إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 1 فبراير 2016

1699 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل التاسع بعد المئة الطبقة المملوكة السخرة


1699

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
        
الفصل التاسع بعد المئة

الطبقة المملوكة

السخرة

السخرة،تكليف شخص وقهره على ما لا يريده. وسخره تسخيراٌ أذله وكلفه ما لا يريد وقهره وأجره على عمل بلا اًجرة ولا ثمن. وقد عرفت السخرة في العربية الجنوبية، إذ كانت تلك الحكومات تقوم بإنشاء الأبنية العامة والطرق والجسور والسدود، وبتشييد القصور على طريق "السخرة". وهي طريقة كانت معروفة في جميع انحاء العالم في ذلك الوقت، وكانت معروفة إلى عهد قريب. وذلك بأن تطلب إلى الموظفين والى المدن والقرى وسادات القبائل تقديم ما يتمكنون من تقديمه من أتباعهم لتشغيلهم قسراً بأعمال تريد القيام بها. فيقدم كل منهم ما يتمكن من جمعه، ويساقون سوقاٌ إلى مكان العمل للعمل هناك حتى ينتهي العمل. وتتكلف الحكومة الانفاق على العمال الذين تكلفهم القيام بالأعمال العامة، تدفع اليهم عطاياهم، وتعرف ب "شبو"، وتعني "الرزق" عيناً، وذلك بأن تقدم اليهم الطعام اللازم لعيشهم في مقابل اشتغالهم بتلك الأعمال، كما يقوم المعبد بتقَديم ذلك إذا كان المعبد هو صاحب العمل. وترد لفظة "أشبى" بمعنى أعطى في عربية القرآن الكريم ، وهو معنى قريب من معنى لفظة "شبو" في لغة المسند.

والسخرة عمل مرهق، يقوم به المسخر المسكين دون مقابل، فهو لا يحصل وهو في موقع العمل حتى على أكل بطنه إلا بشق الأنفس، من الإهمال وسرقة القوت وسوء الاستعمال، ثم انه قد يحبس أياماً وأشهرا وهو في هذا الوضع، لا يدفع له شيئاً ليستعين به في تمشية أموره، أو في إعالة عائلته البعيدة عنه، إذا كان متزوجاً، أو معيلاً لأهله، وطالما تعرض للمرض، ومنهم من كان يموت من الارهاق والجوع، ولذلك، كان الهرب من السخرة شيئاً مألوفاً، على الرغم من تشديد الحراسة على معسكرات العمل ومواضع تجمع المسخرين، وعلى الرغم من العقوبات الشديدة التي تفرض على الهارب في حالة القبض عليه.

وكانت الحكومات تسرف في استخدام السخرة وتشتط فتنجز بالسخرة كثيراً من الأعمال التي هي من صميم عملها وواجبها. ولن يتأثر بالسخرة إلا الطبقات الفقيرة اليّ لا تملك دفاعاً عن نفسها، ولم تجد من يساعدها ويعاونها. أما سادات القبائل ووجوه البلد والاشراف وأصحاب الأرض،فلا تقع السخرة عليهم، وإنما يرسلون ما يطلب منهم من أتباعهم للقيام بالأعمال المطلوبة وقد يسخرونهم لأداء أعمال خاصهّ بهم، لا صلة لها ولا علاقة بالأعمال العامة وبالنفع العام. ثم إن مفهوم القيام بالأعمال العامة وبالاشتغال بمشاريع النفع العام، لا يطبق لدى هذه الحكومات ولدى بعض الحكومات حتى في هذه الأيام إلا على هذه الطبقات الفقيرة، فعليها وحدها القيام بهذه الواجبات. ومثل هذه النظرة إلى السواد الأعظم من الأمة، جعل هذا السواد يكره حكوماته، ويكره الحاكم، ويتهرب من الخدمة ما أمكنه ذلك، لأنه لا يشعر بحكومة تعطف عليه، ولا بحاكمين ينظرون إلى مصالحه، وإنما هم ينظرون إلى أنفسهم على أنهم هم الناس، وأما أبناء الشعب فإنما خلقوا لخدمته ليس غير.

ولما قام أبرهة باصلاح سد "مأرب"، طلب من الأقيال وسادات القبائل وأصحاب الأرض مده بالمسخرين، فأرسلوا اليه ما طلب منهم، واشتغلوا في اصلاح السد وفي العمل على رتق ما صدع منه. فقاموا بنقل الحجارة الصلدة من مواضع مقالع الحجر، وعملوا مسخرين في اّعمال البناء، ولم يدفع لهم شيئاً سوى الأكل، وقد بقوا هناك حتى تم العمل، فسمح لهم بالعودة إلى ديارهم. والمفروض في أخذ المسخرين من المدن والقرى والقبائل، أن يكون ذلك متناسباً مع عدد السكان، وعدد رجال القبيلة. فالمدينة الكبيرة تقدم عدداً يزيد على ما تقدمه المدينة الصغيرة أو القرية، والقبيلة الكبيرة تقدم عدداً يزيد على عدد ما تقدمه القبيلة الصغيرة. غير إن ذلك لا يطبق بصورة عملية، فالعادة أن تفرض الأعمال الشاقة على الضعفاء والفقراء، ورُب قرية تقدم من المسخرين ما يزيد على ما تقدمه مدينة كبيرة. وهكذا الحال بالنسبة إلى القبائل الضعيفة والقبائل القوية.

وقد كان الرقيق في أوائل من استجاب إلى الإسلام، تخلصاً من رق العبودية، كان العبد إذا استطاع التخلص من سيده، ودخل في الإسلام صار حراً طليقاً. وهذا مما أغضب سادة قريش وغيرهم من الملاّك أصحاب العبيد،وجعلهم يقولون: إن محمداً قد أفسد علينا عبيدنا. ولما حاصر الرسول "الطائف" نزل اليه رقيق من رقيق أهل الطائف، فأسلموا واعتقوا ، وجعل، الرسول ولاء هؤلاء العبيد لسادتهم حين أسلموا.


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق