1673
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل السادس بعد المئة
الشركة
والشركة في البيع، معروفة عند الجاهليين، فقد كان الناس يشتركون في البيع، بالمساهمة، بمال الشركة مناصفة أو على نصيب يعين أو بنسب يتفقون عليها، وبالمساهمة بمال يقدم من جهة وبعمل يقوم به للطرف الآخر و فق شروط يتفق عليها المشاركون بالنسبة إلى الربح أو إلى الخسارة. وقد كان من عادة أهل مكة مساهمة معظم أهلها في مال تجارتهم التي يرسلونها إلى اليمن والى بلاد الشام، ولهذا كانت القافلة التي يرسلونها تكون كبيرة ضخمة، يزيد عدد جمالها على الألف. ومعنى هذا أن المال الذي تحمله القافلة يكون كبيراً غالياً، وذلك لأن أكثر أهل مكة من الأغنياء والموسرين والمتوسطين قد ساهموا فيه.
ويقال للشريك "الجار". و "الجار" الشريك في العقار والشريك في التجارة. وقد يتكاتب الشركاء فيما بينهم، بأن يكتبوا ما اتفقوا عليه في صحيفة تحفظ نسخ منها عند الشركاء. وقد يتكاتبون، وانما يرضون بالوفاء على ما اتفقوا عليه، معتمدين على اخلاصهم في النية وعزمهم على الوفاء بما اتفقوا عليه بكل أمانة واخلاص. ونجد في كتب أهل الأخبار أمثلة على تشارك أشخاص للقيام بأعمال تجارية في مختلف أنحاء جزيرة العرب. فهي تبين إن الشراء كانوا يقدمون من أموالهم كذا وكذا من المال، للعمل شركة. فيخلطون المال المقدم من الشركاء حتى يصير شيئاً واحداً، وبعد إخراج رأس المال بعد الحساب، والمؤن والكلف يقسم الربح نصفين إن كانا شريكن، أو أكثر حسب عدد الشركاء ومقدار ما ساهم به كل واحد من الشركاء في رأس المال. وتوزع الخسائر، إن كانت هنالك خسائر على عدد المساهمين، وبنسب ما ساهم كل واحد من المساهمين في رأس المال.
وقد ورد في الأخبار إن "نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم" كان في الجاهلية شريكاً "للعباس بن عبد المطلب"، وكانا شريكن متفاوضين في المال متحابين. ولما وقع في الأسر في "بدر"، قداه العباس. وقد كان غنياً، أسلم، وأعان رسول الله يوم بدر بثلاثة آلاف رمح وكان "السائب بن أبي السائب صيفي بن عائذ" يشارك الرسول في تجارته ويتاجران مع بلاد اليمن.
وذكر إن "السائب بن عبد الله" المخزومي، كان هو شريك الرسول وصاحبه في الجاهلية. وورد إن "السائب بن الحارث بن صبرة"، كان شريكاً للنبي بمكةْ. ويظهر إن اشتراك الثلاثة في الاسم، صير ثلاثتهم شركاء للرسول في تجارته، والصحيح إن واحداً منهم كان شريكاً له.
وكان "مرداس بن أبي عامر"، والد "العباس بن مرداس" الشاعر، شريكاً لحرب بن أمية، والد ابي سفيان. وكان "العباس بن أنس" شريكاً لعبد المطلب.
وقد شارك "البراء بن عازب" "زيد بن أرقم" بالصرف، وهو بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة. ثم راجعا رسول الله فيه، فقال لهما: ما كان يداً بيد فخذه، وما كان نسيئة فذروه.
وقد تشارك أهل مكة فيما بينهم في تكوين الشركات، كما تشاركوا مع غيرهم في تكوين شركات، أسست لها فروعاً في المحال التي أقام فيها الشركاء الغرباء. فقد شاركوا بعض أهل اليمن، وجعلوا من مواضع شركائهم فروعاً لهم هناك، يبيعون ويشترون شراكة، ويقتسمون الأرباح والخسائر على حسب ما اتفقوا عليه. فشاركوا أهل الحيرة، كانوا يرسلون تجارتهم اليهم، لبيعها في أسواق الحيرة،. ويرسل شركاؤهم من أهل الحيرة بضائعهم إلى مكة، لتصريفها بها، ثم يتحاسبون ويقسمون الأرباح أو الخسائر حسب ما اتفقوا عليه. وكان "كعب بن عدي" التنوخي الحيري، شريك "عمر" في التجارة. يتاجر معه في البز. وقد أسلم قبيل وفاة الرسول، وكان قد ذهب في وفد من أهل الحيرة إلى المدينة َفعرض الرسول عليهم الإسلام فأسلموا، فلما انصرفوا إلى الحيرة، جاءتهم أنباء وفاة الرسول، فارتاب أصحابه، وقالوا: لو كان نبياً لم يمت، وقال كعب: فقد مات الأنبياء قبله، وثبت على الإسلام، ثم خرج إلى المدينة، ورأى "أبا بكر"، فلما بعث أبو بكر جيشاً إلى اليمامة ذهب معه، ثم أرسله "عمر" إلى "المقوقس" وقدم الاسكندرية سنة خمس عشرة رسولاً من "عمر" إلى المقوقس. وشهد فتح مصر، وورد في رواية أخرى، أنه أسلم بعد وفاة الرسول، في خلافة "أبي بكر". وورد في رواية أخرى أنه كان أحد وفد الحيرة إلى الرسول، وكان شريك النبي في الجاهلية. وكان عقيداً أي حليفاً لعمر.
وقد أشرك أهل مكة سادات القبائل معهم في الاتجار، تأليفاَ لقلوبهم، وحماية لتجارتهم ولقوافلهم من ألتعرض للسلب والنهب، وكانوا يعطونهم نصيبهم من الأرباح. وهو عمل حكيم جعل سادات القبائل يفدون إلى مكة، ويعقدون العقود مع تجارهم للاتجار معهم. وبذلك توسعت تجارة مكة وزادت رؤوس أموال قريش.
وقد كان أهل اليمن يتشاركون في الأرض، وهو أن يدفعها صاحبها إلى آخر بالنصف أو الثلث أو نحو ذلك، وقد أشير إلى هذا التشارك في نصوص المسند.
وفي حديث معاذ: انه أجاز بين أهل اليمن الشرك، أي الاشتراك في الأرض.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق