إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 3 فبراير 2016

1726 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثامن عشر بعد المئة الخزف والزجاج والبلور


1726

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
     
الفصل الثامن عشر بعد المئة

الخزف والزجاج والبلور

الخزف: ما عمل من الطين وشوي بالنار فصار فخاراً، وبائعه الخزّاف. والفخّار: الخزف. وذكر انه ضرب من الخزف تعمل منه الجرار والكيزان وغيرها. وورد في القرآن الكريم: )من صلصال كالفخار(.

والفِخارة من الحرف المعروفة عند الجاهليين. ومادة الفخار الطين يسوّى على الشكل المطلوب. فإذا جف، فخر بالنار. وأواني الشرب أي الجرار هي من أكثر الفخار استعمالاً حيث يوضع فيها الماء، والكيزان. واستعمل الفخار لخزن المواد الغذائية أيضاً، ولحفظ الأشياء الثمينة مثل الذهب والنقود والحلي، ولأغراض أخرى عديدة، ويكون في كَل الأماكن الأثرية مادة مفيدة للآثاريين.

وقد ذهب بعض علماء اللغة إلى إن "الكوز" لفظة معربة، عربت عن الفارسية، وذهب آخرون إلى انها عربية أصيلة، وصانعها هو "الكوّاز". وعرف الخزف بأنه كل ما عمل من طين وشوي بالنار حتى صار فخاراً. أما صاحبه، فهو الخزّاف.

وقد عثر على جرار على هيأة "الثومة"، أي ذات عنق طويل، وأما أسفلها فواسع، في مواضع متعددة من جزيرة العرب وفي بلاد الشام. وتعرف ب "بقبق"و "بقبقة". وهي "بقبق" "بقبوق" في العهد القديم.

وللتربة أهمية كبيرة في صنع الخزف، ولهذا اشتهرت بعض المواضع ذات التربة الجيدة بجودة فخارها، فكانت تصدره إلى أماكن أخرى. كما أن للعناية التي يبذلها الفخار في عجن الطين وفي تنقيته من الشوائب أهمية كبيرة في صناعة الفخارة.

ولم يشر أهل الأخبار إلى الآلات التي يستعين بها الخزاف والكواز الجاهلي في صناعته. ولكن سكوتهم هنا لا يكون دليلاً بالطبع على عدم استعانة الفخار والكواز بالآلات، فليس من المعقول صنع أنواع الفخار بغير آلة. فإن عملها باليد وبغير آلة، أمر يكاد يكون صعباً. وكل الخزف الذي عثر عليه، يدل على أنه صنع بآلة ؛ لأنه على شكل منتظم. والآلة التي يستخدمها الخزاف في صناعته، هي دولاب يدير قرصاً من الخشب، يوضع عليه الطين ثم يحرك، فيدور القرص ويدور الطين الذي عليه معه، ويعالجه الخزاف بيده ليعطيه الشكل الذي يريده. ولصنع خزف جيد لا بد من العناية بالطين، فيختار ترابه من تربة جيدة خالية من الأملاح والرمال، ثم يعجن بعناية، ويترك مدة ليختمر جيداً. وإلا كان الخزف رديئاً. وقد يدهن الخزف بعد جفافه بدهن ملون أو ينقش بنقوش، ثم يفخر بالنار.

واستخدم "الأتون"، لتحويل المواد التي صنعها الخزاف من الطين الى خزف. والأتون هو "كورة" في أسفله موقد توقد فيه النيران، فيرتفع لهيبها وتصعد حرارتها من خلال فتحات تكون في قاع الأتون الذي هو سقف الموقد إلى أعلى مارة بين مصنوعات الطين الموضوعة في باطن الأتون لتشويها فتتحول بذلك إلى خزف وفخار. وتكون الأتونات مرتفعة لها فتحة في أعلاها وفتحة في الجانب تغلق أثناء العمل، وتفتح بعد نضوج الخزف والفخار. ولا يزال الخزافون والفخارون يصنعون بضاعتهم بهذه الأتونات على النحو المذكور. ويذكر علماء العربية أن الأتون لفظة معربة. وأنها تطلق على أخدود الجبار والجصاص وأتون الحمّام.

وقد كان الجاهليون يدهنون الجرار أحياناً، لسدّ مساماتها لمنع السوائل من السيلان منها، فكانوا يضعون النبيذ فيها مثلاً والسمن وامثالهما. وصانعها هو الجرّار. وقد كان أهل يثرب يحملون الخمر في جرار حمر، يطلقون عليها اسم "الحنتمة"، و ذكر إن "الحنتم" الخزف الأخضر أو كل خزف. وورد: الحنتم جرار مدهونة خضر كانت تحمل إلى المدينة فيها الخمر ثم اتسع فيها فقيل للخزف كله حنتم. وقد نهي عن الدباء والحنتم. وانما نهي عن الانتباذ فيها لأنها تسرع الشدة فيها لأجل دهنها. وقد أشير إليها في شعر للنعمان بن عدي: من مبلغ الحسناء أن حليلهـا  بميسان يسقى من رخام وحنتم

وطالما استعملت الجرار لخزن الأشياء النفيسة فيها مثل الذهب والنقود والحلي وما شاكل ذلك، إذ توضع هذه الأشياء في داخل جرة ثم تسد وتدفن حتى لا يقف عليها اللصوص والطامعون في المال. وقد عثر الجاهليون والمسلمون على كنوز كانت مخبأة في جرار طمرت تحت التراب.

والقلال من صنع الخزاف. وعرفت القلة بأنها الحب العظيم، وقيل الجرة العظيمة، أو الجرة عامة. وقيل الكوز الصغير. وذكر انها إناء للعرب كالجرة الكبيرة، إلى غير ذلك من آراء، يظهر من غربلتها إن القلُة جرة كبيرة، بدليل ما ورد عنها في الحديث من اشارات تفيد كلها إن القُلة كبيرة. وقد اشتهرت "هجر" بقلالها، فقيل "قلال هجر". وهجر قرية قريبة من المدينة،وليست هجر البحرين. وكانت تعمل بها القلال. واشتهرت الأحساء بقلالها أيضاً.

وعرف "الحُب" بالجرة الضخمة وبالحابية، وبأنه الذي يجعل فيه الماء. وذكروا أنه فارسي معرب. وعرفوا "الخابية" بالحُب، سمي بالخابية لأنه يستر الشيء ويخفيه.

وقد عثر المنقبون على قلل وجرار وكؤوس من خزف، وجدت على بعضها كتابات، عثر على كثير منها في المقابر، مما يدل على أنها دفنت مع الموتى في القبر. وقد يستنتج من ذلك أن أصحاب الموتى كانوا يتصورون أن موتاهم سيحتاجون اليها فى حياتهم الثانية لشرب الماء بها، ولذلك دفنوها معهم، وقد يدل دفنها معهم، على أنهم أرادوا بذلك وضع ما كان يستعمله الميت في حياته لإظهار تقديرهم للميت، وأنهم يتنازلون عنها إليهم، ولذلك دفنوا معه حليّه وسلاحه وما كان عزيزاً عنده، فقد عثر في المقابر على رؤوس حراب، وعلى سيوف وخناجر، وسكاكين، ولا يعقل دفن هذه الأشياء مع الميت وفي قبره عبثاً، بل لابد وأن يكون لهم رأي فيه.

وقد استعملوا القدور المصنوعة من الحجر. كقدور "البُرَم" المصنوعة من حجر صلد قوي يستخرج من موضع يسمى "المعدي" لا يبعد كثيراً عن الطائف.

والأعراب أقل من أهل المدر استعمالاً للفخار، وذلك بسبب وضعة وطبيعة حياته، فالفخار ثقيل وهو سهل الكسر، ويجب بذل عناية في حفظه، وحياة الأعرابي حياة تنقل، ولا توجد لديه أوعية لحفظ الفخار من الكسر، ولهذا استخدم الأدوات المصنوعة من الجلود والمعدن والخشب بدلاً من الفخار.

ومن أواني الشرب "الراقود"، وهو دنّ، يسيع باطنه بالقار. وذكر "الجواليقي" إن اللفظ من الألفاظ الفارسية المعربة. و "القافزة"، وهي "القاقوزة"و "القازوزة". وهي مشربة أو قدح، أو الصغير من القوارير و الطاس.

ولابد أن يكون بين الجاهليين أناس تخصصوا بصنع الزجاج وعمله، فقد عثر على أواني معمولة من الزجاج وعلى قطع زجاج. وقد ذكر علماء اللغة أسماء أدوات من الزجاج، مثل "الباطية"، وهو إناء واسع الأعلى ضيق الأسفل. وذكر بعض العلماء أن الباطية شيئ من الزجاج عظيم، يملأ من الشراب ويوضع.

بين الشَّرب يغرفون منها وهو "الناجود" على رأي بعض علماء اللغة. وتصنع الأقداح والقوارير والقناديل والأسرجة من الزجاج أيضاً، والمصباح، هو السراج يصنع من الزجاج كذلك، وفيه موضع لوضع الفتيلة عليه، لتأخذ وقودها الذي يساعد على إدامة اشتعالها منه. وهذا الوقود هو الزيت.

وقد ذكر الزجاج في القرآن الكريم: )مثل نوره كمشكاة فيها مصباح،المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب درّي يوقد من شجرة مباركة(. وذكر علماء اللغة أن الزجاج: القوارير، وان الزجاجة القنديل. وأن القوارير: أواني من زجاج في بياض الفضة لصفائها.

والمصباح: السراج، وهو قرطه الذي تراه في القنديل وغيره. وعرف السراج، بأنه المصباح الزاهر الذي يسرج بالليل، والمسرجة الي فيها الفتيل. و "القنديل"، لفظة معربة، عربت عن اللاتينية من لفظة Candel.

وتعني مصباح وسراج ونبراس. وتقابل لفظة "نبراس" لفظة "نبرشتا" Nebrastha في لغة بني إرم. ولفظة "منوراه" "منوره" Manorah في العبرانية.

والقنديل، لفظة أعجمية تخصصت بالمصابيح المحمولة. وقد يعلق القنديل وقد يتصل برجل تحمله. وتقابله لفظة "نبرشتا" في لغة بني إرم. أي "النبراس" في عربيتنا. و "منوره" "مينوره" في العبرانية. وقد أشير إلى القناديل في التوراة. وتستعمل في المعابد وفي بيوت الأغنياء. وقد تصنع من الذهب والفضة والبرونز، على أشكال متنوعة.

ومن مصنوعات الزجاج "المرآة". وهي "مرات" في العبرانية أيضاً. وقد صنعت من المعادن المصقولة كذلك. مثل النحاس. ووردت في التوراة لفظة "هجلونيم" فسرت بمعنى "مرآة اليد"، وتعني "المجلاة" في عربيتنا. والكأس، هو إناء الشرب، يشرب به. ويصنع من مواد مختلفة فقد يكون من الزجاج وقد يكون من معدن مثل الذهب أو الفضة أو الحديد وقد يكون من فخار. ويقال له "كوس" عند العبرانيين. وقد ينقش ويحلى بزخارف وباللؤلؤ والحجارة الكريمة. وقد ذكر "الكأس" في القرآن الكريم.

والراووق، المصفاة، وقيل: الباطية والناجود. وذكر بعض علماء اللغة إن الراووق الكأس. وقد وردت اللفظة في شعر لعدي بن زيد العبادي: قدمته على عقار كعين الديك  صفى سلافَـهُ الـراووقُ

وقد عرف أهل العربية الجنوبية "البلور" لوجوده في اليمن وفي أماكن أخرى. وهم يستخرجونه من نوع خاص من الحجر ويصقلونه بعناية، والغالب عليه اللون الأبيض غير إن بعضه ذو الوان اخرى، هو لون الحجر الذي أخذ منه.

ولا يزال أهل اليمن يمارسون صقل الحجارة الكريمة التي يستخرجونها من بعض الجبال، مستعملين في ذلك الماء والتراب الناعم على حجارة رملية ويصنعونها بأشكال مختلفة ويستعملونها في صنع الحلي. وهي ذوات ألوان متعددة: بيِض وسوُد وخُضر وزرق وصفر وحمر، ومنها ما يجمع عدة ألوان متمازجة. ويعد جبل نقم وجبل الغراس من أهم المواطن التي تستخرج منها مثل هذه الحجارة على مقربة من صنعاء.

وقد عُني العرب الجنوبيون بشق الطرق وتمهيدها، وبعمل القناطر والجسور وقد بلّطوا بعض الطرق بالحجارة وبمادة تشبه "السمنت"، وترى اليوم بقايا قناطر عملوها في الأودية للعبور عليها، وقد دمر الكثير منها بسبب الحروب والاهمال.

ونرى في الصورة بقايا قنطرة جاهلية وقد تطرق اليها الخراب من كبر العمر. و قد عملت على وادٍ يفصل بين الجبال.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق