إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 3 فبراير 2016

1740 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثاني والعشرون بعد المئة المسند ومشتقاته الترقيم


1740

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
        
الفصل الثاني والعشرون بعد المئة

المسند ومشتقاته

الترقيم

لقد تحدثت عن الترقيم عند الصفويين، وذكرت أنهم ساروا في من الواحد إلى الخمسة على أساس وضع خطوط عمودية، يمثل كل خط منها العدد "1". فإذا أرادوا كتابة الرقم "1"، وضعوا خطاً واحداً يمثله. وإذا أرادوا كتابة "2"، وضعوا خطين عموديين. وإذا أرادوا العدد "3"، وضعوا ثلاثة أعمدة. وإذا أرادوا العدد "4"، كتبوا أربعة خطوط عمودية. وأما إذا أرادوا الرقم "5" وضعوا خمسة خطوط.

وكتابة الأرقام من المسائل العويصة التي جابهت الكتّاب في الأزمنة القديمة. وقد كان كتاّبهم يكتبون بالحروف، ولكنهم كانوا إذا أرادوا تدوين الأرقام تحيروا: هل يكتبونها كتابة بالحروف أو يجعلون لها رموزاً خاصة تشير إلى الأعداد. وقد وجدنا أن العرب الجنوبيين كانوا قد اختاروا الخط العمودي لتمثيل الرقم "1"، فإذا أرادوا الرقم "2"، وضعوا خطين، وإذا أرادوا الرقم "3"، وضعوا ثلاثة خطوط. وإذا أرادوا الرقم "4"، وضعوا أربعة خطوط. ولصعوبة الاستمرار على هذه الطريقة، بسبب كبر الأعداد، اختاروا الحرف الأول من لفظة خمسة وهو الخاء لتمثيل العدد "5"، واختاروا الحرف "ع" وهو الحرف الأول من العدد عشرة لتمثيل هذا العدد، واختاروا رموزاً أخرى كما رأينا لمعالجة مشكلة العدد عندهم، فحلوا بذلك عقدة الترقيم بعض الحل، ولم يبلغوا منه التمام.

وقد اختارت بعض الشعوب النقط، بدلاً من الخطوط. فالرقم "7" مثلاً تمثله سبع نقط، والرقم "31" تمثله ثلاث نقط. وسارت شعوب أخرى عل طريقة الخطوط فرمزوا عن الرقم "5" بخمسة خطوط، وعن الرقم "0 ا" بعشرة خطوط عمودية، وعن الرقم "5ا" بخمسة عشر خطاً عمودياً. ودفعتهم صعوبة كتابة الأرقام الكبيرة بهذه الطريقة، إلى التفكير في طريقة أخرى تكون مختصرة بعض الاختصار وسهلة في التعبير عن قيم الأرقام، فاختار بعضهم النقطة رمزاً عن العدد "0 ا"، واختار بعض آخر خطاً أفقياً ليكون ذلك الرمز، وبذلك سهلت عليهم كتابة الأرقام الآحاد مع العشرات. فإذا أرادوا كتابة الرقم "0 ا"، وضعوا نقطة واحدة"."أو خطاً افقياً على هذا الشكل - ليشير الى الرقم "10"، وإذا أرادوا الرقم "1 ا"، كتبوه على هذه الصورة: "10" أو "- 1".

وإذا أرادوا الرقم "15"، كتبوه على هذا الشكل "0 111 11" أو على هذا الشكل: "- 11111".

وغيّر الفينيقيون وبنو إرم وأهل تدمر بعض التغيير في شكل الخط الأفقي الدال على العدد "10"، بأن جعلوا في طرفه الأيمن خطاً ممتداً إلى الأسفل قليلاً على شكل زاوية متجهة نحو اليسار. ثم أجرى النبط تعديلاً يسيراً في هذه العلامة الجديدة بأن جعلوا رأسها متجهاً إلى أعلى اليمين، اي نحو الزاوية اليمنى للمادة التي يكتب عليها. أما مؤخرتها، فقد وجهوها نحو الجهة الجنوبية اليسرى.

وقد سار الفينيقيون وبنو إرم على طريقة الترقيم بالخطوط العمودية للأعداد من "1" إلى العدد "9". ولتسهيل قراءة الأعداد التي تزيد قيمتها العددية على ثلاثة، جعلوا كل ثلاثة خطوط متقاربة، بحيث تظهر في شكل مجموعة واضحة، وتمثل هذه المجموعة الرقم "3"، ووضعوا على يسار هذه المجموعة ما يكملها لتكوين العدد المطلوب. فكانوا إذا أرادوا مثلاً كتابة الرقم "5"، كتبوه على هذه الصورة: "111 11" اي الرقم "3" الذي تمثله ثلاثة خطوط عمودية منضمة بعضها إلى بعض، ثم الرقم "2" الذي يمثله خطان منضمان، وبين هذين الرقمين فراغ قليل يفصل بين العددين. واذا أرادوا الرقم "6" كتبوه مجموعتين متجاورتين، كل مجموعة ذات ثلاثة خطوط منضمة، وبين المجموعتين فراغ صغير. غير إن بعض الكتابات كتبت الرقم "6" على هذا الشكل: 111 أي انها وضعت الرقمين ثلاثة أحدهما فوق الآخر، ليشير هذا الوضع إلى حاصل جمع العددين، وهو ستة.

وقد اصطلح النبط على اتخاذ علامة خاصة بالعدد "4" جعلوها على هيأة التاء في المسند، أي على هذا الشكل: "?"، كما اصطلحوا على اتخاذ علامة اخرى خاصة بالرقم "5"، شكلها قريب من شكل الرقم "5" في الحروف اللاتينية، اي على هذا الشكل تقريباً: " 5". على حين رمز غيرهم مثل أهل تدمر عن الرقم "5" برمز يشبه حرف ال" Y" في الأبجدية اللاتينية. فإذا أرادوا كتابة الرقم "6"، وضعوا الرقم الذي يرمز عن العدد "5"، ووضعوا خطاً على يساره ليشير بذلك إلى العددين خمسة زائداً واحداً "5 + 1" " Y ا" ومجموعهما. ستة. واذا أرادوا الرقم "7"، كتبوا خمسة زائداً خطين يوضعان على يسار الرقم "5"، ليتكون من العددين العدد "7"، " Y11"، وهكذا العدد "9".

وقد سار الكتّاب في ترقيم الأعداد التي بعد العشرة على طريقتهم التي اتبعوها في السير أفقياً في الترقيم، إلا في حالات قليلة ساروا على طريقة وضع الأرقام بعضها فوق بعض، وجعلوا للرقم "20" علامة تتألف من نقطتين إحداهما فوق الأخرى، أو من خطين أفقيين أحدهما فوق الآخر على شكل علامة مساوٍ "=" في علم الحساب، أو من علامة تشبه حرف الشين في المسند "4"، أو من علامة تشبه حرف ال " N" في اللاتية. ووضع النبط للعشرين علامة تشبه ال " 3" اللاتيني في بعض الأحيان، وتشبه الرقم " 8" اللاتيني في أحيان أخرى، غير انهم فتحوا النهاية السفلى من الرقم " 8" جعلوها مفتوحة في الغالب.

وتكتب الأعداد الآحاد على الجهة اليسرى من العشرات، فإذا أردنا كتابة الرقم "11"، كتبنا الرقم "10" أولاً ثم العدد "1" من بعده ويكتب الى يسار الرقم "10". فإذا أردنا كتابته على الطريقة الفينيقية أو الإرمية، كتبناه على هذه الصورة: "- ا". واذا أردنا كتابته على طريقة اهل تدمر أو طريقة النبط، وضعنا العلامة التي وصفتها الخاصة بالعشرة، ووضعوا الى يسارها خطاً واحداً يمثل العدد "1"، واذا أرادوا العدد "12"، وضعوا خطين بعد الرقم "10"، واذا أرادوا "13" وضعوا ثلاثة خطوط. واذا أرادوا "14"، وضعوا أربعة خطوط. أما إذا أرادوا الرقم "15"، فإن منهم من وضع خمسة خطوط بعد الرقم عشرة كما كان يفعل الفينيقيون، ومنهم من اتبع هذه الطريقة وطريقة تمثيل العدد بخطوط، فوضع خمسة عشر خطاً لهذا العدد. ومنهم من وضع بعد العلامة الخاصة بالرقم "10" العلامة الخاصة بالرقم "5" كالنبط وأهل تدمر.

أما مكررات العشرة، فتكتب على هذه الصورة. إن كان العدد العشرات  

من الأعداد الزوجية فيكتب العدد بقدر احتواء العدد المراد تسجيله على العدد عشرين. فإذا أردنا كتابة الرقم "40"، كتبنا الرقم "20" مرتين، وإن كان العدد "60"، كتبنا العدد "20" ثلاث مرات. وإن كان العدد "80"، كتبناه أربع مرات. أما إذا كان العدد العشرات من غير الأعداد الزوجية كما في مثل ثلاثين، فإننا نكتب العدد "20" أولاً ثم نضع الرقم "0 ا" على يساره، فيتكون من مجموع قيمة العددين "30" 0 أما إذا أردنا الرقم "70" مثلاً، كتبنا العدد "20" ثلاث مرات، ثم العدد "10" على الجهة اليسرى من الأرقام الثلاثة. وقد كتب هذا العدد في بعض الكتابات الإرمية بست نقُط: ثلاث نقط في أعلا وثلاث نقط في أسفلها، ونقطة على الجهة اليسرى من المجموعتين وفي مقابل الموضع الوسط الذي يكون الحد الفاصل بين المجموعتين وعلى هذا الشكل "000" أما العدد مئة، فقد رمز عنه بعلامات متعددة، منها هذه العلامات: "15" و " "و "". ونرى أن العلامة الأولى هي توسيع للرقم الذي رمز إليه عن العشرة. وقد اتخذ النبط علامة تشبه الرقم "9"، أو الحرف " P" في اللاتينية. وقد سبق أن ذكرت إن العرب الجنوبيين كانوا قد اتفقوا على اعتبار الحرف الأول وهو الميم من لفظة مئة هو الرمز الذي يشير إلى العدد، واعتبروا نصف هذا الحرف رمزاً على العدد "50" باعتبار إن الخمسين نصف المئة،فنصف الحرف ميم هو رمز عن هذا العدد.

أما العدد الألف، فقد وجدت له في بعض الكتابات علامات خاصة. وقد رمز عنه الفينيقيون وبنو إرم بعلامة هي عبارة عن خط مائل يتصل به ما يشبه نصف القوس من جهة اليمين، ورأس الخط مائل إلى ايمن، أما أسفله فمتجه نحو اليسار.

و لم ترد في الكتابات الصفوية أرقام كثيرة، لذلك لا نستطيع أن نحكم على طريقتهم في الترقيم وفي العدّ. غير أن في استطاعتنا القول، استناداٌ إلى هذه النماذج،القليلة التي وصلت الينا، انهم اتبعوا في الترقيم الطريقة النبطية وطريقة أهل تدمر، ولم يتبعوا طريقة العرب الجنوبيين في تدوين العدد. ويمكن ارجاع سبب ذلك إلى اتصالهم اتصالا مباشراً بالنبط وبأهل تدمر، والى تأثرهم بثقافتهم. ولما كانوا محتاجين إلى تدوين الأرقام اضطروا إلى اقتباس طريقة النبط وأهل تدمر في كتابة الأعداد بالأرقام.

ونجد في الجدول المقابل كيفية تدوين الأرقام في الفينيقية الآرامية،والتدمرية، والنبطبة. وهي تختلف اختلافاً بيناً عن صور الأرقام التي نستخدمها اليوم في عربيتنا. ونلاحظ إن من بين الترقيم في المسند، وبين الترقيم في هذه الأبجديات تشابه كبير إلى حد الرقم "4"، ثم يختلف، فقد اخذ العرب الجنوبيون الحرف الأول من لفظة "خمسة"، وجعلوه رمزاً إلى العدد "5"، بينما اتبع الباقون طريقة التخطيط بالرقم "1" إلى العدد "9" في الفينيقية، ثم بدلوا الطريقة. وسلكت هذا المسلك الأبجدية الارامية، أما الابجدية التدمرية والابجدية النبطية، فقد اتبعتا سبيلا" آخر، فيه اختلاف في بعض الأعداد، ولكن بينهما تجانسا بوجه عام. مما يدل على أنهما أخذا الترقيم من منبع واحد.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق