إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 3 فبراير 2016

1736 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثاني والعشرون بعد المئة المسند ومشتقاته أصل القلم المسند


1736

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
        
الفصل الثاني والعشرون بعد المئة

المسند ومشتقاته

أصل القلم المسند

ذكرت أن أكثر المستشرقين رأوا أن القلم العربي الذي دون به القرآن الكريم، أخذ من القلم النبطي المتأخر. أما المسند، فقد رأى كثير منهم أنه اشتق من الأبجديات السامية الشمالية كذلك. وذهب بعضهم إن انه تفرع من الأبجدية السينائية ومنهم من قال إن الأبجدية العربية الجنوبية تفرعت من نفس الأصل الذي أوجد الخط الفينيقي، فهي لنلك من أقدم الأبجديات المعروفة. ونحن إذا أنعمنا النظر في شكل الأبجدية الطورسينائية والمسند، نجدهما لا تتشابهان إِلا في رسم حرفين أو ثلاثة. وتتكون الأبجدية الطورسينائية من اثنين وعشرين حرفاً كالفينيقية والعبرانية. أما الأبجدية العربية الجنوبية، فتتألف من تسعة وعشرين حرفاً، أي بزيادة سبعة أحرف على أبجدية طور سيناء.

وحجة القائلين أن المسند قد أخذ من القلم الفينيقي، وأن الأبجدية الفينيقية هي أقدم الأبجديات وأم الأبجديات.ولكننا إذا أنعمنا النظر في رسم حروف الأبجديتين، نجد التشابه بينهما في هيأة الحروف ورسمها ليس كبيراَ، كما أن الأبجدية العرّبية الجنوبية تزيد عليها في سبعة أحرف،وهذه الأحرف الزائدة لا تختلف عن الأحرف المشتركة بين الأبجديتين في هندسة الرسم والشكل. فلعل الأبجديتين قد تفرعتا من أصل واحده، فلا يعد المسند لذلك فرعا نبت من الفينيقية.

وزعم نفر من الباحثين في تطور الخط أن المسند مشتق من القلم الكنعاني، ولكن بعض علماء العربية الجنوبية ينكَر هذا الرأي. إذ يرى أن المسند أقدم عهداً من الأبجدية الكنعانية، وأن الكتابات العربية الجنوبية أقدم زمناً من أقدم الكتابات الكنعانية،فلا يصح إذن القول بأن المسند مشتق من القلم الكنعاني. ومما يلاحظ على الأبجديتين إن الأبجدية الكنعانية يعوزها من الحروف: ذ، ض، ظ، س "سامخ"، ث، غ. ولكن الأبجديتين تشتركان اشتراكاً تاماً في الحروف: ج، ط، ل، ن، ع، ش، ق، ت، و. وتختلفان في بعض الحروف اختلافاً كبيراً، وليس بمستبعد أن تكون الأبجديتان قد تفرعتا من أصل واحد.

والرأي عندي إن من الصعب البت في الوقت الحاضر في موضوع أصل المسند،لأن صور الأبجديات القديمة الواصلة الينا لا تزال قليلة، ولا نجد بين صورها وبين صور المسند تشابهاً كبيراً بحيث يمكن إن نستنبط من هذا التشابه حكماً يفيدنا في تعيين أصل المسند. والتشابه بين حروف قليلة لا يمكن إن يكون سبباً للحكم باشتقاق خط من خط. وعندي إن الأبجدية العربية الجنوبية تمثل مجموعة خاصة، تفرعت من أصل لا نعرف من أمره اليوم شيئاً،لان شكل حروف المسند لا يشبه شكل حروف الأبجديات المعروفة، فلننتظر. فلعل المستقبل يكشف للعلماء النقاب عن أبجديات مجهولة.

ولا يعقل بالطبع إن يكون اهل العربية الجنوبية قد أوجدوا خطهم من العدم، من غير استعانة بعلم مسبق عن الحروف والأبجديات، بل لا بد إن تكون أبجديتهم قد أخذت من أبجدية أخرى، ومن فرع من فروع الخط الذي أوجدته البشرية، ودليل ذلك إن أسماء الحروف الأساسية التي ترد في كل أبجدية هي واحدة، وفي وحدة الأسماء دلالة على وجود اصل واحد، تفرعت منه الخطوط. والمسند بالنسبة لنا، هو خط قائم بذاته، يشابهه الخط الحبشي، ومن فروعه الأبجدية اللحيانية والثمودية و الصفوية. فكل هذه الأبجديات هي من فصيلة واحدة رأسها المسند، أما ما فوق المسند، فلا نعرف من أمره أي شيء.

وفي المسند حرف لا وجود له في أبجديتنا يكون على هذا الشكل: وهو بين الزاي والسين، ولذلك يجعله البعض سيناً حين ينقلون نص كتابة عربية جنوبية الى عربيتنا، أو إلى اللغات الأورربية. كما يقرأ حرف الجيم "6" "كيما"في المسند على نحو نطق المصريين بهذا الحرف في لسانهم.

ومن القلم المسند أخذ الأحباش قلمهم الذي يكتبون به، نقله اليهم السبئيون الذين هاجروا إلى الحبشة قبل الميلاد وأقاموا لهم حكومة هناك وأثروا في الأحباش، فكان من تأثرهم فيهم هذا القلم الحبشي.

وحروف المسند منفصلة غير متصلة، أعني انها ليست كحروف الأبجدية التي نكتب بها، بل الحروف فيها مستقل بعضها عن بعض غير متصل به. ولتمييز الكلمات بعضها عن بعض، وضع الكتاب خطوطاً مستقيمة عمودية تشير إلى انتهاء الكلمة والى ابتداء كلمة جديدة. وتبدأ الكتابة عندهم من اليمين في العادة،وتنتهي في اليسار، غير انهم قد يكتبون من اليسار أيضاً، وينتهون بالسطر في اليمين. وقد يمزجون بين الطريقتين في فيبتدئون في اليمين مثلا، وينتهون بالسطر في اليسار، ثم يبدأون في السطر الذي يليه من اليسار، وينتهون في اليمين، ويبدأون بالسطر الذي يليه من اليمين لينتهي باليسار،ويبدأون في الثالث من اليسار وينتهون باليمين، وهكذا حتى تنتهي الكتابة. أما إذا ابتدأوا بالكتابة من اليسار، فينتهون بالسطر في اليمين، ثم يبدأون في السطر الثاني باليمين لينتهوا به في اليسار، وليبدأوا بالسطر الثالث من اليسار ولينتهوا به في اليمين، وهكذا يسيرون على هذا المنوال حتى تنتهي الكتابة. ويلاحظ إن لشكل حروفهم خاصية جعلتها تصلح لأن يكتب بها في اول الكلمة أو في وسطها أو في أواخرها من.دون حاجة لاجراء اي تعديل على جسم الحرف العام، لأنها حروف منفصلة غير مربوطة. وهي تمتاز من هذه الناحية عن حروف أبجديتنا، التي ترتبط فيها الحروف، فتستعمل حرف العين مثلاً في أول الكلمة بصورة تختلف عن صورة هذا الحرف إذا استعل في الوسط، وتستعمل هذا الحرف في آخر الكلمة بصورة تختلف عن استعماله في أول اللفظة أو في وسطها، أي انها تحدث تغييراً على جسم الحرف. ولهذه الخاصية صار في الامكان الابتداء بحروف المسند من أية جهة أراد الكاتب أن يكتب بها من ناحية اليمين أو من ناحية اليسار، أو بالجمع بين الطريقتين من غير أي تأثر في قابلية القارئ على القراءة، كما صار من السهل على المبتدئ بالكتابة والقراءة تعلم الخط بالمسند بكل سهولة، لوجود شكل واحد لا يتغير للحروف. فهو لهذا صار أسهل تعلماً من الخط الذي نكتب به الان ذي الأشكال المتعددة الحروف، كما انه خال من التنقيط الموجود في عربيتنا لتمييز الحروف المتشابهة في هذا الشكل بعضها عن بعض، وهو مما سبب لنا مشاكل خطيرة في كيفية ضبط الحروف والألفاظ عند وقوع التصحيف، بسقوط نقطة من الكتابة سهواً، أو بوضع النقطة في موضع يجب ألا توضع فيه، أو بوقوع سهو في عدد النقط.

وقد راعى الكتاب استعمال الخطوط العمودية للفصل بين الكلمات مراعاة تامة،لأنها هي العلامة الوحيدة التي ترشد القارئ إلى انتهاء لفظة وابتداء لفظة جديدة، ولم يخطر ببالهم وضع فراغ بين نهاية كلمة وابتداء كلمة جديدة، أو لأنهم لأمر ما لم يستعملوا هذا الفراغ خشية حصول التباس قد يفسد على القارئ قراءته، وقليلاّ ما خالف كتابهم هذه الطريقة فأغفلوا وضع هذه الأعمدة الفاصلة. ولم يستعل كتاّبهم علامةّ ما دالة على انتهاء جملة وابتداء جملة أخرى جديدة أو انتهاء فصل وابتداء فصل جديد، كذلك لم يستعملوا ما نستعمله نحن في الزمن الحاضر من علامات فواصل لأداء معاني خاصة يقتضيها الكلام وعلامات استفهام، لأن هذه الأشياء من الأمور المتأخرة التي أدخلت على الكتابات الغربية، ولم تكن معروفة عند الأقدمين.

وحروف المسند حروف غير مشكلة، فليس فوقها أو تحتها حركات كما هي الحال في عربيتنا حين نرغب في تحريك الحروف. وهي غير منقطة كذلك فلا نقط فوق بعض الحروف أو تحتها لتمييزها عن غيرها من الحروف المشابهة لها كما هي الحال في ابجديتنا أيضاً، ولم يرمز عن الحركات بحروف أو برموز تستعمل مع الحروف الصامتة داخل الكلمة ليتمكن بها القارئ من النطق بالكلمة النطق الصحيح كما حدث ذلك في الأبجديات اللاتينية، وفي الأبجديات الأخرى التي سارت على نهجها وسبيلها ولم يرمزوا عن حرف المدّ بشيء ولا عن السكون أو التشديد. وهذا مما جعلنا في حيرة من النطق بكلماتهم نطقاً صحيحاً مضبوطاً، وجعل القارئ الحديث يذهب مذاهب مختلفة في كيفية ضبط الكلمة وفي كيفية النطق بها. فلفظة مؤلفة من حروف صامتة وحدها، لا يمكن إن ينطق بها النطق الصحيح المضبوط ولا يمكن معرفة معانيها بسهولة، وقد ولدت هذه الطريقة مشكلات كثيرة لنا من حيث التوصل إلى معرفة نحو تلك اللهجات وصرفها.

ولا توجد في المسند علامة لتشديد الحرف، وقد يكتب الحرف مرتين كما هي الحال في الأبجديات الأوروبية للدلالة على أن الحرف مشددٌ، ويكون ذلك في الكتابات المعينية.

واقتصار الكتاب على استعمال الحروف الصامتة وحدها، جعل من العسير علينا البت في كيفية النطق بالكلمات و التعرف بسهولة على مواضع الكلم من الإعراب.

ولولا الاستعانة باللهجات العربية الباقية المستعملة في اليمن،وبلغة القرآن الكريم، وبالمعجمات، وباللغة الحبشية، لكان من الصعب على القارئين للكتابات العربية الجنوبية التوصل إلى فهم معانيها والى قراءتها قراءة مضبوطة أو قريبة من القراءة الصحيحة، والتوصل إلى استخراج القواعد منها. فبفضل هذه المواد المساعدة، يمكننا من الوصول إلى ما توصلنا إليه عن تلك اللهجات المكتوبة بالقلم المسند. ومن جملة المسائل التي جعلت فهم النصوص العربية الجنوبية أمراَ صعباً على الباحث في بعض الأحيان، اشتمالها على اصطلاحات غير موجودة في العربية، وعلى كلمات غير موجودة في اللغات السامية الأخرى ثم إن بعضها قد كتب كتابة موجزة صيرتها غامضة غير مفهومة، ولهذا اضطر علماء العربيات الجنوبية إلى تلخيص معناها على وجه التقريب.

ومما يؤسف عليه كثيراً أن كتبة المسند لم يتركوا لنا كتابة تشير إلى ترتيب حروف الهجاء عندهم، وأسمائها التي كانت تعرف بها عند قرّائهم وكتاّبهم. وعدم وصول كتابة بهذا الموضوع منهم إلينا، خسارة كبيرة، إذ أصبح من الصعب التحدث عن كيفية ظهور الخط بين العرب الجنوبيين وعن صلاته بالخطوط الأخرى، وبنا أشد الحاجة إلى معرفة كيفية توصل الإنسان إلى هذا الاختراع العظيم الذي غيَّر تأريخ البشرية وأحدث فيها انقلابا لا يدركه المرء إلا إذا تصور البشرية وهي جاهلة لا تحسن قراءة ولا كتابة، فما الذي كان يمكن إن نعرفه لولا وجود هذه العلامات الصغيرة المحدودة التي نسميها حروفا والتي نكتب بها وندوّن بها كل ما يجول في خواطرنا من آراء دون أن نعرف عظم قيمة هذه العلامات التي ميزت الإنسان عن الحيوان، ورفعته عنه إلى أعلى الدرجات ! ولو قدر للعلماء الحصول على ألواح فيها الأبجديات مرتبة بحسب الطريقة التي كانت تسير عليها الشعوب القديمة في تعلمها، وخاصة إذا كانت مقرونة بأسمائها التي كانت تعرف بها، لصار في وسع العلماء التوصل إلى نتيجة علمية مقبولة بشأن نشأة الخط وتطوره. فإن في استطاعتهم عند ذاك الحكم من نظرهم إلى أقدم هذه الكتابات والى أصول كلمات المسميات - على أقدم مكان ظهرت فيه تلك الكتابة، وعلى تعيين اسم الشعب الذي كان له شرف هذا الاختراع. وهو اختراع لم يظهر بالطبع فجأة إلى العالم، أي انه لم يكن من ابتكار رجل واحد فاجأ الناس به، بل هو اختراع مرت عليه قرون حتى بلغ ما بلغه من شكل الحروف. مرّ في مراحل كثيرة بدائية في بادئ الأمر، ثم انتقل من تلك الأشكال إلى أشكال أرقى منها، حتى اهتدى عقل الإنسان إلى معرفة الحروف. ولم يتوصل بالطبع إلى هذه المرحلة بسهولة، إذ يقتضي ذلك وجود علم عند الإنسان عن تكون الكلمات من حروف،وهو لم يتوصل إلى هذا العلم الا بعد تعب استمر قروناً، وبتعاون كتاّب مختلف الشعوب لتحليل كلمات الإنسان إلى عناصرها الأولى، و عناصرها الأولى هي هذه الحروف.

وقد كان من الضروري وضع أسماء للحروف، ليميز بها حرف عن حرف آخر. وقد وضع مخترعو الحروف تلك الأسماء، وهي أسماء لا تزال البشرية تعيدها مع شيء من الاختصار والتحريف، وقد يمكن التوصل من تلك الأسماء إلى أسماء تلك الشعوب القديمة التي ساهمت وعملت في ترقية ذلك الاختراع العظيم. فإن لتلك الأسماء علاقة وصلة بمسميات مادية، وبالامكان تشخيص مواطن تلك المسميات بالرجوع الي الأماكن التي عرفت واشتهرت بها، ومن ثم نتوصل إلى تعيين تلك الشعوب على وجه التقريب.

وتختلف أشكال حروف المسند اختلافاً كبيراً عن حروفنا المألوفة التي نكتب بها. ولما كانت هذه الحروف حروفاً منفصلة غير متصلة كما هي،الحال في حروفنا، فهي لذلك في أثناء كتابة الكلمات لا تتصل ببعضها ولا يلتقي فيها حرف بحرف آخر. وهذا السبب كان شكل الحرف في المسند لا يتبدل ولا يتغير بتغير موضعه في الكلمة، بل يحافظ على وضعه في أول الكلمة أو في وسطها أو في آخرها، إلا في بعض الأحيان حين يكتبون من اليسار نحو اليمن، فيغيرون اتجاه الحرف بأن يجعلوه نحو اليمين.

وقد يتحد حرف النون الساكن مع الحرف الذي يليه ويسقط من الكتابة، ففي كلمة "بنت" أسقط الكتاب حرف النون من الكلمة، واكتفوا بهذا الشكل: "بت " أي بالحرفين الباء والتاء.

ولا توجد في المسند تاء قصيرة، أي التاء التي نكتبها تاء قصيرة في أواخر الكلم. فاتاء هي تاء طويلة أبداً، وردت في أول الكلمة، أو في وسطها، أو في آخرها، فلفظة "سنة" تكتب "سنت"، "وعمرة"، اسم امرأة يكتب "عمرت"، وهكذا.

وهناك كتابات برزت حروفها، وذلك إن كاتبها خطها على الحجر أولاّ،ثم حفر ما حولها وفي باطنها بمزبر صلد، أو بسكين أو بالة حادة، فظهرت الكتابة بارزة، وقد استخدمت مثل هذه الكتابات لتوضع على أبواب المعابد وعلى واجهات الدور وفي المناسبات التذكارية، كما فعل الاسلاميون في كتاباتهم التخليدية التي وضعوها على واجهات القصور والمساجد والأبنية المهمة،أما الكتابات المحفورة فقد استخدمت في الأعمال الاعتيادية في الغالب، وهي أسهل في الكتابة من الكتابة البارزة، ولا تحتاج إلى وقت طويل يصرفه الكاتب على الحفر لابراز الحروف.

وأما الفاصل الذي يفصل بين الكلمات، فهو على هذا الشكل:  

ويعبر عن العدد من الواحد إلى الأربعة بخطوط عمودية، فيرمز الخط العمودي الواحد عن "الواحد"، ويرمز الخطان العموديان المتوازيان عن الرقم "2"، وإذا أرادوا كتابة الرقم "3" وضعوا ثلاثة خطوط عمودية متوازية للدلالة عليه. أما الرقم "4"، فيمثل بأربعة خطوط عمودية متوازية. وأما الرقم "5" فيرمز عنه بالحرف "خ" الذي هو الحرف الأول من كلمة "خمس". وإِذا ارادوا الإشارة إلى الرقم "6" وضعوا خطاً عمودياً على الجانب الأيسر لحرف "الخاء" الذي يرمز عن الخمسة، ومن هذا الحرف والخط العمودي الكائن مكانه في موضع العشرات بالقياس إلى حسابنا يتكون الرقم "6". وإذا أرادوا الرقم "7" وضعوا خطين عموديين على الجانب الأيسر للحرف خمسة، فيعبر هذا المجموع المكون من الخاء ومن الخطين العموديين المستقيمين عن الرقم "7". وإذا ارادوا الرقم "8"، وضعوا على الجانب الأيسر من الحرف خاء ثلاثة خطوط تشير إلى الرقم "3"، فيتكون بذلك من حرف الخاء الذي يرمز عن الخمسة ومن الثلاثة،المجموع ثمانية، وهو الرقم المطلوب. أما الرقم "9"، فيتكون من مجموع رقم "5" الذي يرمز عنه الخاء ومن الرقم "4" الذي تمثله خطوط عمودية أربعة. وأما الرقم عشرة، فيرمز عنه بحرف العين الذي يمثل الحرف الأول من كلمة عشرة. وأما الرقم "100" فيرمز عنه بالحرف الأول من الكلمة مئة، أي بحرف الميم. وأما الرقم "1000" فرمز عنه بالحرف ألف، أي بالحرف الأول من الكلمة أيضاً، فيلاحظ من هنا أن العرب الجنوبيين استعملوا الحروف الأولى من أسماء بعض الأرقام عوضاً عن الأرقام نفسها،ولم يتبعوا الطرق التي نتبعها اليوم في كتابة أمثال هذه الأعداد. والظاهر إن استعمالهم حرف الخاء مقام العدد "5"، جعلهم يحارون بعض الحيرة في التعبير عن العدد "55" الذي يبدأ مثل العدد "5" بحرف الخاء" فتخصيص هذا الحرف بالعدد "5" جعل من غير الممكن تخصيصه بالعدد "50" كذلك. ولما كان من الصعب كتابة ال "5" عشر مرات للتعبير عن العدد "50" الذي هو حاصل جمع عشر خمسات خاصة لأن هذا العدد يتضاعف ويتكرر، فكروا في حل آخر يحل لهم هذه المشكلة. مشكلة ايجاد حرف أو علامة ترمز عن الرقم "50". وقد وجدوا ذلك الحل من حقيقة العدد "50" الرياضية. فالعدد "50" هو نصف ال "100" كما هو معلوم. ولما كان حرف الميم يرمز عن المئة، والمئة هي حاصل جمع خمسين مع خمسين، فيكون حرف الميم هو حاصل جمع خمسين مع خمسين. ولما كان حرف الميم في المسند هو على شكل خط عمودي يرتكز عليه مثلثان قاعدتهما ملتصقة على ذلك العمود، فإن كل مثلث من ذينك المثلثين يعبر في الواقع عن الرقم "50"، فهداهم تفكيرهم هذا إلى رفع المثلث الأسفل ليبقى مثلث واحد هو المثلث الأعلى مرتكزاً على الخط العمودي، ليعبر عن قيمته المتبقية وهي خمسون، وصار هذا الرمز الذي هو نصف حرف الميم رمزاً عندهم للعدد "55". وبذلك أوجدوا لهم حلاّ لتلك المشكلة التي لا بد انها شغلت بال كتّابهم مدة من الزمن.

وأما الأعداد التي تلي العشرة فيبدأ بها بحرف العين أولا" ومعناه عشرة، ثم تليه بقية الزيادة أي مقدار زيادة ذلك العدد عن العشرة. فإذا أرادوا الرقم "11" مثلاَ بدأوا بحرف العين، ثم وضعوا بعده أي على يساره خطاً عمودياً واحداً بمعنى واحد، ويكون المجموع أحد عشر. أما إذا أرادوا الرقم "12"، فإنهم يضعون مستقيمين عموديين على يسار حرف العين ليدل ذلك على عشرة زائد اثنين وهو اثنا عشر. واذا أرادوا "13" وضعوا ثلاثة خطوط عمودية مستقيمة لتدل عليه. أما إذا أرادوا "4 ا" فإنهم يضعون أربعة خطوط عمودية، ليكون مجموعها مع العشرة أربعة عشر. أما إذا أرادوا "15"، فإنهم يكتبون حرف العين ثم يضعون من بعده وعلى جهة يساره حرف الخاء الذي هو بمعنى خمسه. واذا أرادوا ""6 ا" وضعوا بعد حرف العين ما يرمز عن الستة، وهكذا بقية الأعداد إلى العدد "19" 0 أما العدد "20" فانهم يكنون عنه بكتابة حرف العين مرتين، ومعنى ذلك عشرة مضافاً إليها عدد عشرة والجمع عشرون. واذا أرادوا الرقم "21" كتبوا حرف العين مرتين ليرمز عن العشرين ثم وضعوا خطا عمودياً واحدا على جهة يساره ليرمز عن الرقم "1"، فيكون المجموع عشرين وواحداً، وهكذا يكتبون بقية الأعداد ابتداء بالعشرين اي بحرفي العين مضافاً العدد المقصود حتى الرقم "30" فيضعون له ثلاثة أحرف من حرف العين. أما ال "40" فيضعون له أربعة أحرف من حرف العين، ثم يستمرون على طريقتهم في العدد بعد الأربعين على الطريقة المألوفة في الابتداء بالعدد العشرات، ثم كتابة الرقم المقصود الذي هو دون العشرة من بعد إلى الرقم التاسع والأربعين. فإذا أرادوا الرقم "50"وضعوا الرمز الخاص الذي تحدثت عنه، وهو نصف حرف الميم. أما الرقم "60" فرمز عنه بهذا الرمز، أي نصف حرف الميم مضافاً إليه الحرف عين رمز العشرة ليشير إلى مجموع العددين وهو ستون. أما الرقم "70"فيتكون من هذا الرمز مضافاً إليه حرفان للعين. وأما الرقم "80" فيكون بإضافة ثلاثة أحرف عين على الجهة اليسرى للرقم "50". وأما الرقم "90" فيتكون من رمز "50" مع إضافة أربعة أحرف عين إليه.

وتكتب الأرقام ما بعد المئة إلى الألف على الترتيب الاتي: يكتب الحرف رمز المئة في الأول، ثم يوضع الرقم الذي يلي المئة على جهة يساره على النحو الذي شرحته إلى حد الرقم "199" فإذا أرادوا كتابة "200" كتبوا حرفي ميم، واذا أرادوا "300" وضعوا ثلاثة أحرف من حروف الميم، وإذا أرادوا "400" وضعوا أربعة أحرف من حروف الميم، وإذا أرادوا "500" وضعوا خمسة أحرف من حروف الميم، وهكذا تزاد كتابة الميم بزيادة عدد المئات حتى تصل إلى تسع، ويكون الرقم عندئذ تسع مئة، أما الألف،فيرمز عنه بحرف الألف كما ذكرت.

وطريقة التعبير عن الأعداد في حالة الآحاد وفي العشرات وفي المئات هي طريقة واضحة مفهومة بعض الفهم كما رأينا، إذ عبر عن الأرقام من واحد إلى أربعة بخطوط مستقيمة، وعبر عن الخمسة بحرف الخاء تزاد عليه خطوط بزيادة الأرقام المطلوبة،حتى تصل إلى الرقم "10"، فيعبر عنه بحرف عين. وفي باب العشرات يقدم حرف العين الذي هو عشرة على الأرقام المقصودة التي هي دون العشرة، وتتبع هذه الطريقة إلى المئة. أما في حالة المئات إلى الألف فيبتدئ العدد بالمئات، ثم تليه العشرات، فالآحاد، فهو في نفس المبدأ الذي وضعه علماء الرياضيات عندهم للعشرات، أي على قاعدة تفضيل العدد الأكبر من ناحية العدّ على العدد الأصغر، فقدموا العشرات على الآحاد، وقدموا المئات على العشرات، ثم الآحاد أما في حالة الاعداد الالوف، فلم يتقيد كتّاب حسابهم بهذه القاعدة، بل ساروا على طرق أخرى، فكتبوا حروف الالف بعد الاعداد الالوف التي ارادوا كتابتها. فللتعبير عن ألفين وضعوا حرفي ألف، وهما مجموع ألف مع ألف أخرى،وللتعبير عن ثلاثة آلاف وضعوا ثلاثة أحرف ألف، وهكذا ساروا في كتابة بقية الاعداد الآلاف، غير انهم ساروا على طريقة أخرى في كتابة العدد ستة عشر ألفاٌ مثلاً. فوضعوا ستة أحرف ألف، ووضعوا إلى الجانب الأيسر من الحرف الألف الأخير الحرف عين رمز العشرة، وقد رمزت العشرة هنا عن العدد "10000"، ورمزت الحروف الستة عن "6000"، ومن مجموع الستة آلاف والعشرة آلاف يتكون العدد "0 0 0 6 1"، وفي كتابة العدد"0 0 0 31" كتبوا حرفاً واحداً من حروف الألف ليدل على الرقم ألف، ووضعوا على الجهة اليسرى منه ثلاثة أحرف عين وتعني ثلاثين ألفاً. ومن الألف والثلاثين ألفاً يتكون العدد "31000". أما في حالة كتابة الرقم "40000"، فقد اكتفوا بكتابة أربعة أحرف من حروف العين، مع أن هذه الأحرف تعني مجموع أربع عشرات، أي أربعين، بينما أرادوا بهذه الأحرف العدد "40000" في هذا الموضع. أما في رقم مثل "45000"، فقد كتبوا خمسة أحرف من حروف الألف أولاً، ثم وضعوا أربعة احرف من العين في أيسر آخر ألف، والمجموع هو خمسة آلاف وأربعون ألفاً. وفي الرقم "63000" وضعوا ثلاثة أحرف من "الألف" لتعني ثلاثة آلاف، ووضعوا نصف حرف ميم وهو رمز الخمسين، وفي أيسره حرف العين رمز العشرة،وبذلك عبروا عن الستين. ولورود هذا الرقم بعد عدد آلاف قصدوا به ستين ألفاَ. ومن مجموع ثلاثة الاف والستين ألفاً، يتكون العدد ثلاثة وستون ألفاً. وقد اكتفوا في كتابة الرقم "50000ا" بكتابة الرمز الخمسين وهو نصف حرف ميم، ووضعوا إلى الأيسر منه حرف ميم رمز المئة، وقصدوا بذلك خمسين ومئة ألف. ولو كانوا قد كتبوا حرف الميم أولاء، ثم وضعوا نصف محرف الميم إلى يساره، لكان حاصل جمع العددين خمسين ومئة. وبتقديم نصف حرف الميم وتتغير اتجاه مثلثي حرف الميم ومثلث نصف حرف الميم بجعله نحو اليمين،عبروا عن الرقم "150000" 0 أما في كتابتهم الرقم 200000، فقد كتبوا ميمين، وقد عبر كل ميم في هذا الموضع عن مئة ألف.

ويرى بعض المتخصصين بقراءة النصوص العربية الجنوبية. إن كتّاب المسند لم يتركوا كتابة حروف الألف التي تشير إلى الأعداد الآلاف إلا إذا كان العدد مدوراً، وآلافاً خالية من الأرقام الآحاد، كما رأينا في الرقم "40000"، و "150000"، و "200000".

وقد سار كتّاب المسند على قاعدة كتابة الرقم لفظاً، أي كتابة مقداره بالكلمات، وتدوين المقدار المكتوب بعد الرقم، وقد حملهم على اتباع هذه الطريقة خوفهم من الوقوع في الخطأ في قراءة الأرقام والرموز التي خصصوها بالأرقام، كما انهم اصطلحوا على رسم مستطيل تتخله خطوط تجعله على هيأة شباك تقريباً، يوضع في أيمن الرقم، أي.قبل ابتدائه، ومستطيل آخر يوضع في يسراه أي في نهاية الرقم تماماً للدلالة على إن ما هو مكتوب بين هذين الرقمين هو عدد، وبذلك تسهل قراءته.

ولم يصل الينا إن كتّاب المسند استخدموا علامات خاصة بكسور الأعداد، كالأنصاف أو الأرباع أو الأثلاث أو الأخماس أو ما شاكل ذلك، أو انهم استعملوا علامات خاصة للجمع أو الطرح أو القسمة أو الضرب أو علامات للتربيع أو للجذور وأمثال ذلك من العلامات المستعملة في علوم الرياضيات. وقد عبروا عن كسور الأعداد بذكر ألفاظها. واذا لم تصل الينا كتابات في موضوعات رياضية، فلا نستطيع إن نجزم في موضوع أمثال هذه العلامات عند العرب الجنوبيين. فلعل الأيام تكشف لنا عن كتابات رياضية ترينا إن رياضيي العرب الجنوبيين كانوا أرقى كثيراً مما نظن الآن.

وللوقوف على صور الأعداد عند العرب الجنوبيين أدون نماذج من الإرقام، مقرونة بما يقابلها من الأرقام التي نستعملها عندنا في الحساب: وأما الفواصل التي تشير الى الأرقام وتوضع في أول الرقم وعند منتهاه، فهي على هذا الشكل: ومادة الكتابة عند العرب الجنوبيين، هي الحجارة والصخر والخشب والمعادن، يكتبون عليها بالحفر، ولم أسمع أن أحداً من الآثاريين حتى الآن عثر على كتابات بالمسند مدونة بالحبر على القراطيس والجلود والرق أو على ورق البردي على نحو ما كان يفعله المصريون وغيرهم. والظاهر أنهم لم يكونوا يتبعون طريقة كتّاب بابل في الكتابة على ألواح الطين. التي تجفف بعد ذلك بالشمس أو بالنار، فتكون كتابة ثابتة مدوّنة على مادة صلبة، لأن الباحثين لم يعثروا على كتابات بالمسند مدونة على هذه الطريقة.

غير إن عدم وصول كتابات بالمسند مدونة على القراطيس أو الجلود، لا يعني إن العرب الجنوبيين لم يكونوا يعرفون الكتابة عليها وعلى مواد مشابهة لها، إذ لا يعقل عدم وقوف العرب الجنوبيين على استعمال الجلود والقراطيس وعظام الحيوانات مادة للكتابة، وقد كان استعمالها، في العالم يومئذ شائعاً معروفاً. ومرد السبب في عدم وصول شيء من الكتابات المدونة على تلك المواد، إلى قابلية هذه المواد للتلف، وحاجتها إلى العناية الشديدة، بدليل عدم وصول شيء ما من الكتابات المدونة على الجلود وعلى جريد النخل وعلى اللخاف والعظام والقراطيس من صدر الإسلام ومن أيام الرسول خاصة مع أهميتها وقدسيتها. وليس في استطاعة أحد أن ينكر إن القرآن الكريم قد كتب على هذه المواد المذكورة، وان الرسول قد أمر فكتبت له عدة كتب وعقود ومواثيق، ولكن بادت أصولها.

والبحث في أصل المسند مثله في أصل الخط، ما زال موضع جدل بين العلماء الباحثين في العربيات.الجنوبية. فمنهم من يرجع أصله إلى الخط الفينيقي، ومنهم من يرجعه إلى كتابات سيناء حيث عثر فيها على كتابات قديمة جداً يعدها الباحثون أقدم عهداً من الكتابات العربية الجنوبية، وقد وجد بين بعض حروف هذه الكتابات وحروف المسند شبه جعلهم يذهبون إلى اشتقاق المسند من خطوط سيناء ومنهم من يذهب إلى اشتقاق المسند من الخط الكنعاني، للتشابه بين بعض حروف الخطين. وللتوصل إلى معرفة منشأ الخط المسند، لا بد من تعيين تاًريخ لأقدم كتابة مدونة بالمسند، ولم يتفق العلماء على تأريخ ثابت معين. انما رجع بعضهم تأريخ اقدم الكتابات إلى سنة 1500 أو 1300 قبل الميلاد، على حين لم يرتفع آخرون بتأريخ أقدم كتابة عثر عليها بالمسند إلى أكثر من 755 أو 850 قبل الميلاد. ولضبط هذا التأريخ أهمية جد عظيمة في البحث عن أصل منشأ ذلك الخط. ثم انه لا بد في تعيين أصل الخط المسند من النص على أسماء الحروف نصاً ليس في أمره شك، ثم لا بد أيضاً من النص على نظام ترتيب حروف المسند عند العرب الجنوبيين. وكل هذه الأمور غير متفق عليها، واذن فليس من الممكن في مثل هذه الظروف التوصل إلى حل عّلمي يوافق عليه جميع الباحثين في العربيات الجنوبية.

واذا كان أغلب الكتابات في موضوع واحد، هو التقرب إلى الآلهة بهدايا وبنذور، كان أسلوبها يكاد يكون واحداً، فهي تبدأ عادة باسم المهدي أو بأسماء المهدين، ثم يعقب ذلك فعل يشير إلى التقديم مثل استعمال فعل قدّم أو أهدى وما شاكل ذلك من أفعال مناسبة، ثم اسم الإله أو أسماء الآلهة التي قدمت لها الهدايا، يليها بيان السبب التي من أجله قدمت،. مثل شفاء من مرض أو وفاء لنذر، أو طلباً من الإلهَ أو الآلهة إن تطيل عمر المهدي، أو تشفيه من مرضه، أو لتحل له مشكلاّ وقع فيه أو مشكلات تحيط به.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق