إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 3 فبراير 2016

1723 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السادس عشر بعد المئة الفن الجاهلي العمارة


1723

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
   
الفصل السادس عشر بعد المئة

الفن الجاهلي

العمارة

لظهور الفن وازدهاره في مكان ما لابد من توفر تربة خصبة فيه تمونه بالمواد الأولية اللازمة، ولا بد من وجود جو يساعد على نمو بذوره وانمائها وازدهارها. وجزيرة العرب أرض كما نعلم غلب عليها الجفاف وتحكمت فيها أشعة الشمس المحرقة والسموم الحارة الجافة، وهي ذات جو مشرق صاف صاحٍ في الغالب، ولكنه جاف يابس، لا تبكيه السماء في الغالب إلا بمقدار، فإذا سالت دموعه، انهمرت انهماراً، وتحولت الى سيول جارفة عارمة سرعان ما تختفي وتزول، بأن تغور في باطن الأرض، وقد تنزل الأمطار نزولاً لا بأس به، فتخضر الأرض وتنبت الأزهار والأعشاب، وتضحك ويضحك الناس معها، وتهيج قرائحهم لفرحهم وطربهم من حصولهم على هذه النعمة الكبرى، التي لا تدوم طويلاً، وهذا أمر يؤسف له، أو قد لا تعود اليهم ثانية إلا بعدّ أجل، لانحباس البخار مولد المطر، فيلجأ المخلوق إلى خالقه يتوسل إليه أن يغيثه بانزال الغيث عليه بكل الوسائل التي يتوصل إليها عقله لاقناعه آلهته بإنزال المطر ليغيث الإنسان والحيوان والنبات.

ولظهور العمارة وفن النحت والزخرف، لا بد من وجود أحجار صالحة للبناء أو للنحت والحفر، حتى يكون في امكان المعمار أو النحات تحويلها إلى أبنية أو أصنام وتماثيل أو ما شاكل ذلك. وأرض سهلة لا حجر طبيعي فيها لا يمكن أن يظهر فيها بناء أو فن إلا إذا كانت قريبة من مواطن الحجر أو من مواطن الحضارة حيث تستوردها عندئذ من تلك الأماكن. لذا نجد الفن الجاهلي قد تركز وانحصر وبرز في العربية الغربية وفي العربية الجنوبية وفي المواضع القريبة من مواضع الحجر ومن اهل المدر في الغالب.

وفي اليمن أنواع من الأحجار الصالحة للبناء وللنحت، كما توفرت فيها، المواد المساعدة الأخرى التي تدخل في انشاء العمارات مثل الجبس. ولهذا قامت فيها بيوت مرتفعة ذات طوابق متعددة، ولا يزال أهل اليمن وبعض أهل المواضع الأخرى من العربية الجنوبية يبنون البيوت والقصور المرتفعة السامقة، وما كان بوسعهم ذلك لولا وجود المواد الصالحة للبناء، التي تستطيع البقاء و مقاومة الطبيعة أمداً. وبفضل المواد المذكورة بقيت أبنية من أبنية الجاهليين اليمانيين إلى الإسلام بقيت محافظة على نفسها وعلى شكلها العام، ولولا يد الإنسان التي لعبت بها وخربت أكثرها لبقيت أزمنة طويلة أخرى ولا شك. ولو كانت تلك الأبنية قد بنيت بالطابوق أو باللبن وبالمواد المستعملة في البناء في وسط وفي جنوب العراق، لما تمكنت من البقاء طويلاً، لأنها مواد لاتتحمل معاركة الطبيعة زماناً طويلا، لذلك تنهار بسرعة إذا لم ترعاها يد الإنسان دوماً بالاصلاح والتعمير.

وقد ساعدت وفرة الرخام والحجارة الصلدة في اليمن في التعويض عن استعمال الخشب القوي الصلد في البناء فاستعمل المعماريون الأعمدة العالية الجميلة ذوات التيجان في رفع السقوف وفي إقامة الردهات الكبيرة وفي "الطارمات " أمام الأبنية، وفي واجهات المعابد بصورة خاصة، استعملوها بدلاً من الخشب الذي لا يتحمل الثقل كما يتحمله الحجر، والذي لا يعمر طويلاً كما يعمر الحجر. وبفضل هذه الحجارة استطاع المعماريون أن يستفيدوا من الماء بإقامة السدود القوية التي تتحمل ضغط السيول العالي عليها، وهذه ميزة لا نجدها بالطبع في العراق.

وقد ساعدت طبيعة اليمن عامل البناء في نحت الحجر وقطعه وصقله وتكييفه بالشكل الذي يريده. وتمكن بذلك من وضع أحجار مصقولة بعضها فوق بعض لتكوين أعمدة منها أو جدر معبد أو حيطان سدود أو قصور بحيث يوضع حجر فوق حجر، فيجلس فوقه بصورة يصعب على الإنسان أن يتبين منها مواضع اتصال الحجر بعضه ببعض. ولولا وجود الحجر الجيد لديه لما تمكن من القيام بإنشاء الأبنية الضخمة المؤلفة من جملة طوابق والتي قاومت الدهر،.ولكان بناؤه من الطابوق، أي من اللبن الذي حُجر بالنار، والطابوق لا يمكن أن يقوم مقام الحجر في البناء، ولا أن يقاوم الطبيعة وأن يعمر طويلاً. ونظراً لصغر حجمه بالنسبة إلى الحجر، ولضرورة ربطه بعضه ببعض بمادة ماسكة مثل الجبس فإن البناء به لا يمكن أن يكون متيناً، ولا يمكن أن يقاوم الرطوبة والعوامل الجوية الأخرى، فيتآكل ويتداعى، ولا سيما في المواضع السهلة ذات الرطوبة، أو التي تتساقط عليها الأمطار بكثرة، فتكوّن سيولاّ عارمة تكتسح ما تجده أمامها من ابنية مبناة بمادة غير متينة متانة الحجر.

وتفيدنا دراسة المباني اليمانية في الزمن الحاضر فائدة كبيرة في تكوين فكرة عن البناء عن أهل اليمن قبل الإسلام. ففي هذا البناء الذي نراه عناصر عديدة لا تزال حيةّ باقية، هي من بقايا البناء اليماني الجاهلي. وما قاله "الهمداني". في صفة بعض المباني والقصور الجاهلية التي كانت قائمة في أيامه ثم زالت، ينطبق على أوصاف القصور والمباني القائمة الآن، كما أن في دراسة أسماء أجزاء البناء وما يستعمل فيه فائدة كبيرة في حلّ كثير من المعضلات الفنية المتعلقة بفن العمارة عند الجاهليين.

وقد زال أكثر المباني الجاهلية، ويا للأسف، بسبب اعتداء الإنسان بجهله، عليها. فقد حمله كسله وجهله على تدمير تلك الأبنية، لاستعمال حجارتها في بناء بيوت جديدة ولأغراض أخرى. ونجد في الأبنية الحديثة، واكثرها أبنية رديئة قبيحة بالقياس إلى القصور القديمة، حجارة ضخمة، بعضها مكتوب كتابة كاملة انتزعت من الأبنية الجاهلية، وبعضها ناقص الكتابة لتلف الكتابة المكملة أو لنقلها إلى موضع آخر. ونجد حجارة مكتوبة وقد طليت بالجبس، لاعطاء الجدار الذي دخلت فيه وجهاً أملس. ونجد في الكتب القديمة. مثل كتب الهمداني إشارات إلى مثل هذه الأعمال، التي ما تزال جارية مستمرة بالرغم من قرار الحكومات المعنية بمنع هذه الأعمال. وقد حطمت تماثيل جميلة عثر عليها بين الرمال ولا تزال تحطم، لأنها في نظر العاثرين عليها أصنام لقوم كفرة، وتماثيل قوم ممسوخين غضب الله عليهم، فلا يجوز الاحتفاظ بها، فهشمت وعبث بها، وبذلك خسر العرب كنوزاً فنية وذخائر لا تقدر بثمن، كان في وسعنا الاستفادة منهما في تدوين تأريخ الجاهليين.

وقد حطمت ودمرت قصور عظيمة في اليمن، بقيت بعضها قائمة إلى الإسلام، مثل قصر "غمدان" بصنعاء، الذي يبالغ أهل الأخبار في وصف ارتفاعه وضخامته، وقد كان مؤلفاً من طبقات بعضها فوق بعض، ثم هدم وقلّ في الإسلام، أمر الخليفة "عثمان" بهدمه، فزالت معالمه. ولو بقي إلى اليوم لكان من المفاخر، ومثل المعابد الضخمة، وقصور الأسر الحاكمة، مثل قصر "شمر" بذي ريدان، وأبنية أخرى قوضت لأسباب عديدة، فضاع بذلك علينا تراث مهم. وفعل مثل ذلك في الأبنية الأخرى. ففي العراق مثلاً، هدمت قصور الحيرة وبيوتها، لاتخاذ حجارتها مادة لبناء الكوفة، و "وجد في قراطيس هدم قصور الحيرة الي كانت لآل المنذر، إن المسجد الجامع بالكوفة بني ببعض نقض تلك القصور، وحسبت لأهل الحيرة قيمة ذلك من جزيتهم". وقد أضاعت علينا هذه الأعمال معالم قيّمة من تراث الجاهليين.

وقد هدم قصر "يهر" "ذي يهر" ببيت حنبص، وهو أثر جاهلي مهم، بقي قائماّ إلى حوالي سنة "295" للهجرة، فأمر بإحراقه "ابن أبي الملاحف" القرمطي، فأحرق، وظلت أخشابه تحترق أربعة أشهر على ما يزعمه الرواة، مبالغة منهم بالطبع.

ولأهل اليمن عادات جميلة أفادتنا فائدة طيبة، وذلك بوضعهم على الجدر حجارة مكتوبة تحمل اسم الدار أحياناً واسم صاحبها واسم الإلهَ الذي تبرك صاحب المبنى بتقديمه إليه تيمناً به، حتى الترميمات والاصلاحات التي يقوم بها أصحاب البناء تدوّن على هذه الحجارة، ولا سيما الترميمات والاصلاحات التي تدخل على المعابد والمباني العامة، تعين عليها بدقة تامة. فيذكر الموضع الذي ابتدأ به والموضع الذي انتهى منه، ويذكر مقدار ما صرف عليه في بعض الأحيان. ومن هذه الكتابات أخذ معظم علمنا بتاريخ اليمن القديم.

ويظهر أن أهل الحجاز لم يكونوا على شاكلة اهل اليمن في بناء البيوت الضخمة من الحجارة والمواد البنائية الأخرى التي يعمرّ بها البناء عمراً طويلاً، بدليل ما نشاهده في اليمن وفي مواطن أخرى من الجزيرة العربية من بقايا معابد ومبان ضخمة، وعدم وجود شيء من ذلك في الحجاز، وبدليل ما أورده أهل الأخبار من قصص عن مباني اليمن العادية، وما شاهدوه من بقاياها في أيامهم هناك، وهي تتحدث عن فن عمراني متقدم، على حين خلت أخبارهم من هذا القصص عن الحجاز، بل يظهر منها أن أكثر أبنية مكة ويثرب لم تكن إلا أبنية صغيرة ضيقة، أكثرها من اللبن أو الطين، وقد عرشت بجريد النخل وبالعيدان وبالأخشاب المحتطبة من التلال والجبال. وقد عرفت بيوت أهل الحاجة في مكة ب "عروش مكة".

وقد امتازت "يثرب" عن مكة بوجود "الأطم" بها، والأطم، هي قصور تتكون من طابقين في الغالب، أو ثلاثة طوابق، تكون ضخمة نوعاً ما يعيش فيها سادتها، وتكون حصوناً لأهل المدينة يتحصنون بها عند دنو خطر عليهم، ويحمون أموالهم بها. وقد بنيت بالآجر وباللبن أحياناً، وبالطين أحياناً أخرى، حيث تجعل الجدر عريضة، لتقف صامدة أمام الدهر وامام المهاجمين، وتتخذ في أعلى الأطم مواضع يقف عليها المدافعون لرشق المحاصر بالسهام، أو بالحجارة، وبصب الماء الحار أو النار عليه إن مر من جدار الأطم. وقد اتخذت الأطم في يثرب، لعدم وجود سور حولها يحميها من الأعداء، ولكونها مكشوفة،، لا تحميها حواجز طبيعية، يتحصن بها أهل المدينة عند دنو الخطر منهم، فلم يجدوا أمامهم من وسيلة سوى بناء هذه الأطم للدفاع عن أنفسهم، على نحو ما فعل أهل الحيرة في مدينتهم، حيث بنوا القصور.

وتوجد في أعالي يثرب إلى فلسطين بقايا حصون وقصور ومواضع قديمة، كانت آهلة عامرة، أما الآن فلم تبق منها غير بقية من آثارها، وهي لا تزال مادة "خاماً" لم تكتشف، ولم تدخل بعثات علمية منتظمة، وتشاهد عندها بعض أحجار مكتوبة، بقلم مشتق من المسند، وبلهجات عربية تختلف عن لهجة "ال"، أي عن العربية التي نزل بها القرآن، مما يدل على انها كانت في الأصل لقبائل كانت لهجاتها لا هي عربية جنوبية ولا هي عربية من عربية أهل البوادي، ولكنها كانت متأثرة بالثقافة التي تدون بالقلم المسند، ثم تأثرت بلغة الأعراب الذين جاءوها من البوادي وذلك قبيل الإسلام،،فنزلت هذه المواضع، وزاحمت أهلها، ثم غلبتهم على أمرهم، فاختفت اللهجات العربية القديمة، وحلت محلها لهجة "ال". وسيجد المنقبون الذين سينقبون في المستقبل في هذه المواضع آثاراً ستحدد لهم الاتجاهات الثقافية والحضارية التي دخلت جزيرة العرب، واللغات التي كانت سائدة فيها.

وفي المسند مصطلحات كثيرة خاصة بالبناء وبالآلات والمواد التي تستعمل فيه، وفي أجزاء البناء واللهجات العربية الجنوبية هي أغنى بمصطلحات البناء من العربية التي نزل بها القرآن الكريم. و ذلك لأن أهل العربية الجنوبية كانوا حضراً في الغالب وأهل مدر، حتى أن أعرابهم كانوا يقيمون في أكواخ وعشش ثابتة مستقرة. لهذا كثرت في لغتهم ألفاظ الحضارة التي تقوم على الإقامة والاستقرار. وظهرت عندهم ألفاظ لمواد تستعمل في البناء مثل أنواع الصخور والحجارة، وكيفية قطعها. وأنواع الخشب المستعمل فيه، وآلات القطع أو آلات المعمار وغير ذلك من مصطلحات لا نجد لها مقابلاً في هذه العربية التي نتكلم بها وذلك لأن حضارة البناء التي ظهرت في اليمن وفي بقية العربية الجنوبية للاسباب المذكورة لم يظهر ما يماثلها في المواضع الأخرى من جزيرة العرب، حيث قام عمرانها على المدر بالنسبة للحضر. أي على الأبنية المتخذة من المدر أو من اللبن أو من الآجر. ومثل هذه الأبنية، لا تحتاج الى مصطلحات والى آلات كثيرة، ولما كانت الحاجة هي أم الاختراع في اللغات، لذلك قلَّت مصطلحات العمران في اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، بينما كثرت فيها مصطلحات أهل الوبر ومصطلحات البداوة، في مثل أجزاء الخيمة وما يتعلق بحياة الفرس والجمل، حيث قصرت دونها هنا لغة المسند.

وقد درس الآثاريون في الأيام المتأخرة موضوع الفن العربي الجنوبي ووضعوا بحوثاً فيه، استندت على الملاحظات والدراسات التي قاموا بها في مواطن الآثار أو من ملاحظاتهم للقطع الأثرية وللصور التي أخذت لها. وقد وجَد بعضهم مثل الباحثة "جاكلين بيرين" Jacqueline Pirenne، إن الحضارة العربية الجنوبية انما برزت وظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد، برزت بتأثير الحضارة اليونانية - الفارسية عليها. وقد زعمت إن القلم العربي الجنوبي اخذ من القلم اليوناني في ابتداء القرن الخامس قبل الميلاد، وان عناصر الحضارة العربية. الجنوبية، وخاصة الفن منها. مثل النحت والعمارة، قد غرفت من مناهل يونانية - فارسية..أما ما قبل هذا الوقت، فلم يكن لشعوب الشرق الأدنى أي أثر حضاري أو ثقافي على اهل العربية الجنوبية.

وقد درست باحثة أخرى موضوع الفن العربي الجنوبي، هي "برتا سيكال" Berta Segall. ذهب اجتهادها بها إلى أن هنالك مؤثرات حضارية خارجية أثرت على الحضارة العربية الجنوبية، وأرجعت هذه المؤثرات إلى أثر يوناني هيلليني، وأثر سوري حثي وأثر فينيقي وإلى عناصر حضارية اخرى. وذكرت إن هذه المؤثرات أثرت على الحضارة العربية الجنوبية، وتولد من هذا المزيج الأجنبي والعربي حضارة العرب الجنوبيين.

لقد تبين من دراسة الفخار الذي عثر عليه في العربية الجنوبية انه من صنع محلي ومن تصميم محلي أيضاً. وقد تبين أيضاً انه لا يخلو مع ذلك من المؤثرات الأجنبية التي أثرت عليه، ولا سيما على المظهر الخارجي للفخار في مثل الزخرفة والشكل. فقد أثر الفخار العراقي والسوري على الفخار العربي الجنوبي. ويظهر من الفخار الذي عثر عليه في "هجر بن حميد"، انه قد تأثر بمؤثرّات شمالية سورية وعراقية.

وتقدمت معارفنا بعض التقدم بالنسبة للفن المعماري عند العرب الجنوبيين. وتوجد لدينا فكرة عامة عن فن هندسة المعابد، أخذناها من فحص معابد "حقه" و "مأرب"و "تمنع" و "حريضة"و "خور روري". وتقدمت معارفنا أيضاً في موضوع أبنية المقابر والأضرحة عند الجاهليين، وكذلك عن هندسة البيوت. وقد وجد ايضاً أن الفن المعماري قد تأثر بمؤثرات خارجية كذلك. بمؤثرات عراقية وسورية وفينقية ويونانية ومصرية.

ويظهر الأثر اليوناني على سك العملة عند العرب الجنوبيين. فقد ضرب النقد على شاكلة النقد اليوناني، لا يختلف عنه إلا في وجود الحروف العربية الجنوبية على ذلك النقد. فالنقد العربي الجنوبي، هو تقليد ومحاكاة للنقد اليوناني، الذي ظهر في أيام "البطالمة"و "السلوقيين"، ويكاد يكون قالباً لها، أضيفت عليه حروف المسند. فالبومة التي تمثل "أثينا"، والتيَ كانت تضرب على العملة اليونانية، ضربت على النقد العربي الجنوبي، الى غير ذلك من أمور بحث عنها علماء "النمّيات".

ولكننا لا نستطيع أن نقول اليوم إن معارفنا عن الحضارة العربية الجنوبية قد تقدمت تقدماً مرضياًً، وانها صارت واضحة مفهومة، وسوف تبقى معارفنا عن هذه الناحية وعن النواحي الأخرى ناقصة ما دامت أكثر الآثار مدفونة تحت طبقات كثيفة من التربة لم تلمسها الأيدي حتى الان. لقد تقدمت معارفنا عن هذه النواحي على نحو ما ذكرت بسبب قيام بعض الباحثين المحدثين بالتنقيب في بعض المواضع بصورة جدية علمية وبشيء من التعمق في باطن الأرض، وممكن أن نتصور ما سيحصل عليه الباحثون من معلومات عن الجاهلية لو سمح لهم في التنقيب بأسلوب جدي علمي في باطن الأرض وفي مواطن الآثار..

استعمل اللحيانيون لفظة "بنى" "بنا" للتعبير عن بناء شيء. وذلك كما نفعل نحن في عربيتنا. وتشمل اللفظة بناء كل الأبنية، من بناء بيوت أو قبور أو غير ذلك. وقد وردت في عدد من النصوص.

ويعبر عن المبنى بالتعبير نفسه في العربيات الجنوبية، فيقال "مبنى". وإذا أريد التعبير عن تقديم البناء إلى إلهَ أو جماعة.، كأن يسمى باسم الإلهَ ويحبس عليه، فيعبر عن ذلك بلفظة "قتدم" أي قدم بهذا المعنى ألمفهوم منها في عربيتنا، وبمعنى أهدى. وأما الفعل فهو "بنى"، وذلك كما في هذه الجملة: "عسى وبنى"، أي " تملك وبنى". و "هبنى"، وذلك كما في هذه الجملة: " هبنا عقبتهن قلت"، أي "بنى قلعة قلت". ويراد ب "عقبت""عقبة" القلعة. وللفظة علاقة بكلمة "عقبة" التي نستعملها تحن بمعنى صعوبة وعائق، ونجمعها على "عقبات".

واستعمل اللحيانيون لفظة "حفر" بالمعنى المفهوم من اللفظة في عربيتنا. استعملت لكل انواع الحفر: حفر الأسس أو الآبار أو العيون، أو الحفر على الأحجار والخشب، لغرض النقش والزخرفة، أو لأي هدف آخر.

ويشق المعماريون أسساً في الأرض للابنية الفخمة، كالبيوت المؤلفة من طبقات عدة كالمعابد، لتحمل الأرض ثقل البناء. ويختلف عمق الأساس وعرضه باختلاف سمك الجدار وثقل البناء. ويحفر المال الأرض بالقدر الذي يعينه البناء، حتى إذا ما بلغوا العمق المقرر، وضعوا المواد اللازمة كالحجارة أو الكلس المخلوط بمواد أخرى، ثم يترك الأساس مدة حتى يجف ويستقر، ثم يقام عليه الجدار. ويقال لهذا الأساس في العربيات الجنوبية "موثر"، وهي بمعنى "الأس" والأساس والأسس في عربية القرآن الكريم.

وقد ورد في كتب اللغة، "والوثير": الفراش الواطىء، وكذلك الوثر كل شي جلست عليه أو نمت عليه فوجدته وطيئاً، فهو وثير. وتؤدي لفظة "مبحر" معنى: "أساس" وسناد. ف "مبحر" كل بناء هو أساسه وسناده في لغة السبئيين.

وترد لفظة "برا" بمعنى بنى وأنشأ وأقام وشقّ وما شابه ذلك. وترد بعدها لفظة: "هشقر" في الغالب. ومن هذا الأصل لفظة: "مبرام" "مبرا" بمعنى برىء من الدين، وبراءة الذمة. وترد لفظة "برأ" في كتب اللغة بمعنى الخلق. و "البرية": الخلق، وأصله الهمن، والجمع البرايا والبرّيات. والبرى: التراب.

وأما "هشقر" فمعناها أكمل الشيء، وانتهى منه. وأتمه وغطاه وستره. وهي من أصل: "شقر"، وترد من هذا الأصل لفظة "تشقر" و "شقرم"، بمعنى الأعلى والنهاية، و ذلك كما في هذه الجملة: "بتورببم اد شقرم"، أي من الأساس إلى الأعلى، أو إلى النهاية. و "ربب" معناها الأساس.

أما اعلى البناء ونهايته، أي تاجه الذي ينتهي عنده، فيقال له "تفرع". و "تفرع" نهاية الجدار وأعلاه، والمكان الذي ينتهي فيه.

ومن العبارات الواردة في بعض النصوص المتعلقة بالبناء، هذه العبارة: "بن موثر هو عدي مريمن"، وهي في معنى العبارة: "بن أشرس عد شقرن" التي ترد في النصوص المعينية، ومعناها من "الأساس إلى أعلى". فلفظة "موثر" وكذلك لفظة "أشرس" هما بمعنى الأساس أي أساس البناء، و"عد" حرف جرّ بمعنى إلى، و "مريمن"و "شقرن" كلاهما بمعنى أعلى، أي أعلى البناء.

ويقال لتعلية البناء "تعلى". أما تقوية البناء والجدر وحمايتها من السقوط، فيعبر عنه ب "تصور"، من أصل "صور" ومعناها وضع أوتدة وأعمدة عند الجدار أو البناء للتقوية والإحكام. وهي بذلك قريبة من معنى "الظئر" في لهجة القرآن الكريم.

ويعبر عن إتمام بناء ما أو اكمال شيء آخر بلفظة "تقه"و "قه"، بمعنى "وقه" أي أكمل وأنجز. وهي مرادفة للفظة: "تفرع"، وللفظة "هوعب" أيضاً. وكلها بمعنى الإنجاز والإكمال والانتهاء من عمل ما. ولفظة "قه" هي من أصل "وقه". وتعني جملة: "إتقه عن" انتهى. وقد ذهب "رودوكناكس " إلى أن لفظة "وكن" هي بهذا المعنى اي اكمل وانجز في بعض الأحيان.

ويعبر عن اصلاح البناء وترميمه بلفظة "هحدث"، وهي فعل ماض أي "أحدث"، ومعناها أقام ورمم وأحدث وأنشأ. أما سقوط حائط أو سقف أو ما شابه ذلك، فيعبر عنه بلفظة "تل" و "تلت"، ومن هذا الأصل لفظة "تلو"، أي الخرائب والتلال، وتقابلها لفظة "خيل"في المعينية، و."ذخبل"، أي تداعى وسقط ووقع.

وفي معنى الاصلاح والترميم أيضاً لفظة "غوث" الواردة فى الكتابات المعينية. وقريب من هذا المعنى معنى "غوث" في لهجة القرآن الكريمّ، ففي الإغاثة معنى المساعدة والاصلاح وترميم التصدع وإصلاحه.

وترد مع هذه اللفظة لفظة أخرى، هي "سعذب"، وهي فعل ماضٍ بمعنى أعاد وأرجع الشيء إلي ما كان عليه، من أصل "عذب". وأما حرف السين الداخل على أول اللفظة فإنه في مقام حرف الهاء في السبئية، يدخلان على المصدر فيحولانه إلى فعل ماضٍ.

ويقال لمقدم كل بناء "صلوتن" "الصلوة". وقد وردت اللفظة في كتابات دوّنت لمناسبة إقامة سدود كذلك. ووردت في بعض الكتابات هذه الجملة: "بن ذت هورتن عدي صلوت بين ذن محرمن وميسلن"، ومعناها: " من هذه الجهة الخلفية إلى الجهة الأمامية أو الصالة الأمامية بين هذا الحرم وموقد النار".

ويقال للجهة الخلفية من البناء "هورتن". من أصل: "ورت"، بمعنى وراء. و "وَرَه" في لغة أهل العراق، وذلك كما نرى في هذا النص.

وتؤدي لفظة "صلوت"معنى "فناء" أيضاً، وقد تؤدي معنى موضع منعزل أو مكان للصلاة، وقد يراد به فنِاء يؤدي إلى "مبسل" يقع مقابله تماماً.

وللفظة "صلوتن" "صلت" "صلوت" معنى آخر بعيد عن هذا المعنى بعداً كبيراً، هو "وثيقة" و "شهادة" و "عقد"، فتكون في معنى "سمع" و "اسمع" التي تطلق على هذا المعنى أيضاً في العربيات الجنوبية.

ويقال للباب "خلف" و"خلفتن"،في السبئية. ويراد ب "خلف " و "خلفتن" "الخلفة" الشباك كذلك. وقد كان أصحاب القصور يستعملون الشبابيك كثيراً في قصورهم، ويزينونها بالرخام الرقيق وبالزخارف لتظهر جميلة خلابة، ويقصد ب "خلف" و "خلفتن" المنافذ الخلفية كذلك.

وتتكون الأبواب من "مصرع"، أو من "مصرعي"، ويراد بذلك "مصراع" واحد أو مصراعان.

ويعبر عن الباب ب "الخلف" في عربيتنا كذلك. وأما لفظة "مصرع الباب" و "المصرع" و "مصراعا الباب" فمعروفة في عربيتنا كذلك.

ويعبر عن الباب العظيم، أو الباب المغلق وفيه باب صغير، أو مما يغلق ه الباب بلفظة "رتج" "رتاج" في اللحيانية. ولفظة "رتاج" لفظة معروفة في عربيتنا كذلك.

ويعبر عن السلالم والدرجات بلفظة "احلين"، تطلق على السلالم من أية مادة مصنوعة، من الحجر أو الخشب، كما يعبر عنها بلفظة "علوم" و "علوه " أيضاً، لأنها طريق يؤدي الى أعلى.

ولفظة "علية"، والجمع "علالي"،هي عند أهل الحجاز بمعنى غرفة أيضاً، والجمع "غرف"و "غرفات" وقد وردت لفظة "غرف"و "غرفات" في القرآن الكريم.

وعبر عن السقف وسطح البناء بلفظة "ظلتن"و "ظلل"أي "الظلة" و "الظل". وذلك لاستظلال الإنسان بالسقوف وحمايتها للبيوت والغرف من وهج الشمس.

ويعبر عن الشيء المسقوف مثل ذي سقف أو ما شابه ذلك بلفظة "مسقفن"، أي "المسقف"، من أصل "سقف". ووردت لفظة "مسقف" بمعنى الموضع المسقوف.

ويعرف المكان الذي ينفذ منه النور إلى مكان ما "مصبح" في الحضرمية. ويمكن إن نقراها "مصباح" كذلك. فالمصبح الكوة أو النافذة التي ينفذ منها الثور إلى مكان ما. والنور هو "صبحت" في الحضرمية، وذلك كما ورد في هذه الجملة: "صبحت عينو"، أي "نور عينه".

وأما الموضع الذي ينفذ النور إليه، ويستقر فيه، وقد يكون مسقوفاً وربما لا يكون مسقوفاً، فيقال له "منحل". وعلى هذا المنحل يكون المصبح أي المنفذ الذي ينفذ النور منه.

ويعبر عن الجدار والسور بلفظة "جنا" في لغة المسند.

وقد فسر بعض علماء العربيات الجنوبية لفظة "بره" بمعنى مجاز. ومن هذا الأصل أخذت كلمة "ابرى"، ولعلها تؤدي معنى خارج كذلك.

وترد لفظة "أدرف" في مصطلحات البناء كذلك، وتعني طرف البناء، وطرف كل شيء. وقد استعملت للتعبير عن تحصين جانب القلعة أو الحصن مثلاً، أو تحصين جوانب وأطراف برج ما.

ويعرف مقدم البناء أو مقدم أي شيء ب "قدم" وب"انف"0 أم الجهة المضادة للمقدمة فيقال لها "معذر"، فمعذر أي بناء أو أي شيء هو الجهة الخلفية لذلك البناء أو لذلك الشيء، كما تطلق هذه اللفظة على الأسوار الخفية للمدينة.

ويقال للطابق الأعلى من البناء "علوهو" "علوه"، و "علين" "عليان"، لعلوّه بالقياس إلى الطابق الذي تحتة. أما الطابق الأسفل، فيقال له "سفله" "سفلهو".

ويقال للبيت إذا كان فوق البيت "علية" والجمع "علالي". وتقابل لفظة "علية" لفظة "غرفة" والجمع "غرف" و "غرفات". والغرفة عُلّية من البناء. وسميت منازل الجنة "غرفاً".

ويعبر عن العمل الفني المتقن بلفظة "نكل"، ومن هذا الأصل لفظة "نكلو" و "نكلتو" في الأشورية.

وقد كان أصحاب الأبنية يذكرون المواد التي استخدموها في الأبنية بكل تفصيل لا يكتفون بذكر اسماء المواد حسب، بل يذكرون حتى صفاتها. فإذا كان الحجر غير مهندس ولا مصقول ذكروه، وإذا كان مصقولاَ ومهندساً ومقطوعاً عبروا عن ذلك بلفظة "تقرم".

ويقال للحجارة الحادة أو الملساء "زلت"، وهي تقابل لفظة "زِلّة" في لهجتنا وهي بمعنى أرض ذات حجارة ملساء أو حادة في اللهجتين المعينية والسبئية كذلك، وتعني لفظة "صلال" ألواحاً من الحجر في اللهجة الحضرمية. وأما الجمع فهو "ازلت".

وتؤدي لفظة "زلت" معنى سيلان الزفت أو القار على أرض ما كأرض غرفة مثلاً أو أرض شارع أو حمّام لتبليط الأرض بهذه المواد. وذلك كما يفهم من هذه الجملة: "زلت أوسطهس" أي "وزفت أو وقير الأواسط"، ويراد بالأواسط وسط الأشياء، أو الشيء.

ويقال للحجارة المكسرة الناتجة عن تكسير الأحجار الأخرى أو عن القلع "جريم" "جرب". ويراد بها الحجارة المقطوعة أيضاً. وتوضع هذه الحجارة في أماكنها على نحو ما قلعت من المقلع، فلا تصقل، ولا تمسها آلات الصقل. أما الحجارة المقلوعة التي تصقلها الأيدي وتنقحها، فتعرف ب "منهمتم" "منهمة". وتبنى هذه الحجارة مع الحجارة الأخرى، وتوضع بينها مواد البناء التي تلزم تلك الحجارة. والعادة هي أن توضع الحجارة المصقولة المعمولة المهندسة في جبهة الجدار لتكسبه منظراً جميلاً حسناً، توضع وراءها الحجارة الأخرى المقطوعة، وذلك لأن صقل جميع الحجارة التي تدخل في البناء يستنفذ وقتاً كبيراً كما يكلف ثمناً باهظاً. ويضع المعمار الحجارة بالطبع وضعاً متناسياً بحيث لا تكون مرتفعة أو منخفضة وتملأ الفرج ومواضع اتصال الحجارة بمواد البناء التي تلزمه وتمسكه ببن الحجارة.

وقد توضع الحجارة ل "جرب" على شكل طبقة واحدة في الجدار أو على هيأة طبقات وصفوف للزينة، وتجد هذه الطريقة في أبنية الحبشة كذلك.

ومن هذا الأصل جاءت لفظة "جربة" و "جروب" بمعنى المدرجات التي يضعها الفلاحون على الجبل، وذلك لزرعها بأنواع المزروعات، ولا سيما الكروم. وكذلك الأسوار التي تحيط بالبساتين.

وهناك من يرى أن "منهمتم" من "منهمت" "منهمة" تعني على العكس الحجارة المقلوعة غير المصقولة. و "حجر منهوم" بمعنى مقطوع غير مصقول.

وهناك لفظة أخرى تطلق على الحجارة المنحوتة المهندسة باليد هي "تقرم" من أصل "نفر". وهناك نوع آخر من الحجر يقال له "بلق". وقد ذكر علماء اللغة أن "البلق" الرخام وحجارة باليمن تضيء ما وراءهما كالزجاج.

ويعبر عن قطع الحجارة من الصخر وعن صقلها لجعلها صالحة للبناء، بلفظة "اثع" في اللحيّانية. وأرض اللحيانيين أرض بلدة صخرية، لذلك استخرج اللحيانيون حجر أبنيتهم منها فبنوا بها بيوتهم، كما نحتوا الصخور وجعلوها على هيأة كهوف لكي تكون ملاجئ لهم.

ويعبر عن تكسير الصخور وثقبها وعمل خرق بها بلفظة "جوبن"، وتعني "الجوب". والجوب هو عمل نقب في الحجر، أو ممر. وأما لفظة "جوب" فجمع "جوبة"، ويراد بها الفراغ بين شيئين.

ويُستعان بفؤوس ومطارق في تكسير الحجارة وهندستها واصلاحها لتتخذ الشكل المطلوب. فتستخدم المطارق الثقيلة في كسر الحجارة. وتكون ذات رؤوس مختلفة الأشكال تناسب المهمة التي تؤدى بها. وتستعمل الفؤوس في هندسة جوانب الحجارة وصقلها، وهي ذات أشكال مختلفة كذلك، منها ذات رأس حاد نابت يتصل بقاعدة عريضة وتستخدم في نقر الحجارة، ومنها ذات رأسين حادين عريضين، ولها خصر في الوسط وتستخدم في شذب أطراف الحجارة وصقلها.

ولا تزال هذه المطارق والفؤوس مستعملة في مثل الأعمال التي قام بها الجاهليون.

ويعبر عن تزيين الحائط وزخرفته بالحجارة أو بالأخشاب التي يوضع بين حجر الجدار وطابوقه بحيث تبرز للعيان وتوضع في أبعاد متناسقة، يعبر عن ذلك بلفظة "موسم"، ومن هنا لفظة "وسم" التي تعني التزيين والتزويق أيضاً. فلفظة "موسم" تعني الزخرفة والنقش في البناء.

وأما الحجارة المصنوعة وما يقال له "طابوق" في العراق، أي الحجارة المكونة من الطين المشوي، فيقال لها "لبتم" "لبت". ويراد بها اللبن كذلك اي الطين المجفف. وعادة مزج الحجارة المصنوعة أي الطابوق بالحجارة الطبيعية المقلوعة سواء أكانت مصقولة أم غير مصقولة هي عادة معروفة في البناء في الشرق.

وأما اللبن، أي الطين المجفف بالهواء وبأشعة الشمس والمصنوع بقوالب ولكنه لم يوضع في النار لإحراقه، فيقال له: "لبن" أيضاً. وقد ورد "لبن شمس" أيضا. ويطلق العبرانيون لفظة لبنة على اللبن، وعلى الطابوق أي اللبن المفخور بالنار.

وقد عثر المنقبون على لبن جاهلي في أماكن متعددة من جزيرة العرب. وقد كان أهل الحجاز يستعملونه في أبنيتهم، لم ينفردوا بالطبع في ذلك وحدهم، بل كان يفعل ذلك كل الجاهليين، وقد بني مسجد الرسول باللبن. وكان الرسول ينقله مع الناقلين وهو مختلف الحجم. بعضه واسع ثخين، وبعضه متوسط أو صغير. ويكثر استعماله في الأمكنة التي تقل فيها الحجارة، وتتقلب على طبيعة أرضها، الربة الطينية، فيكون من السهل على أهلها اقامة ابنيتهم باللبن بارتفاعات مختلفة تبعاً لمتانة البناء ورغبة صاحب البناء في الارتفاع. وقد عثر على آثار قلاع وحصون وأسوار بنيت باللبن. ويمكن لمثل هذه الأبنية البقاء مدة طويلة، لجفاف أجواء الشرق الأوسط وقلة الأمطار فيه، ولا سيما إذا كانت ذات أسس وقواعد وجدر ثخينة وفي أماكن جافة بعيدة عن رطوبة الأرض.

أما الطابوق، أي الآجر، فيتكون من طبخ اللبن في الكورة أي الأتون، أو بتكديس اللبن طبقات وصفوفاً، ووضع الوقود بينها، فإذا اشتعلت النار يصلد اللين ويشوى فيكون آجراً. وطريقة صنع الآجر بإحراق اللبن في الأتون، لا تزال شائعة معروفة في جزيرة العرب. وهي طريقة صنع الطابوق عند الفراعنة والسومريين والأشوريين والبابليين وغيرهم من الشعوب.

ولم يكن في استطاعة الفقير بناء بيته باللبن أو بالطابوق، بل كان يشيد بيته بنفسه بالطين، فيقيم جدره بالطين طبقة طبقة، إذا جفت طبقة وضع فوقها طبقة أخرى، وهكذا، ويسقف بيته بالأغصان، وبسعف النخل، ويضع فوقها طبقة من الطين لتخفف عنه وهج الحرّ في أيام الصيف، وتمنع عنه سقوط المطرى عليه عند نزوله، أما الأعرابي فلم يكن له بيت دائم، لا من الآجر ولا من اللبن، بل كان بيته خيمة تتنقل معه حيث يشاء، يستظل بها وينام تحتها، فهي بيته الحقيقي.

ويقوّى الطين الذي يصنع منه اللبن أو تقام به جدر البيوت أو تفرش به سقوف البيوت بالتبن، يخلط مقدار مناسب منه بالتراب، ثم يعجن الخليط ويترك مدة حتى يختمر، ثم يستعمل عندئذ، فيكون أقوى وأدوم بقاءً من اللبن أو الطوف المصنوعين من التراب الصرف. وهذه الطريقة معروفة أيضاً عند العراقيين والمصريين وعند غيرهم من الشعوب في العهود القديمة ولا تزال مستعملة عند حفَدَتهم. ويعرف التبن ب "تبن teben"عند العبرانيين.

وتطين جدر البيوت الفقيرة والريفية بالطين، وذلك لتكون مُلساً خالية من الثقوب. ويستعمل الطيّانون آلة تسمى المسجة. ويذكر علماء اللغة أنها يمانية، وأنها خشبة يطين بها، وهي المالجة بالفارسية ويعبر عن تطيين الحائط بلفظة وسج، وذلك إذا مسج الحائط بالطين الرقيق. وقد ذكر علماء اللغة أن السجة والسجة صنمان.

ويقال للحجارة المربعة، سواء أكانت مقلوعة أم مصنوعة، "ربعتم" "ربعت"  

"ربعة" أي "مربعة". وهي تدخل في البناء إما مستقلة، وإما مع أنواع أخرى من الطابوق والحجارة. وقد توضع على مسافات وابعاد متناسبة ومتناسقة، لتكون نوعاً من أنواع الزخرف في الجدر، وقد ذكر "الهمداني"في صدد ذلك هذه الجملة: "المكعب و ذلك بكعاب خارجة في معارب حجارته على هيأة الدروق الصغار". وهذا النوع من الزخرفة معروف في اليمن. أما في الحبشة، فقد كانوا يضعون حجارة منحوتة على هيأة رؤوس قردة للزينة.

ويعبر عن إدخال الحجارة بين حجارة أخرى للزينة أو الزخرفة أو ملء الفراغ بين جبهتي جدار بحجارة صغيرة لسدّ الفراغات "ولج". أما "مولجم" "مولج"، فتعني الموضع الذي وضعت تلك الحجارة فيه. والايلاج هو إدخال شيء في شيء.

وأما الحفر على الحجر أو الجدار، بقصد التزيين والزخرفة، فيعبر عنه بلفظة "فتخ"، وتقابل بلفظة "بتاخو Patahu". والحفر والنقش العميق على الحجارة و الطابوق من مذاهب التزيين المتبعة في الشرق حتى الان. وقد ذهب "رودوكناكس" إلى أنها تعني معنى "ولج" كذلك، أي ادخال الحجارة المحفورة والمنقوشة والمنحوتة بين حجارة جدار ما مثلا للتزيين والتزويق.

وتؤدي لفظة: "فلزتم" "فلزت" "فلزة"، معنى: أبعاد وطريق جانبي واخلاء وحفر ونقب. وقد أريد بها عمل ثقب في جدار في بعض الكتابات. وكان من عادة أهل اليمن صهر الرصاص وصبه بين حجارة الأعمدة وفي أسسها، وذلك لربطها وتقويتها، ويقال لذلك: "صهرم" من "صهر"، التي تعني جعل الرصاص مائعاً يصب في المكان المراد تقويته أو تثبيته، أو لأي غرض آخر من هذ الصهر. وقد استعملوا الرصاص المصهور في سدّ "مأرب" كذلك، استعملوه مادة ماسكة تمسك بعض الصخور التي تؤلف الجدر الأمامية وفي مواضع أخرى منه.

وقد استعمل المهندسون العرب الجنوبيون "القيطران" القار في البناء. استعملوه خاصة في الأماكن الرطبة والتي تسيل عليها المياه وفي الأسس لمنع الرطوبة، كما، استخدموه في رصف الشوارع ورصف قيعان السدود. فقد وجدت آثار قيعان بعض السدود وهي مرصوفة ومكسوة بطبقة من القطران.

وفي معنى "قطر" ترد لفظة "قثر" و "قتر" أيضاً. و "القتار" بمعنى الدخان. ومن هنا المعنى جاءت جملة: "قتر اللحم" اي شوُي وظهرت رائحته. وفي معنى "قطر" لفظة "هيع" أيضاً. ومعناها "سال" و "ماع". ولهذا استعملت في النصوص ذات الصبغة الدينية في القرابين حيث تسيل دماؤها، وفي الري لسيلان الماء، وفي صهر المعادن.

وفسر بعض الباحثين لفظة "هيع"، بمعنى بنى، أي أنشأ بناء، وفي مقابل لفظة "برا" في المسند.

واستعملت مواد دهنية مستخرجة من زيوت بعض الأشجار في منع الرطوبة أو الماء من التسرب إلى الأسس والجدر والسقوف.

والخشب هو "عض" في العربيات الجنوبية. وقد استعمله العرب الجنوبيون في تسقيف بيوتهم، ولعمل الأبواب، كما أدخلوها في البناء كذلك لتقويته.

أما لفظة "عضن" "العض"، فقد ذهب "رودوكناكس" إلى أن المراد بها نوع خاص من الخشب، نوع ذو رائحة زكية، يستعمل خاصة للحرق في مذابح المعابد.

ويلاحظ من فحص بقايا بعض الأبنية القديمة من عهود ما قبل الإسلام أنها خالية من المواد الماسكة التي توضع عادة بين الحجر لتثبيته بعضه على بعض. ومعنى هذا أن المهندسين المعماريين كانوا قد وضعوا هذه الحجارة بعضها فوق بعض على نحو يجعلها كأنها متداخلة بعضها في بعض فتثبت مدة طويلة وتتماسك وتصبح وكأنها، قد لصق بعضها ببعض بمادة من المواد المستعملة في العادة في تثبيت الحجارة مثل، الجص أو الكلس أو الطين، ويسمى ب"الخلب" عند أهل اليمن اليوم.

والحجارة التي أقصدها هي صخور اقتطعت من الجبال، وأكثرها هي صخور كبيرة وهي بعد أن تّسوى وتشذب وتهذب يوضع بعضها فوق بعض بحيث تتثبت بعامل الثقل وبهذه الطريقة تقام الجُدُر، ويجري ذلك في المباني الضخمة الكبيرة التي تستعمل فيها الصخور. وأما أوجه الجدر من الداخل فقد تملح بمادة كالجص لتجعلها مُلساً ناعمة، وبذلك تسد الفرج بين محال اتصال الصخور.

واستعملت في مباني أخرى المواد البنائية التي توضع بين الآجر والصخور الصغيرة والحجارة لتثبيتها ولضمان تماسكها. ومن هذه المواد الجص والطين والكلس، وقد تكحل الفواصل التي بين الأحجار بالكلس وبالجص لسد الفرج بينها وللزينة ايضاً. وأما الجدر الداخلية فتكسى بطبقة لتجعلها جميلة ملُساً على نحو ما يفعله أهل اليمن وما يفعله غيرهم في الزمن الحاضر. وقد وجدت البعثات الأثرية التي نقبت في العربية الجنوبية بقايا جدران بيوت، وقد كسيت بطبقة ملساء من الجص، تدل على مهارة البناء في ذلك الوقت. وقد تزخرف المواضع البارزة من الجدار بزخرف يصنع بقوالب خاصة توضع عليها المادة اللينة التي يراد زخرفتها، فإذا جفت رفع القالب عنها، فتظهر بارزة بالحفر التي تكون حولها.

وتكسى الجدر الخارجية للبناء بالجص والكلس في بعض الأحيان. فإذا كسيت بالجص، ظهرت بيضاً ترى من مسافات بعيدة، جاء في شعر لعدي بن زيد: شاده مرمراً وجلله كلساً  فللطير في ذراه وكور

وقد ورد أن الجص لغة، والعرب تسميه القصة.

ولم يكتفِ المتفنن العربي الجنوبي باقامة الأبنية حسب، بل استخدم الحجارة للتعبير عن شعوره وعن خواطره، ينحتها على الصخور ويبثها على ألواح الحجر. وإذا كان العربي الصحراوي قد عبر عن شعوره وعن خواطره بالشعر ينظمه أبياتاً أو مقاطع أو قصائد، يسر نفسه بها، ويسر الآخرين، فقد عبر العربي الجنوبي عن مشاعره وخواطره بنوع آخر من الشعر، هو الشعر المادي المتمثل في البناء وفي النحت والتصوير بالإضافة إلى الشعر المعروف الذي لم يترك لنا أثراً مكتوباً منه ويا للاسف.

والعربي الجنوبي متفنن بطبعه مذواق، لم يكتفِ بهندسة الحجارة وصقلها وتزيينها، بل اهتم بالألوان كذلك وبالمظاهر الخارجية للبناء. فاتخذ الحجارة الملونة للبناء، وكوّن منها مناظر متعددة الألوان، محاكاةً للطبيعة، وتأثراً على النظر. وبنى جدران قصر غمدان من حجارة ذات ألوان مختلفة، فبنى سافاً بالحجارة البيضاء. وبنى سافاً آخر بحجارة سُود، وبنى سافاً ثالثاً بحجر أحمر، وسافاً آخر بحجر أخضر وهكذا، وذلك إمعاناً في التفنن وفي التزويق ولا شك. وكسا السقوف والأبواب والأعمدة وبعض الجدران بصفائح الذهب والفضة وبالحجارة الكريمة وبسن العاج والأخشاب الغالية الثمينة، فأكسب البناء روعة وجمالاً وخشوعاً. ونجد ذلك في المعابد وفي القصور.

واستعمل المعمار العربي الجنوبي الرخام لإكساء أوجه الجدران أو في فرش أرض الغرف والمعابد ليكسبها بهجة وجمالاً، واستعمله ألواحاً رقيقة تزخرف بالصور والنقوش، لتعبر عن مباهج الحياة، كما استعمل ألواحاً رقيقة شفافة منه لتكون مكان الزجاج المستعمل في النوافذ في وقتنا الحاضر. ولا يزال أهل اليمن يستعملون الرخام المرقق في نوافذهم، توارثوا ذلك عن آبائهم وأجدادهم، وهو يعطي النافذة رونقاً وجمالاً لا يتوافران في الزجاج.

وتكون النوافذ والشبابيك في جدار الغرفة المطل على صحن الدار. أما الجدر المقامة على الطرقات والأزقة، فتكون خالية منها وذلك لئلا ينفذ منها اللصوص أو الأعداء إلى الدار، وليمنع المارة من التطلع إلى داخل الغرف والبيوت. أما البيوت المرتفعة المكونة من طابقين فأكثر، فقد حليت بالنوافذ، ومن هذه النوافذ ما كان يصنع من الخشب ومنها ما كان يصنع من الحجارة، ولا سيما الرخام. وجعل العربي الجنوبي الطوابق العليا مواضع للدفاع عند الحاجة، ولا سيما في الأماكن المنعزلة النائية، وجعل لمزارعه مواضع مرتفعة مبنية أو من الأخشاب أو على الأشجار لمراقبة من يحاول السرقة وسلب الفلاح ثمار أتعابه.

والنافذة ضرورية جداً بالنسبة للابنية العالية التي عرفت بها العربية الجنوبية، وذلك للدفاع بواستطها عن البيوت ولدخول النور والهواء اليها، وقد صنعت من لوح من الرخام، عملت فيه ثقوب، لدخول الهواء منها. وتعمل الألواح المصنوعة من الرخام ألحواحاً رقيقة جداً، وقد تكون شفافة كالزجاج، لتنير الغرف. ولا تزال نوافذ بيوت العربية الجنوبية محافظة على طرازها القديم. وقد استخدمت بعض النوافذ الجاهلية في بناء. وقد صنعوا النوافذ من الخشب أيضاً، زخرفوها بزخارف جميلة وأحاطوها بأحجار أو بمرمر لتمسكها ولتعطيها منظراً جميلاً.

ويعبر في اللحيانية بلفظة "بت"، أي "بيت" عن معنيين، عن معنى "بيت"، أي موضع سكن، وعن معنى نعبد. وذلك كما في هذه الجملة: "بنيو بت هصن لذ غبت" ومعناها" "بنوا بيت هصن لذي غابة"، و "ذو غابة" هو إلهَ اللحيانيين، أو بتعبير آخر: "بنوا معبد هصن للإلهَ ذي غابة". ويعبر عن البناء والبناية بلفظة "مبنى"في لغة سبأ. وهي من أصل "بنا" "بنى".

وقد ذكر علماء اللغة اسماء الدور بحسب نوع بنائها من حيث المادة أو المساحة أو الارتفاع وغير ذلك. ويقال للدار المنزل كذلك والدارة والمنزلة والمباءة والمعَان والوطن والمغنى والمثوى والمربع. والصرح هو كل بناء مرتفع. وأما الأطم والأجم فالحصن.

والدار المسكن والبيت، وترد اللفظة في النصوص اللحيانية، قال "ابن الكلبي": "بيوت العرب ستة: قبة من أدم، ومظلة من شعر، وخباء من صوف، وبجاد من وبر، وخيمة من شجر، وقنة من حجر، وسوط من شعر، وهو أصغرها". وقال البغدادي: الخباء بيت يعمل من وبر أو صوف، أو شعر، ويكون على عمود أو ثلاثة، والبيت يكون على ستة أعمدة إلى تسعة. والخيمة في عرف العرب: كل بيت من بيوت الأعراب مستدير، أو ثلاثة أعواد أو أربعة يلقى عليها الثمام ويستظل بها في الحر، أو أعواد تنصب وتجعل لها عوارض وتغلل بالشجر فتكون أبرد من الأخبية. أو عيدان تبنى عليها الخيام، أو ما يبنى من الشجر والسعف يستظل به الرجل إذا أورد إبله الماء. والخيمة عند العرب البيت والمنزل وسميت خيمة لأن صاحبها يتخذها كالمنزل الأصلي. وورد أن الخيمة لا تكون إلا من أربعة أعواد، ثم تسقف بالثمام ولا تكون من ثياب، وأما المظلة، فمن الثياب وغيرها.

و "القبة" من البناء ومن الأدم. وقيل: القبة من الخباء بيت صغير مستدير وهو من بيوت العرب. و "المظلة": الكبير من الأخبية، قيل: لا تكون إلاّ من الثياب، وهي كبيرة ذات رواق، وربما كانت شقة وشقتين وثلاثاً، وربما كان لها كفاء، وهو مؤخرها. قال بعض العلماء لا تكون المظلة إلا من الشعر خاصة. إلى غير ذلك من آراء. والخباء: ما يعمل من صوف أو وبر، وقد يكون من شعر، وقد يكون على عمودين أو ثلاثة، وما فوق ذلك، فهو بيت.

ويظهر من تضارب آراء العلماء في تعريف الأسماء المذكورة، انهم أخذوا معانيها من موارد مختلفة من رعاة ومن شبه حضر ومن أعراب، ومن جهات مختلفة، فكان كل مورد يفسر الشيء تفسيراً يختلف عنه عند مورد آخر، فتضاربت من ثم تلك الآراء.

ويقال لصحن الدار: حُرّ الدار وقاعتها وباحتها وساحتها وصرحتها وبحبوحتها. وفي الدار البيت. والمخدع، وهو البيت في البيت، والنفق والسرب، فالبيت تحت البيت ويتألف البيت من غرف. والغرفة في أعلى هي "العلية" والجمع علالي. والخزانة هي التي يحفظ فيها الشيء. والمرقد، هو المضجع.

وما يحيط بالبناء هو الحائط والجدار. والأُس هو أصل الحائط. والرهص، هو البناء من الطين الموطوء، ينضد بعضه فوق بعض، ويقال للنضدة الواحدة دمص، أما النضدة السفلى، فيقال لها رهص. والخط الواحد من الحائط ساف، ويقال للصف الواحد من اللبن أيضاً ساف. وإذا أقيم الآجر بعضه فوق بعض، فهو السميط. ويزال للحائط حين يبلغ العقد أو الثقيف أو التقبيب، ارتفع الحائط. ويقال للعقد: عقد الأزج وللبيت مغمى إذا سقف بالخشب، وبيت مقبب إذا كان ذا قباب. أما إذا كان على هيأة السنام، فيقال له بيت مسنم. والبرزخ الفرجة بين الأزَجَين في صهوة البيت، والهدف ترس الأزج.

وتقوى الجدر بالأوتاد، وذلك برز الوتد في الحائط عند البناء، وقد عثر على أوتاد من الخشب مرزوزة في بقايا أبنية السبئيين والمعينيين وغيرهم لتقوية الجدر، أو لاستعمالها لأغراض أخرى، مثل تعليق أشياء عليها، أو استعمالها بمثابة السلالم للتسلق إلى أعلى.

وفي الدار الصُّفَّةُ، وتسمى بحسب الجهة المتجهة إليها. ويقال صفة فراتية إذا كانت الشمس لا تقع فيها رأساً. و "المقنوءة" مكان ظله دائم ويكون بارد الهواء. والزاوية ملتقى الحائطين في البيت. والكوة الثقب في أعالي البيت. ويقال لها الشاروق. والمشكاة التي في الحائط. ويقال لها الأوقة ويقال بيت مأوَّق.

ويقال للسطح الإجار والصهوة. وسقف البيت أعلاه الداخل. وأما سمكه، فما كان بين قراره إلى سقفه. والطّاية السطح. والدرج المرتقى إلى السطح إن كان من خشب دعي ب "سلم". وكل مرقاة عتبة. والفرغ الخلاء بين المرقاتين. والعلاوة هي أعلى الحائط الذي لا يغمى. والتفاريج والطنف آجر أو نحوه يجتح به أعلى الحائط ليقيه المطر إن يسيل عليه. وهو الكثة والافريز. والهرادة من الخشب لأعالي الحيطان، والنجيرة سقيفة بخشب لا يخالطها غيره.

ويسقف البيت بالخشب، يوضع عليه عُرضاً، ويسس "العراص"، ثم تلقى عليه اطراف الخشب الصغار. وقد يطيَّن، أو يجصّص، أو يِبنى فوقه ليمنع المطر من السقوط من خلال الخشب على البيت، وحرّ أشعة الشمسن من النفاذ إليه.

وكانت بيوت أزواج النبي من اللبن، ولها حجر من جريد مطرورة بالطين، وعلى أبوابها مسوح الشعر. وهذه كانت صفة معظم بيوت أهل يثرب والمدينة، ما عدا بيوت الأثرياء، فقد كانت من حجر وكلس ولها كل وسائل الترفيه والراحة المتوفرة بالقياس إلى ذلك الزمان.

واللبن جمع لبنة. وأما الذي يعمل اللبن، فهو اللبان. والملبن الآلة التي بضرب بها. والسابل، الأداة التي ينقل عليها. والسميقان والأسمقة خشبإت يدخلن في السابل. والطوب هو الآجر، والطباخ هو الذي يطبخ أتونه، والأطيمة: أتون الجرار والقصاع وامثالها. والبلاط: الحجارة تفرش بها الأرض. ويقال أرض مبلطة، إذا فرشت بالبلاط.

وقد عرف بعض علماء اللغة اللبن بأنه المضروب من الطين مربعاً للبناء، وتقابل لفظة "اللبنة" كلمة Libbatu في الأشورية، و "لبيتو"و "لبنتو"في الإرمية.

والطياّن، الذي يعمل الطين، ويطين الحائط أو السطح، ويشتغل بالطين. والملاط ما رق من الطين. ونحوه السيّاع. ويقال للمالج الذي يمسح به وجه الحائط المسجّة والمسيعة. وأما الخيط الذي يقدر به البناء، فيقال له "المطحر". والشّيد والشص الجص. والجصّاصة موضع الجص. والملاّحة مجمد الملح.، والجيار والكلّس الصاروج. والصاروج النورة وأخلاطها. والثلاجة مكبس الثلج.

و توضع في سطوح الدور ميازيب لتسبل منها مياه الأمطار إلى أسفل، وتعرف ب "المثاعب"، وواحدها "مثعب"، ويكون من خشب وغيره. ويسيل الماء. الى "البالوعة" ويقال لها "البلّوعة" كذلك. ولفظة "مئزاب"و "مرزاب" من الألفاظ المعربة عن الفارسية، ولكنها من الألفاظ القديمة الداخلة إلى العربية.

وموضع الطبخ في الدار هو المطبخ. وأما المخبز فهو موضع التنور. ويقال للتنور الوطيس والهيلم والمسِعر كذلك. والكرامة طبق التنور، والمناقة حجره. وأما الساعور، فتنور صغير في الأرض.

والسور هو حائط الحصن والمدن. وأما الربض، فحائط حول السور. والشرف هو ما أشرف فوق الحائط، ويتشرف الناس من ورائه. ويعبر عن "السور " ب "حل" Hel في العبرانية، أي "حائل"، وهو الحائط الذي يحيط بالمدينة.

وتطلق لفظة "حال" و "حويل" على الحائط، وعلى الحدّ التي يفصل بين ملكين، لأنه حائل يحول بين الأملاك وبين الأشياء، فلا تختلط ويمتزج بعضها ببعض.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق