إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 3 فبراير 2016

1739 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثاني والعشرون بعد المئة المسند ومشتقاته الابجدية الصفوية


1739

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
        
الفصل الثاني والعشرون بعد المئة

المسند ومشتقاته

الابجدية الصفوية

والأبجدية الصفوية مثل الأبجدية اللحيانية والأبجدية الثمودية، أصلها من القلم العربي الجنوبي. وهي تتألف من ثمانية وعشرين حرفاً، غير إن كتاب هذا القلم قد تلاعبوا به كما تلاعب كتاب القلم اللحياني والثمودي بحروف المسند، وأوجدوا لهم منها أشكالاً أخرى ميزتها عن الأصل، فأخذ الحرف الواحد أشكالاً متعددة، تباعد أشكال بعضها تباعداً كثيراً عن الأصل، حتى عسرت على القارىء قراءة النص، وهذا مما أوجد مشاكل لقراء هذه النصوص في قراءتها قراءة صحيحة.

و "هاليفي" الذي هو أول من تمكن من تشخيص الأبجدية الصفوية، واول من سمّاها بهذه التسمية، لم يتوفق في الواقع إلا في معرفة "16" حرفاً من الحروف الثمانية والعشرين التي تتكون منها الأبجدية الصفوية. أما الحروف الباقية، فقد أخطأ في تشخيصها، حتى جاء "بريتوريوز" فتمكن من تشخيص خمسة أحرف أخرى، كما تمكن الأستاذ "ليتمان" من تشخيص هوية سبعة احرف، فاكتمل العدد ثمانية وعشرين حرفاً.

ومن الصعوبات التي تعترض قارىء الكتابات الصفوية في قراءة هذه الكتابات وفي فهمها أن للحروف فيها كما قلت آنفاً جملة رسوم، وان بعض رسوم الحرف الواحد هي رسوم لحرف آخر. فبعض صور الباء هي أيضاً صور للظاء، ولهذا قد تقرأ "باء"، كما تقرأ "ظاءً". ويتشابه كذلك رسم الخاء مع التاء، واللام مع النون، والهاء مع الصاد، وكذلك رسوم حروف أخرى، فكانت من هذا كله صعوبات كبيرة تعترض الباحث في قراءة هذه النصوص وفي تثبيت معناها، ولا سيما إن هذه الأبجدية هي كالأبجديات الأخرى خالية من الشكل ومن التشديد ومن حروف العلة في أكثر الأحيان ومن المقاطع، فلا فرق فيها في الكتابة بين الفعل والاسم والفاعل والمفعول به، وفيها مصطلحات وتراكيب نحوية غير معروفة في عربيتنا أو في اللهجات السامية الأخرى. وعلى الباحث إعمال ذكائه في كشف المعاني ومواقع الكلم في هذه النصوص.

وهناك صعوبة اخرى تعترض الباحث في قراءة النصوص الصفوية تكمن في عدم وجود قاعدة معينة للابتداء في الخط. فالكاتب بهذا القلم حر كما يظهر من الكتابات في اختيار الجهة التي يبدأ بها في الكتابة، فله إن يبدأ بكتابته من اليمين إلى اليسار، أي على نحو ما نفعله نحن في كتابتنا وعلى نحو ما فعله اكثر كتاّب المسند، وله أن يكتب من اليسار إلى اليمين، أي على نحو ما يفعله الكاتبون بالأبجدية اللاتينية، وله إن يمزج بين الطريقتين كما رأينا ذلك في بعض كتابات المسند، كما إن له أن يبدأ بالكتابة من أعلى إلى أسفل، وله إن يعكس الوضع فيكتب من أسفل إلى أعلى، وله أن يبدأ بالكتابة من أيسر الجهة السفلى للحجر ويتجه إلى اليمن، ثم إلى اليسار وفي أي اتجاه أحبّ وأشتهى، وله أن يختار العكس، أو أية جهة شاء، حتى انك لترى بعض الكتابات وكأنها خيوط متداخلة، وعلى القارىء إن ينفق جهداً طويلاً في استخراج رأس الخيط واستلاله للوصول إلى منتهاه.

والكتابات الصفوية مثل الكتابات الثمودية واللحيانية هي في أمور شخصية، فهي إِما في بيان ملكية شيء، أو في تعيين قبر أي كتابات قبورية، أو في رجاء وتوسل إلى الآلهة. وإما تسجيل خاطر، مثل تذكر أهل أو صديق أو حبيبة أو نزول في مكان أو في تعليق على كتابة قديمة. وكتابات مثل هذه تكون قصيرة في الغالب، وقد تكون من كلمة واحدة في بعض الأحيان. ولما كان معظمها في هذه الأمور، صارت أساليبها في الانشاء متشابهة، لا تختلف أحياناً إلا في أسماء أصحابها. وهي لذلك لا تفيدنا كثيراً من ناحية الدراسات اللغوية، غير أنها مع ذلك أفادتنا فاثدة كبيرة في نواحي أخرى، من مثل الكشف عن أسماء آلهة العرب الجاهلين، أو أسماء القبائل والأشخاص والنبات والحيوان وبعض العادات وغير ذلك مما يتصل بحياة العرب قبل الإسلام.

وترى في هذه الصورة كتابة صفوية وقد كتبت على شكل ثعبان، إذ لم يسر كتابتها على طريقة الكتابة بالسطور، وتكتب بعضها فوق بعض. وهي من الكتابات المؤرخة، وترى بعض الحروف مشابهة لحروف المسند، أما البعض الآخر، فقد ابتعد كثيراً عن الأصل.

وفي هذه الصورة لثانية كتابة صفوية، وقد كتبت على النحو الذي نراه في الصورة، وقد تصرف كاتبها في الحروف، تصرفاً تظهر عليه روح الاختزال وتصغير حجم الحرف وهي من الكتابات المؤرخة.

والصفوية مثل اللهجات العربية الأخرى في خلوّها من الشكل، لذلك تجابه الباحث في قراءة كتاباتها ما يجابهه قارىء اللهجات الأخرى من مشكلات في فهم الكتابات فهماً صحيحاً واضحاً، فلا بدّ من الاستعانة بعربية القرآن الكريم وباللهجات السامية لفهمها فهماً صحيحاً، ولم يحفل الكتاب بتثبيت الحروف في صلب الكتابة باعتبارها تعبيراً عن الحركات، ولم يستعملوا المقاطع المعبرة عن الأصوات، لضبط النطق. وقد يكتب فيها الحرف مرتين في مواضع نستعمل لها الشدّة في عربيتنا.

ومادة الكتابات الصفوية، هي الحجارة الطبيعية بأشكالها المختلفة، يأخذها الكاتب فيحفر عليها بآلة ذات رأس حاد الكلمات التي يريد تدوينها. أما الورق أو المواد المشابهة الأخرى المستعملة في الكتابة، فلم يعثر على شيء منها مكتوب بهذه الأبجدية.

ويجب إن أبين إن هذه الكتابات اللحيانيهّ والثمودية، والصفوية، لا تعني انها خطوط "بني لحيان"، و "قوم ثمود" بالضرورة، فبين الكتابات المنسوبة إلى مجموعة من هاتين المجموعتين ما لا يمكن عده من كتابة قوم من "بني لحيان" ولا من قوم ثمود، وانما هي من كتابات قبائل أخرى، وقد أدخلت في الخط اللياني أو في القلم الثمودي، لمجرد تشابه الخط. وقد ذكرت إن الكتابة الصفوية، انما عرفت بهذه التسمية، بسبب عثور العلماء عليها في "الصفاة" في الغالب، فنسبوها إلى هذه الأرض، مع إنها قبائل وعشائر مختلفة. ويلاحظ إن التباين في إشكال الحروف داخل المجموعة الواحدة مثل اللحيانية، والثمودية والصفوية، لا يقل عن التباين الذي نراه بين صور الحروف المكونة لهذه المجموعات. فأنت ترى في هذه الصورة وقد كتب حرف الألف في الصفوية بصور متباينة، تكاد تجعل من الصعب التوصل إلى إنها تمثل كلها هذا الحرف، ثم ترى الحرف نفسه في "الثمودية"، وقد كتب بصور متباينة، ويقال نفس الشيء بالنسبة لهذا الحرف في الكتابة اللحيانية. ونجد هذا التباين في كل الحروف الباقية كذلك، أما المسند، فلا نجد فيه هذا التباين، مما يحملنا على ارجاع سببه إلى ضعف وقوة يد الكتاب، والى تباين القلم الذي يكتب به. فالمسند قلم، استعمل في تدرينه قلم حاد قوي، حفر الكتابة على الحجر حفراً وبعناية، بسبب إنها وثائق وكتابات ذات أهمية بالنسبة لكاتبها، أما الأقلام الأخرى، فقد استعملت في التعبير عن خواطر في الغالب، لذلك سجلها كاتبها بأي أداة وجدها أو كانت عند تؤدي إلى إحداث خدش أو خفر على المادة التي وجدها أمامه صالحة للكتابة، فنقش عليها رأيه بسرعة وبغير تأنق، فظهرت الخطوط متباينة متغاريرة لهذا السبب، كما ترى في هذه الصورة

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق