إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 3 فبراير 2016

1730 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الحادي والعشرون بعد المئة الخط العربي


1730

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
        
الفصل الحادي والعشرون بعد المئة

الخط العربي

للعلماء الذين اشتغلوا في موضوع نشوء الخط عند البشر، والقلم الأول الذي تفرعت منه سائر الأقلام، نظريات في تأريخ الكتابة وظهورها، وفي المراحل التي مّرّت عليها من أول عهد مرت فيه وهو عهد الكتابة الصورية Pictography إلى وصولها إلى مرحلة الحروف. وهذه النظريات مع أنها مرت بمناقشات وبحوث وتحددت حتى أصبحت معروفة عند علماء الخطوط، لم تستقر حتى الآن. لأن ما وصل الينا من نماذج كتابية أثرية، لا يكفي لابداء رأي مقبول أو رأي قاطع في أصل الخط وفي منشئه وفي الأمة التي أوجدته. ولا أعتقد أن في امكان أحد القطع في ذلك، ما لم يعثرالمنقبون في المستقبل على نماذج عادية غير معروفة، تكون كافية لإبداء رأي علمي فيَ هذا الموضوع.

واختراع الكتابة من الاختراعات الكبرى التي غيرت مجرى البشر،وهو اختراع لا تقل أهميته عن أعظم الاختراعات والاكتشافات والمغامرات التي قام بها الإنسان منذ يومه الأول حتى هذا اليوم. ومنها هروب الإنسان من أحضان أمه الأرض، وعقوقه بحقها، والتبطر بها، وذهابه إلى القمر ثم إلى ما وراء القمر من عوالم سابحة راقصة في هذا الذي نسميه السماء. ونحن لا نحفل اليوم بموضوع أهمية اختراع الكَتابة، بالنسبة إلى تقدم العقل البشري، ولا يعرف معظم الناس عنه أي شيء، ولا يحفلون به، لأنه صار من القديم البائد. كل قديم بائد يكتب عليه النسيان. وسيأتي يوم ولا شك ينسى فيه الجاءون من بعدنا بمئات وبآلاف من السنين، يوم هروب الإنسان من الأرض، ولا ينظرون إليه إلا كما ينظر الإنسان الأمي الجاهل إلى مبدأ الكتابة أو إلى اختراع النار أو اختراع الطباعة أو غير ذلك من المخترعات التي إذا مضى وقت طويل على اختراعها نسيتها ذاكرة البشر، ونسيت كل أثر تركته في تطور حياة هذا الإنسان المغامر المغرم بالبحث عن المجهول.

ولعلي لا أخطأ إذا قلت إن الإنسان قد فكر في الكتابة منذ أيامه الأولى أي منذ شعر بنفسه، وصار يُعبر عما في ذاته، فكر بها لأنه كان في حاجة إلى تسجيل أعماله ومعاملاته وكلامه، ليتمكن من تذكرها عند الحاجة والى مراجعتها. كما فكر في تسجيل حوادثه وشعوره وتأثره بالمرثيات الجميلة أو المحزنة،وبالخواطر التي كانت تمر عليه، وبكل إحساسه وعواطفه. وكان كلما تقدم عقله وتوسعت مداركه شعر بحاجته إلى تدوين أعماله وأحاسيسه، فعمد إلى الطرق البدائية في التدوين، ثم طوّرها تدريجياً حتى وصل إلى مرتبة الكتابة الصورية، أي أنه استخدم الصور في مقام الألفاظ. بأن يرسم صورة، فإذا رآها أحد عرفها وسماها باسمها.وعرفت هذه الطريقة بالكتابة الصورية. غير أن هذه الطريقة وإن عبرت بعض التعبير عن مشاعر الكاتب، إلا أنها كانت عاجزة عن التعبير عن الأمور الروحية وعن الألفاظ المعنوية، وعن الأمور الحسابية، وغير ذلك. لذلك لم يقنع بها بل أخذ يشحذ ذهنه لإيجاد طريقة أخرى مختصرة وبسيطة ولها قابلية على رسم المعاني والاحساس، فأوجد من الكتابة الصورية، اختزالاً نسميه: الكتابة المقطعية. أي انه اختزل الصور، وجزأها إلى مقاطع. وأخذ منها مقاطعها الأولى. فسماها بأسمائها الأصلية. فوصل بذلك إلى مرحلة المقاطع. وتمكن بسليقته وبذكائه من تحليل الأسماء والألفاظ التي يراد تدوينها إلى مقاطع، وتدوين أي كلمة بمقاطعها التي تتألف منها. وقد سهلت هذه المرحلة عليه كتابة الكلمات التي تعبر عن الآراء ومن تسجيل جمل وصفحات فيها الفاظ مادية محسوسة وألفاظ ليست بمسميات لأشياء مادية وإنما هي تعبير عن معان وإحساس. مثل موت وحياة ورأي وما شاكل ذلك. إلا أنه وجد أن هذه الطريقة لا تزال طريقة صعبة عسيرة، وأن على الإنسان أن يحفظ صور مئات من العلامات التي تعبر عن المقاطع لتدوين رسالة. لذلك فكر في اختزالها أيضاً وفي غربلتها وجزم المقاطع للوصول إلى الجذور الأساسية للالفاظ وقد نجح في عمله هذا فتوصل إلى إيجاد الحروف. فبلغ بذلك النهاية.

وهي المرحلة الحقيقية للكتابة. وبذلك استطاع أن يدوّن كل ما يدور بخلده من آراء بحروف، يضعها بعضها إلى بعض ليولد منها الألفاظ التي تدوّن بعضها إلى بعض لتعبر عما يريد الكاتب تدوينه.

وما ذكرته يمثل مجمل رأي العلماء في تطور الكتابة من الرموز والعلامات البدائية إلى بلوغها مرحلة الكمال والتمام. وقد أخذوا رأيهم هذا من الصور والنقوش التي عثر عليها في الكهوف وعلى الصخور وفي المقابر في مختلف أنحاء العالم. ولكن رأيهم هذا يتشعب ويتضارب عندما يتعرض للأصل الذي أوجد الحروف، والمكان الذي صار له شرف ايجاد الكتابة، وحل المشكلة المستعصية التي دوخت الإنسان، مشكلة تدوين ما يدور بخلده بيسر وسهولة. فذهب بعض الباحثين إلى إن الكتابة انما ظهرت في العراق، وذهب بعض اخر إلى انها ظهرت في لبنان، وذهب بعض إلى انها من نبت أرض النيل، وذهب آخرون إلى انها من ثمرات جزيرة "كريت". ولكل رأي ودليل وحجة تقوم على دراسة الكتابات والنصوص التي عثر عليها في تلك الأرضين.

والذين يرون إن العراق هو وطن الكتابة الأول، يرون إن الخط انما ظهر  

بتأثير عبادة النجوم، و ذلك في أرض "كلديا"، وكان الكهنة قد وضعوا رموزاً للنجوم، ومن تلك الرموز أخذت الأبجدية الأولى، وتفرعت الألفباء السامية الغربية التي صارت أُماً لمجموعة من الأبجديات، ومن قائلي هذه النظرية والمدافعين عنها المستشرق "هومل".

وهناك طائفة من العلماء رأت إن الأبجدية الأولى هي وليدة أرض النيل. وأن الذين أوجدوا الأبجدية انما أخذوها منها. وكان المصريون قد استعملوا في بادىء أمرهم الكتابة الصورية، ثم اختزلوها وأولدوا منها "الكتابة الهيروغليفية". وهي كتابة متطورة مقدمة بالنسبة إلى الكتابة الصورية. وقد صارت هذه الكتابة أماً لأقدم الكتابات. إذ تعلمها أهل "سيناء" وأهل بلاد الشام، ثم اختزلوها وجزموها، حتى أوجدوا من هذا الجزم الحروف الهجائية.

وعثر المنقبون في طور سيناء في "سرابيط الخادم" على كتابة قديمة يعود عهدها الى سنة "1850" قبل الميلاد، دفعت بعض العلماء مثل "مارتن اشبرنكلنك" على القول بأن هذه الكتابة هي وليدة الكتابة الهيروغليفية، وانها الحلقة المفقودة التي توصل بين الهيروغليفية وبين مرحلة الحروف. وذهب إلى إن العمال الذين كانوا يشتغلون في مناجم طور سيناء انما اهتدوا إلى التدوين بالحروف من معرفتهم للهيروغليفية. إذ اختزلوا المقاطع، وأخذوا بالجزء الأول من كل مقطع وسمّوا ذلك الجزء باسم من أسماء الصور بلغتهم، فتكونت عندهم مجموعة من الحروف كونت الأبجدية الطور سينائيهّ، بلغ عددها اثنين وعشرين حرفاً، أصبحت نموذجاً للابجديات الأخرى التي اعتمدت عليها.

وقد انتشرت هذه الأبجدية من "طور سيناء" إلى الشرق فوصلت إلى الشام وجزيرة العرب، وصارت أصل الأبجديات في هذه الأماكن غير انها لم تستعمل في العراق، حيث كانت الكتابة المسمارية، ولا في مصر، حيث كانت الكتابة "الهيروغليفية". وقد تغيرت أشكالها باستعمالها الطويل، وتحرفت بمرور الزمن، وتبدلت الأسماء التي وضعها كتاب طور سيناء لحروفهم، كما تبدلت من حيث الترتيب وبذلك تولدت منها اقلام جديدة.

ورأى بعض العلماء إن الخط الكنعاني الذي هو من الخطوط القديمة، قد اشتق من الخط الهيروغليفي، لوجود شبه بين الحروف الكنعانية وبعض الصور الهيروغليفية. ورأى بعض آخر انه مشتق من الكتابة المسمارية. ورأى آخرون انه اشتق من الأبجدية "الطورسينائية"، إذ يصعب تصور اشتقاق الخط الكنعاني من الهيروغليفية رأساً لبعد ما بين الكتابتين،وإن كان هناك شبه بين بعض الحروف الكنعانية والصور الهيروغليفية. ومن الخط الكنعاني تولدت بعض الأقلام السامية المتأخرة.

وذهب باحثون إلى أن الفينيقيين هم أول من اخترعوا الأبجدية، ومن هذه الأبجدية الفينيقية تولدت الأبجديات الأخرى، وذهب قسم منهم إلى أن الفينيقيين، إنما أخذوا أبجديتهم هذه من الهيروغليفية، بأن شذَّبوها وجزموا مقاطعها، وأولدوا منها الحروف. ونظراً إلى وجود هوة كبيرة بين الكتابة الفينيقية وبين الهيروغليفية، رأى بعض الباحثين، أن الفينيقيين، إنما أخذوا خطهم من الخط الطورسينائي، ثم طوروه وحسنَّوه وأوجدوا منه خطهم الذي أولد جملة خطوط.

وطائفة أخرى من العلماء، رأت أن وطن "الألفباء" الأول هو جزيرة قبرس أو جزيرة كريت، حيث عثر فيهما على نماذج قديمة للكتابة اتخذوها حجة يستند إليها في هذا الرأي. وقد زعم أصحاب هذه النظرية أن أهل ساحل البحر الأبيض إنما تعلموا الكتابة من أهل "كريت" أو "قبرس". وذلك باحتكاكهم بهم، وبهجرة الفلسطينيين Philistines، من جزيرة "كريت" إلى سواحل فلسطين التي عرفت باسمهم "فلسطية" Philistia، ثم أطلقت على المنطقة التي قيل لها فلسطين كلها. ومن الفلسطينيين أخذ الفينيقيون الأبجدية.

وقد عثر الباحثون على عدد من الكتابات القديمة في جزيرة "كريت"، تبين من دراسة بعض منها أنها مكتوبة على طريقة الكتابة الهيروغليفية ويرجع عهدها إلى ما بين "2000" إلى "1600" قبل الميلاد. كما عثروا على كتابة صورية يعود عهدها إلى حوالى السنة "700 ا" قبل الميلاد. وعثروا على كتابات أخرى حملتهم على القول بأن "كريت" كانت الموطن الأول للكتابة، ومنها انتقلت الكتابة إلى مواضع أخرى من البحر الأبيض. كما بينت ذلك في الفقرة السابقة.

وقد عثر المستشرق "كلود شيفر" M.. Claude Schaeffer، المعروف بتنقيبه عن النصوص "اليغاريتية" Ugarit في شهر "نوفمبر" من عام 1949 م على آجرة صغيرة من الصلصال المفخور بالنار حجمها "5" سنتيمترات في 15 ملمتراً في موضع "رأس الشمرة" الواقع على مسافة عشرة أميال من شمال اللأذقية، ظهرأنها على صغرها وتفاهتها البادية عليها من أهم ما عثر عليه من نصوص. فهذه الآجرة الصغيرة التي لا تلفت اليها الأنظار هي لوح في غاية من الأهمية كَتبت عليه الأبجدية "اليغاريتية"المؤلفهّ من ثلاثين حرفاً، وهي على الرغم من صغر حروفها مكتوبة كتابة واضحة بخط قوي جلي. وقد كان العلماء يبحثون عن هذه الأبجدية بكل شوق، والظاهر إن أحد الطلاب كتبها على هذا اللوح، ويرجع عهده إلى القرن الرابع قبل الميلاد.

وهذه الأبجدية "اليغاريتية" مكتوبة كتابة اسفينية، ولذلك رأى بعض الذين بحثوا في "اليغاريتية" انها وليدة الكتابة المسمارية. ورأى بعض آخر انها متأثرة بالهيروغليفية من حيث تكوين الحروف الصامتة، وأما من ناحية الرسم، فإنها متأثرة بالكتابة المسمارية. وتتألف من ثلاثين حرفاً، فهي تتضمن جميع الحروف في الأبجديات السامية الشمالية الغربية المكونة من اثنين وعشرين حرفاً صامتاً. ونجد انها أوردت هذه الحروف على ترتيب الأبجدية الإرمية والعبرانية، خلا انها وضعت خمسة أحرف أخرى لم ترد في العبرانية بين هذه المجموعة، فتكوَّن منها سبعة وعشرون حرفاً تضاهي الأبجدية الكنعانية، ثم أضاف إليها كتبة "اليغاريتية" أحرفاً أخرى، فأصبح مجموف الحروف ثلاثين حرفاً تألفت منها الأبجدية "اليغاريتية".

نرى مما تقدم إن آراء علماء الخط تكاد تتفق على إن مخترعي الأبجديات هم أناس يجب أن يكونوا من أهل الشرق الأدنى أو من حوض البحر الأبيض، من أهل جزيرة "كريت" أو "قبرس". وآراؤهم هذه هي بالنسبة إلى الأقلام المشهورة التي لا تزال مستعملة وحية معروفة مثل الخطوط المستعملة في اوروبة، وفي اميركا، ومثل الخط العربي والعبراني والسرياني وبالنسبة إلى أفلام أخرى ماتت، غير إن العلماء المتخصصين يعرفون عنها شيئاً ويقرأون نصوصها مثل الكتابات المسمارية وأمثالها. إلا إن هناك أقلاماً هي قديمة أيضاً، ولها اهمية كبيرة، ونصوص وكتابات، لذلك يجب البحث عنها، لمعرفة تأريخها ودرجة صلتها بالأقلام التي نتحدث عنها. للوقوف على البواعث التي دفعت أصحابها على ايجادها والمراحل التي مرّت بها. فليس من الصواب إهمال تلك الأقلام وغض النظر عنها باعتبار انها أقلام بعيدة عن أقلامنا، وهي تمثل ثقافة بعيدة عن ثقافتنا.

كذلك يجب البحث عن الرسوم والرموز والإشارات التي سجلها الإنسان البدائي للتعبير عن نفسه ولتخليد ما كان يدور بخلده. ومقارنة ذلك مع أمثاله في كل أنحاء العالم، فإذا فعلنا ذلك وجمعنا كل الأقلام القديمة مثل أقلام الصين والهند وبقية أقلام اقطار آسية وأقلام إفريقية واميركا، ودرسناها دراسة علمية. صار في إمكاننا تكوين رأي عام علمي تقريبي عن تأريخ ظهور الخط عند البشر: متى كان ذلك وأقدم من بدا به، مع بذل الجهد للبحث عن نماذج جديدة من الخطوط في كل مكان من العالم لنزيد بها على علمنا المتجمع من الكتابات التي وصلت الينا ولا نضيف عليه علماً جديداً وليكون حكماً قريباً من المنطق والعلم.

والرأي عندي أنه لأجل الإحاطة بتأريخ تطور الخط، لا بد من الاستمرار في البحث عن كتابات أخرى جديدة ومن دراسة مظاهر أشكال الحروف وكيفية ترتيبها وكيفية النطق بها، أي الإحاطة بأسماء الحروف. فإن هذه الأمور تساعدنا كثيراً على فهم تطور الخط عند البشر وعن صلته بعضه ببعض ومن التوصل إلى نتائج علمية قويمة، لا تقاس بالنتائج التي تبنى على مجرد الظن والتخمين والتصور.

والذي نلاحظه اليوم أن حروف الخطوط السامية المستعملة عند الغربيين، تكاد تتفق في أسمائها وفي ترتيبها، ويثير هذا التشابه إلى وحدة الأصل، والى أن الأبجديات المذكورة قد تفرعت كلها من شجرة واحدة، ونبعت من منبع واحد. فكلها تبتدئ بحرف واحد، هو "الألف" وكلها تجعل الباء حرفاً ثانياً، ثم إن في وحدة تسمياتها مع اختلاف اللغات التي تدوّن بها دليلاً كافياً على إثبات أن هذه الأبجديات هي من أصل واحد. وعلى أن الأسماء الحروف علاقة وثيقة بالصور وبالكتابة الصورية للغة الأم التي اخترعت تلك الحروف وأوجدتها من مرحلة المقاطع. وإذا ثبتتا أسماء الحروف، وعرفنا من أين أخذت، وإذا استطعنا العثور على أقدم نص للأبجدية، يكون في إمكاننا ابداء رأي علمي في منشأ الحروف وفي المكان الذي كان له شرف إيجادها، أو الأماكن التي ساهمت بصور مستقلة في إيجاد الحروف. وهذا ما أراه. لأني أعتقد أن الإنسان فكّر في أول ما فكر به في إيجاد وسيلة يسجل بها أعماله وأفكاره، وان تفكيره هذا لم ينحصر في بقعة واحدة، بل وجد في كل مكان. حتى في البيئات البدائية، إذ نجد الشعوب البدائية تتخذ وسائل للتعبير عن آرائها وعن تدوين أفكارها بطرق تتفق مع مستواها العقلي ودرجتها في الثقافة.

والحرف الأول، وهو الألف، يعني "ثوراً"، ولذلك مثل في الهيروغليفية وفي كتابة طور سيناء بشكل رأس ثور، وأما الحرف الثاني، وهو الباء أو Beth، فإنه يعني "بيتاً"، وقد صور في الهيروغليفية وفي كتابة طور سيناء بشكل يصور مقدمة بيت. وأما الحرف الثالث، وهو الجيم، فإنه "كمل" "كيمل"، أي الجمل، وصورته لا ترمز إلى الجمل رمزاً تاماً. وأما حرف الدال، فيقال "دالت"، ومعناه باب. وأما حرف الهاء، فإنه من He "هى" بمعنى شباك. وأما الواو، فهو يشير إلى وتد. وأما الزاي، فإنه من زين بمعنى سلاح. وأما الحاء، فإنه من "حيث" بمعنى حائط، وأما الياء، فإنه من "يود" بمعنى يد أو يد مفتوحة. واخذ حرف الكاف من "كاف" "كف" بمعنى كف اليد، أو يد مقبوضة. وأما حرف اللام، فإنه من "لمد" "لامد"، ومعناه عصا لضرب الثور. وأما الميم، فإنه من "ميم" بمعنى ماء. وأما النون، فإنه من نون بمعنى سمكة. وأما حرف السين فهو سامخ، بمعنى آلة يعتمد عليها كالعصا. وقد أخذ حرف العين من عين، عين الإنسان. وأخذ الفاء من فم "بم" Pe بمعنى فم، وأخذ حرف لصاد من "صادى"، بمعنى صياد. وحرف القاف من قوف Kof بمعنى الرأس إلى الخلف، وحرف الراء، من ريش بمعنى رأس، وحرف الشين من "شين"، شن" بمعنى سن. وأما التاء، فمن كلمة "تاو" "تو" بمعنى علامة أو صليب، وهكذا.

ولمسألة ترتيب الحروف اهمية كبيرة لا تقل عن اهمية أسماء الحروف. ويظهر إن ترتيب " أبجد هوز حطي..، الخ"، وهو ترتيب سار عليه العرب أيضاً، هو ترتيب قديم، وقد عرف عند السريان وعند النبط والعبرانيين،وعند "بني إرم" ويظن انهم أخذوه من الفينيقيين. وقد سار عليه الكنعانيون أيضاً، غير انهم زادوا عليه الأحرف التي اقتضى وجودها في طبيعة لغتهم. وقد وضع علماء العربية بعد "قرشت" التي يمثل حرف التاء فيها آخر حروف الأبجدية الحروف التي لم ترد في ترتيب "ابجد هوز"، وهي موجودة في العربية ويقال لها "الروادف".

أما الترتيب السائر اليوم في كتابة الحروف العربية مبتدئين بالألف ومنتهين بالياء، فهو ترتيب اسلامي، وقد وضع على ما يخيل إلي لتيسير حفظ أشكال الحروف للطلاب، لأنه راعى الجمع بين الحروف المتشابهة، ولم يتجنب مع ذلك الترتيب الأصل المراعى في نظام "أبجد هوز" تجنباً تاماً. وضعه "نصر بن عاصم" في ايام الحجاج.

ومن الفينيقيين الذين كانوا يقطعون البحار والبراري للاتجار مع مختلف الشعوب، انتشرت الكتابة بالحروف إلى حوض البحر الأبيض. فقد كان تجارهم يسجلون ما يبيعون ويشترون ليضبطوا بذلك أعمالهم، فظن من كان يتعامل معهم من اليونان وغيرهم انهم كانوا يقومون بأعمال سحرية. ولما عرفوا انهم انما يكتبون ذلك لضبط اعمالهم وتجارتهم تعلموا منهم سر الكتابة، ثم سرعان ما أخذوا يكتبون.

وبذلك انتشرت الكتابة في اوروبة. ويظهر إن انتقال الخط إلى اوروبة كان في القرن العاشر قبل الميلاد. وقد حافظ اليونان القدامى على أشكال الحروف الفينيقية وعلى طريقتهم في التدوين من اليمين إلى اليسار. وحافظوا على أسماء الحروف كذلك. ثم وجد اليونان إن الحروف الفينيقية هي حروف صامتة ولا توجد فيها حروف تعبر عن الحركات. فأكملوها بإضافة الحركات إليها. ثم طوروها بالتدريج. وكان في جملة التطورات الابتداء بالكتابة من اليسار نحو اليمين. وعن اليونان اخذ الرومان وغيرهم من الشعوب الأوروبية الكتابة، وأخذ كل قوم منهم يوجد منها طرقاً جديدة في الخط حتى صارت على نحو ما هي عليه في هذا اليوم.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق