إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 4 فبراير 2016

1767 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السادس والثلاثون بعد المئة العربية لسان آدم في الجنة


1767

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
    
الفصل السادس والثلاثون بعد المئة

العربية لسان آدم في الجنة

رأى علماء العربية أن العربية قديمة، وهي في نظرهم أقدم من العرب أنفسم، فما كان أدم في الجنة كأن لسانه العربية، ولما عصى سلبه الله العربية فتكلم بالسريانية، فلما تاب رد الله عليه وعلى بعض أحفاده العربية. ونظرية إن السان الأول الذي نزل به آدم من الجنة كان عربياً، فلما بعد العهد وطال، حرف وصار سريانياً، وكان يشاكل اللسان العربي، إلا انه محرف، هو كان لسان جميع من في سفينة نوح إلا رجلاَ واحداً يقال له جرهم، فكان لسانه لسان العرب الأول، فما خرجوا من السفينة تزوج إرم بن سام بعض بناته، فمنهم صار اللسان العربي في ولده عَوص أبي عاد وعبيل،وجاثر أبي ثمود وجديس، وسميت عاد باسم جرهم، لأنه كان جدهم من الأم، بقي اللسان السرياني في ولد أرفخشذ بن سام، إلى إن وصل إلى يشجب بن قحطان من ذريتهُ وكان باليمن، فنزل هناك بنو أسماعيل، فتعلم منهم بنو قحطان اللسان العربي.

وقد تحدث "المعري" على لسان "ادم" في موضوع لسانه، وما روى من شعر نسب إليه، فجعله يقول: "أبيتم إلا عقوقاً وأذية، إنما كنتُ أتكلم بالعربية وأنا في الجنة، فلما هبطت إلى الأرض، نقل لساني إلى السريانية، فلم أنطق بغيرها إلى أن هلكت، فلما ردني الله - سبحانه وتعالى - إلى الجنة، عادت على العربية، فأي حين نظمت هذا الشعر: في العاجلة أم الآجلة. وذلك رداً على من زعم أن آدم كان يعرف الشعر العربي، وقد نظم شعره بالعربية، ورووا له شعراً زعموا انه قاله لتأييد صحة دعواهم.

وقد نسب قوم من العلماء إلى ان لغة العرب، هي أول اللغات، وكل لغة سواها حدثت بعدها إما توقيفاً أو اصطلاحاً، واستدلوا بأن القرآن كلام الله هو عربي، وهو دليل على أن لغة العرب أسبق اللغات، ومنهم من قال: لغة العرب نوعان: أحدهما: عربية حمير، وهي التي تكلموا بها من عهد هود ومن قبله، وكانت قبل اسماعبل.

والثانية: العربية المحضة التي نزل بها القرآن، وأول من أنطق لسانه بها اسماعيل، فعلى هذا القول يكون توقيف اسماعيل على العربية المحضة محتمل أمرين: أما إن يكون اصطلاحاً بينه وبين جرهم النازلين عليه بمكة، وإما أن يكون توقيفاً من الله.

والعربية المحضة هي العربية الخالصة، وهي العربية الأصيلة عربية اسماعيل، وقد نعتت بالعربية المتينة. قالوا: أول من فُتق لسانه بالعربية المتينة اسماعيل، وهو ابن أربع عشرة سنة،. روي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلا: قرآناً عربياً لقوم يعلمون، ثم قال: الهم اسماعيل هذا اللسان اهاماً". والعريية التي تكلم بها "اسماعيل" والتي نزل بها القرآن وما تكلمت يه العرب على عهد النبي، تختلف عن عربية حمير وبقايا جرهم، وذكر أن "عمر بن الخطاب"، قال للرسول: يا رسول الله ؛ مالك أفصحنا ولم تخرج من بين اظهرنا ? فقال رسول الله: كانت لغة بني اسماعيل قد درست فجاء بها جبريل عليه السلام فحفطنيها،فحفظتها.

والعربية بعد، في اصطلاح ائمة العربية: العربية المتينة. أما عربية أهل اليمن: عربية أبناء قحطان فعربية أخرى، وعلى هذا فنحن أمام عربيتين: عربية قحطانية، وعربية غسنانية اسماعيلية. وبالعربية المتينة تكلم عرب الحيرة، كما يظهر ذلك من خبر دوّنه "الجاحظ" في كتابه "البيان والتيبين"، والطبري في تأريخه، فقد ذكر "الجاحظ" إن "خالد بن الوليد" سأل "عبد المسيح بن عمرو ابن قيس بن حيان بن بقيلة": "اعرب انتم أم نبط ? قال: عرب استنبطنا، ونبط استعربنا. قال: فحرب أنتم أم سلم ? قال: سلم"، أو انه قاله لهم: "وتحكم ما أنتم! أعرب ? فما تنقمون من العرب ! أو عجم ? فما تنقمون من الإنصاف والعدل! فقال له عدي: بل عرب عاربة وأخرى متعربة، فقال: لو كنتم كما تقولون لم تحادونا وتكرهوا أمرنا، فقال له عدي: ليدلك على ما نقول انه ليس لنا لسان إلا بالعربية". فلسان اهل الحيرة عربي، ليى لهم لسان سواه. بها كانوا ينظمون الشعر وبها كتبوا. فهذه العربية هي عريبة الحيرة. وعرب العراق.

وساير كثير من المستشرقين علماء العربية في تقسيم اللهجات العربية إلى:عربيتين: عريية جنوبية، هي العربية القحطانية. وهي عربية شمالية، هي عربية القبائل العدنانية. ولكل مجموعة لهجات محلية، لم تكن تختلف فيما بينها اختلافاً كبيراً، موتتباين بوناً في شاسعاً، وانما أختلفت في امور بسيطة من الفروق اللسانية، بحيث لا نستطيع أن نضعها في مجاميع لغوية جديدة.

ومن الكتابات الجاهلية التي يعود عهد بعض منها إلى ما قبل الميلاد، حصل الباحثون على علمهم بلغة العرب الجنوبيين وبحضارتهم، وقد تبين لهم منها أن تلك الكتابات يمثل لغة متطورة ذات قواعد نحوية وصرفية، وانها كانت لغة التدوين عندهم، وقد استعملت مصطلحات فنية تدل على وجود حضارة لدى الكاتبين بها، وقد دام التدوين بها إلى ظهور الإسلام.

أما علمنا بقواعد نحو وصرف اللغة العربية الشمالية، التي نسميها اللغة الفصحى، فمستمد من الموارد الإسلامية فقط، لعدم ورود نصوص جاهلية مدونة بها. ولهذا اقتصر علمنا بها على ما جاء منها في الموارد الإسلامية ليس غير. أما النصوص المعدودة القصيرة، التي تبدأء بنص النمارة، وتنتهي يكتابة "حران اللجا" التي يعود عهدها إلى سنة "463" من سقوط "خبر" "خيبر"، المقابلة لسنة "568" للميلاد، فإنها وان كانت قد كتبت بعربية قريبة من العربية المحضة، إلا أنها تمثل في الواقع لهجة من اللهجات العربية الشمالية، متأثرة بالإرمية "النبطية" ولذلك لا أستطيع اعتبارها نصوصاً من نصوص العربية الفصحى الخالصة، ثم إنها قصيرة أطولها نص النمارة، المدوّن بخمسة سطور فقط. ويعود عهده إلى سنة "328" للميلاد. ولهذا لم نتمكن من استنباط شيء مهم منها، يفيدنا في تعيين صرف ونحو العربية الفصحى، أو هذه العربية التي دونت بها، ولهذه الأسباب صار علمنا اليوم بقواعد وبنحو كتابات المسند، والكتابات الثمودية واللحيانية والصفوية والنبطية، مستمد من موارد هي اقدم جداً من الموارد الإسلامية، يعود تاريخ بعض منها إلى ما قبل الميلاد. ووثائق هذه العربيات جاهلية اصيلة،لا يشك أحد في اصالتها، أما العربية الفصحى فنصها الوحيد، الذي لا يشك أحد في أصالته هو القرآن الكريم، فلا نص بها قبله، وهو أطول نص ورد الينا بهذه العربية وبسائر العربيات الأخرى بغير استثناء.

هذا وقد سبق لي أن تحدثت في الفصل الأول من هذا الكتاب عن تحديد لفظة العرب، وعن معانيها، وعن ورودها في مواضع من القرآن، مثل: )ولقد نعلم انهم يقولون انما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي، وهذا لسان عربي مبين(. وفيه )وانه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربي مبين(. وفيه: )أ أعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء(. وفيه: )إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون(. و )كذلك أنزلناه حكماً عربياً(. و )كذلك أنزلناه قرآناً عربياً وصرفنا فيه من الوعيد(. و )قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون(.

و )كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون(. )وكذلك أوحينا اليك قرآناً عربياً(. و )إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون(. و )وهذا كتاب مصدق لساناً عربياً لينذر الذين ظلموا(.

فاللسان الذي نزل به القرآن، هو اللسان العربي الفصيح الكامل الشامل ليكون بيناً واضحاً ظاهراً قاطعاً للعذر مقيماً للحجة دليلاً إلى المحجة". وقد نزل "محكماً معرباً". و ذلك تمييزاً لهذا اللسان عن ألسنة الأمم الأخرى التي نسبت إلى العجمة، فصارت ألسنتها ألسنة أعجمية.

فاللغة العربية إذن، هي لغة "العرب"، وبهم سميت وعرفت فأخذت تسميتها من اسمهم. وقد عرفنا أن المدلول الأول للفظة "العرب" هو البداوة والأعرابية، ثم توسع في مدلولها، حتى شمل كل سكنة جزيرة العرب من بدو وحضر، فأهل المدر عرب، وأهل الوبر عرب كذلك، وعرف أهل البوادي بالأعرِاب، تمييزاً لهم عن أهل القرى، أي الحضر،.وصارت اللفظة سمة خاصة بهم. أما لسانهم ولسان الحضر، فهو اللسان العربي وكفى.

ووسمت هذه العربية بسمة أخرى، صارت ترادفها حتى اليوم، هي "العربية الفصحى" و "اللغة الفصحى"، يريدون بها هذه اللغة التي نزل بها القرآن الكريم.

تمييزاً لها عن بقية اللغات واللهجات. والفصح والفصاحة البيان. وبما أن اللغة العربية بينة بليغة قيل لها ذلك. وهي في معنى "لسان عربي مبين"، أي لسان عربي فصيح أو بين. وبذلك لا ينصرف الذهن إلى لغات العوام ولا إلى لهجات القبائل في الجاهلية أو لغات أهل العربية الجنوبية، لأنها لا تتصف بصفة الفصاحة في نظر علماء اللغة.

واللغة العربية التي نكتب بها، لغة واسعة، ما في سعتها من شك: ألفاظها كثيرة، حتى لتجد فيها مئات وعشرات من المسميات وضعت كلها لمسمى واحد على ما يذكره أهل اللغة. فللاسد وللفرس وللجمل وللسيف وما يتعلق بها ألفاظ كثيرة، تجدها في كتب اللغة والمعجمات. ونحن لا نريد الشك في ذلك، ولكننا إذا أردنا إن نبحث بأسلوب علمي حديث مستند إلى لهجات القبائل، والى ما ورد في النصوص الجاهلية، فإننا سنضطر إلى القول بأن هذه الكثرة من الألفاظ ليست مسميات لشيء واحد في لغة واحدة، هي لغة القرآن الكريم، وإنما هي مسميات لذلك الشيء في لهجات عربية أخرى، جمعها علماء اللغة في الإسلام من أفواه أناس ينتمون إلى قبائل متعددة، أشاروا الى أسماء القبائل التي تكلمت بها أحياناً، ولم يشيروا إليها في أغلب الأحيان. فذهبت بين الناس على أنها مسميات لمسمى واحد في لغة واحدة، هي هذه اللغة الني نزل بها القرآن الكريم، أي اْنهم جعلوها من الألفاظ المترادفة.

ولم تعين الموارد الأعجمية شكل اللغة العربية، ولم تنص على لسان واحد من السنة العرب، على انه اللسان العربي الفصيح العام الذي كان يتكلم به كل العرب. ولم يعين القرآن هوية اللسان العربي، ولم يخصصه بلسان معين من ألسنة العرب المتعددة، وانما جاءت التسمية فيه عامه شاملة، لا تخص لساناً واحداً، ولا لغة معينة محددة. قال المفسرون في تفسر الإية: )وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً(، )فأنزلنا هذا القرآن عربياً اذ كانوا عربأَ(، وقالوا في تفسير الآية: )وكذلك انزلناه حكماً عربياً(، )كذلك ايضاً أنزلنا الحكم والدين حكماً عربياً( وجعل ذلك عربياً ووصفه به لأنه أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو عربي فنسب الدين إليه، اذ كان عليه نزل فكذب به الأحزاب"، وقالوا في تفسير الاية: )وكذلك أوحينا اليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها(: "يقول تعالى ذكره وهكذا أوحينا اليلك يا محمد. قرآناً عربياً بلسان العرب لأن الذين أرسلتك اليهم قوم عرب فأوحينا اليك هذا القرآن بألسنتهم ليفهموا ما فيه من حجج الله وذكره لأنا لا نرسل رسولاً إلا بلسان قومه ليبين لهم،لتنذر أم القرى وهي مكة وما حولها".

وقال "الطبري" في مقدمة تفسيره "فإن كان ذلك كذلك، وكان غير مبين مناّ عن نفسه من خاطب غيره بما لا يفهمه عنه المخاطب، كان معلوماً انه غير جائز إن يخاطب جل ذكره أحداً من خلقه إلا بما يفهمه المخاطب، ولا يرسل إلى أحد منهم رسولاه برسالة إلا بلسان وبيان يفهمه المرسل إليه، لأن المخاطب والمرسل إليه إن لم يفهم ما خوطب به وأرسل به إليه فحاله قبل الخطاب وقبل مجيء الرسالة إليه وبعده سواء، إذ لم يفده الخطاب والرسالة شيئاً كان به قبل ذلك جاهلاّ. واللّه جل ذكره يتعالى عن أن بخاطب خطاباً أو يرسل رسالة لا توجب فائدة لمن خوطب أو أرسلت إليه، لأن ذلك فينا من فعل أهل النقص والعبث والله تعالى عن ذلك متعالّ. ولذلك قال جل ثناؤه في محكم تنزيله: وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم. وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما انزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون. فغير جائز أن يكون به مهتدياً من كان بما يهدى إليه جاهلاّ. فقد تبين اذن بما عليه دللنا من الدلالة إن كل رسول لله حل ثناؤه أرسله الى قوم، فإنما أرسله بلسان من أرسله اليه، وكل كتاب أنزله على نبي ورسالة أرسلها إلى أمة، فإنما أنزله بلسان من أرسله إليه، وكل كتاب أنزله على نبي ورسالة أرسلها الى أمة فإنما أنزله بلسان من أنزله أو أرسله إليه. واتضح بما قلنا ووصفنا إن كتاب الله الذي أنزله على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بلسان محمد صلى الله عليه وسلم، وإذ كان لسان محمد صلى الله عليه وسلم عربياً، فبين إن القرآن عربي. وبذلك نطق محكم تنزيل ربنا، فقال جل ذكره: )إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون(، وقال: )وانه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلبلك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين(.

وقد تعرض علماء العربيهَ لمعنى "العجم" والعرب، فقالوا: "العجم" خلاف العرب، والأعجم من لا يفصح ولا يبين كلامه وإن كان من العرب، ومن في لسانه عجمة وإن أفصح بالعربية، "وفي التنزيل: ولو نزلناه على بعض الأعجمين". وكل من لم يفصح شيء فقد أعجمه، وأعجم الكتاب خلاف أعربه، أي نقطه بالنقط، وورد في شعر قيل هو لرؤبة ويقال للحطيئة: الشعر صعب وطويل سلمـه  إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمـه

زلت به إلى الحضيض قدمه

ومنه: والشعرلايطيعه من يظلمه  يريد إن يعربه فيعجمـه

أي يأتي به أعجمياً، يعني يلحن فيه، وقيل يريد أن يبينه فيجعله مشكلاً لا بيان له.

وقالوا: العرب خلاف العجم، ورجل معرب، إذا كان فصيحاً وان كان عجمي النسب. والإعراب الإبانة والإفصاح عن الشيء. وأن يعرب بن قحطان هو أول من تكلم بالعربية، وأول من انعدل لسانه عن السريانية إلى العربية، وبه سمي العرب عرباً. وقيل: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلا قرآناً عربياً لقوم يعلمون ثم قال: ألهم إسماعيل هذا اللسان العربي إلهاماً"، وقيل إن يعرب أول من نطق بمنطق العربية، واسماعيل هو اول من نطق بالعرببة الخالصة الحجازية التي أنزل عليها القرآن" 0 إلى غير ذلك من اقوال تحاول ربط لفظة "العرب" بالإعراب والافصاح والإبانة، وربط العربية، أي لسان العرب بقحطان، وباسماعيل، ووراء كل هذه الأقوال المصطنعة عصبية تتحزب لقحطانية أو لعدنانية، التي هي اصطنعت هذه الأقوال في الإسلام، وحذلقة مصطنعة باردة أستغلت المجانسة اللفظية بين عرب ويعرب وأعرب، لإيجاد صلة بين معاني هذه الألفاظ وفي جذورها.

وتشمل لفظة "العجم" كل من ليس بعربي، وهي في مقابل لفظة: " Barbarian" في اللغة الانكليزية المأخوذة من اصل يوناني،وهي لا تعني المتوحشين وإنما "أعاجم" و "غرباء" بتعبير أصح، الذين كانوا لا يحسنون التكلم بلغة المهذبين، بل كانوا يرطنون في كلامهم، ويتكلمون بلهجات رديئة، ثم أطلقها اليونان على كل من لا يحسن التكلم باليونانية وعلى كل من يتكلم بلغة غير يونانية. ولما دخل اليونان في حكم الرومان، صارت الكلمة تطلق على كل الشعوب الأخرى التي لا تتكلم باليونانية، أو اللاتينية. ولا استبعد احتمال مجيء هذه النظرية عند العرب من اليونان، وإن كان اليونان، لم ينفردوا بها وحدهم، فقد كانت الشعوب القديمة تعرف مثل هذه المصطلحات، ومصطلح: "كوييم" "Goim" العبري، الذي يعني" Gentiles" في الانكليزية، وغرباء، وشعوب،ومشركين عبدة أصنام، يعبر عن هذه النظرة فكل الشعوب باستثناء "العبرانيين" هم "كوييم"،والعبرانيون هم المتكلمون بالعبرانية،وغيرهم هم الذين لا يتكلمون بها. ولفظة "العجم"، وإن كانت لفظة عامة، قصد بها كل من هو ليس بعربي، لكنها أطلقت في الغالب على الفرس واليونان، وهم أرقى الشعوب التي احتك بها العرب في ذلك الوقت. وأطلقت على الفرس بصورة خاصة، لما كان للساسانيين من اتصال خاص بالعرب قبيل الإسلام. أما سكان إفريقية، فلم تطلق عليهم هذه اللفظة إلا قليلاً، لأن العرب لم ينظروا اليهم نظرة احترام، ولهذا عرفوا عندهم بالعبيد، وبالحبش، وبالسودان. ققد نعتوا بالطمطمانية، فورد "طمطمٌ حبشيون"، بإلنظر إلى لغتهم، وعدم تمكنهم من الافصاح بالعربية. وقد ورد في معلقة "عنترة": "أعظم طمطم"، في هذا البيت: تأوى له قلص النعام كما أوت  حزق يمانيةٌ لأعجم طمطـم

ومن القرآن واللغة استنبط علماء اللغة قولهم في أن العربية من الإبانة والإفصاح، وانها انما دعيت بذلك لأن "يعرب بن قحطان" كان أول من أعرب بلسانه فنسب هذا اللسان إليه. فقد رأينا إن الآيات المتقدمة التي أشرت إليها، ذكرت إن القرآن نزل بلسان عربي مبين، وقد جعلته في مقابل اللسان الأعجمي، فاستنتجوا منها إن العربية بمعنى الافصاح والإبانة، وان التسمية انما جاءت من هذا القبيل، مع إن الوصف راجع للغة القرآن، لا للعربية نفسها، ثم وجدوا أن الإعراب في اللغة بمعنى الإفصاح والإبانة، فربطوا بين هذه اللفظة وبين لفظة "العرب"، وقالوا إن "عرب" بمعنى فصح، وأن "العرب" من هذا الأصل، مع انهم يذكرون أيضاً إن تعرب معناها أقام بالبادية، وأن تعرب واستعرب، بمعنى رجع إلى البادية بعد ما كان مقيماً بالحضر فلحق بالأعراب. وأن تعرب بمعنى تشبهَّ بالعرب وتعرب بعد هجرته، أي صار أعرابياً، وأن في الحديث: ثلاث من الكبائر، منها التعرب بعد الهجرة، وهو أن يعود إلى البادية ويقيم مع الأعراب، بعد أن كان مهاجراً، وكان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد، ومعنى هذا. إن صلتها بالأعرابية وب "العرب" بمعنى البدو أهل البادبة، أقرب إلى المنطق والمعقول من صلتها بالإبانة والفصاحة، أي الإعراب. وقد سبق أن ذكرت إن معنى اللفظة في النصوص الأشورية وفي كتب اليونان واللاتين والعبرانيين والسريان، وفي المسند، هو "البداوة" والأعرابية لا غير، ثم أطلقت على جميع سكنة جزيرة العرب، لغلبة الحياة الأعرابية عليها حتى صارت لفظة "العربية" بمعنى بلاد العرب، تدخل فيها مواطن أهل المدر وأهل الوبر، وصارت لفظة "العرب" علماً على جنس وقوم.

وإذا أخذنا بهذا التفسير التأريخي المستمد من النصوص، لزم علينا القول إن العربية من "عرب" "العرب"، أهل العربية، وهم "الأعراب"، وقد أطلقت على ألسنتهم جميعا من غير تمييز، فكل لهجات العرب: لهجات بدو أو لهجات حضر، هي لهجات عربية، لأنهم عرب ومن سكنة بلاد العرب، ولهذا عرفت "جزيرة العرب" كلها "بالعربية" في كتب اليونان واللاتين على نحو ما تحدثت عن ذلك في الجزء الأول من هذا الكتاب، لا نستثني منها لهجة من اللهجات، مهما كان قربها أو بعدها من العربية التي نزل بها الوحي.

فما ذكره علماء اللغة من تخريج في وجه تسمية العرب بهذا السمم، من اشتقاق اللفظة من "عربة" التي قالوا إنها باحة العرب، أو من "يعرب"،أو من اعراب لسانهم، اي ايضاحه وبيانه، لأنه أوضح الألسنة واعربها عن المراد بوجوه من الاختصار، أو بما شاكل ذلك، هو كله تخريج متكلف، يمثل تخبطهم فيه، كتخبطهم في تفسير الأسماء التي لم يعرفوا من أصلها شيئاً، فوضعوا لها تخريجات أوجدوها لإظهار علمهم بها، ووقوفهم عليها، وعلى كل شيء قديم.

وفي العربية الحالية: الإعراب. وهو تغير أواخر الكلمات بتغير العوامل الداخلة عليها بالرفع والنصب والجر والسكون. احتفظت العربية به على حين فقدته معظم اللغات السامية، باستثناء البابلية القديمة. ويظهر من القرآن ومن الشعر الجاهلي، أن الإعراب كان من سمة هذه اللغة التي نزل بها الوحي.

ويرى بعض المستشرقين أن الإعراب كان موجوداً في جميع اللغات السامية، ثم خف حتى زال من اكثر تلك اللغات. ونرى له أثراً يدلّ عليه في العبرانية في حالتي المفعول به وفي ضمير التبعية، وفي السريانية والبايلية في ضمير التبعية، فإن هاتين الحالتين تدلان على وجود الإعراب في أصولها القديمة.

ولعلماء العربية بحوث مستفيضة في "الإعراب"، كما إن للمستشرقين بحوثاً فيه. وقد ذهب بعض منهم إلى أن بعض اللهجات العربية القديمة، مثل لهجة قريش لم تكن معربة، أو انها لم تكن على هذا النحو من الإعراب الذي ثبته وضبطه علماء العربية في الإسلام، حتى ذهب "كارل فولرس" إلى أن القرآن لم يكن معرباً في أول أمر نزوله، لأنه نزل بلسان قريش، وهو لسان غير معرب، وانما أعرب حين وضع علماء اللغة والنحو قواعد العربية على وفق لغة الأعراب المعربة، التي أخذوها من تتبعهم الشعر الجاهلي وكلام الأعراب.

وقد لمس "كاله" هذا الموضوع كذلك، وتطرق إلى ما ورد في الرواية من أخبار تحث المسلم على وجوب مراعاة قواعد الإعراب عند قراءته القرآن. فأستنتج منها إن كتاب الله لم يكن عند نزوله معرباً، فلما جعل الإعراب من سمات العربية، أعرب وفقاً لقواعده. وساق دليلاً على رأيه هذا ما ورد من آراء بهذا الموضوع للفرّاء "207 ه". وهو يرى إن علماء العربية استنبطوا قواعد الإعراب من الشعر ومن لغات الأعراب، ثم ضبطوا بها النص القرآني بموجبها، وبذلك سعوا لخدمة القرأن.

وقد خالف "كاير" "" R.Geyerو "نولدكه" ""Th. Noldekeرأى "فولرس"، وذهبا إلى أن ما ذهب إليه من أن القرآن لم يكن معرباً، ثم أعرب، راي لا يؤيده دليل، لا من حديث ولا من خبر أو لغة، وذهبا إلى احتمال حدوث اختلاف في القراءات، بسبب كون الحروف صامتة، فلما كان الرسول يتلو القرآن، وكان الصحابة يدونونه بحروف صامتة، لا حركات فيها ولا علامات يميز الحروف المتشابهة بعضها من بعض، وقع اختلاف في التلفظ بسبب عدم وجود الحركات، ووقع اللحن من بعضهم في القراءة، ولكن القرآن معرب، وآية ذلك وجود آيات عديدة لايمكن فهم معانيها إلا بقراءتها معربة. ففي القرآن آيات لا تترك مجالاّ للشك في أنه نزل معرباً، ففي آية )إنما يخشى الله من عباده العلماءُ(، وفي آية )أن اللهَ بريء من المشركين ورسولُه(، وآية )وإذ ابتلى ابراهيمَ ربهُ(، وآية )وإذا حضر القسمةَ أولوا القربى(، وغيرها، براهين واضحة تفيد أن موقع الكلم فيها كان معرباً، وأن هذا التركيب الذي تختلف معانيه باختلاف تحريك أواخر كلمه، لا بد وأن يكون كلاماً معرباً في أصله، وليس من التراكيب،التي أصلحت فيما بعد وفقاً لقواعد الإعراب. وروي إن اعرابياً سمع إماماً يقرأ: )ولاتنَكحِوا المشركين حتى يؤمنوا(، بفتح تنكحوا، فقال: سبحان الله هذا قبل الإسلام قبيح فكيف بعده! فقيل له: إنه لحن والقراءة: "ولا تُنكِحوا"، فقال: قبحه الله، لا تجعلوه بعدها إماماً، فإنه يحل ما حرم الله.

والعربية المحضة، هي عربية معربة، فيها كل خصائص الإعراب، غير إن الإعراب يتباين فيها بعض التباين بحسب تباين اللهجات، نقول ذلك استناداً إلى ما ضبطه علماء اللغة من وجوه الاختلاف بين لغات العرب، ونرى أثر الإعراب في النص المعروف بنص "حران" لصاحبه "شرحبيل بن ظلمو" "شراحيل بن ظالم"، ففي جملة "بنيت ذا المرطول" الواردة فيه، والمكتوبة بصيغة المفعولية بنصب لفظة "ذا" لوقوع الفعل عليها، دلالة على وجود الإعراب في لغة هذا النص. أما جملة "انا شرحيل بر ظلمو"، فقد دونت وفقاً لقواعد النبطية لا العربية الفصيحة، مما يدل على تأثر الكاتب باللهجة النبطية.

أما بالنسبة إلى عربية المسند، فإننا لا نستطيع أن نتحدث عن وجود من يتكلم بها على فى ما كانت في الجاهلية من الصفاء والأصالة، ولأن المسند لا يستعمل الحركات.في الكتابة ولا أية علامة تدل على تغير أواخر الكلمات، فلا ندري كيف كانوا يحركون أواخر الكلم، وعلى معرفة هذه الحركات يتوقف بالطبع معرفة وجود الاعراب من عدم وجوده في لهجة من اللهجات.

وأما بالنسبة إلى النبطية، وهي لهجة عربية شمالية، أقرب إلى العربية الفصحى من العرببات الجنوبية، فقد ذهب الباحثون في قواعدها، إلى أن اواخر الكلمات فيها، تتغير فيها بحسب مواقعها من الإعراب، حتى ذهب بعضهم إلى وجود الحركات فيها، وهي الضمة في حالة الرفع، والفتحة في حالة النصب، والكسرة في حالة الجر، غير انهم لم يكونوا يعقبون هذه الحركات بالنون.

والإعراب وإن سقط اليوم من لغاتنا الدارجة، ومن لهجات الأعراب، غير أن هنالك قبائل في جزيرة العرب، لا تزال تتكلم بلهجة عربية معربة، إعرابها موافق لإعراب هذه العربية الفصحى. ونحن نأسف لأن علماء العربية في هذا اليوم، لم يهتموا حتى الآن بدراسة لهجات هذه القبائل، ودراسة أصولها وأنسابها، ولم يعتنوا بوضع خريطة بمواضع القبائل موزّعة على حسب لهجاتها وخصائص ألسنتها، في الماضي وفي الحاضر، مع إن في وضع هذه الخرائظ اهمية كبيرة في تعيين لغات العرب، وفي كيفية تثبيت المناطق التي انتشرت فيها العربية الفصحى، والمناطق التي لا تزال تتحدث بها بطبيعتها، لا عن دراسة وتمرين.

والعربية لغة واسعة، "قال بعض الفقهاء: كلامُ العرب لا يحيط به إلا نبي". و "أن الذي انتهى الينا من كلام العرب هو الأقل، ولو جاءنا جميع ما قالوه لجاءنا شعر كثير وكلام كثير". وفي كلام علماء اللغة هذا حق، فالألفاظ وهي مادة اللغة وسداها ولحمتها لا يمكن أن يساير عمرها عمر اللغة، فمنها ما يموت، لذهاب الحاجة إليه، ومنها ما يقل استعماله فيهمل، ومنها ما يولد تطور الحاجة إليه، وقد تتبدل معاني الألفاظ وتتغير، إلى غير ذلك من أمور تطرأ على الألفاظ بحث عنها علماء اللغة، وهي لا تدخل في موضوعنا هذا، في هذا المكان.

هذا وليس من السهل على أحد التحدث في هذا الوقت عن مبدأ نشوء العربية الفصحى، وعن الأدوار الي مرت عليها حتى بلغت المرحلة التي وصلت إليها بتثبيتها في القرآن الكريم. و ذلك بسبب عدم وجود نصوص جاهلية مدونة بهذه اللهجة. فالقرآن الكريم هو الذي ثبتها وعرفنا عليها، وبفضل كونه كتاباً مقدشاً أقبل العلماء على دراسة لغته،واضطروا على جمع قواعدها،فصارت لغتنا الفصحى، أما الشعر الجاهلي، فمع انه أقدم عهداً من القرآن، لكنه ثبت ودّون بعده، اذ لم يصل الينا حتى الان أي أثر منه مدون تدويناً جاهلياً، ولهذا فالقرآن والشعر هما أقدم ما عندنا من نصوص بهذه العربية في النثر وفي النظم، ولولاهما لما كان في وسعنا الوقوف عليها.

ولعربيتنا بعد، في نظر علماء العربية خصائص ومميزات، ميزتها كما يقولون عن بقية اللغات منها: اتساعها. من حيث المفردات، ومنها تخصصها دون غيرها على حدّ قولهم بالاعراب، ومنها، تفردها بالمرادفات، وبالأضداد، أضف إلى كل ذلك اتساع حجم قواعد نحوها وصرفها. قال "ابن فارس": "فلما خص" - جل ثناؤه - اللسان العربي بالبيان عُلم ان سائر اللغات قاصرة عنه وواقعة دونه. فإن قال قائل: فقد يقع البيان بغير اللسان العربي، لأن كل من افهم بكلامه على شرط لغته فقد بين، قيل له: إن كنت تريد أن المتكلم بغير اللغة العربية قد يعرب عن نفسه حتى يفهم السامع مراده فهذا أخس مراتب البيان،لأن الأبكم قد يدل بإشارات وحركات له على أكثر مراده، ثم لا يسُمى متكلماً، فضلاّ عن أن يسمى بيناً أو بليغاً.

وإن أردت أن سائر اللغات تبين إِبانة اللغة العربية فهذ غلط، لأنا لو احتجنا إلى أن نعبر عن السيف وأوصافه "بالفارسية" لما أمكننا ذلك إلا باسم واحد، ونحن نذكر للسيف بالعربية صفات كثيرة، وكذلك الأسد والفرس وغيرهما من الأشياء المسماة بالأسماء المترادفة. فأين هذا من ذاك ? وأين لسائر اللغات من السعة ما للغة العرب.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق