إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الخميس، 4 فبراير 2016

1791 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السادس والاربعون بعد المئة الشعر انشاد الشعر


1791

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي     
  
الفصل السادس والاربعون بعد المئة

الشعر

انشاد الشعر

وللشعراء طريقة خاصة في انشاد الشعر. يذكرون ان الشاعر منهم كان إذا أراد إلقاء شعر، تهيأ لذلك واستعد له، وأظهر للناس انه يريد إلقاء شعر. ومن أصولهم في الإلقاء أن ينشد الشاعر شعره وهو قائم. وأن يلبس الوشي والمقطعات والأردية السود وكل ثوب مشهر.

وذكر أن من عادة الشعراء في الهجاء، أن أحدهم كان إذا أراد الهجاء "دهن أحد شقي رأسه، وأرخى إزاره، وانتعل نعلاً واحدة". وقد ذكر "المرتضى"، في خبر وفود العامريين على النعمان بن المنذر، وكان فيهم "لبيد ابن ربيعة"، وهو يومئذ غلام له ذؤابة، وكان القيسيون قد صدوا وجه النعمان عنهم، فأرادوا تقديم "لبيد" ليرجز بالربيع بن زياد رجزاً مؤلماً ممضاً، وكان هو الذي صرف الملك بالطعن فيهم وذكر معايبهم، فحلقوا رأسه وتركوا له ذؤابتين وألبسوه حلة وغدوا به معهم، فدخلوا على النعمان. فقام وقد دهن أحد شقي رأسه وأرخى إزاره وانتعل نعلاً واحدة على فعل شعراء الجاهلية إذا أرادت الهجاء، ثم أنشد رجزه الذي أثر في النعمان، حتى صار سبباً في ابعاد "الربيع بن زياد"عنه.

واذا أراد شاعر انشاد شعر، وقف وأنشد شعره، بأسلوبه الخاص في الإنشاد. وقد يترنمون في انشادهم ليكون الإلقاء أوقع أثراُ في نفوس السامعين. وقد يلقي راوية الشاعر شعر شاعره إذا كان أقدر منه على الإنشاد. وذكر أن "النشيد" هو الشعر المتناشد بين القوم ينشد بعضهم بعضاً، ومنه نشد الشعر وأنشده، إذا رفعه. وأنشد بهم، هجاهم. "وفي الخبر أن السلّيطين قالوا لغسان: هذا جرير ينشد بنا، أي يهجونا". و لا يخلو الانشاد من الترنم على اللحن الذي يتسمح به بالطبع، ومن مدّ الصوت، ليكون للشعر وقع على نفوس سامعيه، وتأثير جميل على المنصتين له.

وذكر ان الشعراء كانوا لا ينشدون إلا قياماً، وقد يعلو أحدهم موضعاً مشرفاً، أو يركب ناقته، ليدل على نفسه، ويعلم انه المتكلم دون غيره، وكذلك كان يفعل الخطيب. وقد استدل بعض المستشرقين من هذا الوصف على أن الشعراء انما أخذوا تقليدهم هذا من السحرة: الشعراء الأوائل ومن الكهنة، لأن السحرة والكهنة كانوا ينظمون الشعر وينشدونه على هيأة خاصة، يلبسون فيها أردية خاصة ويقفون في وضع خاص حين إنشاد الشعر.

وذكر ان الملوك كانوا يجلسون خلف الستور حين يستمعون إلى شاعر. فروي ان "عمرو بن هند" كان يسمع الشعراء من وراء سبعة ستور. وان الشاعر "الحارث بن حلزة" اليشكري لما طلب قومه منه انشاد قصيدته أمام "عمرو بن هند"، قال لهم: "والله إني لأكره أن آتي الملك فيكلمني من وراء سبعة ستور، وينضح أثري بالماء، إذا انصرفت عنه، وذلك لبرص كان به". فلما سمع قصيدته أمر برفع الستور ستراً ستراً، حتى صار مع الملك في مجلسه، وأمر أن لا ينضح أثره بالماء. . " "وأمره أن لا ينشد قصيدته إلا متوضئاً".

ولكن العادة أن الشاعر يقف أمام الملك، الذي قد يكون جالساً على سرير، فينشده شعره بعد أن يكون قد استأذنه بذلك. وقد يكون في المجلس جملة شعراء، أُذن لهم بالدخول عليه جملة واحدة، لينشدوا الملك شعرهم وما جاءوا به من شعر في مديحه. ويكون المجلس عامراً بأهل الحظوة من المقربين إلى الملك ومن الشعراء الملازمين له. وكانت مجالس ملوك الحيرة، عامرة بهذه المناسبات، أكثر بكثير من مجالس الغساسنة، لغلبة النزعة الأعرابية على ملوك الحيرة وقلة تأثرهم بالحضارة، وتغلب الحياة الحضرية على الغساسنة وتأثرهم بالحياة اليومية لأهل الشام، وبنزعة الروم في الحكم وفي آداب السلوك، حتى أنهم كانوا يتلذذون في الاستماع إلى غنائهم، ولهم قيان في قصورهم وبيوتهم يغنّين لهم بغناء الروم.

وكان من عادة الأعراب الطواف حول قبة الملك مع رفع الصوت بالرجز، ليسمع الملك صوت الراجز، فإذا عرفه أو أعجبه رجزه، اذن له بالدخول. وكان الملوك يضربون قبة على أبوابهم، يقعد فيها الناس حتى يؤذن لهم وقد يكون هذا الرجز مقدمة لدخول الشاعر على الملك حتى يلقي عليه ما يكون نظمه في مدحه وفي مدح آله من شعر.

وكان من عادة الملوك وسادات القوم والأشراف انهم إذا سمعوا الشاعر، واستحسنوا شعره، طربوا حتى يظهر الطرب عليهم وأظهروا استجادتهم لشعره، وربما شربوا إذا كانوا في مجلس الشرب، وأدنوا الشاعر اليهم، وأسقوه من شرابهم حتى يطرب. وقد يطلبون من الشاعر إعادة إنشاد الأبيات المستجادة. وكان الشاعر يستأذن صاحب المجلس أولاً ليسمح له بانشاد شعره. ولما استأذن "النابغة" الجعدي رسول الله، أن ينشده شعره، قال له الرسول: أجدت لا يفضض الله فاك، أي لا يكسر أسنانك، والفم هنا الأسنان. و لا زال الناس يرددون هذه العبارة وعبارة: أعده أحسنت وأجدت، أو أعد أعد، يقولونها بحماس وبصوت مرتفع ارتفاعاً يتناسب مع حس الاستحسان إذا قال الشاعر قولاً يستجيده العارفون بالشعر.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق