إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 3 فبراير 2016

1727 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل التاسع عشر بعد المئة الفنون الجميلة



1727


( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
      
الفصل التاسع عشر بعد المئة

الفنون الجميلة

وبين الآثار التي عثر عليها الرحالون، أو نقلت إلى بعض متاحف الغرب، عدد من التماثيل والصور المنحوتة على الحجارة، وهي قليلة في الوقت الحاضر لا تعطينا فكرة واضحة عن الفن العربي الجنوبي، وبعضها يمثل فناً عربياً جنوبياً أصيلاً، فلا يشبه المنحوتات اليونانية أو الرومانية، أو المصرية، أو الايرانية، أو غيرها، وبعض آخر له شبه بفن بعض هذه الشعوب، مما حمل المستشرقين على أن يذهبوا إلى أن هذا التشابه هو نتيجة تقليد ومحاكاة لذلك الفن.

ونلاحظ على هذا التمثال الذي عثر عليه في مقبرة قديمة عند "تمنع" عاصمة "قتبان"، ويعود عهده إلى القرن الأول أو الثاني قبل الميلاد، إن المثَّال حاول جَهد إمكانه اعطاء تمثاله الذي صنعه طابعاً عربياً جنوبياً، لكنه لم يتمكن من ذلك، وقد دوّن في أسفله إسم صاحبه، وهو "جبا ام هنعمت"، "جبأ أوام هنعمت".

ومن الصعب إصدار حكم عام على الفن العربي الجنوبي استناداً الى هذه التماثيل والصور المنحوتة أو البارزة، لأنها قليلة غير مغنية وغير كافية لإصدار حكم في هذا الموضوع، ثم هي من صنع أيد متعددة، فيها أيدٍ قوية ذات موهبة، وفيها أيدِ ضعيفة إنتاجها بدائي يشبه فن البدائيين، لاتناسق فيه ولا تناسب بين الأجزاء. وقد نشأ ذلك بالطبع عن تفاوت مواهب المشتغلين بهذه الصناعات وعن وجود أناس اتخذوا الحفر في المرمر حرفة يتكسبون بها، وقد يكون لأنهم ورثوا تلك الحرفة، فاشتغلوا بها، مع عدم وجود قابليات فنية لديهم.

وقد عبر عن النحات، أي المثال الذي يصنع التماثيل بلفظة "هصنع"، أي الصانع في اللغة اللحيانية. ويعبر عن صنع التمثال بلفظة "نحت"، أي حسب تعبيرنا عن نحت التماثيل في الوقت الحاضر0 و تطلق لفظة "هصنع" على الرسام كذلك وعلى المعمار.

ويلاحظ أن الفن العربي الجنوبي مثل أكثر الفنون الشرقية الأخرى،لا تجاري الفن اليوناني في هيأة الجسم في موضوع إبراز جماله. فإذا ما نظرت إلى تمثال أو صورة بارزة أو حفر عربي جنوبي، ترى فرقاً واضحاً بين عمل الفنان في هذه الصور وعمل الفنان الهلليني اليوناني المعاصر له. ففي عمل هذا الأخير نرى عملاً فنياً جميلاً راقياً، يبرز جمال الفن وروحية "الفنان"، وهو عمل يقرب القطعة المعمولة إلى قلبك، ويجعلها تؤثر فيك تأثيراً عميقاً، على حين لا نرى مثل هذا الإبداع في الفنون الشرقية في الغالب.

وفي الفن اليوناني تناسق وتناسب بين الأجزاء. راعى الفنان فيه النسب الطبيعية للجسم فمثلها في تماثيله، وأظهرها بمظهر يشعرك بقوه فنه وبتمكنه من التعبير عن أحاسيسه. أما الفن الجاهلي، عموماً عربي جنوبي أو من موضع آخر، فإنه لم يتمكن من تحقيق هذا التناسق ولا النسب ولا الاتساق والتوازن بين الأعضاء. ولم يتمكن الفنان مع كل ما بذله من جهد من اظهار الجمال الفني على القطع التي صنعها، ولا من اعطائها حياة ودماً وروحا أخاذة تجعلك تشعر انك امام فنان عبر عن إدراكه الفني وعن الحس الذي يشعر به احسن تعبير باية طريقة أو مدرسة من مدارس الفن. وبأية وسيلة من وسائل التعبير عن الذوق الفني الذي تملك الفنان فجعله يعبر عنه بطريقته التعبيرية الخاصة بهذا الانتاج المجسم لروحه والذي نسميه الفن.

ولا تملك المتاحف في الوقت الحاضر تماثيل جاهلية بالحجم الطبيعي للانسان.

ويظهر إن اعتبار كثير من الناس للتماثيل أصناماً قد أدى بهم إلى اتلافها والقضاء عليها. وهناك أمثلة عديدة تؤيد هذا الرأي ذكرها القدامى والمحدثون. بل إن هذه النظرة لا تزال عند البعض. ثم إن الناس لم يكونوا يدركون قيمة الأثر في حفظ تأريخ أمتهم، ولهذا فلم يكونوا يهتمون بالتماثيل ولا بالأحجار المكتوبة ولا بكل أثر من الآثار. وتوجد اليوم قطع تماثيل يظهر انها من تماثيل حطمها الإنسان بيده وهشمها بنفسه، إما للقضاء على معالم الوثنية المتجسمة في نظره في هذا التمثال، وإما للاستفادة من أحجاره في أغراض البناء أو أغراض أخرى تفيده.

ومن بينها رؤوس تماثيل أو أقدام تمثال، أو جسم تمثال بلا رأس ولا أرجل.

أما التماثيل الصغيرة، فقد وصل عدد منها دون أن يمسها أي سوء. وقد استخرج عدد منها من باطن الأرض، استخرجه المنقبون والمواطنون الذين أخذوا يحفرون التلول الأثرية للبحث عن أثر يبيعونه لتجار العاديات. ونجد فى دور المتاحف وعند جماع العاديات عدداً منها.

ومن بين التماثيل الكاملة التي تستحق الدراسة والانتباه ثلاثة تماثيل لملوك من مملكة "أوسان". يبلغ ارتفاع احداها "89" سنتمتراً. وقد نحتت من المرمر.

وهي تمثل مرحلة من مراحل التطور في فن النحت عند العرب الجنوبيين. وقد حاول النحات جهد امكانه بذل أقصى ما عنده من فن وقابلية وموهبة في اعطاء هؤلاء الملوك ما يليق بهم من جلال ووقار ومظهر، وإبراز ملامحهم وملابسهم، ولكنه فشل في نواحٍ ووفق قدر استطاعته في نواحٍ. وقد نحت شعر الرأس وجعله متدلياً طويلاً مجعداً. وجعل للتماثيل قواعد استقرت عليها، دوّن عليها أسماء أصحابها. وقد اختلف الباحثون الذين بحثوا في خصائص النحت البارزة على هذه التماثيل في تقدير عمرها، فذهب بعض منهم إلى أنها ترجع إلى القرن السادس أو إلى القرن الخامس قبل الميلاد، وذهب بعض منهم إلى أنها ترجع الى القرن الأول قبل الميلاد، بينما رأى آخرون أنها من نحت القرن الأول بعد الميلاد.

وهناك تماثيل صغيرة لرجال ونساء وأطفال بعضها من حجر وبعضها من معدن تكشف لنا عن عادات وتقاليد المجتمع في ذلك العهد. في مثل الكشف عن الحلي التي كانوا يحلوّن بها جيد المرأة وعنقها، أو التي تحلى بها الأيدي أو الأرجل، كما تكشف بعضها عن ملابس المرأة والرجل والأطفال في تلك الأوقات، ولهذا فإن لهذه التماثيل أهمية كبيرة لا من الناحية الفنية حسب، بل من الناحية التأريخية أيضاً لأنها تتحدث عن العوائد الاجتماعية كذلك.

وتعبر بعض شواخص القبور عن شعور الحزن والاسى في نفس من أمر بحفر تلك الشواخص أو نحتها. فقد حرص صانعها على أن تكون معبرة عن المناسبة التي عملت من أجلها على أكمل وجه. واكملها برموز و إشارات دينية لها صلة وعلاقة بالحياة الثانية، وتزيد في فوائد هذه الشواخص بالنسبة لعمل الباحث، التماثيل التي وضعت مع الميت في قبره، لتعبر عنه. فهي تعبير آخر عن هذا الشعور المؤسف في شكل آخر من أشكال الفن.

وقد كانت العادة آنذاك، دفن تماثيل مع الموتى، أو صوراً محفورة على الصخر، فقد عثر في مصر وفي الجاز وفي بلاد الشام على مثل هذه التماثيل مدفونة في القبور، على مقربة من الأجداث. بعضها تماثيل رجال وبعضها تماثيل أطفال، ومن النادر تماثيل نساء، ولعل ذلك بسبب النظرة الاجتماعية التي كانت سائدة في ذلك العهد، من إعطاء الأولوية للرجل في المجتمع ثم للأولاد الذكور.

ونرى في هذه الصورة رأس رجل عربي جنوبي، حفر النحات عيني الرجل حفراً، وجعلها واسعة، فبدتا وكأنهما قد قلعتا، وأوصل اللحية بشعر الرأس، حتى أحاط الشعر بالرأس والوجه، وصار كأنه هالة. أما الفم، فصغير مفتوح، ولم يتمكن النحات من حفره حفراً يقارب الطبيبة، ولم يتمكن كذلك من إبراز معالم الأنف. أما الجبين فأملس، وأما الوجنتان، فملساوان كذلك، وأما الحجر المنحوت، فمن الرخام.

وإذا قارنت هذا التمثال والتماثيل العربية الجنوبية بالتماثيل اليونانية، أو بالتماثيل اليونانية التي عثر عليها في جزيرة "فيلكا" في الكويت، تجد فرقاً عظيماً من النواحي الفنية، فالفنان اليوناني له إدراك عظيم للقيم الفنية، له قدرة عظيمة على إبراز الملامح، وفي تقدير النسب بين الملامح وأعضاء الجسد، ثم هو متمكن تماماً من كيفية إظهار الحاجبين وحفر الأنف، و إبراز العينين. ومع مرور مئات السنين على الفن اليوناني، فإنك تستطيع أن تجد فيه حتى يومنا هذا الإبداع والجمال والاتساق والانسجام. خذ هذه الصورة، التي هي تمثال من الطين المحروق، عثر عليه في جزيرة فيلكا، ويعود عهده إلى حوالي "200" سنة قيل الميلاد، ثم قارنه بصور التماثيل التي عثر عليها في العربية الجنوبية ترى فرقاً كبيراً جداً بين الفنين.

ولكننا نجد مع ذلك في الفن العربي الجنوبي، محاولة نستحق التقدير، تظهر في طموح الفنان العربي الجنوبي ورغبته جهد إمكانه في إظهار شخصيته ومواهبه الفنية، وهو لو وجد التقدير الذي كانت يظهره اليونان للفن، لأبدع ولا شك إبداعاً كبيراً في عمله الفني.

وقد عبر الفنان العربي الجنوبي عن مشاعره بطريقة أخرى، هي طريقة الحفر على الحجر أو المعدن أو الخشب أو أية مادة أخرى يمكن الحفر عليها. وذلك بطريقتين: طريقة الحفر أي نقش الصورة أو ما يراد تخليد أثره على المادة حفراً كأن تحفر صورة إنسان أو حيوان حفراً عليها بأن تجعل معالم الصورة محفورة حفراً، عميقاً نازلاً في تلك المادة. فالحفر في هذه الحالة هو رسم محفور. وطريقة الحفر البارز، وذلك بجعل الأثر المراد تخليده بارزاً ظاهراً فوق سطح المادة التي حفر عليها. وذلك بأن يؤشر معالم ما يراد تخليده ويرسم، ثم يحفر ما حوله من سطح المادة التي رسم عليه، فتبرز الصورة وترتفع بهذا الحفر عن سطح تلك المادة.

وعثر على عدد من تماثيل الحيوانات، نحتت من المرمر ومن أحجار أخرى، فعثر على تمثال بقرة، وعثرت بعثة "وندل فيلبس"على تماثيل ثيران في خرائب مأرب. كما عثر بعض الباحثين على تماثيل أسود أو خيل. وقد تمكن الفنان من التعبير عن موهبته الفنية في بعض المنحوتات، وأجاد في إبراز مظاهر بعض أعضاء جسم تلك الحيوانات التي نحتها. وقد وصلت بعض هذه التماثيل وهي مهشمة، وقد فقدت بعض منها بعض أجزاء جسمها، فأضاع هذا الفقدان على الباحثين امكانية اعطاء رأي فني علمي عن هذه المنحوتات.

ومن الصعاب التي اعترضت "الفنان" العربي الجنوبي مسألهّ التعبير عن  

الحركات، ورسم الأشياء المتجاورة، والتمييز بين البعيد والقريب، والتفريق بين المنازل الاجتماعية، كالسيدة المصون صاحبة البيت وبين خادمتها. وهي مشكلات تواجه كل فنان، ولا يتغلب عليها بالطبع إلا من له قدرة وعلم بالتصوير والنحت. ومن جملة النواقص التي نلاحظها على الصور المحفورة أن أكثر القطع المحفورة لم تتمكن من التنسيق بين وضع صاحب الصورة. فبينما نجد الوجه مثلاً وهو متجه إلى الأمام، كأن صاحبها ينظر اليك، نرى الساقين والقدمين جانبيتين وهذا الوضع لا يتناسب بالطبع مع وضع القسم الأعلى من الجسم.

وقد نشأت عن صعوبة التعبير عن الأشياء المتجاورة، مثل رسم ثورين متجاورين يجران محراثاً، أو فرسين مربوطين معاً في محراث، مشكلة لم يتمكنوا من التغلب عليها، فلجأوا الى طريقة بدائية في الغالب، يتحدث وضعها عن هذا العجز، هو رسم أحد الحيوانين مثلاً، وكأنه تحت الحيوان الثاني المجاور له، و ذلك كما نرى في الصورة التي يمثل فلاحاً يحرثه ويجرّ محراثه ثوران، فوضع الفنان الثور الجانبي الأيمن فوق الثور الجانبي الآيسر، ظاناً إن ذلك قد عبر عن هذا الوضع، فبدا الثوران وكأن أحدهما قد ركب الآخر.

وقد عثر على لوح يمثل وجه انسان مستدير، رسم كأنه مع الجبين دائرة كاملة. وقد حفر الشعر على صورة قوس يكاد يحيط بالوجه إلا الحنك، وقد برز الشعر متموجاً، وقد فصلت بين الأمواج قواطع جعلت الشعر خصلاً. أما العينان فصغيرتان بالنسبة إلى الأنف. وبدا الفم مقفلاً وقد حلق صاحب الرأس ذقنه، وترك له شاربين طويلين يتصلان بالشعر المتدلي من الرأس. أما الأذنان فقد اختفتا تحت الشعر ولا أثر لهما في الصورة. والرقبة غليظة وقد أحاطت بها حيتان ارتفعتا إلى أعلى على هيأة قوس. ويظهر في هذه الصورة أثر الفن الساساني.

وقد عبر النحات عن تجعد شعر الرأس بحفره بصورة تشعرك انه يعبر عن شعر متجعد. وذلك بإحداث ثغرات تظهر الشعر وكأنه عقد، وقد جعله متدلياً إلى الكتفين، أو نازلاً على الجبين حتى الحاجبين، ولأجل أن يريك العينين وكأنهما في صورة طبيعية وضع أحجاراً ملونة أو أصباغا في بعض الأحيان على باطن العين لتظهر التمثال وكأنه بعينين حقيقيتين. تنظران إلى الأشخاص.

وحال حفر الأزهار وعناقيد العنب ورؤوس الحيوانات وبعض الكروم هي خير من حيث الإجادة من تصاوير الإنسان أو الحيوانات كاملاَ. وقد عثر على قطع رسمت فيها التيوس وهي من الحيوانات الكثيرة في اليمن، وقد رسمت بصورة تتمثل فيها القوة والحيوية.

وقد استعمل العرب الجنوبيون الكروم كثيراً للزخرفة، ولا يستبعد ذلك منهم فالكروم من النباتات المحبوبة الكثيرة في اليمن. وقد درّت عليهم أرباحاً طائلة واستعملت للاكل وللشرب. وهي تعطي نبيذاً طيباً وخمراً مشهوراً. فلا غرابة إذا ما استعملوه بكثرة للزينة، يحفرون صوره في اطارات الألواح أو الصور، أو يكبسون صوره في الجبس.

وعثر على قطع فنية نفيسة، من الحجر النفيس الغالي المحفور،أي من الأحجار الكريمة، حفرت عليها صور ذات صلة بالأساطير الدينية، مثل القطعة النفيسة المحفوظة في المتحف البريطاني، ويظهر انها من صنع فنان قتباني، حفر عليها أيلين أو وعلين وقد وقف كل واحد منهما على جانب، وقفا على القدمين الخلفيتين ورفعا القدمين الأماميتين إلى أعلى، وصور النحات القدم المقابل للشخص الذي يقابل القطعة أو ينظر اليها وقد عقف، أي بوضع منحن. أما القدم المقابل للقدم المعقوف، فلم يتمكن النحات من اعطائها الوضع الصحيح، ونجد رأسي الحيوانين وقد اتجها إلى الداخل، فكأنهما يريدان الكلام مع بعضهما أو الالتقاء، ولاظهار قرني الحيوانين معقوفين، نحت النحات عليها نحوتاً على شكل "الجزر"، أو الورق الرفيع. ووضع للحيوانين ذيلين قصيرين، وقد جعل آلة الذكر للحيوانين منتصبتين، وجعل تحت القدم المرتفع لكل حيوان رمزاً، له فم مفتوح متصل برقبة أو بجسم ينتهي بدائرة صغيرة، ثم بما يشبه كرة قائمة على ثلاثة أرجل. ووضع بين الحيوانين "طغراء" قراءته: "اب عم"، "ابي عم"، أي "أبى" "عم" إله قتبان.

وبين الأحجار الكريمة المحفورة التي عثر عليها في خرائب اليمن. أحجار أصلها من العراق ومصر ومن أحجار يونانية من أيام القياصرة ومن العصور الهيلينية، وقد نحتت على بعض منها حروف بالمسند المعبرة عن بعض المعاني الدينية أو عن أسماء أصحابها. وهي تستعمل خاتماً في الأصابع، وتختم بها الوثائق والرسائل.

وقد وضعوا "الدُّمى" على ألواح الأبواب، إما للزينة، وإما لدفع الشر والأذى أو للتبرك والتقرب. وقد قيل إن "الدمية" الصورة المصورة أو الصنم. وقد عرفوا "الدمية" بالصورة وبالصنم وبالصورة المنقشة بالعاج، ونحوه. وعرّفوها أيضاً بالصورة المصورة لأنها يتأنق في صنعتها ويبالغ في تحسينها.

وقد اتخذ العرب الجنوبيون من الحجر أثاثاً لهم، فنحتوا منه أسرّة وعروشاً.

وقد عثر على قطع من المرمر، هي من بقايا عروش أو كراسي عملت لبعض الأغنياء. وعثر على كراسي مصنوعة من أحجار أخرى. كما عثر على صناديق صنعت من حجر، وقد زوقت واجهاتها وزخرفت وحفرت عليها بعض الصور التي تمثل الأوراق والنباتات والأزهار والنوافذ أو واجهات البيوت.

واتخذوا من الحجارة مذابح Altars. وللمذابح مكانة في الطقوس الدينية ورسوم العبادة عند الجاهليين. ويقال لها: "مذبحت" و "مذبح" و "حردن". تذبح عليها حيوانات كبيرة مثل ثيران. وقد عثر على نماذج منها في مختلف المعابد. وقد زين بعض منها وزخرف.بصور حيوانات حفرت عليها أو نحتت كما حفرت عليها رموز لها علاقة بالعبادة والآلهة. وهي تفيدنا من هذه الناحية في الوقوف على فن الزخرف والنقش وعلى كل ما له من علاقة بالحياة الدينية عند الجاهليين.

وللمباخر والمجامر والمحارق أهمية أيضاً بالنسبة لمن يريد الوقوف على الفن الجاهلي. وقد عرفت المحارق ب "مصرب" و "مشود". وهي مواضع لحرق ما يقدم إلى المعبد من ضحايا عليها. وعرفت المجامر ب "مسلم"، وأما المبخرة، فهي "مقطر". وقد عثر على نماذج عديدة منها. وقد صنعت من مواد مختلفة من مرمر ومن معادن. مثل البرنز أو الذهب أو الفضة. وقد تفنن في صنعها، وبعضها مفتوح ليس له غطاء، وبعض آخر له غطاء. وقد نقش على بعض منها اسم الطيب الذي يحرق بالمجمرة، واسم صاحبها والمعبد أو الإله الذي خصصت به.

ولم يصل إلينا ويا للاسف من مصوغات الذهب والفضة شيء كثير. والصياغة صناعة اشتهر بها العرب الجنوبيون، حتى بالغ في ذلك بعض الكتاب اليونان، فأشاروا للى أوانٍ وأثاث وأدوات منزلية أخرى مصنوعة من الذهب والفضة.

ولكننا لم نر شيئاً مما ذكروا، ولم يروا هم ذلك أيضاً بالطبع، وإنما رووا ذلك عن طريق السماع.

وبعرف الذهب ب "ذهب" في العربيات الجنوبية. وأما الفضة، فيقال لها "صرف". وقد وردت أرض "شبا" في جملة الأماكن التي مونت العبرانيين بالذهب، حمله اليهم تجار "شبا".

وترد في الكتابات جمل مثل: "قدم تمثالاً من ذهب"، مما يدل على أن العرب الجنوبيين كانوا ينذرون إلى الهتهم إن منت عليهم وأجابت طلبهم بأن يقدموا لها نذراً هو تمثال من ذهب. غير أن الباحثين لم يعثروا حتى اليوم إلاّ على عدد محدود من تماثيل صيغت من ذهب، بل عثروا على تماثيل من البرنز. لذا ذهب بعضهم إلى إن العرب الجنوبيين قصدوا بكلمة "ذهبن"، أي "الذهب"، معدن البرنز، وذهب بعضهم إلى أنهم قصدوا معادن طليت بماء الذهب.

وفي جملة ما هو محفوظ من أعمال الصاغة، قلادة جميلة من الذهب عثر عليها في خرائب مدينة "تمنع" سبق أن وضعت صورتها قبل صفحات. وقلائد أخرى وصفائح من الذهب حفرت عليها صور بعض الحيوانات. كما عثر على معادن مطلية بطبقة من ذهب.

وقد وصلت قطع فنية نفيسة مصنوعة من المعادن، تدل على ذوق عال وعلى مهارة في الصنعة واتقان. من ذلك مصباح يضيء بالزيت، مصنوع من يتكئ على قاعدة. أما موضع الزيت، فينساب انسياباً جميلاً، وقد صنع بشكل متناسق، وارتفع فوق المصباح من الطرف العريض تمثال "ايل" جميل جداً ربطه بالصباح حزمة انفتحت عند اتصالها بالمصباح على هيئة أصابع يد. فلما ارتفعت، اتصل بعضها ببعض على هيأة ضفيرة، الى موضع اتصالها بالأيل. وقد انكسرت يدا الحيوان وكانت ممتدة. أما الرقبة والرأس والقرنان، فقد صنعت بدقة وبمهارة، وعلى الجملة القطعة تدل على تطور كبير في فن الصناعات اليدوية عند العرب الجنوبيين، وذلك كما نراه في الصورة المذكورة.

ونرى في قطعة أخرى مصنوعة من البرنز فناً وخيالاً، نرى رجلاً قد وضع على رأسه غطاءً يشبه الخوذة، وأمسك بيديه أسدين، فاليد اليمنى أمسكت بيد أسد، واليد اليسرى أمسكت بيد الأسد الأخر وقد أدار الأسدان رأسيهما إلى الجانبين، وكأنهما يتلويان من شدة القبض عليهما، وإن كانت لا يمثل أجزاء الأجسام تمثيلاً كاملاً، تعطي انطباعاً حسناً، وتعبر عن الفكرة تعبيراً طيباً.

وهنك قطعة مصنوعة من البرنز كذلك، تمثل منظراً رمزياً: ففي الوسط، راقص يشبه شكله شكل الشيطان في الأساطير، وقد اتصل فوق رأسه، وعلى الغطاء عمود يحمل طيرا ماداً جناحيه. ويقابل الطائر أيلان، انتصب كل أيل على جانب منا جاني الطير، و كأنهما يتقاتلان، ويحمل الأيلان حيوانين.

ونرى في هذه الصورة تمثالاً من البرنز لثور يرمز إلى الإلهَ القمر، وقد عثر عليه في "ظفار".

ونرى في هذه الصورة تمثال رجل صنع من النحاس، تظهر على شعر رأسه نتوءات بارزة كأنها الخرز، ربما يمثل زينة، أو تعبر عن شعر صاحبها المتموج. أما الوجه، فلا يمثل وجه أهل اليمن، بل كأنه بمثل وجهاً ل "بوذا"، أي وجهاً متأثراً بالفن الهندي الصيني القديم. الأنف فيه ضخم، والفم كبير، وقد غطى الجسيم بقميص له رأس يغطي الرقبة ويصل إلى الحنك، وتجد القميص مفتوحاً تحت الخصر، وأما أعلى القميص فمغلق، وقد شد على الخصر "خنجر" مستقيم، على طريقة أهل اليمن في حمل الخناجر إلى هذا اليوم، وقد مدّت اليد اليمنى إلى أعلى، وظهرت أصابع الكف واضحة مفصلة. أما اليد البسرى، فقد مدت إلى أعلى قليلاً، وكفها مقبوض، مكوناً ثقباً، يظهر أنه صنع لوضع عصا في الثقب، أو شيئاً آخر يرمز إلى سيادة ومنزلة اجتماعية. ونجد الجسم لا يتناسب مع ضخامة الرأس والكتفين، فهو ضئيل ضعيف. وفي الأذن صغيرة بالنسبة إلى الرأس. وقد وضعت في مقدم الشعر. ونرى إن الوجه عليق، مما يدل على أن بعض الناس كانوا يحلقون شعر أوجههم في تلك الأيام. وأما الرقبة فغليظة. وهناك قطع أخرى هي عبارة عن تماثيل بشر أو حيوانات مثل حيات أو جمال أو خيل أو جرذان وأمثال ذلك، وقد صنعت من البرنز كذلك، بعضها في غاية الجودة والاتقان. ومن بين هذه القطع المتقنة عصا انتهى طرف منها على هيأة أفعى، نرى فيها الأناقة والرشاقة، وعصا أخرى رأسها على هيئة حيّة وقد تدلى إلى أسفل. والقطعتان من الصناعات المتأخرة ومن أواخر أيام دولة حمير.

وبين القطع القديمة المصنوعة من البرنز، تمثال رجل ماش يبلغ ارتفاعه "93" سنتمتراً، رجله اليسرى متقدمة على اليمنى، ويرى القسم الاعلى من الجسيم عارياً إلا من جلد أسد أو فهد لف على الظهر، ويتصل طرفاه بالصدر. أما الوركان فقد غطيا بمئزر شد على الجسم بحزام عريض. وقد جعل المثّال الرأس وكأنه قد غطي بخوذة مجعدة، كناية عن الشعر، وقد تدلى على الجبين. ووضع شيئاً أشبه بالريشة للمحافظة على الشعر، وجعل للرجل لحية عبر عن تجاعيد شعرها بعقد. وجعل العينين واسعتين، اما الأنف فكبير ملتحم، وأما الفم فصغير. وأما الجسم عموماً، فهو نحيف. وقد عثر على هذا التمثال في المدخل المؤدي إلى "حرم بلقيس". ويرى بعض الباحثين أنه يعود إلى القرن السابع أو السادس قبل الميلاد. وأن صاحبه كان من كبار الموظفين في أيامه، وربما كان بدرجة حامل أختام الملك أو كاتم أسراره، وقد قدم التمثال تقربة ونذراً إلى الإلهه "المقه". ووجد اسم صاحبه مدوّناً على الكتف الأيسر منه، وهو "معدكرب" "معديكرب".

وبين التماثيل المصنوعة من البرنز تمثال امرأة وهي ترقص، وقد لبست فستاناً طويلاً يمتد على سروال، وكأنه يمثل الزي الفارسي القديم، المعروف في العراق، وقد أبدع صانع التمثال في عمله فجعله حياً ينبض بالحياة، وقد ضيق خصر المرأة، وجعل الساقين بعضها فوق بعض، ليأخذ جسمها وضع راقصة وهي في حالة رقص، كما ترى في هذا التمثال.

ونجد في مصنوعات المعادن مصنوعات تتحدث عن وجود اثر عراقي عليها، ومصنوعات أخرى تثير إلى وجود أثر مصري أو يوناني أو هندي عليها، وقد نسب بعض الباحثين وجود هذا الأثر إلى الصلات التجارية التي كانت تربط بين الأرضين المذكورة و بين العربية الجنوبية، كما نسبوه إلى اثر الرقيق المشترى من تلك البلاد والمستورد إلى العربية الجنوبية، حيث كلف بأداء الحرف اليدوية. وحيث أن هذا الرقيق كان من بلاد مختلفة، لهذا ظهر التنوع في هذه الصناعات.

ومن المصنوعات البرنزية التي يظهر عليها اثر الفن اليوناني مجموعة التماثيل التي عثر عليها في بيت "يفش" في خرائب "تمنع"، وتماثيل أخرى حفظت في متحف "صنعاء". وتمثالين لزنجيين عثر عليهما في موضع "نخلة الحمرا" "نخلة الحمراء" على مسافة خمسين كيلومتراً جنوب شرقي "صنعاء". وتماثيل أخرى لبعض الحيوانات، مثل تمثال حصان وتمثال آخر لأسد.

والتماثيل البرونزية التي عثر عليها في بيت "يفش" بمدينة "تمنع"، هي من الآثار المهمة التي عثر عليها في أرض قتبان. ونظراً للأثر "الهليني" البارز على جسم الأسد وعلى وجه راكبه المحافظ على الملامح اليونانية يرى الباحثون انها من القطع الفنية التي ربما يعود عهدها إلى القرن الأول للميلاد، حيث كان اليونان اذ ذاك يمخرون عباب البحار، وكان تجارهم ينقلون المصنوعات اليونانية إلى مختلف الأنحاء من العالم، لبيعها ولشراء ما يحتاجون إليه من النفائس التي لا توجد في بلاد اليونان وما وراءها. والظاهر إن الفنانين العرب، وقفوا على قطع فنية يونانية، فقلدوها وعملوا على صنع مثلها،وقد ضربوا على القاعدة الحروف المسند، الدالة على صاحب البيت. ومن هذه التماثيل تمثال أسد، امتطى على ظهره ولد بيده اليمنى لجام، وبيده اليسرى شيء يشبه القفل، وقد صنع الأسد وكأنه يريد الوثوب، وذلك كما تراه في الصورة. وقد قدّر تأريخ صنعه فيما بين السنة 75 و55 قبل الميلاد. ومنهم من يجعله بعد ذلك، أي في القرن الأول للميلاد.

وقد تبين من هذه التماثيل أن العرب الجنوبيين، كانوا ينتعلون نعالاً على نحو أنعلة هذا اليوم، وهي سميكة لتقاوم الأرض فلا تأكلها عند المشي، كما تبين لنا من دراسة هذه التماثيل أن بين ملابس العربية القديمة قبل الإسلام وبين ملابس العرب في اليمن وفي بقية العربية الجنوبية في الوقت الحاضر تشابه كبير. ومن الممكن في هذا اليوم عمل دراسة عن ملابس العرب الجنوبيين بالاستعانة بهذه التماثيل وبالصور المحفورة على الأحجار، التي تمثل مختلف طبقات المجتمع في ذلك العهد.

تمثالان صنعا من البرز، ويرى على التمثال أثر الفن "الهيليني" واضحا بارا.

من كتاب Qataban and Sheba )ص 189( أما الخشب المزخرف، فهو وجه آخر من أوجه الفن وأضرابه، وقد استعمل في البناء وفي أثاث البيت وفي صنع التماثيل والألواح المكتوبة وفي أغراض أخرى. وقد عثر المنقبون على نماذج منه. ولما كان الخشب معرضاً للتلف والهلاك أكثر من المعدن والحجر، لذلك فإن يد الطبيعة قد لعبت بالكثير منه، كما استعملته يد الإنسان قبل الإسلام وبعده في أمور أخرى غير الأمور التي خصصها أصحاب تلك الأخشاب لها، لذلك زالت معالم الكثير منها، واستعمل بعض منه في الوقود وفي اعمال البناء. ولا زلنا لا نملك نماذج من الأثاث المعمول من الخشب، مثل صناديق لحفظ الألبسة والأشياء الأخرى التي تحتاج إلى حفظ، وسرر منامة وكراسي وغير ذلك مما يستعمله الإنسان في حياته من مصنوعات الخشب.

إن الفنان العربي الجنوبي حاول جهد طاقته إظهار شخصيته في أعماله الفنية، وهو وإن كان قد حاكى غيره وقلده في بعض الأمور، غير أنه نجح في اعطاء فنه صورة المحيط الذي عاش فيه. فنرى السحنة اليمانية على وجوه بعض التماثيل، ولا سيما في أوجه الرجال. ونجد الطابع العربي الجنوبي يبرز على بعض المصنوعات. وسوف يزداد علمنا ولا شك في المستقبل بالفن العربي الجاهلي في المستقبل حين تهدأ الأحوال وتقوم البعثات العلمية بالحفر العلمي المنظم في جزيرة العرب، فربما يعثر على أعمال فنية تغير وجهة نظر العلماء المكتوبة عنه في هذا اليوم.

وأما الحديث عن الفن في الحجاز قبل الإسلام، فحديث مقتضب مختصر، لأن البحث العلمي لم يبدأ هناك حتى الان. فاقتصر علمنا عنه على ما ورد في الموارد الاسلامية وحدها. وما ورد في هذه الموارد هو اشارات عارضة ذكرت عرضاً في أحوال لا علاقة لها بالفن بل في البحث عن أمور أخرى، مثل: فتح مكة، حيث أشير إلى وجود تصاوير وأصنام في الكعبة، أمر الرسول بطمسها وازالة معالمها وبكسر كل ما كان هناك من أصنام، ومثل ما جاء في كتب الحديث والفقه عن "الصور والتماثيل" في باب النهي عنهما في الإسلام. وذلك يدل على إن بعض أهل مكة وسائر مواضع الحجاز الأخرى، كانوا يضعون الصور والتماثيل في بيوتهم، وان طائفة من الناس كانت تصوّر وتتعيش من بيع الصور، وأن طائفة أخرى كانت تنحت وتعمل التماثيل، وأن طائفة من النساجين والخياطين كانوا يجعلون صور انسان أو حيوان على الستائر أو الملابس لتزويقها، فنهى عن ذلك الإسلام.

ونحن لو أخذنا بروايات أهل مكة عن بناء الكعبة، خرجنا منها على أن الكعبة لم تكن عند ظهور الإسلام وبعد تعميرها الأخير قبل البعثة، شيئاً يذكر من ناحية الفن والهندسة المعمارية، فهي لم تكن سوى بيت مكعب، تحيط بحرمه البيوت، ولم يكن الحرم واسعاً وله سور، وانما كان ساحة مفتوحة تجاوز عليها أهل مكة، فأدخلوا جزءاً منها في بيوتهم، ولذلك اضطر الخلفاء إلى توسيعها، بشراء البيوت المجاورة وهدمها لاعادة ادخالها في الحرم. ونحن لا نجد اليوم أثراً باقياً على وضعه وحاله من آثار الجاهلية سوى "الحجر الأسود"، وبئر زمزم، أما الأشياء الأخرى مثل الكعبة، فإنها من بناء الإسلام.

أما بيوتها، فلا علم واضح لنا عنها، لأن أهل الأخبار لم يتحدثوا عنها حديثاً فيه إفاضة، وقد ورد في خبر إساءة الجوار لرسول الله، أن رسول الله كان يجلس تحت ظلة أمام باب داره، فكان جيرانه يرمونه بالحجارة، مما يدل على أنهم كانوا يبنون ظللاً على أبواب بيوتهم يجلسون تحتها على "دكة" ويستظلون بها من حرارة الشمس حين وقوفهم أمام الباب. ولا بد وأن تكون بيوت تجار مكة، من حجارة وكلس، وقد تكون من طابقين أو أكثر، ولكن الأخبار لا تتحدث بحديث مفصل عنها.

وفي أعالي الحجاز، آثار من بقايا أبنية ومن تماثيل وكتابات مكتوبة ومن تصاوير نقشت على الصخور، تعبر عن حالة النقّاش الذي نقشها، وهو من الأعراب. وفي جملة الصور مناظر إنسان يصيد غزالاً، أو يجاهد في قتل أسد أو حيوان مفترس، أو فارساً قد امتطى ظهر فرسه، أو مناظر قطعان حيوانات وحشية أو أليفة، وما شاكل ذلك من مناظر تمر على عيون الرعاة. وبعض هذه الصور مما يعود عهده إلى ما قبل الميلاد. وهي تستحق الدرس وتوجب على عشاق الفن دراسة النواحي الفنية والتعبيرية في هذه الصور المرسومة على الأحجار والصخور.

وفي المتحف البريطاني حجر، رمز إليه ب B.M.120928 كتب عليه بالحروف الصفوية "هف زبن بن أحرب" أي "هذا لزبان بن أحرب". وقد حفر صورة جمل تحت الكتابة، جعله لاعباً بذنبه، وله سنام ضخم لا يتناسب حجمه مع جسم الجمل، وله رقبة ورأس، أقرب إلى رقبة الزرافة ورأسها من رأس و رقبة الجمل. ولكن الرسم لا بأس به بصورة عامة، إذا أدركنا أن راسه من الأعراب الذين عاشوا قبل الإسلام.

ونجد في الأحجار الصفوية الأخرى، صور فرسان، وهم يتحاربون، أو يتسابقون، وصور خيل وحيوانات أخرى. وبعض هذه الصور في غاية من الاتقان والإبداع، وبعضها تمثل فناً بدائياً، لكنه يعبر عن وجود قابلية لدى راسمي هذه الصور الذين كانوا أعراباً يتنقلون في البوادي، وهم مع ذلك كتبة، لأننا نجد أسماء من رسم هذه الصور مكتوبة تحتها أو حولها لتدل عليهم.

واما العربية الشرقية، فقد عثرت البعثات التي نقبت بها على أعمال فنية عديدة، وقد عثر في "أبو ظبي" وفي أماكن أخرى من الخليج على آثار لم تكن معروفة من قبل. وقد أشرت في الأجزاء السابقة من هذا الكتاب إلى عثور المنقبين عن الآثار على آثار مهمة في البحرين وفي جزيرة "فيلكا" من جزر الكويت، وهي تشير إلى اثر الاختلاط الذي كان بين الهند، وفارس والروم والعراق وبين سكان الخليج، قبل الميلاد بعهود طويلة. ولا بد وأن تنبت في هذه الأرضين حضارة مختلطة، لأنها على ساحل البحر، وعلى طريق يعتبر من أهم طرق العالم في التجارة وفي المواصلات الدولية في القديم وفي الحديث.

وفي جملة ما عثر عليه في جزيرة "فيلكا" بقايا معبد يوناني، بناه جنود الاسكندر حين أقاموا واستقروا بها، وقد تمكنت البعثة "الدانماركية" التي نقبت في هذه الجزيرة من العثور عليه، ونظفت ساحته حتى ظهر على هذه الصورة التي تراها في الصفحة السابقة.

وفي جملة ما عثر عليه في جزيرة "فيلكا" نقود تعود إلى أيام "السلوقيين" خلفاء الاسكندر، وآثار اليونانيين الذين أقاموا في هذه الجزيرة منذ جاء جيش الاسكندر لفتح الهند. فاستقر قسم منهم بها وأنشأ معبداً فيها، عثر في أنقاضه على بقايا أعمدة حجرية استخدمت لرفع سقفه، يظهر عليها الأثر الهليني بكل وضوح، وعلى أحجار منقورة مزخرفة وعلى كتابات. وقد استخدم الحجر في أعمال البناء، كما ترى ذلك في الصورة المأخوذة لموضعه، بعد تنظيفه وإعادة دائرة الآثار والمتاحف في الكويت للاحجار الى مواضعها. كما عثر في هذه الجزيرة على جرار كثيرة تعود إلى العهد البرونزي، تشبه الجرار الخزفية التي لا زال الناس يستعملونها في مواضع متعددة من جزيرة العرب.

ومن أبدع ما عثر عليه في هذه الجزيرة، تمثال صغير من الطين المحروق يمثل "أفروديت"، يعود عهده إلى حوالي السنة "350" قبل الميلاد، وهو تاريخ انشاء هذا المعبد، ومخربشة جميلة، تمثل شجرة، يظهر انها كانت قد وضعت في أعلى واجهة المعبد. وتمثال رأس الاسكندر، تحيط به الهالة، وتمثال آخر، صنع من الطين المحروق، وعدد كبير من الأختام، حفرت عليها مناظر مختلفة، فيها صور حيوانات، يعود عهدها إلى القرن الثالث قبل الميلاد.

أما علم الفن العربي في العراق، فنحن لا نستطيع أن نتكلم عنه إلا بإيجاز مخل، وسبب ذلك، أن الحيرة التي كانت عاصمة المناذرة، والتي كانت من أكبر المستوطنات العربية، هدمت في الفتح الإسلامي وما بعده لاستخدام طابوقها وأخشابها في بناء "الكوفة". فقد بني مسجد الكوفة بأنقاض قصور الحيرة، فزالت بذلك معالم تلك المدينة، ولم يبق منها أي شيء بتوالي الأيام.

ويظهر من الأخبار الواردة في كتب أهل الأخبار، أن اهل الحيرة كانوا يتخذون "إيواناً" في قصورهم. يجعلونه موضعاً يجلسون فيه. عرف بالإيوان الحيري. وقد كانوا يزخرفون الجدر باستعمال "الآجر" المزخرف. كما كانوا يطلون الجدر على الطريقة العراقية القديمة بطبقة من "الجص"، ليظهر أملس أبيض، وكانوا يطلون الجدر الخارجية للبيوت بهذه الطبقة، ومن هنا ?? بدت مدينتهم وكأنها مدينة بيضاء، فقيل لها الحيرة البيضاء.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق