إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 4 فبراير 2016

1766 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الخامس والثلاثون بعد المئة اللغات السامية


1766

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
    
الفصل الخامس والثلاثون بعد المئة

اللغات السامية

اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، وهي التي يقال لها اللغة العربية الفصحى وكذلك سائر لهجات العرب الأخرى، هي فروع من مجموعة لغات عرفت عند المستشرقين ب "اللغات السامية". وقد أولع بعض المستشرقن بدرس هذه اللغات، فألفوا فيها كتباً وابحاثاً، وأنشأوا مجلات عدة تفرغت لها، وما زالوا يسعون في توسيعها وتنظيمها وتبويبها، وقد عرفت دراساتهم هذه عندهم بالساميات، "Semitistik". وهي تتناول بالدرس كل اللغات التي يحشرها علماء الساميات في مجموعة اللغات السامية: تتناولها بغض النظر عن وجود اللغة أو عدمه في هذا اليوم، فالبحث علم، والعلوم تبتغي المعرفة دون قيد بزمان أو مكان.

وينفق علماء الساميات مجهوداً كبيراً في المقارنة بين اللغات السامية وفي معرفة مميزات كل لغة، وما بينها وبين اللغات الأخرى،من فروق أو تطابق أو تشابه، ومجال بحثهم في تقدم وتوسع، خاصة بعد أن أخذ هؤلاء العلماء بأساليب البحث الحديثة التي تعتمد على الفحوص والاختبارات والملاحظات والنقد.

وقد جاءت نظرية "اللغات السامية" من التسمية التي أطلقها "شلوتسر""Shlozer" على العبرانيين والفينيقين، والعرب والشعوب المذكورة في التوراة على انها من نسل "سام بن نوح". ولم تقم نظرية التوراة في حصر اولاد سام على اساس عرقي، بل بنيت على عوامل جغرافية وسياسية، ولهذا أدخلت العيلاميين واللوديين " Lud" في أبناء "سام"، مع أنهما ليسا من الساميين، ولا تشابه لغتهما لغة العبرانيين.

والقرابة بين اللغات السامية واضحة وضوحاً بيناً، وهي أوضح وأمتن وأوثق من الروابط التي تربط بين فروع طائفة اللغات المسماة باللغات الهندواوروبية " Indoeurpaichen"، أو الهندوجرمانية"Indogermanischen"، على حد تعبير بعض العلماء. وقد أدرك مستشرقو القرن السابع عشر بسهولة الوشائج التي تربط بروايط متينة ما بين اللغات السامية، وأشاروا إليها، ونوهوا بصلة القربى التي تجمع شملها. بل لقد سبقهم إلى ذلك علماء عاشوا قبلهم بمئات السنين هداهم ذكاؤهم وعلمهم إلى اكتشاف تلك الوشائج والى التنويه بها. فقد تحدث عالم يهودي اسمه: "يهودا بن قريش" " Jehuda ben Koraish".، وهو ممن عاشوا في أوائل القرن العاشر، عن القرابة التي تجمع بين اللغات السامية، وعن الخصائص اللغوية العديدة المشتركة بين تلك الألسن، كما أبدى ملاحظات قيمة عن الأسس اللغوبة التي تجمع شمل تلك اللغات.

والأساس الذي بني عليه رأي العلماء في حشر من يرون حشره في عائلة الساميات، أو إخراج من يرون اخراجه منها، هو قرب لغة من يرون فحصه لترشيحه لعضوية تلك العائلة من اللغات السامية، أو بعُد لغته عنها، ثم قرب عقلية من يرون إدخاله في السامية من العقلية العامة التي رسمت حدودها لعقلية الساميين، من دين وأساطير وحياة اجتماعية وأدب ونحو ذلك مما يحد عقليات الناس. وبهذه الطريقة يبحث العلماء اليوم موضوع الساميات.

وقد حملت الخصائص المشتركة والألفاظ المهمة الضروربة لشؤون الحياة الي ترد في كل اللهجات السامية بض العلماء على تصور وجود لغة أم، في الأيام القديمة، تولدت منها بعوامل مختلفة متعددة مجموعة "اللغات السامية". ويؤدي تخيل وجود هذه الأم إلى تخيل وجود موطن قديم للساميين كان يجمع شملهم، ويوحد بين صفوفهم، إلى أن أدركتهم الفرقة لعوامل عديدة، فاضطروا إلى الهجرة منه إلى مواطن جديدة، والى التفرق،فكانت هذه الفرقة إيذاناً بتبلبل ألسنة البايليين وسبباً إلى تفرق ألسنتهم وظهور هذه اللغات.

ولا يعني تصور وجود لغة ساميةّ أم " Ursemitish"على رأي بعض العلماء ضرورة وجود لغة واحدة بالمعنى المفهوم من اللغة الواحدة، كانت أماً حقيقية لجميع هذه اللغات البنات. بل الفكرة في نظرهم مجرد تعبير قصد به شيء مجازي هو الإفصاح عن فكرة تقارب تلك اللغات وتشابها، واشتراكها في أصول كثيرة اشتراكاً يكاد يجمعها في أصل واحد، ويرجعها إلى شجرة واحدة هي الشجرة الأم فالسامية الأولى أو السامية الأم، أو السامية الأصلية، هي بهذا المعنى تعبير مجازي عن اقدم الأصول المشتركة التي جمعت بين اللهجات السامية القديمة في الأيام القديمة، أيام كان المتكلمون بها يعيشون في امكنة متجاورة وفي اتصآل وتقارب عبر عنه بفكرة النسب المذكور في التوراة.

وليس من السهل علينا إن نتصور كيف كانت اللغة السامية الأولى. ولكننا لا نستطيع بسبب قدم زمان هذه اللغة إن كانت هناك لغة سامية أولى وبسبب الأحوال البدائية التي كانت تحيط بالمتكلمين بها شأن البشرية جمعاء في ذلك العهد ولقلة مستلزمات المعيشة يومئذ وانخفاضها - أن نتصور أن هذه اللغة كانت واسعة جداً بمفرداتها غنية بمسمياتها، وفي قواعد صرفها ونحوها وفي أساليب بيانها، لأن ما نذكره لا يمكن أن يتوفر إلا في مجتمع متطور متقدم، وإلا بعد تطور استمر أمداً طويلا، ولم يكن الساميون الأولون في ذلك العهد على درجة كبيرة من التطور والتقدم، حتى تكون لغتهم الأولى على نحو ما نذكره من اتساع وارتقاء. وتسوقنا إشارتنا العابرة هذه إلى السامية الأم إلى الإشارة إلى الوطن السامي الأول الذي عاش فيه الساميون. أيام اجتاعهم وتكتلهم في وطن واحد، وأيام تكلمهم بلسان واحد أو بألسنة متقاربة متشابهة، يفهم أحدهم الآخر بيسر وسهولة. ثم عن الأيام التي نزلت فيها المكاره على أولئك الساميين القدماء فاجبرتهم على ترك ذلك الوطن في دفعات وفي هجرات متعددة والارتحال عنه إلى مواطن أخرى جدبلة.

وقد اختلف العلماء في تعيين الموطن الأصلي للساميين، وذهبوا في ذلك مذاهب، يخرجنا الحديث عنها عن صلب موضوعنا هذا. والمفروض في هذا ألوطن أن يكون المهد الأول الذي ضم الشعوب السامية، والمكان الذي اتصلت فيه تلك الشعوب بعضها ببعض، الأثر الذي تراه في اللغة وفي الدين وفي النواحي العقلية وما شاكل ذلك.

وبما إن من غير الممكن التعرف على اللغة السامية الأم، لأن الكتابة لم تكن معروفة في ذلك العهد، فكّر المستشرقون في دراسة أقرب اللغات السامية إلى الأصل، فذهب بعضهم إلى أن العبرانية هي أكثر تلك اللغات شبهاً بالسامية الأولى، وهي لذلك أقرب بنات سام إليها. وذهب آخرون إلى تقديم لغة بني إرم على غيرها جاعلين إياها البنت الأولى التي اجتمعت فيها الخصائص السامية الأصلية أكثر من اجتماعها في أية لغة أخرى، ولهذا استحقت في رأيهم هذا التكريم والتقديم. وذهب آخرون إلى تقديم العربية على سائر اللغات الأخرى، لمحافظتها أكثر من بقية اللغات السامية على الخصائص السامية الأولى وعدم تنصلها منها وتركها لها. كالذي نراه من استعمالها للمقاطع القصيرة الصامتة ومن كثرة تعدد قواعدها التي زالت من قواعد بقية اللغات. غير إن هذه الامتيازات والحصانات التي تتمتع بها هذه اللغة، يقابلها من جهة أخرى مميزات في العربية لانجدها في اللهجات السامية الباقية، مما يبعث على الظن انها طرأت عليها فيما بعد، وأن اللغة العربية قد مرت بأدوار تطورت فيها كثيراً، والتطور هذا معناه ابتعاد هذه اللغة عن الأصل. ثم اننا نجد في العبرانية وفي لغة بني إرم قطعاً من الكلام قديماً جداً لا نجد له مثيلاً في العربية، وهذا مما يدعو إلى حسبان اللغتين المذكورتين أقدم عهداً من اللغة العربية. غير اننا لا نستطيع مع كل ذلك أن ننكر أن معرفتنا وإحاطتنا باللغة العربية. لا تكاد تدانيها معرفتنا وإحاطتنا ببقية اللغات السامية. ومن هنا صارت اللغة العربية بلهجاتها المتعددة حقلآ مهماً لإجراء التجارب والاختبارات في ميدان مقارنات اللغات السامية ودراستها، فيه من الامكانيات والقابليات ما لا نجده في بقية الحقول.

وقد ذهب "نولدكه" إلى أن من الضروري، في دراسة مقارنات اللغات السامية البدء باللغة العربية، وذلك بأن نأخذ في تسجيل خصائصها ومميزاتها وقواعدها وكيفية النطق بألفاظها وما إلى ذلك، ثم نقارن ما سجلناه بما يقابله في بقية اللغات السامية، لنقف بذلك على ما بين هذه اللغات من مفارقات ومطابقات. ولا بأس في رأيه من الاستعانة باللهجات الحالية أيضاً، لأنها مادة مساعدة جداً ومفيدة كثيراً في الكشف عن خصائص اللغات السامية.وعن مميزاتها وتطورها في مختلف العصور. وفي رايه إن دراسة من هذا النحو ليست بالأمر اليسير، فإنها تتطلب جلداً وعلماً وإحاطة بالغات السامية كلها وبآثارها القديمة، وأن يقوم بها علماء لغويون متخصصون، على جانب كبير من العلم والذكاء. والاحاطة بالساميات.

وليس بين اللغات السامية لغة واحدة تستطيع أن تدعي انها سامية صافية نقية، وانها لم تتأثر قط باللغات الأخرى التي تنتمي إلى مجموعات لغوية غير سامية، وقضية صفاء لغة ما من لغات العالم وخلوها من الألفاظ والكلمات الغريبة، قضية لا يمكن أن يقولها رجل له إلمام بعلوم اللغات ولو يسيراً جداً. واذا كانت اللغات السامية قد تأثرت باللغات الأخرى بسبب اختلاط الشعوب واتصال ألسنتها بعضها ببعض نتيجة ذلك الاختلاط، فإن من الطبيعي أن تكون اللغات السامية قد أثرت بعضها في بعض، ولهذا نجد في كل لغة من اللغات السامية ألفاظاً أخذتها من لغة ما من لغات أبناء سام.

وخير ما يمكن أن نفعله الآن في موضوع اللغة السامية وأقرب اللغات السامية إليها، هو إن نقوم باستخلاص القديم المشترك من كل اللغات السامية، ثم نكون من هذا المجتمع لغة نعدّها أقرب اللغات السامية صورة إلى اللغة السامية الأولى. وتعدّ الضمائر وأسماء العدد وأسماء أعضاء الجسم الأساسية المهمة وجملة ألفاظ تخص الحياهَ الانسانية الأساسية، مثل بيت وسماء وأرض وجمل وكلب وحمار وعدد من، حروف الجرّ، من جملة القديم المشترك في جميع اللغات السامية أو في أكثرها، وهو لذلك يفيدنا من هذه الناحية كثيراً في تكوين فكرة عن اللغة السامية القديمة وعن اقرب اللغات السامية إلى الأصل.

ويقسم علماء الساميات اللغات السامية إلى قسمين: لغات سامية شمالية، ولغات سامية جنوبية. ويقسم بعض العلماء اللغات السامية الشمالية إلى مجموعتين: مجموعة شرقية، ومجموعة غربية. ويقصدون بالمجموعة الشرقية اللغات السامية المتركزة في العراق، ويقصدون بالمجموعة الغربية اللغات السامية المركزة في بلاد الشام.

وقد تأثرت كل مجموعة من المجموعتين بالمؤثرات اللغوية والحضارية للمكان التي عاشت فيه، ومن هنا حدب بعض الاختلاف بين الجماعتين.

ومن أهم الخصائص التي امتازت بها اللغات السامية همن غيرها من اللغات: اعتمادها على الحروف الصامتة " Consonant"="Konsonant"اكثر من اعتمادها على الاصوات "Vokale"="Vocal"، فنرى أن أغلب كلماتها تتألف من اجتماع ثلائة احرف صامتة. أما الأصوات، فلا نجد لها حروفاً تمثلها في اللغات السامية. وهي بذلك على عكس اللغات الآرية التي اهتمت بالأصوات، فدونتها مع الحروف الصامتة.وقد اضطرت اللغات السامية نتيجة لذلك إلى الاستزادة من الحروف، فزادت في عددها عن العدد المألوف في اللغات الآرية، وأوجدت لها حروفاً للتفخيم والترقبق وإبراز الأسنان والضغط على الحلق.

ويتولد في اللغات السامية بن تغيير حركات الأحرف الثلاثية الصامتة وتبديلها، معان جديدة. ولهذا كان من أهم واجبات الأصوات في اللغات السامية تغيمير حركات الحروف لتوليد معان جديدة. فالأحرف الثلاثة الصامتة إذن هي التي تكون مفهوم الكلمة وهيكلهاَ، ولكن مفاهيم هذه الأصول الثلاثية لا تبقى على حالها متى تغيرت حركات هذه الحروف. فكلمة "فعل" المؤلفة من ثلاثة أحرف صامتة، هى حروف الفاء والعين واللام، هي أصل، غير أن هذا الأصل غير ثابت. بل هو عرضة للتغيير،ويكون تغيره بتغيير حركات أحرفه، فإذا تغيرت حركات هذه الأحرف تغيرت معانيها حتماّ. فكل تغيير إذن في حركات أحرف الأصل يعقبه تغير في معنى ذلك الأصل. فلفظة "فعًلَ"، تختلف في المعنى عن لفظة "فَعَل"، واللفظتان "فَعَل" و "فعِل" تختلفان أيضاً في المعنى عن معنى لفظة "فُعِلَ". وقد تولد هذا الاخَتلاف من تغير حركات حروف الأصل وتبدلها.

ومن الممكن إحداث معان جديدة في اللغات السامية، و ذلك بإضافة زوائد تتالف من حرف أو أكثر الى الأصول الثلاثية، فيتبدل بذلك معنى الأصل. فإذا أضفنا حرف الألف بين حرفي الفاء والعين من "فعل"، تغير المعنى، وصارت اللفطة "فاعل"، وإذا وضعنا حرف الواو بين حرفي العين واللام من فعل، تغير المعنى، وصارت اللفظة "فعول"، وهكذا.

فترى مما تقدم إن المعاني المشتقة من الكلمات ذات الأصل الثلاثي مهما تغيرت وتولدت نتيجة لتغيير حركات تلك الحروف الثلاثة الصامتة، فإنها لا تتنصل من هذه الحروف ولا تتركها، بل تبقى في صلب كل كلمة، مهما صار معناها. فكلمة "قتل" العربية مثلاً المؤلفة من ثلاثة أحرف صامتة، يمكن أن نولد منها معاني جديدة، أي كلمات جديدة، بتغيير هذه الأحرف الثلاثة، أو بادخال زوائد عليها، أو بتشديد بعض حروفها كما ذكرت، غير اننا لا نستطيع أن نترك حرفاً من هذه الأحرف الثلاثة التي هي الأصل.

فألفاظ مثل قاتل، وقتيل، وقتال، ومقتول، وقَتل، وقتّل"، وقُتِل، وكلها مشتقة من الأحرف الصامتة الثلاثة: القاف والتاء واللام، لم نتمكن من الاستغناء عن حرف من هذه الأحرف الثلاثة، بل اضطررنا إلى ابقائها كلها فيها. إلا أنا أجبرنا على التفريق بينها بسبب دخول الزيادات.

وليس في اللغات السامية ادغام للكلمات، أي وصل كلمة بأخرى، لتكون من الكلمتين كلمة واحدة يكون لها معنى مركب من معنى الكلمتين المستقلتين كما في اللغات الآرية. وأما ما نراه من عد كلمتين مضافتين كلمة واحدة تؤدي معنى واحداً، فإن هذا النوع من التركيب بين الكلمتين شيء جديد في اللغات السامية، لم يكن معروفاً عند أجدادهم القدماء. وهو معروف في اللغات الآرية، كما في حالة ال " Genitive"، في اللاتينية حيث تتولد معان جديدة باضافة لفظة إلى لفظة أخرى، فتتولد من هذا التعاقب دلالة جديدة لمعنى جديد.

هذا، ونجد أن بين اللغات السامية وبين اللغات الأرية اختلافات في كثير من الأمور، فاللفطة في اللغات السامية ذات مدلول عام، وقد يكون لها جملة مدلولات تدل على معان عامة مطلقة، أما اللغات الأرية، مثل السنسكريتية، واليونانية، والألمانية، فكل جذر فيها هو كلمة ذات معنى مقيد محدود، أخذت منه المصادر والنعوت. و هناك اختلافات أخرى في موضوع ال "Conjuctions" وال"Substansive" و ال" Syntax" وال "Interdependence of sentences"وغير ذلك من أمور يعرفها علماء اللغات والنحو والصرف.

ويرى العلماء أن الفعل قد تطور في اللغات السامية تطوراً خطيراً، استغرق قروناً طويلة، وان ما نعرفه من تقسيم الأفعال إلى ماضّ ومضارع وأمر،لم يكن معروفاً على هذا النحو عند قدماء الساميين. ويرى بعضهم أن الصيغة الأصلية للفعل إنما كانت صيغة الأمر، فهذه الصيغة هي أقدم صيغ الأفعال عند الساميين. وقد كانت هذه الصيغة تستعمل للدلالة على جميع صيغ الفعل من الماضي وألمصارع والأمر، ثم تخصصت فصارت تشير إلى حدوث الفعل في صيغة الأمر، و ذلك بعد ظهور صيغتي المضارع والماضي.

ومن صيغة فعل الأمر، اشتق فعل المضارع. و ذلك بزيادة حرف على أول لفظة فعل الأمر، لتدل على حالة الإسناد إلى الفاعل أو الضمير مثلاً. وقد سبقت هذه الزيادةُ الزيادةَ التي لحقت آخر الفعل، فمن فعل "قم" مثلاً تولد الفعل "أقوم" و "يقوم" و "نقوم" و "تقوم" ثم يقومون وتقومون.

ومن علماء اللغات من يرى أن صيغة المضارع كانت أمداً تدل على جميع الأزمنة، وأن هذا الأداء كان مستعملاً عند قدماء الساميين استعمال اللغة الصينية واللغة الهندوجرمانية الأصلية له.

ونجد اليونانية تغير معاني الفعل بإدخال حرف الجر عليه، فإذا دخل حرف جرّ على الفعل تغير معناه.

ويظن إن الكلمات المؤلفة من حرفين صامتين، أي الألفاط الثنائية الأصل مثل أب وأم وأخ ويد، كانت أقدم من الأفعال المشتقة من ثلاثة أحرف مثل فعل، صنع، أكل، ذهب، وأن الأفعال الثلاثية اقدم من الأفعال الرباعية. وقد ذهب بعض الباحثين الى إن الأفعال الرباعية المؤلفة من أربعة أحرف كانت مؤلفة في الأصل من حرفين اثنين، ثم تطورت بالاستعمال في خلال العصور الطويلة حتى صارت رباعية الأصل.

وفي العبرانية صيغتان للفعل الماضي: الصيغة المألوفة للماضي، وصيغة ثانية مشقتة من المضارع مع إضافة واو العطف، وهي صيغة قديمة جداً. وهي موجودة في البابلية القديمة وفي الكنعانية العتيقة. ولعلها كانت صلة بين المضارع وبين الماضي. وليس لهذه الصيغة وجود في العربية الشمالية وفي العربية الجنوبية والحبشية وفي لغة بني ارم.

ويلاحظ إن العبرانية تشارك اللهجات العربية الجنوبية في أمور عديدة غير معروفة في عربية القرآن الكريم، كما توجد أوجه شبه بين ألفاظ حبشية وعبرانية".

وللدلالة على الجمع أستعملت العبرانية حرفا "بم" للمذكر، و "واو وتاء" للمؤنث. أما الارامية، فاستعملت حرفا "ين" علامة للجمع، وأما العربية فلستعملت "الواو والنون" للجمع المذكر السالم، و "الألف والتاء" في الجمع المؤنث السالم، وهناك جموع تكسير كثيرة كثرة لا نكاد نرى لها مثيلاً في اللغات السامية الأخرى. و ذلك بسبب أن هذه الجموع هي في الواقع جموع وردت في لهجات عربية متعددة، وردت سماعاً، فلما جمعها علماء العربية ودونوها في كتب اللغة والمعاجم، لم يشيروا إلى أسماء من كان ينطق بها، فظن انها جموع استعملت في هذه العربية التي نزل بها الوحي.

ومن أهم الإختلافات التي نراها بين اللغات السامية. اختلافها في التعريف. فبينما نرى بعض اللغات كالآشورية والبابلية والحبشية لا أداة للتعريف فيها، نرى العبرانية وبعض الهجات العربية مثل الثمودية واللحيانية تستعمل حرف ال "ه" أداة له، تضعه في أول الكلمة، وبينما نرى السبئية واللهجات العربية الجنويية الأخرى تستعمل أداة أخرى للتعريف هي حرف "النون"، تضعها في آخر الكلمة المراد تعريفها، نجد العربية الفصحى تستعمل "ال" أداة للتعريف، تضعها في اول الكلمة. وتشارك السريانية العربيات الجنوبية في مكان أداة التعريف، فمكانها عندها في نهاية الكلمة أيضاً، غير أنها تختلف عنها في استعمالها أداة أخرى هي حرف ال "5" أي الواو.

وقد درس بعض المستشرقين أوزان الأسماء في اللغات السامية، كما درسوا اشتقاقها وأصولها التي أخذت منها، وبحثوا في حالات التصغير أي في الأسماء المصغرة وطرق التصغير عند جميع الساميين، والأسماء البسيطة والأسماء المركبة، ليستخرجوا منها قواعد قدماء الساميين في كيفية تكوين الأسماء،ولا سيما تلك الأسماء التي ترد في جميع اللغات السامية، ففي اللغات السامية أسماء مشتركة ترد في كل اللغات، منها ما هو بسيط مؤلف من كلمة واحدة، ومنها ما هو مركب، أىٍ أسماء. مؤلفة من أكثر من كلمه بطريقة الإضافة. ودراسة هذه الأسماء بأنواعها، تفيدنا كثيراً في الوقوف على العقلية السامية وعلى الخواص المشتركهّ التي كانت تربط بين السامين.

ونجد الإعراب في اللغة العريية الفصحى، ويذهب العلماء إلى أن الإعراب كان موجوداً في جميع اللغات السامية، ثم خف حتى زال من أكثر تلك اللغات. ونرى له أثراً يدل عليه في العبرانية في حالتي المفعول به وفي ضمير التبعية، وفي السريانية والبابلية في ضمير التبعية فإن هاتين الحالتين تدلان على وجود الإعراب في أصولها القدقية.

ونجد العربية ذات حروف يزيد عددها على حروف اللغات السامية الأخرى. ولعل اللغات الأخرى كانت تملك حروفا أخرى، ثم قل، أستعمالها فزالت من أبجديتها، لم تبق لها حاجة بها. فالعبرانية لا تمتلك الحروف: "ذ"، و"ع"، و "ظ"، و "ض". والبابلية لا يمتلك أيضاً الحروف: الجين والحاء والغين والهاء وهي من أحرف الحلق، ولا الأحرف: الطاء والظاء والصاد، وهي من احرف التضخيم والتفخيم، ولا القاف، ونجد يهود السامرة لا يستعملون حرف السين. وهناك أمثلة أخرى تثبت حدوث تطور في عدد الحروف في اللغات السامية، مما سبب حدوث اختلاف.في عددها،ولهذا حدث هذا الاختلاف الذي نراه ونلاحظه بين أبجديات تلك اللغات.

ونجد العربية الجنوبية تمتلك حرُوفاً لا تمتلكها العربية الفصحى، وذلك بسبب اختلاف طبيعتي اللهجتين.

ولا بد أن تكون هنالك عوامل عديدة دعت الى حدوث تغيير في عدد الحروف في لغات الساميين. وقد عزا بعض الباحثين سقوط الأحرف التي ذكرتها من الكتابة البابلية الى استعمال البايليين للكتابة المسمارية. غير أن هذا رأي يجب أن يدرس بعناية، وأن يكون مبنياً على دراسات عديدة أصيلة، ليكون في الامكان تكوين رأي صحيح في هذا الموضوع.

واللغة العربية اليوم، هي من أعظم اللغات السامية الباقية، بكثرة من يتكلم ويكتب بها، وبكثرة ما ألف ودون بها. وهي تستعمل اليوم قلماً اشتق من قلم سامي شمالي، وكان لها في الماضي قلم قديم كان مستعًملاً عند العرب من أيام ما قبل الميلاد إلى ظهور الإسلام، مات بسب اتخاذ الإسلام القلم الجزم قلماً للوحي، دون به القرآن الكريم، فصار بذلك القلم الشرعي الرسمي، وأمات بذلك الأقلام الجاهلية إلأخرى المشتقة من القلم "المسند". ونجد في المعاجم اللغوية مئات الألوف من الألفاظ المعبرة عن معان، وقد قدر بعض العلماء عدد ألفاظ العربية بنحو من "052 305 12" كلمة. ويعود سبب غناها في الألفاظ إلى كثرة وجود المرادفات فيها، التي هي من بقايا لغات قبائل، والى خاصية جذور الكلم فيها في توليد الألفاظ الجديدة بتحريك هذه الجذورر.

وهناك لهجات تستحق الدراسة، فهي من اللهجات السامية المتفرعة عن لهجات قديمة، وهي لهجات منبوذة لم يحفل بها علماء اللغة، مثل اللهجة "الأمهربة" واللهجة "الهرربة" لغة أهل "هرر". وهي من بقايا لهجات لم يعتن بها العلماء إلا منذ احتكاك الغربيين بالمتكلمين بها. ومع ذلك فلا تزال البحوث العلمية عنها قليلة.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق