إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 3 فبراير 2016

1743 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الرابع والعشرون بعد المئة الدراسة والتدريس مواد الدراسة


1743

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
      
الفصل الرابع والعشرون بعد المئة

الدراسة والتدريس

مواد الدراسة

لم نعثر على اي نص جاهلي فيه شيء عن التدريس وعن مواد الدراسة عند الجاهليين لتستنبط منه مادة في الدراسة عند عرب الجاهلية، غير أننا اذا ما اخذنا بما جاء في الموارد النصرانية الشرقية عن التربية والتعليم عند نصارى العراق وعن مواد المعرفة التي كانوا يعلمونها للتلاميذ ولطلاب المدارس العالية، فإننا نستطيع أن نقول إن مدارس الأنبار والحيرة والقرى العربية الأخرى، لا بد وان تكون قد سارت وفقاً لمنهج أهل العراق في تعليم ابنائهم في ذلك الوقت. من تعليم مبادئ القراءة والكتابة وإجادة الخط وشيء من الحساب والأمثال والحكم ومبادئ الدين. وهي المواد الرئيسية التي كانت تعلم في الكتاتيب في بلاد الشرق الأوسط في ذلك الوقت، والتي لا تزال تدرس في الكتاتيب القديمة حتى اليوم.

والعادة في الكتاتيب حتى الآن في تعليم الخط للاطفال، أن يخط المعلم أو "خليفته" أو من يقوم مقامه من التلامذة المتقدمين سطراً من الحكم والأمثال أو من الكتب السماوية، لينقش التلميذ سطوراً مثلها على لوح يحاول الاجادة جهد امكانه في كتابتها لتقوية يده على الخط. وقد كان العبرانيون يعلمون الآية: "رأس الحكمة مخافة الرب"، "رأس الحكمة معرفة الله"، "مخافة الرب رأس الحكمة"، في اول ما كانوا يعلمونه لتلامذتهم. ويعلمونهم أمثال ذلك من الحكم والأمثال الواردة في التوراة. ولا يستبعد أن تكون هذه الأمثال والحكم في مقدمة ما كان يدرسه المعلمون اليهود في مستوطناتهم في بلاد العرب بتيماء ووادي القرى وقرى المدينة.

وورد إن نصارى العراق، درسوا في مدارسهم لغة بني إرم، لغة الثقافة والعلم آنذاك، درّسوا مفردات اللغة وقواعدها وأصولها، وعلمّوا معها مبادئ العربية وقواعدها وآدابها في الأرضين التي كانت غالبية سكانها من العرب. ونجد في الموارد النصرانية اشارات تشير الى تدريس العربية في الأنبار وفي الحيرة، ولا يعقل أن يكون المراد من العربية، الكتابة والقراءة بها فقط، بل لا بد وأن يُعلم معها شيء من أصول الكتابة من كيفية قط القلم ورسم الحروف، وأنواع الخطوط، ثم الأمثال والحكم، وقواعد اللغة وآدابها، أي منهج المدارس المقرر في الشرق الأدنى في ذلك العهد. وقد كان رجال الدين يسيرون عليه ويتبعونه في مدارسهم. وكان لهم علم بقواعد وبلغة بني إرم.

أما عن تعليم الأطفال في جزيرة العرب، فلا نستطيع التحدث عنه بصورة جازمة لعدم ورود شيء عن ذلك في الكتابات الجاهلية أو في روايات أهل الأخبار. ويمكن أن نقول باحتمال تعليم الأطفال في المواضع التي وجدت النصرانية اليها سبيلاً، مثل مدينة "نجران" وبعض مواضع من سواحل الخليج، على النمط الذى كان متبعاً عند نصارى العراق وبلاد الشام من تعليم مبادئ القراءة والكتابة وتحسّين الخط ومبادئ امور الدين. ثم المعارف العالية مثل اللغة والعلوم اللاهوتية والطب وما شاكل ذلك، للمتفوقين من الطلاب من أصحاب المواهب والقابليات، وذلك لأن الكنيسة كانت تتبع نظاماً واحداً في التعليم، ولأن الذين كانوا يبشرون بالنصرانية بين العرب، كانوا من اهل العراق في الغالب، وقد درّسوا عرب العراق وعرب مواضع أخرى في جزيرة العرب، وقد درسوهم على طريقة تدريس الكنيسة الشرقية، فيحتمل لذلك أن يكون التدريس على نمط واحد في مدارس الكنيسة، ولا أستبعد احتمال تدريس السريانية لهؤلاء الطلاب، باعتبار انها لغة الدين وتساعد في فهم الأناجيل والكثتب النصرانية والعلوم.

وقد ورد أن: عمر بن الخطاب، كان يقول في تربية الأولاد وتثقيفهم: " علموا اولادكم العوم والرماية، ومروهم فليثبوا على الخيل وثباً، ورووهم ما يجمل من الشعر". وذكر أنه كتب إلى الأمصار: "أما بعد، فعلموا اولادكم العومَ والفروسية، ورووهم ما سار من المثل وحَسُنَ من الشعر"، وأن الرسول دعا لمعاوية، فقال: "اللهم علمه الكتاب والحساب". ويظهر أن هذا التوجيه في تربية النشء كان معمولاً به عند الجاهليين.

ويظهر إن الحث على تعلم السباحة، إنما ظهر في الإسلام، بعد الفتوح، وذلك بعد أن اتصل العرب بالأنهار الواسعة العميقة وبالبحار، فأجبرهم الواقع على تعلم العوم. ونجد "الحجاج" يقول لمعلم ولده: "علم ولدي السباحة قبل الكتابة، فإنهم يصيبون من يكتب عنهم ولا يصيبون من يسبح عنهم".

وقد كان "عمر" يتهيب البحر، فأوصى قواد جيشه بالتأني في ركوب البحر، خشية غرق المسلمين.

والمثل والشعر من أهم المواد التي كان يعتني بها الجاهليون. وكان أهل الكتاب يعتنون بالمثل ومما ورد في الكتب المقدسة من حكم، وبالشعر كذلك في تعليم أطفالهم فيَ الكتاتيب.

وذكر "الهمداني"، أن "عمر بن الخطاب"، قال: "تعلّمون من النجوم ما تهدون به، ومن الأنساب ما تعارفون به وتواصلون عليه، ومن الأشعار ما تكون حكِمَاّ، وتدلكم على مكارم الأخلاق".

ويقوم بالتعليم معلمون، امتهنوا التعليم واتخذوه حرفة لهم، ومنهم من اتخذه حرفة رئيسية له، إذ كان يمارس حرفاً اخرى، ليتمكن بذلك من إعاشة نفسه. ولما كان التعليم الابتدائي الذي يقوم على تعليم الخط والكرامة والكتابة وبعض المبادىء الأخرى شيئاً بسيطاً لا يحتاج إلى علم وكبير ومعرفة، لذلك لم يشترط في متعاطيه أن يكون من أصحاب العلم، بل قام به من وجد في قسه قابلية تعليم الأطفال من رجال الدين ومن غيرهم، على نحو ما نجده في المدارس القديمة التي تقوم بتعليم الأطفال القراءة والكتابة لهذا اليوم.

ولم يرد في الكتابات الجاهلية شيء يتعلق بأسماء المعلمين الجاهلين لذلك لا نستطيع أن نذكر اسم معلم من معلمي الجاهلية بالاستناد إليها. أما أهل الأخبار، فقد تعرض نفر منهم لذكر بعض المعلمين الذين عاشوا قبل الإسلام، والذين أدرك بعض منهم الإسلام. فذكر "محمد بن حبيب" في الفصل الذي سماه: "أشراف المعلمين وفقهاؤهم"، اسم "بشر بن عبد الملك السكوني" أخو "أكيدر ابن عبد الملك" صاحب "دومة الجندل"، فذكر أنه كان في جملة المعلمين. واليه ينسب أهل الأخبار نشر الكتابة بمكة على نحو ما بينت ذلك في موضوع تأريخ الخط.

وأشار "ابن حبيب" الى "أبي قيس بن عبد مناف بن زهرة"، وهو جاهلي، على انه من أشراف المعلمين كما أشار الى "عمرو بن زرارة بن عدس ابن زيد"، وهو جاهلي كذلك في جملة من أشار اليهم من المعلمين. وذكر انه كان يسمى "الكاتب". وأشار أيضاً إلى "غيلان بن سلمة بن معتب الثقفي" وهو من المخضرمين. على انه كان من أشراف المعلمين. وهو من الشعراء الحكماء، إذ كان أحد حكام "قيس" فى الجاهلية. وكهان أحد وجوه ثقيف، وقيل انه أحد من نزل فيه:"على رجل من القريتين عظيم"، وانه كانْ صاحب تجارة،وقد سافر في قوم من تجار ثقيف وقريش وعلى رأسهم "أبوسفيان" إلى العراق، للتجارة، فوصلوا إلى "كسرى" فتكلم معه باسم التجار، فأعجب به، واشترى منه التجارة بأضعاف ثمنها وبعث معه من بقى له اطماً بالطائف، فكان أول اطم بني بها. وذكر إن كسرى لما كلمه ووقف على حكمته قال له: "هذا كلام الحكماء، وأنت من قوم جفاة لا حكمة فيهم فما غذاؤك قال: خبز البر، قال: هذا العقل من البر لا من اللبن والتمر. في حديث يقصه أهل الأخبار وكأنهم كانوا شهود عيان.

ولا بد وأن يكون في ثقيف قوم كانوا مهرة. في الكتابة، لهم خط حسن وإملاء صحيح، وذلك فيما اذا أخذنا بصحة الأخبار الواردة عن تدوين القرآن وجمعه من قولهم إن الخليفة "عمر" أو "عثمان"، قال: "اجعلوا المملي من هذيل والكاتب من ثقيف"، إذ لا يعقل النص على أن يكون الكاتب من ثقيف من غير سبب، اللهم اذا اعتبرنا الخبر من الموضوعات التي صنعت في أيام الحجاج، للتقرب إليه، ولرفع شأن ثقيف، بعد أن ظهرت أخبار في أيامه، رجعت نسب ثقيف إلى قوم ثمود، وصيرت "أبا رغال" خائن العرب إلى غير ذلك من أخبار تحدثت عنها في أثناء حديثي عن ثمود وعن قبيلة ثقيف.

وكان "جفينة" العبادي من أهل الحيرة، وكان نصرانياً، قدم المدينة، وأخذ يعلم بها الكتابة في أيام الخليفة "عمر". وكان ظئراً لسعد بن أبي وقاص. فاتهمه "عبدالله بن عمر" بمشايعة "أبي لؤلؤة" على قتل أبيه فقتله وورد في كتب الحديث "عن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، أنه قال: أتانا معاذ بن جبل، رضي الله عنه باليمن معلماً وأميراً". وقد أرسل الرسول معاذاً إلى اليمن ليعلمهم الفرائض، واحكام الدين. وإذا صح النص، صار دليلاً على شيوع لفظة "معلم" في ذلك العهد.

ووردت لفظة "المعلم" في رسائل "عمر" إلى عماله، ففي رسالة له "إلى أهل الكوفة": "إني قد بعثتُ اليكم عمّار بن ياسر أميراً، وعبد الله بن مسعود معلماً ووزيراً". وأراد بلفظة المعلم، من يعلم الناس ويرشدهم ويفقهم في أمور الدين. وكانوا يطلقون على من يعلم الكتابة في "الكتاب": معلم كتاب. والكتاّب والمكتب، الموضع الذي يتعلم به.

ولست أعلم شيئاً عن مدى تقدم علم الحساب عند الجاهليين. وكل ما أستطيع أن أقوله، هو انهم كانوا يعلّمون أولادهم مع الخط مبادئ الحساب المعروفة، وهي الجمع والطرح والضرب والتقسيم، وذلك لحاجتهم إليها في حياتهم اليومية، ولا سيما بالنسبة إلى التجار أصحاب المصالح الكبيرة.، إذ تدفعهم الحاجة إلى ضبط أعمالهم وحسابهم. وقد ذكر أهل الأخبار أن الجاهليين استعملوا حساب عقود الأصابع في حسابهم، فوضعوا كلاً منها بإزاء عدد مخصوص، ثم رتبوا لأوضاع الاصابع آحاداً وعشرات ومئات وألوفاً، ووضعوا قواعد يتعرف بها حساب الألوف فما فوقها بيد واحدة. وقد أشير إلى حساب اليد في الحديث، كما استعملوا العدّ بالحصى، وبه يحسبون المعدود. والعدّ برسم خطوط، فيدل كل خط على عدد، ومجموع الخطوط هو المعدود.

وورد في الأخبار إن الرسول دعا لمعاوية بقوله: "اللهم علّمه الكتاب والحساب"، وفد نعت بأنه كان من الكتبة الحسبة الفصحاء، والحديث المذكور من أحاديث أهل الشام، ولهم احاديث أخرى في الثناء على "معاوية من الأحاديث التي أوجدتها العصبية السياسية، على نحو ما نجد من أحاديث في "عبدالله بن عباس" وفي العلويين. وقد روي الحديث المذكور في حق أشخاص آخرين. وقد وضعت أحاديث في مدح معاوية وبني أمية. وارى أن الحديث المذكور وضع في مقابل حديث "اللهم علمه الحكمة"، الذي روي أن الرسول قاله في "ابن عباس"، وحديث: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " أو "اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب"، و "اللهم بارك فيه وانشر منه"، وأحاديث أخرى ذكر أنها قيلت فيه.

وأما ما نسب إلى الرسول من قوله: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا " فإنه حديث ضعيف، وقد ورد أيضاً أن رجلاّ قال: ما كنت أظن إن عدداً يزيد على ألف، وهو قولى ينطبق على حالات فردية لأعراب، ولا يمكن أن ينطبق بالنسبة للحضر، ولا سيما لأهل مكة الذين كانت لهم تجارة ضخمة وقوافل تذهب إلى مختلف الأنحاء، تحمل تجارة تقدر أثمانها بعشرات الألوف، فهل يعقل صدور مثل هذا الحديث من الرسول وقد كان الجاهليون يتراسلون بينهم، فيكتبون كتباً إلى من يريدون مراسلته.

والكتاب هو صحيفة قد تكون من جلد، أو من مادة أخرى. وقد ذكر أن الرسول كتب كتاباً إلى "بني حارثة بن عمرو بن قريظ"، فأخذوا الكتاب وغسلوه، ثم رقعوا به دلوهم. ويدل هذا على أن الكتاب كان صحيفة من جلد. والرسائل من حقول التدوين المهمة عند الجاهليين. وهي رسائل قد تكون في أمور خاصة، كرسائل أب إلى ابنه أو العكس ورسائل أصدقاء وأقارب من ذوي الأرحام، وهي تتنّاول مسائل شخصية خاصة تهم المتكاتبين. وقد تتناول الأحداث التي يكون لها شأن عند الناس وخطر، فيكتب المتكاتبون عنها، لما فيها من أهمية ولذة بالنسبة لهم. وقد تكون الرسائل إخبارية، كأخبار عن تجارة ومعاملة أو عن حدث وقع أو غزو أو قرب وقوع حرب أو اخبار بهجوم عدو ومقدار قوته وما شاكل ذلك من أمور، ذات أهمية خاصة بالنسبة للمرسل اليهم.

وتجد في كتب أهل الأخبار صور رسائل في أمور ذات طابع إخباريَ. منها رسائل دوّنت بعبارات وأضحة صريحة، يظهر أن أصحابها كانوا مطمئنين من عدم إمكان سقوطها في أيد عدوة فتقف على ما جاء فيها، لذلك كتبوها بعبارات مفهومة مكشوفة. ومنها ما كتبت شعراً كالذي روي من ارسال شعر كتبه "لقيط بن يعمر الإيادي" لقومه يحذرهم فيه من كسرى. أو نثراً وقد كتبها أصحابها على شيء لا يلفت النظر، كحدوج الجمال المسافرة إلى جهة معينة لتقرأ هناك، أو رسائل لا تلفت النظر ولكنها ذات معان مفهومة عندما ترسل إليه، وقد تحمل الرسالة لرسول لينقلها شفاهاً إلى كل من يراد اخبارهم خبراً، وذلك في الأمور الهامة بالطبع، التي لا يمكن الإفصاح عنها، لما لها علاقة بحروب أو غزو أو وضع أسير واقع في عذاب أسر اسريه، ويريد ابلاغ أهله بذلك ليخلصوه من وضعه السيء.

ومن رسائل الإخبار، الرسائل التي كتبها المسلمون المتخفون أو المشركون الميالين للمسلمين على قريش، يخبرون فيها الرسول وأصدقاءهم المسلمين بأمر قريش وعورتهم واستعدادهم ليكونوا على حذر منها، والرسائل التي كتبها بعض المسلمين الذين لم يكن الإسلام قد تمكن بعد من قلوبهم أو كتبوها شفقة لبعض أصدقائهم من المشركين عن الإسلام والمسلمين. ومنها كتاب "حاطب بن أبي بلتعة" إلى صفوان بن أمية وسهل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل. يقول فيه: إن رسول الله قد أذن في الناس بالغزو، ولا أراه يريد غيركم، وقد أحببت أن يكون لي عندكم يد بكتابي اليكم". وأعطى الكتاب إلى امرأة من مزينة، وجعل لها مبلغاً من الدنانير على أن تبلغه قريشاً. وقال: أخفيه ما استطعت، ولا تمري على الطريق فإن عليه حرساً. فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونَها وسلكت على غير نقب، فبلغ الرسول أمرها، فأرسل من قبض على الرسالة. وتوسل حاطب إلى الرسول، بأن يعفو عنه، لأنه كان رجلاً ليس له في القوم أصل ولا عشيرة، فصاروا له أهلاً واعتبروة ولداً فصانعهم فعفا عنه. ونزل الوحي في شأنه في سورة الممتحنة.

وفي كتب السير والتواريخ إشارات إلى مخابرات أرسلها مسلمون إلى ذوي رحمهم، يطلبون اليهم الدخول في الإسلام، وبأن الرسول سيعفو عنهم ويغفر لهم ما بدر منهم من إسامة إليه إن جاءوا إليه مسلمين، من ذلك، ما كتبه "بجير" إلى أخيه "كعب بن زهير بن أبي سلمى"، يطلب منه الدخول في الإسلام، والتوبة، وإلا فمصيره كمصير "ابن خطل" الذي كان يمعن في هجاء الرسول، فقتل. ومن ذلك "كتاب "الوليد بن الوليد" الى أخيه "خالد بن الوليد"، يدعوه إلى الإسلام، فجاء مسلماً.

ويذكر أهل الأخبار إن أهل الجاهلية كانوا يستفتحون كتبهم بجملة: "باسمك اللهم"، ويذكر بعضهم إن أمية بن أبي الصلت كان هو الذي ابتدع هذه البدعة، فمشت بين الناس. وصارت سنة لأهل مكة في تدوين رسائلهم. فجعلوها في أول كتبهم. فكانت قريش تكتب بها. وبها افتتح الرسول كتبه في بادىء أمره ثم أبدلت باسم الله بعد نزول سورة هود، ثم باسم الرحمن، بعد نزول سورة اسرائيل، ثم بسم الله الرحمن الرحيم، بعد نزول سورة النمل.

وكان من رسم الجاهليين اذا كتبوا أن يبدأوا بأنفسهم من فلان إلى فلان. ونجد هذا الاسلوب في كتب رسول الله.

وتختم الرسالة بخاتم كاتبها أو بتدوين اسمه في نهايتها. كأن يقول: "وكتب فلان" أو "كتب فلان". وقد ورد في كتب السير، إن الرسول حين هم " بتوجيه الكتب إلى قيصر وكسرى وغيرهما، قيل له: إن الروم لا يقرأون كتاباً غير مختوم بختم صاحب الرسالة، فأمر بصنع خاتم له، ختم به كتبه. وورد إن قريشاً حين ائتمرت بمقاطعة بني هاشم وبني المطلب، وكتبت بذلك صحيفة، ختمت عليها ثلاثة خواتيم، وعلقوها في سقف الكعبةْ.

وأشير إلى الخاتم في شعر لامرىء القيس. فورد فيه: ترى أثر الفرَح في جلسة كنقش الخواتم في الجرجس

والجرجس: الشمع، وقيل هو الطين الذي يختم به، وقيل هو الصحيفة. وبكل من ذلك فسر قول الشاعر المذكور. ومن معاني "الجرجس" البعوض الصغير. ويظهر إن اللفظة من المعربات، عربت عن الإرمية. فهي تعني البعوض الصغير، اذا قيل Gargso وهي تعني الصلصال والطين الذي يختم به اذا قيل Garguechto.

ويذكر بعض، أهل الأخبار إن أول من ختم رسائله "عمرو بن هند". وذكر علماء اللغة إن خاتم الملك الذي يكون في يده يسمى "الحلق". وأنضدوا في ذلك: وأعطى منا الحلق ابيض ماجد  رديف ملوكّ ما تغب نوافلـه

كما أنشدوا ببتاً للشاعر جرير، ذكر فيه "الحلق": حلق المنذر بن مخرق إذ قال: ففاز بحلق المنذر بن محرق  فتى منهم رخو النجاد كريم

وذكر أيضاً إن الحلق خاتم من فضه بلا فص. ويظهر من ذلك إن الملوك، كانوا يصطنعون خاتماً لهم، يكون دليلا على صدق رسائلهم وأوامرهم، يحملونه معه، أو يودعونه عنه كاتم أسرارهم، وعلى ذلك جرى الأمر في الإسلام. فقد سار الخلفاء على سنّة الرسول من اتخاذه خاتماً يختم به الرسائل، والكتب والأوامر، وبقي الأمر كذلك عند من جاء بعده من الخلفاء.

والخاتم ما يوضع على الطينة ومما يختم به. والختام الطين أو الشمع أو الحبر أو أي مادة أخرى تترك أثراً يختم بها على الشيء. وختم الأوراق والرسائل من العادات القديمة المستعملة عند الشعوب. ويقوم الخاتم مقام التوقيع في وقتنا الحاضرة وختم رسالةّ معناه المصادقة عليها وتصديقها. واستعمل الخاتم في ختم الأوراقّ العامة و الأوراق الشخصية والعقود والمعاملات. وكان الشخص اذا أراد ارسال رسالة ختمها، ولذلك كانوا يحملون خواتمهم معهم، إما في جيوبهم وإما في أصابعهم وقد يضعونها في سلسلة يعلقونها حول أعناقهم.

وقد صنع الخاتم من مواد مخلفة. صنع من ذهب ومن فضة ومن معدن آخر ومن الحجر. وقد كتب على بعض الخواتم اسم صاحبه، ونقشت أمثلة وحكم وعبارات دينية أو أسماء الآلهة على بعض الخواتم. كما حفرت على بعض منها صور ترمز إلى رموز مقدسة أو صور حيوانات. وعلى خواتم في العربية الجنوبية، وبها فصوص من أحجار ثمينة من أحجار اليمن الشهيرة. وقد كان يستعملها الناس إذ ذاك قي التوقيع على رسائلهم ومخابراتهم ومعاملاتهم. ولا زال الناس يعثرون على خواتم جاهلية في اليمن وفي بقية العربية الجنوبية، فيستعملونها لتزيين أصابعهم بها.

وبعد أن تختم الرسالة، توضع داخل ظرف، حتى لا يطلع عليها احد ثم يغلق، ثم بختم على موضع فتحه بالطين أو على المواضع التي يحتمل أن يفتح منها حتى تكون في مأمن تام. فلا يقف عليها إلا من أرسلت له. فإذا وصلته، ووجد إن خاتمها سليم، كسره، ليستخرج الرسالة من ظرفها. وكانت الكتب على هيأة لفائف. وكان من عادة الشعوب القديمة أن المكتوب إذا أريد ارساله إلى شخص من طبقة أدنى من طبقة الكاتب، أي صاحب الرسالة،أرسل المكتوب إليه منشوراً. أما اذا كان المكتوب إلى شخص مكافئ لصاحب الكتاب أو أعلى منزلة منه، أرسل مختوماً وموضوعاً في كيس.

و لحماية الأشياء من التطاول والتجاوز عليها لجئوا إلى طبعها وختمها، فختموا الاكياس التي تملأ بالنقود أو بأي شيء آخر، وختموا زق الخمرة حتى لا يتطاول عليه متطاول. قال الأعشى: وصهباء طاف يهوديها  وأبرزها وعليها ختَم

كما ختموا الطعام بالروسم، وهو خشبة مكتوبة بالنقر. أو لوح فيه كتاب منقور، تختم به الاكداس. وقيل له "الروشم" أيضاً في لغة السواد. وكلمة "رشم"، تعني "كتب" في الأرمية. و "راشوم"، بمعنى لوح منقوش تختم به البيادر في لغة بني إرم Rouchmo، و تعني علامة.

وكان من عادتهم ختم الأمور المهمة أيضاً خشية ضياعها أو التطاول عليها أو لحفظها. فلما كتب أهل مكة فما بينهم كتاباً يتعاقدون فيه ألا يناكحوا بني هاشم وبني المطلب ولا يبايعوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتىُ يسلموا اليهم محمداً. كتبوا بذلك صحيفة ختموا عليها ثلاثة خواتيم، وعلقوها في سقف الكعبة. ويظهر انهم بعد أن كتبوا الصحيفة وضعوها في ظرف ثم سدوه وختموا عليه ثلاثة خواتيم، حتى لا يفتح الظرف. أو انهم طووها بعد أن كتبوها ثم ختموا عليها حتى لا تفتح، فلما ارادوا فتحها وجدوا انها قد تهرأت وتلفت من فعل لعب الأرضة بها. ويجوز انهم ختموا علها ثلاثة خواتيم، بخواتيم الكتبة الثلاثة الذين نسبت كتابتها إلى كل واحد منهم، بحسب اختلاف الروايات. وهم: منصور بن عكرمة بن عامر بن هاضم، أو النضر بن الحارث، أو بغيض ين عامر بن هاضم.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق