إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 4 فبراير 2016

1764 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثالث والثلاثون بعد المئة النسيء مبدأ النسيء


1764

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
       
الفصل الثالث والثلاثون بعد المئة

النسيء

مبدأ النسيء

ويرجع أهل الأخبار مبدأ ادخال النسيء إلى الجاهلين إلى "عمرو بن لحي"  

أو إلى "القلمس"، وهو "حذيفة بن فقيم بن عامر بن الحارث"، أو "حذيفة بن عبد بن فقيم"، أو "نعيم بن ثعلبة"،أو " قلع بن حذيفة بن عبد بن فقيم"، أو آخرون. وذلك إن العرب كانوا لا يكبسون، إلى أن جاورتهم اليهود في يثرب، فارادوا "أن يكون حجهم في أخصب وقت من السنة وأسهلها للتردد في التجارة، ولا يزول عن مكانه، فتعلموا الكبس من اليهود". فصار النسيء عادة من عادات العرب منذ ذلك الحين إلى منعه في ا لاسلام.

وكانت النَّسأة في بني مالك ين كنانة، وكان أولهم القلمس حذيفة بن عيد ابن فُقيم بن عديّ بن عامر بن ثعلبة ين الحارث بن مالك بن كنانة، ثم ابنه قلع ين حذيفة، ثم عباد بن قلع، ثم " قلع بن عبّاد قلع" ثم أمية بن قلع ثم عوف بن أمية، ثم جنادة بن أمية بن عوف بن قلع. وذكر أن أول من نسيء قلع، نسأ سبع سنين، ونسا أمية إحدى عشرة سنة. وذكر عن "ابن اسحاق" أن أول من نساً عند العرب "القلمس"، وهو "حذيفة بن عبد فقيم ابن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة"، ثم قام بعده على ذلك ابنه "عباد"، ثم من بعد عبّاد ابنه "قلع بن عباد"، ثم ابنه "امية ابن قلع"، ثم ابنه "عوف بن أمية" ثم ابنه "أبو ثمامة" "جنادة بن عوف"، وكان آخرهم وعليه قام الإسلام. وذكر "القرطبي" عن "ابن الكلبي" أن "اول من فعل ذلك رجل من بني كنانة، يقال له: نعيم بن ثعلبة، م كان بعده رجل يقال له: جنادة بن جموف، وهو الذي أحركه لي سول الله، صلى اللّه عليه وسلم. وقال الزهري: حي من بني كنانة ثم من بني فُقيم منهم رجل يقال له القلمس، واسمه حنيفة بن عبيد. وفي رواية مالك بن كنانة. وكان الذي يلي النسيء يظفر بالرياسة لتريس العرب إياه. وفي ذلك يقول شاعرهم: ومنّا ناسىء الشهر القلمس

وقال الكميت: ألسنا الناسئين على مـعـدّ  شهور الحلّ نجعلها حراما"

وذكر "اليعقوبي"، إن اول من نسأ الشهور: "سرير بن ثعلبة بن الحارث ابن مالك بن كنانة". وهو والد "هند" التي تزوجها "مرة بن كعب"، فولدت له "كلاباً". وشرف "كلاب بن مرة" وجل " قدره واجتمع له شرف الأب، وهو "كعب بن لؤي"، الذي كان أول من سمى يوم الجمعة بالجمعة، وكانت العرب تسميه "عروبة"، وشرف الجد من قبل الأم، لأنهم كانوا يجيزون الحج ويحرمون الشهور ويحللونها، فكانوا يسمون النسأة والقلامس. وذكر "الزبيري"، إن "سريراً" أول من نسأ الشهور، وقد انقرض سرير، ونسأ الشهور بعده ابن أخيه القلمس، واسمه عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث ابن كنانة. ثم صار النسيء في ولده. وكان أخرهم جنادة بن عوف، وهو "أبو ثمامة". وورد في رواية أخرى، إن أخرهم هو "فقيم بن ثعلبة"، أو هو غيره. وقد ذكروا أن "أبا ثمامة"، وهو "جنادة بن أمية" من بني "المطلب بن حدثان بن مالك بن كنانة"، من نسأة الشهور على معد، كان يقف عند "جمرة العقبة، ويقول: اللهم اني ناسىء الشهور وواضعها مواضعها ولا أعاب ولا "أحاب" أجاب: اللهم إني قد أحلت أحد الصفرين وحرمت صفر المؤخر، وكذلك في الرجبين، يعني: رجباً وشعبان. ثم يقول: انفروا على اسم الله تعالى. وفيه يقول قائلهم: ألسنا الناسئين على مـعـد  شهور الحل نجعلها حراما

وذكر أن أول من نسأ بعد "القلمين" القلمسين: "حذيفة بن عبد نعيم ابن عدى"، و "زيد ين عامر بن ثعلبة" "وهو القلمين بن عامر بن ثعلبة" "عياد بن حذيفة"، ثم "قلع بن عباد"، ثم "أمية بن قلع"، ثم "عوف ابن أمية"، ثم "جنادة" فأدركه الإسلام.

وذكر "الطبري"، "أن جنادة بن عوف بن أمية الكناني، كان يوافي الموسم كل عام، وكان يكنى أبا ثمامة، فيناسى: ألا إن أبا ثمامة لا يجاب ولا يعاب، الا وان صفر العام الأول حلال، فيحله الناس، فيوم صفر عاماً ويحرم المحرم عاماً". ودعاه ب "أبي ثمامة صفوان بن أمية"،أحد "بني فقيم ابن الحارث، ثم أحد بني كنانة". وذكر أنه "كان رجل من بني كنانة، يأتي كل عام في الموسم على حمار له، فيقول: أيها الناس اني لا أعاب ولا أجاب، ولا مرد لما أقول. انا قد حرمنا المحرم، واخرنا صفر. ثم يجيء العام المقبل بعده، فيقول مثل مقالته. ويقول إِنا قد حرمنا صفر واخرنا المحرم فهو قوله: ليواطئوا عدة ما حرم الله". وكان هذا الرجل يقال له:القلمس. وكان آخر النسأة، "جنادة بن عوف بن أمية بن قلع بن عياد "عباد" بن حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدي بن زيد بن عامر ين ثعلبة بن الحارث بن مالك ابن كنانة"، أبو "ثمامة" "أبو أمامة" الكناني. نسأ الشهور أربعين سنة، وأدرك الإسلام. وكان أبعد النسأة ذكراً، وأطولهم أمداً. وذكر إن اسمه "أمية بن عوف بن جنادة ين عوف بن عياد بن قلع بن فقيم بن عدي بن عامر ابن الحارث بن ثعلبة"، وذكر أيضاً انه "القلمس بن أمية بن عوف بن قلع ابن حذيفة بن عبد بن فقيم".

وورد في خبر ينسب إلى "ابن عباس"، انه قال: النسأة في كندة. وانهم كانوا النسأة الأول، قبل المذكورين. وذهب "الجاحظ" إلى إن النسئ كان في كنانة واما السدانة، فكانت في "مرّ بن أدّ" "من رهط صوفة والربيط منها أصحاب المزدلفة، وكانت عدوان وأبؤ سيارة عميلة بن أعزل، تدقع الناس". ويكاد يكون الاجماع على أن النسيء كان من حق "كَنانة"، لم يتوله غيرهم.

وذكر أن الناسيء، كان يحل للمحرمين قتال "خثعم" و "طيء"، "لأنهم كانوا لا يحرمون الأشهر الحرم، فيعيرون فيها ويقاتلون. فكان من نسأ الشهور من الناسئين يقوم" فيقول: إني لا أحاب ولا اعاب، ولا يرد ما قضيت به، وإني قد أحللت حماء المحللين من طيء وخثعم، فاقتلوهم حيث وجدتموهم إذا عرضوا لكم".

ويذكر أهل الأخبار أن أولئك الناسئين كانوا نابهين في قومهم، لهم مركز عظيم وشأن، فكان "القلمس"، مثلا ملكاً في قومه، وهو من بني كنانة، وكان عالم قومه وفقيهم في الدين، وكان الذي يلي النسيء يظفر بالرياسة لتريس العرب إياه. ويظهر أنهم كانوا أصحاب علم ونظر ومكانة محترمة، في أمور الدين، في قومهم وفي القبائل التي تحج إلى مكة.

وكلمة "قلَمسّ" على ما يتبين من روايات الأخباريين، لم تكن اسم علم، وإنما هي لفظة يراد بها عند الجاهليين ما يراد من معنى الفقيه والمفتي في الإسلام". وقد ذكر علماء اللغة أن من معاني القلمس: السيد العظيم، والرجل الخير المعطاء والمفكر البعيد الغور، والداهية من الرجال، ونحو ذلك من معان تشير إلى صفات عالية في الرجل الذي أطلقت عليه، وقد تكون بمعنى العالم العارف، وقد أطلقت بصورة خاصة على هذه الجماعة، لسعة علمها بهذا الموضوع وغيره، ولوقوفها على التوقيت وعلم الفلك في تلك الأيامْ. وقد تكون لفظة من جملة الألفاظ المعربة التي دخلت العربية قبل الإسلام.

وطريقة الناسىء في اعلانه النسيء على الناس في الحج، أن يقوم رجل من كنانة فيقول: أنا الذي لا يرد لي قضاء، فيقولون: أنسئنا شهراً، أي أخر عنا حرمة المحرم واجعلها في صفر فيحل لهم المحرم". وهذا الرجل هوالناسىء، أو أن يدعو الناسء الناس في آخر موسم الحج إلى الاجتماع حوله، فإذا اجتمعوا ارتقى موضعاً مرتفعاً ظاهراً، أو قام على ظهر جمله صوته: "اللهم إني لا أعاب ولأ أحاب، ولا مرد لما قضيت، اللهم، إني أحللت شهر كذا "ويذكر شهراً من الأشهر الحرم، وقع اتفاقهم على شن الغارة فيه"، وأنسأته إلى العام القابل، أي أخرت تحريمه، وحرمت مكانه شهر كذا من الأشهر البواقي، فكانوا يحلون ما أحل ويحرمون ما حرم". فأذا انتهى من هذا الخطاب وامثاله، أباحوا لأنفسهم غارة في ذلك الشهر، وغزوا من نووا غزوه. فإذا جاء العام القابل، نهض الناسىء ليقول: إن آلهتكم قد حرمت عليكم الشهر الفلاني، وهو الشهر الذي أحله في العلم الماضي فحرموه، فيحرمونه. وورد في بعض الروايات، انه كان يقوم فيقول: "إني لا أحاب ولا أعاب ولا يرد ما قضيت به، وإني قد أحللت دماء المحللين من طيءُ وخثعم، فاقتلوهم حيث وجدتموهم اذا عرضوا لكم". و ذلك لما ذكر من عدم تحريم طيء وخثعم الشهور الحرم، فكانوا يغزون ويقاتلون فيها، ولذلك استثاهم القلامسة من عدم مقاتلتهم في تلك الشهور، و ذلك لضرورات الدفاع عن النفس.

وقد نسب إلى بعض القلامسة شعر، قيل انهم قالوه يفتخرون فيه بأحتكارهم النسيء، وبارشادهم الناس إلى مناسك دينهم، وقيادتهم الحجاج، يسيرون تحت لوائهم، يبينون لهم شهور الحل والأشهر الحرم، كما ورد شعر منسوب إلى بعض كنانة يفتخر فيه بان قومه ينسئون الشهور على معد، فيجعلون شهور الحل حراماً والشهور الحرام حلالاَ.

وقد قال "عمير بن قيس بن جذل الطعان"، شعراً افتخر فيه وتعرض لأمر النسيء، فكان مما جاء فيه قوله: ألسنا النسائين على مـعـد  شهور الحل، نجعلها حراماً

وقال بعض بني أسد: لهم ناسىء يمشون تحت لوائه  يحل إذا شاء الشهورَ ويحرِمُ

وقال آخر: نسوء الشهور بها وكانوا أهلها  من قبلكم والعز لم يتـحـول

وقد نسب "القرطبي" البيت: ألسنا الناسئين على مـعـد  شهور الحلَ، نجعلها حراما

إلى الكميت.

وقد استمرت طريقة النسيء هذه إلى أيام الإسلام، فحج أبو يكر في السنة التاسعة من الهجرة، فوافق حجه ذي القعدة، ثم حج رسول الله في العام القابل الموافق السنة العاشرة للهجرة، المصادفة لسنة "631" للميلاد، فوافق عود الحج في ذي الحجة. ثم نزل الحكم بإبطال النسيء في الآيات: )أن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله، يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم. ذلك الدين القيم، فلا تظلموا فيهن أنفسكم. وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة، واعلموا أن الله مع المتقين، إنما النسيء زيادة في الكفر، يضل به الذين كفروا، يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطؤوا عدة ما حرم، فيحلوَا ما حرم الله. زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين(، وخطب الرسول في جموع الحجاج خطبته الشهيرة التي بينَ فيها مناسك الحج وسننه وأموراً أخرى أوضحها لهم، فكان مما قاله لهم: "أيها الناس إنما النسيء زيادة في الكفر، وإن الزمان قد استدار كهيأته يوم خلق الله السموات والأرض، وان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً". فاًلغى الإسلام منذ ذلك الحين النسيء، وثبت شهور السنة وجعل التقويم القمري هو التقويم الرسمي للمسلمين.

وروي كلام الرسول عنه على هذه الصورة: "أيها الناس إن النسيء زيادة في الكفر، يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً، ليواطأوا عدة ما حرم الله، فيحلوا ما حرم الله، ويحرموا ما أحل الله. وإن الزمان قد استدار كهيأته يوم خلق الله السموات والأرض. وان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم. ثلاثة متوالية، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان"، فالغى الإسلام منذ ذلك الحين النسىء، وجعل التقويم القمري الخالص هو التقويم الرسمي للمسلمين.

ويظهر من القرآن الكريم إن سبب تحريم النسيء في الإسلام هو تلاعب القلامسة بالشهور، بتحريمهم شهراً حلالاّ في عام، ثم تحليلهم له في العام القابل. فازال الإسلام ذلك التلاعب بتحريم النسيء، واتخاذ السنة سنة قمرية ذات اثني عشر شهراً لا غير، كما صيرها الجاهليون ثلاثة عشر أو أربعة عشر شهراً. ولما كان الزرع يعتمد على المواسم الطبيعية، وعلى الأشهر الشمسية، لذلك صار اعتماد المزارعين في الزرع وفي الحصاد على الشهور الشمسية، أي على السنة الشمسية. اما الأمور الدينية، مثل الحج والصيام، فالاعتماد بالطيع على الشهور القمرية.

واتخأذ التقويم القمري تقويماً رسمياً للاسلام، هو من السمات التي امتاز بها الإسلام عن الجاهلية،واعتبر من النقاط الفاصلة الني فصلت بين الجاهلية والإسلام. وهكذا زال الكبس كما زال النسيء عن السنة القمرية وعن الشهور لتحويلها إلى سنة شمسية على نحو ما رأيناه من فعل الجاهليين.

ويرى بعض المستشرقين أن النسيء والناسىء من الألفاظ المعربة عن العبرانية.

وقد دخلت إلى العربية بتأثير يهود يثرب. والناسىء عند اليهود هو الرئيس الديني. وكان يقوم عندهم بتقديم وتأخير الشهور، ويعين قواعد الأعياد والصيام، ويذيع النتيجة بواسطة وفود إلى الطوائف اليهودية المختلفة. والناسىء يقابل رئيس قبيلة عند بني اسرائيل، وهذا التعريف ينطبق تماماً مع ما ذكره أهل الأخبار عن "الناسىء" عند الجاهليين.

وقد بحث عدد من المستشرقين في حساب السنين عند الجاهليين وفي النسيء، فجاؤوا بآراء متباعدة غير متفقة، لكل واحد منهم رأي ومذهب في طريقة العرب قبل الإسلام في حساب الشهور وفي السنين،القمريه والشمسية والكبس والنسيء. وقد ناقشها ولخصها "نالينو" في كتابه: "علم الفلك تأريخه عند العرب في القرون الوسطى"، وهو ممن يرون أن البحث في هذا الموضوع صعب عسير، وأن البت فيه غير ممكن في الزمن الحاضر، لقلة الموارد وعدم وجود أخبار وروايات واضحة صريحة يمكن أن يستند إليها في ابداء رأي علمي ناضج في الموضوع.

والذي أراه إن اهل الحجاز كانوا يتبعون التقويم الشمسي مع مراعاة الإهلال، أي تقويماً شمسياً قمرياً، بدليل إن لأسماء الأشهر علاقة بالجو من برد وحر، وربيع وخريف. فقد ذكر علماء اللغة إن الربيع انما سمي ربيعاً، لارتباعهم فيه والارتباع الاقامة في عمارة الربع، وأن "جمادى" سمي بذلك لجمود الماء فيه، أي انهما من أشهر الشتاء. قال الشاعر: وليلة من جمـادى ذات أنـدية  لايبصر العبد في ظلمائها الطنبا

لاينبح الكلب فيها غـير واحـدة  حتى يلف على خرطومه الذنبا

وأن رمضان من شدة الرمضاء، وهو الحر. ولا يعقل أن تكون هذه التسميات قد جاءت عفواً ومن غير ارتباط بحالة من حالات الطبيعة. وقد انتبه المتقدمون إليها، فقال بعضهم "وكانت الشهور في حسابهم لا تدور"، ولكن بعضهم لم يقبل بذلك إذ قال: "وفي هذا نظر، إذ كانت شهررهم بالأهلة، فلا بد من دورانها"، وقال في تفسير اسم جمادى "فلعلهم سموّه أول ما سمي عند جمود الماء في البرد".

والذي أراه إن تلك الأشهر كانت ثابتة لا تدور، بمعنى انها كانت ثابتة في مواسمها، يسيرون بموجبها في زراعتهم وفي أسفارهم، ولكنهم كانوا يسيرون على الإهلال، أي الشهور القمرية فى أمورهم الإعتبادية وفي الأعمال المالية، مثل الديون، حيث يسهل تثبيت المدة بعّدد الأهلة، ومن هنا أختلط الأمر على أهل الأخبار فخلطوا بين التقويمين، بسبب عدم وضوح الروايات. وكأن شأنهم في ذلك شان العرب الشماليين آلذين كانوا يحجون في وقت واحد ثابت، هو في شهر "ذي الحجة"، الذي تحدثت عنه في مكان آخر، وشأن العرب الجنوبيين الذين كانوا يحجرن في شهر "ذي الحجهّ" الذي كان وقته ثابتاً أيضاً، فلا يكون في صيف، ثم يكون في ربيع أو فيَ خريف أو في شتاء، ولا يعقل خروجهم على هذا الاجماع الذي نراه عند العرب الشماليين، أي عرب بلاد العراق وعرب بلاد الشام، وينفردون وحدهم باتخاذ تقويم قمري بحت.

ما ذكرناه عن النسيء وعن الكبس يخص عرب الحجاز، وأهل مكة بصورة خاصة، ولا يتناول العرب الجنوْبيين، ولا عرب بقّية أنحاء جزيرة العرب، لعدم وجود أخبار لدينا عنهما تتناول المواضع الأخرى، لا في النصوص الجاهلية ولا في أخبار أهل الأخبار. ولكن الذي يظهر من النصوص العريية الجنوبية المتعلقة بالزراعة ومن أسماء الشهور، أنها كانت شهرراً ثابتة، اي شهوراً شمسية لا قمرية، وأن السنة التي كانوا يسيرون عليها سنة شمسية، غير أن هذا لا يمنع مع ذلك من سيرهم على مبدأ الإهلال في حياتهم الاعتيادية، أي على الشهور القمرية، بحيث تكون الرؤية مبدءاً للشهور، وذلك لوضوح الأهلة وإمكان رؤيتها بسهولة وتثبيت الأوقات بموجبها، بمعنى انهم كانوا يسيرون على التقويمين: التقويم الشمسي في الزراعة وفي دفع الغلات، والتقويم القمري في الأمور الآعتيادية. ولا نستطيع أن نتحدث عن كيفية احتساب العرب الجنوبيين للسنة الشمسية، ولا عن الكبس عندهم، لعدم ورود شيء عنهما في النصرص.

ويظن أن سنة العرب الجنوبيين كانت من "360" يوماً، مقسمة إلى اثني عشر قسماً، اي شهراً، نصيب كل شهر منها "30" يوماً. وحيث أن هذا المقدار من الأيام، وهو "360" يوماً هو دون الآيام التي تمضيها الأرض في دورانها الحقيقي حول الشمس، لذلك كانوا يعوضون عن الفرق إما بإضافة الأيام اللازمة على أيام السنة لتكبسها فتجعلها مساوية للسنة الطبيعية، و ذلك في كل سنة، وإما بإضافة شهر كبيسة مرة واحدة في نهاية كل ست سنوات.

ويظن "بيستين"، أن القتبانيين قد أخذوا بالطريقة الثانية: طريقة إضافة شهر زائد كامل على التقويم في كل ست سنوات، لتتعادل السنة بذلك مع السنة الطبيعية، وان ذلك الشهر المضاف هو الشهر المسمى ب "ذ برم اخرن"، اي ب "ذى برم الآخر"، أو "فى برم الثاني"، عند القتبانيين وبشهر "ذ نسور اخرن"، أي "ذى نسور الآخر"، أو "ذى نسور الثاني" عند السبئيين.

ووردت في احدى الكتابات جملة "بين خرفهن"، أي بين السنتين. وقد رأى "ونكلر"، انها تعني الأيام التي تضاف إلى نهاية السنة لكبسها حتى تكون سنة طبيعية كاملة. أي سنة شمسية، ولذلكُ عبر عنها ب "بين السنتين"، أي الاضافة التي توضع فيما بين السنتين. السنة المتقدمة والسنة التالية لها.وذهب "كريمه" إلى انها تعني شهراً، هو الشهر الني يضاف على التقويم لكبس السنين، ويرى "بيسين"، إن هذا الرأي يصعب قبوله، لأنه لو كان شهراً كاملا، لسموه باسم معين، أو لرمزوا إليه برمز يميزه عن شهور السنة الأخرى، كأن يقولوا له "اخرن"، أي الاخر، أو الثاني.

أما اليهود، يهود جزيرة العرب، فقد كانوا يسلكون طريقتهم الخاصة في التوقيت، ويسلكون منهجهم في تعيين الشهور، كما يتأيد ذلك من الأخبار التي نجدها عنهم في كتب الأخباريين.

واما النصارى العرب، فقد كانوا يتبعون التقاويم الشرقية، ويسيرون على الشهور السريانية المعروفة، وعلى وفق شعائر الكنيسة، ويحتفلون باعيادهم على وفق ما ثبت عندعم في كنيستهم. وقد أشير إليها في بعض الشعر الجاهلي وفي كتب الأخباريين.



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق