إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 3 فبراير 2016

1716 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الرابع عشر بعد المئة الحرف الحدادة


1716

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
 
الفصل الرابع عشر بعد المئة

الحرف

الحدادة

وقد دفعت حاجة الإنسان إلى المعادن لاستخدامها في أمور حربية وزراعية وفي البيت على انصرافه إلى الاشتغال بها لتحويلها إلى أشياء نافعة. فظهرت الحدادة والصياغة وأمثالها واشتغل بعض الناس بالبحث عن الحديد وعن المعادن الأخرى واستخلاصها من المواد الغريبة المختلطة بها. كما اشتغلوا في خلط المعادن لايجاد أنواع جديدة منها. وقد وقع ذلك بين أهل الحضر في الغالب، أما أهل الوبر، الأعراب، فبساطة حياتهم لم يشعروا بحاجة لهم إلى هذه الصناعات، واذا شعروا بوجود حاجة لهم فيها اشتروها من أهل المدن، واحتقروا الصناعات وأهل الصناعة والمحترفين بالحرف.

ويعرف الحدّ اد ب "القين" كذلك عند الجاهليين. وهو الذي يعدّ للزرّ اع الأدوات التي تستعمل في حرث الأرض،مثل المسحاة والمحراث والمنجل والأدوات الأخرى، يصنعها من الحديد، كما أنه يعد لا عرف الأخرى ولأهل البيوت كثيراً من الآلات،يصنعها من الحديد. وكان فضلاً عن ذلك الخبير الاختصاصي بصنع السلاح على اختلاف أنواعه وتجهيز الحكومات والأفراد بالسلاح الذي يستعمل في الدفاع وفي الهجوم، لذلك كانت حرفته مهمة خطيرة ولا يزال الحداد يعدّ للناس في جزيرة العرب الملاح، كالسيوف والخناجر والدروع والسكاكين والنصال المعدنية وغير ذلك من أدوات كانت تستعمل في الحرب لذلك العهد، وسأفرد لها بحثاً خاصاً.

وذكر بعض علماء اللغة أن القن هو العامل بالحديد. وقال بعض آخر: إن القين الذي يعمل بالحديد ويعمل بالكير، ولا يقال للصانع قين. وذكر بعض اخر أن القين الحدّاد، ثم صار كل صانع عند العرب قيناً. وذكر بعض آخر: أن القين هو الذي يصنع الأسنة،إلى غير ذلك من آراء، وكان من بين أصحاب الرسول من كان قينا، مثل "خباب بن الارت"، ذكر أنه كان يشتغل للعاص ين وائل. وكان العاص هذا من الانادقة، ومثله: عقبة بن أبي معيط، والوليد بن المغيرة، وأبيّ بن خلف. وكان خبّاب يضرب السيوف الجياد وبدقها، حتى ضرب به المثل، ونسبت اليه السيوف. كما اشتهر بها رحل آخر عرف ب "ريش المقعد"، أي النبل. والمقعد اسم رجل كان يريش السهام. والنبل: السهام، والنبّال صاحب النبال وصانعها، وحرفته النبالةْ. وتحبس في الجعبة، يحملها صاحبها معه، فإذا أراد الرمي، فتحها ليستخرج منها ما يشاء.

ومن الحدادين الأعاجم الذين ذكرهم أهل الأخبار، الأزرق بن عقبة أبو عقبة "فلداه" في العبرانية. وتصنع منه الأسلحة بصورة خاصة. وهو معروف في العربية، وعرف بقولهم: ": هو مصاص الحديد المنقى من خبثه".

و يستعين الحدّاد بأدوات في طرق الحديد وفي تغير شكله على النحو إلمطلوب. ومن أهم هذه الادوات "الكير"، و"رْ المنفْاخ، وهو زق ينفخ فيه الحداد، أو جلد غليظ ذو حافات، يستعمل لاثارة النار وإيقادها، كي ترتفع درجات حرارتها فتؤثر في الحديد وتجعله ليناً يسهل طرقه واعطؤه الشكل المطلوب. والكور وهو مجمرة الحدّ اد وهي مبنية بالطين وبالحجارة، وتوقد فيها النار، ويسلط عليها الكير، ويوضع الحديد على النار ليحمى ويلين. ومن أصل "كور" "كور" و "كير"، ويراد بها الموضع الذي تحرق فيه القرابين من بخوِر وذبائح تهيأ للحرق تقرباً إلى الآلهة. ويعرف الكور ب "كور" عند العرانيين. وقد وردت اللفظة في التوراة.

ويطرق القين الحديد المحمى على "السندان"، ليحوله إلى الشكل الذي يريده. ويعرف ب "العلاة" أيضاً.

وقد استغل ايهود انفة أهل المدينة والعرب الصرحاء من الاشتغال بالحدادة، فاحتكروها لأنفسهم، وربحوا منها ربحاً طيباً، وذلك بإنتاجهم الأدوات والآلات الزراعية وبصنعهم الأسلحة اللازمة لكل انسان لحماية نفسه، مثل صنع السيوف والخناجر والدروع. وقد سلحوا أنفسهم بها، كما باعوا منتوجهم من غيرهم. وتصنع الدروع من الحديد الثقيل،كي تقاوم قراع السيوف. وقد تزرد الدروع، لتقاوم في الدفاع، ويقال عندئذ "درع مزرود".

والسرد عند علماء اللغة نسج الدرع، وهو تداخل الحلق بعضها في بعض. والسرد اسم جامع للدروع وسائر الحلق. وسمي سرداً لأنه يسرد فيثقب طرفا كَل حلقة بالمسمار، فذلك الحلق المسرد. والمسرد هو المثقب. وهو السرّ اد. ويراد بالحلقة السلاح عاما، وقيل: الدرع خاصة، وانما ذلك لمكان الدروع ولشدة غنائه. وقد سمي "النعمان" دروعه حاضة.

وتصنع النصال من الحديد أيضا. والنصل حديدة السهم والرمح، ويقال نصل السيف ونصل السكين. وقد ذكر أيضا ان نصل السيف حديدة السيف ما لم يكن له مقبض. فإذا كان لها مقبض ، فهو سيف. وقيل: إن النصل السهم العريض الطويل، والمشقص على النصف من النصل.

ومن المجاز الحداد السجّان، لأنه يمنع من الخروج أو لأنه يعالج الحديد من القيود. وفي هذا المعنى ورد: يقول لي الحداد وهو يقودني=إلى السجن لا تفزع فما بك من باس والحداد البواب، لأنه يمنع من الخروج.

والعتلة: حديدة كأنها رأس فأس عريضة، في أسفلها خشبة تحفر بها الأرض والحيطان، وليست بمعقفة كالفأس، ولكنها مستقيمة مع الخشبة، أو هي العصا الضخمة من حديد، لها رأس مفلطح، يهدم بها الحائط. وقيل: هي بيرم النجار.

ومن مصنوعات الحداد "إلإبزيم"، وهو حلقة لها لسان يدخل في الخرق في أسفل المحمل، ثم يعض عليها حلقتها، والحلقة جميعها "ابزيم". وقد أدخلها الجواليقي في باب المعريات من الفارسية. ومن مصنوعات الحداد "المقدحة"، الأداة التي استعان بها الإنسان في إِيجاد النار. وهي حديدة يقدح بها حجر يوضع عليه مادة قابلة للالتهاب ولأخذ النار، مثل الصوف، فيورى منها النار.

ويهيىء الحداد أقفال الأبواب، وقد يصنعها النجار أيضا. ويوضع خلف الباب وتد من حديد لتسميرها، فلا يمكن فتحه ، كما يهيأ البيت بما يحتاج اليه من أدوات تستعمل في الطبخ وقي الغسيل، وفي الزينة. ويجهز الرجل والمرأة باللأدوات المساعدة للتجميل ك المدرى"، وهو شيء يسرح به شعر الرأس محدد الطرف من حديد، وقد يصنع من غيره مثل الخشب. وهو كسن من أسنان المشط، أو أغلظ قليلا"، إلا أنه أطول.

وقد ذكر أصحاب اللغة بعض أسماء الالات والأدوات التي كان يستعملها الحدادون في حرفتم، نذكر بعضهاً مثل: "القرزم" و "العلاة". والقرزم لوح الإسكاف المدور. و "المطرقة"، و "الفطيس"، وهي أكبر من المطرقة، وهي "الميفعة" أيضاً. و "المبرد" الذي يبرد به الحديد، و "البرادة" ما سقط منه. وأما "فسالة الحدَيد" فا تناثر من الحديد عند الضرب إذا طبع، و"المشحذ" مبرد للحديد، أعظمها وأخشنها. وقال بعض اللغويين: المشحذ المسنُّ، "المفراص" وهو للحديد كالمقراض للثوب، والمنفاخ "المنفاخة" وبي ما ينفخ به الكر، والكير التي ينفخ فيه. وأما المبني من الطين، فهو الكور. و "المشرجع" مطولة لا حروف لنواحيه، ومطرقة مشرجعة، مطولة ولا حروف لنواحيها. أما إذا كان الشيء مربعاً، وقد نحتت حروفه، قيل له "مشرجعة". و "العسقلان"، أصغر مطرقات الصائغ. و "الغدُاف" الحديدة التي يدخل في أحد طرفيها الخاتم ويركزها على الجبأة، والخشبة التي بين يديه. أما "الحملاج"، فنفاخ الصائغ، وهو حديدة مجوفة ينفخ فيها الصائغ إذا أراد النفَخ في كيره. وله الكلبتان والمثقب.

وقد وردت في التوراة لفظة " ا خ ن" "اجن"، وهي "اجانة" و "اجان" في العربية. وهي إناء يعجن فيه العجين،أو يوضع فيه سائل أو أي مادة أخرى. ولا تزال الكلمة حيةّ معروفة. وتصنع من المعدن،في الغالب ولكنها قد تصنع من خشب في بعض الأحيان.

ويستخدم الحدّ اد المطرقة في طرق الحديد المحمى لتحويله إلى الشكل المطلوب. ويقال للمطرقة الكبيرة "الفطيس"، وتقابلها لفظة "بطيش" Pattish، عند العبرانين، ولمد أشار علماء اللغة إلى "الفطيس". ويستخدم ال "قدوم"، وهي مطرقة كذلك، تسمى ب "قردم" "قردوم" عند العبرانيين. وذكر علماء العربية ان "القدوم" التي ينحت بها.

ومن أنواع المطارق مطرقة دعيت ب "جرزن" عند العبرانيين، وتستخدم في القطع: في قطع الأشجار والأخشاب التي تستعمل في البناء. ويرى بعض العلماء أنها أخف من "القردم". وبين "جرزن" و "الجرز " اللفظة العربية تقارب وارتباط. رقد ذكر علماء اللغة أن "الجرز" من السلاح، والعمود من الحديد وأن الجواز بمعنى: قاطع، ولذلك قالوا سيف جراز ومدقة جراز. وهي الفأس في العرانية،و لعلها بهذا المعنى في العربية أيضاً وتستعمل لقطع الأحجار و الاخشاب و لتكسيرها.

والمطارق الحديثة المستعملة قي الشرق الأوسط وفي بلاد العرب، لا تزال محافظة على شكلها وهيئتها التي كانت عليها عند الجاهليين وعند غيرهم قبل الإسلام. كما يظهر ذلك من النماذج التي عثر عليها ومن صور المطارق المصورة على بعض الأثار. وبعض هذه المطارق ذات رأسين، وبعضها ذات حافتين. ويختلف شكلها باختلاف المهمة التي.تستخدم فيها. واستخدمت المطارق في الحروب كذلك، حملها المحاربون معهم في قتال الأعداء وفي فتح الثغرات في الجدر والأسوار وتحطيم الدبابات والآلات الأخرى المستخدمة في حروب تلك الأيام.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق