572
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفَصْلُ السَّابعُ والثلاثون
مملكة الحيرة
ويظهر من وصف أهل الأخبار للحيرة أنها لم تكن بعيدة عن الماء وأن نهراً كان يصل بينها وبين الفرات. بل يظهر إن هذا النهر كان متشعباً فيها، بحيث كوّن جملة انهار فيها. اما نواحيها، فكانت قد بنيت على بحر النجف وعلى شاطئ الفرات، وربما كانت مزارع الحيرة واملاك أثريائها قائمة على البحر وشاطئ النهر ومن أنهار الحيرة نهر كافر. ويرى بعض أهل الأخبار إنه هو نهر الحيرة.
وقد أدى ميلاد الكوفة في الإسلام الى أفول نجم الحيرة، اذ انتقل الناس من المدينة القديمة الى المدينة الاسلامية الجديدة، واستعملوا حجارة الحيرة وقصورها في بناء الكوفة، وهذا مما ساعد على اندثار تأريخ تلك المدينة الجاهلية ولا شك. غير انها ظلت أمداً طويلا تقاوم في الإسلام الهرم إلى أن جاء أجلها فدخلت في عداد المدن المندثرة.
وقد عرف ملوك الحيرة عند أهل الأخبار ب "آل لخم" وب "آل نصر".
كما عرفوا ب "النعامنة" وب "المناذرة"، وذلك لشيوع اسم النعمان واسم المنذر فيما بينهم. وعرفوا أيضاً ب "آل محرق"، وفيهم يقول الشاعر الأسود بن يعفر: ماذا أؤمل بـعـد آل مـحـرق تركوا منازلـهـم وبـعـد إياد
أرض الخورنق والسدير وبارق والقصر ذي الشرفات من سنداد
وفي طليعة أهل الأخبار الذين عنوا بجمع أخبار الحيرة الأخباري الشهير، بل رأس أهل الأخبار في أمور الجاهلية: "هشام بن الكلبي". فله كتاب في "الحيرة" سماه "ابن النديم" "كتاب الحيرة وتسمية البيع والديارات ونسب العبادييّن"، وكتاب ثان سماه "ابن النديم" "كتاب المنذر ملك العرب"، وكتاب ثالث اسمه "كتاب عديَ بن زيد العبادي". وهي مؤلفات لم تصل الينا - وبا للأسف ! - نرجو أن تكون فيَ عالم الوجود، ليتمكن من يأتي بعدنا من الظفر بشيء جديد فيها، قد يفيد عشاق تأريخ الحيرة ويزيد في معارفهم.
وقد زارها نفر من السياح وكتبوا عنها، كما نبشت بعض البعثات الآثارية آثارها، وعالجت مديرية الآثار القديمة في العراق بعض نواحٍ من تأريخها، وقد توصل الحفّارون إلى العثور على نقوش من الجبس مما تُكسى به الجدر للزينة، وعلى جرار متعددة وآثار من هذا القبيل صغيرة بعضها من العهد الجاهلي وبعضها من العهد الاسلامي. غير انهم لم يعثروا حتى الان على كتابات جاهلية تتحدث عن تأريخ تلك المدينة القديمة السيئة الحظ.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق