1652
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفصل التاسع والتسعون
ركوب البحر
والبحر فى رأي علماء العربية الماء الكثير، ملحاً كان أو عذباً، وقد غلب على الملح فقط، حتى قلَّ في العذب. وهو خلاف البر. وأطلق أهل العربية الجنوبية على البحر اللفظة نفسها التي نطلقها عليه، فيقولون "بحرم" أي بحر. وقد ذكر البحر في معاهدة التآخي والأخوة "تاخين" التي عقدت في القرن الرابع للميلاد بين ملك الحبشة "جدرت" والملك "يدع اب غيلإن " ملك حضرموت، لمقاومة ملك سبأ وذي ريدان. وذكر في النص المعروف بنص "أبنة"،حيث ورد: "وكل الت ذ بحرم ويبسم ومشرقم ومعربم ": ومعناه الحرفي: "وكل آلهة البحر واليابسة والمشرق والمغرب". وقد ذهب "رودوكناكس" إلى أن لفظة البحر تعني الجنوب، وأن لفظة "يبسم" "يابس" "يَبٌس" "يابسة" تعني الشمال، وأن معنى الجملة المذكورة: " وكل آلهة الجنوب والشمال والمغرب". وقد وردت اللفظة بمعنى "بحر" في نص"، "Glaser 830"، حيث جاء: "ببحرم ويبسم وكل تشعث وزبد"، أي "ببحر ويابسة وكل العطايا والهدايا".
ووردت لفظة "اليم" في القرآن الكريم، ويراد بها البحر. وقد ذكر بعض علماء اللغة انها لغة سريانية. وفي اللغة العربية ألفاظ أخرى مرادفة للبحرأيضاً، منها "القلمَّس"، و "الدأماء"، و "الكافر"، و " الحنبل"، و "الخضم"، و "العَيلْم"، وغير ذلك من ألفاظ ترد في كتب اللغة. ولجزيرة العرب سواحل طويلة تحيط بها من جميع جهاتها الثلاث، أما حدها الشمالي فهو أرض تتصل بالعراق وببلاد الشام. وقد عرف أهل السواحل البحر وعركوه، وعملوا على استغلال ثرواته قدر طاقتهم، وتعاملوا مع أهل السفن الذين كانوا يقصدونها من مسافات بعيدة، وركب جميع منهم السفن، للاتجار مع السواحل المقابلة لهم. فباعوا في أسواقها واشتروا، وقد أظهر أهل السواحل العربية الجنوبية والشرقية نشاطاً في ركوب البحر، لا نجده عند أهل السواحل الغربية، على ما يتبين من روايات أهل الأخبار.
ولتكوين رأي عن مدى وقوف الجاهليين على البحار وعلى مدى توغلهم فيها، وركوبهم أمواجها للتجارة أو للاستيطان في مواطن جديدة غريبة، لا بد لنا من الرجوع إلى مراجع لتستحلب منها مادة نكو"ن منها علمنا عن هذا الموضوع. والآثار هي أول ما يجب الرجوع اليه لاستخلاص هذه المادة، ولكنها ويا للاسف شحيحة، ليس فيها شيء كاف منها. وأما الموارد الأعجمية، مثل الموارد المدونة باليونانية واللاتينية والسريانية، فلم تتحرش بموضوع العرب والبحار وبتجارتهم في البحر. وأما الموارد الاسلامية، فهي بخيلة، ليس فيها ما يفيدنا عن العرب والبحر غير نزر يسير يفيد، إن أهل الجاهلية، كانوا يكرهون ركوب البحر، ويتهيبون منه، وانهم لم يكونوا يملكون سفنأَ لعبوره، حتى إن المهاجرين الأولين من المسلمين، لمّا هربوا من مكة إلى الحبشة، ركبوا سفنأَ بدائية حبشية، أوصلتهم إلى الحبشة، وان الخليفة".عمر" كان يتهيب ركوب البحر، وكان يوصي قواده بتجنيب جيوشهم مخاطره، والابتعاد عنه قدر الامكان، وبضرورة وضع أرض آمنة وراء الجيش ليكون في وسعهم الرجوع إليها عند المهالك والمآزق.
وانه لمّا كتب إلى "عمرو بن العاص"، يسأله عن البحر، فقال: خلق عظيم يركبه خلق ضعيف، دود على عود. كتب اليه "عمر" أن لا يركبه أحد طول حياته، فلما كَان بعد "عمر" لم يزل يركب حتى كان زمن "عمر بن عبد العزيز"، فاتبع فيه رأي "عمر". وكان منع عمر شفقة على المسلمين.
وقد عرف العربي عند الأعاجم ببغضه للبحر وبخوفه منه وبابتعاده عنه. ورد في حكم "أحيقار": "لا ترُِ العربي البحر، ولا تُرِِ الصيدوني "الصيداني الصحراء". وذلك لاشتهار العربي عندهم بسكنه في البوادي وبابتعاده عن البحر ولاشتهار أهل "صيدا" بركوبه وبقهر أمواجه.
وإذا كنا قد فشلنا في الحصول على صورة مفصلة واضحة عن العرب واليحر من الموارد التي أشرت إليها، وهي مادة المؤرخ في حصوله على مادته التأريخية، فليس لنا من سبيل لتكوين صورة ولو باهتة عن الموضوع، سوى الرجوع الى اللغة نستلهم من ألفاظها المتعلقة بالبحر وبوسائل ركوبه، ما فات وروده في تلك المصادر. فاللغة كما نعلم مظهر من مظاهر الحياة العقلية والعملية لكل أمة، وهي لم تخلق دفعه واحدة،ولم يأخذها الخلف عن السلف كاملة، وإنما خلقت بالتدريج وعلى قدر الحاجه، فإذا ظهرت أشياء جديدة خلق المتكلمون بها لها ألفاظاَ جديدة وإذا اندثرت أشياء، فقد تندثر ألفاظها. واللغة مثل الناطقين بها في حياة وموت مستمرين. وإذا حصرنا الألفاظ التي أطلقها الجاهليون على البحر وعلى وسائل ركوبه وعلى كل ما فيه، نستطيع اذن أن نعرف إذا كانوا يعرفونه عنه وماذا كانوا يجهلون من أمره.
فلنأخذ الألفاط المتعلقة بالبحر اذن سنداً لنا، من لغتنا العربية نستنبط منها علم الجاهليين به، مع العلم بأن هذه اللغة التي نزل بها القرآن الكريم لا يمكن أن تؤدي المهمة على أحسن وجه، لأنها لغة أهل بر"، وليس لأهل البر علم أهل الساحل به. والأحرى بنا الاستعانة بلغات أهل السواحل في مثل هذه الدراسة، لكننا لا نملك نصوصاً جاهلية مدوّنة بها، حتىنستنبط منها ما نريد، وليس في لهجات المسند عن البحر سوى نزر يسبر، ولكنا ما دمنا لا نملك وسيلة للإحاطة بعلم الجاهليين بالبحر سوى دراسة هذه اللغة، فما علينا إلا أن نتتيع ما جاء فيها عنه، وفي هذا الذي سنقف عليه تصوير لرأي المتكلمين بها باًلبحر،وهو تصوير يمثل رأي أهل البرّ عنه.
يقال لشاطىء البحر "الساحل" في عربية القرآن الكريم، وهوِ بمعنى ريف البحر وشاطئه. وقد وردت اللفظة في كتاب الله. وقد خصصت هذه اللفظة بالبحر، أما شط النهر، فقد عرف ب "الشاطىء". وبقال للساحل أيضاً "السيف" و "سيف البحر". وذكر علماء اللغة إن "العيقة" ساحل البحر وناحيته، وان "العدان"، موضع كل ساحل. وقيل هو الساحل نفسه.
وذكر إن " السيف ساحل الوادي، أو لكل ساحل سيف، وانما يقال ذلك لسيف عمان". وورد إن "الطف" و "الطفطاف" ساحل البحر.
و "القاموس"، بمعنى معظم ماء البحر، أو البحر، أو أبعد موضع فيه غوراَ، ووسط البحر، ولجة البحر، معظم البحر، ومنه بحر لجيّ، و "الشرم"، لجة البحر، وقيل موضع، وقيل هو أبعد قعره، أو الخليج منه. وقد ذكر "أمية بن أبي الصلت "الشروم" في وصفه جهنم:
فتسمو لا يغيبها ضـراء ولا تخبو فتبردها الشروم
والشرم، مرسى من مراسي خليج السويس، بينهما ستة مراحل.
و "العوطب"، لجة البحر، أو المطمئن بين الموجتين، أو أعمق موضع في البحر، و "الدردور" موضع في البحر يجيش ماؤه، قلما تسلم منه السفينة، و يخاف منه الغرق. و "الخليج"، وهو من البحر، سمي بذلك لأنه يجذب من معظم البحر، والخور الخليج من البحر، وقيل مصب الماء في البحر، وقيل مصب المياه الجارية في البحر إذا اتسع وعرض، وقيل: عنق من البحر يدخل في الأرض، والغبُ الضارب من البحر حتى يمعن في البر.
وذكر علماء اللغة أن الجزيرة إنماُ سميّت جزيرة لانقطاعها عن معظم الأرض أو لما جزر عنه. و "البضيع"، الجزيرة في البحر، والبحر نفسه. وأما "الدبر"، فقطعة تغلظ في البحر كالجزيرة يعلوها الماء وينضب عنها.
والسفينة هي واسطة النقل على وجه الماء في الاْنهار وفي البحار. وهي من الكلمات المعروفة في عربيتا، وقد أشير إليها في شعر عمرو بن كلثوم: ملأنا البرّ حتى ضاق عنّا وموج البحر نملؤه سفينا
وقد وردت لفظة "سفينة" و "السفينة" في القرآن الكريم، ويدل ذلك على انها من الألفاظ التي كانت معروفة ومستعملة بهذا المعنى في أيام ظهور ا لاسلام.
وعبر عن السفينة بلفظة أخرى هي "الفُلك"، وتقع على الواحد والاثنين والجمع. وقد وردت في مواضع متعددة من القرآن الكريم . كما يعبر عنها ب "مركب"، والجمع مراكب. ولو إن المركب كلمة عامة تطلق على كل ما يركب عليه، فالدواب هي مركب أيضاً لمن يركبها، غير إن "المركب" السفينة على سبيل التغلب والاصطلاح. وقد عبر القرآن الكريم عن السفن والمراكب بلفظة "الجاريات" و "الجوار"، و"الجارية" كما في هذه الاية: )وله الجوارِ المنشآت في البحر كالأعلام(، وكما في هذه الآية: )ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام(، وفي مواضع أخرى. و "الجارية" المركب أيضاً، صفة غالبة لأنها تجري على الماء.
وقد وردت لفظة "الفُلك" بصورة خاصة تعبيراً عن سفينة نوح الواردة في الطوفان. ويذكر بعض المفسرين أن السفينة، أيَ "الفُلك"، كانت مصنوعة من خشب الساج، )ذات ألواح ودُ سُرْ(، أي أن ألواحها قد التصقت بعضها ببعض ب "دسر" وهي المسامير.
وورد في القرآن الكريم: )والفلك التي تجري في البحر(. وورد في الشعر: جَوافِلَ في السراب كما استقلت فلوك البحر زال بها الشـرير
والفلوك هنا جمع "الفلك"، وأما الشرير، فشجر البحر. ويظهر من هنا أن "الفلك" هي سفينة من سفن البحر. وهي من السفن الكبيرة. وقد ورد في القرآن أيضاً )في الفلك المشحون( أي السفينة المشحونة المملوءة كما ورد: )حتى إذا كنتم في الفُلك وجرين بهم بريح طيبة(. وفي هذه الآية معنى مهم، يدل على إحاطة الجاهليين بالبحر وركوبهم فيه، وتسييرهم لها بفعل الرباح. وقد وردت في القران الكريم إشارات الى صنع الفلك والى سيرها مواخر في البحر.
ويقال للسفينة: "البارجة" أيضاً، والجمع "البوارج". وذكر انها السفن الكبار، وانها سفينة من سفن البحر تتخذ للقتال.
و "القرقور": ضرب من السفن، وقيل: هي السفينة العظيمة أو الطويلة. والقرقور من أطول السفن. وجمعه قراقير. وفي الحديث: " فاذا دخل أهل الجنةِ الجنةَ ركب شهداء البحر في قراقير من درّ".
و "الخليّة" العظيمة من السفن، والجمع خلايا. قال طرفة: كأنّ حدوج المالكـية، غـدوة خلايا سفين بالنواصف من دَدِ
وقال الأعشى: يَكُبُّ الخليةّ ذات القلاع وقد كاد جؤجؤها ينحطم
وقيل هي التي يتبعها زورق صغير.
وذكر إن من أسماء السفن الكبيرة "الخلج". وقيل انها دون العدولية. وأما "الصلفة" فسفينة كبيرة، و "الزنبرية" نوع من أنواع السفن الكبيرة. و "القادس": السفينة العظيمة، وقيل صنف من أصناف المراكب، اْو لوح من ألواحها.
وقد ضرب "لبيد ين ربيعة العامري" مثلاً بسفينة "الهندي" في طولها وعرضها وفي إحكام عملها، عملها صانعها من صفائح مشبوحة ودهنها وسدّ المسافات التي تكون بين صفائح الخشب حتى لا ينفذ منها ماء البحر. مما يدل بالطبع على وقوفه عليها وعلى شهرة تلك السفن في تلك الاْيام.
وقد اًشار بعض الكتبة من اليونان واللاتين إلى نوع من السفن دعوه" Madarata" ذكروا أن ميناء"عمانه"، "Omana "كان قد اشتهر ببنائه. وقد صنعت هذه السفن من الألواح المشدودة بالليف. وقد رأى بعض الباحثين أن هذه اللفظة من أصل عربي، هو "مدرّ عات"، ويراد بها السفن المشدودة بدروع النخل. ورأى آخرون أنها من أصل "Mabarata"، جمع "معبر"من أسماء السفن في لغة بني "إرم".
وذكر علماء اللغة أن "االمِعبٌر" ما عبر به النهر من فلك أو قنطرة أو غيره، والمعبرة سفينة يعبر بها النهر. فالمعابر إذن من الوسائل المستعملة في عبور النهر على ما يظهر من شرح أولئك العلماء.
وقريب من هذا الوصف وصف نوع من السفن عرف ب "العمائم". ذكر علماء العربية أنه: عيدان مشدودة تركب في البحر ويعبر عليها. وهو نوع بدائي بالطيع لا يمكن أن يقارن بالسفن التي كانت عند الرومان واليونان. و"الطوف" قرب ينفخ فيها ويشد بعضها الى بعض، فتجعل كهيئة السطح يركب عليها في الماء ويحمل عليها الميرة والناس، ويعبر عليها، وهو الرمث. وربما كان من خشب والجمع أطواف. وذكر بعض العلماء أن الطوف التي يعبر عليها الأنهار الكبار تسوى من القصب والعيدان يشدّ بعضها فوق بعض، ثم يقمط بالقمط حتى يؤمن انحلالها ثم تركب ويعبر عليها، وربما حمل عليها الحمل على قدر قوته وثخانته، و يرسمى: "العامة".
والرمث خشب يضم بعضه إلى بعض كالطوف ويركَب عليه في البحر. وفي الحديث إن رجلاً أتى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقالّ: إنا نركب أرماثاً لنا في البحر ولا ماء معنا، أفنتوضأ بماء البحر. فقال: هو الطهور ماؤه الحل ميتته. قال اًبو صخر الهذلي: تمنيت من حبـيُّ عُـلـيَةّ أنـنـا على رمثٍ في الشرم ليس لنا وفر
وذكر علماء العربية اسم نوع من السفن قالوا له: "البوصي". وقالوا انه فارسي معرب، وان الكلمة وردت في شعر" للاعشى. وُ ذكر أن "البوصي" الملاح، وقيل الزورق، وان الكلمة معربة "بوزي".
وذهب بعض علماء اللغة إلى إن "العدولية" الواردة في قول طرفة بن العبد: عدولية أو من سفين ابـن يامـن يجور بها الملاّح طوراً و يهتدي
سفناً منسوبة إلى قرية بالبحرين يقال لها "عدولي"، اًو إلى قوم كانوا ينزلون هجر، أو إلى عدول، رجل كان يتخذ السفن. ولا يستبعد إن يكون مراد الشاعر من السفن "العدولية"، السفن القادمة من ميناء "أدولس" "عدولي" ميناء تجاري على ساحل الحبشة اشتهر بالتجارة قبل الإسلام.
ويظهر من شعر طرفة المذكور، إن رجلا" اسمه "ابن يامين" كان تاجراً يملك سفناً، وأن سفنه كانت تمخر العباب. وذكر أيضاً أنه كان بحاراً، وورد "ابن نبتل" بدلاً من "ابن يامين".
وذكر علماء اللغة أن من أسماء المراكب المائية الصغيرة: الزورق والقارب والركوة. والزورق، السفينة الصغيرة، وقيل هو القارب الصغير. و"الركوة" زورق صغير.
وقد عرفت السفن المستعملة في القتال بأسماء خاصة، منها البارجة، وهي سفينة من سفن البحر تتخذ للقتال.
والشراع هو "ماكنة" السفينة وقوتها المحركة الدافعة لها. ويقال له "القبِع" أيضاً، وجلّ كذلك. وقد ذكر علماء اللغة، أن الشراع كالملاءة الواسعة فوق خشبة من ثوب أو حصير مربوع وتر على أربع قوى، تصفقه الريح فيمضي بالسفينة. ويظهر من هذا الوصف أن أشرعة أهل الجاهلية كانت بسيطة، ولم تكن متداخلة كأشرعة الروم. والشراع البسيط على النحو المذكور، يكون ضعيفاً فاتر الهمة لا يتمكن من دفع السفن الكبيرة، بل وقد لا يتمكن حتى من دفع السفن الصغيرة بسرعة، بسبب صغر حجمه، ثم إنه لا يتمكن من الاستفادة من قوة الريح، ومن استخدام هذه القوة في توجيه السفينة بسرعة نحو هدفها،والسير بها في عرض البحر، بينما يتمكن الشراع المكون من عدة أقلعة، من الاستفادة من الريح، ومن دفع السفينة دفعاً سريعاً، ومن حملها الى عرض البحر، فيقلص من المسافات ويبعدها عن أخطار لصوص البحر، ولذلك لم تتمكن سفن أهل الجاهلية من مواجهة سفن الروم ومن تحديها، حين دخلت سفنهم البحر الأحمر والبحر العربي والمحيط.
والدقل: سهم السفينة، وهو خشبة طويلة تشد في وسط السفينة، يمد عليها الشراع. والجؤجؤ: صدر السفينة، و "المرنحة": صدر السفينة كذلك، وعرى "الدقل" ب "الدوقل" كذلك وتسميه البحرية "الصاري". و "الصاري" الملاّح أيضاً، لحفظه السفينة. و "القب"، رأس الدقل، و "القرية"، خشبة مربعة على رأس القب.
وأما الذي يعدل اتجاه السفن وبغير من اتجاهها، فهو "السُكّان"، وهو "الكوثل" أيضاً. وذكر أيضاً إن "السكان" ما تسُكن به السفينة تمنع به من الحركة والاضطراب. وذكر بعض علماء العربية إن "الكوثل" مؤخو السفينة، وفيه يكون الملاحون ومتاعهم. والأغلب انه "السُكّان"، ويعبر عنه ب "الحيزرانة" كذلك. وبلفظة أخرى هي "الدويطرة". وقد عرفت بأنها كوثل السفينة.
ويعرف سكان السفينة ب "الخيزرنة" وب " الخيزران". قال النابغة يصف الفرات وقت مدّه: يظل من خوفه الملاّح معتصماً بالخيزرانة بعد الأين والنجـد
ويستعمل الملاحون "المجاديف" "المجاذيف" في تجديف السفينة.
و "المجداف" خشبة رأسها لوح عريض تدفع بها. ويقال له "المقذف" و "المقذاف" أيضاً. ولم يتطرق علماء اللغة ولا أهل الأخبار إلى عدد "مجاديف" السفينة الواحدة، أي إلى عدد رجالها الذين كانوا يجدفون بالمجاديف. فالسفن الكبيرة الضخمة تحتاج إلى عدد من المجدفين، قد يبلغون العشرات. وقد كانت سفن الروم، ذات طابقين بالنسبة للمجدفين، فيجلس عدد منهم في الطابق الأسفل، ويجلس فوقهم عدد آخر من المجدفين، لتسير السفينة بسرعة، وقد استخدموا هذه الطريقة في سفنهم الحربية بصورة خاصة، لأنها سفن، يجب إن تعتمد على السرعة وعلى خفة الحركة لتتمكن من التغلب على سفن الأعداء.
وأما "الُمردي"، فخشبة يدفع بها الملاّح السفينة. وذلك كي يحركها عند الشواطىء والسواحل حيث تكون المياه ضحلة. والقيقلان خشبة يدفع بها السفينة أيضاً.
ويقال للذي يشتغل في السفينة ويعمل على تسييرها "الملاّح"، ويقال له "صار" و "الصاري" أيضاً. وحرفته " الملاحة". و يقال للملاّح: "السفآن" كذلك، وهو الذي يشتغل في السفن،ويعبر عنه ب "النوؤي". والجمع "نوتية" و "نوّاتين". "وفي حديث علي، كرم الله وجهه: كأنه قلع داري عنجه وتية". وورد أن "النوتي" البحار، وهو من كلام أهل الشام. واللفظة من أصل يوناني.
و "الربّان"، أو "ربان السفينة"، هو قائدها الذي يجريها. ويرى علماء اللغة أنها دخيلة معربة.
ويقال للموضع الذي ترفأ اليه السفن "المرفأ". من أصل "رفأ" بمعنى أدنى. وورد في حديث "تميم الداري": "أنهم ركبوا البحر ثم أرفأوا إلى جزيرة". ويعبر عن " المرفأ" بلفظة " الكلاّء"و " المُكلا" أيضاً.لأنه يكلأ السفن من الريح، وذلك بحبس السفن فيه لحمايته من الريح ولإنزال ما فيها، وأخذ ما فيه من تجارة وناس. ويقال للمرفأ "الميناء" كذلك، وعرفوه بأنه الموضع الذي ترفاً فيه السفن. كما يقال له: "فرضة" و"فرضة البحر" و " المرساة"، البقعة التي ترسو السفينة.
ومن مصطلحات السفن في العربية، الشحن، فيقال شحنت السفينة شحناً بمعنى ملئت، ومخرت السفينة، أي جرت. وحبت السفينة، أي جرت، وجنحت السفينة جنوحاً إذا انتهت إلى الماء القليل فلزقت بالأرض فلم تمض، وجمحت جموحاً إذا تركت قصدها فلم يضبطها الملاحون، ويقال ماهت السفينة إذا دخل فيها الماء، ورست وأرست، إذا بلغ أسفلها ا القعر فثبتت،وإذا اًرسيت وسخرت أطاعت وطاب لها السير، وحدرت السفينة أحدرها، وتقاذفت في البر جرت، وشجتّ البحر قطعته. وهناك مصطلحات عديدة أخرى يشير ورودها في اللغة إلى معرفة في البحر وفي استخدام السفن في البحار.
وعند دنوّ السفينة من الأماكن التي تريدها، ترسو في مرفأ لتفرغ حمولتها أو لتحميلها أو لتزود بما تحتاج اليه من زاد وطعام، فتلقي بمراسيها في المرفأ تثبيتاً فلا تتحرك ولا تأخذها الأمواج ولا الرياح. وبسمي الملاحون الِمرساة "الأنجر"، ويكون من الخشب الصلب الثقيل أو حديداً أو حجراً كبيراً، وقد يكون على شكل كرة، وقد يكون على شكل مربع أو مستطيل، أو على شكل "خطاف"، أو حديد محجن. فإذا أرادت السفينة الرسو أنزل إلى الماء ليستقر على القاع فتثبت السفينة. وقد وصف "الأنجر"، انه خشبات يخالف بينها وبين رؤوسها وتشدّ أوساطها في كل موضع واحد، ثم يفرغ بينها الرصاص المذاب فتصير كصخرة، ورؤوس الخشب ناتئة تشد بها الحبال وترسل في الماء إذا رست السفينة، تعريب لنكر من أصل فارسي.
وقد ذكر علماء اللغة أن "السبابجة"، هم قوم من السند يستأجرون ليقاتلوا، وكانوا قوماً جلاوزة وحرّ س السجن في البصرة أيام الإسلام. وكان رئيس السفينة البحرية يستأجرهم ليكونوا معه يبذرقونها، أي يخفروتها ويقاتلون من بتصدى لها بسوء. وقد كانت بالأبلة التي عاشت قبل البصرة جاليات جاءت إليها من الهند، فقد كان الاتجار بين الهند وجنوب العراق وسواحل جزيرة العرب اتجاراً قديراً، وقد أقامت جاليات أخرى منها في موإضع من هذه السواحل، وقد أشتهرت إلى عثور العلماء على هياكل بشرية بأرض عمان، تمثل "الدرافيديين"، أي سكان الهند القدامى، والى وجود أثر لملامح هندية في سكان سااحل عمان تظهر عليهم حتى اليوم.
وصناعة السفن الكبيرة تحتاج إلى أخشاب صلدة قوية والى مسامير من حديد تستعمل في ربط الألواح والأخشاب بعضها ببعض، والى أيدي فنية عاملة، وعلم بهندسة بناء السفن. ولم تتيسر هذه الأشياء في جزيرة العرب. فالخشب الصالح لبناء السفن غير موجود في أكثر أنحائها، و لهذا اقتصرت صناعة السفن على السفن الصغيرة في الغالب، وهي سفن ليس في مقدورها اختراق آفاق البحار الكبيرة والمحيطات، والتجول بحرية في أية ناحية كانت من نواحي البحار الواسعة. ولم يكن لها إلاّ السير في محاذاة السواحل، و هو سير يكلفها كثراً، و على السفن أن تقطع مسافات طويلة معرضة نفسها لمخاطر الاصطدام بالصخور الكامنة في المياه ولهجمات لصوص البحر الجائعين و للجوء إلى مراسي كثيرة طلباً للماء العذب والزاد، ولتمضية وقت طويل، على حين لا تحتاح السفن الكبيرة إلى كل ذلك، فهي قادرة بفضل متانتها وقوة صنعها من اختصار المسافات وتقصير الوقت وحماية نفسها من هجمات لصوص البحر باستخدام الرياح البحرية، وقطع البحر باستقامة و بحُرية إلى أي ميناء يريده الربان.
وكان على أصحاب معامل السفن العرب استيراد الخشب القوي الصالح لبناء السفن من الخارج، أو شراء السفن جاهزة من الأسواق الخارجية، وفي كلتا الحالتين يتكلف المشتغلون بالتجارة البحرية تكلفاً باهظاً ويكونون عالة في قوتهم وفي أعمالهم على الخارج. وهذا ما سهّل للرومان واليونان والفرس مزاحمة الدول العربية الجنوبية في البحر الأحمر وفي المحيط الهندي، ومن إنزال خسائر فادحة في ثروة العرب، أثرت أثراً كبيراً في الأوضاع السياسية والاقتصادية لجزيرة العرب، كما أثرت عليها من الناحية العسكرية إذ جعلت السواحل كل مكشوفة مفتوحة من الوجهة الحربية فأنزلت الدول الكبرى في مواضع منها قواتاً لحماية مصالحها التجارية وقوافلها الحربية وذلك قبل الميلاد وبعد الميلاد إلى ظهور الإسلام.
والساج من أثمن الأخشاب وأنفسها في صناعة السفن، فهو خشب مقاوم صلب، وقد استورد من الهند. ويظهر انه هو الخشب الذي ذكر "ثيوفراستسوس"،Theophrastus، انه كان بجزيرة "تيلوس"Tylus ويقصد بها البحرين، والخشب الذي كان في ميناء "عمانة" عمان الذي أشار اليه صاحب مؤلف "الطواف حول البحر الأريتيري"، والذي ذكر انه خشب مستورد من ميناء "بريجازا" بالهند.
وقد صنع الجاهليون سفنهم وقواربهم بأيديهم، مستعينين بالخشب المستورد وبالخشب المحلى. صنعوها في مواضع متعددة من سواحل جزيرة العرب، ولا سيما على سواحل الخليج، حيث تيسر لسكانها استيراد الخشب الصالح لبناء السفن من الهند. وهي صناعة لا تزال حية، إلا إن الهرم بدأ يظهر عليها، وأخذت تتقلص، وأوشكت على توديع الدنيا، لتراكم الأمراض عليها، ولعجزها عن مد نفسها بمقومات الحياة الملائمة لعصر السرعة.
وتتكون السفن الكبيرة الجيدة من سقائف، وهي ألواح السفينة. وكل لوح سقيفة. وقيل إن اللوح من ألواح السفينة، هو القادس وأما ما بين كل خشبتين من السفينة، فيقال الطائق. وتخرز السفن بالليف، ويجعل في خللها القار والجلفاط الذي يجلفط السفينة، وهو أن يدخل بين مسامير الألواح، وخروزها مشاقة الكتان، ويمسحه بالزفت والقار، وقد تطلى السفن بالقار، وتدسر. ويراد بالدسر المسامير لغاية التسمير والتدسير. وبقال للموضع الذي يجتمع فيه اغلماء الراشح جمة المركب.
ولم ترد في نصوص المسند المصورة صورة سفينة نهتدي بها إلى معرفة أشكال السفن عند إلعرب الجاهليين. كذلك لم يعثر المنقبون حتى الآن على صورة لها في النصوص التي ظفر بها في أماكن أخرى من جزيرة العرب. ولا يستبعد ان تكون سفن العرب انواعاً متعددة، بحسب أغراضها ووفرة ألخشب الصالح لبناء السفن وعلى قدر اختلاط سكان السواحل بغيرهم من اصحاب السفن. ولا أستبعد أن يكون أهل العربية الجنوبية والعربية الشرقية قد تأثروا بصناعة السفن اليونانية والساسانية والهندية والافريقية لاختلاطهم بهم، ومجيء سفن هؤلاء إلى مراسي السواحل ا لعربية، ولتمكنهم من شراء الخشب الصلد الصالح لبناء السفن من افربقية والهند.
ولم تتمكن سفن ذلك اليوم، وحتى أعظمها وأكبرها من مناطحة عواصف البحار ومقاومة أمواجها، فكثرت أمراضها و عللها، وفي جملتها ااخروق التي كانت تصيب مواضع اتصال ألواحها، فتقكك أوصالها فتهلك، ويتعرض أصحابها إلى خسائر كبيرة أضف إلى ذلك تعرضها إلى تحرش لصوص البحر بها، الذين كانوا يترصدون السفن، فإذا وجدوا فرصة مناسبة، هاجموها لأخذ ما قد يقع في أيديهم من حمولتها النفيسة. ولهذا كانت أجور نقل التجارة بالسفن عالية، لتعوض عن خسائر السرقة والغرق، ثم إن أجواف تلك السفن كانت صغيرة، لاتتحمل حملاً كبيراً، فصار أصحابها لا يحملّونها إلا السلع الغالية التي لا تحتاج إلى مكان كبير وا التي تتحمل أرباحها دفع الأجور الغالية عن نقلها الى المواضع التي يراد ايصالها إليها.
ولا يتسع هذا المكان لذكر كل الألفاظ والمصطلحات التي لها علاقة بالبحر، فهناك أسماء لمختلف أنواع السفن، وأسماء أدوات كثيرة استعملت في السفن، وأسماء للساحل وللجزر وللنياتات البحرية زغير ذلك وردت في كتب اللغة، واليها يجب إن يرجع من يريد المزيد من هذه الألفاظ والمصطلحات، غير إن علينا إن ننتبه الى إن في هذه المصطلحات، مصطلحات عديدة دخلت العربية في الإسلام. وتفيد هذه الألفاظ والمصطلحات فائدة كبيرة في الوقوف على مدى تأثر البحرية العربية الجاهلية بالبحرية الأجنبية، وذلك بدراسة أصول هذه الألفاظ والمصطلحات لمعرفة المكان الذي جاءت منه والشعب الذي مون البحارة العرب بها.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق