إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 3 فبراير 2016

1715 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الرابع عشر بعد المئة الحرف النجارة


1715

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
 
الفصل الرابع عشر بعد المئة

الحرف

النجارة

والنجارة من الحرف القديمة المهمة في المدن. وقد عثر على نماذج من مصنوعات خشبية في اليمن تدل على حذق النجار وذكائه وتقدمه في مهنته، ويظهر من روايات أهل الأخبار أن أهل مكة والمدينة لم يكونوا على حظ كبير في النجارة، ولذلك كانوا يستعينون بالرقيق وبالأجانب في أعمال نجارتهم كاليهود أو الروم. وفي الذي رووه عن تسقيف الكعبة في أيام الرسول وقبل نزول الوحي عليه ما يدل على ندرة النجارين في مكة في تلك الأيام. ويعلل أهل الأخبار ذلك بسبب أنفة العربي من الاشتغال بالحرف. فاعتمد على الأجانب وأغلبهم من الرقيق في اداء هذه الحرفة.

والنجار، هو الذي ينجر الخشب. فيقوم بنشره وحفره واصلاحه وعمله على النحو المطلوب وحرفته النجارة. وفي هذا المعنى: نجارة الخشب.

ومادة النجارة، الخشب. وهو نوعان: نوع مستورد من الخارج، إما من الهند، وإما من إفريقية، وهو من النوع الجيد الصلب القوي المقاوم. وهو ثمين غال. لهذا استعمل في صنع الأثاث الفاخر الثمين وفي الأدوات التي نحتاج إلى خشب صلب مقاوم وفي المعابد والقصور وفي الأبنية المهمة، ومن أهم أنواعه الساج والآبنوس والعندل. ونوع هو من حاصل أرض جزيرة العرب وناتجها. وهو دون الخشب الأول في المقاومة والجودة، وفي الاستفادة منه في أعمال النجارة لأن معظمه ليس من النوع الناضج الغليظ الصلد القوي، لا يصلح إلى للاعمال النجارية الاعتيادية وللوقود: ما خلا أنواعا، قلية منه استخرجت من بعض الأماكن مثل "النضار"، وهو خشب غليظ بعض الشيء ينبت شجره في غور الحجاز، وبعض أشجار اليمن والمناطق الجبلية الأخرى.

وترد في كتابات المسند كلمة "عضم" "عض"، ويراد بها "الخشب" في لهجتنا ، ترد في كتابات البناء بصورة خاصة، أي الكتابات التي هي عبارة عن وثيقة بناء، إذ كان أرباب الدور و الأبنية يذكرون المواد التي استخدموها في البناء، وفي جملة ذلك الخشب. وقد وردت لفظة "العضم" في كتب اللغة بمعنى خشبة ذات أصابع يذرىَ بها الطعام. ويشترك العبرانيون مع العرب الجنوبيين في تسمية الخشب ب "عض".

وقد استخدم الخشب في تقوية الجدر، استخدموا الخشب القوي الصلد منه.

ولا تزال آثاره باقية ظاهرة فيما تبقى من أبنية الجاهليين، وبعضه قوي لم يعث به الزمن فسادا، ولم يفْنه، كما استخدم في صنع السقوف والأبواب وفي تقوية السلالم، وفي صنع الشبابيك وأمثال ذلك من الأعمال التي تدخل في صلب البناء، وتكون جزءاً منه. وقد استورد معظم هذا الخشب الصلد القوي الساجْ والآبنوس والصندل من الهند ومن افريقية لعدم وجوده في جزيرة العرب، ولا تزال اثاره وقطع منه باقية على الرغم من مرور مئات من السنين عليه.

واستخدم الخشب في صنع أثاث البيت وفي كثير من الأدوات المستخدمة في حياة الإنسان. وقد عثر على بعض، مصنوعات من الخشب استخدمت أثاثاً، تدل على مهارة صناعها وعلى حسن تصرفهم في صنعها وفي هندستها. ويعبر عن الأثاث في المعينية بلفطة "رثد". وهي في مقابل متاع. وتؤدي أيضاً معنى التنظيم والترتيب وتنسيق الأشياء. وفي المسند لفظة أخرى تؤدي هذا المعنى هي لفظة "ربب" ومعناها السناد والأساس أيضاً. وبالمعنى المذكور ترد لفطة "رثد" في عربية القرآن الكريم.

وقد ذكر في القرآن الكريم أسماء بعض الأثاث، مثل الأرائك والسرر "متكئين على سرر مصفوفة"، "وسرراً عليها يتكئون"، و "على سرر موضونة"، و " على سرر متقابلين"، " فيها سرر مرفوعة"،والكرسي.

وقد تصنع السرر من سعف النخيل، كما تصنع الكرسي في هذه المادة أيضا، وتصنع المشاجب من الأعواد المركبة توضع عليها الثياب. واذا بوعد بين الاشياء المنسوج بها السرير أو غيره من سعف النخل، قيل لذلك مرمل، فيقال: سرير مرمل، إذا كان قد نسج وجهه بالسعف ، وبوعد بشيه بين الأشياء المنسوج بها وقصد بالكرسي، الكراسي الكبيرة المرتفعة، وقد استخدم خاصة لجلوس الملوك، وفي غرف الاستقبال. وقد أشير الى الكرسي في القرآن الكريم. فورد: )وسع كرسيه السماوات والأرض(.

والعرش من الألفاظ الواردة في القرآن الكرم كذلك، وهو من البيت سقفه،  

ويجمع على عروش، والعرش شبه الهودج اًيضا. وقد يصنع من الخشب، يقوم بصنعه النجار، وقد يكون من حجارة أو غير ذلك. ومن ذلك العرش الذي يتربع عليه الملوك، والعرش: الخيمة من خشب وثمام، والتابوت أيضاً أي سرير الموت والخشب تطوى به البئر ، والعرش هو السرير الذي ينام عليه، قد يكون له حاجز يمنع للنائم من السقوط. وقد يكون له حاجز. وهو بهذه التسمية "عرش" عند العبرانيين. وقام النجار بصنع أواني الطعام أيضاً، ولا سيما الأواني الكبار التي تستعمل في إطعام عدد من الناس في المناسبات، وتدخل بيوت الملوك وسادات القبائل والأغنياء الكرماء في الغالب وفي بعض الظروف والمناسبات، مثل المآتم والأفراح. ومنها "الجفنة"، وهي - كما يقول بعض علماء اللغة - أعظم ما يكون من القصاع، يوضع فيها الطعام، ليتناول منه عدد من الناس. وقد افتخر الشاعر "حسان بن ثابت" ب "الجفًنات" دلالة على الكرم والجود. و "القصعة" وهي تلي الجفنة في السعةَ ، يشبع الضخم منها عشرة أشخاص. ثم "الصحفة" وتجمع على "صحاف" وقد وردت في شعر معزوّ للاعشى: والمكاكيك والصحاف من الفضة  والضامرات تحـت الـرجـال

وتصنع من الفضة كذلك، كما رأينا فى هذا البيت المتقدم، وذكر أنها تشيع خمسة أشخاص. ويليها في الحجم والسعة "المئكلة"، تشبع الرجلين والثلاثة. ثم الصحيفة، وتشبع الرجل.

وتصنع بعض هذه الأواني من مواد أخرى، كالأدم، أو من المعدن كما قلت في "الصحاف" حيث تصاغ من الذهب والفضة لبيوت الملوك والأمراء والشيوخ و الأغنياء.

وقام النجار، ولا سيما من تخصص بالقداحة منهم، بعمل القدح النضار، وهو القدح المعمول من النضار، والنضار خشب معروف في الحجاز في أيام الرسول يكون بغور الحجاز، يعمل منه ما رقَّ واتسع وغلط من الأقداح،وذلك لتحمل هذا الخشب ما لا تتحمله الأنواع الأخرى من الخشب المستخرج من الحجاز. وقد كانوا يدفنون هذا الخشب حتى ينضر، ثم يعمل فيكون أمكن لعامله في ترقيقه. وقد كان عند الرسول قدح نضار عريض. ويعبر أيضاً عن الأقداح المنحوتة من الخشب ب "الخشيب".

كما جهر النجارون أصحاب الحرف الأخرى بالأدوات المساعدة التي تهم في حرفهم، فصنع لأهل الطعام "الروسم " أو "الروشم"، وهو خشبة فيها كتاب منقوش يختم به الطعام لئلا يسرق منه، ويستخدمه الحناطون وأمثالهم من باعة الطعام، وقيل: الطابع الذي يطبع به رأس الخابية. واللفظة من الالفاظ المعربة على رأي بعض العلماء. وصنع للمزارعين "النورج"، وهو المدوس ، يداس به الطعام، فقد يصنع من الحديد أيضا. و "الهاون"، وهو المهراس، والمنحاز، ويدق به، وقد أدخل في المعربات. وقد يصنع من حجر، فيدق اللحم أو الحبوب فيه لسحقها.

وصنع النجار "الميتدة"، وهي مطرقة من خشب، يستعملها الأعرابي بصورة خاصة لدق أوتاد خيمته في الأرض. وتعرف ب "مقبه" "مقابه "عند العبرانيين.

وصنع النجار أبواب البيوت، ويقال للخشبة التي تدور فيها رجل الباب"النجران". ويقال لأنف الباب الرتاج، و لمترسه القُنّاح و النجتاف.وعمل"النجيرة": السقيفة من خشب ليس فيها قصب ولا غيرهْ.

وصنع للنجار صناديق من خشب، لخزن الأشياء فيها، تقفل بقفل.وقد عني بزخرفتها بتلوينها أو بالحفر على أوجهها، وذلك بالنسبة للصناديق الثمينة التى تستعملها الطبقات الراقية.

وفي جملة مصنوعات النجار "الحدوج"، مركب من مراكب النساء يشبه المحفة، تركبه نساء الأعاب على الإبل. وذكر إن الحدج مركب ليس برجل ولاهودج تركبه نساء الأعراب. والهودج مركب للنساء مقبب وغير مقبب يصنع من العصي ثم يجعل، فوقه الخشب فيقبب. وذكر انه محمل له قبة تستر بالثياب يركب فيه النساء.

ويستعين النجار بجملة أدوات في صنعته، بعضها من صنع الحداد، لأنها من الحديد، مثل الفأس على اختلاف أنواعها، والمنشار و المحفرة و المحفار، والمنقار والمسحل والمثقب والكلبتان والمسامير والأوتاد وغير ذلك من أدوات تستعمل في قطع الخشب وفي تنظيمه وصقله وهندسته لجعله صالحاً للعمل. ونجد في كتب اللغة ألفاظاً عديدة تتعلق بهذا الموضوع.

ومن الأدوات التي يستعين بها النجارون في قياس تربيع الخشب "الكُوس" وهي خشبة مثلثة.

ويستعمل النجار المنشار في قطع الأخشاب والأشجار. ويقال لنحت الخشب كذلك. أما المنقار،،فهو حديدة كالفأس مستديرة لها خلف ينقر بها، ويقطع بها الحجارة والأرض الصلبة والخشبْ. ولا سيما في نقش الخشب وحفره.والحفرة وتعرف بالمحفار أيضاً ، حديدة يحفر بها الشيء ، وتستعمل في حفر الخشب لأغراض متعددة، مثل نقشه أو الكتابة عليه. وأما المخل، فالمنحت، آلة ينحت بها الخشب كالمبرد. والمثقب آلة يثقب بها. والكَلبتان آلة يستعملها النجار والحداد، يستعملها النجار في اخراج المسامير، ويستعملها الحداد في أخذ الحديد المحمي. وأما المسامير، فما يشد به.

ونجد في "الكتاب المقدس" - في التورأة والانجيل - أسماء أدوات عديدة استعملها النجار في عمله، منها ما استعمل لقطع الخشب واعطائه الشكل المطلوب، ومنها ما استعمل لنشر الخشب وقصه، ومنها ما استعمل لثقبه باستعمال المثاقب الآلية أو اليدوية التي تعمل الثقوب بالطرق وبطريقة الحفر، كما أشر فيه إلى المساميرا. وقد ذكر في القرآن الكريم الواح الخشب التي تستعمل في صنع السفن، و "الدسر" وهي المسامير. والسفن في ذلك العهد من صنع النجارين. وآلات النجارة المذكورة في التوراة وفي الأناجيل،معروفة ومستعملة عند الجاهليين. وقد تصنع الدسر من الخشب.

وهناك نجارون تخصصوا بصنع القوارب والسفن: لاستعمالها في صيد السمك وفي البحار للتجارة البحرية والنقل. ونظراً لعدم وجود الأنهر الكبيره والبحيرات في جزيرة العرب، انحصرت حرفة صنع القوارب والسفن في السواحل. ويستورد أهل هذه السواحل الخشب القوي الصلد من افريقية والهند لصنع السفن الكبيرة التي يكون في مقدورها الابتعاد عن الساحل والسير إلى الأماكن البعيدة.

ولا يستبعد قيام النجار الجاهلي بصنع العربات والمركبات، وذلك لاستخدامها في السلم وفي الحرب. فقد كان المصريون والعراقيون وأهل بلاد الشام يستخدمونها، وليس من المعقول حلم وجود علم للجاهليين ولاسيما لأهل اليمن بصنعها وبالاستفادة منها. والعربة هي "عجله" "ع ج ل ه" عند العبرانيين وتستخدم في نقل الحاصلات. وقد أشير الها في التوراة ، وقد عرفت ب "م "ر ك ب ه" "مركبه" كذلك، وب "مركب" أيضاً، من أصل "ركب" احدى الألفاظ التي ترد في اللهجات السامية. وهي "مركبة" في عربيتنا و "نركبتو Narkabtu" في الأشورية و "مركيثا Markabtha " في السريانية. وقد تعني الحيوان وحده الذي يركب عليه.

ويراد ب "عجله"، العربة التي،تستخدم في نقل الحاصلات الزراعية في الغالب، وقد عثر على صور عربات في الاثار المصرية والأشورية واليونانية والرومانية. وبينها عربات استخدمت في القنال. ولبعضها مظلات لتحمي ركابها من الشمس والمطر. ويسحب العربات الزراعية ثور أو ثوران في الغالب. وقد تستخدم الحمير والبغال. أما عربات القتال فتجرها الخيل. وقد كانت دواليب العربات من الخشب، إلا انها صنعت من الحديد أيضاً. والغالب أن يكون للعربة دولابان، ولكن العربات ذات الأربعة دواليب كانت معروفة أيضاً ومستعملة، ولا سيما في أمور النقل. وقد كان الأكاسرة يستعملونها لنقل عوائلهم، ولها ستائر وسقف.

وذكر علماء العربية أن العجلة: الدولاب. وأن "المركب" واحد مراكب البرّ والبحر. والظاهر أن العجلات والمركبات كانت نادرة الوجود فى أكثر مواضع جزيرة العرب. إذ لا نجد لها ذكراً في أخبار الأخباريين عن الجاّهليين ولا في كتب اللغة.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق