إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 3 فبراير 2016

1742 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الرابع والعشرون بعد المئة الدراسة والتدريس الكتاتيب


1742

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
      
الفصل الرابع والعشرون بعد المئة

الدراسة والتدريس

الكتاتيب

وفي العربية لفظة "الكتّاب"، ويراد بها في عرف هذا اليوم المدرسة التي يتعلم فيها الأطفال القراءة والكتابة ومبادئ المعرفة. وهي من الألفاظ العربية المستعملة في العهود الأولى من الإسلام. وعندي انها من الألفاظ العربية التي كانت مستعملة في الجاهلية، وهي في معنى بيت "ها سيفر" Beth Ha-Sepher "بيت الكتاب" في العبرانية. وقد كان العبرانيون يطلقونها على المدارس التي تدرس القراءة والكتابة ومبادئ المعرفة، تمييزاً لها عن المدارس التي تعلم الديانة والعبرانية والمعارف التي لها علاقة بالديانة. ويطلقون عليها "بيت هامدراش" Beth Ha-Midrash أي "بيت المدراش"، و "بيت ها تلمود"، أي "بيت التلمود" في بعض الأحيان.

وقد ذكر بعض أهل الأخبار أسماء جماعة ذكروا انهم كانوا من المعلمين في الجاهلية وكانوا من أصحاب الوجاهة والمكانة، منهم على سبيل المثال: "بشر ابن عبد الملك السكوني"، أخو "أكيدر" صاحب "دومة الجندل"، و "سفيان بن أمية بن عبد شمس"، و "أبو قيس بن عبد مناف بن زهرة" و"عمرو بن زرارة بن عدس بن زيد"، وقد كان يسمى "الكاتب"، و "غيلان ابن سلمة بن معتب الثقفي. " وهو مخضرم، مما يدل على وجود المدارس والتعليم عند الجاهليين.

وقد ورد إن الرسول أمر "عبد الله" واسمه الحكم بن سعيد بن العاص بن امية، بأن يعلم في الكتاب بالمدينة. كما ورد إن "جفينة"، وهو من نصارى الحيرة، جاء المدينة فصار يعلم الكتابة بها. وورد في رواية إن "علي بن أبي طالب" اختلف إلى الكتاّب، فتعلم الكتابة به وله ذؤابة وهو ابن أربع عشرة سنة. وورد إن رجلا نزل بوادي القرى، وعلّم الخط بها. وورد إن غلاماً جاء "يبكي إلى أبيه، فقال: ما شأنك قال: ضربني معلمي، قال: الخبيث يطلب بذحل بدر، والله لا تأتيه أبداً". واذا صح هذا الخبر، نكون قد عثرنا على كلمة "المعلم" بالمعنى المفهوم منها في الوقت الحاضر في الأيام الأولى من ظهور الإسلام.

وورد أن "عبد الله بن سعيد بن العاص بن أمية"، كان ممن أُسر يوم بدر، فأمره الرسول أن يعلم عشرة من غلمان الأنصار الكتابة، ويخليه لسبيله، فيومئذ تعلم الكتابة زيد بن ثابت في جماعة من غلمان الأنصار. وكان كاتباً محسناً. غير أن الموارد الأخرى، تذكر انه كان قدم على رسول الله مهاجراً، فقال له: ما اسمك فقال: الحكم. فقال: أنت عبد الله. فغير رسول الله اسمه. وتذكر أنه أمره أن يعلم الكتاب بالمدينة وكان كاتباً. وتذكر أنه قتل يوم بدر شهيداً. أي إن اسلامه كان قبل يوم بدر. ولكن أكثر الروايات تذكر أن وفاته تأخرت. وذكر بعض أهل الأخبار، أن المدينة كانت متأخرة بالنسبة إلى مكة في الكتابة والقراءة. بل ذهب بعضهم إلى أنه لم يكن في الأنصار من يحسن الكتابة. وكلامهم هذا يصطدم مع ما ذكروه أنفسهم من أن "سويد بن الصامت" الأوسي، وسعد بن زرارة، والمنذر بن عمرو، وأبي بن كعب، وغيرهم ممن أشرت اليهم في مواضع أخرى من هذا الكتاب، كانوا من الكتاب.

ويفهم من قول "الشمّاخ": ٍكما خط عبرانيةً بيمينه=بتيماء حَبرٌ ثم عرض أسطرا أن هذا الشاعر كان قد زار تيماء، وقد وقف على خط اليهود، ورأى أحدهم وقد عرض أسطر الكتابة ودونها بيمينه. وقد وصف غيره كتابة اليهود وتعلمهم الخط في مدراسهم بالمستوطنات اليهودية.

وكانوا يستعينون بصبيان الكتاب في بعض الأحيان لكتابة جملة نسخ مما يراد نشره واذاعته أو حفظه، فورد أن النجاشي الشاعر، لما هجا "بني النجار" من الأنصار شكوا ذلك إلى حسان، فقال قصيدة في هجائه وفي هجاء قومه، ثم "قال اكتبوها صكوكاً وألقوها إلى صبيان المكاتب، فما مرّ بضع وخمسون ليلة حتى طرقت بنو عبد المدان حسّان بالنجاشي موثقاً معهم"، وذلك للاعتذار إليه واسترضائه.

وقد كان للديانتين اليهودية والنصرانية فضل كبير على أهلهما في نشر الكتابة والعلوم بينهم إذ صارت معابدهم مدارس يتعلم فيها الناس أصول ديانتهم ومبادئ المعرفة والكتابة والقراءة لمن يرغب من الأطفال، كما أدت حاجة الديانتين إلى رجال دين يقومون بتثقيف الناس وتعليمهم أصول دينهم ونشر ديانتهم بين الوثنيين، أو بين أصحاب الديانات الأخرى، الى تكوين معاهد خاصة لتخريج هؤلاء الرجال، ألحقت بالمعابد، درسوا فيها الكتب المقدسة وما وضع عليها من تفاسير وشروح، ومما يتعلق بشرحها من دراسة للغات وفلسفة وجدل وامور أخرى لها علاقة وصلة بالديانات، وقد كان من بين هؤلاء الرجال أناس أذكياء ذوو نظر واسع، فلم يكتفوا بخط ما ورد اليهم، وبالتعصب لكل ما تلقنوه، بل تتبعوا ثقافات غيرهم وعلومهم، ودرسنا اللغات والفلسفات الأخرى، وكوّنوا لهم، آراء خاصة اعتمدت على استعمال العقل والمنطق، فظهر النقد عندهم، والنقد يخلق الرأي.

والبيت هو المدرسة عند الجاهليين وعند غيرهم من شعوب ذلك الزمن، فيه يتعلم الطفل، واليه يرد المعلم لتعليم أولاد الموسرين ما يحتاجون إليه من كتابة وعلم بأجرة تدفع إليه، وفيه قد يتعلم الطفل الكتابة من الرقيق المجلوب الذي كان له حظ من العلم. وفيه تشرف أمه على تربيته وادارته ما دام صغيراً، ثم يشرف عليه أبوه فيلقنه شؤون الصنعة وأمور الحياة متى تجاوز الخامسة أو السابعة من عمره. وفي البيوت والطرقات والأزقة يلعب الأطفال، أما الشبان، فقد كانوا يتبارون بالألعاب في الساحات العامة خارج المدن، والقرى في الغالب. يتسابقون بركوب الخيل وبالمصارعة وبالجري وبرمي السهام. وقد يخرجون إلى الصيد ولا يزال أطفال جزيرة العرب يلعبون يعض الألعاب التي كان أطفال الجاهلية وشبانهم يلعبونها قبل الإسلام.

وقد قامت المعابد بدور فعال ناشط في نشر القراءة والكتابة. واذا كنا نجهل اليوم موقف معابد الوثنيين من تعليم القراءة والكتابة بها، فإننا لا نستطيع أن ننكر موقف "الكنيس" و "المدراش" "المدارس" عند اليهود، و "الكنائس" عند النصارى من تنشيط التعليم وتهيئة الأطفال لتعلم القراءة والكتابة، لخدمة الدين، أو للاغراض التثقيفية والشؤون الخاصة بالحياة. وقد قام "المدراش" وقامت الكنيسة بدور فعال في تعليم الناس أمور دينهم وشرح ما ورد في التوراة وفي الانجيل إلى المؤمنين بهما. فقد كان أحبار يهود "يثرب" وقرى "وادي القرى" يجلسون في المعابد ليفسروا للناس أحكام شريعة يهود.

و المدراس، لفظة عبرانية الأصل، هي "مدرش" Midrash، وتعني بحث وشرح نص. وقد أطلقت على المكان الذي تدرس فيه التوراة. فصار بمثابة المدرسة، يقصده اليهود للتفقه فيه والتعلم، وقد قصده الجاهليون أيضاً ليسمعوا ما عند يهود. كما قصده المسلمون. وقد كانت لليهود جملة بيوت عبادة يجلس فيها أخيارهم للافتاء ولشرح الكتب المقدسة لتلامذتهم وللناس. فكانت بيوت عبادة ومدارس للتعلم.

وقد كان الجاهليون يسألون اليهود عن تواريخ الماضين وقصص الأولين والأنبياء والمرسلين. وعن بعض المشكلات "الدينية مثل الحياة بعد الموت وأمثال ذلك مما تعرضت له اليهودية. وقد لجأ اليهم أهل مكة الوثنيون يسألونهم عن أشياء عويصة لليهود علم بها، ليمتحنوا بها الرسول.

وقد ورد في الأخبار أن " بعض اليهود قد علم كتاب العربية. وكان يعلمه الصبيان بالمدينة في الزمن الأول، فجاء الإسلام وفي الأوس والخزرج عدة يكتبون". وقياساً على ما نعرفه من تخصيص الكنائس مواضع خاصة ملحقة بالكنائس لتعليم الأطفال القراءة والكتابة، فإننا نستطيع أن نقول إن الكنائس التي كانت في جزيرة العرب في نجران مثلاً أو في صنعاء أو في عدن أو في قطر، لم تكن مستثناة من هذه العادة. وإن كنا لا نملك دليلاً نستند إليه في إثبات قيام الكنائس في جزيرة العرب بتعليم الأطفال القراءة والكتابة.

أما بالنسبة لكنائس العرب في العراق، فإن لدينا شواهد بينة تثبت قيام الكنائس بتعليم الأطفال القراءة والكتابة ومبادئ الدين. وتثبت وجود مكان خاص خصص بالأطفال ليتعلموا فيه. فقد جاء في أخبار "عين التمر" أن خالد بن الوليد لما دخل حصن عين التمر وغنم ما فيه وجد في بيعتهم أربعين غلاماً يتعلمون الإنجيل عليهم باب مغلق، فكسره عنهم، وذكر أن تلك البيعة كانت في النقيرة من أطراف عين التمر.

وورد في الأخبار أن من أهل الحيرة من كان يتعلم العربية، يقرأ بها ويكتب ويتفقه ويتأدب، كالذي حدث لزيد والد "عدي بن زيد العبادي"، ولأبنه "عدي"، وأن منهم من كان يتعلم الفارسية، إذ فيها جماعة من الفرس، ومنهم من يتعلم الإرمية، لغة "بني إرم"، ومنهم من تعلم العربية والفارسية وأجاد بها كتابة ونطقاً، وتولى الكتابة بهما عند الفرس مثل "عدي بن زيد العبادي" وابنه "زيد بن عدي" وغيرهما من آل "زيد" والعباديين نصارى الحيرة ولما فتح خالد "الأنبار": "رآهم يكتبون بالعربية ويتعلمونها، فسألهم: ما أنتم فقالوا: قوم من العرب، نزلنا إلى قوم من العرب قبلنا، فكانت أوائلهم نزلوها أيام بختنصر حين اباح العرب، ثم لم تزل عنها، فقال: ممن تعلمتم الكتابة فقالوا: تعلمنا الخط من إياد، وأنشده قول الشاعر: قومي إيادٌ لو انـهـم أمـمٌ  أو لو اقاموا فتهزل النعـم

قوم لهم باحة الـعـراق إذا  ساروا جميعاً والخط والقلم"

وهو شعر نسب قوله إلى الشاعر "أمية بن أبي الصلت"، ذكر أنه مدح به بني إياد. ومعنى هذا، أن "بني إياد" كانوا قد عُرفوا بالكتابة في العراق، ولهذا وضعوا هذه القصة في كيفية نشوء الكتابة العربية، وإياد من القبائل العربية القديمة التي نزحت من البحرين إلى العراق.

وقد كان العرب في الأنبار، والحيرة، وعين التمر والمواضع الأخرى يحتمون بابنية محصنة، يقيم بها ساداتهم، وتكون مواضع دفاعهم أيام الخطر، يقولون لها "القصور". وقد كانت الحيرة مؤلفة من جملة "قصور"، ولا يزال عرب الفرات يطلقون لفظة "القصر" على المواضع الحصينة المقامة في البادية، لصد غارات المهاجمين، مثل "قصر الأخيضر"، و "قصر العين"، في ناحية "عين التمر". وتحتمي الكنائس وبيوت الناس بهذه القصور، ولما فتح "خالد ابن الوليد" "عين التمر"، بعث الى "كنيسة اليهود، فاخذ منهم عشرين غلاماً وصار إلى الانبار"، وهو خطأ، لأن الذي نجده في الموارد الأخرى، إن "خالد بن الوليد"، لما فتح حصن "عين التمر" وجد في كنيسة جماعة يتعلمون سباهم، فكان من ذلك السبى: "حمران بن أبان بن خالد" التمري، و " سيرين" أبو "محمد بن سيرين" المشهور بتفسير الأحلام، و "أبو عمرة" جدّ "عبد الأعلى، الشاعر، و "يسار" جدّ "محمد بن اسحاق" صاحب "السيرة"، و "نصير" ابو "موسى بن نصير"، وذكر "الطبري" أن "خالد بن الوليد" وجد "في بيعتهم أربعين غلاماً يتعلمون الانجيل، عليهم باب مغلق، فكسره عنهم، وقال: ما أنتم قالوا: رهن، فقسمهم في أهل البلاد. وقد كان كل هؤلاء من الكتّاب القارئين للانجيل الدارسين لعلوم الدين، فأسلموا وبرز أبناؤهم في المجتمع الاسلامي.

وفي خبر "وفد نجران" الذي قدم على الرسول، إفادة بوجود مواضع لتعليم أمور الدين، وتثقيف الناس بما يلزم من ثقافة، فقد ورد أن أسقف نجران كان حبرهم، وإمامهم، وصاحب مدارسهم "صاحب مدراسهم"، أي الموضع الذي يتدارسون فيه، والغالب أن يكون ذلك المكان في الكنيسة على الطريقة المتبعة في ذلك العهد، كما صار المسجد موضعاً للتعليم.

وقد كان يهود الحجاز والمواضع الأخرى من جزيرة العرب يلحقون بكنيسهم كتاباً يعلمون به أطفالهم أصول القراءة والكتابة، كما كان احبارهم يتخذون به مجلساً لتعليم اليهود أمور دينهم وللافتاء بينهم في أمور الشرع، وفضّ ما قد يقع بينهما من خلاف، وكذلك كان شأن نصارى العرب اتخذوا من كنائس مواضع للتدريس ولتعليم القراءة والكتابة كالذي رأيناه من نصارى العراق، ولا استبعد احتمال اتخاذهم مدارس في قرى البحرين، التي كانت بها جاليات نصرانية كبيرة وكذلك في اليمامة لتعليم الأطفال القراءة والكتابة وأصول الدين.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق