إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 3 فبراير 2016

1737 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثاني والعشرون بعد المئة المسند ومشتقاته القلم اللحياني


1737

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
        
الفصل الثاني والعشرون بعد المئة

المسند ومشتقاته

القلم اللحياني

ومن القلم المسند اشتق القلم اللحياني، والقلم الثمودي، والقلم الصفوي، و ذلك لأن القلم المسند متقدم في الوجود على هذه الأقلام، فلا يمكن إن يكون قد أخذ منها. ثم إن المناطق التي وجدت فيها الكتابات اللحيانية والكتابات الثمودية، كانت في حكم المعينيين والسبئيين، بدليل عثور العلماء على كتابات معينية فيها. وهذه الكتابات أقدم عهدا من الكتابات اللحيانية والثمودية، ولذلك ذهب الباحثون في اللحيانيات والثموديات إلى اشتقاق خطها من الخط المسند.

ولم ينقل أهل أعالي الحجاز القلم المسند نقلاّ تاماً، بل عدّلوا بعض حروفه وغيرّوا فيها بعض التغيير، فظهر من ذلك القلمِ القلمُ اللحياني والقلم الثمودي، غير اننا نجد أن كتابات القلم اللحياني تختلف بعض الاختلاف. وقد قسّمها "ورنر كاسكل"إلى نوعين: كتابات لحيانية متقدمة، وكتابات لحيانية متأخرة. وقد بني تقسيمه هذا على أساس قدم الكتابات وتأخرها في التأريخ. والواقع اننا نجد الكتاّب قد تحرروا في كتابة حروفهم في جميع العهود، في العهد المتقدم وفي العهد المتأخر، بحيث لم يتركوا لنا مجالاّ للاخذ بهذا التقسيم. فنراهم وقد كتبوا بعض الحروف بأوضاع قد تزيد على الخمسة. غير أننا إذا ما تصفحنا هذه الحروف المختلفة الأشكال،لا نجدها تختلف اختلافاً بينا، إنما يرجع هذا الاختلاف في الواقع إلى ضعف وقوة يد الكاتب الذي حفر تلك الكتابات على الحجارة أو الخشب أو المواد الأخرى التني حفر الكتابة فيها. فمنهم من كان قوياً في حفره للحروف، ومنهم من كان ضعيفاً، فبان هذا الاختلاف في هيئات رسم الحروف. ومن هنا أرى إن اختلاف صور الحروف، لا يدل حتماً على تطور الخط، بقدر ما يدل على مهارة أو ضعف الكاتب في الكتابة.

والقلم اللحياني مثل المسند خال من الشكل، وخال من الرموز أو الحروف التي تشير إلى المدّ أو التشديد أو اًلإشباع أو الإشمام أو الإمالة وما شابه ذلك. وقد أوجد هذا النقص لقراء الكتابات اللحيانية مشكلات كثيرة في فهمها وفي ضبط الكلمات والأسماء فيها. فلفظة "زد"مثلا" المكتوبة بحرفين، قد تقرأ على أشكال مختلفة، قد تقرأ "زَ د"و "زٍ د"و "زُ د"و "زاد"و"زَيدْ" و "زود"، إلى غير ذلك من أشكالَ. وهي قد تكون اسماً، كما قد تكون فعلاً أو مصدراً، وعلى القارئ استخراج نوعها من موقعها في الجملة ومن مقتضى الحال. ومثل ذلك عن "شم"التي تعني "شيم"اسم رجل، و"كتب"بمعنى "كاتب"اسم رجل أيضاً، مع أن للكلمة عدة معان يفهمها الإنسان من موقع اللفظة في النص.

ولم يتقيد كتاب الكتابات اللحيانية تقيداً تاماً بكتابة الفواصل العمودية الني تستعمل للفصل بين الكتابات، كما تقيد بها كتّاب المسند. غير أنهم لم يسيروا في كتاباتهم على وتيرة واحدة، فنراهم يخالفونها اًحياناً فيفصلون الألفاظ بفواصل. وقد رفعت الفواصل عن الألفاظ المؤلفة من مقطع واحد، مثل مع، وكتبت مع اللفظة التي تليها. أما إذا اجتمعت لفظتان، كل واحدة منهما ذات مقطع واحد مثل "و" حرف عطف و "لِ" فالكتاب يكتبونهما على طريقة كتّاب المسند أي ممزوجتين، على هذا الشكل: "ول".

وتجد في هذه الصورة كتابة لحيانية متأخرة، يظهر منها وكأن صاحبها قد كتبها على عجل، فالخط فيها سريع ضعيف يدل على عجلة، والحروف غير واضحة، وقد كتبت بطريقة الحفر بقلم من حديد أو سكين أو آلة حادة أخرى على الحجر، حفراً سريعاً، كما نكتب بسرعة في القلم. ومن هنا يختلف القلم اللحياني عن القلم المسند، يختلف عنه في عدم تمسك كتّابه بكتابة الحروف بصورة واضحة بينة وبخط قوي واضح يقرأ بسهولة. ولعل لموقع اللحيانيين ولموقع من كتب مثلهم بسرعة وبغير نظام ثابت وتقيد بهندسة الحروف وأشكالها، فيما بين الأبجديات الشمالية، والأبجدية العربية الجنوبية أثراً في هذا التغير، إذ نكاد نلمس من قراءتنا لهذه الخطوط انها تحاول الهروب من نظام المسند، المستند على الشكل الهندسي المرتب للحروف، الذي يفصل بين الحروف، والذي يحتاج الكاتب فيه إلى التأني في كتابة الحرف، فيضيع بعض الوقت بسبب ذلك، كما يحتاج إلى إشغال مكان واسع للحروف. بينما نرى الأبجديات الشمالية تقلص من حجم حروفها وتحاول جهد امكانها ربطها بعضها ببعض اختصاراً في الوقت وفي المكان وفي الجهد. وحروف هذه الأبجديات وإن بقيت محافظة على استقلالها وعلى أشكالها الدالة على انها من نبت المسند،إلا انها اتخذت صوراً متعددة، كما انها لم تتقيد بما تقيد به المسند في نظامه من السير على طريقة السطور، وهو نظام يسهل على القارئ قراءة الكتابة من اليمين إلى اليسار، أو من اليسار نحو اليمين، أو بطريقة "حلزونية"، بل خرجت على هذا النظام، ولا سيما في حالة الكتابات الثمودية والصفوية، فكتبت بصور غير منتظمة، على صورة هلال، أو كرة، أو نسيج العنكبوت، مما جعل من الصعب على القارئ فهم الكتابة، ويظهر إن ذلك انما وقع بسبب إن الكتبة كانوا من الرعاة أو الفلاحين، وان الكتابات التي عثر عليها هي من كتاباتهم، وقد كتبوها تعبيراً عن خاطر عنّ لهم، فهي لا تمثل اذن كتابات رسمية أو كتابات جماعة من المثقفين الذين يعتنون بحسن الخط، وانما هي خواطر دونت على اي حجر وجده الكاتب، ودوّنها بالشكل الذي وجده يناسب ذلك الحجر.

وهذه الكتابة التي تراها في هذه الصورة هي كتابة محفورة على لوح من الحجر، وهي من الكتابات اللحيانية المتأخرة، المحافظة على نظام السطور. وخطهّا وإن كان ضعيفاً غير أنه واضح نوعاً ما ونجد الشبه كبيراً بينه وبين المسند.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق