انه كان كثير الانتشار، وممن أصيب به "الحارث ابن حلزة اليشكري"، وجماعة آخرون من الأشراف والمعروفين ذكرهم أهل الأخبار.

وقد نعت البرص ببعض النعوت، فقيل لمن به برص "المحجل"، و "الوضاح"، و "الوضح" البرص. وقد كان الناس يكرهون مجالسة البرُص خشية العدوى، فكان الملك "عمرو بن هند" يتجنب مؤاكلة الُبرص، ويأمر بنضح الأمكنة التي يجلسون عليها حذر العدوى. وكانت قريش قد أخرجت "أبا عزة، عمرو ابن عبدالله بن عمير بن وهيب بن حذافة"، وهو من البُرص، من مكة مخافة العدوى، فكان يكون بالليل في شُعَف الجبال، وبالنهار يستظل بالشجر.

وأما الجذام، فإنه من الأمراض المعدية، وقد كان معروفاً بين الجاهليين، وقد ورد النهي عن الاختلاط بالمجذومين في حديث: "فر من المجذوم فرارك من الأسد" مما يدل على شدة عدواه واختلاط المجذومين بين الناس في ذلك العهد. وذكر علماء اللغة أن الجذام علة تحدث من انتشار السوداء في البدن كله، فيفسد مزاج الأعضاء وهيأتها، وربما انتهى إلى تقطع الأعضاء وسقوطها عن تقرح.

و "البهق"، هو مرض جلدى أيضاً، يترك بياضاً في الموضع المصاب من الجسد، وهو "زرعة" في العبرانية. ويدعى Laprosy.

وقد كانت أمراض الجلد من الأمراض المتفشية بالنسبة إلى تلك الأزمنة، لقلة العناية الطبية وللفقر وعدم توفر وسائل النظافة والتنظيف بين معظم الناس. ولسوء تغذيتهم بسبب فقرهم العام.

و "السفعة" من امراض الجلد، وهي سواد أو حمرة يعلوها سواد أو صفرة، تظهر في الوجه. وقد علل حدوثها بإصابة العين، والثؤلول، بثر صغير صلب على صور شتى تصيب الجسد، وقد مات "أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب" من ثؤلول كان برأسه، حلقه حلاق فقطعه فمات منه.

ومن الأمراض الخطيرة التي أشير إليها في كتب الحديث والأخبار: الحمى، وقد كانت شديدة الانتشار في المدينة، حتى أضعفت أجسام معظم أهل المدينة والمهاجرين. وهي علة يستحر بها الجسم، وقد أهلكت كثيراً من الناس، ولذلك قيل: الحُمى رائد الموت، أو بريد الموت، وقيل: باب الموت. وقد اشتهرت خيبر بنوع خاص من الحمى.عرف باسمها، فقيل: حمى خيبرية وحمى خيبر وحمى خيبري، وذكر علماء اللغة أسماء للحمى تحكي صفاتها وكيفية ظهورها وتحكمها في البدن، فقالوا: حمى الغب، وذلك اذا أخذت المريض يوماً وتركته يوماً، وحمى الربع، وحمى الصالب، وهي الحمى التي يكون معها صداع، والنافض، والراجف التي تكون معها رعدة ونفضة، وحمى مغبطة ومردمة، أي دائمة عليه لا تقلع، وتسمى الحمى المطبقة أيضاً، والوعك الحمى، وحمى الروح، وحمى الدّق أن يغمى عليه في الحمى، والورد هو يوم الحمى. ويقال للعرق الذي يتصبب من الحمى: الرُحَضاء، ولأول ما يحس بالحمى: المسّى. ويقال في السريانية للحمى "حمتو" Hemto بمعنى حرارة.

وذكر أن "حمى صالب"، أو "الصالب" حمى معها حرّ شديد وليس معها برد. وقال بعض علماء اللغة: الصالب من الحمى الحارة خلاف النافض. وقيل هي التي فيها رعدة وقشعريرة. و "الحمة" في تعريف العلماء علة يستحر بها الجسم، سميت لما فيها من الحرارة المفرطة، وإما لما يعرض فيها من الحميم، وهو العرق. ورد في الحديث: الحمى من فيح جهنم.

وقد لاقى الرسول و الصحابة شدة من "حمى" المدينة، وقد ذكر إن "أبا بكر" كان إذا أصابته الحمى وكانت تزوره مناوبة- قال: كل امرئ مصبح في أهلـه  والموت أدنى من شراك نعله

وكان بلال، إذا أقلعت عنه الحمى، يقول: ألا ليتَ شعري هل أبيتن ليلة  بوادٍ وحولي اذخر وجلـيل

وهل أردن يوماً مياه مجـنة  وهل تبدون لي شامة وطفيل

وكان عامر بن فهيرة، يقول: قد وجدت الموت قبل ذوقه  كل امرئ مجاهد بطوقه

كالثور يحمي جسمه بروقه إلى غير ذلك مما يخبر عن شدة وقع تلك الحمى في أجساد المهاجرين، ولما رأى الرسول ما حلّ بصحابته من هذه الحمى ومن ضجرهم من الإقامة بيثرب بسببها توسل إلى الله إن يخفف عنهم أذاها وأن يزيل عنها هذا المرض وأن يبرأها منه.

ويقسم العرب الحمى إلى نوعين: حمى يشعر الإنسان فيها بحرارة شديدة تصيب الجسم، قد تجعله يتصبب عرقاً من شدة وقع الحمى على الجسم، ولا يكون معها برد، وقد يصاب المريض بها بصداع ووجع شديد في الرأس، وحمى يشعر الإنسان فيها بنفضة ورعدة وقشعريرة، يقال لها "نافض" و "النافض"، و "حمى نافض"، وهي حمى الرعدة، لوجود رعدة وقشعريرة بها تصيب الجسم. ويقول العرب لقرة الحمى ومسها في أول، عدتها "العرواء"، وقيل أول ما تأخذ من الرعدة. ويقال لهذه الحمى "الراجف"، لأنها ذات رعدة ترجف مفاصل من هي به. و "القعقاع"، وهي حمى نافض تقعقع الأضراس. و"القفة".

وقد كانت الحمى منتشرة في المواضع التي تكون فيها الينابيع والمستنقعات والمياه الآسنة الواقفة وما شاكل ذلك من أمكنة، ولما كان العرب في حاجة شديدة إلى الماء، كانوا يشربون منها اضطراراً، فأصيبوا بسبب ذلك بأنواع من الأمراض: وقد كانت وسائل مقاومة البعوض الناقل للحمى غير معروفة، كما إن وسائل العناية بالصحة وتنظيف الجسم لم تكن متوفرة عندهم بسبب فقر أكثرهم، لذلك صارت أجسامهم معرضة لمختلف الأمراض، ولا سيما بين أهل المدر الذين لم تكن بيوتهم صحية، ولا مياههم نقية، وكانت بيوتهم ضيقة غير صحية، فكانوا يصابون بالسل وبالأمراض الأخرى، أكثر من الأعراب المتباعدين في السكن، والذين لا يعرفون البعوض، ويستنشقون الهواء النقي، وتقيهم الشمس من شر الجراثيم.

والذبحة، وهي داء يأخذ بالحلق، وقد كان معروفاً بين الجاهليين، وكانوا يعالجونها بالكي، ذكر أن الرسول كوى "أسعد بن زرارة" في حلقه من "الذبحة"، وقيل "الشوكة". وأنه عاد "البراء بن معرور"، وأخذته الذبحة، فأمر من لعطه بالنار.

وقد أشير إلى مرض عرف ب "خبط" في نصوص المسند، وقد فسر أنه برد شديد في الرأس.

وقد كانت الأوبئة تفتك بالناس فتكاً، فكان الأغنياء والموسرون يفرون من الأماكن المزدحمة إلى أماكن بعيدة، ويلجأون إلى الصحارى ابتعاداً عن المصابين بها. وكانوا يرجعون أسبابها وأسباب الأمراض عموماً إلى غضب الآلهة على الناس، والى أرواح شريرة تصيب الجسم من الأكل والشرب، والى أنواع من الهوام والحشرات. ومن أشهر أنواع هذه الأوبئة الطاعون والجدري والهيضة.

والطاعون المرض العام والوباء، وقد أشير إليه في كتب الحديث. ويظهر انه كان منتشراً معروفاً في الحجاز وفي سائر أنحاء جزيرة العرب آنئذ. وقد جعل بعض العلماء الطاعون نوعاً من أنواع الوباء، وفرَّق بينهما بعض علماء اللغة، وجعلوا الوباء المرض العام عامة، مهما كان، مثل انتشار الحمى والجُدرَي والطاعون والنزلات والحكه والأورام. وقد ذُكرت الأوبئة في كتب الحديث. و "الدبل" الطاعون.

ونسب الجاهليون حدوث الطاعون إلى "وخز الجن"، فهو يقع لأن الجن تطعن الشخص وتخزه فيصاب بالطاعون. وقد اشار إلى هذا الرأي "حسان بن ثابت"، أشار إليه في أثناء حديثه عن أعاصير نزلت ب "بصرى" وب "رمح" وعن "دخان نار"، حتى أثرت في كل قصر ومنزل في ذينك المكانين، ثم أعقب ذلك "وخز جن بأرض الروم"، اي بلاد الشام وفيها المكانان المذكوران إذ كانت تحت حكم الروم، كما أشار إلى هذه الفكرة شاعر آخر اسمه "الغساني".

ونجد في كتابات المسند إشارات إلى أوبئة تكتسح البلاد فتفني عدداً كبيراً من الناس. فنجد فيها أن فلاناً يحمد آلهته لأنها منت عليه بالعافية وأنقذته من الوباء الذي تفشى في أيامه فأهلك الناس. وقد كان القدراء من الناس يهربون من الأرضين الموبوءة إلى أرضين أخرى بعيدة سالمة ليتخلصوا من الوباء. ونجد في الكتابة الموسومة ب "CIH 343" رجلاً اسمه "يحمد" يشكر إلهه "تألب ريام"، لأنه منّ عليه بالعافية وشفاه من المرض الذي نزل به في وباء انتشر فيما بين "هوزن" "هوازن" "هوزان" و "سهرتن" "سهرت". وقد كانت الأوبئة تكتسح المناطق الواقعة عند قواعد الجبال وفي المناطق الحارة الرطبة، ولا سيما التهائم. وتقع "هوزن" "هوزان" "هوازن" عند مرتفعات "حراز".

وقد كانت الحروب من المصادر التي غذت العربية الجنوبية بمادة دسمة من الأوبئة. فقد كانت تأتي على عدد كبير من الناس، فتتركهم جثثاً تتعفن على ظاهر الأرض، كما كانت تأتي على مواطن السكن ومواضع المياه وتأتي على كل ما يملكه الناس، وتزيد في مشكلة الفقر مشكلة، وتبعد الناس عن النظافة، فتهيئ بذلك للاوبئة أمكنة جيدة، لتلعب بها كيف تشاء. ودليل ذلك ما تجده في كتابات المسند من اشارات إلى أمراض وأوبئة تعم المناطق المنكوبة بالحروب، حيث تكتسح من الأحياء، ما لم يتمكن السيف من اكتساحه منهم.

وذكر الأخباريون نوعاً من البثور يخرج بالبدن، دعوه: العدسة، عرفوه أنه: بثرة صغيرة شبيهة بالعدسة، تخرج بالبدن مفرقة، كالطاعون، فتقتل غالباً، وقلما يسلم منها. وقد رمي بها أبو لهب فمات. والظاهر أن هذا المرض كان منتشراً بمكة، فقد روي أن قريشاً كانت تتقي العدسة، وتخاف عدواها.

وقد كان الجاهليون يعرفون عدوى بعض الأمراض، فكانوا يتجنبونها ولا يقتربون من المريض المصاب بها، ويطلقون عليها العدوى، فكانوا إذا أصيبوا بأويئة، فرّوا إلى أماكن بعيدة سليمة تهرباً منها، وحجروا على المريض، لئلا يقرب منهم، فينتقل المرض اليهم. وذلك لما كانت الجاهلية تعتقده في بعض الأمراض من انها تعدي بطبعها، مثل الجذام.

والحصبة، من الأمراض المعروفة عند الجاهليين. و كذلك الجُد رَي. وقد ذكر بعض الأخباريين أن أول جدري ظهر هو ما أصيب به أبرهة. وهو قول من هذه الأقوال المعروفة عند الأخباريين، فالجدري من الأمراض القديمة المعروفة عند الجاهليين قبل أبرهة بزمان.

وذكر إن العرب عالجت الحصبة والجدري بمُرار الشجر، وبالحنظل والحرمل.

و "السل" من الأمراض المعروفة بين الجاهليين. ذكر بعض أهل الأخبار انه عرف ب "داء الياس"، لأن "الياس بن مضر" اول من مات من السل، فسمي بذلك، وسمي ب "ياس".

ومن العلل: اليرقان، والصداع، و "الشقيقة"، وهو وجع يكون في شق الرأس، و "السعال" وجع في الصدر، والزكام، والزحير، والحصر وهو انقباض البطن، والأسر وهو احتباس البول والحصى في مجرى البول، والحكة، والحصف، والحمرة، والشرىَ، و الحماق، و القُوَباء، والثؤلول، والعُرّ وهو الجرب الأبيض، وداء الثعلب ويصيب الشعر، وداء الفيل ويعتري الرجلين، والدّوّار، والهيفة، وتسمى الفضجة، والنملة، وهي بثور صغار مع ورم يسير ثم تتقرح فتسعى وتتسع، وتسمى أيضاً الذباب، والجنون والخدر، والفالج، والحزاز وهي القشرة التي تصيب الرأس، والحدبة، والطرش، والطلق، والجشاء، والباسور، والناسور، والبهق، والكلف، وإلمغس، والمغص، والاستسقاء، و الإغماء، والاختلاج، والبخر، و الفواق، و الجشاءة، والفلس.

وعرفت القُوَباء بأنها الحزازة، وذكر أنه كَانت بوجه أبيض بن حمال بن مرثد بن ذي لحيان المأربي السبَّئي حزازة، توسعت فالتقمت أنفه. والقوباء هو الذي يظهر في الجسد ويخرج عليه، يتقشر ويتسع، يزعمون أنه يعالج بالريق. وقالوا: يا عجباً لهذه الـفـلـيقة  هل تغلبن القوباء بالريقة

ودم الملوك، دواء ينفع ويفيد في معالجة من يعضه كلب كَلِب في نظر الجاهليين. فإذا أصيب إنسان بداء الكلب، فشفاؤه بمعالجته بدم الملوكَ. وقد عرفه "ابن دريد" بقوله: "والكَلَب داء يصيب الناس والإبل شبيه بالجنون. وكانت العرب في الجاهلية إذا أصاب الرجلَ الكلَبُ، قطروا له دم رجل من بني ماء السماء، وهو عامر بن ثعلبة الأزدي، فيسقى، فكان يشفى منه. قال الشاعر: دماؤهُمُ من الكلب الشفاء".

وكانوا إذا خافوا على المرأة الحامل، ووجدوا أن ولدها ميت في بطنها، استخرجوه منها. وجوّزوا قيام الرجل بذلك. وعبرّوا عن ذلك ب "السطو".

ويلعب التطبيب بالسر والرقي والتعويذ دوراً خطراً في حياة الجاهلين، كما يظهر ذلك من الأخبار. الواردة في كتب الحديث والأدب، حتى عدّ السحر نوعاً من الطب. وقد منع الإسلام أكثرها وحرمها، ومع ذلك بقيت حية مستعملة بين الأعراب والجهلة من أهل القرى الذين لا تساعدهم أحوالهم المعاشية على مراجعة الآطباء. ويقوم هذا التطبيب على التأثير في المريض، وأستعمال بعض الخرز أو عظام بعض الحيوانات والسحر، بحجة وجود علاقة بين المرض والأرواح، وأن هذا النوع من التطبيب يطرد الروح الخبيثة التي تدخل الجسم فتصيبه بالمرض من ذلك الجسم. وهذا الرأي في المرض، رأي شرقي قديم، سيطر على كل الشعوب القديمة. فقد كان في رأي الأطباء، أن المرض روح شريرة تستولي على الجسم المريض بدخولها فيه، وان واجب الطبيب العمل بعلمه وبفنه لاخراج الروح الشريرة من الجسم.

وفي جملة الوسائل التي استعملت لمكافحة المرض والتغلب على الأرواح الشريرة أو النظر، أي إصابة الإنسان بالعين من حاسد تصيب عينه إصابة مؤذية، الاستعانة بالرقي والتعاويذ. وقد كان العبرانيون يطلقون على التعاويذ لفظة "حرط"، وهي أنواع، بعضها على هيأة قلب يعلق بسلسلة في العنق، ويتهدل القلب إلى الصدر، فيكون من جملة وسائل الزينة، وبعضها يربط بالعضد وفي مواضع أخرى من الجسم.

ولم يقتصر الجاهليون في اتخاذ هذه الوسائل على حماية أنفسهم فقط، بل اتخذوها لحماية ما يملكونه أيضاً من حيوان وزرع وملك، فعلقوا العظام أو المعادن أو نعل الحيوان مثل نعل الفرس، ورسموا العين واليد على الجدر وفوق الأبواب، لحمايتها من العيون المؤذية ومن حسد الحاسدين، ولا يزال الناس يستعملونها لحماية أنفسهم ومقتنياتهم من الاصابة بأذى العين وبحسد الحاسدين.

والجنون وسائر الأمراض العصبية معروفة بين الجاهليين أيضاً، وهم يعدونها من الأمراض التي تحدث للانسان بسبب دخول الجنون والشياطين في جسد الإنسان فتتملكه، ولا يمكن شفاء من اصابه مس من الجنون أو لوثة في العقل، إِلا بإخراج الأرواح المسيطرة على المريض من جسده ولذلك كان علاج هذه الأمراض من واجب الكهان والسحرة في الغالب، بسبب كونها أمراضاً لم تقع من آفة في الجسد، وإنما وقعت من عارض خارجي، هو دخول الأرواح إلى الأجساد، ومهمة اخراج تلك الأرواح من وظائف المذكورين.

وقد عالج العرب الجنون والخبل بشرب دماء من دماء الملوك. ومن أقوالهم: دماء الملوك شفاء من عضة الكلب الكَلِب والجنون والخبل. ومعالجة داء الكلب، بلعق دم الملوك أو الأشراف من الأدوية المشهورة عند الجاهليين في مداواة هذا المرض. ونسب إلى "الخليل بن أحمد" "أنه قال: دواء عضة الكَلْب الكلَبِ الذراريح والعدس والشراب العتيق. وقد ذكر كيف صَنعته وكم يشُرب منه وكيف يتعالج به. وذكر األ الأخبار أن "الأسود بن أوس بن الحُمرة" أتى "النجاشي" فعلّمه دواء الكَلبَ، وقد ورث ولده هذا الدواء. ومن ولده "المحل". وقد داوى "عتيبة بن مرِداس" فأخرج منه مثل جراء الكلب.

و "الأسود بن أوس"، هو من "بني الحمرة"، وهم من "ثعلبة بن يربوع". وقد ذكر "ابن دريد"، أن "الأسود بن أوس" تعلم من "النجاشي"، دواء الكلب، وأن نسله يداوون به العرب الى اليوم، أي إلى يومه، وقد صار منهم اليوم إلى "بني المحل"، فهو فيهم أيضاً.

وقد ظن الجاهليون إن النوم يؤدي إلى امتداد السم في جسد اللديغ، فكانوا يعلقون الجلاجل والحلى على اللديغ ثم تحرك لئلا ينام فيدب السم في جسده. ويقولون انه اذا علق عليه أفاق، فيلقون عليه الأسورة والرُعاث، ويتركونها عليه سبعة أيام ويمنع من النوم. قال النابغة: يسهد في وقت العشاء سليمها  لحلى النساء في يديه قعاقع

وفي جملة ما داووا به الخدر الذي يصيب الرجل، انهم كانوا يذكرون أحب الناس إلى الشخص، فيذهب الخدر عنه.

وزعموا انه اذا ظهرت بشفة الغلام بثور، يأخذ منخلاً على رأسه ويمر بين بيوت الحي، وينادي: الحلأ الحلأ، فيلقى في منخله من هاهنا ثمرة، ومن هاهنا كسرة، ومن ثم بضعة لحم، فإذا امتلأ، نثره بين الكلاب، فيذهب عنه البثر، وذلك البثر يسمى: الحلأ.

وإذا أراد احدهم دخول قرية، فخاف وباءها، أو جنها، فله سبيل سهل يحميه ويقيه، هو أن يقف على باب القرية والموضع الذي يريد دخوله، ثم ينهق نهيق الحمار، ثم يعلق عليه كعب أرنب، فيدخل عندئذ الموضع دون خوف. فقد فعل ما يتقي به الأذى والسوء. ويسمون ذلك التعشير. قال عروة بن الورد: لعمري لئن عشرت من خشية الردى  نهاق الحمـير إنـنـي لـجـزوع

واذا أردت المرأة المقلاة أن يعيش ولدها، ففي إمكانها ذلك اذا تخطت القتيل الشريف سبع مرّات، وعندئذ يعيش ولدها. وفي ذلك يقول بشر بن أبي خازم: تظل مقاليت النـسـاء يطـأنـه  يقلن ألا يلُقى على المرء مئزر.

والجاهليون، مثل غيرهم من شعوب ذلك الزمن، وفي جملتهم العبرانيون، كانوا يرون أن الأمراض هي غضب يسلطه الآلهة على الإنسان لتنتقم منه، لسبب ما، مثل عدم قيام المريض بواجباته تجاهها، ولهذا كانوا يسرعون بتقديم النذور والقرابين إليها ترضية لها. ويرد المرض اليهم، بتسلط الهوام وبعض الديدان والأرواح الشريرة على الإنسان، فتصيبه بالمرض. ولهذا كان الطب من واجب الكهان ورجال الدين بالدرجة الأولى، هم يداوون المريض ويعطونه الوصقات التي يعتقدون أن فيها الشفاء للمريض، كما كانوا يعتقدون بالنظر، أي بإصابة الإنسان، فيلحقه المرض.

وقد مارس التطبيب بين العرب المبشرون، وذلك بعد الميلاد بالطبع، وأكثرهم من الأعاجم، وكانوا قد درسوا الطب وتعلموه على الطريقة اليونانية في الغالب، فلما أرسلوا إلى بلاد العرب أو جاءوا هم أنفسهم للتبشير، مارسوا تطبيب المرض، وقد شفوا جماعهَ من سادات القبائل، وأثر شفاؤهم هذا عليهم فاعتنقوا النصرانية. واشتهر "العباديون" بالتطبيب كذلك، ولعل ذلك بعامل تنصرهم، فقد كان أكثر رجال الدين النصارى يدرسون مختلف العلوم، وفي جملة ذلك الطب، ومنهم من ترجم كتب العلوم اليونانية إلى السريانية، فدرس العباديون هذه العلوم. وكان طبهم مبنياً على العلوم والتجارب السابقة، ومتقدماً جداً بالنسبة إلى طب أهل البادية، لذلك نجح المبشرون والنصارى في معالجة أمراض الأعراب، ولا سيما سادتهم، الذين صاروا يقصدونهم لنيل الشفاء على أيديهم. ومن ثم اشتهر النصارى بالطب، ولما جاء الإسلام، كان أكثر الأطباء من النصارى، وعلى أيديهم تخرج الأطباء المسلمون.

وقد استخدم الجاهليون النساء لتمريض الجرحى في غزوهم وغاراتهم، وقد فعل المسلمون فعلهم. قالت "بنت معوذ بن عفراء": "كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، نسقي القوم ونخدمهم ونردّ القتلى والجرحى إلى المدينة". وقد كان في مسجد الرسول موضع يعالج فيه المرضى والجرحى، وكان الرسول والصحابة يتفقدون المرضى النازلين به.

وليس في الموارد المتوفرة لدينا ما يدل على إقدام الأطباء الجاهليين على التشريح، للاستفادة منه في زيادة علمهم بالطب. وقد كانت شعوب الشرق الأدنى تنفر من تشريح الإنسان، وتعدّه مثلة واهانة للمتوفى، وعملاً مخالفاً لأحكام الدين، ولذلك نهت عنه. والجاهليون لا يختلفون من هذه الناحية عن غيرهم إن لم يزيدوا عليهم في هذه الأمور التي يعدونها حرمة وكرامة للإنسان. وتشريح الميت وتقطيع بعض أجزاء جسمه، اعتداء على حرمة الميت، واهانة له ولأهله الأحياء، ولهذا لا نطمع في الحصول على موارد قد تفيد بوجود خبرة علمية عند الأطباء الجاهلين ناتجة من تجاربهم وبحوثهم التي حصلوا عليها من التشريح.

ولم يرد الينا أيَ شيء مفيد في الكتابات الجاهلية عن الطب والأطباء، وإن أملنا الوحيد في الحصول على معارف عن الطب، متوقف على المستقبل يوم يقوم علماء الآثار بالتنقيب تنقيباً علمياً عميقاً في باطن الأطلال الأثرية، للكشف عن تأريخ الماضين. وعندئذ يكون من الممكن العثور على نصوص قد تكشف النقاب عن الطب الجاهلي وعن العلوم الأخرى وعن مختلف نواحي الثقافة عند الجاهليليين.

ويقال للمرض "مرضم" أي مرض في الكتابات الجاهلية. وتؤدي لفظة "حلصم" "حلظم" "حلظ" معنى مرض ووباء. ويتبين من بعض الكتابات إن أوبئة شديدة وأمراضاً مهلكة كانت تقع في بعض الأحيان، فتفتك بالناس. وقد كانوا يتجنبونها بالتضرع إلى الآلهة للرحمة بهم وتخليص من الضر، كما كانوا يتركون المدن والأماكن المزدحمة إلى محلات بعيدة مكشوفة غير موبوءة حتى ينكشف الوباء. وفي جملة هذه الأوبئة الطاعون.

ويعبر عن المرض في المسند بلفظة أخرى هي "شين"، وهي في معنى "شعين" Sha'en في الأثيوبية و "سيعون" Se'on في العبرانية و "شينو" Shenu في البابلية، وذلك كما في هذا النص السبئي: "تشين شين ارجلهو"، أي المرض الذي مرض أرجله، و"تشين" بمعنى المرض. وكما في هذه الجملة: "بن هوت تشين"، أي "في هذا المرض" و "من هذا المرض". وتعني "شين" أذى ومكروه ومعنى سوء كذلك، وهي في عربيتنا العراقية ضد "الزين" أي الحسن، فنقول: زين وشين، أي حسن وقبيح، أو جيد ومكروه.

ووردت لفظة "عوس" بمعنى وباء أو طاعون. وأما "خوم"، فتؤدي معنى "وخم" و "خامة"، ويراد بها انتشار الأمراض والأوبئة، أي وباء. جاء في بعض النصوص "عوس ذكون بأرضن"، اي "الأوبئة التي انتشرت بالأرضين". وورد "خوم وعوس وموت كون بأرضن"، أي "الوخامة" "الوخم" والأوبئة والوَفَيات التي تفشت في الأرض، ورد "كن ضلم وعوسم باشعبن وهكرن"، أي "وكانت أو وتفشت أمراض وأوبئة بالقبائل والمدن". وورد "خوم ذكين بكل ارضن"، أي "الوخامة "أوبئة" تفشت في كل أرض". ويفهم من هذه النصوص أن العربية الجنوبية، كانت معرضة لأوبئة عامة، تأتي فتكتسح البلاد اكتساحاً، تميت الأعراب، أبناء القبائل، كما تميت أهل المدن، فتشمل مناطق واسعة من البلاد، وقد كانت تطهر خاصة بعد الحروب التي كانت تفني القرى والمدن، وتدمر مواضع المياه، وتترك الجثث ملقاة على سطح الأرض حتى تنتن وتجيف، فتتفشى منها الأمراض، وتظهر الأوبئة، وتتسرب إلى مواضع نائية لتضيف إلى خسائر الحرب خسائر أخرى فادحة في الأرواح.

وقد وردت في نصوص ثمودية اشارات إلى أمراض كانت معروفة في ذلك الوقت.

وفي العربية ألفاظ عديدة تعبر عن الأوجاع والآلام والأمراض والأسقام التي تصيب الإنسان، وتستعمل للتعبير عن منزلة ودرجة من درجات الأمراض التي تصيبه، من نفسية وغير نفسية. وتحديد مدلولاتها وحدودها، يفيدنا كثيراً في تكوين رأي في مدى تأثر الجاهليين بالنواحي الطبية والنفسية في ذلك العهد.

وقد كان الختان شائعاً بين العرب، ويستعمل "الموسى" للختان، ولوقف الدم تستعمل أدوية خاصة من مراهم ومواد، كما يستعمل الضماد أيضاً. ولم يكن الختان من أعمال الطبيب، انما يقوم به الختّان، والحلاقون والحجّامون.

وقد عرف الجاهليون طريقة تغطية بعض العيوب أو الاصابات التي تلحق بأعضاء الجسم، بالاستعانة بالوسائل الصناعة، فشدوا الأسنان وقووها بالذهب، وذلك بصنع أسلاك منه تربط الأسنان، أو بوضع لوح منه في محل الأسنان الساقطة.

واتخذوا أنوفاً من ذهب، لتغطية الأنف المقطوع، كالذي روي عن عرفجة بن أسعد من انه اتخذ أنفاً من ذهب، وكان قد أصيب أنفه "يوم الطلاب" في الجاهلية.

وتخصص نفر من الجاهليين بمعالجة الحيوان، وهم البياطرة، يعالجون أمراضها فيصفون الأدوية، يقال للواحد منهم البطير والبيطر والبيطار، وقد أشير اليهم فىِ أشعار الجاهليين. ويعالجون الجروح التي تصيبها. وفي جملة ما كانوا يعالجون به الكيّ. والمعالجة باستعمال الفطران، وذلك بطلي الحيوان المريض به. ومن هذه الأمراض الجرب. ويقال للحيوان المطلي بالقطران "المقطور" أما اذا كان أنثى، مثل ناقة، فيقال: " مقطورة". ويقال إن الجرب، هو العُرّ، والعرّ بثر في الإبل، ويعالج بالقطران. قال علقمة الفحل: قد أدبر العُر عنها وهي شاملـهـا  من ناصع القطران الصرف تدسيم

وكان بعضهم إذا وقع العُرّ في إبلهم، "اعترضوا بعيراً صحيحاً من تلك الإبل، فكووا مشفره وعضده وفخذه، يرون أنهم اذا فعلوا ذلك ذهب العُرّ عن إبلهم". ويقال إنهم كانوا يفعلون ذلك، ويقولون: تؤمن معه العدوى: قال النابغة: وكلفني ذنب امرئ وتـركـتـه  كذي العُرّ يكوى غيره وهو راتع

والهناء: ضرب من القطران تطلى به الإبل، لمعالجة الجرب وغير ذلك. ويقال للجرب عند أول ظهوره: النقب. ويقال للبعير المهنوء بالقطران "المشوف".

وعالجوا أمراض الجلد التي تصاب بها الإبل بطليها بالنفط. ويقال لذلك: "الكحيل".

ومن الأمراض التي تصيب "الإبل" مرض "الدبرة"، يظهر في سنام الإبل فلا يزال يأكل سنامه حتىُ يُحَبَّ، أي يقطع، وإلا نزل على السناسن فيصيبها ويموت الحيوان. واذا كان السنام مكشوفاً، فإن الطيور تنقره فيتأذى الحيوان ويتألم وقد يموت، ولعل ذلك هو الذي حمل الجاهليين على التشاؤم من "الأخيل" وبعض الطيور الأخرى التي كانت تحط على ظهور الإبل فتنقر سنامها. ويقال للجمل الذي يقطع سنامه "الأجبّ".

ومن الأمراض التي كانت تصيب الإبل "السوّاف"، وقد عرف بأنه داء يصيب الإبل فتهلك. و "الجارود"، وهو مرض معدٍ، إذا فشا أهلك الإبل. وقد ظهر في "بكر بن وائل"، فأهلك إبلها. وهم يعلمون انه من الأمراض التي تعدي، وتنتقل بالعدوى. وذكر أهل الأخبار إن "الجارود العبدي"، وهو رجل من الصحابة من عبد القيس، إنما سمي "جاروداً" لأنه فرء بإبله إلى أخواله من "بني شيبان" وبإبله داء، ففشا ذلك الداء في إبل أخواله فاهلكها، وفيه يقول الشاعر: لقد جرد الجارودُ بكر بن وائل

وللذلك سمي المشؤوم جاروداً.

ومن أمراض الدواب مرض يقال له "العقل"، يصيب رجل الدابة، إذا مشت ظلعت، وأكثر ما يعتري في الشاءْ. ومرض "الحلمة"، دودة تقع في جلد الشاة الأعلى وجلدها الأسفل، وقيل: دودة تقع في الجلد فتأكله، فإذا دبغ وهى موضع الأل وبقي رقيقاً. وقيل: القراد أول ما يكون صغيراً قمقامة، ثم يصير حمنانة، ثم يصير قراداً، ثم حلمة.

وكانوا ينقون رحم الفرس أو الناقة من النطف، ويخرجون الولد من بطن الفرس أو الناقة ويعبر عن ذلك بلفطة "مسى".

ويذهب بعض الباحثين إلى أن لفظة "بيطار"، هي من أصل يوناني، هوIppiyators.

ومن الذين عرفوا بين الجاهليين بمعرفتهم بالبيطرة "العاص ين وائل"، وكان يعالج الخيل والإبل. وقد برع البياطرة بمعرفتهم خاصة بالخيل والابل، لأنها أثمن أموال العرب. وعناية العرب بالخيل، هي التي حملت الإسلاميين على وضع مؤلفات خاصة فيها. ومن جملة من ألف في الخيل "أبو عبيدة" و "أبو زيد الأنصاري" و "الأصمعي" وآخرون وللاصمعي كتاب في الإبل، ولأبي عبيدة كتاب في الابل كذلك. ولأبي زيد الأنصاري كتاب في هذا الموضوع أيضاً. ولأحمد بن حاتم مثله، وقد ألف غيرهم في الابل وفي حيوانات أخرى،. وقد طبعت بعض، هذه الكتب.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق