إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 4 فبراير 2016

1760 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الحادي والثلاثون بعد المئة الوقت و الزمان الأيام


1760

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
        
الفصل الحادي والثلاثون بعد المئة

الوقت و الزمان

الأيام

واليوم في عرف علماء اللغة من طلوع الشمس إلى غروبها. ولكنهم يتوسعون في معناه أيضاً، فيقصدون به معاني اخرى، مثل الدهر. أما في الاصطلاح فإنه جزء من أيام الاسبوع والشهر والسنة. وهو ليل ونهار،وهما مجتمعان يكونان اليوم. فاستعمل اليوم على وجهين: أحدهما أن يجعل اسماً للنهار خاصة. والوجه الآخر أن يكون اليوم اسماً للمدة الجامعة للزمانين جميعاً، أعني الليل والنهار.

واعتبر الجاهليون مبدأ اليوم من وقت غروب الشمس. وأما انتهاؤه فبابتداء الغروب التالي له. فصار اليوم عندهم بليلته من لدن غروب الشمس عن الأفق إلى غروبها من الغد، فصارت الليلة عندهم قبل النهار.

ولهذا السبب غلبت العرب الليالي على الايام في التأريخ ؛ "لأن ليلة الشهر سبقت يومه، ولم يلدها، وولدته، ولأن الاهلة لليالي دون الايام، وفيها دخول الشهر". والعرب تستعمل الليل في الاشياء التي يشاركه فيها النهار، فيقولون: أدركني الليل بموضع كذا، وصمنا عشراً من شهر رمضان، وإنما الصوم للأيام، ولكنهم أجازوه إذ كان الليل أول شهر رمضان.

أما اليونان، فقد عدّوا مبدأ اليوم عند شروق الشمس، وأما منتهاه فابتداء شروق آخر، و ذلك بخلاف الرومان الذين عدّوا منتصف الليل هو ابتداء اليوم. ومنتهاه عند منتصف ليلٍ تالٍ له. وقد عدّ التقويم العبراني "لوح"، مبدأ اليوم من وقت غروب الشمس. وأما انتهاؤه فابتداء الغروب التالي له.

وذكر أن العرب خصصوا من الشهر ليالي بأسماء مفردة كآخر ليلة منه، فإنها تسمى "السرار" لاستسرار القمر فيها، وتسمى "الفحمة" أيضاً لعدم الضوء فيها، ويقال لها البراء، وكآخر يوم من الشهر، فإنهم يسمونه النحير، وكالليلة الثالثة عشرة، فإنها تسمى السواء، والرابعة عشرة ليلة البدر.

وقد عرف اليوم ب "يوم" في نصوص المسند كذلك. كما وردت فيها لفظة "ليلم"، أي. "ليل" للتعبير عن الليل، أي اللفظة ذاتها التي تستعملها عربية القرآن الكريم. ووردت فيها لفظة "صبحم" بمعنى صبح وصباح. ولا بد أن تكون في لهجات العرب الجنوبيين مسميات لأقسام الليل والنهار على نحو ما نجده في عربية القرآن الكريم. ولا يستبعد أن يظفر بها الباحثون بعد قيام العلماء بحفريات علمية منظمة في العربية الجنوبية.

وقد أوردت كتب اللغة والاخبار أسماء الأيام التي كان يستعملها بعض الجاهليين، ويتبين منها أن الجاهليين كانوا يسمون الأيام بأسماء مختلفة متباينة بحسب تباين الأماكن والقبائل. وقد ماتت تلك الاسماء الجاهلية، وحلت محلها أسماء متأخرة لم تكن معروفة عند قدماء الجاهليين. فأسماء الايام عند بعض الجاهليين ممن أخذ علماء اللغة عنهم، هي كما زعموا: "شيار" ويراد به السبت، وأول ويراد به الاحد، وأهون، وأوهد ويراد بها يوم الاثنين، وجُبار ويراد به الثلاثاء، ودبار ويراد به الأربعاء، ومؤنس ويراد به الخميس، وعرُوبة أو العروبة أي بالتعريف ويراد به الجمعة.

وقد جمعت أسماء الايام القديمة المذكورة في هذين البيتين: أؤمل أن أعيش، وأن يومي  بأول أو بأهون أو جبـار

أو التالي دبار، فإن أفتـه  فمؤنس فالعروبة أو شيار

وهي أبيات، يرى بعض علماء اللغة انها موضوعة. وقد زعم "ابن كثير" أن البيتين المذكورين من شعر العرب العرباء المتقدمين.

وقد نسب بعض هذه الأخبار هذه الأيام إلى العرب العاربة من بني قحطان وجرهم الأول.

ويذكر علماء اللغة أن أيام الاسبوع المعروفة والمتداولة عندنا في الزمن الحاضر، وهي: الاحد والاثنين والثلاثاء والاربعاء والخميس والجمعة والسبت، هي أسماء إنما عرفت وظهرت في الإسلام. ولكنهم لم يذكروا، ويا نلأسف، متى كان ظهورها ولا في أية سنة كان ذلك، أكان ذلك في مكة أي قبل الهجرة أم بعد الهجرة إلى المدينة ? وقد ذكر "المسعودي" هذه الايام، ثم قال: "وكانت العرب تسميها في الجاهلية: الاحد أول، والاثنين أهون، والثلاثاء جبار، والاربعاء دبار، والخميس مؤنس، والجمعة عروبة، والسبت شيار".

وهناك من اللغويين والأخباريين من يرى أن هذه الأسماء المتداولة مروية عن أهل الكتاب، وأن العرب المستعربة لما جاورتهم أخذتها عنهم، وأن العرب العاربة لم تكن تعرف هذه الأسماء.

وذكر بعض اهل الأخبار، أن الايام المذكورة، هي ما نطقت به العرب المستعربة من ولد اسماعيل، وهي مروية عن أهل الكتاب، وان العرب المستعربة لما جاورتهم أخذتها عنهم، وأن الناس قبل ذلك لم يكونوا يعرفون إلا الأسماء التي وضعتها العرب العاربة، وهي أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت.

ولا يملك الاخباريون دليلاٌ مقنعاً يثبت لنا بجلاء أن أيام الاسبوع المعروفة اليوم إنما وضعت في الإسلام. وفي رواياتهم عن يوم الجمعة ما يخالف زعمهم هذا. ثم إن كلمة "السبت" وردت في آية مكّية. وورودها في آية مكية دليل على وقوف أهل مكة عليها ومعرفتهم بها. أما لفظة "الجمعة"، فقد وردت في سورة مدنية، أي أنها نزلت بعد الهجرة.

وعندي أن أسماء أيام الاسبوع المستعملة عندنا كانت معروفة في يثرب وفي مكة قبل الإسلام. وقد تعلمها أهل يثرب من اليهود، من اختلاطهم بهم. فإن هذا الترتيب للاسبوع مبني على قصة الخلق الواردة في التوراة. ولا بد لذلك لمستعملي هذا الترتيب من أن يكونوا قد تعلّموه من مصدر يهودي أو من مصدر له صلة باليهود، أو من النصارى الساكنين بيثرب أو بمكة. فإننا نعرف أن العبرانيين كانوا لا يسمون أيام الاسبوع بأسماء خصوصية، ولكنهم كانوا يعدّونها بحسب ترتيبها، فيقولون اليوم الأول والثاني والثالث كما هو في العربية، إلا يوم الجمعة والسبت، فقد كانوا يسمون الجمعة "عريب شبات". Ereb Shabat، ومعناه "مساء السبت" و "عشية السبت". وأما السبت، فهو "شبت" "شبات" ومعناه الراحة Rest، و ذلك لاعتقادهم ولما ورد في سفر التكوين: أن الله خلق العالم في ستة أيام، واستراح في اليوم السابع. فسموا هذا اليوم: "يوم الراحة" "يوم ها - شبات" yom ha-shabbat. واختصرت ب "شبات" أي السبت.

ولست أعرف نصاً من نصوص المسند، ورد فيه اسم معين ليوم من أيام الاسبوع، مثل الجمعة أو السبت أو الاحد وغير ذلك. وكل ما نعرفه من النصوص أن العرب الجنوبيين كانوا يذكرون موقع اليوم من الشهر، فيكتبون في اليوم السابع من الشهر الفلاني، أو في اليوم الخامس عشر منه، أو في اليوم العشرين منه، وهكذا. و ذلك لتعيين مكان اليوم من الشهر. وطريقتهم هذه طريقة معروفة عند الساميين وعند غيرهم، وهي لا تزال مستعملة حتى في هذه الأيام كتابة وفي الاستعمال الاعتيادي وفي التوريخ، وذلك للسهولة والاختصار.

ولا نستطيع أن نتحدث عن اليوم المهم في الاسبوع مثل يوم السبت عند اليهود أو يوم الأحد عند النصارى وعند الوثنيين، وإن كان في بعض الروايات ما يفيد أن يوم الجمعة كان من الايام المعظمة في نظر قريش، وقد عرف عندها ب "يوم العروبة"، وكانت تجتمع في كل جمعة إلى كعب بن لؤي ين غالب فيحطب فيها، وأنه هو الذي سمى يوم العروبة يوم الجمعة، و ذلك لتجمع الناس حوله في ذلك اليوم.

وقبل: إن يوم الجمعة لم يعرف بهذا الاسم إلا في الإسلام. وأن الانصار هم الذين بدلوا اسم "يوم العروبة"، فجعلوه "الجمعة"، ذلك أنهم نظروا فإذا لليهود يوم في الاسبوع يجتمعون فيه، وللنصارى يوم يجتمعون فيه هو الاحد، فقالوا: مالنا لا يكون لنا يوم كيوم اليهود أو النصارى، فاجتمعوا الى سعد ابن زُرارة، فصلى بهم ركعتين وذكرهم، فسموا ذلك اليوم يوم الجمعة لاجتماعهم فيه، وأنزل الله سورة الجمعة، فهي على حد قول أصحاب هذه الرواية أول جمعه في الإسلام. وقد انتبه بعضهم إلى خطل رأي من ذهب إلى أن يوم الجمعة انما سمي بهذه التسمية في الإسلام، فقال إن يوم الجمعة كان يسمى بهذا الاسم قبل أن يصلي الأنصار الجمعة.

وقد انتبه علماء العربية إلى اسم "يوم عروبة"، فقالوا: هو اسم قديم للجمعة.

"وكأنه ليس بعربي". و "عروبة" بمعنى غروب في السريانية وفي العبرانية، وقد سمي اليوم السابق للسبت "عروبة"، لأنه غروب، أي مساء نهار مقدس. وذكر أهل الأخبار، أن كل أربعاء يوافق أربعاً من الشهر، مثل أربع خلون، وأربع عشرة خلت، وأربع عشرة بقيت، وأربع وعشرين، وأربع بقين، فهي: "أيام نحسات". ونظراً لورود الاشارة إلى هذه الأيام في كتب أهل الأخبار، ولاعتقاد الجاهليين بالنحس، وبوجود نجمين للسعد وللنحس، كما في قول الشاعر: يومين غيمين ويوماً شمسا  نجمين بالسعد ونجماً نحسا

فإن في استطاعتنا القول بوجود الأيام النحسات عند الجاهليين.

ويقسم النهار والليل إلى اثني عشر قسماً، كل قسم منها ساعة، فيكون مجموع ساعات اليوم أربعاً وعشرين ساعة. وساعتنا المعروفة مأخوذة من الساعة السومرية البابلية، فقد قسّم البابليون الليل والنهار إلى ساعات متساوية هي اثنتا عشرة ساعة لكل كل من الليل والنهار، وجرى الناس على هذا التقسيم حتى اليوم. وذكر بعض علماء اللغة أن "الاناء" الساعات. وكان الجاهليون إذا شغلوا انساناٌ بالساعات، قالوا لذلك "المساوعة".

ويروي الأخباريون أن العرب وضعت لساعات النهار والليل أسماء غير مستعملة عندنا، فأما ساعات النهار، فهي: "الذرور" "الدرور" ثم البزوع "البزاغ"، ثم الضحى، ثم الغزالة، ثم الهاجرة، ثم الزوال، ثم الدلوك، ثم العصر، ثم الأصيل، ثم الصبوب ثم الحدود، ثم الغروب. ويقال فيها أيضاً: البكور ثم الشروق، ثم الاشراق، ثم الرأد، ثم الضحى، ثم المتوع، ثم الهاجرة، ثم الأصيل، ثم العصر، ثم الطَّفل، ثم العشي، ثم الغروب.

وأما ساعات الليل، فهي على حد قولهم: الشاهد، ثم الغسق، ثم العتمة، ثم الفحمة، ثم الموهن، ثم القطع، ثم الجوسر "الجوس" "الجوشن"، ثم العبكة، ثم التباشر، ثم الفجر الأول، ثم المعترض، ثم الإسفار. وأسماء أخرى يذكرها اللغويون، حيث يروون أن الجاهليين كانوا يقسمون اليوم إلى اربع وعشرين ساعة. غير إن من الصعب العثور على دليل يفيد وجود هذا.التقسيم عندهم، ويقول اهل مكة بوجود فجرين، أحدهما قبل الآخر. فالفجر الأول هو الفجر الكاذب، ويسمى "ذنب السرحان" لدقته. والفجر الثاني هو الفجر الصادق، ويقال له "المستطير"، ومنه الحديث: "ليس بالمستطيل، يعني الفجر الأول، ولكن المستطير"، يريد المنتشر الضوء. ومع طلوعه يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.

وهناك شفقان، أحدهما قبل الآخر: الشفق الأحمر، والشفق الأبيض. وهو يغرب في نصف الليل، ويقال لليوم الذي يسبق اليوم الذي نحن فيه. يوم أمس، أو الأمس، ونهار أمس. أما البارحة، فيراد بها أقرب ليلة مضت، أي الليلة الماضية. وأما اليوم الذي يلي اليوم الذي نحن فيه، فهو نهار الغد، والغد، وبكرة.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق