إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 4 فبراير 2016

1757 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الحادي والثلاثون بعد المئة الوقت و الزمان الفصول الأربعة


1757

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
        
الفصل الحادي والثلاثون بعد المئة

الوقت و الزمان

الفصول الأربعة

وتقسم السنة إلى فصول أربعة بحيث يتكون كل فصل من هذه الفصول.من ثلاثة أشهر، تكون ربع السنة. وهذه الفصول هي: الشتاء، والربيع، والصيف، والخريف. ?يقال للصيف القيظ أيضاً. ويظهر من هذه التسميات ومن هذا النوع من التقسيم أنه تقسيم بني على أساس التقويم الشمسي، لا التقويم القمري. وهو تقسيم بقي مستعملاَ في الإسلام، مع إن التقويم الرسمي الإسلامي هو تقويم قمري، لأنه تقسيم طبيعي مبني على طبيعة التغير الذي يطرأ على شهور السنة. ولو بني تقسيم الفصول على الشهور القمرية، لما كان في الامكان السير عليه بالقياس إلى الحياة العملية المبنية على الزرع والتجارة والتنقل في المراعي،وكل هذه لها علاقة بتبدل طبيعة الشهور.

والتقسيم المذكور قائم على أساس ملاحظات الإنسان للطبيعة ودراسته لها،وعلاقة البرد والحر بحياته وبزرعه وحيوانه. فقسم السنة إلى موسمين: موسم زرع يبذر فيه ويزرع، وموسم حصاد يحصد فيه زرعه ويجني ثمره. وهو موسم يبدأ فيه الزرع بالأفول وبالذبول، حتى إذا ما جاء البرد، تساقط فيه الورق، وتعرت الأشجار من الخضرة ويقابل هذا البرد الحر، وهو موسم واضح ظاهر في جزيرة العرب حياته فيها أطول من بقية الفصول. فأدرك الإنسان من تأثر الطبيعة عليه وجود أربعة فصول. وقد عبرت التوراة عن هذه الفصول بقولها: " مدة كل ايام الارض زرع وحصاد وبرد وحر وصيف وشتاء ونهار وليل".

ولكن الواضح من الفصول في بلاد العرب: الصيف. ويستأثر بالنصيب الاكبر من السنة،لامتداد حره، ثم الشتاء. ولذلك نجد الناس يقسمون السنة إلى نصفين: صيف وشتاء.

ونجد هذه الفكرة عند العبرانيين كذلك، فالصيف والشتاء هما الفصلان الواضحان البارزان عندهما. ويسمى الصيف ب "قيز" "قيض" عندهم، أي بالتسمية الواردة عند العرب، أما الشتاء، فهو "خرف" في العبرانية.

وبعض العرب يقسم السنة نصفين: شتاءً وصيفاً، ويقسم الشتاء نصفين، فيكون الشتاء أوله، والربيع آخره. ويقسم الصيف نصفين، فيجعل الصيف أوله، والقيظ آخره.

وذكر أهل الاخبار وعلماء اللغة إن العرب تبتدئ بفصل الخريف وتسميه الربيع، لأن أول الربيع، وهو المطر، يكون فيه، ثم يكون بعده فصل الشتاء ثم يكون بعد الشتاء فصل الصيف، وهو الذي يسميه الناس الربيع، وقد يسميه بعضهم الربيع الثاني، ثم يكون بعد فصل الصيف فصل القيظ، وهو الذي يسميه الناس الصيف. وذكر "اليعقوبي" أن العرب اختلفت " في أسماء الأزمنة الأربعة: فزعمت طائفة منها أن أولها الوسمي، وهو الخريف، ثم الشتاء، ثم الصيف، ثم القيظ، ومنهم من يعد الاول من فصول السنة الربيع، وهو الاشهر والأعم، والعرب تقول: خرفنا في يلد كذا، وشتونا في بلد كذا، وتربعنا في بلد كذا، وصيفنا في بلد كذا".

وأول وقت الربيع عندهم، وهو الخريف، ثلاثة أيام نخلو من أيلول. وأول الشتاء عندهم ثلاثة أيام تخلو من كانون الاول. وأول الصيف عندهم، وهو الربيع الثاني، خمسة أيام تخلو من آذار. وأول وقت القيظ عندهم أربعهّ أيام تخلو من حزيران. والخريف عندهم المطر الذي يأتي في آخر القيظ و لا يكادون يجعلونه اسماً للزمان.

وهناك أسماء اخرى لهذه الفصول، ف "الصفرية" هو الجزء الاول من السنة وسمي مطره الوسمي، والشتاء هو الجزء الثاني منها. أما الصيف فهو الجزء الثالث. وأما الجزء الرابع، فهو القيظ، وسموّا مطره الخريف. وقد حددوا مبدأ كل فصل ومنتهاه بالفصول.

وهناك كما يتبين من روايات علماء اللغة اختلاف في تشخيص الربيع، منهم من يذهب إلى أنه الفصل الذي يتبع فيه الشتاء، و يأتي فيه الورد والنور، " ومنهم من يجعل الربيع الفصل الذي تدرك فيه الثمار وهو الخريف وفصل الشتاء بعده الشتاء وهو الوقت الذي تدعوه العامة الربيع، ثم فصل القيظ بعده وهو الذي تدعوه العامة الصيف. ومن العرب من يسمي الفصل الذي تدرك فيه الثمار وهو الخريف الاول، ويسمي الفصل الذي يتلوا الشتاء وياتي فيه الكمأة والنور الربيع الثاني. وكلهم مجمعون على ان الخريف هو الربيع".

وهناك من يجعل السنة ستة أزمنة: الوسمي، والشتاء، والربيع، والصيف، والحميم، والخريف. وحصة كل زمن من هذه الأزمنة شهران.

وذكر بعض العلماء أن السنة عند العرب ستة أزمنة: شهران منها الربيع الأول وشهران صيف وشهران قيظ وشهران الربيع اشاني، وشهران خريف وشهران شتاء. وذكر بعضهم أن السنة أربعة أزمنة:الربيع الأول وهو عند العامة الخريف، ثم الشتاء، ثم الصيف وهو الربيع الاخر، ثم القيظ. وهذا هو قول العرب في البادية. والربيع جزء من أجزاء السنة، وهو عند العرب ربيعان: ربيع الشهور وربيع الأزمنة. فربيع الشهران بعد صفر. سميّا بذلك لأنهما حدّ ا في هذا الزمن فلزمهما في غيره. ولا يقال فيهما إلا شهر ربيع الأول وشهر ربيع الاخر. وأما ربيع الأزمنة فربيعان: الربيع الأول وهو الفصل الذي يأتي فيه النور والكمأة، و هو ربيع الكلأ. والربيع الثاني، وهو الفصل الذي تدرك فيه الثمار. ومن العرب من يسمي الفصل الذي تدرك فيه الثمار، وهو الخريف: الربيع الأول، ويسمى الفصل الذي يتلو الشتاء ويأتي فيه الكمأة والنور الربيع الثاني. وكلهم مجمعون على أن الخريف هو الربيع.

وقسم بعضهم الشتاء إلى ربيعين: ربيع الماء والأمطار وربيع النبات لأن فيه ينتهي النبات منتهاه. والشتاء كله ربيع عند العرب لأجل الندى.

ويظهر من المسند أن العرب الجنوبيين كانوا يقسمون السنة إلى فصول كذلك وأنهم كانوا مثل غيرهم يقسمونها إلى فصول أربعة: الشتاء والربيع و الصيف والخريف. ولا يعني هذا التقسيم الرباعي أن الجو في العربية الجنوبية أو في أي مكَان اخر في جزيرة العرب كان يختلف اختلافاَ واضحَا بينا من حيث التطرف او الاعتدال باخلاف هذه الفصول - الأربعة، وأن شهور الفصول هي متساوية بالفعل. وأن عدة كل فصل ثلاثة أشهر، بل هو في الواقع تقسيم علمي نظري، أما من الناحية العلمية، فإن فصلي الصيف والشتاء هما أبرز الفصول وأوضحها في جزيرة العرب كلها. ولا سيما فصل الصيف الذي يعدّ أطول الفصول وأوضحها فيها. وهذا هو الذي دفع العرب ولا شك إلى تقسيم السنة إلى نصفين، شتاء و صيف. يبتدئون بالشتاء ويجعلونه النصف الأول، ويبتدئ عندهم بابتداء النهار في القصر وابتدائه في الزيادة. وأما الصيف، فيبدأ عند انتهاء النهار بالطول وابتدائه بالنقصان.

والشتاء هو "صربن" في المسند. أما الربيع، فهو "دثا". وأما الصيف، ف "قيضن"، أي القيظ، وأما الخريف، ف "خرفن"، أي الخريف. ويذكر علماء اللغة أن القيظ هو أشد الحرّ، وأن الخريف ليس في الأصل بامم للفصل، إنما هو اسم لمطر القيظ، ثم سميّ الزمان به فجرى.

وترتبط مسميات الفصول ارتباطاً متيناً مع مواسم الحصاد. ففي أحد النصوص: "صريم وقيضم"، ومعناه "شتاء وصيف"، ويظهر أن صاحبه قصد من لفظة "صربم" الحصاد الذي يتم في أول موسم الشتاء. وأما "قيض"، فهو الصيف، حيث تشتد الحرارة فيه. وفي نص آخر:"قيض ودثا وصرب وميلم" وكلمة "ميلم" يجب أن تؤدي معنى الخريف،إذ القيض، هو الصيف و"دثا." الربيع و "صرب" ا الشتاء، فتكون لفظة "ميلم" بمعنى الخريف إذن، وربما الحصاد، أي الحصاد الذي يجمع في أخر الشتاء، قبل هطول أمطار الربيع.

وفي الربيع والخريف تتساقط الامطار الفصلية في العربية الجنوبية، تتساقط الأمطار الربيعية في شهري آذار و نيسان وأما أمطار الخريف القوية الثقيلة، فتهطل في تموز "جولاي" وآب "أغسطس" وأيلول "سبتمبر". وتعرف أمطار الخريف فتسمى ب "خرف" "خريف". دعيا بذلك لنزولهما في هذين الموسمين. والى هذين الفصلين أشار "بلينيوس" "Pliny" حين قال إن العرب الجنوبيين يسموّن غلة البخور التي يجمعونها في فصل الخريف باسم " Dathiathum"، و يسمون الغلة التي تجع من هذه المادة في فصل الصيف ب Cafiathum والكلمة الأولى هي تحريف للفظة "خريف". وأما الثانية، فتحريف للفظة "دثا"، أي الربيع.

وقد دخلت التسميتان بواسطة التجارة والتجار إلى اليونان، ولا شك. وهما تسميتان واضحتان صحيحتان.

وتؤدي لفظتا "دثا" و "خرفن" معنى الأمطار الموسمية في الغالب، أي أمطار الربيع وأمطار الخريف في بعض الكتابات. وقد تؤديا معنى "الغلات " أي "فرع"، التي تجمع في موسمي الربيع والخريف.

ولدينا نص طريف يفيد أن أصحابه قد أذنبوا بعدم ايفائهم بما نذروه لآلهتهم وكان عليهم الوفاء به في "ذموصبم" كما عاهدوا آلهتهم. ولمخالفتهم عهدهم هذا، أرسلت الآهة عليهم سيلا جارفاً من أمطار شديدة سقطت في موسمي الربيع والخريف، فأتلفت زرعهم وأصابتهم بضرر كبير، واعترافاً منهم بتقصيرهم هذا وبذنبهم، كتبوا النص المذكور، وقدموا نذرهم كاملاً، راجين من الآلهة الصفح عن ذنبهم والعفو عنهم، وأن تبارك في زرعهم، وأن تعوضهم عن خسارتهم التي أصابتهم بغلة وافرة وحاصل غزير.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق