651
( المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) د. جواد علي
الفَصْلُ الثَامِنُ والثَلاثون
عمرو بن هند
وقد قال "ابن قتيبة الدينوري" في تفسيره: "كان كسرى أرسل إلى مال إياس ليأخذه فنفرت عن ذلك طيء، وقد أراد أن يبطش بأناس منهم. فلما رأى ذلك كسرى، كتب لهم كتاباً في أمان، فقال زيد شعراً، هذان البيتان فيه، يحض قومه، وينهاهم أن يقبلوا كتابه، أو يطمئنوا إلى قوله". وليس في هذا الشرح كما نرى تفسيراً للسبب الذي دفع كسرى إلى المطالبة بمال إياس. هل كان ذلك بسبب اختلافه معه، أو بسبب آخر. ولا يعقل أن تكون هذه المطالبة في حالة صلح وعلاقات طيبة بين الجهتين، بل لا بد أن تكون عن ظروف سيئة لم يتطرق لها "ابن قتيبة".
وعندي إن هذه الحادثة إن صحت روايتها، وجب أن تكون قد وقعت بعد موت "إياس"، وتركه ثروة وأملاكاً طائلة، فأراد الفرس الاستحواذ عليها، وأخذ ما جمعه من مال، فحدث ما حدث.
وذكر الأخباريون بعد "إياس" رجلاً فارسياً. قالوا انه هو الذي حكم "الحيرة" وملكها في زمن "أبرويز"، وفي زمن شيرويه بن أبرويز، وفي زمن أردشير ابن شيرويه، وفي زمن بوران بنت أبرويز، وذكروا إن مدة حكمه سبع عشرة سنة أو أقل من ذلك. وسموّا هذا الرجل "أزادبه بن ماهيبيان بن مهرا بنداد" أو "أزاذبه بن يابيان بن مهر بنداذ الهمذاني"، أو "آزادبه بن ماهان بن مهر بنداد الهمذاني" أو "زادويه الفارسي"، حكم سبع عشرة سنة، من ذلك في زمن كسرى بن هرمز أربع عشرة سنة وثمانية أشهر، وفي زمن شيرويه ين كسرى ثمانية أشهر، وفي زمن أردشير بن شيرويه سنة وسبعة أشهر، وفي زمن بوران دخت بنت كسرى شهراً. ولكنهم لم يذكروا من أمره شيئاً، فلا نعرف من أعماله أي شيء مع طول مدة حكمه إن صحت رواية الأخباريين.
وأرى إن "دادويه الفارسي" الذي ذكر "حمزة الأصفهاني" انه كان قد ملك الحيرة، هو "زادويه" المذكور، وان النسّاخ قد أخطأوا في كتابة الاسم فصيرّوه على هذه الصورة، او إن "حمزة" نفسه قد أخطأ في التسمية، أو هو نقلها من كتابين مختلفين أو من مصدر واحد كتبهما بصورتين، فشايعه حمزة ولم ينتبه إلى انه صيرّ الأسم الواحد اسمين.
وذكر بعض أهل الأخبار إن الذي حكم بعد "آزاذبه" هو "المنذر بن النعمان ابن المنذر" المعروف ب "الغرور" أو "المغرور"، وهو المقتول بالبحرين يوم جُواثا"، " فكان ملكه وملك غيره إلى أن قدم خالد بن الوليد الحيرة ثمانية أشهر". وهو كلام مشكوك فيه. ففي الاخبار أن المنذر لم يحكم الحيرة، وإنما حكم البحرين في أثناء الردة، وذلك بأن ربيعة حينما ارتدت عن الإسلام قالت: نرد الملك في المنذر بن النعمان بن المنذر. فلما حارب المسلمون المرتدين، منوا بهزيمة منكرة، وسقط المنذر اسيراً في أيدي المسلمين. ويقال إنه أسلم على أثر ذلك، وسمى نفسه "المغرور" بدلاء من "الغرور"، وهو اللقب الذي كان يعرف به قبل اسلامه.
يتبع
( ان دراسة التاريخ تضيف الى الاعمار اعمارا ... و امة بلا تاريخ فهي بلا ماضي و لا حاضر و لا مستقبل )
يارب الموضوع يعجبكم
تسلموا ودمتم بود
عاشق الوطن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق