إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 3 فبراير 2016

1704 ( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي الفصل الثاني عشر بعد المئة الصناعة والمعادن والتعدين


1704

( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
      
الفصل الثاني عشر بعد المئة

الصناعة والمعادن والتعدين

الصناعة حرفة الصانع وعمله الصنعة. ورجل صنع، حاذق في الصنعة، وعماد الصانع على يديه، يستعملها في صنع الأشياء، كما يعتمد على ذكائه في تحويل الأشياء إلى أشياء أخرى أهم منها أو أي شيء آخر يريده أو يطلب منه.وهو بالطبع من أهم العناصر المنتجة اللازمة في الحياة الاقتصادية، فهو محور الانتاج، وعلى قدر انتاج أمه، يِقاس غناها ومقدار تقدمها في الحياة وتكون منزلتها بين الشعوب. فبالصناعة يتم تحويل المواد الخام، الفائضة عن الحاجة، إلى مواد أخرى أفيد منها، لستهلك في الأسواق المحلمة، أو تباع في الأسواق الخارجية.

والحرِفة، الطعمة والصناعة التي يرتزق منها، وهي جهة الكسب. وكل ما اشتغل الإنسان به وضرى به، أي أمر كان فإنه عند العرب يسمى "صنعة" و "حرفة". يقولون: صنعه فلان أن يعمل كذا، وحرفة فلان أن يفعل كذا، يريدون دأبه وديدنه. ذكر أن "علي بن أبي طالب"، قال: "إني لأرى الرجال، فيعجبني، فأقول، هل له حرفة ? فإن قالوا: لا سقط من عيني".

و "المهنة"، عند العرب الحذق بالخدمة وللعمل. وامتهنه: استعمله للمهنة وابتذله، والماهن: العبد والخادم. والمهنة العمل، والعامل هو الذى يقوم بعمل ما، والعملة العاملون بأيديهم، وهم الذين يرتزقون بعمل ايديهم. والعمالة رزق العامل الذي جعل له على ما قلد من العمل ومن العملة: العاملون في طين، أو في حفر، أو في بناء أو غير ذلك. وعامله معاملة سامه بعمل. والاعتمال الذين يقومون بما تحتاج اليه من عمارة وزراعة وتلقيح وحراسة ونحو ذلك. وما يعطاه العامل من أجر العمل هو "العملة".

وأغلب العَمَلة فقراء لا يملكون في شيئاً، رزقهم بعملهم، فإذا مرض أحدهم أو أصيب بعاهة انقطع رزقه. ثم إن أجورهم قليلة وأرزاقهم من عملهم شحيحة، ولذلك كانت حياتهم ضنكة. عليهم العمل قدر الإمكان لإعاشة أنفسهم وذويهم، والمشي على أرجلهم بحثاً عن عمل. ولهذا فلا عجب إذا ما عرفوا ب "بني عمل". و "بنو عمل" المشاة على أرجلهم من المسافرين. الذين وصفهم أحدهم الأعراب فقال: يحث بكراً كلما نـص ذمـل  قد احتذى من الدماء وانتعـل

ونقب الأشعر منـه والأظـل  حتى أتى طل الأراك فاعتزل

وذكر الله وصـلـى ونـزل  بمنزل ينزله بـنـو عـمـل

لا ضفف يشغله ولاثقل والحرف، أي العمل باليد من الأمور المستهجنة عند الأعراب، وعند أكثر العرب أيضاً فلا يليق بالعربي الشريف الحرّ، أن يكون صانعاً، لأن الصناعة من حرف العبيد والخدم والأعاجم،والمستضعفين من الناس. وقد سبق أن تحدثت عن مكانة الصناع في المجتمع، وعن ازدراء الناس لهم، على الرغم من احتياجهم اليهم، وكونهم الطبقة المنتجة المثمرة في المجتمع وأن أيديهم هي التي تصنع ما يحتاج الإنسان اليه من حاجات، ومدحهم الرجل الصنع اليد، بقولهم: "رجل صنع اليدين". أي حاذق ماهر في الصنعة مجيد من قوم. صنعى الأيدي،حتى أنهم كانوا إذا وصفوا انساناً باًلبلاغة، قالوا: رحل صنع اللسان، ولسان صنع. قال الشاعر حسان بن ثابت: أهدى لهم مدحى قلب يوازره  فيما أراد لسان حائك صنـع

ولا تقوم صناعة، إلا في مكان تتوفر فيه امكانياتها من استقرار وأمن، ومن وجود حاجة إليها، ومن توفر المواد الأولية فيها، والمواد الخام اللازمة لها. ومعنى هذا وجود مكان حضري. أما البداوة، فحاجاتها الى الانتاج قليلة، لسذاجة الحياة وبساطتها فيها. ولهذا تكون الصناعة فيها بسيطة، بساطة تتناسب مع بساطة ذلك المجتمع البدوي، ودرجة بداوته، ولهذا تفاوتت مستويات الصناعة البدوية، يتفاوت مستوى البداوة، وبتفاوت درجة حاجاتها الى الأشياء. فالبداوة المنعزلة عن الحضارة التي قل، اتصال أبنائها بالحضر، وبالعالم الخارجي، وشحت خيراتها ومواردها الأولية، لا يمكن أن تظهر فيها صناعة متطورة، ولا يعقل نموّ عمل مزدهر فيها، لانعدام الموارد الطبيعية المغذية للعامل، وللسادة أصحاب المال، ولعدم وجود حاجة إليها مع تلك البداوة القانعة بالبساطة في الحياة. ومن هنا في، أن الصناعة، لم تتطور، إلا في المجتمعات المتطورة،التي توفرت فيها امكانيات التصنيع، وشعرت بضرورة الاستفادة من الثروات الطبيعية المتوفرة لديها بتصنيعها، أي بتحويلها إلى موارد أخرى يحتاج إليها، وتوفرت فيها الوسائل اللازمة لظهور الصناعة والمجتمعات البسيطة كانت من البداوة أو البدائية، فإنها لا تخلو من وجود صناعات بها. صناعات بدائية ، هي من ناتج حاجات ذلك المجتمع، وناتجها يتناسب بالطيع مع حالة تلك البداوة. ولا يصح نفي وجود الصناعة بها.

وقد لعب الرقيق والموالي دورا كبيرا في أعمال الحرف والزراعة في جزيرة العرب. إذ استخدموا في التعدين وفي الزرع. وقد ذكر "الهمداني " أنه كان بمعدن "شمام" ألوف من المجوس الذين يعملون المعدن، حتى أنه كان لهم بيتا نار يعبدان في ذلك المكان. وذكر أنه كان ب "جهران" قوم من وضيع تبع، أي من الطبقة الوضيعة، وكذلك ب "قتاب"، حيث نسبوا إلى "تبع" قوله: فسكنت العراقَ خيارَ قومي  وسكنَت النبيط قرى قتاب

وكان بمدينة العقيق، وهي معدن،مائتا يهودي. ولم يذكر "الهمداني" متى كانوا هناك ولا سبب وجودهم بهذا الموضع، للاتجار أو للعمل بالمعدن.

وقد نتج من هجرة الأجراء والصناع إلى القرى والمدن اختلاط في السكان، لا يحدث مثله عند أهل الوبر. وهو مما جلب ازدراء الأعراب على الحضر، فكان سكان "ذمار" جمع من حمير ومن أنفار من الأبناء. وكان أهل "جهران" من بطون حمير، وقوم من وضيع تبع. وقد استعمل الهمداني لفظة "أخلاط" للتعبير عن اختلاط سكان موضع ما، ووجود عناصر متباعدة فيه لا ترجع إلى قبيلة واحدة. واستعمل لفظة "خليط" كذلك، لأن مدن اليمن وقراها كانت خليطاً من بطون ترجع إلى عشائر مختلفة. وهي سمة الحياة الحضرية حيث يفد الناس إلى مواضع الحضارة من مختلف البطون والعشائر.

وقد استعمل "الهمداني" لفظة "لخوم العرب" في معنى بطون العرب،وكذلك لفظة "طخوم" في المعنى ذاته. وذلك في اثناء حديثه عن المواضع التي اختلط فيها للسكان لوجود فرص العمل بها والرزق الوافر الجزيل.

 يتبع

( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )

يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق