إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 4 فبراير 2016

1758 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الحادي والثلاثون بعد المئة الوقت و الزمان الشهور


1758

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
        
الفصل الحادي والثلاثون بعد المئة

الوقت و الزمان

الشهور

وتتألف السنة عند العرب الشماليين من اثني عشر شهراً، وقد أشر إلى ذلك في القران: )إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراٌ في كتاب الله. يوم خلق السماوات والأرض، منها أربعة حرم(. وهو التقسيم الشائع المعروف عند بقية السامين واليونان وغيرهم. والمعمول به حتى اليوم. ولم ترد إشارة إلى هذا التقسيم في نصوص المسند، ولكن ورود ذكر السنين والشهور في كتابات المسند، واستعمال العرب الشماليين وغيرهم التقسيم الاثني عشري للسنة، يحملنا على القول إن العرب الجنوبيين كانوا يقسمون السنة إلى اثني عشر شهراً أيضاً، وان لم ينص على ذلك في النصوص.

وقد لاحظ "رودوكناكس" أن المزارعين المحدثين في العربية الجنوبية يسيرون بموجب تقويم فلكي Sidereal Calender، يقسم السنة إلى ثمانية وعشرين شهراً، مدة كل شهر ثلاثة عشر يوماً، فاستنتج من ذلك احتمال كون هذا التقويم من بقايا تقويم عربي جنوبي كان العرب الجنوبيون يسيرون عليه قبل الإسلام. ولهذا رأى أن "ذ فرع" و "ذا جبي" "ذا جبو"، لا يمثلان شهرين من شهور السنة، وإنما يمثلان وقتاً من أوقات العمل والزرع، بالمصطلح المستعمل الان في العربية الجنوبية، أي جزءين من "28" جزءاً من أجزاء السنة. وذهب "بيستن" إلى احتمال تقسيم العرب الجنوبيين للشهر إلى ثلاثة أقسام، يتكون كل قسم منها من عشرة أيام.

ويرى "رودوكناكس" أن سنة العمل عند القبائل تبدأ باليوم الأول من شهر "ذ فرعم" "ذو فرعم" "ذو الفرع"، وتمتد إلى اليوم السادس من "ذ فقحو"، ويرى أن السنة عند الفلاحين، تتكون من "365" يوماً، أما الأيام الباقية وهي ما بين "5" و "6"، فتضاف إلى أحد الأشهر وتأخذ اسمه، فتكون السنة بهذا العمل سنة شمسية كاملة. ويحتفل الفلاحون عند انتهاء تقويمهم الزراعي بانتهاء السنة، حيث يعيدون عيداً يسمونه "صب"، "مصوب"، ويعد شهر "فرعم" الشهر الأول من السنة الزراعية، حيث تزهر الأشجار، وتظهر الأوراق. وتختلف هذه السنة عن سني التقويم الرسمي الذي تسير عليه الحكومة في جباية استحقاقها من حاصل الزرع.

والإهلال هو المبدأ الذي سار عليه الجاهليون في تعيين أوائل الشهور. فإذا اختفى القمر في آخر الشهر ولم يظهر، خرجوا لمراقبة الهلال وتثبيت مبدأ الشهر.

وقد كانوا يعدون الرؤية من الحوادث المؤثرة في حياة الشخص. من حيث جلب النحس والسعادة للمستهل. ولهذا كانوا ينظرون إلى المناظر الجميلة حين الاستهلال، لاعتقادهم أن ذلك يجلب لهم البركة والخير. والشهر كما جاء في الحديث: "مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين"، أي يوماً.

ويعبر عن الشهر بلفظة "ورخ" في العربيات الجنوبية. والجمع "اورخم" "اورخ". ولفظة "ورخ" تعني القمر في عربية القرآن الكريم. وهي من الألفاظ السامية القديمة، وتؤدي معنى "ارخ" وتأريخ أيضاً. فكان العرب الجنوبيون إذا أرادوا التأريخ بالأشهر، قالوا: "ورخ كذا 000"، اي "شهر كذا...". والتوريخ بالشهور لا يعني أن العرب الجنوبيين أو غيرهم من العرب، كانوا لا يؤرخون إلا بالتقويم القمري، وانهم لم يكونوا يستعملون غير هذا التقويم. فقد كان غيرهم يؤرخون بالشهور القمرية كذلك، وكانوا مع ذلك يؤرخون بالتقويم الشمسي، أو بالتقويمين.

ولا تعني لفظة "ورخ" التي هي "الشهر" أن العرب الجنوبيين كانوا يتبعون تقويماً قمرياً، بسبب أن لفظة "ورخ" تعني "قمر" في الأصل، فالانكليز يستعلمون لفظة Month بمعنى الشهر، وهي من أصل Moon أي القمر، ومع ذلك فإن شهورهم شمسية، ولفظة "الشهر" نستعملها في عربيتنا، هي في معنى "ورخ" في الأصل. فالشهر: القمر، والهلال. أي مرادف "ورخ" تماماً. وقد سمي الشهر به، لأنهم كانوا يوقتون به، فالمدة التي تمضي بين هلال وهلال جديد، هي شهر. نسي المعنى الأصلي للكلمة، وبقي الاصطلاح ومن ذلك قولهم: أشهروا، بمعنى أتى عليهم شهر، وشاهره مشاهرة وشهاراً، استأجره للشهر.

ووردت لفظة "شهر" بمعنى هلال في العربيات الجنوبية، و ذلك كما في هذه الجملة: "بيوم شهرم ويوم ثنيم ذنم"، أي "بيوم الهلال، وبيوم المطر الثاني"، أو بعبارة أخرى "يوم الاهلال، وزمان سقوط المطر الثاني".

وقد وردت في كتابات المسند أسماء عدد من الاشهر، يتبين من دراستها إن بعضها وارد في نصوص لهجتين مثل معين وسبأ، ولهجة سبأ وقتبان،مما يدل على أنها كانت مشتركة و مستعملة عند المعينيين والسبئيين، أو عند السبئيين والقتبانيين. ولكن الأغلب انفراد كل لهجة بتسمية شهر، بدليل ما نجده في كتابات كل لهجة من اللهجات التي نعرفها من أسماء أشهر لا ترد في الكتابات الأخرى. ومن الأشهر المشتركة التي ورد اسمها في كتابات سبئية ومعينية، شهر "ذ دثا" وشهر "ذ سحر" وقد ورد اسمه فى كتابات سبئية وقتبانية، و "ذ ابهى" "ذ ابهو"، وقد ورد في كتابات معينية وسبئية وقتبانية كذلك.

وعثر على أسماء هذه الشهور في النصوص المعينية: "ذ ابهى" "ذو أبهى"، و "ذ ابرهن"، و "ذ أثرت"، "ذا عثيرة"، و "دثا"، و "ذ حضر"، و "ذ طنفت" " و "ذ نور"، و "ذ سمع"، و "ذ شمس". ومن الشهور الواردة في كتابات السبئيين المتقدمة: "ورخ ذا بهي"، أي شهر ذو أبهى، و "ورخ ذ ودنم"، و "ورخ دثا"، "ذ دثا"، و "ورخ ذ نيلم"، و "ورخ ذ نسور"، و "ورخ ذ سحر"، و"ورخ ذ فلسم"، و "ورخ ذ قيضن"، و "ورخ صربن"، و "ورخ صر"، و "ورخ ذ الالت"، و "ملت"، و "ذ عثتر"، و "ذ موصبم"، و "ذ مخضدم". وشهور أخرى.

أما الشهور: "ورخن ذ الالت"، و "ورخ ذ داون" و "ورخو ذ حجتن" و "ورخ ذ خرف" و "ورخو ذو مذران" و "ورخن ذ مهلتن" و "ورخن ذ محجتن" و "ورخ ذ معن" و "ورخ ذ صربن" و "ورخو ذ قيضن" و "ورخ ذ ثبتن"، فإنها من الشهور الواردة في الكتابات السبئية المتأخرة.

ويظهر من اسم الشهر "ورخن ذ الالت" "ذ ا ل ا ل ت"، و "ورخن ذ حجتن"، أن لهما صلة بالحياة الدينية عندهم. فورخن ذ الالت معناه شهر الآلهة. فالظاهر أنه شهر خصص بالآلهة، كانوا يتقربون فيه إليها بالنذور مثلاً أو العبادة. فهو شهر مقدس، ربما يكون مثل شهر "رمضان" في الإسلام. وأما "ورخن ذ حجتن"، فمعناه "شهر الحج"، فهو شهر يحج فيه إلى الأصنام، على نحو "شهر ذي الحجة" في الإسلام.

" أما الشهور القتبانية التي وردت أسماؤها في كتاباتهم، فهي: "ورخس ذ ابهو" و "ورخس ذ برم" و "ورخس ذ بشمم" و "ورخس ذ مسلعت" و "ورخس ذ سحر" و "ورخس ذ عم" و "ورخس ذ تمنع" و"ورخس ذ فرعم"، و "ورخ ذ فقهو". ويلاحظ أن اللهجة القتبانية تضع حرف "و" في نهاية "ابهى" "فقهى"، فتقول: "ذ ابهو"، و"ذ فقهو" بدلاً من "ذ ابهى" و "ذ فقهى" كما هو الحال في اللهجات الأخرى، مما يدل على إن هذا الحرف، هو من خصائص، هذه اللهجة.

وذكر "بيستن" أن الكتابات الحضرمية لم تذكر من أسماء الشهور إلا اسم شهر واحد، هو "ورخس ذ صيد".

ويلاحظ ورود لفظتي "قد من" و "اخرن" مع أسماء بعض الأشهر كما في هذه الجمل: "ورخ ذ نسور قد من" و "ورخ ذ نسور اخرن"، و "ورخس ذ برم قد من"، و "ذ برم اخرن". ومعناها: "شهر ذو نسور الأول" و "شهر ذو نسور الثاني" و "ذو نسور الاخر"، و "شهر ذو برم الأول" و "شهر ذو برم الآخر". و ذلك إن لفظة: "قد من" تعني "الأقدم" و "الأول". وأما "اخرن"، فتعني "المتأخر والثاني والاخر". و ذلك كما نفعل نحن اليوم إذ نقول "شهر ربيع الأول" و "شهر ربيع الآخر" و "جمادى الأولى" و "جمادى الآخرة" في التقويم الهجري، و "كانون الأول" و "كانون الثاني" في التقويم الميلادي.

ويتبين من استعمال اللفظتين المذكورتين أن بعض العرب الجنوبيين، ويجوز أن يكونوا كلهم، كانوا كالعرب الشماليين ومثل بعض الساميين، قد استعملوا اسماً واحداً لشهرين، وللتفريق بينهما أطلقوا لفظة "قد من" بعد اسم الشهر الأول، لتمييزه عن سميّه الشهر التالي له، ولفظة "اخرن" أي المتأخر والتالي أو الثاني بعد اسم الشهر الثاني لتمييزه عن الأول المتقدم عليه.

ويظن أن شهر "ذ برم اخرن"، "ذ برم الآخر" "ذ برم التالي" أو "الثاني" إنما هو من شهور "الكبس"، ولهذا فهو لا يكون في كل سنة، بل في السنين المكبوسة فقط.

ويظهر من دراسة بعض الأسماء أن لبعضها معاني ذات علاقة بالجو، ولبعض آخر علاقة بالحياة الدينية أو بالناحية الزراعية. ومن النوع الأول: "ذ دثا"، "ذو دثا" وله معنى الربيع، وهو مثل شهر "ربيع الأول" أو "ربيع الاخر" في التقويم الهجري. ف "دثا" هو الربيع في المسند. وأما شهر "ذ خرف" فإن له صلة بموسم الخريف، وقد يكون من شهور هذا الموسم. و "خرف" بمعنى "الخريف" الموسم المعروف بلغتنا، وبمعنى سنة. وأما شهر "ذ قيضن" فإنه من أشهر القيظ، والقيظ هو الحرّ، فهو شهر من أشهر الصيف، و "القيض"، بمعنى الصيف كذلك، والموسم الذي تنضج اثمار الصيف فيه.

ومن الشهور التي لها علاقة بالزراعة، شهر "ذ مذرن"، "ذ مذران" "ذو مذران"، ومعناه شهر البذر، ولعله دعي بذلك لأن الزرّاع كانوا يبذرون بذورهم للزرع فيه. وشهر "ذ صربن"، "ذو صربن". وهو من أشهر الخريف، قد يكون في أوله وقد يكون في أواخره، أي في ابتداء الشتاء، وهو يقابل شهر "صراب".ن الأشهر المستعملة في العربية الجنوبية في أيامنا هذه. و "صربن" "صراب"، بمعنى أثمار الخريف وحاصل الخريف، أي غلة الخريف.

ويرى بعض الباحثين أن لشهر "ذ ثبتن" علاقة بالزراعة كذلك، وأنه يعني الشهر الذي تتهاطل فيه الأمطار، وتجمع فيه السيول لخزنها في السدود، وأن لشهر "ذ مهلتن" علاقة بالزراعة كذلك، وأن في معناه "المهلة" أي التأخير في عمليات الزرع أو جمع الحاصل.

ويظن أن للشهرين "ذ دونم" "ذ دنم" و "ذ نيلم" علاقة بالزراعة كذلك. وقد ذهب بض الباحثين إلى أن معنى "دونم" "دينم" الدين، وأن المراد بها الشهر الذي تجمع فيه ديوان المعبد. أي ضرائب المعبد. وذهب بعض آخر إلى أن اللفظة من أصل "دون"، ومعناها الإرواء والإسقاء، وأن لهذا الشهر علاقة اذن بشؤون الري. وأما "ذ نيلم"، فإنه شهر حصاد الغلات وجمع الحبوب.

ومن الشهور التي لها علاقة بالحياة الدينية، "ذ عثتر" و "ذ الالت" و "ذ حجتن" و "ذ محجتن" و "ذ شمسى" وغيرها. وشهر "ذو عثتر" منسوب إلى الإله "عثتر". وأما "ذ الالت"، فبينّ الدلالة على المعنى الديني كذلك. فإنه يعني شهر الآلهة. وأما "ذ حجتن" و "ذ محجتن"، فهو مثل شهر "ذى الحجة في التقويم الهجري وفي معناه. وأما "ذ شمسى" "ذو شمس" فيجوز أن يكون نسبة إلى الآلهة الشمس من الناحية الدينية، ويجوز أن يكون نسبة إلى الشمس من ناحية تأثرها في الجو، أي من ناحية تأثير حرارة أشعتها في الناس وفي المزروعات. و ذلك بكونه من اشد الشهور حراً، فيكون هذا الشهر بذلك من أشهر الصيف.

ويفهم من جملة: "ورخ ذ هبس وعثتر"، أن هناك شهراً اسمه شهر "هوبس وعثتر"، أو شهراً اسمه "هوبس"، نسبة إلى الإله "هوبس" وشهراً آخر اسمه "عثتر"، نسبة إلى الإله "عثتر". وورد اسم الشهر "ورخ ذ عثتر" في جملة نصوص.

والأشهر التي لها صلة بالحياة الدينية، هي: "شهر الآلهة" "ورخ ذ ال الت" "ذ الالت"، و "شهر ذ حجتن"، "ورخ ذ حجتن"، و "شهر ذ محجتن"، "ورخ دمحجتن"، أي شهر المحجة. ويصعب في الوقت الحاضر علينا تثبيت أوقات هذه الأشهر المقدسة بالنسبة للمواسم ولترتيب الشهور، لعدم وجود أدلة يمكن أن نستخرجها من النصوص لتثبيت زمن الحج عندهم مثلاً، أو زمن الشهر المخصص للآلهة.

ونجد أسماء بعض الشهور مثل: "ذ سمع" " تمثل صفة من صفات الآلهة.

ف "ذ سمع" يعني "ذو السمع"، فالآلهة تسمع الناس وتجيب دعواتهم. كما في أسماء شهور أخرى تشير إلى أمور دينية وطقوس. مثل شهر "ذ حضر"، فإنه شهر الأضاحي، من "حضر" بمعنى ضحى، أي ذبح ذبيحة للآلهة، ومثل شهر "ابر"، ومعناه "شهر حرق البخور"، أو تقديم النذور، أو النذور التي تقدم لمحارق الآلهة. وربما أدى اسم شهر "ذ نور" هذا المعنى أيضاً، ف "نور" بمعنى نار. فيكون المعنى شهر النيران.

وقد ورد اسم الشهر "ورخ ذ ملت"، "ورخ ذ مليت" في عدد من النصوص. وهو من الأشهر التي لها صلة بموسم الزرع والمواسم. وهذه الأشهر هي: "ذ دثا"، و "ذ ملت" "ذ مليت"، و "ذ قيضن"، و "ذ دنم" "ذ دونم"، و "ذ نيلم".

ومن الشهور الواردة في نصوص "هرم"، شهر "ذ سلام" "ورخ ذ س ل ا م".

وهناك احتمال بأن: "ذ مو ص ب م"، و "ذ عثتر"، و "ذ مخضدم"، هي أسماء شهور كذلك. وقد ورد: "حين ذ مخضدم قد متن"، مما يدل على أن اسم هذا الشهر هو مؤنث، وهو الشهر الأول، لوجود لفظة "قدمتن" وأن هنالك شهراً آخر، يمكن تسميته ب "حين مخضدم الثاني".

ويظهر من أسماء هذه الشهور المتقدمة، أن العرب الجنوبيين، كانوا يسمون بعض أشهرهم بما يقع فيها من حوادث مهمة، مثل موسم جمع الديون أو التعبد للآلهة أو لإله معين، أو للحج إلى المعابد، أو بالظواهر الطبيعية التي تمتاز بها مثل الحر أو البرد، أو بموسم الصيد.

وقد حاول "بيستن" تثبيت بعض شهور العرب الجنوبيين بالنسبة إلى المواسم وإلى الأشهر المستعملة في الوقت الحاضر، فذهب إلى أن شهر "ذ ثبتن" قد يكون هو شهر آذار أو شهر نيسان، وأن شهر "ذ قيضن"، أي شهر القيظ، بمعنى الحر، الذي يقابل "رمضان" قد يكون شهر "مايس" أو حزيران، وأن شهري "ذ خرف"، و "ذ مذرن" قد يكونا تموز إلى ايلول، وان شهر "ذ داون"، قد يكون شهر "اكتوبر" "تشرين الأول"، وأن شهر "ذ صربن" قد يكون شهر "نوفمبر" "تشرين الثاني"، وأن شهر "ذ معن" قد يقابل شهر "دسمبر"، أي "كانون الأول".

وليس في امكاننا في الزمن الحاضر وضع تقاويم ثابتة كاملة للشهور في العربية الجنوبية. نعم، يمكننا تثبيت بعضها استناداً الى معاني أسمائها كما رأينا ذلك فيما تقدم، و ذلك بأن نجعل الشهر الفلاني في الفصل الفلاني من فصول السنة مثلاً. ولكننا عاجزون عن ترتيب تلك الشهور الإثني عشر ترتيباً زمنياً صحيحاً لنقص في علمنا بالشهور. ومن أجل الوصول الى ذلك، لا بد من أن نتريث حتى  

تتهيأ لنا نصوص كثيرة جديدة، قد تكون من بينها نصوص فلكية، أو نصوص أخرى ترد فيها أسماء شهور جديدة، وأسماء شهور مرتبة ترتيباً زمنياً يساعدنا على ترتيبها وتنظيمها في تقاويم منتظمة لمختلف القبائل العربية الجنوبية ودويلاتها. ولا بد لي هنا من الإشارة إلى وجوب الاستعانة بالتقاويم المستعملة عند بقية الساميين وعند القبائل العربية الشمالية وعند القبائل الإفريقية التي كانت لها صلات بالعرب الجنوبيين، لمطابقة شهورها على شهور التقاويم العربية الجنوبية وتثبيتها عندئذ على هذا الأساس.

ولم ترد في كتابات المسند أسماء الشهور المستعملة عند الشعوب السامية الشمالية، وهي: نيسان و مايس وحزيران وتموز وآب.وايلول وتشرين الأول وتشرين الثاني وكانون الأول وكانون الثاني وشباط وآذار.

ويظهر أن سنة العرب الجنوبيين، كانت تتكون من "360" يوماً، مقسمة على اثني عشر شهراً، ولأجل جعل هذه السنة سنة طبيعية كاملة، متفقة مع الدورة السنوية الحقيقية للأرض، كانوا يعالجون ذلك بالكبس. إما بكبس بقية الأيام على السنة نفسها، ويتم ذلك في كل سنة، وإما بإضافة شهر إضافي على التقويم في نهاية كل ثلاث سنين.

وربما يدل اسم الشهر "ذ برم اخرن"، "ذو برم الاخر"، وهو من شهور قتبان، على انه شهر كبس، يضاف إلى سنة الكبس لتكون سنة شمسية تامة. وربما أدى اسم الشهر: "ذ نسور اخرن"، وهو من شهور السبئيين هذا المعنى كذلك. وهناك شهر اسمه "بين خرفنهن" اي "بين الشهرين"، ربما يدل على الكبس، واضافة شهر بين الشهرين، لتكون السنة كاملة، أي كبس شهر على السنة الاعتيادية، فتكون عدتها ثلاثة عشر شهراً، و ذلك بعد السنين اللازمة، لإصلاح التقويم، حتى يكون مطابقاً لدورة الأرض حول الشمس. وقد كان العبرانيون يضيفون شهراً على تقويمهم بسبب أن الشهور الاثني عشر القمرية لم تكن إلا "354" يوماً وست ساعات، فنقصت بذلك السنة اليهودية. أحد عشر يوماً عن الرومانية، ولسبب ذلك أدخل اليهود شهراً ثالث عشر كل ثلاث سنوات، سموّه "فيادارا"، أي "آذار الثاني"، وهكذا جعلوا طول السنة القمرية يعادل الشمسية تقريباً.

وقد ورد في النصوص اللحيانية اسم "منر" يظهر أنه اسم شهر، يقال له "منر"، أي "منير". واسم آخر هو "سمر"، يظهر انه اسم شهر كذلك.

أما النصوص العربية الشمالية، فهي بخيلة كل البخل في ايراد أسماء الشهور، فلم يرد في النصوص العربية الخمسة المدوّنة بعربية قريبة من عربية القرآن الكريم من أسماء الشهور، إلا اسم شهر واحد، هو "كسلول". وقد ورد اسمه في "نص النمارة". ويقابل هذا الشهر، كانون الأول. ويدل استعمال النص لهذه التسمية على أن العرب الشماليين، كانوا يستعملون التقويم البابلي في التأريخ.

و "كسلول"، هو الشهر التاسع من الشهور المتداولة في العراق وفي بلاد الشام. وأصله "كسلو"، وهو بابلي. وهذه الشهور هي: نيسان، وزيو، وسيوان، وتموز، وآب، و ايلول، و ايثانيم، و بول، وكسلو، وطيبيت، وشباط، وآذار. وهي الشهور المقدسة عند العبرانيين. ويقال لشهر نيسان شهر "أبيب"، و لشهر "زيف" "أيارا"، و أما "سيوان" فهو "سيوان" وتموز هو تموز، وآب هو آب، وأما أيلول فهو أيلول، وأما ايثانيم فهو تشرى "تسرى" و "تشريتو"، وأما "بول" فهو مرشوان، وكسلو هو "كسلو"، و "طيبت" هو "تبت"، ويسمى ب "تمطرو" أيضاً. وأما "شباط" فهو "سبت" "شبات"، وأما "اذار" فهو آذار.

وقد ذكر الأخباريون أسماء أشهر ترك استعمالها في الإسلام، ذكروا انها كانت مستعملة عند قدماء الجاهلية، وهم العرب العاربة، كما ذكروا أسماء شهور قالوا انها كانت أسماء الشهور عند ثمود، وأسماء شهور قالوا انها الشهور التي كان يستعملها العرب عند ظهور الإسلام.

أما الشهور التي زعموا انها كانت شهور العرب العاربة، فهي: المؤتمر، وقد زعموا انه في مقابل المحرم، وناجر، وهو في موضع صفر، وخوّان "وروي حوّان" ويقابل ربيعاً الأول، ووبصان "ويقال صوان وبصان"، وهو في مقابل ربيع الآخر، والحنين أو شيبان، وهو جمادى الأولى، وملحان وهو  

جمادى الآخرة: والأصم، وهو شهر رجب، وعاذل "عادل"، وهو شعبان، وناتق، وهو شهر رمضان، ووعل وهو شوّال، ورنة، وهو ذو القعدة، وبرك وهو ذو الحجة. وذكر بعضهم أن خوّاناً اسم يوم من أيام الأسبوع، وأن شيبان اسم كانون الأول، وأن ملحاناً أو كانون الثاني. وهذا الترتيب الذي ذكرته هو كما جاء في رواية ابن سيدة.

و ذكر الفرّاء أن من العرب من سمىّ المحرم المؤتمر، وصفر ناجراً، وربيع الأول خواناً، وربيع الاخر بصان أو بصان أو بوصان، وجمادى الأولى الحنين، وجمادى الآخرة ورنة "ورنى"، ورجب الأصم، وشعبان وعلاً، ورمضان ناتقاً، وشوال عاذلاً، وذو القعدة هُواعا، و ذ الحجة بركا. وذكرها غيره على هذا النحو: المؤتمر وهو المحرم، وناجر وهو صفر. وخوّان، وهو ربيع الأول، ووبصان وهو ربيع الآخر، وحنين وهو جمادى الأول. وربي وربة لجمادى الآخرة. والأصم وهو رجب. وعادل وهو شعبان وناتق وهو رمضان. ووعل وهو شوال، وورنة وهو ذو القعدة، وبرك وهو ذو الحجة.

ورتب المسعودي أسماء الشهور الجاهلية على هذا النحو: ناتق، وثقيل، و طليق، وناجر، و سماح "أسلخ"، و أمنح "أميح"، وأحلك، و كسع، وزاهر، وبرط، وحرف، ونعس. وجعلها فيَ مقابل المحرم، وصفر، فبقية الشهور. وذكر أن "نعساً" هو ذو الحجة.

ورتبها البيروني على هذا النحو: المؤتمر، وناجر، وخوّان "حوّان"، وصوان، وحنتم أو حنين، وزبّاء، والأصم،و عادل، ونافق، و واغل، و هواع أو رنة، وبرُّك.

ورتبها آخرون على هذا النحو: مؤتمر، وناجر، وحوّان "بالحاء المهملة والحاء المعجمة"، وصوان ولقال فيه وبصان، ورُ بى، وأيدة، والأصم، وعادل، وناطل، وواغل، وورنة، وبرك. أو على هذا النحو: ناتق، و نقيل، وطليق، و اسنح، وانخ، وحلك، وكسح، وزاهر، ونوط، وحرف، و يغش.

وذكرها بعض آخر على هذا النحو: مؤتمر، وناجر، وخوّان، وصوان، أو "و بصان"، و "حنين" و رُ بيّ، وأيدة، والأمم، و عادل، و ناطل، و واغل، و ور نة، وبرك، أو هي: ناتق، و نقيل، وطليق، وأسنح، وأنخ، وحلك، وكسح، و زاهر، ونوط، وحرف، ويغش. و هناك من يقول: مؤتمر، وناجر، وخدان، وصوان، وحنتم، وزبا، والأصم، وعادل، وناقق، و واغل، وهواع، و برك، وما شاكل ذلك. وهناك آراء أخرى في ترتيب هذه الشهور وفي ضبط هذه الاْسماء.

وذكر علماء اللغة أن الخالص من الشتاء عند العرب شهران، يطلقون عليهما "قماحاً"، و يقال للشهرين: ملحان وشيبان.

ويسموّن شهري القيظ الذي يخلص فيهما حرّه، شهري ناجر، وذكر أنهما: وقدة و عكان. وهذان الشهران هما بيضة الصيف.

وذكر علماء اللغة كذلك، أن شهرا "قماح" شهرا الكانون لأنهما يكره فيهما شرب الماء الا على ثفل. قال مالك بن خالد الهذلي: فتى ما ابن الأغر" إذا شتونـا  وحب الزاد في شهري فماحْ

و "ملحان" اسم شهر جمادى الآخرة، سمي بذلك لابيضاضه، قال الكميتَ: إذا أمست الآفاق حمراً جنوبها  لشيبان أو ملحان واليوم أشهب

شيبان جمادى الأولى، وقيل كانون الأول، وملحان كانون الثاني. وورد أن "شيبان" شهر فيه برد وغيم وصراد، و "قماح" أشد الشهور برداً. وهما اللذان يقول من لا يعرفهما كانون الأول وكانون الثاني.

ويتبين من البيت المنسوب إلى "الكميت" انهما كانا معروفين في أيامه.

وأما شهور ثمود على حد زعم الأخباربين، فهي: موجب، وموجر، ومور "مورد"، وملزم، ومصدر، و هوبر، و هوبل، و موها، و ذيمر "ديمر"، ودابر "دابل"، وحيقل، ومسيل "مسل". وضبطها بعض اخر على هذا النحو: موجب: وموجز، ومورد، وملزج، ومصدر، وهوبر، و مويل، وموهب، وذيمر، و جيقل، و محلس، و مسبل وموجب هو المحرم وموجر هو صفر. ويذكرون انهم كانوا يبدأون في تقويمهم بذيمر، وهو شهر رمضان، فيكون أول شهور السنة عندهم.

وذكر أن "مصمْدَر" من أسماء جمادى الأولى.

ونحن لا نستطيع في الوقت الحاضر التأكيد على أن هذه الشهرر، هي شهور "ثمود"، كما لا نريد أن نقف منها موقفأَ سلبياً، فنقول إنها من مخترعات أهل الأخبار، وضعوها على لسانهم وضعاً. وعندي أن من الخير لنا في الوقت الحاضر وجوب البحث عن كتابات ثمودية علنا نجد فيها أسماء أشهرهم.

أما الشهور التي ذكر الأخباريون أنها كانت مستعملة عند العرب حين ظهور الإسلام، فهي: المحرم، وصفر، وربيع الأول، وربيع الثاني، وجمادى الأولى،وجمادى الآخرة، ورجب، وشعبان، ورمضان وشوال، وذو القعدة، وذو الحجة. زعموا أن أسماءها وضعت على هذه الصورة باتفاق حال وقعت في كل شهر منها، فسمي الشهر بها عند ابتداء الوضع. وذكروا التعليل الذي رووه عن كل تسمية. وذكروا أيضاً أن أول من سماها بهذه الأسماء هو كلاب بن مرّة. ومن هذه الشهور أربعة حرم لا يجوز فيها غزو ولا قتال. قال "الطبري": "وكان المشركون يسمون الأشهر: ذو الحجة، والمحرم، وصفر، وربيع، و ربيع، وجمادى، وجمادى، و رجب، و شعبان، و رمضان، وشوال، وذو القعدة.

ويذكر الأخباريون إن الاسم القديم للمحرم هو صفر،وانه كان يعرف عندهم ب "صفر الأول"، ثم قيل له "المحرم". وقد عرف الشهران: المحرم وصفر لذلك ب "الصفرين". ويظن إن هذه التسمية الجديدة: أي المحرم لصفر الأول انما ظهرت في الإسلام. وذهب بعض علماء اللغة إلى أن لفظة "موجب" هي الاسم العادي للمحرم. أي التسّمية القديمة لهذا الشهر عند قدماء العرب، فلفظة "محرم" اذن، لم تكن تسمية لذلك الشهر، وانما كانت صفة له لحرمته، ثم غلبت عليه َفصارت بنزلة الاسم العلم عليه. وأما اسمه عند الجاهليين، فهو: صفر، أي صفر الأول، تمييزاً له عن صفر الثاني، الذي اختص بهذه التسمية أي "صفر" بعد تغلب لفظة "المحرم" على صفر الأول.

بحيث صار لا يعرف إلا به، فصار صفر لا يعرف بعد ذلك إلا ب "صفر".

وقد تغلبت لفظة "محرم" عليه، لأنه شهر من الأشهر الحرم، فهو "صفر" المحرم، تمييزاً له عن "صفر" الثاني، الذي لم يكن من الأشهر الحرم. ثم غلب المحرم عليه، وماتت لفظة صفر منه. قال "السخاوي": "إن المحرم سمي بذلك لكونه شهراً محرماً، وعندي انه سمي بذلك تأكيداً لتحريمه، لأن العرب كانت تتقلب به فتحله عاماً وتحرمه عاماً".

وذكر أن المحرم لم يكن معروفاً في الجاهلية، "وإنما كان يقال له ولصفر الصفرين، وكان أول الصفرين من أشهر الحرم، فكانت العربُ تارهَ تحرّمه، وتارة تقاتل فيه، وتحرم صفر الثاني مكانه"، "فلما جاء الإسلام، وأبطل ما كانوا يفعلونه من النسيء، سماه النبى صلى الله عليه وسلم، شهر الله المحرم".

ويتبين من دراسة أسماء هذه الشهور أن منها ما هو تكرار للاسم الواحد،وهي ربيع الأول وربيع الثاني وجمادى الأولى وجمادى الآخرة، ومجموعها أربعة أشهر، فهي ثلث السنة إذن. وتقع في انصف الأول من السنهّ وعلى التوالي، تليها أشهر مفردة، ثم شهران يبتدىء اسماها المركبان بكلمة "ذو"، وهما: ذو العقدة وذو الحجة، وهما آخر شهور السنة. وإذا صحت رواية من قال إن الأسم القديم للمحرم هو صفر الأول كانت الأشهر المكونة للنصف الأول من السنهّ أشهراً مزدوجة تتألف من ثلاثة ازواج، هي: صفران ورَبيعان وجماديان.

وإذا درسنا أسماء هذه الشهور الجاهلية التي ذكرها أهل الأخبار، وجدنا أنها لا تشبه أسماء الشهور البابلية ولا الشهور السريانية والعبرانية. وهي لا تشبه كذلك أسماء الشهور الواردة في المسند. فليس في الذي بين أيدينا من أسماء للشهور العربية الجنوبية علىَ اختلافها ما يشبه هذه الشهور.

وقد انتبه علماء العربية إلى أن أسماء بعض الأشهر التي استعملت في الإسلام، مثل رمضان، لا تنطبق مع المعاني التي يفهم منها، فرمضان من الرمض، وهو الحر الشديد، مما يدل على انه من أشهر الصيف، بينما هو شهر متنقل، يأتي في كل المواسم، فلجأوا إلى تعليل مصطنع، على عادتهم عند وقوفهم على اسم لا يعرفون عن أصله شيئاً، فقالوا: "يقال انهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموّها بالأزمنة التي وقعت فيها، فوافق شهر رمضان أيام رمض الحر، فسمي بذلك"، ولم يعرفوا أن ذلك بسبب اتباع الإسلام التقويم القمري، مما دعا إلى تحرك الشهور وتنقلها في الفصول، لكون الشهور القمرية غير ثابتة على نمط الشهور الشمسية.

ويبدأ الجاهليون بالمحرم، فهو أول السنة عندهم، وهو أيضاً الشهر الأول من شهور السنة الهجرية في الإسلام. وأرى إن اتخاذ المسلمين للمحرم، مبدءاً للسنة الأولى من الهجرة، وجله الشهر الأول من التقويم الهجري، هو من الأمور التي أبقاها الإسلام من أمور الجاهلية، لأن هجرة الرسول إلى المدينة لم تكن في شهر "محرم" حتى نقول إن المسلمين جعلوا "المحرم" الشهر الأول من السنة الهجرية، لهذه المناسبة، إذ كانت الهجرة في شهر ربيع الاول، وارخ بها، لذلك يكون الابتداء بشر محرم، هو اقرار لما كان عليه الجاهليون من ابتدائهم ب "محرم"، مبدءاً لشهور السنة. وقد قيل إن وصوله المدينة كان يوم الاثنين الثامن من ربيع الاول، وقيل اثنتي عشرة منه، وقيل دخل لهلال ربيع الاول، وقيل غير ذلك.

وقد أورد العلماء شروحاً وتفسيرات لمعاني الشهور المتقدمة الجاهلية، والشهور التي استعملت في الإسلام واقترنت بالتقويم الهجري. فذكروا مثلا" أن المؤتمر معناه أن يأتمر بكل شيء مما تأتى به السنة من أقضيتها، وناجر من النجر، وهو شدة الحر، وخوان من الخيانة، وصوان من الصيانة، والزباء بمعنى الداهية العظيمة المتكاثفة سمي بذلك لكثرة القتال فيه وتكاثفه، والبائدُ سمي لأنه كان يبيد فيه كثير من الناس، وكانوا يستعجلون فيه ويتوخون بلوغ ما كان لهم من الثأر والغارات قبل دخول شهر رجب وهو شهر حرام، والأصم لأنهم كانوا يكفون فيه عن القتال فلا يسمع فيه صوت سلاح، والواغل الداخل على شراب ولم يدعوه، و ذلك لهجومه على شهر رمضان، وكان يكثر في رمضان شربهم للخمر، لأن ما يتلوه شهور الحج، وناطل مكيال للخمر، سمي لإفراطهم في الشرب وكثرة استعمالهم لذلك المكيال، والعادل من العدل، لأنه من أشهر الحج، وكانوا يشتغلون فيه عن الناطل، والرنة كانت الأنعام ترن فيه لقرب النحر، وبرك سمي لبروك الإبل إذا أحضرت المنحر.

وعللوا تسمية المحرم بهذا الاسم، لكونه من جملة الحرم، وصفر بالأسواق التي كانت باليمن تسمى الصفرية، وشهري الربيع للزهر والأنوار وتواتر الأندية والأمطار، وهو نسبة إلى طبع الفصل الذي نسميه نحن الخريف، وكانوا يسمونه ربيعاً، وشهري جمادى لجمود الماء فيهما، ورجب لاعتمادهم الحركة فيه، لا من جهة القتال، أو لخوفهم إياه، يقال: رجبت الشيء، إذا خفته، وشعبان لتشعب القبائل فيه، ورمضان للحجارة ترمض فيه من شدة الحر، وشوّال لارتفاع الحرّ وادباره، وذي القعدة للزومهم منازلهم، وفي الحجة لحجهم فيه. وعلل بعضهم تسمية الاشهر بقوله: سمي المحرم محرماً تأكيدأَ لتحريمه، لأن العرب كانت تتقلب به، فتحله عاماً وتحرمه عاماً، وسمي صفر بذلك، لخلو بيوتهم منهم حين يخرجون للقتال والأسفار، وشهر ربيع الاول، سمي بذلك، لارتباعهم فيه، وآلارتباع الاقامة في عمارة الربع، وربيع الآخر كالاول. وجمادى: سمي بذلك لجمود الماء فيه، ورجب من الرجيب، وهو التعظيم. وشعبان من تشعب القبائل وتفرقها للغارة. ورمضان من شدة الرمضاء، وهو الحر. وشوال من شالت الإبل بأذنابها للطراق، وذو القعدة، لقعودهم فيه عن القتال والترحال، وذو الحجة. لايقاعهم الحج فيه.

ويظهر من تفسير أسماء بعض الاشهر وتعليلها إن لتسمياتها علاقة يالمواسم وبالعوارض الطبيعية الجوية مثل البرد والحر والاعتدال في الجو، وأن مسمياتها، أي الشهور المسماة بها، كانت شهوراً ثابتة في الاصل، وإلا فلا يعقل تفسيرها وشهورها وتسميه بغير هذا التفسير. فكيف يسمى رمضان رمضان مثلا لرمض الحجارة من شدة الحر فيه، إن لم يكن ثابتاً وشهراً من أشهر الصيف الحارة ? وكيف يسمى جمادى بجمادى لجمود الماء فيه، إن لم يكن هو و الشهر التالي له والمسمى بجمادى الآخرة ثابتين، ومن أشهر الشتاء? وهكذا يجب أن يقال عن بقية الشهور، وإلا لم يصح ما قيل فيها من التفاسير. وقد فطن "المسعودي" إلى ذلك فقال: "وجمادى، لجمود الماء فيهما في الزمان الذي سميت به هذه الشهور، لأنهم لم يعلموا أن الحر والبرد يدوران فتنتقل أوقات ذلك". فأدرك إن شهور العرب في الجاهلية كانت أشهراً تمثل ظواهر طبيعية مثل الحرارة والبرودة في ألاصل" لكنه لما وجد -كما وجد غيره أيضاً- أن أوقات الشهور هي متغيرة، بحيث لا تستقر على قرار في المواسم، ذهب إلى أن الجاهليين لم يكن لهم علم بأن الحر والبرد يدوران، مع انهم كانوا على علم تام بذلك، فكانت أشهرهم ثابتة، ولم يفطن المسعودي إلى ذلك، لأنه أخذ حكمه من الوضع الذي كانت عليه الاشهر في الإسلام، ولم يفطن إلى أن إبطال النسيء في الإسلام، هو الذي أطلق هذه الحرية للاشهر فصارت تدور بحرية وتدخل في كل المواسم، ولم تتقيد بالوقت الذيَ خصصت به. ولما تكلم "المسعودي" عن الشهور قال: " شهور الروم مرسرمة على فصول السنة دون شهور العرب: وشهور العرب ليست مرتبة على فصول السنة ولا على حساب سنة الشمس، بل المحرم وغيره من الشهور العربية قد يقع تارة في الربيع وتارة في غيره من فصول السنة".

ويعد شهر شوال أول شهر من أشهر الحج، وكانت العرب تتطير من عقد المناكح فيه، وتقول: إن المنكوحة تمتنع من ناكحها، ولذلك كانت الجاهلية تكره التزويج فيه لما فيه من معنى الاشالة والرفع إلى أن جاء الإسلام بهدم ذلك.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق