إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 3 فبراير 2016

1741 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثالث والعشرون بعد المئة الكتابة و التدوين


1741

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
     
الفصل الثالث والعشرون بعد المئة

الكتابة و التدوين

لا خلاف في أن التدوين كان معروفاً عند العرب قبل الإسلام، بدليل ما تحدثنا عنه من وجود الاْلوف من النصوص الجاهلية التي عثر عليها في العربية الجنوبية وفي العربية الغربية وفي أنحاء أخرى من جزيرة العرب. كتبت بلهجات عربية متنوعة، تختلف عن عربية القرآن الكريم، اختلافاً متبايناٌ، أقربها إلى عربيتنا الكتابة التي وسمت ب "نص النمارة""أو كتابة النمارة، التي هي شاهد قبر "امرئ القيس"، المتوفى سنة "328" للميلاد، والكتابات الأخرى التي كتبت بعده.

ولا خلاف بين العلماء في أنهم لم يتمكنوا حتى الآن من العثور على أي نص جاهلي مكتوب بهذه اللهجة التي نزل بها القرآن، والتي ضبط بها الشعر الجاهلي، لا من الجاهلية البعيدة عن الإسلام، ولا من الجاهلية القريبة منه، مع أنهم تمكنوا من العثور على كتابات جاهلية مدونة بلهجة عربية أخرى، تعود إلى عهد لا يبعد كثيرا عن الإسلام، مثل النص المعروف بنص "حران"المدون سنة "568 م".

وإذا صح أن الكتابة المعروفة ب "أم الجمال"الثانية، هي كتابة جاهلية أصيلة، تكون أول نص يمكن أن نعتبره بحق وحقيقة من النصوص المدونة بلغة القرآن والشعر الجاهلي. ويرجع العلماء الذين درسوه تأريخه إلى أواخر القرن السادس للميلاد. وقد جاء فيه: 1 - الله غفرا لاليه 2 - بن عبيده كاتب 3 - الخليدا على بنى 4 - عمرى كتبه عنه من 5 - يقروه ولكن عبارة واسلوب تدوين الكتابة، يوحيان للمرء، أنها من الكتابات المدونة في الإسلام. واًنا أشك في كونها من مدونات أواخر القرن السادس للميلاد، حتى إذا ذهبنا أن صاحبها كان نصرانياً، وأن لفظة "غفرا" من الألفاظ الدينية التي كان يستعملها النصارى، فلا غرابة من ورودها في نص جاهلي، لأنها كتابة نصرانية. وحجتي أن أسلوبها يفصح عن اسلوب الكتابات الإسلامية القديمة التي دونت في صدر الإسلام. وقد تكون في القراءة بعض الهفوات والشطحات، على كلّ فإن الزمن بين العهدين غير بعيد، ثم إن استعمال "التاء القصيرة" في "عبيدة " الاسم الوارد في السطر الثاني من النص لم يكن معروفاً في هذا العهد ولا في صدر الإسلام، لذلك أرى أنها من الكتابات الاسلامية. وفيها هفوات.

وبناءً على ما تقدم نقول إننا لم نتمكن من الحصول على نص جاهلي مدوٌن بلغة عربية قرآنية، لا شك في أصالته، ولا شبهة في كونه جاهلياً. وأن أقدم ما عثر عليه من كتابات بهذه العربية، هي كتابات دوّنت في الإسلام. في رأسها الكتابات التي عثر عليها مدوّنة على جبل "سلع"قرب المدينة، يرى "الدكتور حميد الله "أنها ترجع إلى السنة الخامسة للهجرة.

ثم الكتابة التي كتبت على شاهد قبر رجل اسمه "عبد الله بن خير"، أو "عبد الله بن جبر."الحجازي أو الحجري،المحفوظة في دار الآثار العربية بالقاهرة ويعود عهدها إلى "جمادى الآخرة "من سنة احدى وثلاثين.

ولا خلاف بين الباحثين في أن كل ما وصل الينا من نصوص جاهلية إنماهو بلغة النثر، إذ لم يعثر حتى الان على نص مكتوب شعراً. ونظراً إلى وجود التدوين عند أصحاب هذه النصوص، ونظراً لأن الشعر، شعور، لا يختص بإنسان دون إنسان، وبعرب دون عرب،فأنا لا استبعد احتمال، تدوين الجاهليين الشعر أيضاً، مثل تدوينهم لخواطرهم وأمورهم نثراً. دوّنوه بلهجاتهم التي كتبوا بهاّ. وهي بالنسبة لهم لهجاتهم الفصيحة المرضية. أما سبب عدم وصول شيء مدون منه الينا، فقد يعود حسب رأيي، إلى أن تدوين الشعر والنثر يكون في العادة على مواد قابلة للتلف، مثل الجلود والخشب والعظام وما شاكل ذلك، وهي لا تستطيع مقاومة الزمن، لا سيما إذا طمرت تحت الأتربة، ثم هي معرضة لالتهام النار لها عند حدوث حريق، أو للتلف إن أصابها الماء، أضف إلى ذلك أنهم كانوا يغسلون الجلد المكتوب، للكتابة عليه مرة أخرى،لغلاء الجلود، وهو ما حدث عند غير الجاهليين أيضاً. ونجد في المؤلفات الاسلامية أمثلة كثيرة على غسل الصحف المكتوبة للكتابة عليها من جديد. ورسائل النبي وكتبه وأوامره إلى عماله ورسله على القبائل، فقد فقدت وضاعت مع ما لها من أهمية في نظر المسلمين، وقل مثل ذلك عن كتب الخلفاء، فلا نستغرب من ضياع ما كان مدونا من شعر جاهلي،فقد نص مثلاً على إن الشاعر "عدي ابن زيد"العبادي، وكان كاتبأَ مجوداً بالعربية وبالفارسية حاذقاً باللغتين قارئاً لكتب العرب والفرس، كان يدون شعره وهو في سجن النعمان ويرسل به إلى الملك، يتوسل إليه فيه أن يرحم به، وأن يعيد إليه حريته، وكان الشعر يصل إلى الملك، فلما طال سجنه صار يكتب إلى أخيه أبي بشعر، لم تبق من أصوله المكتوبة أية بقية، وقد ضاعت أصول شعره المكتوب المرسل إلى النعمان كذلك،حتى اننا لا نجد أحداً من رواة شعره يروى أنه رجع اليها فنقل منها، مما يبعث على الظن أنها فقدت من عهد بعيد عن بداية عهد التدوين.

ويدفعنا موضوع التدوين إلى البحث عن تدوين الأدب والعلم عند الجاهليين،وعما إذا كان للجاهليين أدب منثور وعلم مدوّن ? لقد ذهب بعض الباحثين إلى وجود هذا الأدب عند أهل الجاهلية، وتوقف بعض آخر، فلم يبد رأياً في الموضوع، وتوسط قوم، فقالوا باحتمال وجود تدوين أو شيء منه عندهم، إلا أنهم أحجموا عن الحكم على درجة تقدمه واتساعه في ذلك العهد. لعدم وجود أدله ملموسة يمكن اتخاذها سنداً لابداء رأي واضح علمي في هذا الموضوع.

وقد ذهب بعض المستشرقين إلى أنه لو كانت هنالك مدوّنات في الأدب، لما خفي ذكرها وطغى اسمها حتى من ذاكرة أهل الأخبار، ومن أحاديث الرواة. إنه لو كان أهل الجاهلية قد زاولوا التأليف وتدوين العلم، لما اقتصر علم أهل الأخبار في الأدب على ذكر قطع من الحكم، يشك في صحتها، وعلى إيراد الشعر رواية وعلى رواية بعض القصص والأمثال، وسردهم كل شيء يتعلق بأمر الجاهلية رواية. وانه لو كان لديهم تأليف منظم، لسار على هديهم من جاء بعدهم في الإسلام، وسلكوا مسلكهم في التدوين: تدوين الكلام المنثور وتدوين الكلام الموزون المقفى، وحيث أن احداً لم يذكر اسم مدون من مدونات أهل الجاهلية، وحيث أن المسلمين لم يشرعوا بالتدوين إلا بعد حين، فلا يمكن لأحد النص بكل تأكيد على وجود تدوين عند الجاهليين.

ولم نعثر على خبر في كتب أهل الأخبار يفيد أن أحداً من الرواة والعلماء أخذ نص كلام حكيم من حكماء الجاهلية، أو خبر أو شعر من صحف جاهلية،أو من كتب ورثوها من ذلك العهد. هذا "قس بن ساعدة"الايادي، مع ما قيل عنه من أنه كان كاتبا قارئاً للكتب، واقفاً على كتب أهل الكتاب، خطيباً عاقلاً حكيماً، وان العرب كانت تعظمه وضربت به شعراؤها الأمثال، وأنه كان خطيب العرب قاطبة، نجدهم يختلفون في خطابه المعروف، ويروونه بمختلف الروايات، حتى ذكر أن الرسول كان قد سمعه، وسمع خطابة، فلما جاء ذكره، وأراد أن يتذكر خطابه، وجد بين الصحابة اختلافاً في تلاوته، لأنه لم يكن مدوناً، ولو كان مدوناً لم يختلف فيه.

وليس في الأخبار عن الجاهلية خبر يفيد أن السدنة أو غيرهم من الساهرين على الأصنام والأوثان وبيوتها ألفوا كتباً في الوثنية وفي أحكامها وقواعدها. أما اليهود والنصارى، فقد كان لهم علماء يشرحون للناس في معابدهم أحكام دينهم، ويعلمونهم الكتابة والقراءة وما في كتبهم المقدسة من أوامر ونواه. فكان " ايو الشعثاء، وهو رجل ذو قدر في اليهود، رأس اليهود التي تلي بيت الدراسة للتوراة". وهو من يهود بني ماسكة. وكان آخرون بينهم يعلمونهم أحكام دينهم في بيت المدارس.

وفي لغة الجاهليين مفردات تستعمل في القراءة والكتابة، مثل: قلم،وقرطاس، ودواة، ومداد، ولوح، وصحف، وكتاب، ومجلة، وغير ذلك لا يشك في استعمال الجاهليين لها، لورودها في القرآن الكريم. وورودُها فيه، دليل على استعمالهم لها. وورد بعضها أيضاً في الحديث النبوي وفي الشعر الجاهلي. ويفيدنا حصر هذه الألفاظ وضبطها في تكوين رأي علمي صحيح سديد في الكتابة والقراءة عند الجاهليين، والمؤثرات الخارجة التي أثرت في العرب في هذا الباب، وفي تكوين رأي قاطع في الجهة التي أمدت العرب كثيراً أو قليلا بعلمهم في قلمهم العربي الشمالي الذي يكتب به إلى هذا اليوم.

وأعتقد إن من واجب علماء العربية في هذا اليوم، العمل على حصر ألفاظ العلوم والحضارة والثقافة التي ثبت لديهم استعمال الجاهليين لها، وتعيين تأريخ استعمالها وأصولها التي وردت منها إن كانت أعجمية دخيلة، والاستشهاد بالأماكن التي وردت فيها، ففي هذا العمل العلمي، مساعدة كبيرة للباحثين على تشعب علومهم وموضوعاتهم في الوقوف علي تطور الفكر العربي قبل الإسلام. ولا أقصد الإحاطة بالمفردات الواردة في الشعر الجاهلي أو القرآن الكريم أو الحديث النبوي أو معجمات اللغة وغيرها من الموارد الاسلامية وحدها، بل لا بد من اضافة المفردات الواردة في الكتابات الجاهلية التي عثر والتي سيعثر عليها إلى تلك المادة لأنها مادة العصر الجاهلي وجرثومة اللغة، وبدونها لا تسعنا الاحاطة بلغة أهل الجاهلية وبتطور فكرهم ابداً.

ومن يراجع الموارد العربية وعلى رأسها المعجمات، يدرك الصعوبات التي يلاقيها المرء في الحصول على مادة ما،لعدمُ وجود الفهرسة للالفاظ والمواد في معظم هذه الموارد، فعلى المراجع قراءة صفحات وأجزاء أحياناً للحصول على شيء زهيد. ولهذا زهد معظم المؤلفين في مراجعة ما هو مطبوع مع أهميته ودسم مادته، لأن الصبر قاتل، والاكثار من المراجعة عمل شاق مرهق، والحياة تستلزم السرعة والانتاج بالجملة، وقد ماتت همم الماضين، وحلت محلها عجلة المستعّجلين الذين يريدون الانتاج السريع الخفيف الجالب للاسم والمال.

وبعض الألفاظ الخاصة بالكتابة والقراءة، هي ألفاظ معربة، وإن وردت عند الجاهلين واستعملت قبل الإسلام بزمن طويل، عرّب بعضها عن اليونانية، وعرّب بعض آخر عن الفارسية أو السريانية أو القبطية، وذلك بحسب الجهة التي ورد منها المعرب ووجد سبيله إلى العربية، ويمكن التعرف عليه بمقابلة اللفظ العربي مع اللفظ المقابل له عند الأمم المذكورة، وبضبط الزمن الذي استعمل فيه والظروف المحيطة به، للتأكد من أصله، فقد يكون عربيا أصيلاَ انتقل من العرب إلى تلك الأقوام، وقد يكون العكس، نتمكن من الحصول على دراسة علمية قيمة في باب المعربات والتبادل الفكري بين الجاهليين والأعاجم.

والقلم، هو من أدوات الكتابة المذكورة عند الجاهليين. وقد ذكر في القرآن الكريم. اقسم به في سورة "ن والقلم"، وعظم وفخم شأنه في سورة العلق. يكتب به على الورق والرق والجلود والقراطيس والصحف ومواد الكتابة الأخرى، وكان يتخذ من القصب في الغالب، فتقطع القصبة قطعاً يساعد على مسكه باليد، ثم يبرى أحد رأسيها، ويشق في وسطه شقاً لطيفاً خفيفاً يسمح بدخول الحبر فيه، فإذا أريدت الكتابة به، غمس في الحبر، ثم كتب به. ويعرف هذا القلم بقلم القصب، تمييزاً له عن الأقلام المستعملة من مواد أخرى.

ولفظة "القلم" من الألفاظ المعربة عن أصل يوناني، فهو"قلاموس"في اليونانية، ومعناها القصب، لأن اليونان اتخذوا قلمهم منه.

وينبت القصب في مواضع من جزيرة العرب حيث تتوافر المياه. وقد أشار "بلينيوس" Pliny، في تأريخه إلى قصب Kalamus عربي، وقصب ينمو في الهند، وذكر أنهم يستعملونه في عمل الأنسجة.

وهناك نوع من القصب قوي متين، يطول فيستعمل في أغراض متعددة، يقال له "قنا"، ومنه "القنى"و "القناة"التي يستعملها المحاربون، وتعرف ب "قنة"في العبرانية. وكانوا يستوردونه من "صور".

وقد وردت لفظة "القلم"و "قلم"في شعر عدد من الشعراء الجاهليين في شعر لبيد وعديّ بن زيد العبادي والمرقش وأمية بن أبي الصلت وغيرهم ممن وقفوا على الكتابة وكانت لهم صلات بالحضارة وبأصحاب الديانات. وذكر أن الخط يكون بالقلم.

ويعرف القلم ب "المِزْبرَ"كذلك، من أصل زبر بمعنى كتب. وقد ذكر في الحديث النبوي. ويعرف ب "المِرقمَْ"أيضاً، إذ هو أداة للرقم، أي الكتابة.

ويقط القلم بمقطة، وتستعل السكين في بريه أيضاً. ويعتني بذلك حتى يكون القلم جيداً سهلاً في الكتابة. ويقال للسكين: المدية على بعض لهجات العرب. والقلم قبل أن تبريه: أنبوبة، فإذا بريته، فهو قلم. وما يسقط منه عند البري: البُرايةُ. والمِقطُّ: ما يقط عليه. والقط: القطع عرضاً، والقدّ: أن يقطع الشيء طولا.

وهناك انواع أخرى من الأقلام غير قلم القصب، صنعت من الحديد. وقد استعمل العبرانيون وغيرهم أقلاماً من حديد ذات رؤوس من الماس، ليكتب بها على صفائح من الحجر أو من المعدن، كما استعملوا القلم الحديد أو القلم الرصاص وأقلاماً من معادن أخرى للكتابة بها على صفائح من الخشب مغطاة بشمع. ولهذا القلم رأسان: رأس محدد للكتابة، ورأس مفلطح. لمحو الغلطات وتسوية سطح الشمع ثانية، كما استعملت الفرشاة لرسم الحروف، واستعمل أيضاً ريش الطيور. وقد عرف القلم المصنوع من الحديد. ب "عيت" ET عند العبرانيين.

وذكر إن "زيد بن ثابت" دخل على رسول الله وهو يملي في بعض حوائجه، فقال: "ضع القلم على أذنك فإنه أذكر للمملى به".

وقد استعملوا السكين والآلات الحادة في الكتابة على الخشب أو الحجر، كما استخدموا الفحم وكل ما يترك أثراً على شيء، مادة للكتابة. وذلك حين يعن لهم خاطر أو حين يريدون ابلاغ رسالة أو تقييد أمر هام، مثل وقوع اعتداء على شخص، فيكتب ما وقع له، وهو لا زال متمكنا من الكتابة،على ما قد يكون عنده، حتى يعلم بمصيره من قد يمر به ميتا. وقد حقر "قيسبة بن كلثوم السكوني" على رحل "أبي الطمحان القيني" رسالة، دوّنها بسكين. ودوّن أحدهم، وهو يحتضر، خبر قتله على راحلة قاتله، بعد أن غافله، ذكر فيها اسم قاتله. وهناك أمثلة أخرى من هذا القبيل، توسل فيها كاتبوها بمختلف الوسائل لايصال رسائلهم إلى من يريدون وصولها لهم. وقد وصلت بعضها وجاءت بالنتائج التي كان يريدها أصحابها منها.

وأما المادة التي يكتب بها، فهي عديدة، أهمها: الحبر، ويعرف أيضاً بالمداد ويصنع من مواد متعددة تترك أثراً في المادة التي يكتب عليها. من ذلك الزاج وسخام المصابيح، يمزج مع مادة لزجة مثل صمغ العفص أو صمغ اخر، فيكتب به. ولما كان الحبر أسود، قيل له "ديو"في العبرانية، وقد عرف بهذا المعنى أي "سواد"في اليونانية كذلك وعرف ب Atramentumفي اللاتينية، وهي في المعنى نفسه.

وقيل للمداد "نقِس"، وقد وردت اللفظة في بيت شعر للشاعر "حميد بن ثور" حيث قيل إنه قال: لمن الديار بجانب الحبـس  كخط ذي الحاجات بالنقس

وأشير إلى "المداد"في شعر ل "عبد الله بن عنمة"، حيث يقول: فلم يبق إلا دمـنة ومـنـازلٌ  كما رُدّ في خط الدواة مدادها

وقد ذكر "المداد" في القرآن: "قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر، قبل أن تنفد كلمات ربي"، "يقول عز ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قل يا محمد لو كان ماء البحر مداداً للقلم الذي يكتب به كلمات ربي لنفد ماء البحر قبل أن تنفد كلمات ربي"، فالمداد إذن من الألفاظ التي كانت مستعملة قبل الإسلام.

وقد صنُع الحبر من مواد مختلفة، صنعه العبرانيون من سخام المصابيح، أما المصريون فصنعوه من مواد متعددة، فصار اتقن من المداد العبراني، ولذلك حافظ على بريقه ولونه، كما أنه لا يمحى بسهولة، بينما كان الحبر العبراني قابلا" للغسل بكل سهولة. ولا نجد بين العلماء اتفاقاً في أصل معنى "الحبر"، مما يدل على أن اللفظة من المعربات. أما المداد، فذكر علماء اللغة، أنه ما مددت به السراج من زيت ونحوه، ثم خص بالحبر. والظاهر أنها أخذت من سخام الزيت الذي يحترق في السراج، وأنها تعني "سواد"، على نحو ما نجده في لفظة Melan اللاتينية، التي تعني السواد، سواد السراج، وخصصت بالحبر.

وليست لدينا اخبار عن كيفية صنع الحبر عند الجاهليين، ولم يصل الينا نص جاهلي مدون بالحبر نتمكن بتحليل مادته من الوقوف على تكوينه. ولكننا نستطيع أن نقول إن حبر الجاهليين لم يكن مختلفا عن أنواع الحبر المستعملة عند الشعوب الأخرى في ذلك العهد وأبسطها الحبر المصنوع من الفحم المسحوق، مضافاً إليه الماء وقليل من الصمغ في بعض الأحيان، والحبر المصنوع من بعض المواد المستخرجة من زيوت بعض الأشجار وعصارتها، أو من مسحوق عظام الحيوانات المحروقة أو من بعض الأوراق المؤكسدة بالحديد وببعض المعادن. ويراد بالحبر "الحبر الأسود في الغالب، غير إن القدماء كانوا يستعملون أصباغاً مثل الأحمر والأخضر، في تلوين الشروح "والملاحظات والأمور المهمة التي تلفت النظر، كما استعملت في التصوير وفي رسم بعض الرسوم التوضيحية، كما يظهر ذلك من الأوراق القديمة التي عثر عليها في مصر وفي اليونان وغير ذلك من الأماكن. وقد ورد في كتب الحديث النبوي وموارد اسلامية أخرى، إن الجاهليين كانوا يستعملون الصور والنقوش. ويريدون بالنقش تلوين الشيء بلونين أو عدة ألوان. ويقولون له: النمنمة كذلك. وكان منهم مصورون يصورون الإنسان والحيوان والأشجار وغير ذلك. وقد نهى الرسول عن تصوير كل ما هو ذو روح. وهذا التحريم هو دليل شيوع التصوير واستعمال الصور عند الجاهليين.

ويحفظ الحبر في أداة، يقال لها "الدواة"و "المحبرة"، يحملها الكاتب معه، فيعلقها بحزامه، أو يضعها تحت ثيابه، ويكون لها غطاء يمنع الحبر أن ينساب منها، ويكون بها تجويف تخزن فيه الأقلام والمقطة. وقد تكون المحبرة كأساً صغيرة ذات غطاء يخزن الحبر فيها. وقد عرفت لذلك ب"كست هسفر" "كَاست هاسيفر"، أي "كأس الكتاب" في العبرانية. وقد بقي الكتاّب وطلاب العلم والعلماء يستعملون تلك المحابر القديمة إلى عهد قريب، إذ حلت محلها الأقلام الحديثة المحملة بالحبر، وما زال بعض رجال الدين ومن يعنون بجمال الخط وتحسينه يستعلمون أقلام القصب والحبر القديم على الطريقة القديمة المذكورة. وقد عرفت المحبرة الكبيرة التي يحفظ فيها الحبر والأقلام والمقطة ومواد الكتابة الأخرى ب "قلمارين""قلماريون""ق ل م ر ي ن"في "المشنا" أي المقلمة في العربية، تمييزاً لها عن أداة أخرى عرفت ب "ترنتوق"، وهي مقلمة توضع فيها الأقلام والمبراة. وهناك لفظة أخرى، هي "ليلرين"وتقابل Libelari في اللاتينية يطلقها المتأدبون على المقلمة.

وقد أشير إلى الدوي، أي المحابر في بيت شعر ينسب لأبي ذؤيب: عرفت الديار كخط الدوي  ي حبره الكَاتبُ الحميري

وذكر أن من أسماء المحبرة "ن"وأن "ن والقلم" بمعنى الدواة والقلم.

وقد كان من عادة الكتاب ترميل الكتابة لتجف، وكانوا يضعون الرمل في إناء خاص ثم يذرون منه في شيئاً على الكتابة.

وأما المواد التي يكتب عليها، فعديدة، تتوقف على ظروف المكان ومقدرة أهله المالية، منها الحجر والخشب ومختلف أنواع المعادن والطين وورق الشجر والجلود والقراطيس واكتاف الإبل واللخاف والعسب وإلقضم وغير ذلكْ. والى الحجر المكتوب.، يعود الفضل الأكبر في حصولنا على معارفنا عن عرب اليمن قبل الإسلام، وعرب بلاد الشام وأعالي الحجاز. فلولاه لكان علمنا بهم نزراً يسيراً.

والعسب، جريد النخل، وهي السعفة مما لا ينبت عليه الخوص. ولوفرته في الحجاز استعمله كتاب الوحي وحفظة القرآن في تدوين الوحي عليه. وقد رجع إليه زيد بن ثابت في جملة ما رجع إليه من مواد يوم كُلِّف جمع القرآن الكريم. وقد ورد "عسيب يماني" في شعر لامرئ القيس، هو قوله: لمن طلل أبصرته فشجانـي  كخط زبورٍ في عسيب يماني

وقد ورد عن "زيد بن ثابت"، إن "أبا بكر" لما أمره بجمع القرآن، أخذ يتتبعه من "الرقاع والعسب واللخاف"، واللخاف: حجارة بيض وورد في حديث "الزهري": "قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقرآن في العسب والقضيب والكرانيف".

وذكر "لبيد" العسب في شعره حيث ورد: متعودِ لحن يعيد بكـفـه  قلماً على عسب ذبلن وبان

والجريد من مادة التدوبن عند أهل الحجاز. والجريدة السعفة، بلغة أهل الحجاز، وفي الحديث: كتب القرآن في جرائد، جمع جريدة.

واستعمل "الكرناف" "الكرانيف"و "الكرب" مادة للكتابة كذلك. وقد ورد أن كتبة القرآن استعملوا الكرانيف مادة لتدوين الوحي. والكرانيف والكرب، أصول السعف. الغلاظ العراض التي تلاصق الجذع، وتكون على هيأة الأكتاف. قال الطبري قبض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، " ولم يكن القرآن جمع، وإنما كان في الكرانيف والعسب".

واستعمل الجاهليون كتف الحيوان أيضاً، وهو عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان للكتابة عليه، وقد كتب عليه كتبة الوحي. وفي الحديث: ائتوني بكتف ودواة أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده. أو ائتوني باللوح والدواة والكتف. ولما كانت العظام مادة مبذولة ميسورة في استطاعة الكاتب الحصول عليها بغير ثمن، وهي صالحة للكتابة بكل سهولة عل شكلها الطبيعي أو بعد صقل وتشذيب قليلين، لذلك أستعملها الكتاب بكثرة. فكانت مادة مهمة استعملها كتبة الوحي في تدوين القرآن. وقد ذكر "ابن النديم" أن في جملة العظام التي كتب عليها العرب: اكتاف الإبل.

وكانوا إذا كتبوا في الأكتاف حفظوا ما كتبوه في جرة أو في صندوق حتى يحفظ، ويكون في الامكان الرجوع إليه. وقد كانت الأكتاف في جملة المواد المكتوبة التي استنسخ "زيد بن ثابت" منها ما دوّن من القرآن.

واستعملوا الجلود مادة من مواد الكتابة: الجلد المدبوغ والجلد الغير المدبوغ، وقد كانوا يدبغون الجلد أحياناً ويصقلونه ويرققونه حتى يكون صالحاً مناسباً للكتابة. وقد يدبغونه ويصبغونه، وقد ذكر علماء اللغة أنواعاً من أنواع الجلود التي استعملوها في كتابتهم، منها: القضم، جمع قضيم، الجلد الأبيض يكتب فيه. وقيل الصحيفة البيضاء، أو أي أديم كان. وقد أشير إليه في شعر للنابغة: كأن مجرّ الرامسات ذيولها  عليه قضيم نمقته الصوانع

وأشير إلى "القضيم"، و "القضيمة" في شعر "زهير بن أبي سلمى"، وفي شعر "امرئ القيس".

ويظهر من تفسير العلماء للكلمة، إن "القضيم" الصحف البيضاء المستعملة من الجلد. وذلك بأن تقطع وتصقل حتى تكون صالحة للكتابة. وقد ورد إن كتبة الوحي استعملوا القضم في جملة ما استعملوه من مواد الكتابة.

وأما الأدم، وهي الجلود المدبوغة، فقد كانت مثل القضم من مواد الكتابة الثمينة. وقد استعان بها كتبة الوحي في تدوين القرآن. كما كانت مادة لتدوين المراسلات والعهود والمواثيق. وقد أشير إلى "الأديم" في شعر للمرقش الأكبر". وذكر إن بعضه كان أديما أحمر، أي مدبوغ بمادة حمراء، ومن أنواعه "الأديم الخولاني". والظاهر انه كان من أوسع مواد الكتابة استعمالاً في أيام الجاهلية وصدر الإسلام، لوجوده عندهم، ولرخص ثمنه بالنسبة إلى الورق المستورد من مصر أو من بلاد الشام. وقد جاء في بعض الأخبار إن بعض مكاتبات الرسول كانت في الأدم.

وكان الدباغون يدبغون الأهب ويصلحونها بصقلها، فإذا دبغ الإهاب صار أديماً. وقد ذكر إن أهل مكة كانوا يشترون قطع الأديم، ويكتبون عليه عهودهم ومواثيقهم وكتبهم. ولما توفي "سعيد بن العاص" جاء فتى من قريش يذكر حقاً له في كراع من أديم بعشرين ألف درهم على "سعيد"، بخط مولى لسعيد كان يقوم له على بعض نفقاته، وبشهادة "سعيد" على نفسه بخطه. فأعطي حقه على ما كان مدوناً في قطعة الأديم.

وذكر بعض علماء اللغة أن القرطاس: الكاغد، يتخذ من بردي يكون بمصر. وذكر بعض آخر أن القرطاس الصحيفة من اي شيء كانت، يكتب فيها، والجمع قراطيس. وقد وردت لفظة "قرطاس" و "قراطيس" في القرآن الكريم. وورود اللفظة في القرآن الكريمّ دليل على وقوف العرب عليها. وهي من الألفاظ التي دخلت إلى العربية من مصر أو من بلاد الشام، حيث استورد أهل مكة والعربية الغربية مختلف التجارة منها، ومنها القراطيس، ويعرف القرطاس في اليونانية ب Khartis.

ويظهر أن أهل بلاد الشام كانوا قد استعملوا اللفظة اليونانية، فلما نقل الجاهليون القرطاس منهم وتعلموه عنهم، استعملوا المصطلح اليوناني بشيء من التحريف والتحوير ليناسب النطق العربي، وقد نص بعض علماء اللغة على أن اللفظة من الألفاظ المعربة.

وتقابل لفظة "قرطاس" لفظة Papyri فيَ اللغة الانكليزية. وقد كان القدماء في مصر وفي حوض البحر المتوسط يكتبون على القراطيس. وهي على صورة لفات تلف كالأسطوانة تحفظ في غلاف حذر تلفها وتمزقها. وأسفار اليهود هي على هذه الصورة. ولا زالت معابدهم تستعمل توراتهم المكتوبة على هيئة "سفر" أي مكتوبة على هيأة صفحات متصلة بعضها ببعض على شكل اسطوانة، يسحب أحد طرفيها الذي يوصل باسطوانة أخرى، ثم يقرأ من السفر.

وذكر علماء اللغة أن "الرقاع"، هي القرطاس.

ووردت لفظة "رق" في القرآن الكريم: )والطور وكتاب مسطور في رق منشور(. وقد فسّر العلماء الرق بأنه ما يكتب فيه شبه الكاغد، أو جلد رقيق يكتب فيه، أو الصحيفة البيضاء. وقد اشتهرت جملة مواضع في الحجاز وفي اليمن بترقيق الجلد ودباغته، ليصلح للعمل، وفي جملته الرق المستعمل في الكتابة. ويعرف الرق ب "رقو" Raqo و "رق" Raq في الإرمية. وتؤدي اللفظة في هذه اللغة المعنى نفسه المفهوم منها في عربيتنا، ولهذا ذهب بعض العلماء الي إن اللفظة من أصل إرمي. ومن أجود أنواع الرق، الرق المعمول من جلد الغزال. وذكر إن الصحابة اجمعوا على كتابة القرآن في الرق، لتشره عندهم، ولطول بقاء الكتابة فيه.

وقد كان الكتاّب يستعملون الرق في المراسلات وفي السجلات وفي الكتب الدينية. فقد استعمل الفرس جلود البقر المدبوغة لكتابة كتبهم الدينية عليها، واستعمل العبرانيون جلود الغنم والمعز والغزال لكتابة التوراة والتلمود عليها. وقد اشترطوا في الجلود أن تكون من جلود الحيوانات الطاهرة. استعملوها صحائف منفصلة، واستعملوها صفائح على هيأة الكتب، كما استعملوها مدورة ملفوفة قطعة واحدة يتصل كل رأس منها بقضيب، فتكون لفتين متصلتين، وذلك بربط قطع الجلود بعضها ببعض وتثبيتها لتكون صحيفة واحدة طويلة مستطيلة، يقال لها "مجلوت" "م ج ل و ت"، أي المجلة، من أصل "جلل"، بمعنى لف وأدار.

وفي الشعر الجاهلي إشارات إلى استعمالهم "الرق" في كتاباتهم، وقد أشار بعضهم إلى سطور الرق، وكيف رقشها كاتبها ونمق الكتابة مسطرها، وكيف خط مملي الكتاب ما أريد إملاؤه في الرق. وقد عبر عن الخطاط الذي خط السطور على الرق بالمرقش وبالكاتب. ومن أنواع الرق الجيد، الرق المصنوع ب "خولان" والذي عرف ب "الأديم الخولاني".

ونجد الشاعر المخضرم "معقل بن خويلد" الهذلي، يشير إلى "مملي كتاب " يملي على كاتب، بخط على رق، وذلك بقوله: فإني كما قال مملي الكـتـا  ب في الرق اذ خطه الكاتب

يرى الشاهد الحاضر المطمئن  من الأمر ما لا يرى الغائب

ومعقل من سادات قومه، ومن شعرائهم المعروفين، وكان أبوه رفيق "عبد المطلب" الى "أبرهة".

وأما "القتب"، فالإكاف الصغير الذي على قدر سنام البعير. ويصنع من الخشب. وقد كتب الناس على "القتب". وقد استخدم "الرحل" مادة للكتابة عليها، عند الحاجة والضرورة.

وقد استعملت الألواح مادة للكتابة، ومن هذه الألواح ما صنع من الحجر، بنشر الحجر وصقله، ومنها ما صنع من الخشب، ومنه من لوح الكتف أي العظم الأملس منه. واللوح كل صفيحة عريضة خشباً أو عظماً. وأشير في القرآن الكريم الى اللوح، فورد: )بل هو قرآن مجيد. في لوح محفوظ (. وورد )وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة ( وغير ذلك. فيظهر من ذلك أن الألواح كانت تكتب فيحفظ بها ما يراد حفظه من آراه وأفكار.

وقد كان بعض الصحابة والتابعين يستعملون الألواح لتقييد ما يريدون حفظه وتقييده من أقوال الرسول ومن سيرته أو غير ذلك. فذكر أن "ابن عباس" كان يأتي "أبا رافع" ويسأله: ما صنع رسول الله يوم كذا ? ومع ابن عباس ألواح يكتب فيها. وأن مجاهداً كان يسأل "ابن عباس" عن تفسير القرآن ومعه الواحه، يكتب فيها ما يمليه عليه. وعرف اللوح ب "السبورجه"، وهي لفظة فارسية الأصل.

وقد ورد في حديث زيد بن ثابت عن جمع القرآن أنه جمعه من الرقاع واللِّخاف والعُسُب. وقصد باللخاف حجارةً بيضاً رقاقاً، واحدها لخفة. كان يكتب عليها أهل مكة.

والحجارة هي المورد الرئيس الذي استخرجنا منه علمنا بتأريخ العرب الجنوبيين وبتأريخ أعالي الحجاز وأماكن أخرى من جزيرة العرب. ويضاف إلى ذلك الصخور الصغيرة والحصى الكبيرة، فقد نقش عليها الجاهليون أوامرهم وأحكامهم وخواطرهم ورسائلهم وذكرى نزولهم في مكان، فالفضل يعود إلى هذه الكتابات في حصولنا على أخبار الجاهليين المذكورين.

وقد كتبوا على الخزف، وبقي الناس يكتبون على الحجارة والخزف الي الإسلام. فقد كان "ابو الطيب" اللغوي، وهو "عبد الواحد بن علي"، يعلق عن "أبي العباس" ثعلب على خزف، ثم يجلس فيحفظ ما دوّنه عليه.

ويقال لما يكتب في الحجارة وينقش عليها "الوحي". والوحي الكتابة والخط. وبهذا المعنى ورد في شعر شعراء جاهليين واسلاميين، مثل شعر "لبيد"، حيث قال: فمدافع الرياّن عُرّي رسمهـا  خلقاً كما ضمن الوحي سلامها

وشعر "زهير" حيث يقول: لمن الديار غشيتها بالفدفدكالوحي في حجر المسيل المخلد وأما الورق، فأريد يه جلود رقاق يكتب فيها، ومنها ورق المصحف.

ويظهر انهم أطلقوا اللفظة على القطع الرقيقة من الجلود أو من المواد الأخرى التي كانوا يكتبون عليها، تشبيهاً بورق الشجر. ولذلك فإنها لا تعني نوعاً معيناً من الورق. كما يجوز إن يكون المراد من الورق المستورد من بلاد الشام أو من مصر، أو المصنوع من صقل الكتان ونسيج القطن وغير ذلك.

ولقلة وجود القصب الصالح لصنع الورق في جزيرة العرب، لا نستطيع أن نذهب إلى وجود صناعة ورق من هذه المادة في هذه البلاد، بل كانوا يستوردونه من مصر مصدر الورق المصنوع من القصب، والمعروف ب "البابيروس".

والصحيفة المبسوط من الشيء، والتي يكتب فيها، والكتاب، وجمعها صحائف وصحف، ومنها )إن هذا لفي الصُّحفُ الأولى: صحف ابراهيم وموسى (، و )رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة، فيها كتب قيمة (.

وقد أشير إلى الصحيفة في كتب السيرة حين اتفقت قريش على مقاطعة بني هاشم، وكتبت بذلك صحيفة، كتبها "بغيض بن عامر بن هاشم"، أو "منصور بن عبد شرحبيل" المعروف بأبي الروم على بعض الروايات. والمصحف ما جعل جامعاً للصحف المكتوبة بين الدفتين. والتصحيف قراءة المصحف وروايته على غير ما هو لاشتباه حروفه.

وقد قيل للقران؛ المصحف، وإنما سُمي المصحف مصحفاً لأنه أصحف أي جُعل جامعاً للصحف المكتوبة بين الدفتين. ونقرأ في الأخبار أن بعضاً من الصحابة والتابعين كانوا يملكون صحيفة أو صحفاً دوّنوا فيها حديث الرسول أو أمراً من مور الشعر وأخبار العرب وأمثال ذلك، فكان "عبدة لله بن عمرو بن العاص" قد كتب حديث الرسول في صحيفة؛ وقد أذن الرسول له أن يكتب حديثه فيها.

وقد أشير إلى الصحيفة في شعر "المتلمس"، ويظهر من الشعر الذي ذكرت اللفظة فيه، أنه قصد بها رسالة، أي كتاباً أمر ملك الحيرة "عمرو بن هند" بتدوينه، وأعطاه إليه، ليحمله إلى عامله على البحرين على نحو ما ورد في خبره. كما أشير إلى الصحيفة في شعر شعراء آخرين.

ويقال للصحيفة طرس، ويجمع على طروس. ويقال إن الطرس الصحيفة المكتوبة، وقيل: الكتاب الممحو الذي يستطاع أن تعاد فيه الكتابة. والتطريس: فعلك به. وطرّس الباب سوّده، والطِلس: كتاب لم ينعم محوه، فيصير طرساً. والتطريس اعادة الكتابة على المكتوب الممحو.

ورأى بعض العلماء أن الصحف ما كان من جلود. وذهب بعض آخر إلى أنها من جلد أو قرطاس. وأن القرطاس والصحيفة، هما في معنى واحد، وهو الكاغد.

وذكرت "الصحيفة" في شعر للقيط بن يعمر الإيادي، هو قوله: سلام في الصحيفة من لقيط  إلى من بالجزيرة من إياد

و ذلك في قصيدته التي كتبها اليهم، يخبرهم فيها بمسير "كسرى" عليهم، ويحذرهم من قدومه.

كما ذكرت في شعر لعدي بن زيد العبادي، وصف فيه قصة "الزباّء" و "جذيمة" و "قصير"، حيث يقول: ودست في صحيفتها إليه  ليملك بُضعها ولأن تدينا

وكان من عادة أهل الجاهلية تدوين أحلافهم في صحف، توكيداً للعهد، وتثبيتاً له. وقد أشير إلى ذلك في الشعر وفي الأخبار. ورد في شعر قيس بن الخطيم: لما بدت غُدوة جبـاهـهـم  حنت الينا الأرحام والصحف

وأشير إليها في شعر ينسب لدرهم بن زيد الأوسي، يخاطب الخزرج بما كان بينهم من عهود ومواثيق، إذ يقول: وإن ما بينـنـا وبـينـكـم  حين يقال الأرحام والصحف

ولما قاطعت قريش "بني هاشم وبني المطلب"، كتبت بذلك كتاباً عرف ب "صحيفة قريش"، وختموا عليها ثلاثة خواتيم، وعلقّوها في سقف الكعبة، وقيل: بل كانت عند ام الجلاّس مخربة الحنظلية، خالة أبي جهل، وقيل عند هشام بن عبد العزى.

وترد الصحف بمعنى الوثائق، وكل تسجيل يراد الاحتفاظ به للرجوع إليه عند الحاجة، فالديون تسجل في صحف وكتب، والأمور الهامة تسجل فيها كذلك، هذا "علباء بن أرقم بن عوف" الشاعر اليشكري، يذكر ديَناً دوّن في صحيفة، فيقول: أخذت لدين مطمـئن صـحـيفة  وخالفت فيها كل من جار أو ظلم

وقد ورد ذكر صحف الدين هذه في كتاب الرسول إلى ثقيف، إذ جاء فيه: "وما كان لثقيف من دين في صحفهم اليوم الذي أسلموا عليه في الناس فإنه لهم".

وذكر أن الناس كانوا يكتبون بالمهارق قبل القراطيس في العراق. وقد ذكر "المهرق" في شعر حسّان: كم للمنازل من شهر وأحوال  كما تقادم عهد المهرق البالي

وكانوا يغسلون الصحف المكتوبة للاستفادة منها، بكتابة شيء جديد يراد كتابته عليها، وذلك لغلاء مادة الكتابة وصعوبة الحصول عليها، فيطمسون معالم الكتابة السابقة بغسلها بالماء مثلاً، فإذا جفت كتبوا عليها. وقد تسبب هذا الغسل إلى وقوع خسارة كبيرة بالنسبة لتدوين العلم، إذ غسل هذا الماء مادة علمية ثمينة كانت ستفيدنا كثيراً بالطبع لو بقيت مدونة على الصحف. فخسرنا نحن خسارة ثمينة ولا شك لا تعوض.

واستعمل الجاهليون السبورة في الكتابة. ويريدون بها جريدة من الألواح من ساج أو غيره، يكتب عليها. فإذا استغنوا عنها محوها، وهي معربة. وقد رواها جماعة من أهل الحديث "ستورة"، وبهذا المعنى وردت السفورة، وهي معربهّ كذلك.

والمهارق من الألفاظ المعربة، يرى علماء اللغة انها من الفارسية، وان أصلها "مهركُرده" "مهركرد"، أي صُقلت بالخرز. وقد عرفها بعض علماء اللغة بأنها ثياب بيض أو حرير أبيض، تسقى بالصمغ وتصقل، ثم يكتب عليها. وقيل: هي الصحائف، الواحد مهرق. وذكر الجاحظ إن الكتب لا يقال لها مهارق، حتى تكون كتب دين، أو كتب عهود، أو ميثاق وأمان.

ويظهر من الشعر المنسوب للحارث بن حلزة اليشكري، إن أصل المهارق من الفرس ولهذا عبر عنها بقوله: "كمهارق الفرس". ولعله قصد كتباً وصحفاً دينية من ديانتهم المجوسية. وقد وردت اللفظة في شعر ينسب للاعشى وفي شعر آخر ينسب للحارث بن حلزة اليشكري المذكور.

قال "الجاحظ": "والمهارق، ليس يراد بها الصحف والكتب، ولا يقال للكتب مهارق حتى تكون كتب دين، أو كتب عهود، وميثاق، وأمان". وقال قبل ذلك: "لولا الخطوطُ لبطلت العهود والشروط والسجلات والصُّكاك، وكل إقطاع، وكل انفاق، وكل أمان، وكل عهد وعقد، وكل حوار وحلف، ولتعظيم ذلك، والثقة به والاستناد إليه، كانوا يدعون في الجاهلية من يكتب لهم ذكر الحلف والهدنة، تعظيماً للامر، وتبعيداً من النسيان، ولذلك قال الحارث بن حلزة، في شأن بكروتغلب: واذكروا حلف ذي الـمـجـاز  وما قدّم فيه، العهود والكفـلاء

حذر الجور والتعـدي، وهـل  ينقض ما في المهارق الأهواء"

وقد أشار "الحارث بن حلزة" اليشكري إلى "مهارق الفرس"، و ذلك في قوله: لمن الديار عفون بالحبس  آياتها كمهارق الفـرس

ونوع آخر من "المهارق". عمل من الكرابيس، أي من الثياب المصنوعة من الكرباس وهو القطن الأبيض، وذلك بسقي الكرباس، بصمغ أو بإطلائه بشيء آخر يسد المسامات، ثم يصقله بالخرز. فهو إذن من النوع الجيد الغالي بالنسبة إلى مواد الكتابة، ولذلك كانوا يستعملونه في الأمور الكتابية الجليلة.

وقد أشير في شعر "الأسود بن يعفر" إلى سطور يهوديين في مهرقيهما مجيدين في الكتابة، هما من أهل "تيماء" أو من "أهل مدين". ولم يشر إلى نوع القلم الذي كتبا به، وأغلب الظن أنه قلم عبراني.

وقد استعمل الجاهليون "الصكوك" في تعاملهم. وذكر علماء اللغة أن "الصك" الذي يكتب للعُهدة، وكانت الأرزاق تسمى صكاكاً لأنها كانت تخرج مكتوبة. ومنه الحديث في النهي عن شراء الصكاك، وذلك أن الأمراء كانوا يكتبون للناس بأرزاقهم وأعطياتهم كتباً، فيبيعون ما فيها قبل أن يقبضوها معجلاً، ويعطون المشتري الصك ليمضي ويقبضه، فنهوا عن ذلك لأنه بيع ما لم يقبض. وذكروا أن اللفظة من الألفاظ المعربة، أصلها فارسي. واستعملت الصكوك في الدين. فورد "صك دين".

وقد أمدتنا جزيرة العرب بحجارة كثيرة مكتوبة، ولكنها لم تمدنا باللبن المكتوب أو الطين المكتوب المشوي بالنار إلا في النادر. مع أن الكتابة على الطين أسهل من الكتابة على الحجر. ولعلى وجود الحجر بكثرة في العربية الغربية والجنوبية ومقاومة الحجر للبلى والتلف هما اللذان دفعا أهل هذه البلاد على تفضيل الحجر في الكتابة على الطين. ولا يستبعد عثور الاثاريين والمنقبين في المستقبل على كتابات جاهلية مسجلهَ على الطين ولا سيما في المناطق الماحلة أو التي يقل فيها وجود الحجر، هي الآن مطهورة في باطن الأرض.

وأعطوا للصحف أسماء إذا كانت قد كتبت في أغراض خاصة. فإذا كانت الصحيفة اعطاء أرض لشخص، كإقطاعه أرضاً، يعطى الشخص صحيفة مدونة بذلك، تثبت له تسجيل الأرض المقطعة باسمه يقال لها "الوصر" و "الاصر". وقد ذكر علماء اللغة إن الاصر: العهد والعقد. وقيل العهد الثقيل. وان سطور "الوصر" الصك اللذي تكتب فبه السجلات. والأصل اصر، سمي به لأن الأصر العهد ويسمى كتاب الشروط كتاب العهد والوثائق، ويطلق غالباً على كتاب الشراء، قال عدي بن زيد: فأيكم لم ينـلـه عـرف نـائلـه  دثراً سواما وفي الأرياف أوصارا

أما اذا كانت الصحيفة صحيفة جوائز، كان يعطي الملك جوائز لأصحابه وأتباعه، قيل للصحف التي يدون قدر الجائزة أو نوعها عليها القطوط والمفرد: القط. وقد ذكرها الأعشى في شعره: ولا الملك النعمان يوم لقيته  بإمته يعطي القطوط ويأفق

وورد ذكرها في شعر المتلمس، إذ قال: وألقيتها بالثنى من جنب كافر  كذلك ألقى كل قط مضلـل

وقد عرفت "القط" انها الصك بالجائزة، وهي الصحيفة للانسان بصلة يوصل بها. وقبل القط الصحيفة المكتوبة وكتاب المحاسبة. قيل: سميت قطوط لأنها كانت تخرج مكتوبة في رقاع وصكاك مقطوعة.

وقد كانت الحاجة تدفع الكتّاب إلى تدوين ما يريدون تقييده وكتابته على ملابسهم وعلى راحة أيديهم، بل على نعالهم أحياناً. روي عن "سعيد بن جبير" انه قال: "كان ابن عباس يملى علي في الصحيفة حتى أملأها وأكتب في نعلي حتى أملأها". وقد كانوا يكتبون على الهودج أو على أي شيء يجدونه أمامهم، مثل الرحل، لندرة الورق عندهم ولحاجتهم إلى تسجيل ما يسمعونه، أو ابلاغ قومهم بسر أو برسالة، فيغافل المرسل من يعرف أنه قاصد الجهة التي يريدها فيحفي بسكينه عل الراحلة ما يريد تبليغه من سر. وورد عن "سعيد بن جبير" قوله "كنت أكتب عند ابن عباس في صحيفتي حتى أملأها، ثم أكتب في ظهر نعلي، ثم أكتب في كفي". وروى انهم كانوا يكتبون على أكفهم بالقصب عند البراء، وان "الزهري" ربما كتب الحديث في ظهر نعله مخافة إن يفوته.

ولفظة: "كتب" التي نستعملها اليوم، ومن أصلها اشتقت لفظة "كتابة " و "كتاب" وكاتب وأمثالها، هي من الألفاظ العربية الشمالية المعروفة المتداولة عند الجاهليين. وقد وردت لفظة "كتاب" بمعان متعددة، منها هذا المعنى المعروف، ومنها الصحيفة مع المكتوب فيها. وقد قصد بها التوراة في مواضع من القرآن الكريم. وأريد ب "أهل الكتاب" اليهود والنصارى، أهل التوراة و الانجيل.

وقد استعملت اللحيانية لفظة "كتب" أيضاً، فوردت في عدد من الكتابات. وعبرت عن "الكتابة" و "الخط" بلفظة "هكتب". والهاء أداة للتعريف عندهم، ويجوز انهم كانوا ينطقون بها على هذه الصورة: "هكتاب"، أو "ها كتاب"، أي: "الكتاب" و "الكتابة".

ومتى فكر الإنسان في الكتابة تذكر "القراءة". فالكتابة التدوين، والقراءة قراءة الشىء المدوّن. ولهذا يقال: القراءة والكتابة، كما يقال: قارىء كاتب، أي يحسن ويجيد الحالتين. فقد كان البعض يقرأون ولا يكتبون. روي أن "عائشة" كانت تقرأ المصحف، ولا تكتب، وأن "أم سلمة" كانت مثلها تقرأ ولا تكتب.

ونجد لفظة "كتاب" في شعر عدد من الشعراء الجاهليين. وقد استعمل "عدي ابن زيد العبادي" "كتاب الله" في شعره، ولما كان هذا الشاعر نصرانياً، يكون قصد ب "كتاب الله" الإنجيل ولعله قصد التوراة والإنجيل معاً. وجاءت جملة: "آيات الكتاب" في شعر "تميم بن أبي بن مقبل العامري". أما زهير، فقد استعمل لفظة "كتاب" أيضاً في معنى الشيء الذي يكتب ويدوّن عليه ليحفظ لوقت الحساب.

وتؤدي لفظة "كتاب" معنى رسالة. فقد كانوا يطلقون على الرسالة لفظة "كتاب"، والجمع "كتب". ومن ذلك ما ورد في خبر "كتب رسول الله إن الملوك " و "خبر كتاب مسيلمة إلى رسول الله والجواب عنه".

ولفظة "دفتر"، في معنى جماعة الصحف المضمومة، وهي الكراريس.

وفي قول عمرة: "ولو انطبق عليكم الدفتر"، يعني ولو أن تكتبوا آخر الناس. ولا أظن إن اللفظة قد دخلت العربية في أيام عمر، بل لا بد وأن تكون من الألفاظ المستعملة في الجاهلية. وذكر أن الدفتر جريدة الحساب والكراسة.

والكراسة الجزء من الصحيفة والكتاب. يقال: "هذا الكتاب عدة كراريس"، و"كرّاس أسفار". وترد اللفظة في لغة بني إرم، بمعنى "كتيب" وجزء من كتاب يحتوي في الغالب ثماني ورقات.

وكانوا يسجلون عقودهم وأخبارهم في كتب، أي صحف، من ذلك ما ورد في قصة النعمان مع "الحارث بن ظالم"، فقد ورد انه كتب إليه كتاباً وكان يومئذ بمكة يؤمنه إن عاد اليه، فلما جاء إلى "النعمان"، وقال له: أنعم صباحأ أبيت اللعن، انتهره الملك بقوله: لا أنعم الله صباحك. فقال الحارث: هذا كتابك ! قال النعمان: كتابي والله ما أنكره أنا كتبته. وكان "عبد الرحمن ابن عوف"، قد كاتب "أمية بن خلف" في أن يحفظه في صاغيته بمكة، وأن يحفظه في صاغيته بالمدينة، وكتبا هذه المكاتبة في كتاب.

وترد لفظة "كتاب" بمعنى اعلان واحقاق حق، كالذي ورد في خبر "رؤيا" "عاتكة بنت عبد المطلب"، عن مصير معركة "بدر"، وقول قريش للعباس: "يا بني عبد المطلب ! أما رضيتم أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم ! قد زعمت عاتكة في رؤياها انه قال: انفروا من ثلاث، فسنتربص بكم هذه الثلاث، فإن يك حقاً ما تقول فسيكون، وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيء، نكتب عليكم كتاباً انكم أكذب أهل بيت في العرب".

ويعبر عن الكتابة بالخط، وتعني لفظة خطَّ، كتب. في القرآن الكريم: "وما كنت تتلو من قبله من كتاب، ولا تخطه بيمينك". وقد عبر عنها بالقلم كذلك، فقيل: القلم العربي، والقلم الحميري. ويراد بالقلم الحميري المسند، ويقولون له الخط المسند كذلك. وقد بقي ناس من أهل اليمن يكتبون به في الإسلام. وقد وردت لفظة "هخطط"، أي الخط والرسم، في النصوص الصفوية. وهذا يدل على أن هذه اللفظة هي من الألفاظ التي كان يستعملها العرب الشماليون. والهاء في "هخطط" أداة التعريف "ال" في عرببتنا.

وتعبر كلمة "سطر"عن معنى خط وكتب. و "السطر" الخط والكتابة. ووردت لفظة "يسطرون" في القرآن الكرم في سورة "ن" بمعنى يكتبون. ووردت لفظة "سطر" في نص "أبرهة" بهذا المعنى أيضاً. كما نجدها في نصوص عربية جنوبية أخرى، مما يدل على ورودها في اللهجات العربية الجنوبية كذلك. وتقابلها لفظة "سرتو" Serto و "سورتو"Sourto من الفعل "سرت" Srat في الإرمية. ومن هنا ذهب بعض الباحثين في الإرمية إلى أن "سطر" العربية هي "كلمة سريانية الأصل". وهو رأي يمثل وجهة نظر طائفة من الباحثين ترجع أصول أكثر المصطلحات الحضارية والثقافية الواردة في العربية إلى أصل سرياني. وفيه تسرع وبعد عن العلم.

والسطر، الصف من الشيء. والتسطير، كتابة بسطور، أي الخط والكتابة.

وقد كان معظم الجاهليين يجعلون كتابتهم سطوراً سطراً فوق سطر، ليكون من الممكن تتبع الكتابة إلا بعض الكتابات الصفوية والثمودية واللحيانية التي اتخذت اشكالاً مختلفة، تارة على هيأة هلال، وتارة أخرى على شكل دائرة، وحيناً على شكل غير منسق ولا منظم، إذ كان أصحابها رعاة في الغالب متنقلين، فلم تكن كتابتهم متقنة، كما أنهم لم يكونوا يملكون ورقاً وقرطاساً، فكتبوا على أية حجارة وجدوها، فاختلف شكل الخط لذلك.

والتسطير التخطيط. أي تدوين السطور وتخطيطها على شكل خطوط. ومن المجاز خططت عليه ذنوبه، أي سطرت. ووردت لفظة "اسطرن" "الأسطر" بمعنى الوثيقة والسطور في كتابات المسند.

ونجد في شعر للشاعر "الشماخ"، وصفاً للخط، كتبه حبر بتيماء من أسطر، عرض فيها وأثبج. إذ يقول: اتعرف رسماً دارساً قد تغبرا  بذروة أقوى بعد ليلى واقفرا

كما خط عبرانية بـيمـينـه  بتيماء حبر ثم عرض أسطرا

"والتعريض إن يثبج الكاتب ولا يبين الحروف ولا يقوم الخط".

وترد لفظة: "النقش" بمعنى الكتابة والتدوين والتخطيط. ورد: رجّع النقش، والوشم، والكتابة: ردد خطوطها، وترجيعها أن يعاد عليها السواد مرة بعد أخرى. ومنه رجع الواشمة. قال لبيد: أو رجع واشمة أسف تؤورها  كففا، تعرض فوقهن وشامها

وقول زهير: مراجيع وشمٍ في نواشر معصم.

وفي هذا المعنى أيضاً لفظة "زَبرَ". و "الزبر" الكتابة. ويذكر علماء اللغة انها تعبر عن معنى النقش في الحجارة كذلك. وأما "المزِبر"، فهو "القلم " كما ذكرت ذلك قبل قليل. وقد ورد في حديث وفاة الرسول انه دعا بدواة ومزبر، أي قلم. وذكر إن الزبور الكتاب. وقد وردت اللفظة في القرآن الكريم. فلفظة "زبر" بالفتح اذن فعل ماضٍ بمعنى كتب، وفي هذا المعنى أيضاً لفظة "ذمَرَ". فنقول "ذمرتُ الكتابَ"، أي زبرته وكتبته. وقصد ب "الزبور" في القرآن الكريم، المزامير، أي "مزامير داوود". وتقابل لفظة "زمره" "زمره" في العبرانية.

ويظهر من البيت المنسوب إلى لبيد: فنعاف صارة فالقنان كأنها  زبر يرجعها وليد يمـان

ومن البيت المنسوب إلى "أبي ذؤيب": عرفت الديار كرقم الـدوا  ة يزبرها الكاتب الحميري

إن أهل اليمن كانوا قد اشتهروا بالكتابة والقراءة بين الجاهليين وان ولدان أهل اليمن كانوا يرجعون أي يقرأون ويكررون ما هو مزبور أمامهم لحفظه. وان "الكاتب الحميري"، أي كاتب أهل اليمن كان معروفاً مشهوراً، يحمل الدواة ويكتب بها على مادة الكتابة. "قال أعرابي حميري: أنا أعرف تزبرتي اي كتابتي.

وأشير إلى "خط زبور" في شعرٍ امرىء القيس: أتت حجج بعدي عليها فأصبحـت  كخط زبورٍ في مصاحف رهبان

وذكر علماء اللغة أن "الزبور" الكتاب، وفي هذا المعنى ورد قول لبيد: وجلا السيول عن الطلول كأنها  زبر تحد متونها أقـلامـهـا

وذكروا إن الزبور قد غلب على كتاب "داوود"، أي "المزامير"، وكل كتاب زبور. وقيل: هو الكتاب المقصور على الحكمة العقلية دون الأحكام الشرعية.

واستعمل "الهمداني" جملة: "زبر حمير القديمة ومساندها الدهرية"، وقال إن "أبا نصر" الحنبصي، كان قد قرأها وكان بحاثة عالماً بها. وقد فرّق بين "الزبر" وبين "المساند"، مما يدل على أنه قصد بالزبر شيئاً آخر يختلف عن المساند، ربما أراد بالزبر صحفاً أو مجموعة صحف، أو كتاب، أما المساند، فالكتابات المدوّنة على الحجر.

ومن المصطلحات المعبرة عن معنى كتب ونقش وختم لفظة "رقم". و"كتاب مرقوم"، بمعنى مكتوب، وأما المرقم فالقلم، لأنه يرقم به. وذكر بعض علماء اللغة أن الرقم: الخط الغليظَ، وقيل: تعجيم الكتاب..وقد ورد في القرآن الكريم: "كتاب مرقوم". وذكر أن: "الرقيم"، الكتاب. والكتابة والختم، "وفي الحديث أنه كان يسوي الصفوف حتى يدعها مثل القدح أو الرقيم، أي مثل السهم أو سطر الكتابة". وليس بين الرقوم والخطوط فرق.

يقول علماء العربية: "ورقم الكتاب: أعجمه وبيّنه، أي نقطه وبين حروفه. وكتاب مرقوم: قد بيُّنت حروفه بعلاماتها من التنقيط". وإن الإعجام التنقيط بالسواد، مثل التاء عليها نقطتان. وأن التنقيط بمعنى وضع النقط على الحروف، أي إعجامها. ويحملنا قولهم هذا على الذهاب إلى أن الاعجام كان معروفاً بين الجاهليين.

وفي هذا المعنى، اي الرقم والترقيم والرقيم ترد لفظة "الترقين"، و"الرقن"، و "المرقون"، و "الرقين"، و "ترقين الكتاب: المقاربة بين السطور. وقيل نقط الخط واعجامه ليتبين، وأيضاً تحسين الكتاب وتزيينه". "والترقين تسويد مواضع في الحسبانات لئلا يتوهم أنها بيضت كيلا يقع فيه حساب".

وقد وردت لفظة "المنمق" وجملة "الكتاب المنمق" في شعر ينسب لسلامة ابن جندل، هو: لمن طللٌ مثل الكتاب المنمـق  خلا عهده بين الصُّليب فمطرق

وذكر علماء اللغة إن معنى "نمق" كتب. فيقال: نمق الكتاب ينمقه، أي كتبه وحسنّه وزيّنه بالكتابة وجوده. وفي هذا المعنى نبق، فيقال: نبق الكتاب ونمقه إذا سطره. أما لفظة، دبج، فتعني النقش والتزيين.

وذكر علماء العربية إن "الرقش" الخط الحسن، وان الرقش والترقيش: الكتابة والتنقيط، وان "رقش ""، بمعنى نقط الخطوط والكتاب. وأن الترقيش: التسطير في الصحف. ويظهر إن للكلمة علاقة بتنميق الخط وتحسينه وتجويده، وان الخط المرقش، هو الخط المنمنم المزوّق المنقط المعتنى به. قالوا: ومن هنا سمي الشاعر "المرقش" مرقشاً. وهو المرقش الأكبر عم "المرقش الأصغر". ويدل هذا التفسير لمعنى "الترقيش" على إن التنقيط كان معروفاً عند الجاهلين. ورووا له قوله:  

الدار قفر والرسوم كمـا  رقش في ظهر الأديم قلم

وقد وردت لفظة "رقش" في شعر ينسب للاخنس بن شهاب التغلبي، هو: لابنة حطاّن بن عوف منازل=كما رقش العنوان في الرق كاتب كما وردت في شعر لطرفة، هو: كسطور الرق رقشـه  بالضحى مرقش يشمه

و "اللمق" الكتابة في لغة "بني عقيل"، وسائر "قيس" يقولون: اللمق: المحو. وقال بعضهم: "لمقه بعدما نمقه، أي محاه بعدما كتبه". فهو ضد. يقال لمقه إذا كتبه ولمقه إذا محاه.

و "النبق" الكتابة، مثل النمق. ونبق الكتاب ونمقه إذا سطره.

و "القرمطة" في الخط دقة الكتابة وتداني الحروف والسطور، وقرمط الكاتب إذا قارب بين كتابته. وكان الامام "علي"، يقول للكاتب: "فرج ما بين السطور وقرب بين الحروف".

و "النمنمة"، خطوط متقاربة قصار، وكتاب منمنم، منقش، ومرقش ومزخرف، أي به زخرفة. ولكل وشي نمنمة. فيظهر من ذلك أن بعض صحف وكتب أهل الجاهلية كانت منمنمة ذات رقوش ونقوش ووشي. وقد نعت "الجاحظ" الخط المسند ب "المنمنم".

ويعبر عن الكتابة بلفظة "النقر" على سبيل المجاز.وقد ورد "نقر في الحجر" بمعنى كتب، وذلك لأن الحجر المكتوب، هو حجر منقور، ظهرت الكتابة عليه بطريقة النقر. وكل ما ورد الينا من الكتابات الجاهلية قد كتب على الحجر أو الخشب بالنقر والحفر.

والمشق السرعة في الكتابة. وقيل مشق الخط يمشقه مشقاً: مدَّه. فالمشق الخط الممدود الذي كتب بسرعة وبعجلة. ولذلك عبرّ عن القلم السريع الجزي في القرطاس ب "قلم مشاق". وورد أن أهل الأنبار كانوا يكتبون بالمشق. وهو خط فيه خفة.

ويعبر عن الكتابة الفاسدة المكتوبة بخط رديء فاسد ب "كتابة مخربشة" وب "كتاب مخربش". وبهذا المعنى أيضاً "الخرمشة". فالخربشة والخرمشة في معنى واحد.

وقد كانوا يستنسخون الكتب والصحف والأسطر كما نفعل. فقد ورد إن منهم من استنسخ كتباً في الجاهلية والاسلام، أي ينقلون الكتابة نقلاً بنصها وحروفها حرفاً حرفاً حتى تكون عند الناقل نسخة كاملة تامة للكتابة التي نقل عنها. والكاتب ناسخ ومنتسخ. والاستنساخ اكتتاب كتاب عن كتاب حرفاً حرفاً. وفي هذا المعنى ورد في القرآن: )إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون(، أي نستنسخ ما تكتب الحفظة.

وترد لفظة "الترقين"، بمعنى ترقين الكتاب وهو تزيينه، وقيل "رَقَّن الكتاب" قارب بين سطوره، والترقين في كتاب الحسبانات. والمرقن: الكاتب. وقال بعضهم: "الترقين خط يخط في التأريخ أو العريضة اذا خلا باب من السطر، لكي يكون الترتيب محفوظاً به. وهو بمنزلة الصقر في حساب الهند وحساب الجمل، واشتقاقه من "رقان" وهو بالنبطية الفارغ". وقيل الترقين: نقط الخط وإعجامه ليتبين، وتسويد مواضع في الحسبانات لئلا يتوهم انها بيضت كيلا يقع فيه حساب.

ولفظة "قرأ" من الألفاظ الجاهلية المعروفة. وهي أصل لمعان عديدة ذوات صلة بالقراءة. وتعبر جملة "قارأه مقارأة وقِراء" عن معنىّ دراسة. ومن الأصل المتقدم قارئ وقرّاء وقراءة. ولفظة "اقرأ"، هي أول لفظة نزل بها الوحي، وأول كلمة من القرآن، كما ذكر ذلك أكثر المفسرين وأصحاب كتب السير والاخبار، كما وردت لفظة "قارئ" في حديث أول نزول الوحي على الرسول. وفي تفسير سورة "اقرأ". وأما "المقارىء" فبمعنى الذي قرأ الكتب.

وتؤدي لفظة "تلا" معنى قرأ، والتلاوة القراءة. وترد لفظة مبروز بمعنى منشور، استشهد على ذلك بشعر للبيد، هو: الناطق المبروز والمختوم.

ومن أصل "درس" المدرس ودارس ومدارس ومدراس، وهي تقابل "درش" في العبرانية والسريانية. وقد ذكر علماء اللغة أن المدْراس الموضع الذي يدرس فيه كتاب الله، ومنه مدراس اليهود، وأن المدارسة وَالدارسة القراءة، وأن المدراس صاحب دراسة اليهود، كما ذكروا أن الآية: )وليقولوا دارست( في قراءة ابن كثير وأبي عمرو، معناها "قرأت على اليهود وقرأوا عليك"، وتعني دارس النبي اليهود. وقيل: دارست ذاكرتهم. و "المِدْراس"، من "مدراش" في العبرانية، وتعني المدارسة بالمعنى العام. وخصصت بالشروح والتفاسير التي وضعها الأحبار على الأسفار. وتؤدي لفظة "درس" و "درش" الدراسة العميقة للفهم والتعلم، فهي أعمق غوراً من معنى قرأ. وقد كان العبرانيون يعبرون بها في دراسة الشريعة والتوراة.

وقد كان "عمرو" من "بني ماسكة"، وهو المعروف ب "أبي الشعثاء" قد رأس اليهود التي تلى البيت الدراسة للتوراة. وكان ذا قدر فيهم.

وقد أشار علماء اللغة إلى كتب كانت عند الجاهليين ذكروا أنها عرفت عندهم بالرواسيم جمع روسم، ولم يذكروا محتوياتها ومضامينها. و "الراشوم" في السريانية لوح منقوش تختم به البيادر من "رشمو" Rouchmo بمعنى العلامة. والآلة "رشمه" Rshme أن "رشم" Rshme معناها رسم، ومنها الراسم والمرسوم المستعملتان في النصرانية في رسم الأسقف. ولا أستبعد إن يكون مراد تلك الكتب كتباً دينية مستعملة عند النصارى الجاهليين.

وعرفت لفظة "الوضائع" عند الجاهليين، فذكر علماء اللغة أن الوضيعة كتاب فيه الحكمة، وقد ورد في الحديث: إنه نبي وإن اسمه وصورته في الوضائع.

وقد ذكر علماء اللغة أن "السفر" الكتاب الذي يسفر عن الحقائق. وقيل الكتاب الكبير، والجزء من أجزاء التوراة. وأما "السفَرة" فبمعنى الكتبة، وسفر الكتب كتبها. وقد ذكر علماء اللغة أن السفر، يقابل "سافرا" بالنبطية وقصد ب "اسفار" الواردة في القرآن الكريم، التوراة. وب "سفرة" كتبة. وقد قال السيوطي: إن الأسفار الكتب، والكتاب بالنبطية يسمى سفراً.

وقد وردت لفظة "هسفر" أي "السفر" في اللهجة الصفوية بمعنى الكتابة. فورد في أحد النصوص "وعور لذ يعور هسفر"، ومعناها "وعوِرٌ للذي يعُوَّرُ الكتابة"، وبعبارة أوضح "وعور للذي يوذي هذه الكتابة". والعور في اللهجة الصفوية بمعنى عوارة أي أذية وأذى. ولا بد أن يكون مدلول "سفر" عندهم كمدلول كتب في عربيتنا. وقد وردت لفظة "سفِر" بمعنى كتابة وخط في نصوص اخرى، إذ ورد فيه: "ووجد سفر دده"، أي "ووجد كتابة أبيه"، و "ووجد خط أبيه".

وترد اللفظة في العبرانية أيضاً. فلفظة "س ف ر" "سافور" تعني يخط ويكتب ومن هذا الأصل "سيفير" Sefer ويراد بها كتاب كتاب يلف فيكون على هيأة شيء ملفّف: أو أوراق تجمع بعضها إلى بعض وتربط. ومن العبرانية أخذ السريان لفظة "سفرو" Sefro بمعنى سفرْ. ومن هذا الأصل "سفر" Sfar بمعنى درس وكتب وتفقه وتعلم. وأما ٍSofro فبمعنى الكُتاّب، أي المسجلون والفقهاء والأساتذة ورؤساء، والجمع "سوفرة" Sofre. وأما Sofroutho فهي الكتابة، أي حرفة الكاتب والفقه والعلم والحذاقة. وعرف علماء اليهود حملة الشريعة ب "سوفيريم" Soferim، لأنهم يكتبون الشريعة.

و"السفير" الكتاب، و "السفاسره" أصحاب الأسفار، وهي الكتب، وبه فسر قول "أبي طالب" عم النبي: فإني والسوابـح كـل يوم  وما تتلو السفاسرة.الشهود

وقد وردت في القرآن الكريم لفظة "السجل"، وذهب بعض المفسرين إلى انها بمعنى الصحيفة والكتاب. وذهب بعض آخر إلى انها حجر يكتب فيه، أو كل ما يكتب فيه. ولكنهم لم يذكروا شكل السجل وهيأته. وقد جعلها بعض العلماء من الألفاظ المعربة. ورجع السيوطي أصلها الى الحبشية، فقال انها عندهم بمعنى الرجل. وذهب بعض آخر إلى انها من أصل فارسي. ولا تزال اللفظة حية مستعملة في الدوائر، وتطلق على الأضابير والأوراق المحفوظة بين دفتين في دوائر الحكومات والشركات والأعمال الأخرى، كما تؤدي لفظة "مسجل" و "يسجل" معنى مكتوب ويكتب. فلفظة سجَّل اذن بمعنى كتب ودوّن. واللفظة من الألفاظ المعربة عن اللاتينية، محرفة من Sigillum بمعنى ختم، اي ختم العقود والوثائق وأمثال ذلك، ولا علاقة لها بالحبشية أو الفارسية. وقد تعني عند العرب كتاب العهد. وذكر بعضهم إن "السجيل"، اسم كاتب للنبي. وروي إن السجل: الكتاب يكتب للرسول أو المعبّر أو الرحّال أو غيرهم باطلاق نفقته حيث بلغ فيقيمها له كل عامل يجتاز به. والسجل أيضاً المحضر يعقده القاضي بفصل القضاء. وهذه المعاني، هي من المعاني المتأخرة التي عرفت وشاعت في الإسلام. والظاهر إن أهل مكة لم يكونوا على علم تام بمعنى اللفظة، لذلك اختلفوا في تفسيرها اختلافاً يرد في كتب التفسير في تفسير معنى "السجل". ولا أستبعد استعمال الجاهليين للكتب التي تلف لفاً، وذلك لسهولة المحافظة عليها ونقلها، كالذي كان يفعله العبرانيون ولا يزالون يفعلونه في كتبهم المقدسة. ولا أستبعد أن يكون السجل المذكور في القرآن الكريم على هذا الشكل إذ يطوى ويلف لفاً، وتوضع الكتب داخل غلاف للمحافظة عليها، وقد زين أهل الكتاب أغلفة كتبهم المقدسة مبالغة في احرامها وتقديسها وتعظيمها. واذا أرادرا فتحها، أخذوها باحترام وتبجيل وقبلوها، ثم تلوا منها على المتعبدين ما شاؤوا.

واذا ثبت إن لفظة "مصحف"، هي من الألفاظ الجاهلية، فإن ذلك يدل على إن المصاحف، أي الكتب المؤلفة من صحائف منضدة ومجلدة بين دفتين، كانت معروفة عند الجاهليين. وأنا لا شك لدي. في وجودها بهذا المعنى في أيام الرسول. غير اننا نلاحظ إن المسلمين خصصوا "المصحف" بالقرآن الكريم.

و "المصاحف". بالقرائين جمع قرآن. وحين يقولون "خطوط المصاحف"، فإنهم يقصدون كتابة القرائين.

ولفظة "القرآن"، و "قرأان"، نفسها تدل على وقوف الجاهليين على المعنى المفهوم من اللفظة، وهو القراءة. ولا بد أن يكون منهم من سمع من اليهود لفظة "مقرا" إلتي تعني القراءة و "قرآن"، أي تلاوة الكتاب المقدس وقد كانوا يتداولونها فيما بينهم، ومنهم يهود اليمن والحجاز.

وترد لفظة "الفهرس" في العربية، وهي من الألفاظ المعربة. ذكر بعضهم انها الكتاب الذي تجمع فيه الكتب. وعرفت كلمة "الفهرست"، ب "ذكر الأعمال والدفاتر تكون في الديوان، وقد يكون لسائر الأشياء". وهي من الألفاظ المعربة عن الفارسية، بمعنى جدول، ومواد كتاب أو نحوه. ولكننا لا نستطيع اثبات انها من الألفاظ التي عرفت بهذا المعنى عند الجاهليين.

وذكر إن "الديوان"، مجتمع الصحف، وانهد لفظة فارسية معربة. وفي الحديث: "لا يجمعهم ديوان حافظ". وقيل الدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء. وأول من دوّن الدواوين عمر. وذكر بعض العلماء إن الديوان الدفتر ثم قيل لكل كتاب. وقد يخص بشعر شاعر معين وبمجموع الشعر.

و "التأريخ" و "الإراجة": شيء من كتب أصحاب الدواوين، و"الأوارجة" من كتب اصحاب الدواوين في الخراج ونحوه. وقيل: التأريخ لفظة فارسية، معناها النظام، لأن التاريخ يعمل للعقد لعدة أبواب يحتاج إلى علم جملها، لأن التأريخ يعمل للعقد شبيهاً بالأوراج، فإن ما يثبت تحت كل اسم من دفعات القبض يكون مصفوفاً ليسهل عقده بالحساب. وهكذا يعمل التأريخ.

والدفتر جماعة الصحف المضمومة، وواحد الدفاتر. وهي من الألفاظ المعربة عن الفارسية. ومعناها في الفارسية كتاب: سجل وحساب. ومن هذا الأصل لفظة "دفتر خانة"، أي البيت الذي تحفظ فيه الدفاتر والوثائق ونحوها، ولفظة "دفتردار"، بمعنى الخازن، وخازن الدفاتر. وهما مصطلحان استعملا في الإسلام.

والكراسة واحدة الكراس والكراريس من الكتب. فهي مجموعة صحف وجزء من كتاب. لأن الكراسة من الكتاب، والكتاب مجموع كواريس. وقد ذكر علماء اللغة أن المجلة، الصحيفة يكتب فيها شيء من الحكمة. وقال أبو عبيدة: كل كتاب عند العرب، فهو مجلة. وقد وردت هذه اللفظة في شعر للنابغة، هو: مجلتهم ذات الإلَـه ودينـهـم  قويم فما يرجون غير العواقب

وقد قال النابغة ذلك في مدح الغساسنة. ولما كان الغساسنة نصارى، فالمراد من المجلة إذن في هذا المكان، الكتب المقدسة. وتخصيص علماء اللغة المجلة بالصحيفة التي يكتب فيها الحكمة، هو تفسير نشأ عن عدم فهم للكلمة. وذلك أنها من الألفاظ المستعملة عند أهل الكتاب بمعنى كتاب ملفوف على طريقة تلك الأيام في استعمال الكتب الملفوفة، فظنوا أنها نوع خاص من الكتب خصص بالحكمة، لوجود مواعظ وحكم فيها، يستعملها رجال الدين في مواعظهم، ففسروها بهذا التفسير.

وقد أشير في كتب السير والأخبار إلى "مجلة لقمان"، وقيل: إنها حكمة لقمان. وأشير إلى أمثال لقمان. والمجلة هي "مكلوت": و"مكلتو" Magaltho في العبرانية والسريانية. ويراد بها كرّاس ملفوف وملف مخطوطات، وكتاب من أصل Golo بمعنى لف. وقد ذكر أن "سويد بن الصامت" كان يملك "مجلة لقمان"، "حكمة لقمان"، وأنه لقي الرسول يوماً، فدعاه الرسول إلى الإسلام فقال له سويد: لعل التي معك مثل الذي معي. وكانت معه "مجلة لقمان" "حكمة لقمان". فقال له الرسول: إن هذا الكلام حسن، والذي معي أحسن منه وأفضل.

و "سويد بن الصامت" المذكور، رجل مثقف مهذب، ذو علم وفهم في أيامه وبين قومه. وقد عرف عندهم بالكامل، للخصال الحميدة التي كانت فيه. ولا يلقب ب "الكامل" في الجاهلية إلا من كانت له صفات معينة. وصفه صاحب كتاب الأغاني، فقال: "وكان يقال له الكامل في الجاهلية. وكان الرجل في الجاهلية اذا كان شاعراً شجاعاً كاتباً سابحاً رامياً سمّوه الكامل. وكان سويد أحد الكملة".

وكان كما يذكر أهل الأخبار حكيماً كثير الحكم في شعره، حتى قيل إن قومه انما سموه "الكامل" لحكمة شعره وشرفه فيهم. وقد رووا له شعراً في ذلك هذا ويشك في اسلام "سويد بن الصامت بن خالد بن عقبة" الأوسي، إذ ذكر انه لما انصرف من مقابلة الرسول له، عاد إلى قومه بيثرب وقتل. قتله "المجذر" في الجاهلية.

وأنا لا أستبعد احتمال قدوم يوم، قد يعثر فيه الباحثون على وثائق تبين إن عرب العراق كانوا قد وضعوا أسساً لقواعد العربية، وكانوا أصحاب رأي في أساليب الكتابة وصوغ الكلام بنوعيه: من نثر وشعر. إذ لا يعقل في نظري أن يكون ظهور علوم العربية في العراق قبل الأمصار الاسلامية الأخرى، طفرة من غير سابقة ولا أساس. وأن يكون تفوق الكوفة والبصرة على المدن الاسلامية الأخرى وفي ضمنها مدن جزيرة العرب في علوم العربية صدفة وفجأة ومن غير علم سابق ولا بحث في هذه الموضوعات قبل الإسلام. انني أعتقد إن علم العروض وعلم النحو وعلم الصرف وسائر علوم العربية الأخرى لم تظهر في العراق إلا لوجود أسس لهذه العلوم فيه تعود إلى أيام ما قبل الإسلام، وهذه الأسس القديمة الجاهلية هي التي صيرت العراق الموطن الأول لهذه العلوم في الإسلام. وانني لا أستطيع أن أتصور إن في مقدور انسان مهما أوتي من العلم والذكاء، استنباط أوزان الشعر ومحوره من نقرات مطارق النحاسين أو من التأمل والتبصر، فشخص مثل هذا، لأ بد وأن يكون قد وقف على البحور وأوزان الشعر وعلى مقدمات وبحوث في موضوع الشعر، منها استنبط علم العروض، وقل هذا الشيء عن علم النحو وعن سائر علوم العربية الأخرى.

وقد كان العبرانيون يكتبون التوراة على جلود البقر، ثم يلفونها لفاً على قضيب أو قضيبين تكوّن لفة واحدة أو لفتين متصلتين بعضها ببعض، ويطلقون عليها "نجلوت" "مكلوت". وتعني لفظة "كلل" لفَّ ودوَّر. وقد كانت كتب ذلك العهد تكتب وتلف بهذه الطريقة، فلا يستبعد وجود هذه المجلات، أي الكتب الملفوفة عند الجاهليين.

وقد أورد الأخباريون نصوص رسائل نسبوها إلى بعض الملوك الجاهليين وسادات القبائل، وهي رسائل مسجعة في الغالب موجزة. وفي اثناء حديثهم عن رسائل الرسول إلى قيصر وكسرى ذكروا إن الصحابة أشاروا على الرسول إن يتخذ خاتماً يختم به كتبه، لأن الروم لا يقرأون كتاباً غير مختوم. ويظهر من كلامهم هذا إن أهل مكة لم يكونوا يختمون رسائلهم بخاتم، وانما كانوا يكتفون بتدوين الاسم. والذي يتبين لي من ملاحظتهم هذه عن الروم انهم قصدوا بالخاتم الختم، على الكتب، اضافة إلى الاسم، وهو ما يقال له Sigillumعندهم، كما أشرت إلى ذلك آنفاً. وهو يقابل ختم الدوائر في الزمن الحاضر، وطبع شعار الدائرة على الورق، ليكون ذلك تعبيراً عن صفة الورقة الحكومية. فالغاية من إشارة الصحابة على الرسول بختم كتابه، هو اكسابه صفة رسمية، ليكون ذلك متفقاً مع طريقة الروم. ولا بد أن يكون رؤساء مكة قد راعوا هذا الأسلوب في مراسلاتهم مع البيزنطيين.

وقد استعمل الخاتم في الغالب لتصديق الأوراق الشخصية والمعاملات الحكومية.

فإذا أريد تصديق معاملة أو ارسال كتاب أو ختم صندوق، ختم بالخاتم، وعلى الخاتم شيء من الكتابة يأمر صاحب الخاتم بحفرها، كي يظهر أثرها على الورق أو الشمع أو الطين. وكان منح الخاتم لموظف دليلاً على منحه الثقة وتعيينه في وظيفته التي اختير لها.

وقد كان رجال التجارة والأعمال وأصحاب الصالح يثبتون أعمالهم وعقودهم في صحف وكتب. واذا أرادوا عقد عقد، مثل اتفاق على شيء أو تدوين ميثاق، دوّنوه على صحيفة وأشهدوا على ذلك، ليكون أوثق وأثبت للعقد. وقد عرف كتاب الشراء بالعهدة. وأما كتاب العهد، فهو ما يعهد به. وقد وردت في القرآن الكريم إشارة إلى الكاتب بالعدل. أي الكاتب الذي يتولى كتابة العهود والمواثيق بين الناس.

وقد ورد في كتاب "البيان والتبيين" للجاحظ: إن الرسول قال: "اذا كتب أحدكم فليترب كتابه"، أي: إن الكاتب اذا انتهى من كتابة كتابه، فليضع التراب عليه، ليجفف حبره.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق