إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 4 فبراير 2016

1794 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السادس والاربعون بعد المئة الشعر تطواف الشعراء


1794

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
  
الفصل السادس والاربعون بعد المئة

الشعر

تطواف الشعراء

وكان الشعراء يتنقلون من مكان إلى مكان، فكان "الأسود بن يعفر"، "يكثر التنقل في العرب يجاورهم، فيذم ويحمد"، وجاب "الأعشى" معظم أنحاء جزيرة العرب والعراق وبلاد الشام، وكان النابغة يتنقل، فيزور ملوك الحيرة والغساسنة، ويسافر إلى مكة وسوق عكاظ، وكان "عمرو بن كلثوم" من المتنقلة كذلك، وقد علمت أمر:امرئ القيس "وتنقله بين القبائل، وأمر "الصعاليك"، الذين كانوا يتنقلون من مكان إلى مكان للحصول على رزقهم، وأمر "حسان" وقصده ملوك الغساسنة ووصوله إلى الحيرة، بل اننا لا نكاد ندرس حياة شاعر جاهلي، حتى نراه جواباً، متنقلاً من مكان إلى مكان، حتى صار التنقل من سيماء الشاعر عند الجاهليين، وكان هدفهم في الدرجة الأولى ملوك الحيرة ثم ملوك الغساسنة، أما ملوك اليمن، فقلما نجد في أخبار الشعراء وصولهم اليهم وانشادهم شعرهم أمامهم، وذلك بسبب أن لسانهم كان لا يشاكل لسان الشعراء، وأما ما نسب اليهم من شعر، وما قيل من مدح بعض الشعراء لهم، فهو من القصص الذي لا يرجع إلى أصل، إلا ما ذكره من شعر في مدح بعض أذواء اليمن، فإن هؤلاء لم يكونوا ملوكاً، وإنما كانوا سادة مواضع وقبائل تقع شمال اليمن في الغالب، وقد كانت على صلة بالعرب الشماليين، وبلغة "ال" في ذلك الحين، ومع ذلك فإن صلتهم بهم لم تكن على نمط صلة الشعراء بسادة العرب الشماليين.

كان الشاعر يتنقل بين القبائل، فينزل على سادتها ويحل في ضيافتهم، يقصد ملوك الحيرة خاصة، لما كان لهم من نفوذ في جزيرة العرب، ولينال عطاياهم، أو ليتوسط في حل ما بين الملوك وما بين قبيلة الشاعر، أو قبائل أخرى من أمور معقدة ومشكلات مستعصية، كما كان يزور الريف والقرى للميرة ولنيل هبات ساداتها من تمور أو دقيق أو أي شيء آخر يكون عند الحضر. فيمدح ويذم، وينشد شعره في أسواق القرى وفي نواديها ومجتمعاتها، فكان سوق "يثرب"، وهو المحل الذي يتجمع فيه الناس للبيع والشراء الموضع الذي يقصده الشاعر لإنشاد شعره به، ثم حل مسجد الرسول محله في الإسلام.

وقد ورد في الشعر الجاهلي ذكر بعض المواضع التي نزل بها الشاعر، أو التي ارتحل اليها ليزورها، وقد طمست أسماء بعض منها، وبقيت أسماء بعض آخر. وقد أمدتنا هذه الأسماء بمادة طيبة، أفادتنا فيؤ الحصول على معارف تأريخية وجغرافية عنها. ففي شعر "الأعشى"، وهو من الشعراء المتنقلة الذين أكثروا من الأسفار، وتنقلوا من مكان إلى مكان، نجد أسماء أماكن عديدة وردت في شعره، مثل "عانة"، و"بابل"، و"الحيرة" و، ومواضع في اليمامة وفي اليمن. وتطرق في شعره هذا إلى أحوال من مر بهم، وذكر أسماءهم وأسماء قبائلهم، فصار شعره لذلك مورداً هاماً بالنسبة لنا، أفادنا في الوقوف على نواح مهمة من التأريخ الجاهلي.

رحل "الأعشى" إلى الغساسنة ملوك عرب الشام، والى المناذرة ملوك عرب العراق، والى "قيس بن معديكرب"، والى "ذي فائش" في اليمن، والى "بني الحارث بن كعب" في نجران، فمدحهم ونال عطاءهم، وأقام عندهم يسقونه الخمر ويسمعونه الغناء الرومي، مما يدل -إن صح هذا الخبر- على تأثر سادة نجران بالثقافة الرومية، التي ربما أخذوها عن طريق ارتباطهم بالروم بروابط النصرانية، وعلى وجود جالية من الروم في نجران أو رجال دين من الروم، عينته الكنيسة لتعليم الناس أمور الدين، فقد كان الروم يرسلون رجال دينهم إلى هذه المواضع والى غيرها للتبشير، ولأغراض سياسية في الوقت نفسه.

ونجد في شعر "الصعاليك" أسماء المواضع التي غزوها، والطرق التي سلكوها في طريقهم إلى الغارات، أو في طرق عودتهم منها إلى ديارهم، ونظراً إلى كثرة تنقلهم وخبرتهم بالمواضع، وبأبعادها وبأصحابها، لما في هذهة الخبرة من العلاقة بنجاح سوقهم وتجارتهم، أفادتنا إشارتهم إلى المواضع والقبائل فائدة كبيرة إذ حصلنا بواسطتها على معارف عن أحوال أهل الجاهلية، ساعدتنا في سد بعض الثلم الكثيرة من ثلم بنيان التأريخ الجاهلي.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق