إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 5 فبراير 2016

1797 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السادس والاربعون بعد المئة الشعر بدء الشاعر


1797

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
  
الفصل السادس والاربعون بعد المئة

الشعر

بدء الشاعر

يبدأ الشاعر بالشعر بعد إحساسه بوجود ميول له إلى الشعر، تدفعه دفعاً على الاقبال عليه، فيبدأ بحفظ الشعر المقال، وبنظمه، ويكون هذا النظم نظماً تجريبياً غير متقن في بادئ أمره، ويقال لهذه المرحلة "الغرزمة". و"الغرزمة" أن يقول الشاعر الشعر قبل أن يستحكم طبعه وتقوى قريحته. فإذا قوي به وتمكن منه صار من الشعراء المجيدين.

وقد كان الشاعر الجاهلي مثل الشاعر الاسلامي، يبدأ لكي يكون شاعراً بحفظ شعر غيره، و لا سيما شعر المشهورين من الشعراء المتقدمين عليه، حتى يرويه رواية، وقد يتصل بشاعر يعجبه من شعراء قبيلته أو من غيرهم، فيلازمه ويأخذ عنه شعره، حتى يصير رواية له، ومتى شعر هذا الراوية الحافظ لشعر غيره، ان عوده قد استوى، وأن له قابلية في النظم، أظهر شعره للناس، وربما بعد أن يكون قد وجد التشجيع ممن اتصل بهم من الشعراء ومن المتذوقة للشعر، العارفين به، ولما كانت الشاعرية موهبة يصقلها المران ومرور الزمن، فإن كثيراً من الشعراء نظموا الشعر وهم صغار، و لا سيما أولئك الذين نشأوا في بيت برز بهى شاعر، أو في بيوت عرفت بنبوغ جماعة من أفرادها بنظم الشعر، فهناك بيوت معرقة توارثت الشعر أباً عن جد. وقد سبق أن ذكرت قول "رؤبة": "الفحولة هم الرواة"، أي ان فحول الشعراء هم الذين كانوا في بادئ أمرهم رواة شعر.

فحفظ الشعر وروايته هو مران كان لا بد منه لتهيئة شاعر فحل. وقد وجدت هذه النظرة عند الفرس كذلك، قال صاحب "جهار مقالة": "و لا يبلغ الشاعر هذه المنزلة إلا أن يحفظ في عنفوان الشباب وريق العمر عشرين ألف بيت من أشعار المتقدمين ويجعل نصب عينه عشرة آلاف كلمة من آثار المتأخرين ويديم القراءة في دواوين الأئمة ويلتقط منها ليعلم كيف تصرفوا في مضايق القول ودقائق الكلام حتى يرتسم في طبعه صور الشعر وطرائقه، ويتجلى له مزايا الشعر ونقائصه، فريتقي قوله ويعلو طبعه. فإذا رسخ طبعه في نظم الشعر، وانقاد له الكلام عمد إلى علم الشعر وقرأ العروض ... وقرأ نقد المعاني والألفاظ والسرقات والتراجم وأنواع هذه العلوم على أستاذ يحذقها ليكون جديراً بالأستاذية". وهذا الرأي الفارسي الاسلامي، يمثل و لا شك رأي قدماء الفرس كذلك.

ولم يكن الشاعر الجاهلي يعرف بالطبع هذه العلوم والقيود التي عرفت وشاعت في الإسلام، بل لم يكن للشاعر العربي الإسلامي ليحفل بالعروض وبعلوم البيان والبديع، لأن الشعر طبع وموهبة، وإذا لم تكن الموهبة موجودة في إنسان، فلن يكون هذا الشخص شاعراً موهوباً مرموقاً مهما حفظ من ةالشعر، وبلغ من علم العروض ومن علوم الصناعة الأخرى التي لها مساس بالشعر. فقد برز شعراء جاهليون قالوا شعراً وهو بعد أحداث، واشتهروا به بين قومهم وهم بعد شباب. وطرفة الشاعر المشهور، كان لا زال شاباً حين قتل، ومع ذلك، نجد ترتيبه بعد امرئ القيس في ترتيب المعلقات، وفي ترتيبه هذا دلالة على تقدير قصيدته، واشتهار أمره بالشعر. وقد نظم "الخليل بن أحمد" شعراً، وهو صاحب العروض، ونظم غيره من فحول هذا العلم، ومن فحول اللغة شعراً، لم يعد من عيون الشعر العربي، ونظم الفقهاء شعراً عرف بين نقاد الشعر، وأهل البصر به ب"شعر الفقهاء" ازدراء به. بل نجد السعراء الإسلاميين يهزأون من قواعد العروض.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق