إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 4 فبراير 2016

1792 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السادس والاربعون بعد المئة الشعر سوق عكاظ


1792

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
  
الفصل السادس والاربعون بعد المئة

الشعر

سوق عكاظ

ومن مرويات الأخبار، ان الشعراء الجاهليين كانوا يفدون إلى عكاظ، "فيتعاكظون، أي يتفاخرون و يتناشدون ما أحدثوا من الشعر، ثم يتفرقون". وذكر ان "النابغة" الذبياني، كان ممن يأتيها، فتضرب له قبة حمراء من أدم، وتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها، وكان ممن تحاكم اليه، الأعشى، أبو بصير، فأنشده، ثم أنشده "حسان بن ثابت"، ثم الشعراء، ثم جاءت "الخنساء" فأنشدته، فقال لها "النابغة": والله لولا أن أبا بصير أنشدني آنفاً لقلت انك أشعر الجن والإنس. فقال حسان: والله لأنا أشعر منك ومن أبيك ومن جدك. فقبض النابغة على يده، ثم قال: يا ابن أخي، انك لا تحسن أن تقول مثل قولي: فإنك كالليل الذي هو مـدركـي  وإن خلتُ أن المنتأى عنك واسعُ

ثم قال للخنساء: أنشديه، فأنشدته، فقال: والله ما رأيت ذات مثانة أشعر منك، فقالت له الخنساء: والله ولا ذا خصيين".

وروي أن "حسان" كان قد أنشده شعره: لنا الجفنات الغُر يلمعن بالضحى  وأسيافنا يقطرن من نجدة دمـا

ولدنا بني العنقاء وابني محـرق  فأكرم بنا خالاً واكرم بنا ابنمـا

فقال له "النابغة": أنت شاعر، ولكنك أقللت جفناتك وسيوفك، وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك.

وهو خبر مصنوع، شك فيه العلماء، "قال أبو علي: هذا خبر مجهول لا أصل له". وقد روي عن الآمدي قوله: "أجمعت العرب على فضل النابغة الذبياني، وسألته أن يضرب قبة بعكاظ، فيقضي بين الناس في أشعارهم لبصره بمعاني الشعر، فضرب القبة وأتته وفود الشعراء من كل أوب". ثم ذكر القصة، وروي أن الذي فَنَّد حساناً وعاب عليه بيته، هو الخنساء. والقصة مطعون فيها. "حكى ابن جني عن أبي علي الفارسي، أنه طعن في صحة هذه الحكاية". فالقصة موضوعة، وما هذا القصص المروي عن "عكاظ"، إلا من روايات أهل الأخبار، وضعوه مع قصصهم الموضوع عن اختيار قريش للغة، وتخيرها أحسن الألفاظ، وتحكيمها في الشعر.

وذكر أن "عمرو بن كلثوم" كان ممن حضر سوق عكاظ، وقد أنشد فيها قصيدته الشهيرة: ألا هبي بصحنك فاصبحينا  ولا تُبقي خمر الأندرينـا

وهي معلقته الشهيرة، وهي قصيدة طويلة، ذهب الكثير منها، قيل إنها كانت تزيد على ألف بيت. وقد ذكر أن الرسول سمع الشاعر ينشد قصيدته هذه بسوق عكاظ.

ولم نسمع ان أحداً من الشعراء حكم في الشعر في سوق عكاظ قبل "النابغة" ولابعده. وسوق عكاظ سوق لم تقم إلا قبيل الإسلام، ولعل هذا التحكيم من القصص الذي أوجده أهل الأخبار، وقد يكون "النابغة" قد نظر حقاً في شعر "حسان"، ولكن ذلك لا يمكن أن يعد حكومة دائمة لسوق عكاظ، اختصاصها النظر والتحكيم في شعر الشعراء الجاهليين، واذا كان "النابغة" حاكم سوق عكاظ حقاً، فلمَ لم نسمع بأحكام أخرى له في حق شعر شعراء آخرين، ما دام كان يحضرها في كل عام، وتضرب له قبة من أدم، يجعلها مقراً له ولحكومته، ولمن يحضر اليه من الشعراء رجاء النظر في شعره.

وذكر ان القبائل كانت تفد إلى "عكاظ" وتبحث عن مختلف الأشياء وتتداول أشياء قبيحة أو محمودة، وأن الرسول حضرها، للدعوة إلى الإسلام.

ولم نسمع بأن الشعراء كانوا يتوافدون إلى مكة موسم الحج، لإنشاد شعرهم، على نحو ما ذكر عن سوق عكاظ، مع أن موسم الحج من المراسم المعهودة بالنسبة إلى قريش والى من كان يعيش حولها من قبائل، وشرف إلقاء الشعر في موسم الحج أسمى ولاشك من شرف إلقائه بسوق عكاظ وفي الأسواق الأخرى، فلو كان الشعراء كما زعم أهل الأخبار يقيمون وزناً كبيراً لحكم قريش في أشعارهم، فلِمَ لا نجد في أخبارهم خبراً يشير إلى تجمع الشعراء في مكة للتباري في انشاد الشعر وفي الحصول على شرف التقدير والتقييم من قريش، ليتباهى الفائز بالتقدير على سائر أقرانه الشعراء ? ثم لِمَ لم نسمع بأسماء القصائد التي نالت منهم شرف التقدير والتعظيم، خلا المعلقات السبع، التي شك في صحة تعليقها حتى المحافظين من أمثال المرحوم "الرافعي"!

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق