إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 1 فبراير 2016

1656 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الواحد بعد المئة تجارة مكة تجار يثرب


1656

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
    
الفصل الواحد بعد المئة

تجارة مكة

تجار يثرب

ولم يشتهر أهل "يثرب" في كتب أهل الأخبار بالتجارة، وانما اشتهروا فيها بالزراعة، ولا سيما بزراعة النخيل. ولكننا نجد إن من بين هم من كان يتاجر مع بلاد الشام واليمن، وله أموال شغلها في التجارة، كما إن من بينهم من كان يعطي فضل ماله بالربا للمحتاح إلى المال، وكان منهم من حصل على مال كثير فابتنى له "الأطم" و "الحصون" ليحصن نفسه وماله بها. ولما هاجر المهاجرون إليها، تعاظم شأن التجارة بها، إذ أخذ المهاجرون والأنصار يتاجرون مع الشام، فيبيعون ويشترون ويستوردون التجارة إلى المدينة، بقوافل تأتي محملة بالزيوت وبتجارة الشام إليها. حتى أمر الرسول باتخاذ سوق بها، يتاجر فيه التاجر دون ان يدفع خراجاً، بقوله: هذا سوقكم لا خراج عليكم فيه. فرفع عن تجار يثرب ما كان يدفعه تجار الأسواق الأخرى من خراج الأعشار.

ويظهر من دراسة وتشريح كتب التفسير والحديث والسير والأخبار، أنه قد كان بين أهل "يثرب" وأهل مكة فروق في أصول العامل التجاري، فوزن أهل يثرب يختلف عن وزن أهل مكة، وكيلهم يختلف عن كيلهم أيضاً، وتعاملهم في السوق يختلف بعض الاختلاف عن تعامل أهل مكة. ثم هم فوق ذلك يختلفون عن أهل مكة في أنهم أصحاب زرع، وأهل مكة أصحاب تجارة، ولما جاء الرسول إلى المدينة، وجد لهم معاملات تخص أكثرها الزراعة لم تكن معروفة بمكة، فسألهم عنها، وحدد لهم موقف الإسلام منها.

وسبب هذا الاختلاف، هو اختلاف طبيعة المكانين. فمكة بلد غير ذي زرع فقلَّ عندهم التعامل الزراعي، لعدم احتياجهم اليه. أما "يثرب"، فبلد زراعة عيشة أهله على الزراعة واستغلال الأرض، لذلك صار أكثر تعاملهم بأعمال تتعلق بالزراعة وباستغلال الأرض، وبالاشتراك والتعاون في استغلال الملك الفائض على حاجات صاحبه، فظهرت عندهم أعراف زراعية، لم تعرف بمكة. وكانت عندهم بعض حرف، لم تشتهر بمكة. ومن هنا راعى التشريع الإسلامي في التجارة أعراف أهل مكة فيها، وراعى في التشريع الزراعي وفي الحرف،أعراف أهل يثرب في الاثنين.

واقتصاد يثرب اقتصاد زراعي، الانتاج فيه انتاج زراعي، ثم حيواني، عماد الأنتاج فيه التمور والخضر، أما اقتصاد مكة، فهو اقتصاد تجاري عماده التجارة القائمة على أساس شراء السلع من الأسواق ونقلها إلى مكة، وتصريفها من هناك على أهل مكة ومن حولهم، ونقل الفائض إلى الأسواق الموسمية وأسواق العراق وبلاد الشام والعربية الجنوبية. فهو اقتصاد لا يعتمد على الانتاح المحلي ولا على حرف محلية، إنما يقوم على أساس شراء المنتجات الأجنبية من مصادرها بأسعار أعلى، للحصول على الاْرباح عن طريق الفرق بين السعرين: سعر الشراء وسعر البيع، أو عن ثمن التوسط في معاملات البيع والشراء.

ويظهر إن أهل يثرب لم يكونوا قد أقبلوا على الزراعة اقبالاً كافياً، وان الأرض لم تكن قد استغلت استغلالاً جيداً، لهذا نجد الرسول بعد هجرته إلى هذه المدينة يحث المسلمين على الاقبال على الزراعة وعلى العمل بها، وعلى استغلال الأرض، لأن فيها قوت المسلمين، فأراد بذلك سد النقص الذي كان يجابه أهل المدينة وغيرها في الحبوب وفي أقواتهم الأخرى، وهذا مما أدى إلى احياء بعض أرضها في أيامه، أحياها أهل يثرب وأحياها بعض المهاجرين.

وكان بعض تجار مكة يمرون بيثرب في طريقهم من مكة إلى بلاد الشام، وفي عودتهم منها إلى مكة. ولما خرج "هاشم" في عير لقريش فيها تجارات، كان طريقه علىَ المدينة، ثم نزل بسوق النبط، وهي سوقّ تقوم بها في السنة يحشدون لها، يبيعون ويشترون. وهي سوق يظهر انها كانت تقام في موسم معين من السنة، فيتجمع فيها التجار للبيع والشراء، ولما خرج "عبد الله" والد الرسول إلى الشام إلى غزة في عير من عيرات قريش يحملون تجارات، ففرغوا من تجارتهم ثم انصرفوا، مرّوا بالمدينة، وبها توفي فدفن هناك، في دار النابغة، وهو رجل من بني عدي بن النجار.

وقد كان الأنباط يتاجرون مع المدينة، يأتون إليها ب "الدرمك"، وهو الدقيق الحواري، وهو دقيق أبيض،وبالزيت. وكانوا يأتون اليهم بأخبار الروم. ولعلهم كانوا يتاجرون في موضع معين من أسواق يثرب،فعرف لذلك بسوق النبط. وقد نافست "يثرب" مكة في التجارة بعد هجرة الرسول إليها، إذ أخذ المهاجرون يتاجرون منها مع بلاد الشام والعراق، وصارت القوافل ترد إليها محملة ببضائع بلاد الشام، واأخذ الأنصار والمهاجرون يتاجرون معاً في الأسواق، وقد تضخمت هذه التجارة بعد فتح مكة،ودخول القبائل في الإسلام ووصول الصدقات الى بيت المال في المدينة، فتحسن حال أهل المدينة وصار لهم رأس مال مكنهم من تشغيله في التجارة وفي الزراعة، فاستغلوا أرض يثرب بزرعها زروعاً مختلفة، ثم استغلوا اموالهم هذه في الخارج بعد الفتوح.

وقد نشأت يثرب وتوسعت لوجود الماء بها، وهذا الماء هو الذي صيرها مستوطنة زراعية، كما صير غيرها من المستوطنات العديدة التي تقع في شمالها وتمتد حتى تتصل في فلسطين مستوطنات زراعية منتجة ذات بساتين ومزارع يعتمد في زرعها على العيون والابار. وكان عماد حاصلها التمر. وقد أحاطت بيثرب هالة من "الحوائط" المغروسة بالنخيل، غرسها سادات يثرب، فصارت من أهم موارد رزقهم، وقد زرعوا بعض الخضر والبقول تحت النخيل، لسد حاجتهم وبيع الفائض منه في الأسواق، ولكبار الملاكين فيها "أطم" يعيشون فيها ويخزنون بها ميراتهم وحاصلهم، ويحتمون بها عند الخطر. وأما سواد للناس، فلهم بيوتهم، وبعضها بيوت ذات طابقين. ولم تكن المدينة مسورة ولا محاطة بخندق على ما يظهر من روايات أهل الأخبار، بل كانت مدينة مكشوفة، إذا داهمها خطر، قام أهلها بسد منافذ طرقها، وبالدفاع عنها من السطوح، وبمقاومته في الأزقة.

وأرض يثرب أرض خصبة كان من الممكن زرعها لو أقبل أهلهما على الزراعة، ولكنهم لم يقبلوا عليها اقبالاَ تاماً، بل قام المتمكنون منهم بغرس الأرضين الغنية بالماء، والأرضين التي كان الماء فيها قريباً من سطح الأرض بحفر الآبار بها، وتركوا الأرضين الأخرى مواتاً لم تزرع. وشغلوا الموالي والرقيق في الزراعة، ولو أجهدوا أنفسهم في استصلاح التربة وفي استنباط الماء، وحبس مياه السيول، لأحيوا بذلك أرضين واسعة. بدليل إن بعض المهاجرين ممن كانت عندهم رغبة في الزراعة وأموالاً، عملوا في استصلاح أرضين مواتاً حتى أحيوها، وصارت تاًتي اليهم بغلات وافرة، ومن أثرياء يثرب "أحيحة بن الجلاّح"، وهو من سادة الأوس. وهو من أصحاب الأرض. وكان شريفاً في قومه، مات قبل الإسلام. وكانت تحته "سلمى بنت عمرو الخزرجية"، وتزوج "سلمى" بعده "هاشم بن عبد مناف" فولدت له "عبد المطلب" جد النبي.

وسعد بن عباده بن دليم، سيد الخزرج، هو من أغنياء يثرب ومن اصحاب الأطم فيها. وكان سيداً كريماً مضيافاً، جفنته تدور مع النبي في بيوت أزواجه وكان يأخذ كل ليلة جماعة من أهل الصفة يعيشهم، وكان أهل الحاجِة يذهبون إلى أطمه ينالون الشحم واللحم.

والطائف مصيف أهلَ مكة ومتمونها من الفواكه والزبيب والعسل والخضر. وقد أشترى أغنياء قريش بها الأملاك والبساتين وشاركوا أهل الطائف في التجارة. وهي بلاد "ثقبف". وثقيف من المتحضرين النشطين الأذكياء. وللطائف قرى، أولها "لقيم"، وآخرها "الوهط". وكان اسمها القديم "وج". ويذكر أهل الأخبار، أن "الطائف"، كانت في الأصل قرية بالشأم، أو قطعة من الجنة التي كانت لأصحاب الصريم، أو باليمن بنواحي صنعاء، فنقلت بدعوة "ابراهيم" إلى الحجاز، لتكون مصيفا وجنة لأهل مكة. وكانت بغير سور، فلما جاء "الصدف بن الدمون" من حضرموت إلى "وج"، وكان قد أصاب دمأَ في قومه، لحق بثقبف وأقام بها، وأقام لهم طوفاً اطاف بوج، فسميت بالطائف منذ ذلك الوقت. ومنهم من يزعم، أنها إنما سميت بذلك لأن "جبريل" لما نقلها من موضعها، طاف بها بالبيت سبعاً، ثم وضعها بموضعها، فعرفت بالطائف.

وكان أهل الطائف مزارعين، عاشوا على الزراعة، واتخذوها تجارة لهم. زراعة الكروم والفواكه والحبوب. وكسبوا من ذلك مالاً، وكان منهم من اشتغل بدبغ الجلود، وبيع "الأدم" أي الجلود المدبوغة أو تصديرها إلى الخارح، ومنهم من تاجر، وساهم مع تجار مكة فىِ تجارتهم. فتجمع من كل ذلك رأس مال شغله أصحابه في الربا، فكانوا يقرضون المال لمن يحتاج اليه من أهل الطائف ومن غيرهم، لوجود مال فائض عندهم.

ووجد التجار في كل مكان وجدت فيه أسواق وسلع وتجارة من بلاد العرب في الجاهلية وفي الإسلام، لم تكن تخلو منهم مدينة من المدن أو قرية كبيرة. فسوق الفلج كان سوقاً لبني نزار واليمن . وب "العوسجة" وهي معدن، تجار، من الجائز إن يكونوا قد تجمعوا في هذا المكان للاتجار بالمعدن الذي يستخرج منه، فكانوا يتعاطون الاتجار بالمعادن.



 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق