إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 3 فبراير 2016

1722 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الخامس عشر بعد المئة قياس الابعاد والمساحات والكيل


1722

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
  
الفصل الخامس عشر بعد المئة

قياس الابعاد والمساحات والكيل

وقد استعمل الجاهليون قياس الأبعاد والوزن والكيل في معاملاتهم. وهي متقاربة بين الشعوب السامية لاختلاط هذه الشعوب بعضها ببعض، ولمستوى تلك الشعوب في الأيام الماضية، ودرجتها في الثقافة بالنسبة إلى تلك العهود، هذا وتجد الأوزان والمكاييل قد تطورت شيئاً فشيئاً، تطورت بالتدريج من أحوال بدائية حسية يدركها الإنسان البدائي، إلى أن اتخذت أشكالاً تستند الى أسس علمية. ويستعمل الوزن لقياس الكميات. أما المسافات والأبعاد، فتقاس بالطبع بمقاييس تستند إلى أساس تقدير الأبعاد.

ويختلف أهل الجاهلية في الكيل والوزن، اختلاف الناس في هذا اليوم. منهم من يوزن الشيء، ومنهم من يكيله كيلا". كان أهل المدينة يكيلون التمر، وهو يوزن في كثر من أهل الأمصار. وان للسمن عندهم وزن، وهو كيل في كثير من الأمصار. وقد يباع الشيء عدداً، بينما يباع وزناً عند قوم آخرين. والذي يعرف به أصل الكيل والوزن، أن كلّ ما لزمه اسم المختوم والقفيز والمكوك والمدّ والصاع، فهو كيل. وكل ما لزمه اسم الأرطال والأواقي والأمناء، فهو وزن. ودرهم أهل مكة ستة دوانيق، ودراهم الإسلام المعدلة كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل.

وقد كان الجاهليون يستعملون المكاييل في الغالب لقياس الجوامد والمائعات على حد سواء. وذلك كما يتبين من دراسة أسماء المعايير بالقياس إلى المعايير المستعملة عند الرومان واليونان. وكما يتبين من مراجعة معجمات اللغة، حيث تذكر المقياس في قياس الجوامد أحياناً وفي قياس المائعات أحياناً أخرى. وكما يتبين من عدم تفريق بعض اللغويين بين الوزن والكيل.

وقد جاءت في كتب الحديث والفقه وكتب اللغة أسماء بعض العيارات والموازين التي كان يستعملها العرب قبل الإسلام. ويظهر من هذه الكتب أن هذه العيارات والموازين كانت تختلف باختلاف المواضع، وإن اتفقت في الأسماء. فبين مكة والمدينة مثلاً اختلاف في تقدير العيارات، كذلك أختلف العرب في وزن الأشياء في بعض الأحيان، فقد ذكر أن أهل المدينة كانوا يكيلون التمر، وهو يوزن في كثير من الأمصار. ثم إِن بعض المواد تكال وتوزن، فالسمن يكال في بعض الأماكن، ويوزن في أماكن أخرى، ويكال ويوزن في آن واحد في أماكن غيرها وقد ورد في الحديث: "الوزن وزن أهل مكة، والمكيال مكيال أهل ا لمدينة".

والكيل والوزن سواء في معرفة المقادير. وتعني لفظة "كال" معنى وزن.

وقد ورد عن النبي أنه قال: المكيال مكيال أهل المدينة والميزان ميزان أهل مكة. وورد الكيل كيل الطعام، يقال: كلتُ الطعام إذا توليت ذلك له. وورد في القرآن الكريم: )ويل للمطففين، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون(. وذلك إن كان مخصوصاً بالكيل، فحث على تحري العدل. وقد وردت لفظة: "الكيل" و "كيل" و "المكبال" و "كلتم" و "اكتالوا" و "نكتل" في مواضع من القرآن الكريمْ.

ويعبر عن الوزن وعن قياس الأبعاد بلفظة: "كل" "كال" أي "كالَ" في المسند. والوحدة "كلت" أي "كيلة". أما في عربيتنا، فقد استعملت في الوزن والكيل. وجاء الكيل: كيل الطعام. وورد كال البئر، أي قدر ما فيها من ماء. والاسم "الكيلة"، والكيل، والمكيل، والمكيال،والمكيلة، ما كيل به حديداً كان أو خشباً. وكال الدراهم والدنانير وزنها.

وفي معنى "كلت" ترد لفظة "سفرت" "سفرة". وتستعمل خاصة في قياسات الأبعاد، مثل البعد بين مكانين، أي المسافات والأطوال فهي بمعنى مرحلة أي وحدة قياسية للبعد، ومعدل ما يسافره الإنسان أو تقطعه القافلة في اليوم، أي السفرة التي تتمكن منها القافلة في اليوم، فسفرت، هي سفرة في لغتنا، أي مرحلة.

وتعد قياسات الأبعاد والموازين والمكاييل البابلية من أهم وأدق المكاييل والأوزان عند الشعوب الشرقية. فقد استند البابليون في قياساتهم هذه إلى أسس علمية.

وهم في ذلك أدق من قدماء المصريين، ومن اليهود.

والعادة قياس الأبعاد الصغيرة والمسافات القصيرة، بمقاييس تتناسب مع هذه الأبعاد وذلك باستعمال مقاييس صغيرة مثل الاصبع والشبر والذراع، صارت أساساَ للمقاييس التي تقاس بها المسافات اليعيدة، مثل المسافات بين مراحل السفر أو الأبعاد بين اسن والقرى وما شاكل ذلك. إذ لا بد من اتخاذ وحدة قياسية كبيرة في قياس الأبعاد الطويلة، لسهولة الضبط والحفظ، ولهذا اصطلحت الأمم على اتخاذ وحدات كبيرة في قياسات المراحل والأبعاد، سمتها.

وقاس الجاهليون مساحات الأرضبن الزراعية بمقدار البذور المنثورة وبمقدار ما يحرثه ثور واحد أو حيوان في نهار. ويراد بذلك متوسط عمل محراث واحد في الارض. فتقدر مساحة أرض بمقدار كميات البذور التي تنثر في الأرض، وتذكر عندئذ مقدار كيلات البذور المنثورة، ويدل عددها على مساحة الأرض.

ولو تعمقنا ثي دراسة قياس المسافات، فإننا في أن الإنسان قد استعان بأجزاء جسمه في بادئ الأمر في القياسات، فاستعان بالاصبع، واعتبره وحدة قياسية صغيرة لقياس البعد،استعمل عرضه كما استعمل طوله. واستعمل "الكف" قياساً للابعاد كذلك. وهو أربع أصابع عند العبرانيين. واستعل "الشبر" للابعاد التي تزيد على الكف. والشبر هو مسافة ما بين طرف الإبهام وطرف الخنصر، ويساوي ثلاث كفوف. ويعدل من ثمانية قراريط الى أحد عشر قيراطاً. واستعملت "الذراع" وجعلوها تعادل شبرين. وتقدر بنحو قدم إلى قدمين. ثم "الخطوة" وتعادل ذراعين أو ثلاث أقدام أو إثنتي عشر كفاً. ثم "القامة"،وتعادل خطوتين أو أربع أذرع أو ستة أقدام. ثم "القصبة". وتعادل قامة ونصف قامة، أو ستة أفرع. وتعادل تسع أقدام أو ستاً وثلاثين كفاً.

والكف - عند العرب - اليد، أو منها إلى الكوع والشبر ما بين أعلى الإبهام وأعلى الخنصر، ويكال به. ومنه "اشبر"، كيل الثوب بالشبر، يشره شبراً. والذراع من طرف المرفق إلى طرف الاصبع الوسطى، وقبل الذراع والساعد واحد. بقال ذرع الثوب وغيره، قاسه بالذراع. وهو ما يذرع به من حديد أو خشبْ. و "الباع"، قدر مد اليدين وما بي نهما من البدن، ويستعمل في قياس الأعماق، مثل الآبار، وأعماق الماء.

والخطوة ما بين القدمين. والقامة عند العرب، مقدار هيأة رجل، والبكرة بأداتها، وقيل: البكرة التي يستقى بها الماء من البئر. والقامة مقياس أيضاً تقاس به الأعماق.

وذكر الذراع في القراَن الكريم في آية: )في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فأسلكوه(. ويعبر عن المذروع، أي الممسوح بالذراع. وقد ذكر بعض علماء اللغة أن الذراع من طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى. وذكر بعض العلماء أن الذراع والساعد واحد. وأما المذارعة فالبيع بالذراع. ويقال ذراع من الثوب والأرض. فتستعمل المذراعة إذن في الأموال المنقولة التي لها اتساع مثل الثياب والأقمشة والخشب وما شابه ذلك، كما يستعمل في ذرع الأرض. وقد اختلف الذراع الجاهلي عن الذراع في الإسلام.

والقصبة من أصل "Kas-pu في البابلية، ومعناه "ساعتان"، أي مسيرة تقطع في ساعتين. وورد "Kas-pu Kakkari" في النصوص البابلية، ويراد بالجملة: ما يقابل "قصبة ارض" أو "ميل أرض" وقد كان أهل مصر في الإسلام يمسحون أرضهم بقصبة طولها خمسة أذرع بالتجاري، فمتى بلغت المساحة اربعمائة قصبة، فاسمها: الفدان.

و "الغلوة"، وكانت مقياساً يونانياً، وتعادل نحو " " خطوة، أو ُثمن ميل. وتسمى "فرسخاً" ايضاً. وذكر علماء اللغة أن "الغلوة" قدر رمية بسهم، وتستعمل في سباق الخيل. وقيل هي قدر ثلاثمائة ذراع إلى أربعمائة ذراع. وذكر بعض علماء اللغة،أن الفرسخ التام خمس وعشرون غلوة. وقد ذكر بعض علماء اللغة أن الفرسخ ساعة من النهار. وقال بعض آخر انه السافة المعلومة، وهو ثلاثة أميال هاشمية أو ستهّ أو اثنا عشر ألف ذراع أو عشرة آلاف ذراع. واللفظة من الكلمات المعربة، وهي Frosong فرسنك في الفهلوية. وقد أشير إلى هذا المقياس الفارسي في بعض مؤلفات الكتبة اليونان مثل "هيرودوتس" و "كسينوفون" "Xenophon" وهو "Farsong"في الفارسية الحديثة. "Prasakha" في لغة بني إرم.

وأما "الميل"، فمقياس روماني، وقد اختلف في طوله، فقيل إنه ثلث الفرسخ، وقيل إنه ثلاثة آلاف فراع أو أربعة آلاف، وقيل أربعة آلاف، خطوة، كل خطوة ثلاثة أقدام. وقيل إنه سدس الفرسخ. وهو من الألفاظ المعربة، من أصل "Miloin"، وذكر علماء اللغة أن الميل هو المنار يبنى للمسافر في أنشاز الأرض، وأنه أيضاً الأعلام المبنية على الطرق لهداية الناس.

وقد استخدم الجاهليون مصطلحات خاصة في تقدير المسافات والأبعاد، ولا سيما في الأسفار. فاستعملوا مصطلح "مسيرة ساعة" ومسيرة ليلة ومسيرة نهار ومسيرة قافلة وأمثال ذلك. وقصدوا بذلك معدل ما يقطعه الإنسان والقافلة في المدد المذكورة. واستعملوا "البريد" في تقدير الأبعاد والمسافات، و "البريد"، فرسخان، كل فرسخ ثلاثة أميال، والميل أربعة آلاف ذراع،أو أربعة فراسخ، وهو اثنا عشر ميلاً. وفي الحديث: لا تقصر الصلاة في أقل من أربعة برد، وهي ستة عشر فرسخاً، وفي كتب الفقه: السفر الذي يجوز فيه القصر أربعة برد، وهي ثمانية وأربعون ميلاً بالأميال الهاشمية في طريق مكة.

وقاس الجاهليون المساحات، مثل مساحات البيت أو الملك كالأرضين بالذراع،إن كانت غير كبيرة. أما إذا كانت كبيرة، فقد قيست بمقدار متوسط ما يحرثه "الفدان" في اليوم. وذكر علماء اللغة أن "الفدان" الثوران اللذان يقرنان فيحرث عليهما، وأن الفدان المزرعة ، والآلة، ومقدار محدود من الأرض اصطلح الناس على تحديد مقداره.

وتقاس الأرض بالجريب أيضاً. قال علماء اللغة: الجريب من الأرض مقدار معلوم الذراع والمساحة، وهو عشرة أقفزة،كل قفيز.منها عشرة أعشراء،فالعشير جزء من مائة جزء من الجريب. وقيل: الجريب المزرعة،وقدر ما يزرع فيه من الأرض. وقد استعمل للطعام ولتقدير غلة الأرض،أي وحدة قياس للارضين، ومكيلة في آن واحد، وقال بعض العلماء انه يختلف باختلاف البلدان، ومن وحدات القياس في اليمن: "ا م ت" "امت". وقد ذكرت هذه الوحدة في نصوص المسند. وتقاس بها الأبعاد طولاً وعرضاً، وذكر علماء اللغة أن "الأمت" الحزر والتقدير، يقال كم أمت ما بينك وبين الكوفة، أي قدر، وأمت القوم أمتاً، إذا حزرتهم. فللمعنى اذن صلة بالمعنى المفهوم من اللفظة في لغة المسند.

والشوحط من وحدات القياس الأبعاد كذلك. فورد: "سدثي شو حطم"، أي ستون شوحطاً. وقد ذكر هذا المقياس في كتابات المعنيين. ولعله قصبة أو خشبة، حدد طولها، واعتبرت كالمتر و "الياردة" وحدة أساسية لقياس الأبعاد. و "الشوحط"،في كتب اللغة ضرب من شجر الجبال تتخذ منه القسي، أو ضرب من النبع تتخذ منه القياس. فلا يستبعد وجود صلة بين الشوحط اليماني،وهذا الشوحط،وهو اتخاذ قضب الشوحط،مقياساً معيناً محدداً، لقياس الأبعاد.

وترد في بعض كتابات المسند لفظة "ممد" مع العدد، كأنها استعملت للتعبير عن قياس. وقد ذهب بعض الباحثين إلى أنها لا تعبر عن وحدة قياسية قائمة بذاتها، كما تعبر لفظة قدم أو ذراع، بل هي تعبر عن معنى عام، هو مسافة أو كيل أو وزن. ويفهم ذلك المعنى من مكانه الكلمة وموضعها في الجملة، وأما وزن الأشياء، أي تقدير مقدار ثقلها، فيختلف في الغالبّ باختلاف طبيعة الشيء المراد معرفة وزنه وتقدير ثقله. فإذا كان الشئ جافاً قدر بمعايير خاصة، واذا كان سائلاً قدّر بمعايير أخرى. غير إن هذا التفريق ليس يعدّ قاعدة عامة، وانما يختلف باختلاف الأماكن والأعراف والعادات. فقد يزن بعض الناس المائعات بمعايير توزن بها الأشياء الجافة عند أناس آخرين، فالسمن مثلاً يوزن ويكال، والتمر يوزن ويكال، وهناك أمثلة عديدة أخرى من هذا القبيل، وأما الأوزان، أي معرفة الخفة أو الثقل للاشياء التي يراد وزنها لمعرفة مقدارها، فقد كانت توزن بوضعها في إحدى كفتي ميزان ووضع الأوزان في الكفة الثانية. وقد كانت للاوزان البابلية شهرة، وعليها كان اعتماد العبرانيين.

والميزان الآلة التي يوزن بها. وقد ذكر علماء اللغة أسماء أجزاء الميزان. والميزان الذي كان يستعمله الجاهليون لا يختلف عن الميزان المستعمل عند الشعوب الأخرى. ويقوم الوزن على أساس المعادلة بين الكفتين، ويظهر أن الجاهليين كانوا فد أخذوا الأوزان من العراق ومن بلاد الشام، واستعملوها كلها وبأسمائها الأصلية، وذلك بدليل ما نجده في أسماء هذه الأوزان التي استعملوها من مسميات بابلية أو إرمية وفهلوية ويونانية ورومانية. لقد أخذوها بتعاملهم مع أهل العراق ومع أهل بلاد الشام، وأدخلوا مسمّياتها إلى لغتهم بعد ادخالهم بعض التحوير والتغيير عليها لتتناسب مع النطق العربي. وقد كان لا بد لهم من استخدام تلك الموازين كلها أو أكثرها على حدّ سواء، لأنهم تعاملوا وتاجروا مع العراق وبلاد الشام منذ القدم. فكان لا بد لهم من التعامل مع كل بلد بموازينه وبمقاييسه،ومن استعمال هذه الأوزان في بلادهم أيضاً بحكم ذلك التعامل والإتجار، كما نستعمل اليوم الأوزان والمقاييس الأجنبية في التعامل عندنا بدلاً من الموازين والمقاييس القديمة.

ومن الأوزان التي يعود أصلها إلى الروم: "الرطل"، وهو "Litra" عند اليونان. والأوقية، وتقابل "Oncia" "Ounguiya"عند البيزنطيين. و "الدرهم"، وهو وحدة وزن، وقطعة نقد، من "Dhrakhmi". "وقيراط" وهو من "Keration"، ومن وحدات القياس التي يعود أصلها إلى الفارسية: "الدانق"،فإنه من "دانك"،وهو سدس الدرهم، واما "المثقال" فمن أصل آرامي، من "Matqolo".

والقسطاس: الميزان، ويعبر به عن العدالة، كما يعبر عنها بالميزان. ويذكر العلماء إن القسطاس أقوم الموازين. و "القسط" مكيال يسع نصف صاع. و "الفرق" ستة أقساط. وذكر بعضهم إن "القسط" أربعمائة وواحد وثمانون درهماً. والقسط الحصة من الشيء، والمقدار.

ويقاس الذهب بالوزن، وكذلك الفضة، فكان التجّار يحملون معهم الموازين ليزنوا بها هذين المعدنين. وقد كان "الشاقل" هو وحدة القياس للوزن عند الجاهليين. ويقال في العربية: "شقل الدينار وشوقل الدينار، بمعنى وزنه وعايره وصححه". وجاء أن الشقل: الوزن. يقال: اشقل لي هذا الدينار، أي زنه. واللفظة من الألفاظ البابلية التي دخلت الى لغة بني إرم والى العبرانية والعربية.

و "الحبّة" من العيارات المستعملة عند الجاهليين والتي بقيت مستعملة في الإسلام كذلك، ولا تزال تستعمل. أما وزنها فاختلف فيه باختلاف الأزمنة والأمكنة وقد قدرها بعضهم بعُشر الدانق، وقدرها بعض آخر بسدس ثمن درهم، وهو جزء من ثمانية وأربعين جزءاً من درهم.

والقيراط،هو نصف دانق. وذكر بعض العلماء أنه جزء من أجزاء الدينار،وهو نصف عشره في بعض البلاد في الإسلام، وجزء من أربعة وعشرين في بلاد الشام، وهو عند الروم جزء من اربعة وعشرين من أجزاء شيء. وهو من أصل رومي هو "Keration"، ويظهر أو وزنه لم يكن ثابتاً، بل اختلف باختلاف البلدان.

و "المثقال" من الأوزان القديمة عند العرب، وقد وردت لفظة "مثقال"  

في القرآن الكريم بمعنى مقدار ووزن. ويظن بعض المستشرفين إن "المثقال" من أقدم المعايير عند العرب، ويستعطه العطارون والصيارفة وباعة اللؤلؤ والحجارة الثمينة، وهو عبارة عن اثنتين وسبعين شعيرة. وفي بعض الموارد: المثقال عشرون قيراطاً. وهو يقابل ال "Solidus" عند الروم على وفق النظام الذي أقره القيصر "قسطنطين" "Costantine". وهو نظام اتبع في بلاد الشام،وأقره العرب واستعملوه. واللفظة من الألفاظ المعربة عن الإرمية من أصل "متقولو" "Matqolo" على بعض الآراء ،والأوقية من الأوزان التي كانت مستعملة في الجاهلية. وقد اختلف العلماء في ضبط وزنها وتعيين مقداره. فقال بعضهم: هي سبعة مثاقيل، وانها أربعون درهماً. وقال بعض آخر: هي أربعون درهماً. وقد ورد في الحديث: ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة. وفي حديث النبي، انه لم يصدق امرأة من نسائه أكثر من اثنتي عشرة أوقية ونش. قال مجاهد: الأوقية أربعون درهماً،والنش عشرون. وهي تقابل "Uncia" عند الروم.

و"البزمة" وزن ثلاثين درهماً.

وقد أشير في الحديث إلى "نواة من ذهب"، وقد جعل بعض العلماء النواة زنة، وقال بعض آخر: النواة من العدد عشرون أو عشرة، أو هي الأوقية من الذهب أو أربعة دنانير أو ما زنته خمسة دراهم أو ثلاثة دراهم ونصف أو ثلاثة دراهم وثلث.

وقد كان الجاهليون يبايعون الذهب والفضة بالأوزان التي ذكرتها مثل النواة والحبة والشعيرة والمثقال والأوقية. ولما جاء الرسول المدينة وجد أهلها يبايعون اليهود الوقية من الذهب بالدنانير، فقال لهم: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلاّ وزناً بوزن"، وأما الرطل، فإنه في مقابلَ "Litra" في اليونانية،و "Libra" في اللاتينية. وهو قدر نصف "من". وهو من الأوزان المعروفة عند الجاهليين. وذكر أن الرطل الجاهلي هو ضعف الرطل الإسلامي، وقد اختلف وزنه عند المسلمين باختلاف الأماكن والمواضع والناس. وذكر بعضهم: الرطل اثنا عشر أوقيهّ بأواقي العرب، والأوقية أربعون درهماً، فذلك أربعمائة وثمانون درهماً. وأما "المنّ"، "Mana" "Mna" "Maneh" "Mina" "Mnh" " "منا" و "منو" "Mnu"، في البابلية، فإنه خمسة عشر شاقلاً، وعشرون شاقلاً وخمسة وعشرون شاقلاء،اي انه ورد في ثلاثة أوزان. فعرف كل وزن من هذه الأوزان الثلاثة باسم "من". وهو معروف عند قدماء اليونان، وعند السريان. وهو من الأوزان المعروفة،عند العرب الجاهليين.

وقد ذكر علماء اللغة انه كيل أو ميزان وهو رطلان، والقنطار وزن أربعين أوقية من ذهب، وقيل ألف ومئتا دينار، وقيل، ألف ومئتا أوقية ، وقيل سبعون ألف دينار، وقيل ثمانون ألف درهم، وقيل مئة رطل من ذهب أو فضة. وزعم بعض علماء اللغة انه سرياني، وزعم آخرون انه عربي، ويظهر انه لاتيني الأصل وانه من أصل، "Centenarium Pondus" أي وزن يساوي مئة ضعف وزن أخر. وقد اختلف العلماء في القنطار، وقد ذكر العلماء آراءهم فيه ويظهر إنهم كانوا قد اختلفوا فيه في الجاهلية كذلك،وسبب ذلك على ما يظهر، انهم استعملوه وزناً، أي معياراً، واستعملوه ثمنا، أي بمقدار ما يعادله بالذهب والفضة، وبالنقد، ثم بالمقايضة، مثل قولهم انه ملء ثور ذهب أو فضة.

وقد ذكر في الآية )ومن أهل الكتاب مَن إن تأمنه بقنطار يؤده لك،ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده اليك إلا ما دمت عليه قائماً(. وفي الاية: )وآتيتم إحداهن قنطاراً(. وورد: )والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة(.

وفي الإشارة إلى القنطار في القرآن الكريم دلالة على استعماله في الحجاز وربما في أماكن أخرى من جزيرة العرب كذلك.

والقناطير جمع قنطار. ومعنى القناطر المقنطرة: المال الكثير من الذهب والفضة، والمال الكثير بعضه على بعض. ويظهر من اختلاف المفسرين وسائر العلماء في مقدار القنطار أن العرب لا تحد القنطار بمقدار معلوم من الوزن، ولكنها تقول هو قدر ووزن ، لأن ذلك لو كان محدوداً قدره عندها لم يكن بين متقدمي أهل التأويل فيه كل هذا الاختلاف.

والمُدّ مكيال، وهو رطلان أو رطل وثلث أو ملء كفي الإنسان المعتدل، إذا ملأهما ومدّ يده بهما، وبه سميّ مداً ،وقيل هو ربع الصاع، لأن الصاع أربعة أمداد. وقد اختلف في مقدار المدّ في الإسلام، وقد ورثوا ذلك من الجاهلية، فقد اختلفوا في مقداره أيضاً باختلاف مواضعهم،  

والصاع من المكاييل التي كان يستعملها أهل الحجاز عند ظهور الإسلام. وقد عرف خاصة عند أهل المدينة. ويأخذ أربعة أمداد. وهو يأخذ من الحبّ قدر ثلثي الصاع في بعض الأماكن. وكان لأهل المدينة صيعان مختلفة. وورد صاع المدينة أصغر الصيعان. كما ورد في كتب الحديث والفقه،صاع النبي وصاع عمر وقد كالوا به التمر والحبوب، وقد اختلف العلماء في مقداره في الإسلام. ومردّ ذلك الى الجاهلية الذين كانوا يختلفون في تقدير الصاع وذكر المفسرون أن "صواع الملك"، أو "صاع الملك" حسب قراءة "أبي هريرة" كناية عن الصاع الذي يكال به الطعام. وذكر أنه الإناء الذي يكال به الطعام، وإناء يشرب فيه، وكان يشرب الملك، وهو من فضة. وكان للعباس في الجاهلية واحد، وهو المكوك الفارسي الذي يلتقي طرفاه، كانت تشرب فيه الأعاجم.

والقفيز من المكاييل القديمة المستعملة لتقدير كميات الأشياء الجامدة، ويتسع لنحو عشرة "غالونات"، وأصله من المكاييل البابلية. وقد ذكره المؤرخ "اكسينيفون"،وهو عند العرب أصغر من القاب "Cub".

والوسق من المكاييل التي كان يستعملها العرب قبل الإسلام كذلك. قيل: هو ستون صاعاً. وقيل: هو حمل بعير. وقيل: الوسق مئة وستون منّا. وقال الزجّاج: خمسة أوسق هي خمسة عشر قفيزاً. وكل وسق بالملجم هو ثلاثة أقفزة. وقيل إن الوسق ستون صاعاً. وهو ثلاث مئة رطل وعشرون رطلاً عند أهل الحجاز. وأربع مئة رطل وثمانون رطلاً عند أهل العراق على اختلافهم في مقدار الصاع والمدّ. والأصل في الوسق الحمل. وقيل: الوسق العِدلُ، وقيل: العدلان،وقيل هو الحمل عامة.

و استعملوا الحمل كيلاً، وقد رأينا إن بعضهم عرف الوسق بأنه عدل، أو عدلان،وهو مقدار ما محمله الحيوان. وبهذا المعنى وردت لفظة "الوِقر" وتطلق على حمل البغل أو الحمار أو البعير، فهو شيء تقديري غير مضبوط تماماً. وقد ورد في القرآن الكريم: "كيلّ بعير" ،وذلك تعبيراً عن حمل بعير، وهو مقدار ما يحمل. كما ورد فيه "حمل بعير" في المعنى نفسه.

ولا يزال العرف جارياً بين أهل القرى والبادية في البيع "حمولاً"، جمع "حمل"، وهو حمل "بعير" أو حمار أو غير ذلك من الدواب التي تنقل الشيء الذي يراد بيعه مثل الملح أو "العوسج" أو "العاقول" أو "حطب البادية" أو الزرع إلى الأسواق، فتباع حملا لا وزناً، ويشتريه المشترون على هذه الصفة.

وذكر علماء اللغة، أن الكر، مكيال لأهل العراق، وقد أشير اليه في كتب الحديث. و ذكر أنه ستة أوقار حمار، وهو عند أهل العراق ستين قفيزاً. والقفيز ثمانية مكاكيك. والمكوك صاع ونصف. وهو ثلاث كيلجات. وذكر "الأزهري" أنه اثنا عشر وسقاً، كل وسق ستون صاعاً أو أربعون أردباً بحساب أهل مصر. وهو "كور" في لغة بتي "ارم"، ويعادل عند أهل بابل وقر ستة حمير.

وذكر علماء اللغة، أن "المكوك" طاس يشرب به أعلاه ضيق ووسطه واسع، والصاع كهيئة المكوك. وكان للعباس مثله في الجاهلية يشرب به. وقد ورد في الحديث أن الرسول كان يتوضأ بمكوك. ويسع صاعاً ونصفاً، أو نصف رطل إلى ثماني أواق،أو يسع نصف الويبة، و الويبة اثنان وعشرون، أو أربع وعشرون مدا بمد النبي، أو هو ثلاث كيلجات. وهو صاع ونصف. والكيلجة تسع منّا وسبعة أثمان منا. والمنا رطلان، والرطل اثنتا عشرة أوقية، والأوقية أستار وثلثاً، والأستار أربعة مثاقيل ونصف، والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم،، والدرهم ستة دوانق، والدانق قيراطان، وللقيراط طسوجان، والطسوج حبتان،والحبّة سدس ثمن درهم، وهو جزء من ثمانية وأربعين جزءاً من درهم. وذكر أن الكر: ستون قفيزاً، والقفيز ثمانية مكاكيك، والمكوك صاع ونصف، وهو ثلاث كيلجات، والكيلة مقياس استعمله العبرانيون والجاهليون ؛ وهي "Seah"، و "Saton"، في اليونانية "Modius"، وهي تختلف باختلاف اصطلاح الأمم. فالكيلة العبرانية كبيرة بالقياس إلى الكيلة الرومانية، وهي تعادل كيلة وربع كيلة رومانية. وتبلغ ثلث "الأيفة". وتعادل اثنين وعشرين "Sextari". وتستعمل في وزن المواد الجامدة مثل الحبوب.

وأما "الأيفة" "Ephah"، فكلمة مأخوذة من اللغة المصرية، ترد كثيراً في العهد القديم. وهي تعادل ثلاث كيلات "Seah". وتستعمل لقياس المواد الجافة فقط، وتقابل "Atrabe"، و "Metretis"عند اليونان، وهي مجزأة إلى عشرة اجزاء، يقال للجزء الواحد "العمر". "عومير" "اومير" "Omer"، أو الكومة. ويقال له "عشر" "Issaron" أيضاً، وتقسم إلى ستة أقسام كذلك يطلق على كل قسم اسم "سدس".

ولعل لأومير "عومير" "Omer"، صلة ب "الغمر" عند الجاهليين. وهو عندهم قدح صغير يتصافن به للقوم في السفر، إذا لم يكن معهم من الماء إلا يسيراً على حصاة يلقونها في إناء ثم يصب فيه من الماء قدر ما يغمر الحصاة فيعطاها كل رجل منهم. وقيل هو "القعب" الصغير يحمله الراكب معه، يعلقه على رحله. وقيل: الغمر: أصغر الأقداح. قال أعشى باهلة يرثى أخاه المنتشر بن وهب الباهلي: تكفيه حزة فلـذان ألـم بـهـا  من الشواء ويروي شربه الغمر

والغمر يأخذ كيلجتين أو ثلاثاً، والقعب أعظم منه، وهو يروي الرجل،و "الكيلجة"، مكيال.

و "الكر" من المكاييل المستعملة عند العبرانيين. وذكر علماء اللغة أن الكُر،مكيال لأهل العراق. وقد أشير اليه في كتب الحديث والفقه. ويظهر أنه مكيال للمائعات. ورد: اذا كان الماء قدر كرّ لم يحمل القذر. ومكيال للجوامد أيضاً،وهو ستة أوقار حمار، وهو عند أهل العراق ستون قفيزاً. والقفيز ثمانية "مكاكيك" والمكوك صاع ونصف، وهو ثلاث كليجات. وذكر الأزهري أنه اثنا عشر وسقاً، كَل وسق ستون صاعاً او أربعون اردباً بحساب اهل مصر.

واستعمل الجاهليون "للزق"، وحدة عامة لوزن المائعات. فورد: "زق خمر" مثلاَ ويستعمل خاصة في الخمور.

وقد عثر على عدد من قطع الأوزان المصنوعة من الحديد وبعضها من برونز، وقد استعملت في وزن الأشياء. وقد تأًثر بعضها بالعوارض ولعبت الأيدي ببعض آخر. ونأسف على عدم وقوفنا وقوفاً تاماً على أسماء الأوزان ومقدار ثقلها،لعدم وصول عدد كاف منها الينا عليه كتابة تشير إلى اسمه ومقدار وزنه، ولعل الأيام تجود علينا منها بما يحقق لنا هذه المعرفة أما "الصّبرة": فما جمع من الطعام بلا كيل ولا وزن بعضه فوق بعض.

فهي: الطعام المجتمع كالكومة، ومن ذلك بيع "الصبرة" من التمر. وقد نهى الإسلام عن هذا النوع من البيع، والفالج والفلج مكيال ضخم، وقيل هو القفيز. وقد ذكر بعض الباحثين انه سرياني الأصل، وأن أصله "فالغا" فعرب. قال الجعدي يصف الخمر: ألقى فيها فلجان من مسك دا  رين وفلج من فلفل ضـرم

ومن هنا يقال للطرف المعدّ لشرب القهوة وغيرها "فلجان"، والعامة تقول: فنجان، و "الطسق" مكيال أيضاً، وهو من أصل فارسي، وذكر أنه مكيال لكيل الزيوت وكل أنواع الدهن. وهو ضريبة الأرض كذلك، أي في معنى خراج في الإسلام. كتب عمر إلى "عثمان بن حنيف" في رجلين من اهل المدينة أسلما: ارفع الجزية عن رؤوسهما وخذ الطسق من أرضيهما.

والفرق مكيال بالمدينة، اختلف فيه. فقيل: يسع ستة عشر مداً، وذلك ثلاثة آصع، أو يسع ستة عشر رطلاً، وهي اثنا عشر مداً وثلاثة اصع عند أهل الحجاز. أو هو أربعة أرباع، وقيل الفرق خمسة أقساط، والقسط نصف صاع. وقيل غير ذلك. وذكر أن "الفرق" هو مكيال لأهل اليمن، وقد ذكر في عهد الرسول لقيس بن مالك بن سعد بن لأي الأرحبي الهمداني، إذ جاء فيه: "وأطعمه ثلاثمائة فرق من خيوان، مائتا زبيب وذرة شطران ومن عمران الجوف مائة فرق برُّ".

وقد ذكر بعض علماء اللغة اسم مكيال من مكاييل أهل اليمن دعوه "الذهب"، ويجمع على أذهاب.

ومن المكاييل المذكورة في التوراة والمعروفة عند الجاهليين كذلك، والتي تكال بها الأشياء الجافة: "القبضة"، أي كومة اليد. والكومة كيلة عند الشعوب الأخرى وهي بمعنى "صبرة". ولا يزال البدو يستعملونها، ولكنها ليست من المكاييل الرسمية، بل هي في الواقع كتلة عرفية. وهي تختلف في المقدار والكمية بحسب اتساع قبضة اليد، وقد كان الجاهليون يكوّمون ما يريدون بيعه بالتكوم كوما، ولا زال هذا البيع معروفاً. وقد كان أهل الجاهلية، يبيعون قبضة من التمر، أو قبضة من السويق، أو الدقيق، وذلك بحسب ما تقبضه اليد، أي كفاً منها.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق