إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 1 فبراير 2016

1679 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل السابع بعد المئة المال


1679

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
      
الفصل السابع بعد المئة

المال

المال في اللغة ما ملكته من كل شيء، وهو في الأصل ما يملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك من الأعيان، وأكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل، لأنها كانت أكثر أموالهم. وفي الحديثُ نهي عن إضاعة المال، قيل أراد به الحيوان. ويشمل المال الصامت وهو العين ، والورق وسائر المصوغ منها والعرض ويشمل الأمتعة والبضائع والجواهر والمعادن والأخشاب وسائر الأشياء المصنوعة منها، والعقار من مسقف ومن مزروع مثل البساتين والكروم والمراعي والغياض والآجام وما يحويه من العيون والحقوق في مياه الأنهار، والحيوان بأنواعه. ويدخل الرقيق أيضاً في أصناف المال بالنسبة إلى ذلك العهد لأن له قيمة وثمناً، وهو ثروة لصاحبه وملك، وهو بوجه عام كل ما تملكه مما له ثمن.

و "العين" الدينار والذهب عامة. و "الورَق"، الدراهم المضروبة، وقيل الفضة، كانت مضروبة أولاً. ويلاحظ إن الكلمتين تعبران عن الذهب والفضة، وعن الدنانير والدراهم. والدنانير من ذهب، والدراهم من فضة. ويعبر عن الذهب بلفظة "الصفراء" للونه. وعبروا عن الفضة ب "البيضاء" وبالأبيض لبياض الفضة، ومنه الحديث: أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وهما الذهب والفضة.

ويقال للمال "النشب"، والنشب المال والعقار، وأكثر ما يستعمل في الأشياء الثابتة التي لا براح بها كالدور والضياع. والمال أكثر ما يستعمل فيما ليس بثابت كالدراهم والدنانير،وربما أوقعوا المال على كل ما يملكه الإنسان، وربما خصصوه بالأبل، والعروض اسم للمال.

والذهب والفضة، هما مقياس الثراء عند الحضر. ويكون ذلك بحيازتهم سبائك من ذهب أوفضة " أو مصوغات، أو دنانير ودراهم. و "الثري"، الكثير المال، والثروة كثرة المال. وهوالذي يملك الذهب والفضة أو الأموال الآخرى. والغني، ذو الوفر، أي المال الكثير.

وكان الذهب والفضة، مقياسي الثراء عند الإنسان قبل أن تضرب النقود وتسكّ السكك، بل بقيا على ذلك حتى بعد ضرب النقود، بسبب ندرة الدنانير، وقلة الدراهم، وتفضيل البعض الذهب على الدينار والفضة على الدرهم، لهذا نجد أهل الجاهلية يتعاملون بالذهب والفضة وزناً في تعيين الأسعار وفي شراء الحاجات وفي المهور مع وجود الدنانير والدراهم، بل بقي التعامل بهما في الإسلام أيضاً. ولما أرسل الرسول "شجاع بن وهب الأسدي" إلى "الحارث بن أبي شمر" الغساني، أمر له "الحارث" بمائة مثقال ذهب. وأجاز رسولُ الله "مسعودَ بن سعد" الجذامي رسول "فروة بن عمرو الجذامي" اليه، باثنتي عشرة أوقية ونش، وذلك خمسمائة درهم. وكان "فروة" عامل قيصر على "عمان" من أرض البلقاء، فأرسل "مسعوداً" إلى الرسول ليخبره باسلامه، وأرسل معه هدية الى الرسول.

ونظراً لوجود أناس كانوا يتلاعبون في نوعية الذهب والفضة، بغش المعدنين ومزج معادن خسيسة فيها،فقد ظهر أناس تخصصوا بفحص الذهب والفضة وبتعيين درجتهما من حيث الجودة والنقاوة، وبتعيين سعر السبائك وما يباع منهما وفقاً لذلك، ثم تخصص هؤلاء بدراسة النقود، وتعيين درجة نقاوتها وتثبيت وزنها، وذلك لوجود الغش فيها بالنسبة لذلك العهد. فإذا اشتروا نقداً أو باعوه، أو صرفوه بنقد آخر، فحصوه فحصاً دقيقاً وتأكدوا منه قبل الشراء أو التصريف لكي لا يكون مغشوشاٌ. فصار هؤلاء، هم صيارفة النقود، وخبراء السكة في ذلك العهد. وقد كان الصيارفة يجلسون أمام باب "الهيكَل" في القدس، يبيعون ويشترون ويصرفون النقود. وقد أشير اليهم في "الأناجيل"، ووبخهم "المسيح" وقلب موائد صيرفتهم. وكانوا يصرفون الدنانير بالدراهم والدراهم بنقود النحاس، والعملات الأجنبية بالعملة الرومانية الدارجة في فلسطين، تماماً كما يفعل صيارفة هذا اليوم في بلاد الشرق الأدنى.

ويظهر من الأناجيل، إن أولئك الصيارفة، كانوا يجلسون عند موائدهم التي يصرفون عليها النقود. أما كبارهم، أي الأغنياء منهم من أصحاب المال، فقد كانوا يتعاملون بالقروض، يقرضون المال للمحتاج اليه في مقابل. دفع فوائد عنها هي الربا، وفي تشغيل أموالهم في مشاريع تعود عليهم بالأرباح.

وقد تاجر أهل الجاهلية في "الصرف"، وهو بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة، أو أحدهما بالآخر. وقد أقر الرسول الصرف، إذا كان يداً بيد، أي متقابضين في المجلس، ونهى إذا كان نسَاءً. والصيرفي، والصيرف، والصراف: صراف الدراهم ونقادها من المصارفة وهو من التصرف على ما يذكره علماء اللغة. وقد جاءت لفظة "الصرف" والصيرفة في رأيي من "الصرف" أي الفضة، فالصرف الفضة في لغة العرب الجنوبيين. و "الصريف" الفضة أيضاً في لغة القرآن الكريم، كما يذكر ذلك علماء اللغة. قال الشاعر: بني غدانة حقاً لستم ذهـبـاً  ولا صريفاً ولكن أنتم خزفُ

وذلك انهم كانوا يتعاملون بالفضة في الغالب، لكثرتها بالنسبة إلى الذهب، حتى غلب اسمها على هذا التعامل. فقيل: الصرف والصيرفة والصراف، وهو الذي يتعامل بالصرف. فصارت كلمة "الصرف" التي تعني الفضة مرادفة لنقود، كما صارت لفظة "الفلوس" التي هي جمع "فلس" أصغر عملة من العمل وهي من النحاس، مرادفة للنقود. وفي العبرانية شبه لذلك. فالنقود، أي العملة "Money" هي "Keseph" في العبرانية، و "Keseph" الفضة، وقد استعملها العبرانيون في معنى العملة، لأنهم كانوا يتعاملون بها في حياتهم اليومية، فكانت مشترياتهم وأجورهم ومعاملاتهم بالفضة وبالعملة المعمولة منها، حتى صارت في معنى النقود.

ومن تعامل الصيارفة، شراء الدنانير بالدراهم والدراهم بالدنانير، باًن يساوم رجل رجلاً على بيع مائة دينار بدراهم، فيتراوض الطرفان على ذلك ويتساوما حتى يتفقا على عدد ما يدفع من الدراهم ، وذلك لاختلاف نوع الدراهم، وأوزانها وجودة فضتها. ويكون العكس، باًن يبيع شخص دراهم في مقابل دنانير. وقد يتبايعون على بيع الذهب بالذهب، مضروباً كان أو غير مضروب، أو بيع الذهب بالذهب، مضروباً كان أو غير مضروب، أو بيع الفضة بالفضة. وكانوا يتلاعبون في تصريف النقود "ويتحكمون في أسعار صرفها، لاحتكارهم الصرافة في الأسواق، ويربحون خاصة من فروق تصريف العملة الأجنبية بالعملة الرائجة في السوق.

وقد عرف الصراف بالحيلة والخداع والغش في الصرف، ولهذا السبب لعنوا في الأناجيل، وقلب "المسيح" موائد صيرفتهم. و "الصيرفي" المحتال المتصرف في الأمور والمجرب لها كالصيرف. قال سويد بن أبي كاهل اليشكري: ولسانا صيرفـياً صـارمـا  كحسام السيف ما مس قطع

ولا زال الناس يومنا هذا يطلقون لفظة "صراف" على المحتال الذكي الذي يعرف كيف يتعامل مع الناس.

ومن مصطلحات الصيارفة المذكورة في كتب اللغة "الشوقل" يقال: شوقل الدينار إذا عايره وصححه ووزنه، واستعملوا الشاقل أيضاً في المعايير. ويظهر من مراجعة كتب اللغة، أن علماء اللغة لم يكونوا على علم واضح بأصل لفظة "شقل"، فاكتفوا بقولهم شقل الدينار وزنه. وترد هذه اللفظة في الإرمية كذلك، بمعنى الوزن، أي وزن الدنانير والدراهم ، وترد بهذا المعنى أيضاً في العبرانية. وقد أخذ هذا الوزن من الأوزان البابلية، وقد كانت الأوزان البابلية أساساً لجميع الأوزان التي استعملت في الشرق الأدنى، بل وفي أوروبة أيضاً. و "الشقل" "Shekel "هو جزء من ستين جزءاً من "المن" "Manu". فمن هذا الوزن ورد اصطلاح "شقل" و "شوقل" بمعنى وزن العملة بالميزان في لغات أهل الشرق الأدنى،لأنهم كانوا يصححون العملة ويعايرونها بوزنها بالميزان، لتظهر صحة وزنها، فيتبين به الزائف منها من الصحيح.

وقد برع قوم من "الصيارفة" بتنقاد الدراهم، أي بتمييز الدراهم واخراج الزائف منها. وقد برع في ذلك نفر من أهل مكة، لأنهم تجار يتعاملون في الأسواق ويتعاطون الربا والصيرفة وتبديل العملة.

وكان اليهود من الصيارفة، يتعاطون بيع الذهب والفضة وتبديل النقود والربا. وكان الأعراب يحفظون عندهم ودائعهم، ذهباً وفضة ونقوداً. ذ كَر أن رجلاً من قريش استودع "عبد الله بن سلام" ألفاً ومائتي أوقية ذهب. وذكر علماء التفسير، أن من اليهود من كان يأكل الأمانات ويجحدها فلا يؤديها إلى أصحابها، إلا بالتهديد والقوة،وقد استحل أكل أموال العرب، ذلك أنهم قالوا: "حرج علينا فيما أصبنا من أموال العرب ولا إثم،لأنهم على غير الحق وأنهم مشركون.

وكان الصيارفة يعتبرون النقود الطيبة اللينة نقوداً صحيحة، والنقود الصلبة نقوداً زائفة، فالدرهم القسي، هو درهم زائف. لذلك كانوا إذا قالوا "درهم قسي"، عنوا بقولهم درهم زائف مغشوش، فضَّته صلبة رديئة ليست بلينة. وفي الحديث: كانت زيوفأَ وقسياناً. قال مزرد: وما زوّدوني غير سحق عمامة  وخمسمىء منها قسيّ وزائف

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق