1682
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل السابع بعد المئة
المال
الربا
وفي جملة وسائل استثمار المال: الربا، وقد كان شائعاً بين أهل الجاهلية، كما كان شائعاً معروفاً بين غير العرب. وقد عرفه العلماء بأنه: "الزيادة على رأس المال " " وهو في الشرع الزيادة على أصل المال من غير عقد تبايع" والإرباء الزيادة على الشيء، والزيادة هي الربا. وكل قرض جرّ منفعة، فهو ربا ، ويقال له: "اللياط"، وهو الرباً الذي كانوا يربونه في الجاهلية إلى أن يأخذوا رؤوس أموالهم ويدعوا الفضل عليها.
وقد كان أهل الجاهلية يزيدون على الدين شيئاً ويؤخرونه. كأن يحل دينك على رجل فتزيده في الأجل ويزيدك في الدين. وقد نهي عنه في الإسلام. وهو في الواقع ربا، لأنه استغلال ووجود منفعة بغير جهد. ويقال لذلك: المعاومة. وقد اشتط أهل المال في الاستفادة من المقترضين، فتقاضوا منهم الربا الفاحش، وألحفوا في زيادته، وتشددوا في المطالبة برأس المال ورباه، ولم يمهلوا معسراً، ولم يتساهلوا في الأداء إلى وقت الميسرة، إلا إذا زادوا في الربا، وأخذوا ربا المال وربا الربا. وكان اليهود من أشهر المرابين في الحجاز، كما اشتهرت بذلك مكة والطائف ونجران، ومواضع المال الآخرى من جزيرة العرب. وكان من عادة هؤلاء أنهم كانوا يحتسبون الربا الذي يستحق في آخر السنة ولا يدفع للمرابي جزءأَ من رأس المال، أي من المبلغ المقترض، فيؤدي الربا للسنة التالية على أساس المبلغ المقترض مع رباه، وإذا أجل دفع ربا هذا المبلغ الجديد المكون من المبلغ الأصل ورباه، أضيف عليه فصار المبلغ المقترض ورباه ثم ربا المبلغين جزءاً من القرض، ويطلب من المدين دفع الربا على هذا الأساس.
والربا هو "نشك" "نشق" "Neshec" في العبرانية. وتعني اللفظة الزيادة التي تؤخذ عن كل دين يعطى لمدين،سواء كان ذلك الدين نقوداً أو عيناً، بضاعة أو ملكاً، أو أي شيء آخر يستدان من مدين في مقابل زيادة تؤدى عليه عند استحقاق الأجل المعين. وقد أشير اليه في التوراة. وعرفت الزيادة التي تؤخذ على المبلغ ب "تربيث" ايضاَ، أي ربا. غير أن ربا "النشق"، استعمل في ربا المال، اْي الربا المأخوذ عن النقد من دنانير ودراهم: فهو في مقابل "ربا النسيئة" في الإسلام. وأما "التربيث"، فهو الربا الماخوذ عن الطعام مثل الحنطة والشعير والتمر وما شابه ذلك من طعام. وهو ما يقال له "ربا الفضل" في الإسلام. وقد تطلق لفظة "نشقَ" على الربوين: ربا الدنانير والدراهم، وربا الفضل. وقد حرمت التوراة على اليهود تعاطي الرباً فيما بينهم، وأحلته بالنسبة للغرباء. فجوزت لليهودي أخذه ممن لم يكن على دينهم. ولكنهم لم يتقيدوا بما جاء في التوراة من تحريم الربا عليهم، فتعاطوه فيما بينهم، لا سيما بعد عودتهم من السبي، وصار الربا من أهم المنافع بالنسبة لأرباب المال عندهم. وقد كان الرومان واليونان قد كوّنوا "بنوكاً" أي مصارف تعاملت بالمال، وتعاطت قرضه مقابل ربح هو رباًه. وقد حدد بنسبة واحد في الشهر، و "12" في السنة، وذلك في مقابل الاعتماد "Creditum". وقد تعاطت المعابد أعمال الربا كذلك، ومن هذه معابد "بابل"، وأصل "الربا" هو وجود حاجة لدى انسان إلى مال، ووجود أناس ذوي مال يريدون استغلال أموالهم وتكثيرها، فيقرضونها الى المحتاج إليها مقابل زيادة يتفقَ عليها تدفع عن المال المقترض للاجل المتفق عليه. ويستغل المرابي في الغالب حاجهَ الشخص الذي يريد المال، فيشتط عليه ويتعسف في شروطه،ويضطر المدين إلى قبول ما تملى عليه من شروط لحاجته إلى المال، وعلى دفع الربح العالي الذي فرضه المرابي عليه. ومن الربا انهم "كانوا يبيعون البيعة إلى أجل، فإذا حل الأجل زادوا في الثمن على أن يؤخروا"، ويدخل في الربا الربا في الطعام، وقد كان شائعاً بين أهل العمود والبوادي بصورة خاصة، إذ ليس عندهم دراهم ولا دنانير، فكانوا يأخذون الصاع الواحد مقابل صاع وزيادة، والزيادة رباه، حتى يكون قفزاناً كثيرة. فاستغل المرابون أهل الحاجة وضايقوهم بالطلب. ورد إن أحدهم في الجاهلية يبيع للرجل البيع إلى أجل مسمى، فإذا حل الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء زاده وأخر عنه. فهو رباً مثل الربا في النقد. كما فعلوا ذلك في الدنانير والدراهم، فكان أحدهم يبيع الدينار بدينارين، والدرهم بدرهمين، وفي الذهب والفضة، فكانوا يعطون مثقالاً مقابل مثقالين أو أكثر أو أقل من المثفالين، فالزيادة هي الربا. ومعنى هذا إن الربا كان يعادل المبلغ المقترض،فالدرهم بدرهمين والدينار بدينارين، وهو ربا فاحش، استغل فيه المرابي حاجة المدين إلى المال، ولهذا نهي عنه في الإسلام بتحريم كل أنواع الربا في القرآن وفي الحديث حيث ورد: "لا تبيعوا الدينار بالديناربن ولا الدرهبم بالدرهمين"، و "الدينار بالدينار لا فضل بينهما، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما".
أما رباهم بالذهب والفضة، فكانوا يأخذونه وزناً فإذا أعادوه زادوا عليه وزن الربا، المتفق عليه، ولهذا ورد في الحديث: "لا تبيعوا الذهب بالذهب، إلا مثلاً بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها غائبأَ بناجز". فمنع الرسول الزيادة، وجعل الربا قرضأَ، يعاد إلى صاحبه وزناً بوزن، أي متساويين في الوزن. كما منع الزيادة في البيع، فجعل الزيادة على ثمن البيع، الذي يدفع بأجل ربا، لأنه زيادة على المبلغ، واستغلال لحاجة المشتري، وهو بيع غرر. وورد في الحديث أنهم كانوا يشترون الصاع بالصاعين أو أكثر، كأن يعرض أحدهم سلعة، فيبيعها بسلعة مثلها، ولكن بضعف وزنها أو أكثر، فقد اشترى غلام لمعمر بن عبد الله صاعاً وزيادة من شعير بصاع من قمح، فلما عاد بما اشتراه أمره سيده بردّه، لأنه سمع أن الرسول قال: الطعام بالطعام مثلاَ بمثل. وورد أن بعضاً من الصحابة كانوا يشترون صاعاً من التمر الجيد بصاعين من الجمع ، أي من تمر مختلط من أنواع متفرقة وليس مرغوباً فيه، وما يخلط إلا لرداءه. فلما سمع بذلك الرسول، قال لا تفعلوا ولكن مثلا" بمثل، اًو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا وكذا الميزان.
وسبب هذا التوسع في هذا النوع من الرباً، إن العرب، كانوا أهل تجارة وأهل زراعة ورعي، ولم تكن العملة من دنانير ودراهم، منتشرة بين المزارعين وأهل البوادي، فكانت المقايضة تقوم عندهم مقام العملة. فمن احتاج الى طعام، أخذ من بائعه أو مالكه أو مكتنزه كيلاّ بكيل مثله، لأجل معلوم على أن يعطيه زيادة عليه، يتفق على مقدارها. فيأخذ قفيص تمر بقفيص ونصف أو قفيصين، أو أكثر من ذلك، على نحو ما اتفق عليه، يؤديه له من جنس التمر المسلف ومن جودلته، فإذا حل الأجل، ورأى المستحق أن يؤخر دينه، على أن يزيد في المال فعل، وكلما أخره زاد في المال حتىّ يصير أضعافاً مضاعفة، وذلك بسبب الحاجة والفقر. فهذا هو ربّا مثل ربا الدنانير والدراهم، نشأ من الحاجة والظروف التي كان عليها أهل الجاهلية في ذلك العهد. ونجد هذا النوع من الربا عند غير العرب من الشعوب أيضاً، وهو ربا الفقراء والمحتاجين في الغالب، أما ربا الدراهم والدنانير، فكان ربا التجار، ومن كان يريد تنمية ثروته وزيادة تجارته، فكان يقترض بالربا لهذه الغاية.
والربا المذكور، هو الأصل، وأما ربا الدراهم والدنانير أي ربا العملة، فمتأخر بالنسبة اليه،لأن الإنسان مارس التجارة قبل إن تكون لديه دراهم ودنانير، كانت تجارته مبادلة سلع بسلع، وذلك قبل ضرب العملة. فكان الربا ربا سلع ومواد عينية. يقدم المرابي طعاماً إلى تاجر آخر أو إلى محتاج، إلى أجل معين، على أن يزيده في الكمية عند حلول أجل الربا، وفقأَ لما اتفق عليه، فإن أخره زاد في المال، وكلما أخره زاد في المال، حتى يتضاعف أضعافاً مضاعفة، فهذا اًصل الربا الأول، فلما أوجد الإنسان العملة وتعامل بها، وأقبل عليها، ظهرت تجارة جديدة، أساسها التعامل بالعملة، وظهر بذلك ربا العملة، الذي غلب على الربا الأول، حتى صار وكأنه هو الربا وحده ولا ربا سواه.
ووجهة نظر المرابين إلى الربا، أنه نوع من أنواع البيوع، وأن الربا مثل البيع. ففيه إيجاب وقبول، ولما نزل الأمر بتحريمه عجب المرابون من التحريم، عجبوا كيف حرم البيع وأحل الربا، مع إن الاثنين في نظرهم واحد. وذلك كما يظهر من الآية: )الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ، ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا، وأحل الله البيع وحرم الربا(. فنظموا البيع والربا في سلك واحد، لافضائهما إلى الربح، فاستحلوه استحلاله. وكانت شبهتهم أنهم قالوا: لو اشترى الرجل ما لا يساوي إلادرهماً بدرهمين جاز، فكيف إذا باع درهماً بدرهمين. فكان التاجر والمرابي عندهم سواء بسواء، فكلاهما يعامل المشتري أو المدين معاملة كسب ونهب، والحصول منهما على أكثر ما يمكن الحصول عليه من ربح ومكسب. والإثراء بأية طريقة كانت. ولهذا عجبوا من تحريم الإسلام للربا، وهو كسب يأتي عن ايجاب وقبول، ومن تحليله للبيع، وهو كسب أيضاً، مبني على إيجاب وقبول.
وقد اشتهر اليهود بمعاطاة "الربا"، وقد أشير الى ذلك في القرآن الكريم. كما عرف به أهل مكة والطائف ونجران وسائر من كان لديه فضل من المال وأراد استغلاله. وذلك للظروف الاقتصادية التي كانت سائدة في ذلك العهد. من عدم وجود صناعة يشغل أصحاب المال بها أموالهم، فيكثرونها باستغلالها بإنشاء صناعات أو توسيع حرف،ومن عدم وجود مياه غزيرة وأرضين خصبة تسقي سيحاً بصورة دائمة، حتى يشغل صاحب المال ماله في استغلال الآرض، ولهذا عمد أصحاب المال إلى تكثير أموالهم بطريق إقراضه والاستفادة من رباه.
وكان ربا الجاهلية إن الرجل منهم كان يكون له على الرجل مال إلى أجل فاذا حل الأجل طلبه من صاحبه، فيقول له الذي عليه المال: أخر عني دينك وأزيدك على مالك فيفعلان ذلك. فذلك هو الريا أضعافاً مضاعفة. وروي عن "عطاء" انه قال: "كانت ثقيف تداين في بني المغيرة في الجاهلية فإذا حل الأجل قالوا: نزيدكم وتؤخرون"، فكان يكون أضعافاً مضاعفة. وروي أيضاً " إن الذين كانوا يأكلون الربا من أهل الجاهلية، كان إذا حل مال أحدهم على غريمه يقول الغريم لغريم الحق: "زدني في الأجل وأزيدك في مالك". وذكر " إن ربا أهل الجاهلية: يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى، فإذا حل الأجل، ولم يكن عند صاحبه قضاء زاده وأخر عنه". وذكر أيضاً انهم "كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين. فيقول لك كذا وكذا، وتؤخر عني، فيؤخر عنه "0 أو أن يقول أحدهم لمدينه إذا حل الدين: إما أن تقضي وإما أن تربي". وذكر إن الربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله انما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما استقرضه على مما يتراضون به". و " إن ربا الجاهلية انما كان قرضاً مؤجلاً بزيادة مشروطة، فكانت الزيادة بدلاً من الأجل".
وروي عن "ابن زيد" أنه كان يقول: إنما كان الربا في الجاهلية وفي التضعيف وفي السن. لكون للرجل فضل دين فيأتيه إذا حل الأجل، فيقول له: تقضيني أو تزيدني، فإن كان عنده شيء يقضيه فضى وإلا حوله الى السن التي فوق ذلك. إن كانت ابنة مخاض يجعلها ابنة لبون في السنة الثانية، ثم حقة، ثم جذعة ثم رباعياً ثم هكذا إلى فوق. وفي العين يأتيه فإن لم يكن عنده أضعفه في العام المقابل، فإن يكن عنده أضعفه أيضاً، فتكون مائة فيجعلها إلى قابل مائتين، فإن لم يكن عنده جعلها أربعمائة يضعفها له كل سنة أو يقضيه. فهذا قوله: )لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة(.
ومن أغراض الربا وأسبابه الحاجة. الحاجة إلى المال لسدّ دين أو عجز وللتغلب على فاقة أو ما شاكل ذلك من ضرورات، فيضطر المحتاج إلى اللجوء إلى المرابي ليستدين منه في مقابل زيادة يؤديها اليه عند حلول الأجل. وقد يأخذ المدين المال ليشتغل به فيربح منه، فيؤدي المال ورباه، ويستفيد من الربح الذي حصل عليه من تشغيله لذلك المال في تجارة أو في أعمال انتاجية أخرى. ورد عن "ابراهيم النخعي" أنه قال: "كان هذا في الجاهلية، يعطي أًحدهم ذا القرابهّ المال يكثر به ماله". وورد أنهم كانوا يعطون الرحل المال ليكثر به ماله، وذلك عن طريق تشغيله لذلك المال.
وقد قسم العلماء الربا إلى نوعين: ربا النسيئة وربا الفضل. أما الأول، فهو الذي كان يتعارفونه في الجاهلية. كانوا يدفعون المال على أن يأخذوا كل شهر قدراً معيناً، ثم إذا حل الدين طالب الدائن المدين برأس المال، فإن تعذر عليه الأداء زادوا في الحق والأجل. " وفي الحديث: انما الربا في النسيئة هي البيع إلى أجل معلوم، يريد أن بيع الربويّات بالتأخير من غير تقابض هو الربا، وإن كان بغير زيادة. وكان "ابن عباس" " يرى بيع الربويات متفاضلة مع التقابض جائزاً، وان الربا مخصوص بالنسيئة ". وقد ورد في الحديث: "انما الربا في النسيئة وما كان يداً بيد فلا بأس".
وكان بيع النسيئة بيعاً معروفاً، ولما قدم الرسول المدينة، كانوا يتبايعون بهذا البيع. فقال: "ما كان يداً بيد فلا بأس به وما كان نسيئة، فهو ربا".
والنسيئة، التأخير إلى أجل، هو الموسم، أو أي أجل يتفق عليه.
وقسّم بعض الفقهاء الربا إلى ثلاثة أنواع: ربا الفضل، وهو البيع مع زيادة أحد العوضين على الآخر، وربا اليد، وهو البيع مع تأخير قبضهما أو قبض أحدهما، وربا النساء، وهو البيع لأجل. وكل منها في الإسلام حرام.
وعرفوا ربا الفضل، بأنه الربا الذي يباع فيه الشيء بضعفه، مثل أن يباع من الحنطة بمنوين مثلًا ، وأن يباع. الدرهم بدرهمين. وقد خصص العلماء ربا الفضل في ستة أعِيان، وهي: الذهب، والفضة، والبرّ، والشعير، والتمر، والملح، فاتفق الناس على تحريم التفاضل فيها مع اتحاد الجنس، وتنازعوا فيما عداها وقد منع هذا الربا في الإسلام. فإذا باع رجل رجلاً ديناراً بدينارين إلى اجل، او درهماً بدرهمين، او كيلة حنطة بكيلتين أو أكثر كما كان يفعل أهل الجاهلية ، فالزيادة هي ربا، ولذلك نهي عنه في الإسلام.
ولما نزل الأمر بتحريم الربا،وذلك في آخر ما نزل من الوحي،وقبل وفاة الرسول بتسع ليال على بعض الروايات. صعب ذلك كل الأغنياء الذين كانوا يعيشون على الربا ويقولون إن إنما البيع مثل الربا. وذكر علماء التفسير أن الآية: )يا ايها الذين آمنوا اتقوااللّه وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين(، إنما نزلت "في العباس بن عبد المطلب ورجل من بني المغيرة كانوا شريكين في الجاهلية، سلفا في الربا إلى أناس من ثقيف من بني عمرو. وهم بنو عمرو بن عمير. فجاء الإسلام،، ولهما أموال عظيمة في الربا، فأنزل الله ذروا ما بقي من فضل كان في الجاهلية من الربا". وذكر أيضا "أن نبي الله، صلى الله عليه وسلم، قال في خطبته يوم الفتح: "ألا إن ربا الجاهلية موضوع كله. وأول ربا أبتدأ به ربا العباس بن عبد المطلب".
ولما جاء وفد "ثقيف" إلى المدينة، لمفاوضة الرسول في أمر دخولهم في الإسلام، قال "عبد ياليل" وهو لسانهم الناطق باسمهم: "أرأيت الزنا ! فإنا قومُ عزاب لا بد لنا منه، ولا يصبر أحدنا على الُعزبة قال: هو مما حرم الله ؛ قال: أرأيت الربا ! قال: الربا حرام ! قال: فإن أموالنا كلها ربا ! قال: لكم رؤوس أموالكم. قال: أفرأيت الخمر ! فإنها عصيرُ أعنابنا ولا بد لنا منها ! قال: فإن الله حرمها !".
وكانت ثقيف قد صالحت النبي "على إن مالهم من ربا على الناس وما كان للناس عليهم من رباً، فهو موضوع. فلما كان الفتح استعمل عتاّب بن أسيد على مكة. وكانت بنو عمرو بن عمير بن عوف يأخذون الربا من بني المغيرة. وكانت بنو المغيرة يربون لهم في الجاهلية. فجاء الإسلام ولهم عليهم مال كثير. فأتاهم بنو عمرو يطلبون رباهم، فأبى بنو المغيرة أن يعطوهم في الإسلام، ورفعوا ذلك إلى عتّاب بن أسيد. فكتب عتاب إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فنزلت: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين. فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله... إلى... ولا تظلمون. فكتب بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إلى عتّاب. وقال: إن رضوا وإلا فآذنهم بحرب". وذكر إن "بني عمرو بن عوف"، الذين كانوا يأخذون الريا من "بني المغيرة"، هم: "مسعود وعبد ياليل وحبيب وربيعة بنوعمرو بن عمير. وهم من كبار الملاكين والأثرياء في ثقيف.
وأسقط النبي عن أهل نجران كل ربا كان عليهم في الجاهلية، إلا رؤوس أموالهم فإنهم يردّونها وأسقط عنهم كل دم كانواُ يطلبون به.
وقد كان إرغام ثقيف وغيرهم من الذين كانوا يتاجرون بالربا على ترك الربا، والاكتفاء بأخذ رؤوس اموالهم إن كان لهم ربا في الجاهلية، خسارة كبيرة لهم، أرغموا عليها إرغاماً، لتحريم القرآن له. واحلال "القرضة الحسنة" محله، والقرض الحسن، هو اقراض المال للمحتاج اليه من غير اشتراط زيادة عليه حين إعادته، أي من غير ربا لذلك المال.
واضطر من كان له فضل ربا من ربا الجاهلية وهو في الإسلام على تركه والتنازل عنه. وعلى أخذ خالص ماله فقط الذي أقرضه للمدين من غير أي ربح. وفرض الإسلام على هؤلاء الدائنين أيضاً وجوب التساهل مع المدينين وتأجيل الدفع إن كان المدين في عسر وضيق حال حتى يتحسن حاله فيتمكن من الدفع.
وقد ذكر الفقهاء أن الربا ربوان: فالحرام كل قرض يؤخذ به أكثر منه أو تجرّ به منفعة فحرام، والذي ليس بحرام أن يهبه الإنسان يستدعي به ما هو أكثر أو يهدي الهدية ليهدى له ما هو أكثر منها وقد دعا بعض العلماء الربا الأولى ب "ربا البيع". وقال عنه انه هو الربا المحرم.
وأول اشارة وردت في القرآن الكريم إلى الربا، هي الاشارة الواردة في سورة الروم: )وما آتيتم من رباً ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله، وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون". وسورة الروم من السور المكية، أما المواضع الأخرى التي أشير فيها إلى الربا ففي سوره البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء ، وهي من السور المدنية. ويظهر من دراسة هذه المواضع إن حرمة الربا انما نزلت في المدينة، أما في مكة، فلم يكن قد حرّم، وانما حث الأغنياء على قرض المال للمحتاج اليه لوجه الله، مساعدة له، ويكون ثوابه عند الله.
وفي سورة "المزمل"، وهي من السور المكية، وتعد السورة الثالثة في ترتيب سور القرآن: )واقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضاً حسناً( ، وفي سورة التغابن )إن تقرضوا الله قرضاً حسناً، يضاعفه لكم ويغفر لكم(.
وهذه السورة هي من السور المكية كذلك. ولم يكن الربا قد حرّم في هذا العهد كما ذكرت. فيكون الإسلام قد وضع مبدأ القرضة الحسنة، وهو القرض لله وفي سبيله، بغير زيادة، والتبرع في سبيل الله، في موضع الربا في ذلك الوقت. فلما نزل الأمر بتحريمه، جعلت القرضة الحسنة، من أعمال البر والتقرب إلى الله. وصار كل قرض يؤخذ عليه ربح ربا محرماً،يعاقب الله الإنسان يوم القيامة عليه. ولعن آكل الربا ومُؤكله وكاتبه وشاهديه، وقد ذكر علماء التفسير في تفسيرهم الآية: )وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس، فلا يربو عند الله ، وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله ،فأولئك هم المضعفون(. إن هذا كان في الجاهلية يعطي أحدهم ذا القرابة المال يكثر به ماله. أو إن الرجل يقول للرجل: لأموّ لنك فيعطيه، فهذا لا يربو عند الله لأنه يعطيه لغير الله ليثري ماله، أو إن الرجل يلزق بالرجل، فيخف له وبخدمه ويسافر معه، فيجعل له ربح بعض ماله ليجزيه، وانما أعطاه التماس عونه ولم يرد وجه الله، أو هو ما يعطى الناس بينهم بعضهم بعضاً، يعطي الرجل الرجل العطية ليثيبه، يريد أن يعطي أكثر منها.
ويذكر العلماء إن رسول الله لما ظهر على مكة وضع يومئذ الربا كله ، وحتّم على المرابين أخذ رؤوس أموالهم من غير زيادة عليها، وذكر بعض العلماء إن التحريم نزل في ربا "بني عمرو بن عميربن عوف من ثقيف وفي بني المغيرة من بني مخزوم"، أو " في العباس بن عبد المطلب وعثمان بن عفان، وكانا قد أسلفا في التمر، فلما حضر الجداد قال لهما صاحب التمر لا يبقى لي ما يكفي عيالي إذا أنتما أخذتما حظكما كله،فهل لكما إن تأخذا النصف واضعف لكما ففعلا، فلما حل الأجل طلبا الزيادة، فبلغ ذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم،فنهاهما وأنزل الله تعالى هذه الآية فسمعا وأطاعا وأخذا رؤوس أموالهما". وقيل: "نزلت في العباس وخالد بن الوليد وكانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا، فاًنزل الله تعالى هذه الاية. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب".
فنحنَ إذن أمام أفراد وأمام شركاء كانوا يتعاملون بالربا، أي قرض المال في مقابل جر مغنم منه. وقد حصل هؤلاء المرابون على أموال طائلة منه. أضف إلى ذلك أنهم كانوا تجاراً، يسافرون الى الخارج ويربحون من تجارتهم هذه ربحاً حسناً.
ولضبط المدين الآخذ بالربا، كانوا يكتبون الدين ورباه في صحيفة، يكتب كاتبها اسمه فيها، ويكتب فيها اسم المدين واقراره بدينه للدائن، وبمقدار الزيادة. والغالب أنهم كانوا لا يذكرون أصل الدين، بل يذكرون الرقم الذي يبلغه هذا المبلغ مع فائضه مضافاً اليه، حتى يظهر الفائض وكأنه جزء من رأس المال. ويشهد على صحة العقد شاهدان. ولهذا لعن الرسول آكل الربا ومؤُكله وكاتبه و شاهديه.
وكان "أبو لهب" من أصحاب المال بمكة ومن المرابين. ذكر أنه كان قد لاط "العاصي بن هشام" بأربعة الاف درهم، فلما وقعت معركة بدر، استأجره بها على أن يجزىء عنه بعثه، فلم يخرج "أبو لهب" مع من خرج من رجال قريش. وكان "العاصي" قد أفلس، فلم يتمكن من دفع المبلغ ورباه ،َ فتنازل "أبو لهب" عنه على أن يخرج إلى بدر في مكانه. وفي سورة "تبت" اشارة إلى أن "أبا لهب"، كان ملاّكاً ذا مال وقد كسب كثيراً.
وقد كان أهل يثرب يقترضون المال والطعام من اليهود في مقابل ربا فاحش. فورد إن أنصارياً اقترض ثمانين ديناراً من يهودي، وقد اعطاه رباً بلغ خمسين في المئة من المبلغ لسنة واحدة. وقد وبخهم القرآن لأخذهم الربا وأكلهم أموال الناس بالباطل.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم! أود أن أشكر شبكة الحرية المالية على كل ما فعلوه من أجلي. لقد كنت أبحث عن مقرض جيد للقرض لسنوات عديدة ولم يكن هناك مقرض جيد ، لذلك أبحث في الشبكة ؛ خلال شهر رمضان ولكن للأسف كنت أقصد مقرضًا جيدًا وهو شبكة الحرية المالية وأقدم قرضًا منهم وقدموا لي قرضًا بقيمة 150 ألف دولار أمريكي أنا هنا لأشكرهم ويوصيهم للجميع هنا. إنهم مقرضون جيدون ، موثوقون ولديهم خوف من الله. لقد استلمت للتو قرضي [10-05-2021] ؛ ولله الحمد. البريد الإلكتروني: FreedomFinancialNetwork@outlook.com أو وكلاء whatsapp عبر الإنترنت على +393509056428 للحصول على قرض. انا اسمي محمود عبد الرحمن من القاهرة في مصر.
ردحذفالسلام عليكم! أود أن أشكر شبكة الحرية المالية على كل ما فعلوه من أجلي. لقد كنت أبحث عن مقرض جيد للقرض لسنوات عديدة ولم يكن هناك مقرض جيد ، لذلك أبحث في الشبكة ؛ خلال شهر رمضان ولكن للأسف كنت أقصد مقرضًا جيدًا وهو شبكة الحرية المالية وأقدم قرضًا منهم وقدموا لي قرضًا بقيمة 150 ألف دولار أمريكي أنا هنا لأشكرهم ويوصيهم للجميع هنا. إنهم مقرضون جيدون ، موثوقون ولديهم خوف من الله. لقد استلمت للتو قرضي [10-05-2021] ؛ ولله الحمد. البريد الإلكتروني: FreedomFinancialNetwork@outlook.com أو وكلاء whatsapp عبر الإنترنت على +393509056428 للحصول على قرض. انا اسمي محمود عبد الرحمن من القاهرة في مصر.
ردحذفكنت مدينًا بسبب عملي الخاص ، ولا يمكنني سداد ديوني في هذا الوقت ، وأخشى أن يتزايد ديوني إذا لم أدفع للشيك ولكن بحمد الله ؛ وأشكر شبكة فريدوم فاينانشال التي أقرضت 300 ألف جنيه. أوصي أي شخص بإرسال بريد إلكتروني إلى: FreedomFinancialNetwork@outlook.com أو Whatsapp +393509056428 للحصول على قرض عاجل
ردحذف