إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 1 فبراير 2016

1691 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل التاسع بعد المئة الطبقة المملوكة الاتجار بالرقيق


1691

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
        
الفصل التاسع بعد المئة

الطبقة المملوكة

الاتجار بالرقيق

وكان الرقيق إذ ذاك تجارة نشطة مربحة، يكسب صاحبها منها،ربحاً طيباً،وكان المتاجر بالرقيق، يشتري تجارته من الأسواق الخارجية، ثم يأتي بسلعته إلى أسواق جزيرة العرب لبيعها فيها، في الأسواق الموسمية وفي الأسواق المحلية الدائمة، مثل سوق مكة ويثرب والطائف ونجران وغيرها،ففي كل هذه الأسواق وأمثالها طلب شديد على الرقيق، لأنه وسيلة من وسائل تأدية الأعمال والانتاج. وأسواق العراق وبلاد الشام من أهم الأسواق التي موّنت جزيرة العرب بالرقيق الأبيض. أما السواحل الافريقية،فقد موّنتها بالرقيق الأسود. وهو أرخص ثمناً من الرقيق الأبيض، وكفاءته محدودة ،وقابلياته للعمل معينة، وهو لا يجاري الرقيق الأبيض في كثير من الأمور.

والرقيق المملوك: بين الرق. والرِق، الملك والعبودية. ورق صار في عبودية. واسترق المملوك فرق: أدخله في الرق. والرقيق العبد، والرق العبودة. ُسميّ العبيد رقيقاً لأنهم يرقون لمالكهم ويذلون ويخضعون. و "المملوك" العبد. وقيل الذي سبي ولم يملك أبواه، أو إذا ملك ولم يملك أبواه، فهو عبد مملكة. "وفي الحديث: إن الأشعث بن قيس خاصم أهل نجران إلى عمر في رقابهم وكان قد استعبدهم في الجاهلية، فلما أسلموا أبوا عليه، فقالوا: يا أمير المؤمنين إنا كنا عبيد مملكة ولم نكن عبيد قن". المملكة. أن يغلب عليهم فيستعبدهم وهم في الأصل أحرار. والقنّ العبد، ويقال المشترى.

والعبد: المملوك خلاف الحر، و "العِبدِّي" جماعة العبيد الذين ولدوا في العبودية. "وفي حديث عامر بن الطفيل: انه قال للنبي، صلى الله عليه وسلم: ما هذه العبدّي حولك يا محمد ? أراد فقراء أهل الصفة، وكانوا يقولون اتبعه الأرذلون".

و "القنِ" عبد مملك هو وأبواه ، أو هو الخالص العبودة، أو الذي ولد عندك ولا تستطيع خراجه عنك.

ومن الرقيق، رقيق تبع الأرض، فهو دائمأَ بها، يباع معها، ويشترى بشرائها ويقال له "امتى" في لغة العرب الجنوبيين. وأما "الأدم"، فيمثلون الطبقات الدنيا، من عمال يشتغلون بالأرض أو بالحرف، فهم أحرار من حيث التنقل وامتهان الحرف، غير انهم من الطبقات الدنيا، وكذلك ال "غبر"، وهم من الفقراء المعدمين ، وطبقة "مى" "امى"، وهم الأوباش غير المثقفين. ولعل لفظة "الأمى"، قد جاءت من هذا الأصل.

ونظراً لصغر مساحة الأرضين التي كانت تزرع في الحجاز، فإننا لا نستطيع أن نجد اقطاعاً فيه على نمط الاقطاع الذي نراه في العربية الجنوبية، ولا نجد فيه تذمراً بين الفلاحين على نحو ما وجدناه في اليمن، كما لا نجد سادة أملاك في الحجاز لهم نفوذ واسع، على نحو ما نجده في اليمن من تحكم الأقيال والأذواء وبقية الملاكين في الحكم وفي المجتمع، وفي شؤون رقيقهم المستخدم في استغلال الأرض. وكل ما نجده إن أشخاصاً كانوا يمتلكون ينابيع أو عيوناً أو آبار، وقد زرعوا بمائها. وزراعة تعتمد على هذا النوع من الري لا يمكن أن تكون زراعة كثيفة تدر على أصحابها ربحاً طائلاّ. لذا فهي لا تحتاج إلى تشغيل عدد كبير من العبيد والأرقاء.

وكانت الغزوات والحروب أهم مورد لتجارة الرقيق. وهو مورد قدم معروف. فالغالب المنتصر يأخذ من يقع في قبضته من أسرى، ويعد ملكاً له.- وقد كان في إمكان الأسرى فك أسرهم ب "الفداء". أما من لم يتمكن من دفع الفدية منهم، فيعد بحسب القانون ملكاً لآسره أو للدولة بحسب القوانين النافذة، فيجوزفي هذه الحالة امتلاك الأسير وتشغيله في الأعمال التي يكلفه إياها سيده، ويجوز له إطلاق حريته وعدّه حرّاً معتق الرقبة وبيعه في أسواق النخاسة. وقد كان تجار العبيد يفدون إلى هذه الأسواق، ليبتاعوا منها العبيد الذين يحتاجون اليهم ، ويأخذونهم معهم إلى بلادهم، ليبيعوهم مرة ثانية في أسواق النخاسة، لمن هو في حاجة اليهم.

والحروب مورد من موارد الرزق للمحاربين الشجعان الذين يتمكنون من أسر من يبرز لهم، والأسر خير للآسر من محارب يقتله، فقتله لا يفيده من الناحية المادية شيئاً، سوى ما قد يقع في يديه من أسلابه. أما أسره، فإنه يفيده فائدة مادية، فعلى الأسير ترضيته بدفع فدية مرضية، إن أراد فك أسره وتحرير رقبته، وإلا صار عبداً مملوكاً لآسره ، له أن يمتلكه وله أن يبيعه، والغالب أنه يبيعه في حالة عجزه من تقديم فدية، أو عجز أهله عنها، كي يتخلص بذلك آسره من أخطار هروبه منه، فيأخذه إلى الأسواق ويبيعه فيها.

وقد يقع القريب أسيراً في يدي قريب له، فيكون مملوكاً له. ولا تسقط صلة الرحم حق التملك.وللأسير فداء نفسه حتى إن كان أخاً لآسره أو عماً له. ولكن الأغلب أن يتوسط الناس بين الآسر وأسيره، لفك أسره، وأن تتغلب عاطفة الدم على المطالبة بالمال.

ومن أسباب الرق الفقر، ونجد في كتب الحديث والأخبار أن عوائل باعت أولادها من ذكور وأناث، من الفقر. وكان بعض من باع أولاده يشترط أن يكون الولاء لهم: والولاء سبب من أسباب الارث. جاءت "بريرة" إلى "عائشة"، وكانت مكاتبة ،ولم تكن قضت من مكاتبتها شيئاً، وكانت كاتبتهم على تسع أواق في كل سنة وقية ، فقالت: "يا أم المؤمنين اشتريني فإن أهلي يبيعوني، فاعتقيني، قالت عائشة: نعم. قالت بريرة: إن أهلي لا يبيعوني حتى يشترطوا ولائي. قالت: لا حاجة لي فيك. فسمع ذلك النبي، فقال: ماشأن بريرة ? فذكرت له شأنها، فقال: اشتربها فأعتقيها وليشترطوا ما شاؤوا.

فاشترتها وأعتقتها. فقال النبيّ: الولاء لمن أعتق وإن اشترطوا مائة شرط.

وقد وجد الرقيق في كل مكان من جزيرة العرب، لا سيما في المستوطنات الزراعية والقرى ومواضع التجار والتعدين، لحاجة هذه المواضع إلى الأيدي العاملة والى من يدافع عنها، حتى انهم كانوا يقذفون بعبيدهم في الحروب للدفاع عنهم. ولما أراد "مجاعة" مصالحة "خالد بن الوليد" على "الصفراء والبيضاء ونصف السبى والحلقة والكراع وحائط من كل قرية ومزرعة"، قال "سلمة بن عمير الحنفي": "لا والله لا نقبل، نبعث إلى أهل القرى والعبيد فنقاتل ولا نقاضي خالداً، فإن الحصون حصينة والطعام كثير، والشتاء قد حضر". فجعل "سلمة بن عمير" أهل القرى والعبيد في جملة من يتكل عليهم في قتال "خالد". ولما كان القتال بين "خالد" وبين "مسيلمة" واستحر القتل، " قال أهل القرى: نحن أعلم بقتال أهل القرى يا معشر اهل البادية منكم. فقال لهم أهل البادية: إن أهل القرى لا يحسنون القتال، ولا يدرون ما الحرب ! فسترون إذا امتزنا من أين يجيء الخلل ! فامتازوا". ونجد في رواية أخرى إن "خالداً" صالح "مجاعة" على "الصفراء والبيضاء والحلقة وكل حائط رِضانا في كل ناحية ونصف المملوكين". بدلاّ من جملهّ: "ونصف السبي" التي ترد في روايات أخرى. والمملوك العبد ومن دخل في الرق. وهذا مما يدل على وجود عدد كبير من العبيد في اليمامة في ذلك العهد، لحاجة أهل اليمامة وهم أهل زرع في الغالب اليهم ، لتشغيلهم في الأعمال الزراعية وفي التعدين والحرف.

ونجد إشارة إلى الموالي في بعض كتب الرسول إلى سادات القبائل. فلما كتب الرسول عهده لقيس بن سلمة الجعفي، جاء فيه: "كتابُ من محمد رسول الله لقيس بن سلمة بن شراحيل: إني استعملتك على مران ومواليها، وحريم ومواليها والكلاب ومواليها". وفي النص على ذكر الموالي في هذا العهد دلالة على انهم كانوا يكوّنون طبقة ظاهرة في "جعفى".

وأما "أهل القرى"، فهم المستوطنون الذين أغراهم عثورهم على الماء على السكن حوله وعلى الاشتغال بالزراعة، كما استقروا حول مواضع المعادن وفي المستوطنات القديمة التي نسبت إلى "طسم وجديس". فهم طبقة خاصة من أهل اليمامة، وهم حضر اليمامة، وأصحاب العمل والثراء ولهم العبيد لحاجتهم اليهم. اّما الطبقة الثانية، فأهل البادية. ممن سكن بيوت الوبر، ولم يقم في بيوت من طين. ولم يفلح ولم يزرع، بل كان رزقه على الإبل.

وكان لأهل القرى حصونهم، يحتمون بها من الأعراب ومن كلّ من يريد بهم سوءاً، ولهم مخازنهم يخزنون بها طعامهم، ولهم آبارهم في داخل قراهم وحصونهم، فإذا حوصروا كان لديهم الماء، فلا يحتاجون إلى مصالحة المحاصر لهم لعطشهم ولعدم وجود الماء عندهم، وتكون حصونهم عند الحصار قد امتلات بهم، وقد أغلقوا أبوابها، وقد احتلوا أبراجهم وسطوحها لرمي المحاصر بالسهام وبالماء الحار وبالحجارة، وحولها خنادق تمنع العدو من الدنو من حائط الحصن، وقد رفعوا جانب الخندق المقابل للحصن حتى يصعب على من يريد تسلقه وتسوره الوصول إلى الحصن. وبعض هذه الحصون عالية سميكة الجدران،ذكر "الهمداني" أن جدر "الهيصمية"، وهي لبني "صُهيب" من "بني قشير" يركض عليها أربع من الخيل، وكان من الصعب أن ينال رأسها السهم. وذكر عن "القصر العادي" بالأثل، أنه قصر منيف من عهد "طسم" و "جديس"، أقيم على حصن من طين ثلاثين ذراعاً دكّة، ثم بني الحصن. ووصف حصوناً كثيرة بعضها من حصون ما قبل الإسلام، بنيت لحماية أهلها من الغارات.

و "القصب" دون الحصون، ذكرها "الهمداني" بقوله: "و بالمذارع وغيرها قصب دون الحصون لطاف تسمى الثنية". والقصبة القصر أو جوفه، يقال كنت في قصبة البلد والقصر والحصن، أي جوفه. والقصب من البلد: المدينة والقرية.

وورد في خبر مصالحة "خالد بن الوليد" "بني حنيفة"، انه صالحهم " على الرقيق ولم يصالحهم على أنفسهم"، وأنه أخذ منهم رقيقاً، كان فيه أمة سندية سوداء، لم تكن من بني حنيفة، وانما كانت من رقيقهم، فصارت إلى "على بن أبي طالب". وفي وجود هذه السندية في اليمامة دلالة على وجود الرقيق المستورد من الهند في جزيرة العرب في الجاهلية،وقد كانت أسواق البحرين وبقية أسواق العربية الشرقية تشتري الرقيق الوارد عليها من الهند، فلا يستبعد وصول رقيق السند وغير السند من بلاد الهند إلى اليمامة والى أماكن أخرى من جزيرة العرب قبل الإسلام.

ويعرف بائع الرقيق بالنخاس، والنخاسة حرفته، والنخاس في الأصل بياع الدواب ، وقد كان تجار الرقيق يشترون الرقيق ويزوّجونه، ليجنوا نسله لهم، فيبيعوه في الأسواق. يفعلون ذلك فعل من يربي الخيل أو الإبل أو البقر، لتكثير نسله وبيعه. وبذلك يكثر مال صاحبه، وينسب المولد إلى الأرض التي ولد بها،والتي يكون سيده مقيماً بها، والى قبيلة سيده أيضأَ، فيقال هو من مولدي السراة، وهو من مولدي هذيل.

ويعرف "العبد" المولود في الرق بالوليد. قال بعض علماء اللغة: الوليد من يولد في الرق. و "المولدة" الجارية المولودة بين العرب كالوليدة. وورد عربية مولدة ورجل مولد إذا كان عربياً غير محض.وترد لفظة "مولد" ومن "مولدي" في تراجم بعض الأشخاص. فقد كان "أبو كبشة" مولى رسول الله من مولدي "مكة"، وقيل من مولدي أرض دوس. وكان "أنسة" مولى الرسول من مولدي "السراة". وكان "أبو مويهبة" وهو من موالي الرسول كذلك، مولداً من مولدي "مزينة".

وتطلق لفظة "غلام" على الولد إلى إن يشب، ويطلق على الغلام الذي يكون مملوكا، أو يخدم غيره. وقد يطلق أيضاً على الكهل. وكان "شقران"، واسي "صالح بن عدي"، غلاماً للرسول، وكان حبشياً. وكان "سفينة" غلاماً للرسول، وهو من أصل فارسي. وكان "مدعم" غلاماً للنبي، وكان من -مولدي "حسمى". وهبه له "رفاعة بن زيد الجذامي"، ويظهر انه كان من الزنج، إذ عرف بالأسود. وكان "كركَرة" غلاماً للنبي. وكان نوبياً، أهداه له "هوذة بن على الحنفي اليمامي" فأعتقه. وكان "رباح" غلاماً للرسول. وكان أسود، وكان يستأذن عليه، ثم صيره الرسول مكان "يسار" بعد قتله، فكان يقوم بلقاحه. وكان يؤذن له.

وتطلق لفظة "خادم" و "خادمة" على من يقوم بالخدمة، خدمة البيت، أو السفر، وكل خدمة أخرى يطلبها المالك. وفي حديث فاطمة وعلي: "اسألي أباك خادماً تقيك حرّ ما أنت فيه". ويخدم الخدم في البيوت، يقومون بتنظيفها وبالطبخ والخبز وما شاكل ذلك من أعمال. وكان "أنس بن مالك بن النضر" الأنصاري خادماً لرسول الله. وكان يخرج معه يخدمه،وهبته أمه للنبي ولم يكن عبداً بل كان حراً من الأنصار،نذرت أمه إن تجعله خادماً لرسول الله، ووفت بنذرها، وكان كثير المال.

ومن خدم رسول الله، "سلمى" أم رافع، امرأة أبي رافع ، و"خضرة"، و "رضوى"،0 و "ميمونة بنت سعد". و "مارية" جدة المثنى بن صالح ابن مهران، مولى "عمرو بن حريث". و "مارية" المكناة ب "ام الرباب" و"موهبة".


 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق