1659
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل الثالث بعد المئة
طرق الجاهليين
لا أملك نصاً جاهلياً فيه أخبار عن الطرق التي كان يسلكها الجاهليون في تنقلاتهم من مكان إلى مكان، لأغراض خاصة، أو للرعي أو للاتجار، وما سأذكره عن الطرق مأخوذ من الموارد الإسلامية فقط، وهي موارد تعرضت لموضوع "المسالك" والطرق التي كان يسلكها الحجاج والمسافرون والتجار في أيام الخلافة، داخل أرض الخلافة وخارجها. وعلى رأس هذه الموارد كتب "المسالك والممالك"، وبقية كتب "الجغرافيا" والسياحات ووصف جزيرة العرب ففي هذه الموارد وصف للسالك والطرق ولسكك البريد التي كانت في بلاد العرب وهي وإن كانت طرقاً إسلامية، إلا أنها بنيت على الطرق الجاهلية القديمة في الأغلب،وما فعله المسلمون، هو أنهم اختصروا بعضاً منها، أو أقاموا مستوطنات جديدة عليها، أو حفروا آباراً بين منازلها التي كانت متباعدة، بدليل أن المنازل والمواضع الجاهلية التي ترد أسماؤها في الشعر الجاهلي ترد كذلك في وصف الإسلاميين لطرق جزيرة العرب على النحو الوارد في ذلك الشعر، أو في أخبار أيام العرب أو في كتب السير والتواريخ.
ولهذا فسيكون اعتمادي في وصف طرق القوافل عند أهل الجاهلية، على هذه الموارد الإسلامية، مع العلم بأن بعض المسالك الجاهلية، قد ماتت وذهب أثرها، وان بعضاً منها بقي على حاله، وان بعضاً من الطرق المسلوكة في الوقت الحاضر، والتي مهدت وعمرت تعميراً حديثاً بالوسائل الفنية المعروفة في هذا اليوم، هي طرق جاهلية قديمة، كانت مسلوكة قبل الإسلام. وهي طرق طبيعية كانت مسلوكة لوجود الماء فيها في مواضع متقاربة، و قد أقيمت عندها مستوطنات، وبقيت على حالها، لم تذهب فائدتها، ولم تتغير مراضع الاستيطان فيها، لذلك صارت السبل التي تسلك بين أجزاء جزيرة العرب الى هذا اليوم.
ومما يؤسف له كثيراً، هو إن الموارد الإسلامية التي تحدثت عن غزوات الرسول وسراياه وعن الوفود التي قصددته من مختلف أنحاء جزيرة العرب، والعمال والرسل الذين أرسلهم الرسول الى سادات القبائل أو لجمع الصدقات،.ثم عن حروب الردة وعن عمال ا الخلفاء على أقاليم جزيرة العرب،سكتت عن ذكر الطرق التي سلكت والمنازل التي نزلت، ولم تفصل في ذكر المنازل والمراحل، فأضاعت علينا بذلك معرفة الطرق الجاهلية التي كان يسلكها الجاهليون في تجاراتهم وفي أسفارهم، ثم إن الذين بحثوا في الإسلام عن المسالك والطرق، وذكروا المنازل مع أبعادها بالأميال أو بالفراسخ، أو بالمراحل، لم يهتموا بالاشارة إلى ذكر تواريخ هذه الطرق أو المنازل والى أصلها، هل هي جاهلية أم هي اسلامية، أم معدلة، ولمثل هذه الملاحظات التي أملوها أهمية كبيرة باًلنسبة للبحث بالطيع. وسأبدأ بالطرق التي سلكها أهل الجاهلية فيما بين العراق وبلاد الشام. وقد كان منهم من يحاذي الفرات، حتى لا يبتعد عن الماء والغذاء وأهل الحضر، ثم يسلك الطرق الشمالية التي مهدها الروم، لدخول بلاد الشام، وهي في أيدي الروم في الغالب، غير إن الفرس استولوا عليها في بعض الأحايين، ونظراً إلى ما لهذه الطرق من الأهمية من الناحية الاقتصادية والعسكرية، فقد تشدد الروم في مراقبة القوافل التي تقصد بلاد الشام، أو تخرج منها للذهاب إلى العراق،وتصعبوا في السماح لها وللتجار بالمرور.
ومن التجار من كان يخرج من الحيرة إلى بلاد الشام، فيسلك طريق "القطقطانة"، وهو موضع سبق أن تحدثت عنه في أثناء كلامي على نهاية الملك "النعمان بن المنذر"، إذ جاء في رواية أن "كسرى" أمر به فسجن به. وهو موضع غير بعيد عن الكوفة من جهة البرية بالطف. ثم يسلك الطريق إلى "البقعة"، ثم إلى "الأبيض"، ثم إلى "الحوشي"، ثم إلى "الجمع"، ثم إلى "الخطى"، ثم إلى "الجبة"، ثم الى "القلوفي"، ثم إلى "الأعناك"، ثم إلى "أذرعات"، ثم إلى "دمشق".
وطريق آخر سلكه الناس من العراق إلى بلاد الشام يبدأ من "عين التمر"، وهو موضع تحدثت عنه في مواضع من هذا الكتاب، ويتجه نحو "الأخدمية"، ثم إلى "الخفية"، ثم إلى "ا الخلط"، ثم إلى "سوى"، ثم إلى "الأجيفر"، ثم الى "الغربة"، ثم إلى "بصرى".
وفد سبق لي إن تحدثت عن بصرى في مواضع من هذا الكتاب. وهي المدينة التي وصل إليها الرسول مع عمه "أبي طالب"، وبها كان "بحيرا" الراهب على ما جاء في كتب السير، واليها كان يقصد تجار مكة، حيث يتاجرون بأسواقها. وبها قبر "بحيرا"، وهو يزار.
وأما طرق العربية الشرقية مع العراق، فقد كان من الجاهليين من يسلك الطرق المائية فيتجه نحو سواحل اللخليج عن طريق الأبلة، فيحاذي الساحل، ومنهم من كان يتجه إلى الشرق نحو جزر الخليج، ثم يتجه منها إلى ساحل "عمان"، ومنهم من كان يسلك طرق البر. وقد ذكر "ابن خرداذبه"، إن الطريق من البصرة إلى عمان على الساحل، يمر إلى "عبادان"، ثم ا الى "الحدوثة"، ثم إلى "عرفجا"، ثم إلى "الزابوقة"، ثم إلى "المقر"، ثم إلى "عصى"، ثم إلى "المعرس"، ثم إلى "خليجة"، ثم إلى "حسان"، ثم إلى "القرى" "القرنتين"، ثم إلى "مسيلحة" "مسلحة"، ثم إلى "حمص"، ثم إلى ساحل "هجر"، ثم إلى "العقير"، ثم إلى "قطر"، ثم إلى "السبخة"، ثم إلى "عمان".
ومن الطرق المهمة التي تربط اليمامة بجنوب العراق، طريق يأخذ من الاْبلة "البصرة"، ثم يتجه نحو "كاظمة"، ثم إلى منازل ثلاثة لم يذكر أسماءها "ابن خرداذبه"، ثم إلى "القرعاء"، ثم إلى "طخفة"، ثم إلى "الصمّان"، ثم منازل ثلاثة لم يشر إلى اسمها "ابن خرداذبه"، و منها إلى "جب التراب"، ثم إلى منزلين اخرين، ومنهما إلى "سليمة"، ثم إلى "النباك"، ومنه إلى "اليمامة". ويتفق وصف هذا الطريق، وأسماء المواضع مع ما ذكره "قدامة بن جعفر" في كتابه "الخراج" سوى إن "إبن خرداذبه"، يبدأ بالبصرة، ثم ينتهي باًليمامة، أما "قدامة"، فيبدأ باليمامة وينتهي بالبصرة.
ونجد في كتاب بلاد العرب، للحسن بن عبد الله الاصفهاني وصفاً لطريق آخر يتجه من "حجر" اليمامة حتى ينتهي بالبصرة، ذكر فيه أسماء المواضع ووصف الأرض والمياه، وينتهي طريقه ب "سفوان"، "صفوان"، المعروف اليوم في العراق. وقد ذكر "كاظمة"، وذكر أنها على ساحل البحر، وبها حصن وتجار ودور مبنية، ثم ذكر أسماء مواضع تقع بينها وبين "سفوان". ولما كانت البصرة إسلامية، بنيت في زمن "عمر"، فإن الجاهليين، كانوا يسافرون من "الأبلة" التي حلت البصرة محلها إلى جزيرة العرب.
ويبدأ هذا الطريق بالحرمليّة، وهو ماءة في قف في شُعبة عليه نخلات، ثم تركب القف، فتأخذ على واد يقال له "ذو جراف"، فتجزعه عرضاً، ثم تنتهي إلى "المديدان"، ثم تجًزع "الحرملية" ثم وادي "بنبان" حتى تصل "سويس"، ثم "البديع"، ثم "الطنب"، ثم "ا لجرداء"، و هي رو ضة تشرب من وادي جراف. ثم "الراح". فإذا جزته وقعت في العرمة ثم تخترق وادي حرج حتى تنتهي إلى "الجرباء" وعلى يسار الجرباء في العرمة ماء يقال له "الرداع"، فإذا فصلت من العرمة من حيال الجرباء صرت إلى واد يقال له "مجمع الأودية" ثم تصير إلى "ذات الرّئال"، ثم تنتهي إلى "الحفر"، حفر سعد، ثم تفوز إلى "الدهناء"، فتصل "خشاخِش" فتقع في معبر، فتعبر جبال الدهناء، فتصل الى أبرق يقال له "القنفذ"،.ثم تستقبل "الصمان"، فتمضي فيه حتى تنتهي إلى "المعا"، ثم ترد "طويلعا"، وهو وسط الطريق بين حجر وبين البصرة. وهو موضع فيه ماء وفيه تجار، وحصن يتحصنون به من اللصوص.
ثم تجوز "طويلعاً" إلى واد يقال له "الشيط"، فإذا انحدرت من عقبة الشيط تأتي "الوريعة"، فإذا جزته، تأتي "الدوّ". فإذا فصلت في "الدو" صرت إلى "كفة العرفج"، وفي منقطع "الدو" حين تجوزه واد يقال له "وادي السيّدان"، وعلى الطريق ماء "النحيحة"، تخرج منه إلى "تياس"، وقريب منه ثمد يقال له "الفارسي"، ثم تجوز ثماد أخرى حتى تصل "المخارم"، فتهبط "كاظمة". ثم تخرج من "كاظمة" إلى "النجفة"، ثم تمضي إلى "الصليف" "الصليب"، ثم تهبط الى "أيرمى" "أيرمى الركبان"، وهو علم مبني من حجارة للطريق، وهو شبه شخص إنسان. ثم تصل "الحزيز"، ثم تهبط "سفوان"، ثم تخرج حتى تهبط "الأحواض"، وهو ماء للسانية، ثم تصل البصرة.
وهناك طريق يوصل "حجراً" باًلكوفة، يبدأ بالحبل، وهو ماء في ناحية القف. لراعية اليمامة، ثم تخرج منه فترد القف، ثم تمضي حتى ترد "البالدية"، فإذا خرجت منها وردت ماءً يقال له "الغميم"، ثم ترد وادياً يقال له "العتك"، ثم "مبايض"، ثم تجوزه إلى "تعشار"، ف "مويهة"، ثم "تلعة"، ثم "السقيا"، ثم تجوز الدهناء، فتعلو قفاً يوصلك إلى "المجازة" وهي من طريق مكة الذي يأخذ عليه البصريون، عليه المنار من بطن فلج. وهي منهل، ثم تجوزها فتقع في "اللوى" ثم تصير إلى "لينة"، وهي ماءة كبيرة، ثم تسير فترد "زبالة". وهي سوق من أسواق طريق الكوفة المؤدي إلى مكة. فإذا خرجت من "زبالة" وردت "القاع"، ثم تخرج منه إلى "العقبة" ثم ترد "الشقوق"، ثم "واقصة": ثم "العذيب".
ويذكر علماء اللغة إن العرب أطلقت "القعقاع" على الطريق من اليمامة إلى الكوفة، وذكر بعضهم إلى مكة.
وكان بين أهل "الحيرة" وبين أهل مكة اتصال تجاري وثيق، بل واتصال ثقافي أيضاً، فمنها حمل الخط العربي إلى مكة على رواية أهل الأخبار. وكان التجار يرحلون منها إلى "القادسية"، وهو موضع معروف سبق إن تحدثت عنه، وبه كانت وقعة القادسية. ومنه إلى "العذيب"، وهو مسلحة بين العرب وفارس في حد البرية، وبها حائطان متصلان من القادسية إلى العذيب ومن الجانبين كليهما نخل ، وبالعذيب أحساء، غزير الماء، يخرج الماء خريراٌ من قوة اندفاعه على ما يفهم من شعر ورد على لسان بعض الضبيين. ويخرج الإنسان من العذيب فيدخل المفازة، ويكون بنجد حتى يبلغ موضع "ذات عرق". والعذيب بين القادسية ومغيثة، وفي الحديث ذكر العذيب. وهو ماء لبني تميم. وهو طرف أرض العرب.
ويتجه الطريق من "العذيب" إلى المغيثة، وفيها برك. وماؤها ماء السماء، ثم يتجه إلى "وادي السباع"، ثم إلى "القرعاء"7، وفيه آبار، ثم إلى "واقصة"، ثم إلى "العقبة"، وبها آبار، ثم إلى "القاع"، ومن "القاع، الى "زبالة"، ومن "زبالة" الى "ا لشقوق"، ومن "الشقوق" إلى "البطان"، وهو قبر العبادي: ثم إلى "الثعلبية"، وهو ثلث الطريق فيها برك ، ثم إلى "الخزيمية"، وهي مدينة سميت "خزيمة" لأن خزيمة صيرّ فيها سواني، وكانت تسمى "زرود"، ثم إلى "الأجفر"، ثم إلى "فيد"، وهي نصف الطريق، وبها منزل العامل في الإسلام. وبها أسواق وقناة وزروع ، وبرك وآبار وعيون جارية، وفد عظم شأنها في الإسلام، ذكر أن بها حصناً، عليه باب حديد وعليها سور دائر، وكان الحجاج يودعون فيها فواضل أزوادهم إلى حين رجوعهم وما ثقل من أمتعتهم، وهي قرب "أجأ" و "سلمى" جبلي طيء. وقد ذكرت في شعر "زهير بن أبي سلمى"، إذ قال: ثم استمروا وقالوا إن مشربكم ماء بشرفيّ سلمى فيد أوركك
وتقع في فلاة فيَ الأرض بين أسد وطيء، اقطعها الرسول إلى "زيد الخيل". ثم إلى "توز"، فيها برك وآبار وحصن بناه "ابو دلف". ثم الى "سميراء" ، ثم الحاجر. فمعدن القرشى، وهو "معدن النقرة". وعنده تفترق الطريق، فمن أراد مكة نزل "المغيثة"، ومن أراد "المدينة" أخذ نحو العسيلة فهبطها. وهو منزل حاج العراق بين "اضاخ" و "ماوان". وفيه بركة وثلاثة آبار، بئر تعرف بالمهدي، وبئران تعرفان بالرشيد وآبار صغار للأعراب تنزح عند كثرة الناس وماؤهن عذب.
فمن أخذ على المدينة، فمن المعدن إلى العسيلة، ثم إن بطن نخل، ثم إلى الطرق، ثم إلى المدينة. وهي."يثرب". وذكر بعض أهل الأخبار إن "مرزبان اليادية" كان قد عينّ على المدينة في الجاهلية عاملاّ يجبي خراجها، وكانت قريظة والنضر ملوكاً ملكوها على المدينة على الأوس والخزرج، وفي ذلك يقول شاعر الأنصار: تؤدي الخرج بعد خراج كسرى وخرج من قريظة والنضـر
ومن المدينة الى " السيالة"، ومنها إلى "الروحاء"، ثم إلى "الرويثة"، ومنها إلى "العرج"، ثم إلى "السقيا"، ثم إلى "الأبواء"، ثم "الجحفة"، ثم إلى "قديد"، ثم إلى "عسفان"، ثم إلى "مر الظهران"، ثم إلى مكة.
ومن أراد "مكة" قصد "مغيثة الماوان" ، ومن "مغيثة" إلى إالربذة" وماؤها كثير. واليها هاجر "أبو ذر" الغفاري، وبها مدفنه. وقد خربت سنة "319" للهجرة بالقرامطة. ومن الربذة إلى معدن بني سليم، ومن معدن بني سليم إلى العمق، ومنه إلى "أُفاعية" "الأفيعية" إلى "المسلح"، ثم إلى "الغمرة"، ومنه يعدل إلى اليمن، ومن الغمرة إلى "ذات عرق"، ومنه يقع الاحرام ، ثم إلى "أوطاس"، ثم إلى بستان بني عامر "بستان ابن عامز"، ثم غمر ذي كندة، ثم مشاش، ثم مكة.
ويلاحظ أن هذا الطريق هو من أقصر الطرق المؤدية من "الحيرة" إلى "المدينة"، وهو يمر بجبلي "طيء"، أي "جبل شمر"في الوقت الحاضر. ويمر على "حائل" بجبلي طيء، وهو مدينة في الوقت الحاضر ورد ذكرها في شعر "امرىء القيس" إذ يقول: يا دار ماوية بـالـحـائل فالفرد فالجبتين من عاقل
وبجيل "سلمى".مدينة اسمها "أُرك" ، عرفت بمدينة "سلمى"، وأصحابهما من "طيء": وقد انحاز إليها "خالد بن الوليد"، لما أرسله "أبي بكر". من "ذي القصة" لمحاربة المرتدين. وقد نزل "خالد" بأجأ، ثم تعيأ لملاقاة "طليحة الأسدي"، فالتقى به على "بزاخة".
ويسلك هذا الطريق في الوقت الحاضر الحجاح الذين يقصدون الحج عن طريق النجف بالسيارات.
و "الربذة" من القرى القديمة في الجاهلية، وهي عن المدينة من جهة الشرق على طريق حاج العراق على تحو ثلاثة أيام سميت ب "خرقة الصائغ" " بها مدفن "أبي ذر".
ومعدن بني سليم، هو لبني سليم، الذبن غزاهم الرسول غزوة "قرارة الكدر"، ويقال: "قرقرة بني سليم وغطفان"، لما بلغه إن بقرارة الكدر جمعاً من غطفان وسليم يريد الكيد للمسلمين. و "الكدر" ماءة لبني سليم في ديار غطفان ناحية المعدن. والى هذا الموضع أيضاً وصل للرسول في غزوته المعروفة بغزوة السويق، وسببها إن "أباسفيان" نذر ألا يمس راًسه ماء من جنابة حتى يغزو محمداً، انتقاماً لبدر، فسلك النجدية حتى نزل بصدور قناة إلى جبل يقال له "تيت"، من المدينة على بريد أو نحوه، ثم خرج إلى "بني النضير"، ثم خرج فأرسل رجالاً من قريش إلى ناحية من المدينة يقال لها "العرُيض"، فحرقوا في أصوار من نخل لها، وقتلوا رجلين، ثم انصرفوا راجعين، فخرج رسول الله في طلبهم حتى بلغ "قرقرة الكدر"، فوجد إن "أباً سفيان" قد فاته وأصحابه، وكان أبو سفيان وأصحابه يلقون جرب الدقيق ويتخفون، وكان ذلك عامة زادهم، فلذلك سميت غزوة السويق.
وقد غزا الرسول "بني سليم" مرة أخرى فسار عليهم حتى بلغ موضع "بحران" معدناً بالحجاز من ناحية الفرع، فلما لم يجد أحداً منهم، وكانوا قد تفرقوا رجع عنهم. ويظهر إن قريشاً كانوا قد جاءوا اليهم، واتفقوا معهم على مهاجمة المدينة، بدليل ما ورد في خبر هذه الحملة من انه " غزا يريد قريشاً وبني سليم".
و "بحران" موضع بناحية الفرع من الحجاز، به معدن للحجاج بن علاط البهري. و "الفرع" باًلحجاز، من أضخم أعراض المدينة.
وهذا الطريق هو الطريق الذي كان أهل مكة في الجاهلية ليسلكونه إلى العراق. ولما خافت قريش طريقها الذي كانت تسلك إلى الشام حين كان من وقعة "بدر" ما كان، قررت سلوك طريق العراق، اًي هذا الطريق، واستأجرت لها دليلاً خريتاً بالطرق عالماً بها، هو "فرات بن حيان"، وخرجت القافلة تحمل مالاً كثيراً، فيه فضة كثيرة، وهي عظم تجارتهم، سلكت طريق "ذات عرق"، ثم خرج الدليل بهم على "غمرة"، وانتهى إلى النبي خبر العير وفيها المال الكثير، فأرسل "زيد بن حارثة" على سرية، التقت بالقافلة بموضع "القردة"،فظفر بالعير، وأفلت أعيان القوم. وأتى بدليلها أسيراً، وخمست الغنائم، فبلغ الخمس عشرين ألف درهم.
وقد ذكر "الهمداني"، أسماء منازل طريق الكوفة - يثرب، والكوفة - مكة على هذا النحو. الكوفة، فالقادسية، فالمغيثة، ثم القرعاء، ثم واقصة ثم العقبة، ثم القاع، ثم زبالة، ثم الشقوق، ثم البطان، ثم الخزيمية، ثم الأجفر، ثم فبد، ثم توز، ثم سميراء، ثم الحاجر، ثم معدن النقرة، ثم العسيلة، ثم بطن نخل، ثم الطرف، ومنه إلى المدينة.
ومن الطرف يؤدي الطريق إلى مكة، فيمر بالسيالة، ثم الروحاء، ثم الرويثة، ثم العرج، ثم السقيا، ثم الأبواء، ثم الجحفة، ثم قديد، ثم عسفان، ثم مرّ الظهران، ثم مكة.
ومن أخذ الجادة من مكة إلى معدن النقرة، فمن مكة إلى البستان، ثم ذات عرق، ثم الغمرة، ثم المسلح، ثم الأفيعية، ثم حرة بني سليم، ثم العمق، ثم السّليلة، ثم الربذة، ثم ماوان، ثم معدن النقرة. وهو ملتقى الطريقين.
وقد عرف طريق العراق من الكوفة إلى مكة ب "المثقب". يقال: سلكوا المثقب، أي مضوا إلى مكة. وقيل انه طريق ما بين اليمامة والكوفة. وذكر بعض العلماء انه طريق كان بالشام والكوفة وكان يسلك في أيام بني أمية. ويظهر إن الاسم من الأسماء القديمة، بدليل اختلاف العلماء في تعليل التسمية، فقال بعضهم سمي لمرور رجل به يقال له مثقب، وقال بعض آخر سمي بذلك لأن بعض ملوك حمير بعث رجلاً يقال له مثقب على جيش كثير إلى الصين فأخذ ذلك. الطريق فسمي به.
وكان حاج البصرة إذا أرادوا الحج، اتجهوا إلى "المنجشانية" على ستة أميال من اليصرة، تنسب إلى "منجش" مولى "قيس بن مسعود" ، ثم إلى "الحفير"، وهو ركايا ما بين "ماوية" و "المنجشانيات" ، ثم إلى "الشجى"، ثم إلى "الخرجاء"، وهو ماءة احتفرها "جعفر بن سليمان " على طريق حاج البصرة ، ثم الى "الحفر" ، ثم إلى "ماوية"، ثم إلى ذات العشر، ثم إلى "الينسوعة"، ينسوعة القف، منهل من مناهل طريق مكة على جادة البصرة، بها ركايا كثيرة عذبة الماء عند منقطع رمال الدهناء بين ماوية النباج. ثم الى "السُمَينة"، أول منزل من النباج لقاصد البصرة ، ثم إلى "النباج"، ويقال له نباج بني عامر بن كريز، وهو بحذاء "فيد"، وبه يوم من أيام العرب، مشهور لتميم على يكر بن وائل. وقد استنبظ ماءه "عبد الله ين عامر ابن كريز"، شقق فيه عيوناً وغرس نخلاً، وسكن به رهطه بنو كريز.
و "عامر بن كريز بن ربيعة" القرشي العبشمي، والد "عبد الله"، وهو من المحمقين في قريش، ذكر انه أسلم يوم الفتح، وكان ابنه "عبد الله" أميراً على البصرة زمن عثمان ، كما كان صهراً لمعاوية، ومن أغنياء المسلمين.
ومن النباج إلى "العوسجة"، ثم إلى "القريتين"، ثم إلى "رامة"، ثم إلى "امرة"، ثم إلى "طخفة"، ثم إلى ""ضرية"، ثم إلى "جديلة" ثم الى "فلجة"، ثم إلى "الدثينة" "الدفينة"، ثم إلى "قبا"، ثم إلى "مران"، ثم الى "وجرة"، ثم إلى "أوطاس"، ثم إلى "ذات عرق" ثم إلى بستان ابن عامر، ثم إلى مكة.
ويلاحظ أن مبدأ هذا الطريق، قد عمر في الإسلام، وذلك بسبب تأسيس البصرة، ولكنه يسلك أيضاً الطريق الجاهلى القديم في مواضع كثيرة منه.
و "بستان ابن عامر" عند مكة، ويرى بعض العلماء أن هذه التسمية مغلوطة وأنها من أقوال سواد الناس وأن الصحيح بستان ابن معمر، وهو مجتمع النخلتين اليمانية والشامية. بينما يرى بعضهم العكس، إذ قال: "وبستان ابن عامر بنخلة. هو عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة. ولا تقل بستان ابن معمر، فإنه قول العامة. وورد أيضاً "بستان ابن عامر لعمر بن عبد الله بن معمر ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد ين تميم بن مرة بن كعب بن لؤي ، ولكن الناس غلطوا فيها، فقالوا: بستان ابن عامر، وبستان بني عامر، وإنما هو بستان ابن معمر، وقوم يقولون نسب إلى ابن عامر الحضرمي، وآخرون يقولون نسب إلى ابن عامر بن كريز". وذكر أنه على مقربة من هذه البستان موضع يقال له "المسدّ"، وهو مأسدة.
ويقع موضع "السّيّ"، وهو ماء من ذات عرق إلى "وجرة" على ثلاث مراحل من مكة إلى البصرة وخمس من المدينة. فهو من منازل طريق البصرة - مكة. واليه أرسل الرسول "شجاع بن وهب" الأسدي، على "بني عامر" بناحية "ركبة". ووجرة في طريق البصرة. وأما "ذات عرق" فحد يفصل في عرف علماء جزيرة العرب بين الحجاز ونجد. فمن ذات عرق إلى الغرب الحجاز، ومن ذات عرق مشرقاً، فهو نجد. واذا جزت "وغرة" ووجرة فأنت في نجد إلى أن تبلغ "العذيب"، و "غمرة" في طريق الكوفة. وهي فصل ما بين تهامة ونجد.
وعلى مقربة من "ذات عرق"، يقع قبر أبو رغال في موضع يقال له "الغمير"، بين ذات عرق وبين البستان.
وقد ذكر "القلقشندي" طريقاً يبدأ بالبصرة ويتجه نحو "اليمامة"، على هذا النحو: "البصرة"، ثم "المنجشانية"، ثم إلى "الكفير?" "الحُفير"، ثم إلى "الرحيل"، ثم إلى "الشجى"، ثم إلى "الحفر"، ثم الى "ماوية"، ثم إلى "ذات العشر"، ثم إلى "الينسوعة"، ثم إلى "السمنية"، ثم إلى "النباج"، ثم الى "العمومية ثم" "العوسجة"، ثم إلى "القربتين"، ثم إلى "سويقة"، ثم إلى "صداة"، ثم إلى "السدّ"، ثم إلى "السقي"، ثم الى "المنبية"، ثم إلى "السفح"، ثم إلى "المريقة"، ثم إلى "اليمامة".
وذكر "الهمداني" أسماء بعض المواضع التي كان يسكنها المسافرون من الكوفة إلى العراق، وهي الطرق السالكة التي عرفت ب "المحجة"،لأنها طرق الحج.
وقد ذكر "الهمداني" أسماء مواضع يمر بها الطريق من "نجران" إلى البصرة. وهي: نجران، ثم كوكب، ثم الحفر، ثم العقيق، وهو معدن ذهب، ثم "الفلج"، ثم "الخرج"، ثم "الخضرمة"، ثم "الفقى"، ثم البصرة.
وإذا أراد أهل اليمامة السفر إلى مكة ،سافروا إلى العرض، وهو بطن العرض، عرض بني حنيفة، الوادي المعروف اليوم باًسم الباطن، وفيه مياه وقرى ، ثم "الحديقة"، ثم إلى "السيح"، وهو سيح "آل ابراهيم بن عربي" والى اليمامة في عهد "عبد الملك" و "هشام"، ثم إلى "الثنية"، ثم إلى"سقيراء"، ثم إلى "السدّ"، ثم إلى صداة ، ثم إلى "شريفة"، ثم إلى "القريتين" من طريق البصرة، فيتصل الطريق بطريق البصرة، ويسلكها على نحو ما مرّ. وقد ذكر " قدامة" منازل هذا الطريق على هذا النحو: "العرض"، ثم "حديقة"، ثم "السيح"، ثم "الثنية العقاء"، ثم "سقيراء"، ثم "السدّ"، ثم "مراره"، ثم "سويقة"، ثم "القريتين"، ثم طريق البصرة.
ونجد في "بلاد العرب" وصف طريق يبدأ ب "حجر" اليمامة وينتهي بمكة. ويبدأ ب "بطن العرض" ، ثم "السيح"، ثم "ثنية الأحيسى"، ثم ناحية من "قر قرى" اليمامة، ثم "المنفطرة"، ثم "الغزُ يز"، ثم "الو ركة"، ثم "أهو ى" و "أضيمر"، ثم "العفافة"، ثم "عكاش"، ثم "المروت"، ومنه إلى "السحامة" وعليها طريق المنار، واذا جزت أهوى، فمن ورائها مويهة يقال لها "الأسودة"، ثم تعبر رملة يقال لها "جراد"، ثم تصل "الهلباء" بحايل، فإذا جزت "الهلباء" وقعت في واد، تجوزه فترد "عكاشا"، ثم ترد "العيصان"، وهو معدن ، ثم ترد معدن الأحسن، وهو من أول عمل المدينة، ثم تجوزه إلى "العلكومة"، ثم ترد "الدثينة" "الدفينة"، قرية على طريق البصرة إلى مكة ، ثم يسلك هذا الطريق المواضع التي ذكرتها عند حديثي على طريق البصرة - مكة.
وكان لأهل اليمامة طرق توصلهم إلى اليمن، منها طريق يؤدي إلى "الخرج"، ثم الى "نبعة"، ثم إلى "المجازة"، و "المعدن"، و "الشفق"، "الشقق ?"، ثم "الثور"، ثم "الفلج"، وهو قرية كبيرة بها نخيل ومزارع وعين يقال لها "الذبا" يخرج منها سبعة عشر نهراً، وهي من الأفلاج. ثم "الصفا"، وبئر الآبار ونجران، ثم الحمى وبرانس، ومريع، والمهجرة. ثم يسلك طريق المهجرة ألمؤدي إلى صنعاء.
وذكر "الهمداني" طريقاً يصل نجران باليمامة ثم ينتهي بالبصرة. ومعنى ذلك طريق يوصل البصرة باليمن، فنجران من أهم عقد الطرق المؤدية إلى اليمن.
ويبدأ الطريق بنجَران ، ومنها إلى "كوكب"، ثم الى "الحفر"، ثم "العقيق"، وهو معدن يعق عن الذهب، وهو لجرم وكندة، ثم "المقترب"، ثم "الفلج"، ثم "الخرج"، ثم "الخضرمة"، ثم "الفقى" ، وهو طرف اليمامة: ثم البصرة.
وذكز "الهمداني" أن من يريد التوجه من "الفلج" إلى اليمامة، سلك طريق "العقيمة"، أو "مخمسة". ومن أخذ "الثفن" من الفلج إلى اليمامة أخذ أسافل أودية جعدة، فيأخذ الغادي على اًسفل الغيل من الثفن، ثم يقطع "غلغل" و "الثجة" و "النضخ" " فإن أحب شرب بدلاميس، ثم نسلة إلى الخرج، وإن اًحب شرب بالمرّاء، ثم برك ثم بريك.
وإذا أراد أهل البحرين التوجه إلى اليمامة، صعدوا الطريق، فيكون عن يمينهم "خرشيم"، وهي هضاب وصحراء مطرّحة إلى "الحفرين" وإلى "السلحين"، ثم "الحابسية"، ثم "مزَلقَّة"، ثم "الموارد" ثم الفروق الأدنى ثم الفروق الثاني، ثم الخوار، خوّار الثلع، ثم الصليب، وعن يمينك الصلب، صلب المِعَي والبرقة برقة الثور. ثم الصتمان، ثم ترجع إلى طريق "زَرٌى"، فعن يسارك "الدُبيب"، وعن يمينك "الدحرض"، ثم تقطع بطن "قو"، ثم السمراء، ثم تأخذ في الدهناء وتأخذ على الشجرة، ثم إلى "الخل" خل الرمل، ثم قَلْت هبل، ثم "النظيم" نظيم الجفنة، ثم شباك العرمة والغرابات، ثم تقطع العرمة و "شيعا"، ثم تسير في "السهّباء"، ثم تقطع جبيلاّ يقال له "أنقد"، ثم الروضة، ثم ترد "الخضرمة" جو الخضارم. وهي أول اليمامة قبل البحرين.
وكان لأهل نجد جملة طرق يسلكونها في اتجاههم نحو "مكة" أو المدينة أو اليمن. وقد عرف طريق نجد إلى مكة ب "الجلال" وب "مثقب" وب "القعقاع". وذكر أن "المثقب" طريق العراق من الكوفة إلى "مكة"، وكان فيما مضى طريقاً بن اليمامة والكوفة يسمى "مثقباً"، وذكر أنه طريق العراق إلى مكة، وقد أوجدوا لذلك جملة تعاليل لحلّ مشكلة التسمية. فقالوا: إنهُ سميّ مثقباً لمرور رجل به يقال له مثقب. وقالوا: بل لأن بعض ملوك حمير بعث رجلاً يقال له مثقب على جيش كثير إلى الصين، فأخذ ذلك الطريق فسمي به. وذكر بعض آخر. أنه طريق كان بين الشام والكوفة، وكان يسلك في أيام بني اًمية.
وذكر إن "القعقاع" الطريق لا يسلك إلا بمشقة، وهو طريق من اليمامة إلى الكوفة، وقيل إلى مكة.
و قد يكون طريق نجد إلى المدينة و مكة جزءاً من طريق العراق إلى المدينتين، و قد ذكرت أسماء بعض المواضع التي يسلكها القادمون من الكوفة أو الحيرة ثم من البصرة إلى المدينة أو مكة، و هي تمرّ بعد اجتيازها حد العراق بنجد. و من هذه المواضع: "القَرْدة" "الفَردة"، الذي كانت إليه سرية "زيد بن حارثة" للتعرض بقافلة لقريش تنكبت طريق الشام خوفا من تحرش المسلمين بها و سلكت طريق العراق في الشتاء، فالتقى بها "زيد بن حارثة" بهذا الموضع فظفر بالعير.
و من مواضع طرق نجد "قطن"، و هو جبل بناحية "فيد"، به ماء لبني أسد غابن خزيمة بنجد، و إليه أرسل الرسول، "أبا سلمة بن عبد الاسد"، و قد نكب بالسرية عن طريق و سار بها ليلاً و نهاراً حتى يعجل إلى ملاقاتها، فنذر بهم القوم و تفرقوا، ثم عاد بعد أن وجد سرحاً و معه ثلاثة رعاء مماليك. و "قطن" جبل في غرب "القصيم" من نجد لا زال معروفاً بقرب بلدة "الفوارة".
و نَجْدٌ في اصطلاح بعض العلماء، ما بين "العذيب" إلى "ذات عرق" و إلى اليمامة و إلى اليمن و إلى جبلي طيئ، و من المربد إلى "روجرة". و ذات عرق أول تهامة إلى البحر. وذكر ان الاعراب يقولون: إذا خلقت "عجلز" مصعداً، فقد انجدت. و "عجلز" فوق "القريتين"، فإذا أنجدت عن ثنايا ذات عرق، فقد أتهمت، فإذا عرضت لك الحرار بنجد قيل ذلك الحجاز. و ذكر أن نجداً الاربضة التي تقع جنوب العراق و الشام، و شمال تهامة و اليمن. و ذكر أن كل ما وراء الخندق على سواد العراق، فهو نجد. و الغور كل ما انحدر سيله مغربياً و ما أسفل منها مشرقياً فهو نجد. و تهامة ما بين ذات عرق إلى مرحلتين من وراء مكة، و ما وراء ذلك من المغرب فهو غور، وما وراء ذلك من مهب الجنوب فهو السراة إلى تخوم اليمن.
وأما طرق العربية الغربية، فأهمها الطرق الممتدة من بلاد الشام إلى اليمن، و تتصل بها الطرق الآتية من مصر. و قد كان الجاهليون يقصدون دمشق للاتجار بها وللاصطياف، ولزيارة أمراء الغساسنة الذين كانوا قد امتلكوا قصوراً بها، غير أن بعضاً منهم كان يقف عند "بصرى"، يتاجر في أسواقها ثم يعود. ومنهم من كان يتوجه إلى "غزة"، للاتجار بها لوجود تجار بها قصدوها من سواحل البحر الأبيض، معهم تجارة ساحل البحر. وقد كان "هاشم" ممن قصد هذه المدينة.
ويبدأ طريق دمشق ب "الكسوة " ومن "الكسوة" إلى "جاسم"، وهو موضع ورد ذكره في شعر لحسان بن ثابت، إذ قال: قد عفا جاسم إلى ببت رأس فالجوابي فحارث الجولان
ومن "جاسم" إلى أفيق، وأفيق من أعمال حوران، وهو عقبة طويلة، وأفيق في أول العقبة ينحدر منها إلى غور الأردن ومنها يشرف على طبرية. ومن "أفيق" إلى "طبرية". وتعد "سرغ"، في آخر الشام وأول الحجاز، بين "المغيثة" و "تبوك"، وفيها لقي "عمر" أمراء الأجناد ، ثم "تبوك" وهي قرية مهمة يرد خبرها في أخبار غزوات الرسول، إذ عرفت بغزوة "تيوك". وبها صالح رسول الله "يحنة بن رُ ؤبة". صاحب أيلة، وأهل جرباء وأذرح.
ومن "تبوك" يتجه الطريق إلى "المحدثة" ثم إلى "الأقرع"، ثم إلى "الجنينة"، ثم إلى "الحجر"، وهي في نظر أهل الاْخبار ديار ثمود وبلادهم، وقد أشير إليها في القرآن: )كذب أصحاب الحجر المرسلين" ، وقد مر بها رسول الله في غزوته لتبوك، ونهى عن دخول مساكنها وعن الشرب من مائها، واستحث راحلته، وأسرع حتى خلفها. وذكر "إن بيوتها منحوتة في الجبال مثل المغاور، كل جبل منقطع عن الآخر، يطاف حولها، وقد نقر فيها بيوت تقلّ وتكثر على قدر الجبال ا لتي تنقر فيها. وهي بيوت في غاية الحسن فيها بيوت وطبقات محكمة الصنعة وفي وسطها البئر التي كانت تردها الناقة. وهي قرية لا تزال معروفة مسكونة.
ثم إلى "وادي القرى"، فتمر القوافل في قرى عديدة، ثم إلى "الرحيبة"، ثم إلى "ذي المروة"، وهو قرية بين "ذي خشب"، و "وادي القرى" ، ثم إلى "المر"، ثم إلى "السويداء" ، ثم إلى "ذي خشب"، وهو وادٍ على مسيرة ليلة من المدينة، ذكر في الأحاديث والمغازي، ويقال له "واديً خشب"، فيه عيون ، ثم الى المدينة.
ولما سار الرسول إلى "تبوك" نزل "ذا خشب"، ثم "ثنية الوداع"، ثم مرَّ بوادي القرى، ثم بالحجر، ثم تبوك.
وهناك طريق يمتد من "أيلة" إلى "حقل"، ثم "مدين"، ثم إلي الأغواء، ثم إلى "الكلابة"، ثم إلى "شغب"، ثم إلى "بدا". وشغب موضع ذكر في حديث الزهري، انه كان له مال بشغب وبدا، وهما موضعان كانا في الشام، وبه كان مقام "علي بن عبد الله بن عباس" وأولاده إلى أن وصلت اليهم الخلافة. وبشغب مات الزهري، وهو "أبو يكر محمد بن مسلم ابن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري"، المدني، مات سنة "124 ه" في أمواله بها. وذكر انه قبر بأداما، وهي خلف شغب وبدا، وهي أول عمل فلسطين وآخر عمل الحجاز، وبها ضيعة "الزهري" التي كان فيها.
ومن "بدا" يتهجه الطريق إلى"السرحتين"، ثم إلى "البيضاء"، ثم إلى "وادي القرى"، ثم إلى "الرحيبة"، ثم إلى "ذي المروة"، ثم إلى "المر"، ثم إلى " السويداء"، ثم إلى "ذي خشب"، ثم إلى المدينة، ومنها إلى مكة. وقد كان حجاج مصر يسلكون هذا الطريق،إذا جاؤوا من البر.
وهناك طريق ساحلي سلكه حجاج مصر أيضاً، يبدأ بشرف البعل، ثم إلى "الصلا"، ثم الى "النبك" ، ثم إلى "ظبة"، ثم إلى "عونيد"، ثم إلى "الوجه"، ثم إلى "منخوس"، ثم إلى "الجرة"، ثم. إلى "الأحساء" ثم إلى "ينبع"، ثم إلى "مسئولان"، ثم إلى "الجار"، ثم الى المدينة.
و "الجار" على ساحل البحر، وهو فرضة المدينة، ترفأ اليه السفن من أرض الحبشة ومصر وعدن، وبحذائه جزيرة في االبحر ميل في ميل يسكنها التجار. و "ينبع" حصن له عيون فوّارة، ذكر بعضهم أنها ماثة وسبعون عيناً، ونخيل وزروع، بطريق حاج مصر عن يمين الجائي من المدينة إلى "وادي الصفراء"، وقد جفت عيونه فيما بعد، كما ذكر من زارها من الباحثين.
وأما طريق المدينة المؤديَ الى مكة، فيمر ب "الشجرة"، وهو ميقات أهل المدين ، ثم إلى "ملل"، ثم إلى "السيالة". وقد ذكر أنها أول مرحلة لأهل المدينة، إذا أرادوا مكة، وأنها بين "ملل" والروحاء. ثم إلى "الرويثة" ثم إلى "السقيا"، فيها نهر جار، بين المدينة ووادي الصفراء. ثم إلى "الأبواء"، وهي قرية من أعمال "الفرع" بين المدينة والجحفة ، ثم إلى "الجحفة"، وهي من تهامة، وفيها آبار، وهي ميقات أهل الشام، وكانت تسمى "مهيعة"، فنزل بها "بنو عبيل"، وهم اخوة عاد وكان أخرجهم العماليق من يثرب فجاءهم سيل جحاف فاجتحفهم فسميت الجحفة. وهكذا فسر "ابن الكلبي"، سبب تسمية هذه القرية القريبة من البحر بهذه التسمية.
والأبواء من المنازل التي كان يطرقها المسافرون إلى بلاد الشام، فهي على طريق التجارة القديم. وللرسول غزوة عرفت بغزوة الأبواء وبغزاوة ودّان،وصل فيها إلى موضع "ودّان"، وكان يريد اعتراض عير لقريش، مرت بهذا المكان، وهي أول غزوة غزاها الرسول. وقد وادع فيها "بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة" على ألا يكثروا عليه ولا يعينوا أحداً عليه ، مما يدل على إن هذا الموضع كان لبني ضمرة في ذلك العهد. وورد انه كان لبني ضمرة ولغفار وكنانة.
وودّان قرب الأبواء والجحفة من نواحي "الفرع"، بينها وبين "هرشى" ستة أميال، وبينها وبين "الأبواء" نحو من ثمانية اًميال، وكانت قرية سكنها "الصعب بن جثامة" الليثي من أصحاب الرسول، فنسب إليها.
و "هَرشٌى" ثنية قرب "الجحفة" في طريق مكة يرى منها البحر، ولها طريقان فكل من سلكهما كان مصيبأ، وهي على طريق الشام وطريق المدينة إلى مكة في أرض مستوية، وأسفل منها "ودّإن" على ميلين مما يلي المغرب. ويتصل بها من الغرب خبت رمل في وسط هذا الخبت جبل أسود شديد السواد صغير يقال له طفيل.
ومن الجحفة يتجه المسافر إلى "قُد يد" ، ثم إلى "عسفان"، ثم إلى بطن مر، ثم الى مكة. و "بطن مر"، قرية كبيرة، وعلى أربعة أميال منها قبر "ميمونة" زوجة النبي، وعلى مسافة منها مسجد عائشة، ومنها بحرم أحل مكة، وهو حد الحرم.
والجحفة من منازل طريق تجارة مكة إلى الشام، ولذلك صارت هي والمواضع التي تقع على هذا الطريق من الأهداف ا التي قصدها المسلمون للتحرش بقوافل قريش. ومن نواحي الجحفة "ثنية المرة"، ومنها سار "عبيدة بن ا الحارث ابن المطلب" على عر لقريش يحرسها مائتان من المشركين بقيادة "أبو سفيان"، أو غيره وذلك في السنة ا الأولى من الهجرة، فالتقى بها على ماء يقال له "أحياء" من بطن "رابغ" على عشرة أمال من الجحفة، وأنت تريد قديداً عن يسار الطريق.
و "رابغ" وادٍ عند الجحفة قرب البحر بين "البزواء" و "الجحفة" دون "عزور"، وقرية لا تزال معروفة. بينها وبين "بدر" خمس مراحل. الأول "قاع البزواء"، ثم عقبة وادي السويق، ثم آخر ودان، ثم شقراء، ثم رابغ. وهي اليوم قرية، مياهها عذبة ذات مزارع ونخيل.
وأرسل الرسول سرية أخرى إلى "الخرّ ار" للتعرض لعير قريش التي كانت تسلك الجحفة، فلما وصلت "الخر"از" من الجحفة قريباً من "خم"، وجدت عير قريش قد سبقتها، ونجت. و "خم" غدير دون الجحفة وقيل بالجحفة.
وعلى مسيرة يوم من "ينبع"، يقع جبل "رضوى" الذي يبعد سبع مراحل عن المدينة، ومن نواحي هذا الجبل ناحية "بواط"، واليها خرج الرسول غازياً معترضاً عير قريش، التي كانت مارة بهذا المكان. وكانت قافلة كبيرة تتألف من ألفين وخمسمائة بعير، يحرسها مائة رجل من قريش، فيها "أمية بن خلف"، وقد أفلتت القافلة ونجت، دون أن يقع أي قتال.
وببطن ينبع موضع يقال له: "ذو العشيرة"، "ذات العشيرة"، اليه كانت غزوة "العشرة" "غزوة ذات العشيرة"، حين بلغ الرسول خبر خروج عير لقريش إلى بلاد الشام، وقد جمعت قريش أموالها في تلك العير، ولكن القافلة نجت، فوصلت سالمة إلى بلاد الشام، وهي التي خرج الرسول في طلبها لما عادت، وكانت وقعة بدر. فرجع الرسول إلى لمدينة، بعد أن صالح "بني مدلج" وحلفاءَهم "بني ضمرة".
ولما هاجر الرسول من مكة إلى المدينة سلك به الدليل طريقاً لا تسلكه القوافل، أي طريقاً لا يسلكه المسافرون عادة إلى المدينة، ليتجنب من ملاحقة قريش له. سلك به وبصاحبه "أبي يكر" أسفل مكة، ثم مضى بهما حتى حاذى بهما الساحل، وعارض الطريق أسفل من "عسفان"، ثم سلك بهما على أسفل "أمج"، ثم استجاز بهما حتى عارض بهما الطريق بعدما جاوز "قديداً"، ثم أجاز بهما من مكانه ذلك، فسلك بهما "الخرّار"، ثم سلك بهما "ثنية المرة" "ثنية المراة"، ثم أجاز بهما "مدلجة لفف " "لقف"، ثم استبطن بهما "مدلجة مجاج " ، مجاج"، طريق يقال له "المدلجة" بين طريق "عمق " وطريق الروحاء. ثم سلك مرجح من مجاج ، ثم بطن "مرجح ذي العضوين " ثم "بطن ذي كشد" "بطن ذات كشد" "ذي كشد"، ثم أخذ بهما على "الجداجد"، ثم على "الأجرد"، ثم سلك بهما "ذا سلم" "ذا سمر" من بطن أعداء "مدلجة تعهن"، ثم على "العبابيد"،ويقال "العبايب " ويقال "الغيثانة" "العتبانة"، ثم اجاز بهما "الفاجة"، ويقال "القاحة". ثم هبط بهما "العرج"، ثم خرج بهما دليلهما من العرج، فسلك بهما ثنية "العاثر" "الغابر" "الأعيار" ، ويقال "ثنية الغاثر" ، عن يمين "ركوبة"، ثم هبط "بطن رئم " "بطن ريم " ، ثم قدم بهما "قباء"، ثم "يثرب".
ولما سمع الرسول بقدوم "أبو سفيان " مقبلاً من الشام في عير لقريش عظيمة فيها أموال لقريش وتجارة من تجاراتهم، خرج لملاقاتها في موضع "بدر". وكان بدر طريق ركبان قريش من أخذ منهم طريق الساحل إلى الشام. فخرج من المدينة على نقب المدينة، فنزل بالبقع، ويقال بئر أبي عتبة، وهي على ميل من المدينة، ثم اتجه نحو "بيوت السقيا"، فضرب عسكره هناك. ثم أمر أصحابه إن يستقوا من "بئر السقيا"، وصلى عند بيوت السقيا، وسلك من السقيا بطن العقيق حتى نزل تحت شجرة بالبطحاء، ثم سلك "في ا الحليفة"، ثم على "أولات الجيش " "ذات الجيش"، ثم على "تربان"، ثم على "ملل"، ثم على "غميس الحمام " من "مريين"، ثم على صخيرات اليمام، ثم على "للسيالة"، ثم على "فج الروحاء"، ثم على "شنوكة"، وهي الطريق المعتدلة، ثم على "عرق الظبيتة" "الظبية"، ثم على "سجسج"، وهي بئر الروحاء، حتى إذا كان بالمنصرف، ترك طريق مكة بيسار وسلك ذات اليمين على "النازية" يريد " بدراٌ"، فسلك في ناحية منها، حتى جزع وادياً يقال له "وحقان " بين "النازية" وبين مضيق الصفراء ثم على المضيق انصب منه إلى "الصفراء"، فهي قرية بين جبلن، ثم سلك إلى واد يقال له "ذ فران"، ثم سلك على ثنايا يقال لها "الأصافر"، ثم انحط منها إلى بلد يقال له "الدّبةّ" "الدية"، وترك "الحنان " بيمين وهو كثيب عظيم كالجبل، ثم نزل بدراً.
و "السقيا"، موضع به ماء، بين المدينة ووادي الصفراء ، يعرف اليوم ب "أم البرك".
و "شنوكة"، جبل جمع على "شنائك " في شعر لكثير، لأنه ثلاث أجيل صغار منفردات من الجبال، بمر منها الطريق إلى بدر والصفراء وإلى النازية ورحقان، ويدع المنصرف إلى يساره. وتقع بين "المنصرف " و بين الروحاء. ولا تزال معروفة.
و "المنصرف"، موضع يقال له "المسيجد" في الوقت الحاضر، وهو قرية كبيرةْ. وتقع على طريق المدينة المتجه الى "الصفراء" فالساحل والذي يتصل بجدة. وهو غير بعيد عن "النازية". و "النازية" عين ثرة على طريق الآخذ من مكة إلى المدينة قرب الصفراء، وهي إلى المدينة أقرب.
و "بدر" أسفل وادي الصفراء، وهو إلى المدينة أقرب، يقال إنه هو منها على ثمانية وعشرين فرسخاً، وبينه وبين "الجار"، وهو على ساحل البحر ليلة. وبه بئر حفرها رجل من غفار، اسمه "بدر بن يخلد بن الضر بن كنانة" وقيل "بدر بن قريش بن بخلد بن النضر بن كنانة، وقيل بدر رجل من "بني ضمرة" سكن ذلك الموضع فنسب اليه، ثم غلب اسمه عليه، وقيل بدر رجل من جهينة كان يملك البئر فسميّت به. ولهم تفاسير أخرى من هذا القبيل في تعليل سبب تسمية بدر بدراً. وبدر قرية كبيرة في الوقت الحاضر أسفل "وادي الصفراء"، يتجه منها طريق إلى "ينبع"، ومن ينبع إلى مكة. وكان "أبو سفيان " لما بلغ "الزرقاء" من بلاد الشام، وهو منحدر إلى مكة، أخبره أحدهم إن محمداً قد كان عرض لعيرهم في بدأنهم، وانه تركه مقيماً ينتظر رجعتهم، فخرج خائفاً من الرصد، فلما بلغ الساحل،أرسل رسولاّ استأجره بعشرين مثقالاً، وأمره إن بخبر قريشاً إن محمداً قد عرض لعيرهم، فذهب اليهم وأخبرهم، فتجهزوا وأسرعوا لانقاذ قافلة "أبي سفيان"، الذي خاف خوفأ شديداً حين دنا من المدينة، فلما أصبح "أبوسفيان " ببدر، ضرب وجه عيره فساحل بها، وترك بدراً يساراً وانطلق سريعاً، حتى بلغ مكة. وكان أهل مكة قد خرجوا من مكة على طريق "مرّ الظهران"، ثم "عسفان "ثم "قديد"، ثم إلى "مناة" من البحر، ثم "الجحفة"، ثم "الأبواء"، ثم "بدر"، حيث التقوا برسول الله، فوقعت معركة بدر.
وكانت قريش تأخذ الساحل: ساحل البحر حين تأخذ إلى الشام. وهو طريقها إلى متجرها هناك، وقد عرف بالمعرقة، وفيه سلكت عير قريش حين كانت وقعة "بدر". ومن هذا قول "عمر" لسلمان أين تأخذ إذا صدرت أعلى المعرقة أم على المدينة ?. ويقع طريق المعرقة بين "عزور" وبنن "رضوى " تختصره العرب إلى الشام والى مكة والى المدينة. وهو بين الجبلين.
ومن مواضع هذا الطريق: العيص، وهو عرض من أعراض المدينة،وموضع على مقربة من ساحل البحرْ. ومن "ذي المروة". وهو موضع على طريق تجارة قريش مع الشام، وبه كان يمر طريق الشام ومصر إلى المدينة ومكة. وإلى سيف البحر ناحية العيص أرسل الرسول "حمزة"، حين بلغه إن "أبا جهل " قد جاء بعير لقريش من الشام يريد مكة في ثلاثمائة راكب. فقد كان هذا الموضع من الساحل مسلك قوافل قريش. ولايزال اسم العيص معروفاً. وفي مقابله "الحوراء"، مرفأ سفن مصر في القديم.
ولم يذكر علماء السير والأخبار أسماء المراحل التي قطعتها قريش عند زحفها على "أحد" بتفصيل وكل ما ذكروه أن قريشاً جاؤوا فنزلوا "عينين "بحبل ببطن السبخة من قناة على شفير الوادي مما يلي المدينة. وذكر أنه الجبل.لذي أقام عليه الرماة يوم أحد، ولذلك قيل يوم أحد يوم عنين. وكانوا قد قدموا من "ذي طوى" على طريق "الأبواء" حيث همت وهي هناك أن تنبش قبر "امنة" أم النبي. وسلكوا "العقيق " حتى نزلوا ظاهر المدينة. ثم التقوا بالمسلمين عند احد.
ويظهر من هذه الأسماء، أن قريشاً سلكت في سيرها على المدينة الطريق المألوف الذي يمر بالأبواء. و "ذو طوى" موضع قرب مكة عرف بالزاهر، به بئر حفرها "عبد شمس بن عبد مناف".
ولما سار الرسول للعمرة، سلك طريق "الفرع " "الفروع " نحو "مر الظهران"، ثم "بطن يأجح"، وحبس الهدي ب "ذي طوى" ودخل مكة من الثنية. و "مر الظهران"، واد به عيون ومياه، غير بعيد عن مكة، وبه "مجنة"، ويعرف الآن بوادي فاطًمة.
وخرج الرسول من المدينة، فسلك حرة بني حارثة، ثم "الشوط" بين المدينة وأحد، ثم "الشيخين " حتى نزل الشعب من "أحد" في عدوة الوادي إلى الجيل. ولما عاد الرسول إلى المدينة، بلغه أن "أبا سفيان " كان بموضع "ملل"، يقرر الرجوع على المسلمين، وأن رجلاً أخبره أنه رأى "أيا سفيان " بالروحاء،وهو مجمع مع قريش على السير على المدينة، وسأل الرسول عن موضع قريش فقيل له: إنه بالسيالة ،فخرج من المدينة حتى وصل "حمراء الأسد" فبلغه رجوع قريش إلى مكة، وذهاب شرها فرجع إلى يثرب.
ولما عاد "عمرو بن أمية الضمري " من مكة، وكان قد وجهه الرسول لقتل أبي سفيان، خرج إلى "التنعيم"، ثم أخذ طريق "الصفراء"، ثم "غليل ضجنان"، ثم أخذ المحجة، ثم "النقيع " حتى وصل المدينة. و "التنعيم " على ثلاثة أميال أو أربعة من مكة، وهو أقرب أطراف الحل إلى البيت، على يمينه جبل نعيم ،وعلى يساره جبل ناعم، والوادي اسمه "نعمان". و "الصفراء واد بين مكة والمدينة، وراء بدر مما يلي المدينة. و "ضجنان " غليل يظهر من وصف خبر رجوع " عمرو بن أمية" إلى المدينة، انه بعد الصفراء، ذكر انه موضع أو جبل بين مكة والمدينة، ويظهر إن العلماء كانوا قد اختلفوا في تعبين مكانه. و "النقيع " هو "نقيع الخضمات " الذي حماه "عمر" لنعم الفيء وخيل المجاهدين فلا يرعاها غيرها. وورد في الحديث أول جمعة جمعت في الإسلام بالمدينة في نقيع الخضماتْ. ويظهر من شعر لمعبد بن أبي معبد الخزاعي، إن ماء "ضجنان " بعد ماء "قديد".
ولما سار الرسول على "بني لحيان"، خرج من المدينة، فسلك على "غراب " جبل بناحية المدينة على طريقه إلى الشام، ثم على "مخيض"، ثم على"البتراء" ثم صفق ذات اليسار، ثم على "يين"، ثم على "صخيرات اليمام"، ثم استقام به الطريق على المحجة من طريق مكة، حتى نزل على "غُران"، وهي منازل بني لحيان. و "غران " واد بين "أمج " و "عسفان " إلى بلد يقال له "ساية". ثم سار الرسول حتى نزل "عسفان"، ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع "الغميم"، ثم "كرا"، ثم قفل الرسول راجعاً إلى ا لمدينة.
ويظهر من هذا الوصف أن الرسول أراد اعماء خبر غزوته عن "بني لحيان"، فسلك طريق الشام، ثم غيرّ اتجاهه، فتوجه نحو "يين " وصخيرات اليمام ،فبلغ الجادة ، ثم أسرع حتى بلغ "غران"، منازل "لبني لحيان " بين "أمج " و "عسفان". فتكون منازل "بني لحيان " في هذه المنطقة.
ولما سار الرسول على مكة عام الفتح ، سلك طريق "العرج"، و "العرج " جبل بين مكة والمدينة يمضي إلى الشام ، وواد يقع بين أم البرك، الموضع المعروف بالسقيا قديماً،" وبين الجيّ، الوادي اًلذي يقطعه المسافرون مع طريق السيارات القديم إلى "المسيجد" ، وذكر أنه على أربعة أميال من المدينة ، وكان الرسول قد نزل "السقيا"، وهي "أم البرك " الآن ، وذكر أنه بين المدينة والصفراء، وفي الحديث أنه كان يستعذب من بيوت السقيا.
و "الصفراء" وراء "بدر" مما يلي المدينة. كما مرّ بثنية العقاب وبالأبواء، وبذي الحليفة، وبالجحفة، وبالكديد، وهو موضع على اثنين وأربعين ميلاً من مكة بين "عسفان " و "رابغ"، وقيل بين عسفان وقديد بينه وبين مكة ثلاث مراحل، أو بين ثنية غزال وأمج ، وب "قديد" ، وبمر الظهر ان.
ولما حج الرسول حجة الوداع، سار من المدينة،فصلى الظهر ب "ذي الحليفة"، ثم استوى بالبيداء، ومرّ إلى "القاحة"، وهو موضع على ثلاث مراحل من المدينة وعلى ميل من "السقيا"، وهو بين "الجحفة" و "قديد". ثم سار إلى "ملل " "يلملم " ، وهو موضع به آبار، على مسافة اثني عشر ميلاً من "الشجرة" ، أو سبعة عشر ميلاً من "المدينة"، وقيل عشرين ميلاّ ، ثم شرف السيالة، وهو موضع بين "ملل " و "الروحاء" في طريق مكة ، ثم "عرق الظّبية" بين "الروحاء" و "السيالة"، وهو دون "الروحاء"، ثم نزل "الروحاء"، ثم راح من "الروحاء" فصلى العصر بالمنصرف. و "المنصرف " على أربعة برُ د من "بدر" مما يلي "مكة" ، وصلى المغرب بالمتعشى وتعشى به، وصلى الصبح بالأثاية. و "أُثاية" بطريق "الجحفة" إلى مكة، فيه مسجد نبوي، قيل بينه وبين المدينة خمسة وعشرون فرسخاً، أو بئر دون العرج. وأصيح بالعرج يوم الثلاثاء.
ونزل "السقيا" يوم الأربعاء، وأصبح بالأبواء، ثم راح إلى "الجحفة" ، ثم راح منها إلى "قديد"، ثم "عسفان"، ثم "الغميم". م "مر الظهران"، ثم نزل موضع "سرف". ولما انتهى إلى "الثنيتين " بات بينهما، بين "كداء" و "كدى"، ودخل مكه من "كداء".
وأما الطريق من مكة إلى الطائف، فمن مكة إلى بئر ابن المرتفع، ثم إلى قرن المنازل، وهي ميقات أهل اليمن والطائف، ثم إلى الطائف، ومن أراد من مكة إلى الطائف على طريق العقبة يأتي عرفات، ثم بطن نعمان، ثم يصعد عقبة حراء، ثم يشرف على الطائف ويهبط ويصعد عقبة خفيفة، تسمى "تنعم الطائف"، ثم يدخل الطائف.
وبين مكة والطائف، موضع يقال له "بطن نخلة" "نخلة"، اليه أرسل الرسول "عبد الله بن جحش" على رأس سرية، ليرصد بها عير قريش. فسلك على الحجاز، حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له "بحران" سلك طريقه نحو "نخلة" حتى بلغها، فمرت بهم عير لقريش تحمل زبيباً وأدماً وتجارة من تجارة قريش وخمراً، فاستولت على العير وأخذت أسيربن ممن كان يحرس العير، ورجعت إلى المدينة. وذكر أن "عبد الله بن جحش" كان يحمل كتاباً من الرسول، يعين له الهدف، أمره ألا يفتحه إلا بعد أن يسير ليلتين، فلما سار وصار ببطن "ملل" أو عند "بئر ابن ضميرة" فتح الكتاب، فإذا فيه أن يذهب إلى "بطن نخلة" ليتحسس أخبار قريش.
وقد سلك أهل مكة في ذهابهم إلى اليمن وقي إيابهم منها جملة طرق، منها ما تمرّ بالساحل، ومنها ما تمر شرقاً عنه. ومن هذه الطريق: طريق يبدأ بمكة، ثم إلى "قرن المنازل"، قرية كبيرة، وهو ميقات أهل اليمن والطائف، واسم واد. ثم إلى "الفتق"، وهو قرية، ثم إلى "صفن" "صفر" "صقر"، ثم إلى "تربة"، ثم إلى "كرى" "كرا" "كدا" "كدى"، ثم إلى "رنية"، ثم إلى "تبالة"، ويرد اسمها في تأريخ "الحجاج"، فقد استعمل عبد الملك "الحجاج" عليها، فلما أتاها استحقرها ولم يدخلها، فقيل: "أهون من تبالة على الحجاج". ثم إلى "بيشة بعطان"، ثم إلى "جسداء"، ثم إلى "بنات حرب" "بنات حرم"، ثم إلى "يبمبم"، وهو منزل في صحراء فيه بئر واحدة عذبة وليس به أهل، وحوله أعراب من خثعم، وبينه وبين "جرش" نحو أربعة عشر ميلاً، ومنه إلى "كتنة" "كثبة"، ثم إلى "الثجة"، ثم "سروم راح" "شروم راح"، ثم إلى "المهجرة"، وفيما بين "سروم راح" والمهجرة طلحة الملك، شجرة عظيمة تشبه الغرب، غير انها أعظم منه، وهي الحد ما بين عمل مكة وعمل اليمن. وكان النبي حجز بها بين اليمن ومكة.
ومن "المهجرة" يتجه الطريق إلى "عرقة"، وهو أول عمل اليمن، ثم إلى "صعدة"، وهي مدينة يدبغ فيها الأدم، واشتهرت بالنعل. ولصعدة مخاليف، وقرى كثيرة. وقد ذكر "قدامة" أن أكثر تجار "صعدة" من أهل البصرة، وطريق منها للبصريين يرجع إلى "ركبة" "الركيبة". مما يدل على أن التجارة كانت متين ة بين أهل اليمن وبين أهل البصرة في الإسلام. ومن يدري، فلعل هذه التجارة تعود إلى ما قبل تأسيس البصرة، أي إلى ما قبل الإسلام.
ومن صعدة، يتجه الطريق إلى "الأعمشية"، ومن الأعمشية الى خيوان، قرية جبلية الماء من السماء، وفيها كزوم، ومن خيوان إلى "اثافت"، وهي قرية عظيمة وفيها زروع وكروم، وماء الشرب من بركة، ثم إلى صنعاء".
والطريق المذكور،هو الطريق الذي عليه الأميال، وهو طريق العوامل والعمال. فهو الطريق المسلوك الذي يمر به البريد.
وذكر العلماء أن أهل "صنعاء" كانوا إذا أرادوا مكة قصدوا "الرحابة"، ثم إلى "رافدة"، ثم إلى "خيوان"، ثم إلى "صعدة"، ثم إلى "النضح"، ثم "القصبة"، ثم "الثجة" ثم كثبة، "كتنة"، ثم بنات حرم "بنات حرب" ثم جسداء، ثم بيشة، ثم تبالة. ثم رنية، ثم الزعراء، ثم صفر، ثم الفتق، ثم بستان ابن عامر، ثم مكة.
و "تربة" بناحية "العبلاء"، على أربع ليال من "مكة" طريق صنعاء ونجران. واليها أرسل الرسول "عمر بن الخطاب" على رأس سرية فى شعبان سنة سبع. وأصحابها من "عجز هوازن".
وذكر "الهمداني" محجة "صنعاء" إلى مكة على هذا النحو: ريدة، ومنها إلى "أثافت"، م خيوان، ثم العمشية، ثم صعدة، ثم إلى "العرقة"، في المحجة اليسرى القديمة، ثم بقعة في المحجة اليمنى المحدثة، ثم إلى مهجرة، ثم إلى أرينب، ثم سروم الفيض، ثم إلى الثجة، ثم إلى كتنة،ثم الى الهجيرة، ثم إلى يَبمبم، ثم إلى بنات حرب، ثم الى، الجسداء، ثم الى بيشة بعطان، ثم تبالة، ومنها إلى كرى، ثم تربة، ثم الى الصفن، ثم الفتق، ثم إلى رأس المناقب، ثم قرن المنازل، ثم رمة، ثم الزيمة، ثم مكة.
وذكر "الهمداني" إن هنالك طريقاً يمر بتهامة، هو محجة صنعاء إلى مكة. فقال: "من صنعاء صليت من البون، ثم المربد، ثم أسفل العرقة وأخرف، ثم الصرجة، ثم رأس الشقيقة، ثم حرض، ثم الخصوف من بلد حكم ثم الجوينية من قنونا وتسمى القناة، ثم دوقة وهي للعبدين من بقايا جرهم، ثم إلى السّرين، ثم المعجر، ثم الخيال، ثم إلى يلملم ثم ملكان ثم مكة. هذه طريق الساحل". "والمحجة القديمة ترتفع إلى حلي العليا وتسمى حلية، واليها ينسب أسود حلية... ثم إلى عشم، ثم على الليث ومركوب إلى يلملم".
وأما محجة "عدن"، فمن عدن إلى المخنق، ومن المخنق الحُجار، ومن الحجار المسيل، ومن المسيل عبرة، ومن عبرة إلى كهالة، بئر ذي يزن، ومن كهالة الماجلية، ثم المقعدية، ثم إلى زبيد، ثم إلى المعقر، ثم الكدراء" ثم المهجم، وبالمهجم تفضى محجة صنعاء على وادي سهام ثم بلحة من وادي مور، ثم الحسارة، ثم العباية، ثم الشرجة، ثم العرُش، عثر.
وذكر "ابن خرداذبه" طريقاً ساحلياً ربط "عمان" بمكة، وهو الطريق الذي سلك في الإسلام. وقد كان جاهلياً ولا شك، لأن الجاهلين والروم وغيرهم كانوا يساحلون العربية الغربية والجنوبية والشرقبة، ويهبطون بعض المواضع التي يذكرها المسلمون كمراحل هذا الطريق. ويبدأ الطريق بعمان، ثم يمر إلى "فرق"، ثم إلى "عوكلان"، ثم إلى ساحل "هباه" "هماه"، ثم الى "الشحر"، وهي بلاد "الكندر"، ثم إلى مخلاف "كندة"، ثم إلى مخلاف "عبد الله بن مذحج"، ثم إلى مخلاف "لحج"، ثم إلى "عدن أبين"، ثم إلى "مغاص اللؤلؤ"، ثم إلى "مخلاف بني مجيد"، ثم إلى "المنجلة"، ثم إلى مخلاف الركب، ثم إلى المندب، ثم إلى مخلاف زبيد، ثم إلى غلافقة، ثم الى مخلاف عك، ثم إلى الحردة، ثم إلى مخلاف حكم، ثم إلى عثر، ثم إلى مرسى ضنكان، ثم إلى مرسى حلي، ثم إلى السرين، ثم إلى أغيار، ثم إلى الهرجاب، ثم إلى الشعيبة، ثم إلى منزل لم يذكر "ابن خرداذبه" اسمه، ثم إلى "جدة" وهي اسلامية، لم تكن في الجاهلية، وإنما ذكرت هنا، لأن هذا الطريق، كان يسلك فىِ الإسلام، ومن جدة إلى مكة.
ويوجد طريق بري بين مكة وحضرموت يمر ب "نجران" و "الضحيان" و "تثليث"، وهو طريق مختصر يكون الجادة إلى حضرموت.
وذكر "الهمداني" إن محجة حضرموت من العبر إلى الجوف، ثم صعدة، وتنضم معهم في هذه الطريق أهل مأرب، وبيحان، والمسّروين، ومرخة، وهذه محجة حضرموت العليا. وأما محجتها السفلى، فمن العبر في شئز صيهد إلى نجران، ثم من نجران حبونن، ثم الملحات، ثم لوزة، ثم عبالم ثم مريع، ثم الهجيرة، ثم تثليث، ثم جاش، ثم المصامة، ثم مجمعة ترج، والتقت يمحجة صنعاء بتبالةْ.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق